تواجه بعض
الأعمال الدرامية
السورية التي تعرض في المحطات التلفزيونية في دورة رمضان، معركة شرسة مع
الرقابة
السورية، ومع جهات حكومية أخرى وصلت حد التلويح باللجوء إلى القضاء، بحجة
الإساءة
والقذف والتشهير.
المعركة
بدأت بمنع عرض مسلسل (أسمهان) على قنوات التلفزيون
السوري... بحجة اعتراض بعض أقرباء المطربة الراحلة حول الصورة (غير
المثالية) التي
تقدم بها، وحسب مصدر مطلع فإن أسباباً أخرى وقفت وراء المنع
منها ادعاء وتهويل
بعضهم أن في العمل (إساءة إلى الطائفة الدرزية) التي تنتمي إليها المطربة
أسمهان!
منع عرض
مسلسل (أسمهان) من العرض في التلفزيون السوري، لم يحل دون تسابق
المحطات الأخرى على عرضه... وبالتالي فالمشاهد السوري يتابعه
في خيارات عرض مختلفة،
لم
يؤثر عليها مطلقاً موقف التلفزيون السوري السلبي منه!
)رياح
الخماسين)... دراما عن معتقل سياسي!
وبعيداً
عن الاعتبارات الشخصية،
واعتراضات الأهل... واجه مسلسل (رياح الخماسين) للكاتب أسامة إبراهيم
والمخرج هشام
شربتجي، معركة قاسية بعد أن أوقفت الرقابة عرضه على القناة الثانية في
التلفزيون
السوري، وعلى قناة (الدنيا) الخاصة المقربة من السلطات
السورية... إلا أن إدارة
القناة نفت من جهتها أن تكون قد امتثلت لأوامر رقابية... كما قيل إن هناك
ضغوطاً
(لم
تتأكد مدى صحتها) مورست على قناة (الجديد) اللبنانية، لوقف عرض العمل الذي
يتحدث عن معاناة معتقل سياسي قضى خمس عشرة سنة في السجن قبل إطلاق سراحه،
حيث يتم
رصد علاقته بالمحيط وتعامله مع بيئته وعائلته، كما يرصد مساعيه
للحصول على عمل،
والمضايقات التي يتعرض لها جراء كتابة التقارير التي تشكك بولائه
وانتماءاته
السياسية، وتجعل من سجنه وصمة تلاحقه.
وقد علم
لاحقاً أن الرقابة السورية تراجعت
عن
حظر عرض مسلسل 'رياح الخماسين' وأعطت موافقة بالسماح بالعرض والتصدير بعد
عرض
المسلسل على لجنة مشاهدة مختصة في إعادة مشاهدة الأعمال التي
تحيلها إليها إدارة
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ضوء تظلم الجهة المنتجة.. إلا أن
اللجنة
المذكورة لم تعط موافقتها إلا بعد طلب الكثير من الحذوفات التي طالت الكثير
من
التفاصيل المؤلمة التي عرضها المسلسل، الذي يعتبر هو الأول من
نوعه في سياق التطرق
لمعاناة تجربة الاعتقال السياسي وذيولها في سورية.
)بقعة
ضوء) سخرية من
الأمن الجنائي!
أما الجزء
السادس من مسلسل (بقعة ضوء) الذي خفتت حرارته في
الجزأين الأخيرين... فقد تعرض لحذوفات كثيرة، عبّر مخرجه سامر البرقاوي عن
ضيقه
منها، وطلب من الرقابة استشارته على الأقل في الحذوف كي لا
يؤثر ذلك على سوية
ومضمون اللوحات الانتقادية التي يقدمه فيها العمل هذا العام، تشريحاً
للواقع السوري
بمختلف جوانبه ومظاهره السلبية التي تنخر الحياة العامة.
وعدا عن
حذوفات رقابة
المشاهدة في التلفزيون السوري، فقد استفزت لوحة (كرت عزيمة) للكاتبة رنا
الحريري،
إدارة الأمن الجنائي في سورية، التي أفادت مصادر مطلعة في التلفزيون السوري
لـ (القدس العربي) عن نيتها رفع دعوى قضائية باسم وزارة الداخلية، ضد وزارة
الإعلام
والهيئة
العامة للإذاعة والتلفزيون، لأنها من أعطت الموافقة على تصوير النص، ثم
لأنها سمحت بعرض هذه اللوحة التي تسيء للأمن الجنائي... ناهيك عن مقاضاة
أسرة مسلسل
(بقعة ضوء) الذين توعدهم مصدر رفيع في إدارة الأمن الجنائي بأنهم (سيدفعون
ثمن
سخريتهم
ممن يسهرون على أمن الوطن) معتقداً أن (هذه الإساءة المتعمدة إنما تخدم
أعداء هذا البلد وهذا ما لن نسكت عنه أبداً)
وكان
الفنان باسم ياخور قد أدى
بطريقة ساخرة، ولا تخلو من استفزاز فني محبب، دور ضابط في الأمن الجنائي
يتولى
التحقيق في قضية سرقة سيارة، وفي صباح اليوم التالي تعود السيارة إلى
مكانها وفي
داخلها بطاقة دعوة لثمانية أشخاص على مأدبة غداء في أحد
المطاعم خارج المدينة،
فيحضرها الضابط وعناصره إضافة إلى صاحب السيارة الشاب وزوجته، اللذين
يكتشفان سرقة
منزلهما عند عودتهما إليه، حيث استغل سارق السيارة هذه الحيلة لإبعادهما
وإبعاد
عناصر الأمن عن المنزل كي تتاح له سرقته بسهولة... وقد حفلت
اللوحة بالكثير من
المفارقات التي صيغت بأسلوب كوميدي فاقع، فيه تهكم واضح على قدرة الأمن
الجنائي على
التخفي، وإشارات ساخرة حول طريقة تقاضي بعض عناصره للرشاوى
وتفكيرهم الدائم بها
أثناء عملهم.
