ملفات خاصة

 
 
 

مقابلة

صباح: أشهد أنّني قد عشت

جهاد أيوب

عن رحيل الشحرورة

صباح

   
 
 
 
 
 
 

في أول لقاء صحافي معها بعد الوعكة الصحية الأخيرة التي ألمّت بها، بدت جانيت فغالي (1925) يقظة الذهن لا تخاف الموت الذي تعتبره مرحلة جديدة، لكنّها منزعجة من الشائعات الكثيرة «كأنّني أعيش على حسابهم». «الشحرورة» تحدّثت في كل شيء من السياسة والأوضاع الراهنة في العالم العربي مروراً بمسلسل «كاريوكا» الذي شاهدناه في رمضان وتطرّق إلى علاقتها بزوج الراقصة المصرية الراحلة، وصولاً إلى ذكريات العمر التي تختصر أكثر من نصف قرن من التغيرات من مصر إلى لبنان. حاضرة الفكرة، سريعة البديهة، ملكة النكتة وخفة الدم، متوهجة الجواب، وأمينة على صور أصدقاء عبروا ولم يمضوا

هل تتابعين ما يحدث اليوم في الشارع العربي؟

- طبعاً، بصراحة، لستُ مقتنعة كثيراً بما يحدث. الله يحمي الشعوب العربية. كلّ شي تغيّر عن السابق، حتى الطبيعة تبدّلت، وهذا أمر مستغرب!

ما هو تعليقك على مسلسل «كاريوكا» الذي طاولك؟

- ليش عملوا هيك مع أنّي محبوبة في مصر وأنا مصرية حتى النخاع؟ عيب على هذا الكذب والتلفيقات. يكفي ما قالته ابنة أخت تحية الممثلة رجاء الجداوي مع الاعلامي طوني خليفة في برنامجه «للنشر»، بأن كل ما ورد في «كاريوكا» ليس صحيحاً. لماذا يصرّون على الفبركات، أليس كل شخص لديه قصة في حياته؟ تجب الأمانة في التسجيل ونقل الاحداث في حياة الناس، وليس في اختراع القصص والخبريات للإثارة.

أنا قصة حياتي تحتاج إلى سنوات من العرض وليس30 حلقة فقط، وفيها من القصص والإثارة والدراما ما يكفي دولاً. باختصار، لا أحد يستطيع أن يجسّد حياتي أو يكتب قصتي، بل يحتاجون إلى جهود ومحبة وجدية لإتمام ذلك، حياتي ليست لعبة أو مجرد رقم، بل مسيرة صعبة وجميلة في الوقت عينه. حكايتي تشبه الحياة بكل ما فيها من حلوها ومرّها. أنا رقم صعب في الحياة وفي الفن.

لماذا يتناولونك بطريقة غريبة كل فترة وأخرى؟

- رح قولها من الآخر، كل من يريد أن يشتهر، يتحدث عن صباح، فيهاجمني أو يضع قصته ضمن قصصي. حتى وأنا في هذا العمر، يغارون مني، أقسم على أني لم آخذ أي شيء من دربهم. الله هو من يرزق، ويشرح القلوب كي ننجح. لا أعرف لماذا هذا الجهل في الأرزاق. كل فترة يقولون صباح ماتت؟ كأنني أعيش على حسابهم أو آكل من صحنهم أو أعرقل حياتهم. دخلك ليش بعدني معقدتهم وأنا بهذا العمر؟ يا عمي والله كبرت خففوا وحلوا عني؟ على الناس أن يعلموا جيداً أنني لم أفعل شيئاً في حياتي، وحده الله من وفقني وساندني، وكان يرسل لي اللحن الجميل والشعر الرائع، وأنا بدوري كنت أختار جيداً وأدقق في أعمالي. في المقابل، هناك أشخاص يدعون الايمان بينما هم في الحقيقة يحسدون غيرهم. في عمري، لم أعرف طعم الحسد، لذلك عشت وتزوجت ونجحت وكنت مختلفة عن الجميع، ولم أشبه أحداً.

لماذا الغيرة منك؟

- ربما لأنني كنت صباح، وما خذلت نفسي، وأحببت صباح، وسهرت الليل كي تكون «الشحرورة» مختلفة وناجحة وأنيقة وكريمة ومعطاءة. عشت حياتي متصالحة مع ذاتي، وهذا هو سرّي الذي لا يعلمه أحد. نجحت واختلفت عن الجميع، فشعروا بالنقص، حتى بعض الرجال من الفنانين شعروا بالغيرة مني، لكني أطبق المثل القائل «طنش تعش»، وعلينا معرفة من هم حولنا ونطنشهم ونأخذ حذرنا منهم.

