منذ سنوات
والمسلسلات الكوميدية السورية تنتقد رموز السلطة الفاسدة بأشكالها
المختلفة، من إساءة استغلال الوظيفة، الى الكسب غير المشروع من رشاً
واستغلال موارد الدولة، الى تجاوز رجال الامن لصلاحياتهم وانعدام شرعية
اجراءات التحقيق واستخدامهم التعذيب... وهذه الظاهرة خاصة بالكوميديا
السورية تحديداً، من دون الاعمال العربية الاخرى. وقد شهدت في الفترة
الاخيرة، زيادة جرعة النقد اللاذع من خلال زيادة جرعة الضحك والسخرية من
رموز تلك الفئة وممارساتها، فتفوقت بذلك على اشكال الدراما الاخرى في كشفها
للمستور والمسكوت عنه.
بداية لا
بد من الاشارة الى ريادة مسلسل «مرايا» في هذا المجال، فهو الذي فتح الباب
امـــام الكوميديا المحليـــة في ثمانيـــنات القـــرن العشرين، لتكون
طرفاً في النقد والفضح، متكئاً على موروث مسرحي سوري سبقه في هذا المجال،
من خلال تجربة مسرح الشوك في السبعينــات وما تلاها من التجربة المشتركة
للمســرح الــسياسي بين الفنان دريد لحام والساخر الراحل محمد الماغوط في
مسرحيـــات «كاسك يا وطـــن» و «غربــة» و «ضــيعة تشــرين». غير ان تجربة
«مرايا» رفعت من سقف النقد اللاذع بعدما أصبحت في متناول جمهور اكبر بكثير
من جمهور التجارب المسرحية تلك، خصوصاً مع عرض المسلسل في قنوات تلفزيونية
عربية قبل بداية الفضائيات، ثم توافر الحلقات على اشرطة فيديو متاحة لمن
يريد اقتناءها، الامر الذي وفر «تغطية مالية» للعمل في حال رفض عرضه من قبل
التلفزيون المحلي السوري.
استمرت
سلسلة حلقات «مرايا» في زمن الفضائيات، لكن تجربة اخرى خرجت من رحمها وان
في شكل اكثر جرأة في تسمية الامور بمسمياتها، والمقصود بذلك حلقات مسلسل
«بقعة ضوء»، هذا العمل الجماعي الذي استفاد من حيوية خريجي المعهد العالي
للفنون المسرحية والاصوات المجددة، بدءاً من الكتاب مروراً بالممثلين
وانتهاء بالاخراج، وانفتاحهم على التجديد في الشكل والمضمون بكامل العمليات
الفنية، بما فيها كلمات الشارة، والموسيقى المتميزة لطاهر مامللي التي كانت
بحجم سخرية نصوص اللوحات.
نجح «بقعة
ضوء» قي تقديم شخصية رجل السلطة الفاسد ورجل الأمن قامع الحريات، اضافة الى
تركيزه على شخصيات اخرى في المجتمع. والآن بعد ستة اجزاء من هذا المسلسل
الكوميدي الناقد المتميز، صار العمل من كلاسيكيات الكوميديا التي ثبتت
نفسها بقوة بحيث باتت الاسماء من ممثلين وكتاب ومخرجين تطل وتذهب ويأتي
غيرها، والمسلسل حاضر في الفضائيات، وان ظلت الاجزاء الاولى هي الاقوى
والاكثر تميزاً.
أما آخر
الاعمال الكومـــيدية في هــذا المجــال، فهو مسلسل «ايام الولدنة» الذي
يعرض الآن على بعض الفضــائيــات، من تألـــيف حكــم البــابا وإخراج مأمون
البني. في هذا المسلسل الــــذي جمع اسماء قوية ومتميزة، قدمت شـخصية رجل
الأمن بجرأة أعلى، من خلال تصويره العـــلاقـة بيـن مواطـن قضى عمره في
قيود المجتمع وسلطاته بتجــلياتها المختلفة. وعندما اراد ان يمارس حياته
بحرية يصطدم بموانع أمنية، بدءاً من شكلها البسيط المتمثل برجال الشرطة
والدوريات. لكن حجم القمع يتصاعد مع صعود رتبة رجل الأمن، وقد اضاف الفنان
باسم ياخور تفاصيل جديدة، خصوصاً بأدائه لهذه الشخصية الكاريكاتيرية التي
سحبت الضحكات من القلوب. وفي المقابل تطل عناصر الأمن «الناعمة» التي
تتعامل مع الضحية بسياسة وسلاسة، ودهاء ينهي الخصام بهدوء. قدمت الشخصية
بأداء جديد على الفنان دريد لحام الذي تميز فعلاً وسط «وحوش الكوميديا»
الذين شاركوا في هذا العمل وينتمون لأكثر من جيل.