لوحات
أخرى ممنوعة!
وقد علمت
(القدس العربي) من مصادر
في
التلفزيون السوري، أن هناك العديد من اللوحات الأخرى في مسلسل (بقعة ضوء)
التي
رفضتها الرقابة في التلفزيون السوري ومنعت عرضها، ومنها لوحة بعنوان (مفجر
الجسر)
يقوم فيها صحافي بزيارة إحدى البلدات في المنطقة الجنوبية من سورية،
للتحقيق في
حادثة تفجير جسر أثناء الاحتلال الفرنسي... إلا أنه يفاجئ في النهاية أن كل
أهالي
القرية يدعون أن أجدادهم أو أحد أقاربهم هو من قام بتفجير الجسر!
وقد رفضت
الرقابة
هذه اللوحة لأنها تشير إلى بيئة محددة، ولأنها تتهم عامة الشعب السوري
(بالمتاجرة
بالوطنية) على حد تعبير بعض الرقباء!
وأمام هذه
المعارك الرقابية
التي تثير الشارع السوري، وتدفعه لمزيد من الاهتمام بالأعمال التي يلاحقها
مقص
الرقيب، لأنها تشكل برأي الكثيرين- أفضل دعاية على مستواها الفكري المتميز،
فإن ثمة
الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها من قبيل:
1-
كيف تتم
إجازة نصوص هذه
المسلسلات قبل تصويرها (وهو أمر ملزم لجميع الأعمال
التلفزيونية التي تصور على
أراضي الجمهورية العربية السورية مهما كان مصدر إنتاجها) ثم تمنع أثناء
العرض؟!
2-
ما الذي
يجنيه التلفزيون السوري، سوى المزيد من سوء السمعة حين يرى المشاهد
السوري بعض تلك الأعمال وهي تعرض كاملة على المحطات الأخرى، بينما تعرض على
قنواته
الوطنية وقد حذفت منها العديد من المشاهد والجمل واللقطات!
وقد
توجهنا بهذه
الأسئلة إلى أحد المطلعين على آلية عمل الرقابة فأفاد بأن المشكلة الأساسية
التي
تؤدي لمثل هذه الازدواجية في المعايير الرقابية، هو كون لجان قراءة النصوص
تابعة
لجهة (مديرية الإنتاج التلفزيوني) بينما لجان المشاهد تابعة
لجهة أخرى (رقابة
البرامج التابعة لمديرية التلفزيون) وبالتالي لا يوجد تنسيق بين الجهتين...
كما أن
العديد من رقباء النصوص (لا يقرأون ما بين السطور) ومنهم من تم تكليفه بهذه
المهمة
(كتنفيعة لا أكثر) حسب المصدر المطلع!
أما فيما
يتعلق بالسؤال الثاني... فيتذرع
المسؤولون في التلفزيون السوري عموماً، بأنهم يعملون في محطة رسمية،
وبالتالي لا
يجوز عرض ما تعرضه المحطات الأخرى من أفكار وطروحات نقدية...
لأن هذا يسيء للخطاب
الرسمي الذي يمثله التلفزيون ويتبناه ويدافع عنه!
وأيا يكن
من أمر... فالمعارك
الرقابية التي تواجهها بعض المسلسلات السورية في دورة رمضان، تؤكد بالنسبة
لكثير من
المتابعين أن الفن في سورية ما زال بخير... وأنه أمام جمهرة الكتاب الذين
يرون في
الدراما التلفزيونية تسلية سطحية تدر الكثير من المال، ثمة
كتاب مازالوا يأملون بأن
يحققوا اختراقات في تصوير الواقع المعاش والتعبير عن آلامه ومعاناته التي
تتفاقم
يوما بعد يوم، ولا سبيل للحد منها، إلا بتسليط الضوء عليها بكل جرأة وسخرية
واستفزاز إذا تطلب الأمر... وحتى لو وصل الأمر بالمستفزين إلى
ساحات القضاء!
القدس العربي في 26
سبتمبر 2008
|