هل أغرم بك زوج تحية الفنانة تحية كاريوكا؟

- بالنسبة الى موضوع تحية كاريوكا الذي قيل فيه الكثير، ألْفتُ إلى أنّ تحية كانت صديقة طيبة القلب، لكن لسانها أسرع من تفكيرها. لم تخطئ أبداً معي، ولم نتعارك من أجل الشهرة وما شابه. لها عالمها ولي عالمي، لها اسلوبها ولي خططي في الحياة والفن. بعدما تقدمت في العمر، هاجمتني بالكلام فأجبتها بطريقة تليق بها.

لقد وضعت خطاً في علاقتي مع زملائي، ولا أحد يجرؤ على تخطّيه. قيل عنّي الكثير، بينما أنا كنت أسير مع الشمس وليس تحت الأرض.

ورغم كل صراحتي، كانت اسراري وخصوصياتي ملكي وحدي. لا أملك أسراراً فضائحية في حياتي، وكل أموري منشورة ومكشوفة والكل يعرفها، ولم أشعر بالندم على أي أمر قمت به. إن موضوع خيانة زوج كاريوكا معي، كان فبركة وقحة وخيالية، وربما من نسج خيال المؤلف. لقد كان زوج تحية دكتوراً محترماً جداً ويحبّها على رغم قساوتها معه. لقد كان صديقاً مهذباً يخبرني عذاباته معها، وكان يزورني في الفندق ليبوح بمكنوناته حولها، ولم يكن يوماً مغرماً بي أو حبيباً. كان من المستحيل أن أقع في حبه آنذاك، ولم أتعود على عشق أزواج صديقاتي. عندما تزوجت رشدي أباظة، أخبرني أنه طلّق سامية (سامية جمال)، وسأقول لك هذه الحقيقة التي لم أبح بها من قبل: أنا تزوجت رشدي نكاية بكل النساء، هو كان هدفهن، وفريستهن، ومحورهن ومعشوقهن، دخلت على الخط وفزت به. لقد تركت رشدي، لأنه خلال مشوارنا بالسيارة في منطقة الروشة، قال لي إنّه أهم نجم على الأرض، فقلت له أنا نجمة أيضاً وليس أنت فحسب، وطلبت منه أن ينزلني، وعدت إلى البيت بسيارة تاكسي. ويومها، قررت الانفصال عنه. وفي اليوم الثاني، أرسل لي الكثير من الورود والاعتذارات لكني رفضت. كان رشدي يتحوّل إنساناً مختلفاً حين يلتقي بمعجبيه، فينسى قدميه على الأرض، وما أزعجه وأزعج غيره أنني أنا من طلب الطلاق وليس هو. لذلك ظل أميناً على حبي حتى لحظة وفاته، كان يصرخ في وجه زوجته سامية جمال حينما تتحدث عني، ويطلب منها عدم التكلم عن الملكة صباح لأنها قيمة وأخلاقها عالية.

ما اللقب الذي يعجبك؟

- عندما زرت الكويت في العام 2004، وقمت بجولات إنسانية واجتماعية، وقف أحد الضباط وقال لي: «أنت سيدة السيدات ومتواضعة رغم شهرتك الواسعة». في الحقيقة، أعجبني هذا اللقب، ووجدت أنه يناسبني. ليتني أطلقت ذلك اللقب عنواناً لفيلم أو أغنية أو مسرحية لي، لكن العمر سبقنا ونسيته. نعم، أنا سيدة السيدات في تعبي وصبري وعطائي. ذات يوم، رشحت لنيل جائزة ولقب المرأة العربية، لكن لم تقم تلك الجائزة والسبب يعود ربما إلى انشغال النائبة بهية الحريري.