رجال
الأمن والسلطة الفاسدة شخصيات تثير السخرية والضحك في الكوميديا السورية،
وقد يفوق حضورها وتأثيرها الاعمال الدرامية الاخرى التي قدمت فسادهم،
فالمشاهد بمزاجه الحالي المشبع بأخبار وصور الحروب والكوارث الطبيعية، لا
يريد ان يتعايش مع المشهد الأمني بتراجيديا تقلّب عليه الأوجاع. على صعيد
آخر، قد يؤثر الاداء الساخر لهذه الشخصيات على رؤية رجال الأمن لأنفسهم،
فيصححون من سلوكهم على ارض الواقع. وإذا صحت الاخبار التي تناقلها موقع
«العربية»، وتقول ان إدارة الأمن الجنائي في دمشق، تبحث في رفع قضية ضد
القائمين على مسلسل «بقعة ضوء» بدعوى تناوله لرجال الإدارة بطريقة لا تخلو
من الاستهزاء، فهذا يرجح ان «الاخوة» فهموا الدرس الكوميدي جيداً. وكما
يضيف الموقع، «ستكون هذه أول خطوة من نوعها اذ جرت العادة أن يتدخل الأمن
مباشرة من دون اللجوء إلى القضاء».
الحياة اللندنية في 18
سبتمبر 2008
رمضان
بنكهة «يو تيوب»
أمينة خيري
من الواضح
أن الثورة العنكبوتية أبت أن تبقى خارج السباق الرمضاني الإعلامي وقررت أن
تثبت هذا العام أنها قادرة على خوض حلبة المنافسة، ليس فقط كلاعب رئيسي،
ولكن كطرف يتمتع بقدرات ومميزات تفوق كل ما عداه. إذ بزغ موقع «يو تيوب» في
الأيام القليلة الماضية كمنافس بالغ القوة ومتفوق القدرات في العالم
العربي.
الطريف أن
تنامي الاستخدامات الشعبية لموقع «يو تيوب» حوّله خلال هذا الشهر كذلك إلى
أداة ووسيلة في آن لخدمة جموع الصائمين أو الراغبين في المشاركة في العبق
الرمضاني. زميلة عراقية مغتربة كانت تشير إلى «يو تيوب» وكأنه فرد من أفراد
الأسرة. ولم لا؟ وقد أتاح لها فرصة متابعة وصفات الأكلات العراقية التي لا
تتقنها بالصوت والصورة وهي على بعد آلاف الأميال من قريباتها وصديقاتها
اللواتي كن يقمن بالمهمة. كثيرون من الشباب اعتبروا الموقع ذاته وسيلة
لتفريغ شحنات الغضب في نهار رمضان من وعود رسمية زائفة حول تحقيق سيولة
مرورية على غير عادة شهر رمضان في شوارع القاهرة، فصوروا لقطات يقلد فيها
أحدهم مسؤولاً كبيراً في إدارة المرور وهو يكشف عن تفاصيل خطة تحقيق
«العرقلة المرورية»، وهي اللقطات التي تناقلها الآلاف من المتضررين مرورياً
خلال الأيام السابقة. فيلم كرتوني آخر حقق شعبية وانتشاراً كبيرين خلال
الأيام القليلة السابقة يصور رجلين عربيين ينتظران غروب الشمس لإطلاق مدفع
الإفطار، الذي ما أن ينطلق حتى يهدد الرئيس الأميركي بتطويق هذا العمل
الإرهابي، ويلوح سكرتير عام الأمم المتحدة بإرسال لجنة مفتشين دوليين لتقصي
حجم تلك الأسلحة ذات القدرة على الدمار الشامل، في حين يؤكد مندوب جامعة
الدول العربية أن الجامعة ستتصدى لهذه الهجمة الغربية على العرب. وفي
النهاية، يقرر الرجلان الاكتفاء بفرقعة بالون في بيتهما حقناً للمشاكل.
الأكيد أن
تقنية «يو تيوب» أتاحت مقداراً أكبر من التدليل وحرية الاختيار للمتلقي
الذي بات قادراً ليس فقط على اختيار نوعية البرامج والمسلسلات التي يتابعها
تلفزيونياً، ولكن على اختيار التوقيت الذي يشاهدها فيه. وعلى رغم أن
التلفزيون التقليدي ما زال يحتفظ باليد العليا من حيث نسب المشاهدة والقدرة
على جذب المشاهدين وخلق بيئة اجتماعية مصاحبة له من أكل وشرب وجلسة مريحة
وجمع حاشد من الأهل والأصدقاء، فإن مستقبل الشاشة الرمضانية ليس مضموناً في
ضوء الاختيارات والتنويعات، والأهم من ذلك قدرة المشاهد على تحديد ماذا
يشاهد ومتى!
الحياة اللندنية في 18
سبتمبر 2008
|