مازال
يوسف شاهين قادر على الابداع ، مازال قادر على إثارة دهشتنا جميعا حتى يوم
وفاته ، لقد قرر الاستاذ أن يموت يوم الاحد الماضى وتحديدا فى نفس التوقيت
الذى قضت فيه المحكمة ببراءة ممدوح إسماعيل و6 من المتهمين فى نفس القضية ،
عمار يامصر وأنتى قادرة على تحمل صدمتين فى يوم واحد ، الاولى رحيل الاستاذ
والثانية عجز أجهزتك الامنية فى الوصول إلى الجانى الحقيقى فى وفاة 1034
من خيرة ابنائك ، منذ اللحظة الاولى كنت أعرف أن ممدوح إسماعيل برئ وأنه
مجرد كبش فداء لمجهول لا يعرفه أحد ، شاهين إستطاع أن يتحمل نكسة 67 ولم
يستطع أن يتحمل نكسة العبارة "السلام" ، قرر أن يموت لانه لا أمل فيكى
يامصر ، اصبحتى مثل المرأة اللعوب "دايرة على حل شعرك"، كل من هب ودب يفعل
بك مايشاء ، عمار يامصر ....
لا أستطيع
أن أنسى كلماته لى فى لقائى الاخير معه ، كان فى منزله بشارع 26 يوليو فى
الزمالك ، منزله ما هو إلا صورة منه، ملامحه وتفاصيله تفرقت ما بين شقة في
الدور الـ13 تطل علي النيل، وما بين لوحات صلاح عناني، وبار صغير يشرب فيه
النبيذ والبيرة فقط، كل أنواع الموسيقي لديه «الريجي والبوب والراب والراي
والروك والجاز» ، بالإضافة إلي شرائط الشيخ إمام ومارسيل خليفة وفيروز مكتب
صغير يبدأ الكتابة عليه في الرابعة فجراً كما يفعل نجيب محفوظ قال: «تعلمت
هذا من نجيب محفوظ الذي يشرب فنجان قهوة علي النيل فجر كل يوم ويكتب، بعد
ذلك كان يذهب لمؤسسة السينما ومنها يتحول من مبدع لموظف، علشان كده احنا مش
فالحين في حاجة، إفطاري خفيف مجرد سندوتش أذهب للمكتب في العاشرة صباحا
وأجلس فيه حتي الواحدة ظهرا، عشائي خضار مسلوق علي البخار، زهقت من الموضوع
ده خايف أتحول لأرنب!!، جنوني واضح في منزلي لا توجد فيه تفصيلة إلا
ورسمتها بنفسي، أحُب تشيكوفسكي وكل المجانين مثلي، وأكره موتسارت والمعقدين
أمثاله!!»
بينما
أتحدث معه تركنى وذهب للبحث عن سيجارة وبدأ في التدخين، سألته بعد أزمتك
الصحية الأخيرة لماذا لا تقلع عن التدخين ولماذا لا تحول المرض إلي صديق؟
أنت قادر علي هذا «خلاص أنا كده ولا كده ح أروح، ولست أنا الذي يتخذ
القرار، المرض هو الذي يفعل ذلك، هو «دلعني» كثيراً وأعطاني جوائز"يقصد
الله" ، حاولت أن أقلع عن التدخين ولكن فشلت، لم يُعد عندي إرادة في مواجهة
المرض، ضحكت وقلت له: كيف تقول هذا وأنت قادم علي فيلم «جهنم» الذي يحتاج
لإرادة وقوة أكبر «نحن الآن نعيش في جهنم من يقرأ مانشيتات الصحف والفساد
السياسي الذي نعيشه، وبلطجية"الحزب الوطنى " يعلم أن جهنم موجودة بالفعل فى
مصر وقتها كنت قد شاهدت فيلم "مملكة الجنة" للسير ريدلى سكوت ، وخرجت من
قاعة السينما، وقفت في الشارع ضربت «تعظيم سلام» للجنرال «يوسف شاهين» ولما
قابلته فعلت نفس الشيء يقول شاهين، الفيلم «فالت» من ريدلي سكوت ولم أستطع