كيف تختصرين مشوارك اليوم؟

- لقد كنت سعيدة بحياتي، ولم أكذب على نفسي يوماً، وقبضت حياتي جدياً، لم أكن «شرشوحة» في حبي وصداقاتي وغرامياتي. لقد صنعت فرحي وجعلت الحزن يخاف مني، جلت العالم كله، ولم أحرم نفسي من أي شيء، والرجل الذي قررت أن أعاشره، تزوجته. لم أكن يوماً مهووسة بالرجال أو بالجنس أو المال، بل كنت أعرف كيف أغرف حاجتي من الحياة، وما يفيض عنّي، أعتبر أن الله يريد أن أعطيه لغيري. كنت كريمة ومستورة، وساترة من حولي، الإيمان جعلني أتغلب على كل المصائب. يا ويلي شو شفت من مؤامرات ونجاحات!

ماذا عن رجال السياسة في ذاكرتك؟

- لم يكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يحبّني في بداية مشواري الفني، لأنّ من يغارون مني وشوا بي عنده فصدّقهم، لكنني بفضل ذكائي وجدّيتي، جعلته يحترم فني ويقدّره، إن أغنية «من سحر عيونك ياه» كانت موجهة إليه، ومن أجل عيون جمال، وقد لحنها محمد عبد الوهاب، الذي قال: «لا يوجد مطربة عربية تستطيع أن تتدلع بكلمة «ياه» إلا صباح، لأنها تحتاج إلى جرأة ومغامرة». ويومها، كان الكاتب الراحل نجيب محفوظ مسؤولاً عن الرقابة، فمنع الاغنية عن الإذاعة والتلفزيون، وطلب مني عدم غنائها على المسرح، لكنني غنيتها في حضور الرئيس جمال، وأخبرته بأنها ممنوعة أمام الجميع وعبر بث مباشر للإذاعة والتلفزيون، فأمرني بإعادة غنائها مرة ثانية، وأمرهم ببثها يومياً. في اليوم الثاني، كان الشارع المصري يردد «ياه». الفن يحتاج إلى ذكاء وخطط ناعمة على المرأة أن تعرف متى تفجرها. هذه قصتي مع عبد الناصر، بينما الرئيس أنور السادات كان عكسه. لقد أحب فني كثيراً، وكان يطلب مني تنفيذ أفكاره الاجتماعية من خلال أغنياتي، فقد طلب أغنية «الجلابية» (الراجل ده هيجنني)، وكنت أغني في كل حفلاته العائلية. كان يحب الفولكلور اللبناني بشكل غريب، وكان يعشق الدبكة بكل حركاتها وكانت تحتلّ مكانة هامة لديه. كان رئيساً قوياً ومحارباً بعقله، وأعتبر زوجته جيهان السادات أهم سيدة قابلتها في حياتي. لقد كانت متعصبة لي، ولا تسمح بأي كلمة تقال ضدي. أما الملك حسين، فقد كان وفياً معي وذكياً وشعبياً، وأنا من أطلقت اسم علي على ابنه الذي أنجبته زوجته الملكة علياء. كما أكن للشيخ عبد الله المبارك شيخ الكرم والذوق محبة لا توصف، فأهل الكويت لهم معزة خاصة عندي. لم يدعوني أحتاج إلى أحد، ولي قصة حب كبيرة للكويت. أما الملك فيصل، فكان ذكياً ومهذباً، وأحبني أنا وعبد الحليم حافظ، وذات يوم طلبت منه أن يهدي الفنان عبد السلام النابلسي سيارة وبالطبع نفذ طلبي فوراً. في الوقت نفسه، كنت أعتبر الرئيس كميل شمعون ملكاً حقيقياً. وعندما كنت أطلب منه أي شيء، كان يحققه مباشرة. كان شمعون وزوجته يريدان لبنان منارة الشرق. كما أنّ الرئيس حافظ الأسد لم يكن شخصاً عادياً بل قائداً بكل ما للكلمة من معنى، وكان يعرف كل شاردة وواردة في الفن والثقافة، وكانت نظراته ثاقبة. كما أن ابنه الرئيس بشار طيب وساعدني في إيجاد الحلول في مشكلة ابنتي هويدا (تطبيب هويدا على حسابه). كما كانت تربطني علاقة صداقة مع عدد من الشخصيات المهمة على رأسها صائب سلام، وعثمان الدنا، والرئيس الياس سركيس صديق طفولتي ولعبنا الــ«إكس» معاً.

