تجمع تظاهرة «آفاق جديدة» طموحات المخرجين الجدد الطامحين إلى العمل
السينمائي. لذلك، هي خاصة بالأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها. ليس أنها
تظاهرة يختص بها المهرجان، فهناك مثيل له في أكثر من مهرجان حول العالم،
كما هناك مهرجانات متخصصة أساسا بهذا النوع من العمل.
المخرج الفلسطيني - الأردني رائد أنضوني، الموجود في المهرجان من دون فيلم
هذا العام، وهو الذي شارك في مهرجانات عربية وغير عربية بأفلامه الوثائقية
فلسطينية المضمون، يكشف عن موضوع مهم حين يقول لنا ردا على سؤال حول إذا ما
كانت مرحلة ما بعد البداية أسهل، على المخرج الباحث عن التمويل، من مرحلة
البداية ذاتها. يرد:
«على المخرج كمنوال عمل، نعم.. بات أكثر خبرة. لكن على مستوى الإنتاج، تصبح
المرحلة أصعب حين يريد تحقيق فيلمه الثالث أو الرابع».
عن السبب في ذلك يقول:
«لأن الاهتمام منصب على المخرجين الجدد وأفلامهم الأولى والثانية أساسا.
إذا كنت مخرجا جديدا فهناك من يريد تشجيعك، لكن حين تنطلق لاحقا تجد أن
البحث عن التمويل الكافي أصعب من ذي قبل».
ويتحدث عن تجارب مختلفة معه ومع آخرين، يخلص منها إلى الرأي التالي:
«الجهة الوحيدة التي تبقى أمامك هي الجهة الأجنبية. وهذه تحكم بمنطق يستند
إلى أساس تسويقي. بصرف النظر عن الموضوع الذي يطرحه العربي، لدى الممول
الأجنبي مطلب مهم هو ألا يكون الطرح متطرفا في أي اتجاه، لأن الغاية هي
إرضاء كل فئات المشاهدين كشرط لاسترجاع التكلفة».
سألته إذا ما كان يوافق على أن الدعم الممنوح من قـبل المهرجانات العربية
تسبب أو كاد في إلغاء دور المنتج العربي، فأجاب:
«إلى حد بعيد. في اللقاءات التي تعقدها المهرجانات بين السينمائيين العرب
والمنتجين المحتملين الأجانب لا تجد منتجين عربا، بل مخرجين فقط - لكن عمل
كل منهما منفصل تماما والمخرج ليس عليه أن يحل محل المنتج أو العكس».
من أجل زرافة طبعا، ليست كل أفلام قسم «آفاق جديدة» من إنتاج مؤسسة «سند»
(ولا كل الأفلام المشتركة في شتى العروض الرسمية)، لكن بعضها يتيح لك أن
تسأل السؤال البديهي: لماذا وكيف جرت الموافقة على تمويله؟ هل هناك من لا
يحسن قراءة المشروع فيتسبب في منح الضوء الأخضر تمهيدا لنتيجة كتلك التي
تأتي بها بعض الأفلام؟
فيلمان جيدان في هذه التظاهرة، حملا الكثير من الإمعان في حياة أناس عاديين
أو ما دون. أناس قد لا يحدثون أي رهج أو يتسببون في إثارة أي خبر فيما لو
كانت قصص أصحابها حقيقية. رغم ذلك، هي حكايات واقعية معالجة بحياكة طبيعية
ليست بعيدة عن الرصد والتوثيق، علما بأنهما أبعد ما يكونان عن السينما
التسجيلية.
