القاهرة -
وكالات الانباء:
عن عمر جاوز الثانية والثمانين عاما، رحل
عن دنيانا المخرج المصري الكبير يوسف
شاهين بعد صراع لم يطل مع المرض. وأعلن مستشفى المعادي للقوات المسلحة في
القاهرة
صباح أمس وفاة شاهين الذي أثرى السينما المصرية بعشرات الأعمال الفنية
المتميزة.
ولد يوسف شاهين يوم 25 يناير 1926 في منزل المحامي
جبريل شاهين الذي لم يكن محاميا
كبيرا لكنه كان يعمل بصورة جدية على توفير الحياة الكريمة لأسرته والذي كان
بيته
محفلا متواصلا من تعايش الثقافات وصراعها على مفترق الحياة الشعبية المصرية
وأحياء
الإيطاليين واليونانيين في الإسكندرية. وأثرت حصة التعليم الفرنسية التي
حصل عليها
شاهين الابن في مدرسة «الفرير« وبعد ذلك الإنجليزية في مدرسة «كلية فكتوريا«
الأرقى
في الشرق الأوسط بأسره على تفكير والتكوين الثقافي للمخرج الكبير في تلك
السنوات.
وبدأ وعي
شاهين بالتفتح وبالتناقض في الوقت ذاته في سن الثالثة عشرة فبينما
يلقنه
المدرسون الإنجليز في «كلية فكتوريا« دروسا حول الصراع بين قوى الخير والشر
ودفاع بريطانيا والولايات المتحدة عن الحضارة والمدنية وبين أحاديث الشارع
المتلهفة
لرؤية المستعمر في أنياب الجيش النازي وحوارات الأب الذي يتحدث عن الاقتصاد
وحقوق
الانسان والأقليات بدأ موقفه في التشكل بين متحمس لكل هذه الأفكار ولا مبال
بها
كلها. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 حصل شاهين على منحة للسفر
إلى
الولايات المتحدة لدراسة السينما وكانت أمريكا هي جنة شاهين في الأرض
وجحيمه ولكن
التجربة لم تكن كافية لجعله ينضج بالدرجة التي تجعله أكثر اتزانا مع نفسه
ومع
ذاكرته. ولدى عودته وجد شاهين الفرصة منذ البداية ربما لأنه هبط بالمظلة
الأمريكية
على صناعة السينما في مصر التي كانت تعتمد على عقلية الهواية وروح المغامرة
بينما
أتى يوسف شاهين بكثير من المعرفة منحته فرصة تقديم أول أفلامه «بابا أمين«
سنة
.1950
لم يكن
الفيلم مميزا لكنه قياسا بتلك المرحلة اعتبر جيدا إلى حد ما وأرضى
المنتجين
لكن روح شاهين المندفعة جعلته يقتحم عالما غريبا عليه في تجربته مع الريف
المصري في فيلم «ابن النيل« سنة 1951 ولولا أن الفيلم اختير للمشاركة في
بعض
المهرجانات لما صمد في ذاكرة السينما. لكن الريف حضر بقوة في فيلمه «صراع
في
الوادي« الذي يعد البداية الحقيقية لشاهين المخرج المتفوق في مهنيته
ومعرفته. وبعد
ذلك بدأ
مسيرته كفنان مجنون مع فيلم «صراع في الميناء« في مجال إدارة الممثلين فمن
كان يتصور أن تظهر فاتن حمامة البريئة في عيون الملايين بتلك الصورة اللعوب
وأن
يظهر في المقابل عمر الشريف في دور الساذج الشعبي الممتلئ بالحيوية. وكان
التمثيل
الحلم المعلن ليوسف شاهين الذي بدأ بقوة على المستوى الفني مع فيلم «باب
الحديد«
الذي سقط جماهيريا لان شاهين لم يكن يمتلك مقومات الفتى
الأول في حين تراجع دور
فريد شوقي أمامه وبالتالي لم يقتنع الناس ولكن الجمهور الأوروبي اقتنع
تماما لدرجة
أنه لم يصدق أن شاهين ليس أعرج وفقد شاهين جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان
لهذا
السبب لأن لجنة التحكيم شككت في أنه ليس أعرج. وبعد «باب الحديد« بدأ الوسط
الفني
ينظر إلى
شاهين بمثابة الخارج على المألوف في صناعة السينما كلها وبقي شاهين يسير
داخل حقل ألغام يتمثل في مؤسسة السينما والرقابة المفروضة عليها ليجد نفسه
في
مواجهة تصاعدت فيلما بعد آخر حتى وصلت الى فيلم «الناصر صلاح الدين« سنة
1963 الذي
تدخلت الرقابة في اسمه لتربط بينه وبين جمال عبد الناصر. ومع فيلم «فجر يوم
جديد«
وصل شاهين إلى نقطة اللاعودة مع المؤسسة فمعالجته لفكرة
التسلط جعلت الجمهور يربط
بين العمل وسياسات عبد الناصر مما دفعه للمغادرة إلى لبنان عام 1954 ليس
هربا من
الحرب كما فعل كثيرون ولكن ليتمكن من الاحتفاظ بشروطه في العمل.
