«ومن ماما
آمال وبابا رجائي إلى الابنة العزيزة فاطمة والابن الغالي حسين. ومن هاني
وزكي رجب إلى ...» كنا قبل سنوات ليست طويلة نتسابق في إرسال أسمائنا
وأسماء أهلنا وجيراننا إلى هذا البرنامج أو ذاك لنهدي هذه الأغنية أو تلك
إلى الأحباب، وكلنا أمل في أن تحظى الرسالة بانتباه المعد أو أي من
القائمين على البرنامج. ونمضي الساعات متشوقين لنسمع المذيعة وهي تتفوه
بالاسم، وتكون الصدمة قاسية لو انتهى البرنامج وأذيعت الأغاني من دون أن
نحظى بالذكر التلفزيوني. وعلى رغم أن الأغاني المذاعة تكون على الأرجح على
هوى المذيعة أو المخرج أو مهندس الصوت وليست بناء على «ما يطلبه
المشاهدون»، فإن كل ما كان يعنينا هو سماع الاسم على الأثير.
كان الأمر
يصل أحياناً إلى درجة إبلاغ الأصدقاء بموعد البرنامج المرتقب حتى يشاركونا
فرحة التفوه بأسمائنا على مسمع ملايين المشاهدين ومرآهم. لم يكن ذلك يحدث
في العصر الحجري أو في العصور الجليدية، لكنه كان يحدث قبل سنوات قليلة.
لكن بقاء الحال من المحال، واليوم لو سألت شاباً في مقتبل العمر أو مراهقاً
عن مدى رغبته في أن يسمع اسمه يذاع على هذه المحطة أو تلك باعتباره راغباً
في سماع أغنية ما، فإنه على الأغلب سينظر نظرة هي مزيج من عدم التصديق
والسخرية. قد يقبل هذا الشاب على إرسال رسالة قصيرة تظهر على الشريط أسفل
الشاشة تحوي إهداء أو وردة أو قلباً أو حتى جمجمة (علامة الخطر والتحذير)
إلى صديق ما، لكنه أبداً لن يهدي أغنية أو أمنية إلى فلان أو علان، لأن مثل
هذه المجاملة أمر غير وارد في هذا الزمان.
ثم إن
تفوه المذيع أو المذيعة باسمه لا يعني شيئاً، بل إن احتمالات أن يسمع
أصدقاؤه اسمه ينطق عبر محطة تلفزيونية ضئيلة جداً، فبدلاً من القناتين
الأولى والثانية، وفي عصور أكثر حداثة، الثالثة، هناك مئات القنوات التي
يتابعها الصغار والشباب. وسائل الاتصال والتواصل والمجاملات مرت في السنوات
الأخيرة بثورة حقيقية، ليس بالضرورة نحو الأفضل، ولكنها تغيرت شكلاً
وموضوعاً. وما كان يعتبره بعضهم قبل سنوات مثيراً ومسلياً تحول حالياً إلى
ملل وصرعة بالية. ويكفي أن مجرد شرح فكرة البرنامج الذي كان يبث على «إذاعة
فلسطين» في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، وكان بمثابة حلقة الوصل
الوحيدة بين الفلسطينيين في الداخل والخارج لطفل أو مراهق هذه الأيام مهمة
شبه مستحيلة.
فكيف يفهم
الصغير أن أماً لا تملك وسيلة اتصال بأبنائها سوى رسالة ترسلها عبر الأثير
مذيلة بعبارة «طمنونا عنكم». وكيف يقدر معنى أن تخبر ابنة أمها بأنها رزقت
مولوداً جديداً وأن ابنها الأكبر بلغ سن المدرسة من خلال مذيعة لا يعرفها
الطرفان؟ وكيف يتقبل فكرة أن يجامل صديقه أو ابن عمه أو خاله بإهدائه أغنية
من خلال المذياع أو التلفزيون، في حين أنه قادر على إرسال الأغنية له
بالصوت والصورة على هاتفه المحمول أو بريده الإلكتروني؟ لكل ما سبق، يمكن
القول إن زمن «ما يطلبه المشاهدون» انتهى.
الحياة اللندنية في 13
سبتمبر 2008
المُشاهد السعودي يرفع
أسهم «خليجية» وأسطورة القصبي والسدحان في خطر...
الدراما تسحق
البرامج في رمضان ... و«سلاح التوقيت» يحسم المواجهة
الرياض/
الحياة: بعد مضي الثلث الأول من شهر رمضان (موسم الاستنفار التلفزيوني
الأول بامتياز)، هل يمكن قراءة «المشهد الرمضاني التلفزيوني»؟ ما الذي تغير
عن العام الماضي؟ هل بدلت القنوات خططها؟ هل اعتمدت استراتيجيات جديدة؟ هل
هناك جديد؟!