«زرافاضة» لراني مصالحة (مولود في فرنسا من أم مصرية وأب فلسطيني) هو
الفيلم الأول لمخرجه. وهو إنتاج عالمي على أكثر من نحو، تدخـلت فيه شركات
إيطالية وفرنسية وألمانية وتداخلت. الكلمة ذاتها هي أيضا مزيج من كلمتي
«زرافة» و«انتفاضة»، فالحكاية تتمحور حول طبيب بيطري يعمل في حديقة الحيوان
التي في مدينة قلقيلية وجوارها. في ظل الظروف الصعبة للاحتلال، يحاول
الطبيب (صالح بكري) تأمين العلاج لحيوانات هذه الحديقة. بين الحيوانات
زرافتين أنثى وذكر. ابنه الذي يساعده في العناية بحيوانات الحديقة يحب
هاتين الزرافتين، لذلك حين تتسبب غارة جوية إسرائيلية على القطاع في إصابة
ومقتل الزرافة الذكر لا يصيب الحزن الزرافة الأنثى فتمتنع عن الطعام فحسب،
بل الصبي (أحمد بياترا). الوضع يصيب علاقة الابن بأبيه وهذا الثاني يحاول
جهده البحث عن وسيلة يجبر بها الزرافة الباقية (وهو يكتشف أنها حبلى) على
أن تأكل. في النهاية، يعتمد على معونة طبيب بيطري في حديقة حيوان داخل إحدى
المدن الإسرائيلية ويقنعه بتهريب زرافة ذكر إلى قلقيلية. كيفية تهريب
الزرافة تتحول إلى جانب من الحكاية هو أكثرها تشويقا، خصوصا أن الطبيب
الفلسطيني وابنه والصحافية الفرنسية التي تعاونهما باتوا عرضة لمخاطر
الطريق (بما في ذلك مشهد هجوم مستوطنين يهود على السيارة التي تقلهم حال
اكتشاف وجودهم).
هناك مشهد يقع مباشرة قبل النهاية (جرى تنفيذه ديجيتال على الشاشة الخضراء)
للزرافة الجديدة وهي تسير في شوارع المدينة وراء الصبي الذي يتـجه بها إلى
بوابة الحديقة لضمـها والزرافة الأخرى. لكن المشهد التالي لانتفاضة صغيرة
(تستطيع أن تقول: «ميني - انتفاضة») للمواطنين العرب الذين يحاولون التدخل
لإنقاذ الطبيب من أيدي القوات الإسرائيلية لا داعي لها ليس لأنه من غير
المحتمل وقوعها، بل لأن تنفيذها يشبه «الموديل» أكثر مما يعبر عن واقع،
وذلك بسبب حجم الإنتاج المحدود للغاية.
في عمومه، ينتهي الفيلم بأفضل مما بدأه، وذلك نظرا لتصاعد الخط الدرامي له.
لكنه، بعضه على بعض، مقبول ولا يخلو من لمعات جيـدة. وعلى نحو إجمالي أيضا،
هو فيلم خال من أسلوب فني مميـز معتمدا على السرد والطرح وحديهما وليس على
الكيفية التي بإمكانها صنع فيلم أكثر تأثيرا وأفضل تنفيذا.
هجرة كردية ما يعالجه هذا الفيلم هو كيف تمضي الحياة تحت وطأة الاحتلال
وأمام حواجز الطرق وفي مواجهة فوهات البنادق أو عند الجدار العالي الذي،
كما يقول أحد المواطنين، أدى إلى احتلال المستوطنين الأراضي الفلسطينية
التي بات أصحابها يعيشون في الجانب الآخر. وهذه الحياة المدهوسة هي فحوى
فيلم رائع لمخرج اسمه هشام زمان بعنوان «قبل سقوط الثلج» يتناول فيه حكاية
رحلة ذات أسباب مختلفة. هنا، ليس بحثا عن زرافة تحل محل زرافة أخرى، بل عن
شقيقة ذلك الشاب الكردي التي أحبـت غير من انتخبه لزواجها وهربت معه إلى
ضواحي أوسلو. بطل الفيلم لا يملك، تبعا للتقاليد والمتوارثات، سوى الاختباء
داخل صهريج نفط يجتاز الحدود التركية إلى إسطنبول، حيث حاولت شقيقته
الاستقرار هناك أولا. في حاضرة مدينة تعج بالمهاجرين أمثاله (أكراد وعرب
ومن سواهم)، يعيش في أزقـة أكثر الأحياء تواضعا، حيث يتعرف على فتاة ترتدي
زي الأولاد الذكور تجنـبا للتحرش. يبدأ الاهتمام بها، وقد أدرك حقيقتها،
ويعرض عليها الهرب معه إلى النرويج، حيث جاءه النبأ أن شقيقته، التي أخفق
في قتلها بإسطنبول، استقرت هناك. إنها رحلة مثيرة وطويلة أخرى يدفع فيها ما
بقي معه من مال لكي يصل والفتاة إلى ذلك البلد الثلجي النائي. حين مداهمة
شرطة الحدود المجموعة المتسللة، يأمر قائد الفرقة الجميع بخلع ملابسهم.
الفتاة - التي لا تزال تتنكر في زي صبي، تبدأ بالبكاء خوفا من الفضيحة.