وفي بيروت
وجد فرصة نادرة ليصنع أهم أفلام فيروز «بياع الخواتم« ومع أن فيروز
ونصري شمس
الدين كانا ممثلين متواضعين إلا أن كاميرا شاهين قالت كل شيء في فيلم
طالما اعتقده الناس فيلما غنائيا فقط، وإن كان في رأي فريق من النقاد أهم
فيلم
غنائي في تاريخ السينما العربية. عاد شاهين إلى مصر في الوقت الذي كان
عشرات
الممثلين والمخرجين والفنيين يسافرون إلى لبنان وسوريا ليقدم مجموعة من أهم
أفلامه
مثل «الاختيار« و«الأرض« و«العصفور« قبل حرب 1973 ليغادر على خلفية فيلم
أسيء
تأويله من قبل الرقابة أيضا للمرة الثانية حتى يصادف الرئيس الراحل أنور
السادات في
واحدة من
الحفلات ليطلب منه شخصيا العودة إلى مصر. وسجل شاهين هذه العودة مع فيلم
«عودة الابن الضال« الذي اعتمد على قصة إنجيلية تعمد
شاهين أن يضيف عليها أجواء
شكسبير وهاملت تحديدا فالعودة كانت مشروطة بفجر يوم جديد وإن تطلب ذلك
الخراب
والفوضى والتخلص من الرجس والتطهر. في عام 1978 بدأ شاهين تجربة سيرته
الذاتية من
خلال «حدوتة مصرية« وما تلاها من أفلام وحصل بعدها عام 1984 على منحة
فرنسية لتقديم
فيلم عن الحملة الفرنسية على مصر «وداعا بونابرت« ورغم ما أثاره الفيلم من
جدل حول
استسلام شاهين لشروط التمويل ورؤيته المختلفة للحملة الفرنسية ، فإن ما بقي
من كل
ذلك الجدل هو عبقرية شاهين في إدارة المشاهد. وتمكن الراحل في الفيلم من
تصوير بعض
دقائق سينمائية لثورة القاهرة ضد بونابرت في ستة أماكن مختلفة وأثناء يوم
واحد
وظهرت كل هذه المشاهد كمشهد واحد متصل ومتتابع من دون أي اضطراب وهو ما يعد
معجزة
بمقاييس
تلك المرحلة. وتواصلت أعمال شاهين ولكن مع فترات توقف كبيرة يستغرقها
التحضير لكل فيلم وفي كل فيلم حضرت قضية خاصة وإشكالية جديدة ففي «اليوم
السادس«
1986
حضر سؤال
الوعي الاجتماعي وقبول الآخر الذي يظهر في محنة الكوليرا عن رواية
رائعة للفرنسية من أصل مصري أندريه شديد وسط حضور للمطربة العالمية داليدا
ليكون
الفيلم بمثابة أغنيتها الأخيرة. ومع نهاية الثمانينيات قدم شاهين فيلم «اسكندرية
كمان وكمان« الذي عاد فيه إلى مدينته وناقش قضية الأصالة والمعاصرة من خلال
سيرة
المدينة التي كانت تتأرجح بين التاريخ والمستقبل كما أثيرت جدليات واسعة
حول أفلام
«المهاجر« و«المصير« و«الآخر« و«سكوت ح نصور« التي ركزت
بصور مختلفة على التسامح
والانفتاح في مواجهة الإرهاب والتطرف.
