تنطلق،
يوم السبت المقبل، فعاليات مهرجان دمشق السينمائي الدولي في دورته السادسة
عشرة، ويعرض في حفل الافتتاح، الذي سيقام في دار الأوبرا بدمشق، فيلم
«ثلاثة قرود» للمخرج التركي نوري بلجي جيلان الفائز بجائزة أفضل إخراج في
دورة مهرجان كان الأخيرة، وهذا هو العرض العالمي الأول للفيلم بعد نيله
الجائزة المذكورة، فيما ستبدأ عروضه الجماهيرية في الصالات مطلع العام
المقبل.
إنها
بداية طيبة لمهرجان استطاع أن يحتل مكانة بارزة في قائمة المهرجانات
العربية والعالمية. وهذه هي الدورة الأولى التي تعقد إذ تحول المهرجان
سنوياً، بعدما كان يعقد مرة كل سنتين. ويرى الناقد السينمائي محمد الأحمد،
مدير المهرجان، في هذا التحول «أهمية كبرى، فهو يشكل نقلة نوعية في مسار
المهرجان لأنها تمهد الطريق للوصول إلى عقده تحت غطاء «الاتحاد الدولي
للمنتجين» الذي يشترط على أي مهرجان أن يكون سنوياً حتى يحظى بدعم معنوي،
وبعرض أول للأفلام، وباستقطاب نجوم عالميين، وكي يتسنى للمهرجان الحصول
بسهولة على الأفلام بغرض عرضها في التظاهرات المختلفة».
ويتابع
الأحمد، في حديث الى «الحياة»، بأن تزامن عقد المهرجان مع احتفالية دمشق
عاصمة للثقافة العربية «دفعنا إلى إيلاء اهتمام خاص بهذه الدورة من مختلف
النواحي، وحرصنا على أن يحضر المهرجان نجوم عالميون كبار، إذ سيكون الجمهور
السوري على موعد مع الفرنسية كاترين دونوف، والايطالية كلوديا كاردينالي،
والايطالي فرانكو نيرو، والأميركي ريتشارد هاريسون فضلاً عن نجوم السينما
العربية، وكذلك عملنا على وضع برنامج سينمائي حافل؛ ومتنوع يضم نحو 300
فيلم روائي طويل، وسيتم توزيع خمسة وعشرين عنواناً من العناوين التي تصدرها
المؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة الفن السابع».
تنوع
والواقع
أن مراجعة سريعة لنشاطات هذه الدورة، التي ستقام خلال الثلث الأول من تشرين
الثاني المقبل، تدل على أن مهرجان هذه السنة سيحتضن تظاهرات تشرع الأبواب
على مختلف التيارات، والمدارس، والاتجاهات السينمائية في العالم، وتمثل، في
تنوعها وتعددها، مسارات تطور الفن السابع منذ ظهوره في نهايات القرن التاسع
عشر، حتى اللحظة الراهنة. ففي هذه الدورة سيكرم المخرج المصري الراحل يوسف
شاهين عبر عرض مجموعة من أفلامه التي شكلت علامات مضيئة ضمن المشهد
السينمائي العربي، وثمة تظاهرات لمخرجين، ونجوم كبار من أمثال المخرج
الأميركي مارتن سكورسيزي (الذي سيعرض له نحو 18 فيلماً)، والروسي أندريه
تاركوفسكي صاحب «المرآة»، و «حنين»، و «طفولة ايفان»، و «سولاريس». وسيتيح
المهرجان التعرف على تجربة السينمائي الصيني الأبرز زانغ ييمو، كما ستعرض
مجموعة أفلام للنجمة السويدية غريتا غاربو التي سحرت المخرج الإيطالي
فيلليني، ذات يوم، وأوقعته في «جحيم» السينما و «نعيمها»، وستكرم السيدة
فيروز في إطار تظاهرة «فيروز والسينما»، إذ ستعرض أفلامها الثلاثة: «بياع
الخواتم»، «سفر برلك»، و «بنت الحارس».
