«خبّئ
القرش الأبيض لليوم الأسود» مثلٌ يبدو أن المحطات التلفزيونية حوّرته
قليلاً، فهي لا تخبّئ برامجها المميّزة للأيّام السود بل تتركها لأفضل
الأيام فيصير المثل عندها «خبّئ برامجك البيض للشهر الأبيض»، أي شهر رمضان
المبارك، هذا الشهر الذي تشتدّ فيه المنافسة بين المحطّات.
سنة بعد
سنة يزداد إتقان المحطات اللبنانية إعداد شبكة برامجها خلال رمضان، إذ باتت
تعرف ما يشدّ المشاهدين أكثر، وصارت تدرك التوقيت المناسب لكلّ برنامج،
فنراها بمعظمها اختارت برامج تسلية وربح، إضافة إلى المسلسلات الدرامية،
ومن دون نسيان البرامج الدينية. وبما أنّ المحطّات التلفزيونية اللبنانية
تبثّ أرضياً وفضائياً، نلاحظ أنّ غالبيتها فصلت بعضاً من برامجها فخصّصت
برامج للمحطة الأرضية وأخرى للمحطّة الفضائية. وقبل بداية الشهر الفضيل
بنحو شهرٍ بدأت الإعلانات عن البرامج تظهر على الشاشات، بعضها يريد أن
يُعلِن من دون أن يفضح التفاصيل، وبعضها الآخر يحاول أن يشدّ المشاهدين
فيشدّد على الإبهار والضخامة. ولكن ما يجمع بين غالبية الإعلانات على معظم
الشاشات نقطتان: الأولى أنّها «تؤكّد» أن المسلسل الفلاني هو أضخم إنتاج
درامي لهذه السنة (!). وهنا نطرح على أنفسنا السؤال محتارين: كم «أضخم»
و «أقوى» و «أفضل» يمكن أن يوجد في مجال واحدٍ؟ وهذا لا يدفعنا إلاّ إلى
إعادة النظر والسمع في ما تقوله تلك الإعلانات، وإلى العمل بالمثل اللبناني
«اسمعني ولا تصدقني».
في جولة
على برامج بعض المحطات اللبنانية مثل «ال بي سي» و «المستقبل» و «الجديد»
و «او تي في» يمكن المرء أن ينظر بشمولية إلى شبكات برامجها لرمضان محاولاً
البحث فيها عن موقع الدراما اللبنانية وعمّا يميّز هذه الشبكات بالاستعانة
بمديري البرامج أو بالمنسقين الإعلاميين.
قناة «ال
بي سي» ستعرض خلال رمضان على محطتها الأرضية أربعة مسلسلات هي: «الحوت»،
«راجل وست ستات»، «دمى قراطية»، و«ورود ممزّقة».
وتشترك
القناة الارضية والفضائية في اعمال مثل «قصّة الأمس»، «قمر بني هاشم»
وبرنامج الألعاب «شو بتقول». وواضح من خلال هذا العرض أنّ الدراما
اللبنانية محصورة في مسلسل «ورود ممزّقة» من أصل 11 عملاً ستعرَض على
المحطة الأرضية أو الفضائية أو الاثنتين معاً، وهنا لا بد من أن نطرح
السؤال عن السبب، فتجيب المنسّقة الإعلامية في المحطة سنى اسكندر قائلة إنّ
الـ «أل بي سي» حملت منذ أعوام كثيرة راية الدراما اللبنانية في وقت لم يكن
أحد يفكّر بها أو يهتم لها «فهي لم تغب يوماً عن برامجنا». ولكن لماذا لن
يُعرض مسلسل «ورود ممزّقة» على الفضائية، بخاصّة أنّ نسبة المشاهدة في شهر
رمضان تكون عالية ومن شأنها أن ترفَع أسهم الدراما اللبنانية؟ ولماذا
الاكتفاء بإعادة عرض بعض المسلسلات اللبنانية على الفضائية في وقت لا
يُعتَبَر من أوقات الذروة؟ تجيب اسكندر: «لقد بدأنا منذ العام الماضي
بالتفكير في عرض الدراما اللبنانية في أوقات الذروة على المحطة الفضائية،
وهناك مخطّط حالي بتقوية تلك الدراما فضائياً ولكنّ هذا المخطّط لن نتمكّن
من تنفيذه قبل بداية السنة المقبلة».
وبالانتقال إلى محطة «المستقبل»، حضرت هذه القناة خمسة مسلسلات درامية:
ثلاثة منها مصرية وواحد لبناني وواحد خليجي (مسلسل «لهوب» الذي يُعرَض على
الفضائية فقط).
المسلسل
المصري الأوّل هو بعنوان «شرف فتح الباب»، أمّا الثاني فسيكون الجزء الثاني
من «الدالي»، والثالث هو «هيما». اما اللبناني فمسلسل «مجنون ليلى».
وفي ما
يتعلق ببرامج الألعاب والترفيه تعرض «المستقبل» برنامج «النشرة»، وبرنامج
الربح «رقمك حظّك»، والبرنامج الاجتماعي «من درب لدرب».