ما هي أجمل مراحل حياتك؟

- لا أنسى أيام «مهرجانات بعلبك الدولية»، فهي كانت أسطورية وكل الملوك تابعوا نشاطاتها، كذلك، أذكر جيداً غنائي على أهم مسارح العالم التي غردت فيها وطرت عالياً ولم أصب بالغرور. أنا أكثر مطربة غنت في العالم، ما كنت فاضية إلا للغناء. لم أكن أملك الوقت لإضاعته في الثرثرات، كان فني في المقدمة وصباح أولاً. جلت العالم كله، باستثناء الاتحاد السوفياتي، غنيت وأبدعت ولقيت ترحيباً نادراً في تلك الدول. لقد نجحت في الغناء الخفيف والثقيل والطرب الصعب، وأنا أوّل من جعل الغناء الشعبي طرباً شعبياً، وأول مطربة عربية غنت في إيران وتركيا وكذلك في تاج محل ومسارح كبيرة في الغرب، ما بعرف ليش ما بركزوا على هذه الأمور، وبيحكوا فقط عن زيجاتي وملابسي؟

ما هي أفضل المسارح التي غردت فيها؟

- «الأندلس» في الكويت، وكازينو لبنان، والمسرح الكبير في مصر، و«تاج محل» في لندن، والـ«أولمبيا» في باريس، و«بالي دي سبور» في فرنسا بحضور أكثر من عشرة آلاف شخص. يومها هجم المعجبون الأجانب عليَّ لالتقاط الصور ولم أتمكّن من الغناء، لأن وقت الحجز كان قد انتهى بعد تدفّق المعجبين لالتقاط الصور. كما غنيت في «كارنيجي هول» في نيويورك، و«البرت هول» في لندن، ومسرح الـ«بوزار» الأهم في بروكسل.

ما هي أجمل الأماكن التي زرتها؟

- لاس فيغاس في أميركا، ومصر والكويت وسوريا. كلها دول تملك شعوباً رائعة، وعملت على تطورها ونجحت في رفع اسمها عالياً، ولكن التأمر على شعوبها، وصراع الغرب والشرق ووجود إسرائيل أضرّها. أحبّ الشعب السوري جداً والله يكون في عونه، ويا ليته تعلّم من لبنان وحافظ على بلده. أهل مصر غاليين جداً عليّ، أصلاً أنا مصرية، والشعب الكويتي يحبّني وأحبّه ويظهر محبته لي كلما زرته.

من أفضل مَن لحّن لك؟

- الفنانون فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وعاصي الرحباني، وبليغ حمدي أفضل من تفهّم صوتي، وفيلمون وهبي «هذا مجنون عبقرية». أما بليغ، فقد كان يحب السهر في بيتي، ويرفض أن تقال أي كلمة سيئة عني، كان وفياً لي وأحبني باحترام، كما أنّ عاصي مات وبقي حبّه لي. لقد كان عبقرياً، وأعتبره أكبر ملحن وشاعر في العالم، ومع رحيله، فقد منصور عينه. الأخوان رحباني يشرّفان لبنان.

أما المحلنون الذين تلفتني أعمالهم فهم من الجيل الثاني، ايلي شويري، وسيد مكاوي دمه خفيف وحنون، ويحب الحياة، كان يحرص على أن يقال أجمل الكلام لي. قبل أن يموت، فكّر في حفلة مشتركة معاً في لبنان ومصر، وكذلك عصام رجي، والياس الرحباني، وحلمي بكر، وكان الأخير من الأوفياء والمخلصين لي وإنساناً كبيراً، له مساحة في قلبي. بصراحة وما بدي حدا يزعل، بس رح قول أنّه لا يوجد في الوطن العربي من يضاهي الملحن المصري، لأنهم في مصر يأخذون أمور الفن بجدية ومسؤولية.

ماذا عن أهم الأصدقاء في حياتك؟

- كثر، أذكر فريد الأطرش، وعبد السلام النابلسي، وعبد الحليم، واسماعيل يس، محمد فوزي، ومحمد عبد الوهاب، ومديحة يسري، ومريم فخر الدين في صباها، فقد كانت مهذبة وناعمة وطيبة، ولكن في كبرها، أصبحت عكس ذلك، أحبّ أن أسألها: لماذا أصبح لسانها قاسياً اليوم وفيه الكثير من الشتائم؟

من أفضل الصحافيين بالنسبة إليك؟

- كثر، لقد عرفت كيف أداوي الصحافة بكل أطيافها، وكنت شغوفة بالصحافيين، من يكرهني منهم، جعلته يحبني بذكاء، ومن احتاج إلى مساعدة، ساعدته من دون أن يكتب عني حرفاً، ولم أطلب ذلك، تركته يحكّم ضميره. لا أحب الكلام في هذه الأمور. لكن كان الصحافي محمد بديع من أهم الأقلام، وجورج ابراهيم الخوري مع بعض الملاحظات في أواخر أيامه لكنني أحبه وأحترمه، وكذلك أكنّ معزة للصحافي الياس حداد. أما اليوم، فتلفتني الصحافية نضال الأحمدية مديرة مجلة «الجرس» لأنها امرأة تناضل في غابة الذئاب، وقد تفوّقت ونجحت، هي ستّ قوية، وعقلها إعلامي.