ينبري بطل الفيلم للوشاية بمنظـم عملية التهريب مقابل إطلاق سراح الجميع.
الباقي بداية لي الأحداث لتشكيل الخاتمة. سيجد شقيقته وسيواجهها بمسدسه
يريد قتلها، لكنه سواء لأنه أخذ يعرف معنى الحب بدوره، أو لأن حبـه لشقيقته
طغى في اللحظة المناسبة يتركها تمضي، فقط لكي يلقى حتفه على يدي واحد من
العصابة المنظـمة لعمليات التهريب انتقاما لمن جرى القبض عليه.
هناك معايشة حقيقية وموضوعية من المخرج الجديد هشام زمان الذي كان نال
جائزة هنا قبل ثلاث سنوات عن فيلم قصير وعاد هذه المرة بإنتاج نرويجي -
ألماني (ولو أنه يحمل هوية المخرج العراقية أيضا). هذه المعايشة راصدة
لمتاعب وآمال وآلام بطله على نحو حافل بالملاحظات. تطالعك متاعب الحياة
بالنسبة لشخصيات من المهاجرين بحثا عن كل شيء ولا شيء بالتحديد. سنوات من
الحياة المستعارة في بلد آخر وثقافة غريبة عن المنشأ ورغبات شخصية تنضح
بالسلوك المتأثر بالتقاليد التي تصارع لأجل البقاء. للمخرج دراية جيـدة
بقيمة الصورة وتأليف عناصرها ومحتوياتها. بطل الفيلم موجود في كل لقطة،
لكنه من الامتزاج بشخصيـته بحيث لا يرهق وجوده (ولا قضيـته) المشاهد بل
يفيده.
قوة بصرية هذا ما يدلف بنا إلى الفيلم المصري «فرش وغطا» لأحمد عبد الله.
سابقا ما قدم هذا المخرج فيلم «ميكروفون» الذي نال مديح معظم نقادنا على
عكس هذا الفيلم الذي استقبل بفتور من معظم النقاد العرب الموجودين. لكن إذا
ما جرى قبول «ميكروفون» على أساس أنه فيلم مستقل ومختلف ويحمل أسلوب عمل
غير معتاد، فإن هذا الفيلم الجديد يحتوي على كل تلك الخصال، مما يجعل من
الإعجاب بالأول والنفور من الثاني أمرا ملتبسا.
هذا أيضا فيلم مهمـشين ربما أكثر من أي فيلم مهمـشين آخر. الممثل آسر ياسين
يختزن قدرات تعبيرية صامتة معظم الوقت. الفيلم بلا حوار إلا في مناسبات
محدودة يراها المخرج ضرورية. وبعض النقد الموجـه إليه هو اختياره أن يكون
العمل شبه صامت على أساس أن آخر ما يمكن أن يكون حدث خلال ثورة الربيع
المصرية (التي يتعامل مع تبعاتها هذا الفيلم) هو الصمت، فهي كانت ضاجـة
وفوضوية وصارخة بحيث يأتي اختيار عبد الله لإلغاء الحوار في غير محلـه.
لكن الاختيار ملك المخرج، والمرء عليه أن يحكم فقط على ما إذا نجح المخرج
في اختياره أو فشل. بالنسبة لهذا الناقد أنجز أحمد عبد الله عملا جديرا
بالتقدير والاحترام. اللا - حوار (لأن الفيلم ليس صامتا لوصفه بذلك) إضافة
فنيـة مهمـة تكثـف الجزء البصري من الفيلم وتجعل المخرج أمام ضرورة الاتكال
على الحدث، ومن ثم المشهد واللقطة، لأجل التعبير عن مقصده ولأجل سرد حكايته
بلا مساعدة من حوار لم يكن ليضيف شيئا يـذكر.
بطل الفيلم واحد من الذين جرى تهريبهم من السجون أيام المظاهرات التي عمـت
مصر سنة 2011، ومن مطلع الفيلم يـحسب للمخرج أنه لم يكترث لاتخاذ موقف مؤيد
أو معارض لأي جهة. قوات الحكومة تتعقـب من جرى إطلاق سراحهم و«الثوار»
يعاملونه كغرباء. حين يصل بطل الفيلم إلى الحي الذي سيمضي به بعض الوقت
يـستقبل بزفـة ضرب مبرح من حراس الحي قبل أن ينقذه واحد تعرف عليه. بعد
فترة من العيش مع عائلته، ينطلق لإيصال رسالة. فأحد الهاربين من السجن هو
مسيحي (قبطي) أودعه رسالة إلى أهله قبل موته. بعد بحث يأخذ بطلنا بين
القبور وساكنيها والأنفاق والأزقـة التي لا يدخلها نور الشمس يوصل الرسالة،
لكنه في الوقت ذاته يدرك أن الرسالة التي أوصلها بعثت فيه رسالة خاصـة
حولته من مجرد متابع لما يدور حوله إلى شريك عندما تقع معركة بين المسلمين
والمسيحيين ويشترك فيها.
