وبنظرة الى أفلام المسابقة يمكن ملاحظة سقوط الأفلام الروائية
الطويلة في مطب الاستسهال خلافاً للأفلام التسجيلية التي أتى بعضها ليوقظ
المهرجان من سباته. واستحق فيلم "يوم في سجن الكاظمية للنساء" للمخرج عدي
صالح استحق التصفيق بعدما حقق سابقة بدخوله الى سجن للنساء في العالم
العربي، لمعرفة ما آلت إليه أحوال "نزلائه"، من خلال سبر أغوار النفس
البشرية. الامر ذاته يمكن ان يقال بالنسبة الى فيلم "ليالي هبوط الغجر"
للمخرج هادي ماهود الذي آثر تسليط الضوء على طبقة مهمشة من المجتمع
العراقي: غجر الجنوب الذين غالباً ما ينظر إليهم وكأنهم من كوكب آخر، ولكن
في هذا الفيلم أخرجهم المخرج من قفص الاتهام ومنحهم إنسانيتهم. هذا طبعا
فضلا عن فيلم محمد الدراجي (أحلام) الذي أعتاد أن يشارك فيه في أكثر
من مهرجان ونال ايضا جائزة من المهرجان. خمسة أفلام روائية طويلة
أخرى لم تفاجئ أحداً. وعلى رغم ان فيلم الافتتاح "أربع بنات" أثار "حشرية"
كثر لمعرفة أسباب اختياره في واجهة المهرجان نظراً لضعف مستواه الفني، فإن
الأيام التالية اتت لتبدد هذا الشعور، وتؤكد صوابية هذا الخيار. فالأفلام
الباقية لاتفوقه شأناً، لا بل على العكس افتقدت في غالبيتها المضمون
والجماليات في ان صبغة افلام الهواة حاضرة أيضاً في فيلم "القرية المنسية"
للفلسطيني عبدالله أبو طالب المولود في السعودية. فهذا العمل، على رغم انه
أراد لنفسه أن ينتمي الى فئة أفلام الرعب، إلا انه ضل الطريق وحقق مفعولاً
عكسياً، فأضحك جمهور الصالة طويلاً، كما لم يفعل اي فيلم كوميدي، ما دفع
أحدهم الى التعليق قائلاً: لو اراد المخرج أن يصنع فيلماً كوميدياً لما وفق
الى هذا الحد. الكوميديا هذه المرة أساس فيلم "صباح الليل" للمخرج السوري
مأمون البني صاحب الرصيد في عالم التلفزيون، ما يفسر شعور كثر انهم امام
عمل تلفزيوني لا عمل سينمائي.
الفيلم المأخوذ عن قصة وسيناريو راشد الشمراني الذي يجسد
الشخصية الرئيسة ببراعة، وتدور قصته حول سائق شاحنة يسافر في الزمن الى
ثلاث حقب مهمة في تاريخ العالم العربي، ليغير مجرى الأحداث نحو الأفضل،
غامزاً من قناة العرب الذين يتقاتلون على أسباب واهية. المرحلة الأولى تعود
الى حادثة "البسوس" التي أدت الى حرب طويلة بعد إشكال حول ناقة، بينما تسلط
المرحلة الثانية الضوء على حرب "داحس والغبراء" والنزاع على نزاهة سباق
للخيول، وتقف المرحلة الثالثة عند عتبة الخلاف بين عمرو بن كلثوم وعمر بن
هند. وفي النهاية يعرّج المخرج على حرب أكثر حداثة، كانت الأضعف في الفيلم،
خصوصاً لناحية "الغرافيكس" المستخدمة للطائرات الحربية والقذائف التي بدت
وكأنها طالعة من لعبة فيديو للأطفال، قبل ان تسدل الستارة بمشهد مقحم ليقول
ان الأمل في جيل الشباب. وإذا كانت السعودية لم توفق تماماً في فيلميها
الروائيين، فإن الأفلام التسجيلية تقول كلاماً آخر، على رغم حديث أبطالها
بالإنكليزية وغياب الترجمة العربية عنها. الفيلمان يدوران حول أميركا
والسعودية، ولكن بينما ينطق الأول "السعوديون في أمريكا" بلسان الناس في
الشارع، يتخذ الثاني "ما وراء الرمال" لنفسه صفة رسمية.
الحياة اللندنية في 1
أغسطس 2008
|