من هم أصدقاء اليوم؟

- مزين الشعر جوزيف غريب، وابنة أختي كلودا عقل التي وقفت دائماً الى جانبي.

ما هي أجمل أغنياتك، وأفضل أفلامك، ومسرحياتك؟

- أجمل اغنياتي: «ساعات ساعات»، و«يانا يانا»، و«تسلم يا عسكر لبنان»، و«يا لبنان دخل ترابك». وأفضل أفلامي «ليلة بكى فيها القمر»، وأفضل مسرحياتي «ست الكل» التي تلقي الضوء على أحداث لبنان قبل وقوعها، و«موسم العز» و«القلعة» و«دواليب الهوى».

من هو مصفف الشعر المميز برأيك؟

- «ما بدها تنين يحكوا فيها» نعيم عبود، كان مخترعاً للشعر وليس مصمماً، وكان فيلسوفاً في التسريحات، ومن بعده يأتي جان عواد الله يشفيه لانه متعب جسدياً، وأفضل مصمم أزياء هو جوزيف هارون ومن بعده ويليام خوري، وأجمل فستان لي كان على شكل سمكة، ولونه أبيض وأسود، ارتديته في فيلم فريد الأطرش «ازاي أنساك» وأنا أغني «أحبك ياني». يومها، نال إعجاب الناس لانه بسيط بتفاصيله، يا الله الأفلة في هذه الأغنية شو رائعة.

من هم الممثلون المفضلون لديك؟

- رشدي أباظة وحسين فهمي وفاتن حمامة.

ماذا عن الاصوات التي تعشقينها؟

- سعاد محمد من أهم وأخطر وأعذب الأصوات، كنت أسهر حتى الصباح في لندن كي أسمعها، وأكيد أم كلثوم لن تعوّض، والفنانة الراحلة وردة الجزائرية يا حرام حتى الآن أنا زعلانة على غيابها، تركتنا باكراً، كانت تعشق صباح وأنا بموت فيها.

وكذلك نهاد فتوح صوت غاية في الروعة والوضوح. ومن الذكور وديع الصافي دائماً، وعبد الحليم حافظ سابقاً، واليوم وائل كفوري، وائل خطير. بعد الزواج، أصبح يؤدي أغانيه بشكل أفضل وزاد حس الرومانسية عنده، وأحب أن أشاهد وأسمع عمرو دياب على المسرح، واختياراته مهمة. أما جورج وسوف فهو ظاهرة يجب الوقوف عندها، ذات يوم قال الوسوف أمام الجميع «صباح أهم مطربة لأنها غنت كل أنواع الغناء وتفوقت». ابن أصل بيعرف قيمة الغناء، وطوني حنا كان ظاهرة ولكنه لم يكمل كما بدأ.

وأي مطربة تعتبرينها ظاهرة؟

- فلة الجزائرية، لو كانت في الغرب لكسّرت الدنيا، لازم ترجع تغني وبكثافة. فلة مهمة وتعزف على أكثر من قطعة موسيقية. تتمتع بصوت قوي، وحضور مسرحي مهم، وبتعرف تلبس وتضحك.

وماذا عن المخرجين؟

- عصام حموي مهم جداً، وسيمون أسمر في المنوّعات، وحسيب يوسف من الأردن.

من هو أفضل شاعر غنائي؟

- توفيق بركات، إنّه ذو فضل على الأغنية العربية، ومن مصر كثر بس تخونّي الذاكرة. والله نسيت!

أتعبناك بهذه العودة إلى الذاكرة؟

- الإنسان بيتذكر كل وقت بوقته، أنا لا يوجد في ذاكرتي سوى النجاح والأناقة. الإنسان حالات حزن وفرح، ولكن الإيمان جعلني أتغلب على كل المصائب. بدك تعوّد حالك على كل شي. هناك أسماء وأمور ومواقف وأشخاص نسيتهم الآن، لكنني لم أتوتر أو أتضايق، أنا أعلم ذلك بكل وضوح، لأنني أعيش عمراً معيناً وأشكر الله على كل شيء.