حال الضياع واضحة. حياة الحضيض أوضح. والشخصية الرئيسة في هذا الفيلم تعيش
الحالتين جيـدا. ربما كان الفيلم يحتاج إلى إضافة مختلفة في شكل شخصية
متغايرة عن الشخصيات الأخرى تكشف عن بعد مواز، أو لشعور بخطر مدهم من جراء
الحياة المدقعة التي يعيشها بطل الفيلم والبيئة بأسرها، لكنه عمل جيـد كما
يحل على الشاشة ومختلف عن أي فيلم مصري آخر. طبعا، سيبقى هناك مكان
لاقتراحات تتعلـق باختيار المخرج طريقة معالجته (كم الحوار أهمـها)، لكن
المخرج الشاب نجح فيما أمـه مانحا الفيلم قوة بصرية لا تنضح بالجديد أو غير
المألوف، لكنها صادقة.
في الوقت ذاته، هذا فيلم ديجيتال من تصوير طارق دفني وفي مناطق كثيرة تخون
تقنية الديجيتال البعد الذي كان من الممكن لكاميرا 35 مم تحقيقه.
الشرق الأوسط في
29/10/2013
(المدى)
في مهرجان أبو ظبي السينمائي السابع ..
الكردي هينر سليم يتحدث عن (بلادي حلوة.. بلادي حادة)
أبو ظبي/ علاء المفرجي
بعدد من الافلام المهمة بدأها المخرج العراقي الكردي هينر سليم في فيلمه
المهم (فودكا بالليمون) الذي كرسه كأحد أهم الأسماء في جيل السينما الجديد،
يقدم وضمن مسابقة الافلام الروائية فيلمه الجديد (بلادي الحلوة.. بلادي
الحادة)، الفيلم معينة متفحصة في التجربة الكردية بعد اكثر من عشرة اعوام
على سقوط الدكتاتورية باسلوب ساخر .. فمنذ اللقطة في الفيلم التي تدور حول
قرار يتخذه عدد من المتنفذين بإعدام احد اللصوص نكون امام سخرية اعتدناها
في افلام هينر سليم السابقة، لكن هذه المرة يذهب ابعد من ذلك عندما راح
يحاكي افلام الويسترن، من خلال قصة رجل قانون يكلف بحفظ الامن في احدى
القرى النائية وهناك يصطدم بممارسات مازالت تتغذى من عقلية متخلفة تعتمد
الابتزاز والقوة في تعاملها مع الناس .. وعلى طريقة افلام الويسترن فان
المخرج سليم يدفع ببطله ان يكون المنقذ ورجل القانون
.
وفي المسابقة نفسها ومرة اخرى يكون جمهور المهرجان على موعد مع المخرج احمد
عبدالله وهذه المرة مع فيلمه الجديد (فرش وغطا) الذي جاء كما في فيلمه
السابق (مكروفون) والذي عرضه المهرجان ايضا قبل عامين، قريبا ومن حيث
الموضوع ايضا باقترايه من هموم الشباب وخيبة أملهم في السياسة والحياة وهو
الامر الذي جعلهم المادة الرئيسة في انتفاضة الشعب وثورته عام 2011 .. في
فلمه هذا غاص اكثر في تفاصيل الحدث الثوري هذا وايضا في ما يتعلق بوقوده
الاساس الشباب ، وهو عن شاب مصري (الممثل الشاب اسر ياسين) يهرب مع الافواج
الهاربة من السجن جراء الاحداث حيث يبحث عن مكان آمن يستعيد فيه أدميته،
لكنه يواجه ايضا شراسة الواقع الذي ما زال اسير حكم الدكتاتورية.. وبكاميرا
محمولة وبلغة سينمائية اعتمدت الوثيقة قدم المخرج عبدالله صورا مجسمة للوضع
الذي عاشته وتعيشه مصر.