وبعد
هجمات 11 سبتمبر 2001 تغيرت رؤية شاهين وامتلك الشجاعة ليعترف بذلك وهو في
الخامسة
والسبعين من العمر حيث بدأ يعيد تقييم رؤيته لأمريكا ويحاكمها في فيلم
«اسكندرية نيويورك« الذي يعد الجزء الرابع من سيرته
الذاتية وكما تغيرت رؤيته
لأمريكا تغيرت أيضا لمصر وأتى فيلم «هي فوضى« ليعلن جولة جديدة من الصراع
بينه وبين
السلطة بعد استشرافه لتحولات اجتماعية وثورة قادمة وفق رؤيته الشخصية.
ولاشك أن
يوسف شاهين المخرج العربي الأوسع شهرة والأكثر تواجدا وواحد من أهم مخرجي
العالم.
وحصل الراحل على الجائزة الذهبية في الدورة الخمسين لمهرجا كان السينمائي
الدولي
ووقف كل
الحضور في تصفيق متواصل اقترب من الثماني دقائق وهو ما لم يحدث أبدا في
مهرجان كان.
أخبار الخليج البحرينية في 28
يوليو 2008
رحيل يوسف
شاهين الثوري الواعي
بقلم:
رياض ابوعواد
منذ
بداياته عمل المخرج المصري العالمي يوسف شاهين الذي توفي عن 82 عاما أمس
على
سينما
مختلفة عن السينما السائدة مانحا ذاته الإبداعية لهموم المواطن والوطن.
ورغم
اختلاف وجهات نظر النقاد والمخرجين حول السينما التي قدمها في سنواته
الأخيرة فان
الجميع يتفق على ان شاهين هو الذي أوصل السينما المصرية الى العالمية
واحتفاء
مهرجان كان به ومنحه جائزته في الذكرى الخمسين لتأسيسه دليل على ذلك. يقول
الفنان
نور الشريف الذي عمل معه في «حدوته مصرية« و«المصير« و«11 سبتمبر« ان «أفضل
ما يمكن
قوله لوصف تجربة شاهين قبل أفلامه (العصفور) و«الأرض« بأنه ثوري شيطاني كما
عبرت
عنه أفلامه الأولى من دون اية إبعاد تنظيرية (..) لديه احساس مبكر بتلمس
هموم الوطن
والمواطنين«. ويضيف نور الشريف «كان وعيه المبكر بهذه الهموم مدهشا فمثلا
فيلم
(نداء العشاق) كان يحمل دعوة مبكرة للحفاظ على عمال
المصانع وتوفير التامين الصناعي
الذي لم يكن مطروحا في تلك الفترة في الواقع المصري«. وكان شاهين كذلك
مهتما
«بالصراع
العربي الصهيوني من خلال الاسترجاع التاريخي للحروب الصليبية في فيلم «الناصر
صلاح الدين« والصراع ضد الاستعمار كما في «جميلة بوحيرد« الا ان وعيه حقق
قفزه جديدة بعد «الأرض« و«العصفور« اثر احتكاكه وتعامله مع قادة الفكر
الاشتراكي في
مصر مثل عبدالرحمن الشرقاوي ولطفي الخولي«. وشاهين لا يمكن ان تراه باي شكل
من
الإشكال مواليا للنظام السياسي الحاكم او للرأسمالية او الإقطاع او ظلم
الإنسان
للإنسان وهو ما عبرت عنه أفلامه الـ 33 بدءا من عام 1949 مع فيلم «بابا
أمين«. فهو
«حارب الإقطاع في + صراع في الوادي + والراسماليه في +
صراع في الميناء + وكان
التزامه نابعا من موقف أخلاقي أنساني أكثر منه بعد إيديولوجي«، كما يؤكد
المخرج
داود عبدالسيد الذي عمل معه مساعدا في فيلم «الأرض« احد علامات السينما
المصرية
المميزة واحد 12 فيلما ليوسف شاهين اختيرت من بين أهم مائة فيلم في تاريخ
السينما
المصرية. ويرى داود عبدالسيد ان «شاهين لم يدخل في صراع مباشر مع الدولة
لكنه كان
يتطرق إلى ملامح إنسانية مفقودة بسبب الظلم الواقع على الإنسان وهذا نابع
من تجربته
كرجل جاء اهله من لبنان وولد وعاش في مدينة كوزموبوليتية شهدت بدايات وعيه
وسط
جاليات اوروبية ودرس في مدرسة مختلطة وأتقن الفرنسية والانكليزية«. ويضيف