ما هي أكلتك المفضلة؟

- المجدرة، والملوخية، والحمام المحشي على الطريقة المصرية والمقلي، ومعكرونة من يد هند ممرضتي الخاصة، معكرونتها مش أي معكرونة، هند الوحيدة يلي فهمتني.

ما هي ملاحظاتك الاخيرة؟

- قبل كل شي أريد أن أوجّه تحية إلى قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، وللجيش اللبناني لأنّه يسهر على أمننا. أحبّ أن أقدّم أغنية للجيش، يا ريت بقدر. كمان بدي تسمعوا أغنيتي الأخيرة، وتتعلموا منها اسمها «قدما فيك انبسط بعمرك» للشاعر الصديق ميشال جحا. وأشكر جورجيت النابلسي، والممثلة النقيبة سميرة بارودي، والقديرة هيام يونس لأنهن دائماً يسألن عني.

كيف تنهين حوارنا؟

- أريد قولها بكل صفاء ذهني، ولا تعتبروها غروراً: ما بيجي بعد متلي. ما بيجي متل صباح لا بالفن ولا بالعطاء، وإذا عندكم جرأة، قولوها واكتبوا ذلك بضميركم، أنا في هذا العمر، ما زلت متفائلة وأحبّ الحياة ولا أجرح من أساء إليّ ولا يزال يكمل في إساءاته.

لم نكن ننوي إجراء هذا الحوار، بل كانت غايته زيارة عائلية، إلا أنّ بوح «الأسطورة» وسعادتها وإصرارها على إعطاء الرأي، فتح شهيتنا على تسجيل الحوار، والخوض في أمور كثيرة، منها ما يصلح للنشر، ومنها ما نتركه حتى وقت لاحق. وقد تم إجراء الحوار في فندق «برازيليا سويت» في منطقة الحازمية بتاريخ 11 أيول (سبتمبر) 2012.

لقد تم تعديل هذا التص عن نسخته الأصلية المنشورة بتاريخ 20 أيلول 2012

 

الأخبار اللبنانية في

20.09.2012

 
 
 
 
 

دعوا صباح وشأنها

سناء الخوري

عمر صباح 86 عاماً. عمرها 86 عاماً، أعيدها. أعيدها مرةً بعد. عمر الستّ صباح 86 عاماً. أين المشكلة في ذلك؟ أين العيب؟ أين المصيبة؟ هل هي الثمانينيّة الوحيدة على وجه الكوكب؟ صباح من جيل جدّاتنا، والجدّات بركة، وحكايات، وحضن، وحبل سريّ. هل صار ذلك الجيل من الجميلات، فصيلةً تستحقّ الانقراض؟

انتشرت شائعة جديدة بالأمس، من تلك الشائعات المعتادة حول وفاة الشحرورة. وبالأمس أيضاً، تناقل روّاد مواقع التواصل نكتة سمجة، تقارن بين «الصبوحة»، والبابا بنديكتوس السادس عشر. انتشرت النكتة بواسطة صورة مركّبة، فيها من جهة، لقطة تصوّر البابا المستقيل يعلن تقاعده لأنّه بلغ الخامسة والثمانين. وفي الجهة الأخرى، لقطة للسيدة صباح، تستغرب خطوة الحبر الأعظم، لأنّها لم تتقاعد بعد، رغم تجاوزها ذلك العمر.

باتت كلّ تلك الشائعات والنكات حول حياة الصبوحة وموتها، مثيرةً للقرف. كأنّ السخرية من عمر صباح، صارت أمراً بديهياً، وثقافة سائدة، مثل النكات عن شركة الكهرباء! كأنّ هناك من يحمل عدّاداً يقيس به نبضات قلب صباح، وأنفاسها، ويريد أن يحاسبها، لأنّها ما زالت على قيد الحياة. أليس هذا بشعاً؟ لمَ كلّ تلك القسوة؟ هل قتلت صباح أحداً؟ هل سرقت ونهبت ونكّلت بالفقراء مثلاً؟

