كان
المشاهدون على علم بإنتهاء شخصية أبو عصام في مسلسل باب الحارة3.
إنما كانوا في حالة ترقب لكيفية حدوث تلك النهاية، فإذا بالمخرج يختار
نهايته من
خلال
معركة. مات ولم نره. بل علمنا بموته. وإذا بالزمن يقطع عبر التأريخ له من
دون
أدنى حد من الحدث الدرامي. ينتهي المولد النبوي وتؤرخ الشاشة لأشهر خمسة قد
مرّت
ثقيلة على حارة الضبع، يعلن بعدها أبو شهاب عودة الحياة إلى
طبيعتها 'بيكفي حداد'.
تتسلسل
الأحداث. تكبر أدوار لشخصيات أخرى. تظهر نساء حارة الضبع في حركة أكبر،
إنما
ظل
أبو عصام يبقى موجوداً. إذ من الصعب أن يتمكن الكاتب والمخرج معاً، من
إخراج
شخصية 'حكيمة وهادئة وصارمة' كشخصية أبو عصام من السياق
الدرامي لباب الحارة بهذه
السهولة. لذلك وعلى مدى الحلقات القليلة التي تابعناها حتى الآن، لم يكن
أبو عصام
قد
غادرنا كلياً، حتى وإن حلّ إبنه معتز مكانه في الدكان وراح يمارس مهنة
تركيب
الأدوية. ما نشهده حتى الآن في باب الحارة3 حضوراً متطوراً
نسبياً للشخصيات
النسائية. وربما عمل الكاتب على إضافة تأثير جديد لحضورهن، بعد الكثير من
الإنتقاد
الذي لحق بهذا المسلسل، والذي حصر المرأة سابقاً في دور
المطيعة كلياً، والثرثارة،
وغير الحكيمة، والمهمشة والموبخة من الرجل.
وبما أن
أبو شهاب تحدث عن عزوبيته
فمن الأحداث المتوقعة أن 'يُكمل دينه' بحيث تكون العروس الممثلة الجديدة
الداخلة
إلى هذا المسلسل جمانة مراد. ومن المتوقع أن يكون لها دور فاعل، إذ لا يمكن
أن
تكتفي ممثلة مثلها بتحقيق حضورها الجميل فقط وفي السياق نفسه لنساء
الحارة.
وكذلك ثمة
أدوار كبرت في هذا الجزء بمبرر أو بدون مبرر، والمقبل من
الأيام سيؤكد ذلك بمزيد من التفاصيل.
وهكذا
تمكنت قناة أم بي سي بأموالها
الطائلة من سحب مسلسل باب الحارة3 من فم قناة 'المنار' اللبنانية بعد أن
عرضته على
مدى سنتين. وكمشاهدين نكاد نضيق ذرعاً بتدفق الإعلانات على هذا المسلسل،
لذلك لا
نجد دواءاً شافياً منها سوى الإنتقال على سبيل المثال لمتابعة
مسلسل 'أسمهان' على
قناة الجديد. دولارات وسيارات 'دولارات وسيارات'. هذا هو عنوان برنامج طوني
خليفة
على قناة الجديد الذي أعاده إلى إنطلاقته الأولى في برامج المنوعات. إنها
الإتصالات
الهاتفية والأسئلة والربح أو الخسارة ولا ثالث لهما. عنوان
لبرنامج يفتح شهية
التجريب والمغامرة. فالدولارات موجودة في الخزنة، والسيارات تلمع وتبرق على
الكورنيش.
في سياق
أحدى حلقات هذا البرنامج تعرفنا إلى أن طوني خليفة 'بيزعجني
أن أتلاقى بمرا عم بتسوق'. قول لم نسمعه 'خبط لزق' طبعاً، بل
سياق جواب على سؤال
لمشاهد 'ما الذي يزعجك أثناء قيادة السيارة؟. هكذا وبكل بساطة أعلن طوني
موقفاً
عنصرياً من المرأة وعلى الهواء مباشرة، وهو يدرك تمام الإدراك أن حوادث
السير
بمجملها هي من فعل الرجال، ومخالفة القوانين كذلك. هذا ليس
بقول يطلق كدفاع عن جنس
حواء في قيادة السيارات، بل هذا ما تؤكده الإحصاءات التي تقول بأن شركات
التأمين في
غاية الرضا عن زبائنها من النساء لأنهن يكلفنها أقل من الزبائن الرجال.
'دولارات
وسيارات' برنامج حظ وربح بعد الكثير من البرامج ذات الشأن التي
قدمها طوني خليفة.