والى جانب
هذه التظاهرات التي تعنى بتجارب، وإنجازات أسماء سينمائية معينة تركت بصمة
نافرة في تاريخ الفن السابع، ثمة تظاهرات مماثلة لا تتكئ على اسم بذاته، بل
تذهب إلى اختيار عناوين كبيرة تدرج تحت لوائها أفلام ظلت متوهجة في ذاكرة
محبي الفن السابع، ولعل من أبرز هذه التظاهرات، تظاهرة أوسكار أفضل فيلم،
وستعرض خلالها مجموعة من الأفلام السينمائية التي نالت تحديداً جائزة
«أوسكار أفضل فيلم» مثل «اماديوس»، «تصادم»، «ذهب مع الريح»، «العرّاب»،
«جميع رجال الملك»، «خارج أفريقيا»، «فورست كامب»، «قصة الحي الغربي»،
«كازابلانكا»...، وهناك تظاهرة «درر السينما الثمينة»، وتظاهرة «المدينة في
السينما»، وتظاهرة «البحر والسينما»، وتظاهرة «السينما السويسرية» بالتعاون
مع السفارة السويسرية بدمشق، وتظاهرة «الرواية والمسرح في أفلام المؤسسة
العامة للسينما» السورية، إضافة إلى البرنامج الرسمي للمهرجان إذ سيعرض
فيلم «العمى»، و «أجواء» و «سيراييفو يا حبيبتي»، و «لا مكان للمسنين»...
وغيرها. أما تظاهرة سوق الفيلم الدولي فستقدم مجموعة من الإنتاجات
السينمائية العالمية الحديثة بمعزل من قيمتها الفنية.
سينما
سورية
وسيتنافس
على جوائز المهرجان؛ وضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، أكثر
من عشرين فيلماً، إذ ستشارك سورية بفيلمين روائيين هما «أيام الضجر» لعبد
اللطيف عبدالحميد، و «حسيبة» لريمون بطرس (مع الإشارة إلى فيلمين سوريين
حديثين سيعرضان خارج المسابقة الرسمية، وهما «دمشق يا بسمة الحزن» لماهر
كدو، و»سبع دقائق إلى منتصف الليل» لوليد حريب)، وستشارك مصر، كذلك،
بفيلمين هما «خلطة فوزية» لمجدي أحمد علي، و «صائد اليمام» للمخرج إسماعيل
مراد، وسيمثل الجزائر فيلم «مال وطني» لفاطمة بلحاج، والمغرب فيلم «قلوب
محترقة» لأحمد المعنوني، وفيلم «عيد ميلاد ليلى» للفلسطيني رشيد مشهراوي.
وثمة أفلام قادمة من بلدان أجنبية، فمن ألمانيا هناك فيلم «أزهار الكرز»
للمخرجة دوريس دوري، ومن إيران «أغنية العصفور» لمجيد مجيدي، ومن التشيك
«جامع الفوارغ» لجان سفيراك، ومن إسبانيا «آثار الوحدة» لجيم روزاليس، ومن
بلجيكا «صمت لورنا» للأخوين داردين، ومن ايطاليا «سانيتاولا» لسالفتوريه
ميريو، ومن اليابان «أنشودة طوكيو»، ومن فرنسا «فرانسواز ساغان»... وعناوين
أخرى مثل «الكلاب تأكل بعضها»، «ابن الأسد»، «السماء والأرض والمطر»،
و «ألعاب مرحة»... وغيرها، فضلاً عن نحو خمسة وأربعين فيلماً تسجيلياً؛
قصيراً ستتنافس ضمن المسابقة الرسمية للأفلام التسجيلية؛ الوثائقية
والقصيرة.