الأكيد أن
صوت بعض «كتّاب الفضيلة» لا يزال يتساءل عن سبب زخم الإنتاج التلفزيوني
المخصص لهذا الشهر، متجاهلاً بذلك الاحصاءات التي تشير إلى أن نسب
المشاهدين - خصوصاً في السعودية - ترتفع في هذا الشهر تحديداً!
وقبل
الشروع في قراءة سريعة، أحد مصادرها التنقل بين القنوات على عجالة، تجدر
الإشارة إلى أن هذه القراءة مخصصة لـ «المشهد الرمضاني التلفزيوني» السعودي
فقط، لأنها ترتكز على احصاءات بنت أرقامها على استفتاءات سعودية. كما أن
الاحصاءات المعتمدة هنا، والمختصة بالقنوات والأعمال التلفزيونية، تعود إلى
الشركة الأشهر في هذا المجال «ابسوس»، بصرف النظر عن نسبة الخطأ المحتمل،
تحت ظل غياب المدقق والمنافس. وتلك الاحصاءات هي المحدد الوحيد لمعايير
النجاح في هذا المقال.
برامج
قديمة!
ليست صعبة
ملاحظة أن الانتاج الدرامي الجديد زحف في شكل واضح هذا العام على انتاج
البرامج، اذ اكتفت غالبية القنوات «الكبرى» ببضعة برامج «قديمة» أمام كم من
الأعمال الدرامية المكلفة! فمثلاً، أعادت «ام بي سي» الكرّة بتقديم برنامج
«حجر الزاوية» لسلمان العودة، وبرنامج «خواطر» لأحمد الشقيري، وبرنامج
«هيما شو». ويمكن قياس ذلك على قنوات أخرى كثيرة، تفضل تكرار البرامج
الناجحة على المخاطرة وانتاج برامج جديدة كلياً.
ولعل
«النجاح» ذاته كان سبب تكرار تجربة المسلسل السعودي «بيني وبينك» الذي يهدد
باغتيال أسطورة نجمي الكوميديا السعوديين ناصر القصبي وعبدالله السدحان.
كان الأخيران أوقفا عملهما الأشهر، على مستوى الأعمال السعودية «طاش ما
طاش»، وقدما تجربة جديدة حملت عنوان «كلنا عيال قريّة». لكن الاحصاءات
الأولية والتي ستصدر قريباً عن شركات الاحصاء، تشير إلى أن «بيني وبينك»
سيحتل المرتبة الأولى على مستوى نسبة مشاهدة الأعمال الرمضانية في
السعودية، بعدما احتل العام الماضي المرتبة الثانية بعد «طاش» وقبل «باب
الحارة 2». ومن يدري؟ ربما تحصل المفاجأة وتتهاوى أسهم عمل السدحان والقصبي
الجديد، إلى ما بعد المرتبة الثانية لتكون «فاجعة» لهما بعد سيطرة استمرت
لسنوات كثيرة مضت.
حتى «باب
الحارة» يتعرض هذا العام لاختبار صعب، لا يتمثل فقط في «قتل» نجومه القدامى
(سكان الحارة المحبوبين)، وتسليط المسلسل الضوء على «حكي النسوان» ونميمتهن
بدلاً من «الرجولة»، بل إن الاختبار يتمثل أيضاً في الوقوف أمام مسلسل آخر
هو «أهل الراية». وما يُبرز الأخير، النجوم أمثال جمال سليمان وعبدالرحمن
آل رشي، وأبطال آخرون علقوا بالذاكرة بأسماء شخصيات مثل «أبو صياح» و «أبو
عنتر»، في وقت مات فيه أبطال «باب الحارة». كما أن «أهل الراية» يتميز
بحبكة درامية عميقة تُعنى بالتفاصيل التاريخية، الأقرب إلى التوثيق من
الخيال.
قناة
دراما جديدة
وبالحديث
عن «أهل الراية»، لا بد من الإشارة إلى إحدى القنوات التي تعرضه وهي
«خليجية» التابعة لباقة «روتانا»، خصوصاً أن هذه القناة تدلل بقوة إلى زحف
الدراما وهيمنتها، فالقيمون عليها أعلنوا أنهم يراهنون على أن يكونوا قناة
العائلة الخليجية الأولى في رمضان. واللافت أن رهانهم ارتكز على الدراما،
بعرض 13 عملاً درامياً! على رأسها «أسمهان» و «عرب لندن» و «أبو جعفر
المنصور». والأكيد أن المشاهد السعودي لم يخيب ظنهم، فسلوكه كان مكشوفاً،
بناء على احصاءات السنوات الماضية وتجارب القنوات الأخرى، إذ ان «خليجية»
لم تضاعف نسبة مشاهديها في أول يوم من رمضان فقط، بل واقتربت جداً من
الدخول إلى لائحة أكثر عشر قنوات مشاهدة في السعودية، في الأيام القليلة
المقبلة، بحسب الرسم البياني الذي يشير إلى تصاعد حاد في نسبة المشاهدين.