«رغم سقف
الحرية
المنخفض وأجواء الرقابة المتشددة استطاع شاهين اختيار اللحظة التي توافق
فيها الدولة على تصوير أفلام متميزة مثل «الأرض« لأنها كانت تستجيب في تلك
الفترة
لرغبة الدولة التي بدأت مشروع الإصلاح الزراعي ومواجهة الإقطاع«. ويعتبر
داود السيد
ان ذلك «ينطبق أيضا على فيلمه الرائع +النيل والناس+ الذي يصور انتصار
الإنسان على
النهر بتشييد السد العالي والعلاقات الروسية المصرية وهو توجه كانت توافق
عليه
الدولة«. والى جانب الموقف السياسي والاجتماعي والاقتصادي حارب شاهين
بشجاعة التطرف
الديني ورفضه في أكثر من فيلم. وتشير الناقدة علا الشافعي الى ان «شاهين
اخذ على
عاتقه بصورة مبكرة مواجهة التطرف الديني وكشف الدور العالمي في تشجيع هذه
الظاهرة
في عدد من أفلامه مثل «المصير« و«الأخرس«. هذه الاهتمامات الإنسانية
والاجتماعية
والسياسية مزجها شاهين في أفلام سيرته الذاتية الأربعة خصوصا فيلم
«إسكندرية ليه«
الذي صور أوضاع مصر قبل ثورة 23 يوليو .1952 فقام
بتصوير الحراك الاجتماعي فيها
ودور الحركة الشيوعية في المجتمع وتأثيرها إلى جانب تأثير الحرب العالمية
الثانية
ودور النازية وتأثير ذلك على اليهود المصريين وهجرة إعداد كبيرة منهم تخوفا
من وصول
النازيين إلى مصر. واستكمل ذلك في فيلم «إسكندرية كمان وكمان« الذي صور
مقاومة
الاحتلال البريطاني مرورا بفيلم «حدوته مصرية« وصولا إلى إدانته للسياسة
الأمريكية
وقطيعته معها في آخر هذه الأفلام «إسكندرية نيويورك«. وجاء آخر أفلامه الذي
أخرجه
تلميذه خالد يوسف «هي فوضى« ليعبر عن رفضه لما يجري في الواقع المصري من
خلال
تصويره للفساد والقمع البوليسي وتحيزه لصالح الجمهور وسيادة القانون الذي
يراعي
الإنسان
وحقوقه. وهو الفيلم الذي قال شاهين في لقاء مع فرانس برس انه «يسعى من
خلاله لتأكيد حق الإنسان بالعيش بكرامة في بلاده ورفض انتشار رجال الأمن في
كل مكان
رغبة من النظام ببث حالة من الرعب والخوف حيث يقوم مئات من الأمن المركزي
بمحاصرة
بضع عشرات من المتظاهرين الواقفين على باب نقابة الصحافيين«. واستطاع صاحب
أهم
مدرسة سينمائية عربية خرجت العديد من المخرجين اللامعين مثل داود عبدالسيد
ويسري
نصر الله وعلي خان ومجدي احمد علي وخالد يوسف، ومن الممثلين مثل عمر الشريف
وخالد
نبوي ومحسن محي الدين وهاني سلامة وروبي واخرين ان يعلم جيلا قدم أفضل ما
أنتجته
السينما المصرية. وهو كما تصفه يسرا التي عملت معه في خمسة أفلام أولها
«حدوته
مصرية« في عام 1982 ثم «المهاجر« وصولا الى «إسكندرية نيويورك«، «أسطورة
غير متكررة
في السينما العربية والعالمية«. وتقول يسرا لفرانس برس ان «تاثيراته لا
يستطيع احد
ان ينكرها محليا وعالميا«، مشيرة إلى «القيمة الإنسانية التي يمثلها شاهين
الذي
يؤسس لعلاقات عائلية بين العاملين معه ويخلق أجواءا تدفع الجميع الى
التعامل كاسرة
واحدة يحبون بعضهم بعضا ويحملون همومهم المشتركة«. وتؤكد الفنانة ليلى علوى
ذلك
بقولها «استفدت منه ليس على الصعيد العملي فقط في فيلم المصير بل من
الناحية
الإنسانية فهو من القلائل الذين يفهمون العمق الداخلي للإنسان والفنان وقدم
لي
إجابات على أسئلة كثيرة تجول في داخلي كنت بحاجة الى التأكيد عليها«.