أن أعلم ما هو الصراع ما عرفتش «مين بيحب مين» أو «مين زعلان من مين» فيلمه
بلا دراما فيلمه بلا مغزي، المغزي من فيلمي كان التصالح بين الأديان فوجئ
لما سألته لماذا صلاح الدين عندك وعند ريدلي سكوت مثالي وهو لم يكن كذلك؟
قال.. «صلاح الدين ضمنيا» كان جمال عبدالناصر، وأنا لا أحب السادات الذي
طلب مرة من آسيا أن يمثل في أفلامها قالت له: إنت أسود وشكلك وحش وما تنفعش،
والواقع أنه كان ممثلاً جيداً، صلاح الدين إسطورة قريبة من جمال عبدالناصر
وكان رداً علي اتهامنا بأنه لا يوجد لدينا تصالح في الأديان، وبعد ذلك صدمت
في عبدالناصر وهذا وضح في «عودة الابن الضال» و«العصفور»، المشكلة لدينا هي
كيف تختار الناس ..هل علي أساس ثقة أم علي أساس الخبرة؟هو اختار عبدالحكيم
عامر علي أساس الثقة، وانهزمنا بسبب هذا، هل تعلم أن عبدالناصر كانت لديه
نسخة من «الناصر صلاح الدين» أسفل السرير الخاص به، كلما زاره أحد يجعله
يشاهد الفيلم، الآن أنا أستطيع أن أري أمامي.. ليس دجلاً ولكن رؤية
مستقبلية: مصر علي حافة الفوضي وستكون أقوي مما حدث في لبنان، لأن رد فعل
الشعب المصري أكبر من الفساد و«الكوسة» التي تحدث الآن الناس عندنا
«مكبوتة» بشكل غير معقول.
تحدث معى
عن عائلته التى تلخصت فى ماريان خوري ابنة شقيقته وهي شجاعة كما يراها،
وجابي خوري ابن شقيقته وهو «حدوته» لأنه إنسان كويس، وقال عن خالد يوسف ده
ابني وأحبه حباً غير معقول، وبدأ في التطور وأصبح أفضل مني ولازم «أخرب
بيته» خالد شاطر قوي قوي، وهو الوحيد الذي أخذ مني كل حاجة، وسيكمل مشواري
في السينما صحيح لديه نزعات غريبة لكنه شاطر، وأحب يسري نصر الله وقال عن
البابا شنودة أنه كان رجلاً ثورياً، وأصبح الآن مع السلطة ولا أدري لماذا،
وأضاف : أكره الإخوان المسلمين لأنهم اشتروا مني محسن محيي الدين، وعرضوا
علي فنانة كبيرة 2 مليون جنيه ورفضت، وأحب الإسلام وتمنيت أن أكون مسلماً،
لأن هذا الدين يستهويني شخصيا، وأحب شيخ الأزهر طنطاوي، أحب صوته وطريقته
في الكلام، وهو من أقرب أصدقائي، وبداية حبي له حينما كنا نكتب سيناريو
فيلم المهاجر وكانت هناك مشاكل حوله، قال لي الشيخ طنطاوي لماذا تكتب اسم
بطل فيلمك باسم مستعار، أليست هي قصة سيدنا يوسف، إذن أكتب اسم البطل يوسف،
ولم نستطع الوقوف أمام التزمت والتعصب في مواجهة الفيلم وغيرنا اسم البطل.
نعم هو
يقرأ المستقبل تحدث عن الفوضى منذ ثلاث سنوات معى ، وهاهى الان تستشرى فى
شريان الوطن ، تحدث عن رفضه مقاومة المرض وهاهو الان يرقد فى قبره
بالاسكندرية ، تألم من التزمت الدينى فى الفن ، والسينما الان تتحول إلى
عزبة للمتشددين دينيا ، يوسف شاهين مات ..ممدوح إسماعيل براءة ..عمار يامصر
..ماذا تريدين أن تفعلى بنا ثانية ؟ هل لديك المزيد يامصر ؟
مدونة "سحر السينما" في 28
يوليو 2008
|