لم يخض
مخرج سينمائي معارك مثل يوسف شاهين والتي كانت كفيلة بإحباطه وتوقف مسيرته
الإبداعية ولكنه ظل يخوضها بقوة وتماسك ويقدم ابداعاته رغم حالة الهجوم
التي صاحبت كل عمل يقدمه وظل مدافعا عن فنه وأفكاره ليقدمها في أعماله
السينمائية التي تجاوزت الأربعين فيلما.
في أكثر
المعارك ضراوة تلك الحملة التي تم توجيهها له عندما قدم فيلم "وداعا
بونابرت" وقد اعترضت الرقابة ورفضت حوالي 20 مشهدا من الفيلم حيث اعتبرت
هذه المشاهد وحوارها إساءة لنضال الشعب المصري وكفاحه.. وتلقي شاهين حملة
هجوم من النقاد وباعتبار أن الفيلم يبرر الحملة الفرنسية علي مصر ويشوه
تاريخ النضال للشعب المصري ولكن يوسف شاهين دافع عن نفسه قائلا بأن الفيلم
ادانة لفرنسا وليس للمصريين.
كما تلقي
هجمة شرسة عندما شارك فيلمه اليوم السادس في مهرجان اسرائيل ورد مدافعا بأن
الفيلم عرض دون ارادته.
أما فيلمه
الناس والنيل فلاقي هجوما بأن الفيلم يشوه الشخصية المصرية وكان جريئا
لأقصي درجة عندما قدم سيرته الذاتية من خلال الكاميرا في ثلاثة أفلام هي
اسكندرية ليه عام 1979 وحدوتة مصرية 1983 واسكندرية كمان وكمان وهي أول
سيرة ذاتية تقدمها السينما العربية في أجزاء ثلاثة.
كان شاهين
دائم الاصطدام مع النقاد حيث أتهمهم بأنهم يهاجمون أفلامه بهدف منع عرضها
في المهرجانات السينمائية الدولية وكان دائما ما يقول بأن أفلامه تحترم
المشاهد ولا تخدعه ولكن علي الشاهد أن ينمي ثقافته السينمائية حتي يفهم هذه
الافلام.
أعنف هجوم
تلقاه شاهين عندما قدم فيلمه الروائي القصير "القاهرة منورة بأهلها" والذي
عرض في مهرجان كان وخرج الوفد المصري من صالة العرض ثائرا وطالب البعض
بتقديم بلاغ للنائب العام بسبب إساءة شاهين لمصر باعتباره ينشر الغسيل
القذر علي الأجانب ويجمع كل المتناقضات في 20 دقيقة هي مدة عرض الفيلم
وتمادي البعض في الاتهامات بأن الانتاج المشترك الذي عمله شاهين مع فرنسا
كان يتطلب منه نشر السلبيات حيث يظهر شاهين في الفيلم بشخصيته مع مجموعة من
الطلبة المفروض أنهم تلاميذه في معهد السينما ويقول لهم جاءني تلكس لعمل
فيلم عن القاهرة تفتكروا ماهي الفكرة التي في ذاكرتكم عن مصر فيقول أحدهم
الهرم وتقول أخري الصحراء والجمال ويقول ثالث الرقص وهز الوسط ويقطع المخرج
الحديث علي مشهد طويل لراقصة في كباريه مركزا علي بطنها ويبدأ في عرض كل
المتناقضات في الشارع المصري ودافع شاهين عن نفسه قائلا بأنني نشرت حبي
لمصر ولم أنشر غسيلنا القذر.
قام شاهين
بتقديم عرض مسرحي في الكوميدي فرانسيز وهي مسرحية كاليجولا وذلك برؤية
شاهينية.
عندما قدم
فيلمه المهاجركانت هناك عاصفة من الانتقادات والدعاوي القضائية لوقف عرض
الفيلم ودعاوي حسبة وأعتبروا أن الفيلم يسئ إلي فراعنة مصر والشعب المصري
ويؤيد التطبيع مع اسرائيل من خلال استلهام قصة سيدنا يوسف وظلت الدعاوي
القضائية تتوالي حتي انتصر الابداع في النهاية.
يأتي
"المصير" والذي عرض في مهرجان كان ليحصل من خلاله وبالاضافة لمجمل اعماله
علي جائزة من مهرجان كان ويصفق له جمهور المهرجان لمدة تزيد علي15 دقيقة
ويتم استقباله في مطار القاهرة استقبالا حافلا .. ليقدم بعد ذلك فيلم الآخر
وسكوت هنصور.