ويرأس
لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة المخرج الفرنسي إيف بواسيه، أما لجنة
تحكيم الأفلام القصيرة فيرأسها رونالد تريش مدير مهرجان لايبزيغ للأفلام
القصيرة لعقدين من الزمن. وقد استُحْدِثت في هذه الدورة لجنة تحكيم ثالثة
برئاسة الفنان السوري دريد لحام لتحديد جائزة «أفضل فيلم عربي»، ما طرح
تساؤلات حول الأسباب الموجبة لتشكيل هذه اللجنة الجديدة، وقال الأحمد أن
«هذه الخطوة جاءت لتجنب الوقوع في التناقض، فإذا ما منحت اللجنة «الرئيسة»
الجائزة الذهبية لفيلم مصري مثلاً، فكيف لها، عندئد، أن تمنح جائزة «أفضل
فيلم عربي» لفيلم عربي آخر؟! ومن هنا قمنا بتشكيل لجنة التحكيم الجديدة
هذه، وهي مستقلة عن اللجنتين الأساسيتين، وستحكم فقط بين الأفلام العربية
المشاركة في المهرجان، وستمنح لأحدها جائزة «أفضل فيلم عربي».
من المبكر
الحكم على نجاح المهرجان أو فشله. لكن يمكن القول إن هذه الخريطة
السينمائية الملونة، والمتنوعة ستوفر وجبة سينمائية غنية لعشاق السينما
ومحبيها، ولضيوف المهرجان، وهي خريطة لا يمكن التقليل من أهميتها، فهي تشير
إلى أن ثمة حساً سينمائياً رفيعاً هو الذي يقف وراء اختيار الأفلام. ويؤكد
الأحمد أن اختيار الأفلام «لا يجرى على نحو عشوائي، بل نحن نعتمد على ذائقة
أصدقاء لهم باع طويل في مضمار السينما، كما نستعين بكاتالوغات السينما
العالمية، وبالمقالات السينمائية النقدية المنشورة في مطبوعات عربية
وأجنبية، ونأخذ في الاعتبار الأصداء الإيجابية التي تركها هذا الفيلم أو
ذاك في مهرجانات عالمية مرموقة مثل مهرجان (كان)، و (فينيسيا)، و (برلين)،
و (روتردام)، و (تورنتو)، و (القاهرة) وسواها، كي نتمكن من اختيار أفلام
مهمة؛ محملة بمضامين، وأفكار مبتكرة، ومشغولة، في الآن ذاته، بلغة سينمائية
جديدة، وجذابة».
رقابة
غائبة!
وينفي
الأحمد، في رده على سؤال حول الرقابة التي مورست على الأفلام، أن تكون لجنة
مراقبة الأفلام قد قامت بحذف أي مشهد أو لقطة من أي فيلم من الأفلام
المشاركة، «ولعل المتابع سيلاحظ بأن مقص الرقيب لم يمس أي فيلم»، معترفاً
بأن «أفلاماً أبعدت، في شكل نهائي، نتيجة احتوائها على جرعة عنف عالية، أو
على مشاهد جنس مجانية. فنحن آثرنا أن نعرض الفيلم كاملاً من دون اقتطاع
أجزاء منه، أو لا نعرضه البتة».
وأعرب
الأحمد عن اعتقاده بأن هذه الدورة «تحوي عناوين قد تكون الأفضل قياساً إلى
كل الدورات السابقة»، مشيراً إلى أن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية،
وإن اختلفت الرؤى، والمعالجة الفنية، وطريقة التناول، إلا أنها تشترك، في
غالبيتها، في النهوض بالهم الإنساني، فهي تتحدث عن الإنسان الذي يعيش في
هذا العصر المضطرب، وعن مشاغله، وأسئلته، وأحلامه، وتطلعاته، وآلامه
...وتلك هي القضية الأسمى للسينما، في رأينا، لذلك نحن نحتفي بـ «سينما
الإنسان» وننتصر له، خصوصاً، أن أحد أهداف مهرجان دمشق السينمائي يكمن في
«السعي إلى توطيد أواصر التواصل، والتفاعل بين الثقافات والشعوب».
الحياة اللندنية في 31
أكتوبر 2008
|