من
الاسكندرية وإليها يعود. هكذا، اختصرت وفاة يوسف شاهين رحلته الطويلة التي
بدأت من الاسكندرية قبل 82 عاماً ويعود إليها بعد الصلاة عن راحة نفسه ظهر
اليوم في كاتدرائية «القيامة» للروم الكاثوليك في الظاهر في القاهرة. ثم
يوارى جثمانه في الثرى في مقابر العائلة في الاسكندرية. وتلقى محبّو شاهين
وجمهوره بارتياح نبأ جنازته في منطقة قاهريّة عريقة، بعدما خشى بعضهم من
«جنازة رسمية» تُبعد عنه البسطاء والناس الذين خاطبهم طوال حياته. إذ إنّ
شبح ما حدث في جنازة نجيب محفوظ الذي عُزل جثمانه عن الناس من أجل المراسم
العسكرية ظهر جلياً بعد إعلان وفاة جو.
لكن شاهين
لم يخيّب أمل أصدقائه وتلاميذه ومحبّيه. وحتى في وفاته الهادئة، لم يشأ أن
يزعجهم بالرحيل في فرنسا فعاد إلى مصر، ليقيم في مستشفى القوات المسلحة على
نيل المعادي قرابة عشرة أيام قبل أن يعلن التلفزيون المصري صباح أمس وفاته.
وفي وقت لاحق من عصر أمس، عقد أحمد عبد الحليم مدير المستشفى مؤتمراً
صحافياً سريعاً، أكد فيه أن شاهين توفي بعد هبوط حاد في الدورة الدموية أدى
إلى توقف التنفس، ولم يكن هناك من إمكان لأيّ تدخل طبي لإنعاش القلب، بسبب
ما حدث للمخ من آثار سلبية عقب النزف الذي داهمه قبل ستة أسابيع والعملية
الجراحية التي خضع لها في فرنسا. ورفض عبد الحليم التصريح بما يخصّ تفاصيل
الجنازة. في الوقت عينه، أدى التأثر البالغ برحيل الخال إلى عصبية في ردود
ماريان وغابي خوري على الصحافيين. إذ طالبا بالرجوع إلى شركة «أفلام مصر
العالمية» حيث كان موظفو قسم الإنتاج يوفّرون المعلومات المتعلقة بمكان
القدّاس والدفن. وحتى الآن، ليس مؤكداً مكان العزاء وتوقيته، وإن كانت
المؤشرات تؤكد أنّه سيكون مساء غد لتتاح الفرصة لمن لم ينجحوا في حضور
القداس اليوم الاثنين، وخصوصاً أن شاهين ــــ خلال مشوار عمره ستون سنة ـــ
شهد ولادة عشرات الفنانين، وساهم في اكتشاف عدد كبير من الممثلين المصريين
والعرب. لهذا ترددت الأسئلة طوال أمس عن مدى قدرة عمر الشريف على حضور
الجنازة أو العزاء، وهو المشغول بتصوير فيلم أميركي في أوروبا. الأسئلة
نفسها طالت زملاء البدايات: فاتن حمامة وأحمد رمزي... وصولاً إلى الجيل
الجديد. فمنهم من أكّد حضوره بالطبع مثل خالد النبوي وخالد صالح، فيما ليس
مؤكداً إن كانت لطيفة مثلاً ستقطع رحلتها الفنية وتشارك في جنازة الأستاذ
الذي قدمها كممثلة لأول مرّة (الوحيدة حتّى الآن) في «سكوت هنصوّر». أسماء
أخرى مثل لبلبة وهالة فاخر وهالة صدقي ومنّة شلبي وحنان ترك سينتظرهنّ
المصوّرون على باب الكنيسة اليوم، إلى جانب قائمة شاهين التي شاركته رحلته
الطويلة، وفي مقدّمهم الفنانة رجاء حسين وزوجها سيف عبد الرحمن والمطرب
محمد منير الذي ظهر مع شاهين في فيلمي «اليوم السادس» و«حدّوتة مصرية»...
الأغنية الأبرز في مشوار «يوسف شاهين» السينمائي والتي تستعين بها القنوات
الفضائية حالياً في البرامج التي تودع صاحب «الأرض».
وينتظر
شاهين نفسه حضور الممثل المعتزل محسن محيي الدين الذي غاب عن الأضواء منذ
عشرين عاماً. لكن شاهين لم ينس أبداً «عبقرية» الممثل الشاب الذي قدّمه في
«الوداع يا بونابرت» و«اليوم السادس» و«اسكندرية ليه» قبل أن يختار محيي
الدين التديّن والاعتزال. لكن شاهين تمنّى أن يسير تلميذه السابق في
جنازته، فهل يلبّي محسن محيي الدين اليوم أمنية أستاذه؟ وقد امتنع خالد
يوسف، التلميذ المقرّب من شاهين في سنواته الـ15 الأخيرة، عن الرد على
هاتفه بعد إعلان الخبر.
رد الفعل
الفضائي على رحيل شاهين، أمس، لم يكن على مستوى الحدث. الفضائية المصرية
اكتفت ببث الخبر في الشريط الإخباري، فيما أعادت «النيل للدراما» عرض برامج
وثائقية عن الراحل، وهو ما كررته فضائيات «الحياة» و«دريم» وotv.
أما أولى ردود الأفعال على المستوى الدولي، فجاءت من الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي الذي وجّه تحية تقدير إلى المخرج الكبير، واصفاً إياه بأنّه «مدافع
كبير عن حرية التعبير وبشكل أوسع عن الحريات الفردية والجماعية». بينما
احتل نبأ وفاة جو مواقع الصحف الفرنسية على الإنترنت، مثل «لوموند» و«ليبيراسيون».
لكنّ صاحب
النصيب الأكبر من الخسارة مع رحيل شاهين سيكون فيلم «الشارع لمين» الذي كان
يعدّ شاهين لإخراجه قبل أن يصاب بالنكسات الصحّية المتتالية منذ العام
الماضي، «الشارع لمين» اسم فيلم لن يجد مخرجاً بشجاعة شاهين ليقدمه على
الشاشة الكبيرة. هكذا، تركنا جو لنتساءل: بعده «الشارع لمين»؟
الأخبار اللبنانية في 28
يوليو 2008
|