اعتزلت صباح الشأن العام منذ فترة، وندُرَت إطلالاتها التلفزيونيّة. بأي حقّ يلاحقها العام إلى الخاص، بعدما اختارت الانسحاب من دون جلبة؟ وبأي حقّ يكون مرضها مسألةً هزليّة؟ إن كانت صباح قد اختارت أن تعيش حتى الثمالة، ما دخلنا نحن بذلك؟ هل أخذت شيئاً من درب أحد؟

الشحرورة صباح اليوم في السادسة والثمانين. وعمر صباح جميل، لأنّها جعلت منه فرصةً لتمنحنا لحظات فرح. بدأت الغناء في سنّ صغيرة، ووهبت ما يقارب الستة عقود من حياتها، للغناء، والموسيقى، والسينما، والموضة. وذلك ليس بالأمر السهل، ولا بالعطاء البسيط. شائعات موت صباح، بخِفَّتِها، تشي بأننا كمجتمع، نقارب العطاء الفنّي عموماً، باستهتار. تشي بخللٍ عميق في قدرتنا على فهم قيمة الحيوات وقيمة ثمارها.

تتراوح نظرتنا إلى عمالقة الزمن الجميل بين التقديس المطلق، أو التجاهل التام. وكلا الأمرين يظلم فنانين صنعوا لنا ذاكرةً صمدت رغم الحروب، والإهمال. نريد من صباح مثلاً، أن تكون قديسة. لهذا، تستند بعض النكات الرائجة عن الصبوحة، إلى زيجاتها الكثيرة. ما المشكلة لو تزوجت صباح خمسين مرّة؟ آلهة الحبّ كانت مزواجة في خيال البشريّة الأولى. وصباح إلهة حبّ، أحبّت، وتدلّعت، وشغلت خيال رجال عصرها.. أين الغلط؟ لا نحتاج للتفكير مطولاً، لنفهم لماذا نجد دوماً من يعيب على صباح أسلوب حياتها. المعادلة بسيطة: أيّ امرأة لا تلتزم مبدأ الشريك الواحد، تكون ارتكبت الخطيئة المميتة. حتى صباح، لم تنجُ من الرجم، ومن سهام العقليات الرجعيّة.

تفقدنا شيخوخة صباح الصبر. يربكنا وجودها، «حتّى الآن». كأنّ لنجمات الغناء صلاحيّة استخدام، تنتهي بعد الأربعين مثلاً. صوت صباح لا يشيخ، وقد أثرى أرشيف السينما والتلفزيون والإذاعة، بريبرتوار ضخم، لن ينضب. صورة صباح لا تشيخ أيضاً، إذ فرضت الشحرورة نمطاً خاصاً من الجمال والأناقة على الشاشة لعقود طويلة، وتركت بصمتها في الدلع والرقّة، ما جعلها أيقونة، ربما لن تتكرّر في تاريخنا المعاصر.

دعكم من احتساب عمر صباح، وإطلاق النكات عليها. وفّروا على أنفسكم هذا العناء. ادخلوا موقع «يوتيوب» وابحثوا عن أغنية من أحد أفلامها القديمة. ستقتلكم بنعومة. سترون كيف أنّ عيون الصبوحة، ما زالت تلمع اليوم، كما كانت تلمع قبل 50 عاماً. عيون صباح لا تشيخ. انشروا أغاني صباح على جدران «فايسبوك»، وأرسلوها لكلّ من تحبون، وحمّلوها على هواتفكم، واسمعوها كلّ يوم في طريقكم إلى العمل. «ساعات ساعات»، «أخذوا الريح»، «يا دلع»، «أيام اللولو»، «أنا هنا يا ابن الحلال»، «يا حبيبي يا حياتي»، «عاشقة وغلبانة»، و«ألو بيروت»، وكلّ الروائع الأخرى.. ابحثوا عن صورها على صفحات الإنترنت، تأملوا فساتينها، وأقراطها، وتسريحات شعرها، وجواربها، وأحذيتها، وابتسامتها. ستدركون كم نحن محظوظون لأنّنا عاصرنا تلك السيدة الجميلة. في النهاية، من نحن لنحاكم صباح؟ من نحن لنقاضيها إن عاشت أو لم تعش، إن تزوجت ألف مرّة أو لم تتزوج؟ من نحن لنحاسب سيدة أقبلت على الحياة بنهم، في حين أنّ كلّ ما نتقنه، هو هدر حيواتنا وحيوات غيرنا؟ فلندع صباح وشأنها.

السفير

 

السفير اللبنانية في

16.02.2013

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004