"العصفور"
أوقف عنه دعم الدولة
يوسف
شاهين صاحب المدرسة السينمائية الأهم عربيا
ترك
المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين صاحب المدرسة السينمائية الأهم في
العالم
العربي الذي توفي أمس عن 82 عاما أعمالا ملتزمة سياسيا واجتماعيا اتخذت من
مصر خلفية عامة لها. ولد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الإسكندرية (شمال
مصر) وهو
من عائلة لبنانية انتقلت للعيش في مصر في نهاية القرن التاسع عشر. وبعد
دراسته
الابتدائية والثانوية في الاسكندرية انتقل الى كاليفورنيا في الولايات
المتحدة حيث
درس صناعة الأفلام والفنون المسرحية. عاد شاهين إلى مصر منارة السينما
العربية
حينها وعمل مساعدا للمصور السينمائي الفيز اورفانالي الذي مهد لفرصته
الأولى في
الإخراج مع فيلمه الأول «بابا امين«. وبدأ تصوير الفيلم عام 1949 وعرض في
العام
التالي 1950 ولم يكن شاهين قد تجاوز الثالثة والعشرين. وبعد عام على ذلك
استطاع ان
يشارك بفيلمه الثاني «ابن النيل« في مهرجان كان للسينما مطلقا شهرته كمخرج
يفارق
اللغة السينمائية المصرية المعروفة في حينها. عندها بدأت انطلاقته
التجريبية التي
لم تتوقف طوال حياته الفنية التي امتدت ما يقارب 60 عاما. ويرى نقاد ان
استمرار
تجربة يوسف شاهين السينمائية لم تتوقف بسبب مواقفه الاجتماعية والسياسية
الواضحة
التي عبرت عنها أفلامه. ويقول الناقد السينمائي كمال رمزي «استطاع شاهين
خلال ذلك
ان يشكل أهم وأوسع مدرسة سينمائية في مصر، كانت مدرسة تعليمية حقيقية أثرت
في عدد
كبير من المخرجين الذين عملوا معه في أفلامه واستفادوا منه كل بطريقته«.
وقد تتلمذ
على يديه العديد من المخرجين مثل يسري نصرالله والراحل رضوان الكاشف وعلي
بدرخان
وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي احمد علي وعماد البهات. ويعتبر المخرج داود
عبدالسيد
الذي عمل مع شاهين مساعد مخرج في فيلم «الأرض« وهو من العلامات المميزة في
السينما
المصرية ان «أهمية شاهين تنبع من انه شكل مدرسة حقيقية مباشرة وله تلامذته
الذين
تعلموا منه« موضحا «شكل أهم مدرسة إنتاجية حيث خرج أهم المنتجين في السينما
المصرية«. وكذلك قدم شاهين وجوها هامة في السينما المصرية أهمها الفنان
الذي وصل
إلى العالمية عمر الشريف عندما اختاره للمرة الأولى للوقوف إمام فاتن حمامة
في فيلم
«صراع في الوادي«. وقدم عدد كبير من نجوم السينما
المصرية أفضل إبداعاتهم في أفلامه
وأصبح عدد منهم من أبطال الأفلام التي اختيرت من ضمن أهم مائة فيلم مصري
خلال مائة
عام. ومن أبرزهم الفنان محمود المليجي الذي قدم أفضل أدواره في السينما
المصرية في
فيلم «الأرض« وكذلك فاتن حمامة التي قدمت أفضل أدوارها معه في فيلم «صراع
الوادي«
ويسرا في فيلم «المهاجر« و«حدوتة مصرية« والراحل احمد زكي في فيلم
«إسكندرية ليه«
إلى جانب
محسن محي الدين ونور الشريف في «المصير« و«عودة الابن الضال«. هذه المسيرة
والرحلة الطويلة التي أمضاها في السينما المصرية قرابة ستين عاما استطاع
شاهين
خلالها ان يفرض ثقله الفني والإبداعي بشكل لا لبس فيه فلا يمكن لأحد محليا
أو
عالميا ان يتطرق للسينما العربية من دون ان تكون تجربة شاهين في مقدمتها.