وتقدم «خليجية» إلى المراكز الأُوَل في السعودية، بعدما كانت لا تقترب حتى
من المركز الـ 40، يؤكد قوة الدراما ومدى جذبها للمشاهد السعودي، ونجاح خطة
القيمين على القناة.
والانتاج
الدرامي الضخم في رمضان، هو الذي يحافظ على المراكز الأولى في لائحة الأكثر
مشاهدة في السعودية لفضائيات كثيرة على مدى سنوات مثل: «ام بي سي» ودبي
وأبو ظبي و «ال بي سي» والقناة الأولى السعودية... على رغم أن الأخيرة تشهد
تراجعاً ملحوظاً هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة.
سلاح
التوقيت
لا يمكن
القول أبداً ان الدراما وحدها هي السبب في ارتفاع أسهم القنوات عن بعضها
بعضاً، فالعمل التلفزيوني يشبه في أحد مفاهيمه أي منتج تجاري آخر، يحتاج
إلى الإعلان مهما كانت جودته، خصوصاً في ظل المنافسة المحمومة بين القنوات
الكثيرة الكثيرة. وبما أن القنوات أو المجموعات لا يمكنها أن تعلن في قنوات
أخرى منافسة، تبقى الصحف ثم الإعلانات في الشوارع والمجمعات، إضافة إلى
القناة ذاتها، المكان المناسب للتسويق للمنتج التلفزيوني. ونجاح الخطة
الإعلانية جزء لا يتجزأ من نجاح القناة في الموسم التلفزيوني.
هناك سلاح
آخر، لاح أخيراً في الأفق، وبات اللعب عليه واضحاً، وهو سلاح توقيت العرض.
فعبارة «الفترة الذهبية»، أي الفترة التي تلحق أذان المغرب - موعد الإفطار،
ليست عبارة جديدة على عالم التلفزيون والقنوات المهتمة بالمشاهد السعودي.
والمميز في هذه الفترة هو وجود أعلى نسبة من المشاهدين في المنازل في آن
واحد. إذاً ليس غريباً مثلاً، أن تكون هذه الفترة، ولسنوات تصل إلى 10،
ملكاً لمنتجي «طاش ما طاش» وبطليه حتى قبل انتقاله من التلفزيون السعودي
إلى قناة «ام بي سي». بل إنها بقيت ملكاً لهما حتى بعد إيقاف «طاش» وإنتاج
«كلنا عيال قرية» هذا العام. وما يؤكد أهمية هذه الفترة إلى اليوم هو
الصراع الذي اشتعل في الصحف السعودية عبر تصريحات للمخرجين السعوديين
عبدالخالق الغانم وعامر الحمود، يؤكد فيها كل واحد منهما أن «الفترة
الذهبية» ستكون من نصيبه. وبما أن توقيت «الفترة الذهبية» يختلف، بحسب
أذان المغرب، باختلافه في دبي والرياض ومكة مثلاً، راعت القنوات ذلك، بعرض
برامج قصيرة تُغطي الفارق بالتوقيت، مثل برنامج «خواطر» على «ام بي سي» أو
مسلسل «غشمشم» والكاميرا الخفية على «دبي».
الرهان
على جذب المشاهد في هذه الفترة هي «عصب الحرب» بين القنوات في رمضان، وكسب
هذه الجولة، قد يؤدي إلى كسب الحرب كاملة، باستمرار وجود القناة على شاشة
المشاهد طوال الليلة. وعلى سبيل المثال وبتوسيع هذه الفترة قليلاً، راهنت
«أم بي سي» على المسلسلين السعوديين الكوميديين «كلنا عيال قرية» و «بيني
وبينك»، فيما اختارت دبي المسلسل السعودي الكوميدي «غشمشم» والمصري «سوبر
هنيدي»، بينما زجت «روتانا خليجية» بقوتها، في هذا الوقت، ممثلة بمسلسل
«أسمهان» ثم المسلسل الكوميدي الكويتي «مسك وعنبر»، وقبلهما «نجم المقالب».
ويكمن ملاحظة أن «غشمشم» يبدأ قبل «أسمهان» بخمس دقائق، فيما يبدأ الأخير
قبل «كلنا عيال قرية» بـ 15 دقيقة! والأمثلة كثيرة ولا تقف عند هذا الحد.
كل ذلك، «من أجل عيونك» أيها المشاهد.
الحياة اللندنية في 13
سبتمبر 2008
|