وكما يبدو
هنا، فإن نسبة الدراما اللبنانية في خريطة «المستقبل»، هي واحد على عشرة،
وهي طبعاً نسبة قليلة جداً، تشير إلى أنّ الدراما اللبنانية مجرّد «رفع
عتب». عن هذا الخيار تقول مديرة البرامج في القناة جومانا فهمي: «أريد
أولاً أن ألفت الانتباه إلى أنّ تلفزيون «المستقبل» هو الوحيد الذي سيعرض
مسلسلاً لبنانياً على محطّته الفضائية بدلاً من الاكتفاء بعرضه أرضياً فقط،
ونحن فخورون بالدراما اللبنانية ونريد أن نسلّط الأضواء عليها، ونحن
متأكدون من أنّ الجمهور سيحب «مجنون ليلى» الذي سيكون قفزة نوعية في
المسلسلات اللبنانية». وتتابع موضحةً أنّ برامج شهر رمضان يجب أن تتنوّع
بين اللبناني والمصري والسوري والخليجي. وتشير فهمي إلى أنّ المحطة تراهن
على الدراما اللبنانية التي ستُبث فضائياً كي تفتح المجال لدخول لبنان في
المنافسة الدرامية العربية. وعما إذا كان المعنيون تشجعوا لعرض «مجنون
ليلى» فضائياً لأنّه يتكّلم اللغة العربية الفصحى وليس اللهجة اللبنانية
المحكية، تؤكّد فهمي أنّ الأمر مجرّد صدفة.
أما
تلفزيون «الجديد» فأعد لهذا الشهر ستة مسلسلات ليس فيها أيّ واحدٍ لبنانيّ،
وتتوزع بين ثلاثة مصرية وثلاثة سورية. المسلسل المصري الأول اجتماعي عنوانه
«كلمة حق»، والثاني كوميدي اسمه «عباس وإيناس»، والثالث «أسمهان» الذي يمكن
اعتباره مصرياً - سورياً، ويعرض سيرة حياة الفنانة الراحلة «أسمهان». أمّا
المسلسلات السورية فهي: «أبو جعفر المنصور» الذي تعتبره مديرة البرامج في
المحطة تانيا وزّان من أضخم المسلسلات التاريخية العربية، وتعتبر تصنيفه في
خانة المسلسلات السورية فحسب ظلماً له، إضافة الى «رياح الخماسين»، وأخيراً
«ليل ورجال». وعن هذا الأخير تقول وزّان انّه اختير ليساعد في توعية الناس
بظاهرة الشعوذة التي اتسع انتشارها في شكلٍ كبير. وهنا تطرح عليها المشكلة
أو الفخ الذي تقع فيه معظم المحطّات التي غالباً ما تشير إلى ضرورة تفادي
المشعوذين والأشخاص الذين يدّعون أنّهم يرَون الغيب، ثمّ نراها تخصّص
لهؤلاء برامج خاصّة تستضيفهم وتستقبل اتصالات من المشاهدين الذين يطلبون
مساعدتهم، فتجيب أنّ محطة «الجديد» ألغت من فقراتها الصباحية تلك التي كانت
تتعلّق بهذا الموضوع.
على
«الجديد» توجه الإنتاج اللبناني نحو برنامج الألعاب الذي يقدّمه طوني خليفة
وهو بعنوان «دولارات وسيارات»، ونحو البرنامج الكوميدي «إربت تنحل» الذي
سيظهر بحلّة رمضانية، إضافة إلى الكاميرا الخفيّة «نجوم الضهر»، و»أكل غير
شكل» مع زارميك لتحضير المأكولات والحلويات الخاصّة بشهر رمضان.
وأخيراً،
نصل الى محطة «او تي في» التي لم تخض «معركة» الدراما اللبنانية بل ركّزت
على البرامج الكوميدية، على حدّ قول مدير البرامج فيها باتريك باسيل،
وستعرض «very
very very
شطّورة» وهو برنامج طبخ في قالب طريف، إضافة إلى برنامج مقالب اسمه «مقلب
مرتّب» سيقع فيه الفنّانون والسياسيون. وكما بقية المحطات لم تنس «او تي
في» تخصيص برنامج للألعاب، فحضّرت «ربحك بعيدك» من دون أن يغيب عنها
البرنامج الدينيّ وهو بعنوان «أنوار رمضان».
أما
اللافت حقّاً فهو أن تلك المحطة التي حملت راية الدراما اللبنانية منذ
إنشائها تتغيب في أكثر الأوقات حاجة إليها عن عرضــــها.
وبما أنّ
رمضان شهر المنافسة القوية بين المحطات، نستنـــتج أن «او تي في» انسحبت من
المنافــسة قــبل أن تبدأ حتّى، ويعترض باسيل مؤكّداً أنّ شبكة برامج
المحطة لا تتبع نظام الآخرين، وبهذه الشبكة ستحصل على نسبة مشاهدين عالية
و «الأيام كفيلة بتأكيد ذلك أو نفيه».
بعد كلّ
ما تقدّم لا يمكننا أن نقول «ولو كذباً كلاماً ناعماً» لأنّ الواقع واضح،
فالدراما اللبنانية لا تتعدّى نسبة الواحد في المئة، هذا إذا وُجِدت، ولكن
على رغم هذه النسبة الخجولة سنحافظ على نظرتنا الإيجابية وسننظر إلى الجزء
الملآن من الكوب معتبرين أنّ هذه هي أوّل خطوة في رحلة الألف ميل.
الحياة اللندنية في 31
أغسطس 2008
|