وظهر ذلك
بشكل واضح عندما قام النقاد السينمائيون المصريون باختيار عشرة من أفلامه
من بين
أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بمناسبة مرور مائة عام على
انطلاقتها. وهو
احد السينمائيين القلائل الذين اعتمدوا على أنفسهم في تمويل أفلامهم خصوصا
بعد توقف
دعم الدولة له اثر فيلم «العصفور« الذي هاجم فيه الدولة متهما إياها
بالتسبب بهزيمة
يونيو .1967 فأسس شركته وعمل على الإنتاج المشترك لتمويل أفلامه خصوصا مع
منتجين
فرنسيين. وحصل شاهين خلال رحلته الفنية على العديد من الجوائز من أهمها
ذهبية
مهرجان قرطاج السينمائي التونسي عام 1970 وجائزة الدب الفضي في برلين عن
فيلمه
«إسكندرية ليه« عام 1978 وهذا الفيلم هو أول أفلام سيرته
الذاتية التي قدمها بأربعة
أفلام إلى جانبه أفلام «حدوتة مصرية« و«إسكندرية كمان وكمان« و«إسكندرية
نيويورك«.
وتوج عمله بفوزه بجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان للسينما في عام 1997 عن
مجمل
اعماله.
ومنحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة فارس عام .2006
عمالقة
السينما تخرجوا من مدرسة شاهين
قال مكتب
المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين أمس إن شاهين توفي عن 82 عاما بعد
ستة
أسابيع أمضاها في غيبوبة. وكان شاهين الذي يشتهر بسلسلة أفلامه المرتبطة
بمدينة
الاسكندرية قد أصيب بنزيف في المخ في يونيو وأمضى عدة أسابيع في مستشفى في
باريس
قبل عودته إلى القاهرة قبل عشرة أيام. وكانت آخر أفلام شاهين فيلم (هي
فوضى) الذي
عرض في دور السينما في وقت سابق من العام الحالي إلا أن تلميذه المخرج
السينمائي
خالد يوسف أكمل إخراج الفيلم لمرض شاهين. وقال الناقد السينمائي طارق
الشناوي إن
شاهين وضع نهجا يسير عليها المخرجون المصريون. وأضاف «كان الأستاذ. عندما
ترى أسماء
أولئك الذين عملوا معه.. يمكنك القول إن عمالقة السينما المصرية تخرجوا من
أكاديمية
يوسف شاهين.. طيلة 60 عاما كان أضخم عنوان في السينما المصرية وظل يتنفس
السينما
حتى آخر لحظة.. عاش يوسف شاهين من أجل السينما فقط«. وقال الناقد أحمد يوسف
إن
السينما المصرية من دون يوسف شاهين فقدت الكثير من اللمسات الخاصة وفقدت
إسهامها في
السينما العالمية. وأشار إلى أنه كان جزءا من سياق كانت السينما المصرية
تبحث فيه
عن ذاتها. وأشادت المخرجة المصرية أسماء البكري بشاهين بوصفه مخرجا نشطا.
وقالت
«لقد لعب دورا كبيرا في السينما وحقق انتشارا للسينما
المصرية في الخارج«. وأضافت
«نحن تلاميذه.. أحببناه لأننا أيدنا مواقفه دوما«. في إشارة إلى تعاطف شاهين
مع
الحركات المعارضة. وفي الأعوام الأخيرة أبدى شاهين تأييده لحركة كفاية التي
عارضت
إعادة انتخاب الرئيس حسني مبارك في عام .2005 وأخرج شاهين الذي يتحدث
الفرنسية أكثر
من 25 فيلما أولها عام .1950 وفي عام 1997 حصل على جائزة عن مجمل أعماله في
مهرجان
كان السينمائي. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن السينما «فقدت واحدا
من أشهر
خدامها«. وأضاف «إنه مرتبط كثيرا بمصره.. ولكنه منفتح على العالم.. سعى
يوسف شاهين
من خلال عمله وحياته - عبر أفلامه - للتنديد بالرقابة والتشدد والأصولية«.
وينتمي
شاهين لطائفة الروم الكاثوليك. وولد يوم 25 يناير 1926 ودرس بكلية فيكتوريا
بمدينة
الاسكندرية قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة لدراسة الإخراج السينمائي
بكاليفورنيا ثم عاد إلى مصر عام 1950 حيث أخرج مباشرة أول أفلامه (بابا
أمين) من
دون أن يعمل مساعدا كما جرت العادة في كثير من الأحيان. ويشيع جثمان يوسف
شاهين غدا
في كاتدرائية الروم الكاثوليك بحي الضاهر في القاهرة.
أخبار الخليج البحرينية في 28
يوليو 2008
|