أعلن عزوفه عن إستقبال الفنانات والفنانين الذين يرغبون قبل الحضور بمبالغ
مالية
كبيرة، وهو فعل خيراً في ذلك وأراحنا. لكننا كنا نتمناه مع برنامج أكثر
قرباً من
شهر رمضان. برنامج فيه عمل خير على سبيل المثال. الشرق والغرب
لم يلتقيا! في حلقة
إستقبل خلالها الفنان الكبير صباح فخري وولده أنس أبو قوس لم يصل الزميل
غسان بن
جدو إلى قناعة الضيف الكبير بأن تكاملاً يسود بين فنه العربي الشرقي الأصيل
وفن
إبنه الغربي تماماً.
ففي سياق
التنويع المرن المتاح لبرنامج 'حوار مفتوح' على
قناة الجزيرة كان هذا اللقاء بين نقيضين في الفن رغم إصرار صباح فخري على
غير ذلك.
فصباح فخري الأب كان حاضراً أكثر منه الفنان. في حين أن الإبن أطلق تعبير
'إشكالية'
على ما
بينه وبين أبيه. وهو تعبير كاف ليقول أو يحدد المسافة بين فنين.
المفاجأة
التي أعدها برنامج 'حوار مفتوح' كانت في تقرير مصور ظهر فيه
شادي الموشحات والقدود
وهو يقدم إبداعه الذي يعترف به الجميع شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً. ومن
ثم ظهر
أنس أبو قوس يؤدي مع فرقته الروك أند رول وهو يهتز بكليته مع الموسيقى
والآداء، في
حين كان الجمهور يصرخ ويصرخ، والزنود مرفوعة في الهواء تطلب
المزيد وتعبر عن
إعجابها. وبعد هذين المشهدين المتناقضين جداً سأل بن جدو عن التكامل في أن
نبدأ
بالقدود الحلبية وننتهي بمايكل جاكسون العرب؟ فكان الرد بأن أنس يحقق سعادة
فيما
يقدمه، كما يحقق تآلفاً مع ذاته رغم إختلافه عن صباح فخري.
حضور
الحلقة لم يقتصر
على الأب والإبن بل كان نقاد وصحافيون وجمهور. وكان نقاش لا يخلو من حدّة
بين أنس
ونقاد، منهم من وجد فيما يقدمه من فن قتل للمثال، أي قتل للأب. ومنهم من
رأى فنه
مغايراً لإيقاع حياتنا كشرقيين. حينها سعى الأب صباح فخري إلى
محاولة حمل العصا من
وسطها، فلا أربك إبنه بنقد سلبي لفنه، ولا هاجم النقاد الذي أعلنوا منذ
البداية
تعلقهم بفنه الأصيل. وهنا إستدعى الموقف سؤالاً من الزميل بن جدو: هل تتحدث
كأب أو
كفنان؟ وهذا السؤال زاد في حرج غير ظاهر لصباح فخري، وفي لياقة
ظاهرة لغسان بن جدو
الذي لم يقل مباشرة لضيفه إن كان يشعر بخيبة أمل بإبنه على الصعيد الفني.
وفي
النهاية عبّر فخري عن مشاعر وأمنيات دفينة لديه قال فيها: أنس
يبحث عن ذاته من خلال
تجارب فنية، وهو سيعود إلى أصالته وتراثه والمستقبل سيثبت ذلك.
برأينا
المتواضع
ليس هناك
وجه للمقارنة بين صباح فخري وولده، وهي مقارنة بين نقيضين. وإن كان فن
صباح فخري عالي الجودة والأهمية على كافة المستويات، من الممكن أن يكون فن
أنس أبو
قوس الغربي ذات أهمية ويطرح موضوعاً معبراً عن واقع الشباب
وتطلعاته. لكن لم يتسن
لنا الإطلاع عليه عن كثب لإطلاق الحكم.
في كل
الأحوال عبرّ أنس أبو قوس عن رفضه
للواقع، وبعض من الجمهور وجده ناطقاً بلسانه ومعبراً عن أفكاره. وصباح فخري
في نيته
تقديم ديو مع ولده يشبه حضور وديع الصافي مع الفنان الغجري
خوسيه
فرناديز.
بدورنا
نقول: حسناً فعل أنس أبو قوس في إختيار دربه الفني. وهو لو فكر
للحظة بسلوك درب والده لفتح عليه أبواباً لا تعد ولا تُحصى من
النقد الذي سيقارنه
مع
والده بتفصيل التفصيل. والمقارنة مع صباح فخري خاسرة من الآن وحتى أربعة أو
خمسة
عقود مقبلة. فالحياة لا تُنجب كباراً على الدوام. هي ضنينة بهم. وهذا ما
فعله أبناء
وديع الصافي المعروفون بأصواتهم القديرة، لكنهم إبتعدوا عن
الإحتراف تجنباً لمقارنة
خاسرة، بوجود فنان له حضوره الآخاذ كوديع الصافي. في كل الأحوال كانت حلقة
مسلية
ومفيدة وطرحت إشكالية فنية قائمة وهي في طريقها لأن تكبر في المستقبل.
'صحافية
من لبنان
zahramerhi@yahoo.com qpt2
القدس العربي في 5
سبتمبر 2008
|