ثم اتهم
يوسف شاهين بأن كل النجوم الذين اكتشفهم توقفوا عن الابداع والتألق منهم
محسن محيي الدين الذي أعلن اعتزاله وخالد النبوي وهاني سلامة وعمرو
عبدالجليل وأحمد وفيق وغيرهم ولكنه رد علي ذلك قائلا بأنه يصنع من يستحق
علي بداية الطريق وعليه بعد ذلك أن يختار جيدا فقد قدم ايضا عمر الشريف
وعزت العلايلي ومحمود المليجي وشكري سرحان.
واتهمه
البعض بأنه أخطأ عندما استعان بالمطربة داليدا لتقوم بدور فلاحة مصرية
ولكنه دافع عن هذا الاختيار بأن شروطه في الفنانين الذين يتعاملون مع
الالتزام والتفرغ كما أن هناك أنماطاً مختلفة للفلاحة المصرية والفلاحة ليس
لها مواصفات محددة وقد سبق وقدمت نجوي ابراهيم في أول تجربة سينمائية لها
في فيلم الأرض ولعبت دور فلاحة ونجحت فيه وكان يعتقد البعض انها مذيعة
تليفزيونية مدللة ولكنها أجادت الدور.
* ظهر
يوسف شاهين في فيلم عن أحداث 11 سبتمبر وانتقد فيه السياسة الأمريكية ولم
تكن المرة الأولي التي يظهر فيها يوسف شاهين في فيلم فقد سبق وظهر في
افلامه منها فيلم باب الحديد وفيلم اسكندرية كمان وكمان والقاهرة منورة
بأهلها.
قدم فيلم
الناصر صلاح الدين بتكلفة ضخمة وتم اختيار الفيلم بين أفضل 100 فيلم في
السينما المصرية.
الجمهورية المصرية في 30
يوليو 2008
سينمائيات
فكري كمون
* لقد
تربيت علي أفلام يوسف شاهين وعشقتها وأفلامه مثل "الناصر صلاح الدين الأرض
صراع في الوادي باب الحديد صراع في الميناء جميلة بوحريد" تحف فنية لا تزال
تبهرني وأعتقد أن الآخرين كذلك عند مشاهدتها.
* وكل
عاشق للفن السابع يدرك عظمة يوسف شاهين المصرية. والعربية والعالمية.. ولعل
أفلامه في بداية عرضها لم تنجح تجارياً في جلب إيرادات ولكنها نجحت فنياً
وجماهيرياً بعد ذلك وصارت مدرسة متكاملة يتعلم منها المخرجون ودارسو
السينما.
* وأفلام
يوسف شاهين خاصة الأخيرة لا تفهم بسهولة من المشاهدة الأولي أو الثانية
وربما الثالثة ولكنها تعكس فكراً غير تقليدي. وقد تهرب منه معظم المنتجين
تقريباً بسبب هذه النوعية فأنشأ شركته الخاصة للإنتاج وحارب من أجل الحصول
علي تمويل لأفلامه وتحقيق أحلامه. ولهذا كانت أفلامه قليلة "36 فيلماً"
مقارنة بالكثير من المخرجين الذين يقيسون نجاحاتهم بكثرة أفلامهم.. وأهم
جانب في شاهين أنه كان مقاتلاً لم تهبط روح العاشق للسينما بداخله مهما
امتد به العمر "82 عاماً".
* ولا شك
أن هناك أسباباً كثيرة لنجومية شاهين العالمية ووقوف العالم وتصفيقه له
والاحتفاء به وهو ما لم ينله مخرج مصري غيره. ولكن أحد أهم الأسباب لهده
العالمية هو فنه ولغته السينمائية التي أدركها النجوم والنقاد ورجال
السينما في العالم ولهذا حفظوا اسمه وأعماله.
* وروعة
يوسف شاهين أن فنانينا الكبار كانوا يتشوقون للظهور في أفلامه ويقبلون عن
حب للمشاركة فيها بالرغم من أنه كان يقدمهم في "كيانات" غير تقليدية ولسان
حالهم يقول: يكفينا أننا أمام كاميرات شاهين.
* وعبقرية
الراحل أن أفلامه لم تكن تقليدية في موضوعاتها بل كانت تحمل فكراً مستنيراً
وهموم وطن وشعوب مطحونة وفساد.. وسوف نظل نحترم يوسف شاهين ونفتخر به لأنه
احترم عقولنا ورفع اسم مصر عالياً.
الجمهورية المصرية في 30
يوليو 2008
|