وسبق أن شارك هذا الفيلم ضمن فقرة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي
الأخير ، كما فاز قبل ايام بمهرجان شيكاغو السينمائي.
ولليوم الرابع تتواصل فعاليات المهرجان إذ شهدت عرض الفيلم التونسي المحتفى
به "صمت القصور" لمفيدة تلاتلي مرة ثانية. ويدور فيلم "صمت القصور"، الفائز
بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي في عام 1997، حول قصة
عودة عالية، البالغة من العمر 25 عاماً، الى بيت ولادتها في أحد قصور "البايات"
حيث تعمل والدتها طباخة وأحياناً خليلة، وقد أطلق الفيلم مسيرة الشابة هند
صبري الفنية، والتي أدت فيه دور عالية وحضرت المخرجة تلاتلي مع بطلة الفيلم
هند صبري.
و"القيادة في القاهرة" من إخراج شريف قشطة الذي أستغرق إنجازه أكثر من
ثلاثة أعوام لإقتناص طبيعة مدينة القاهرة الحقيقية، تلك التي أحبها المخرج.
ويلتقط الفيلم شذرات من حياة الناس، قبل وأثناء وبعد الثورة المصرية التي
كانت ساحة التحرير الشهيرة مسرحها.
يذكر أن قشطة قد مَوّل فيلمه "القيادة في القاهرة" بجهد ذاتي وتمويل شعبي،
وعن طريق إلتماس كرم الجمهور بدعم مشروعه السينمائي مالياً. ومثل هذا
الأسلوب أصبح اليوم أسهل بالنسبة لمخرجي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،
وذلك بفضل إطلاق المهرجان ورشة "أفلامنا"، أول منصة في المنطقة للتمويل
الجماهيري، كما انطلقت إحدى ورش مهرجان أبو ظبي السينمائي الخاصة بـ
"حوارات في السينما"، ولتتوقف عند كيفية الإستفادة القصوى من الدعومات
المالية المقدمة لصناع السينما في المنطقة، وبما توفره من فرص لتحقيق
أحلامهم الفنية.
وتستمر ورشة "أفلامنا" ليوم كامل، وعبر جلسات ممتعة مخصصة لهذا الغرض حيث
ضيفت دستن دانييل كريتون مخرج "مصطلح مختصر 12"، وعبر حلقة دراسية عنوانها
"أقفز"، تناقش سبل وممكنات الإنتقال من الفيلم القصير الى الروائي الطويل،
وسبق لكريتون أن عرض باكورته "لست محباً" في مهرجان صاندانس في عام 2012.
وتوفرت للجمهور فرصة ثمينة وعبر متابعة قصص نساء إستثنائيات، ومن مختلف
الإختصاصات السينمائية، في ندوة "بطلات الشاشة الفضية: الطريق الى النجاح"
تناقش حظوظ النجاح النسوي في صناعة إحتكرها الرجال وشارك في طاولة النقاش
كل من المخرجتين ناهيد بيرسون سارفيستانيى وأبارنا سن اضافة الى الممثلة
القديرة هيام عباس.
كما نوقشت الجلسة الأخيرة من "حوارات في السينما" لمهرجان أبو ظبي
السينمائي "الشتات ونهضة السينما العراقية"، وعبر البحث عن أسباب عودة
السينمائيين المغتربين الى بلدهم لتوثيق قصصه. وتضم طاولة النقاش كل من
المخرجين محمد جبارة الدراجي، وقاسم عبد وعدي رشيد وعدد من النقاد الذين
يحضرون المهرجان.
وتكريماً لذكرى المنتج الراحل جايك إيبرتس الحائز على جوائز عالمية عدة،
أعلن مهرجان أبوظبي السينمائي عن تسمية جائزة اللؤلؤة السوداء للأفلام
الوثائقية باسمه لتصبح "جائزة لؤلؤة جايك إيبرتس لأفضل فيلم وثائقي"، وذلك
تقديراً لمساهماته في مجال صناعة الأفلام، وستمنح الجائزة خلال حفل توزيع
جوائز المهرجان مساء اليوم.
وعرف إيبرتس (1941 –2012) من خلال تقديمه أفلاماً حائزة على جوائز مرموقة
تشمل
"Chariots of Fire"،
و"غاندي"، و"Driving
Miss Daisy".
وحصدت أفلام إيبرتس على 37 جائزة أوسكار، أربعة منها لأفضل فيلم. وقد بنى
جايك، المولود في كندا، علاقة وثيقة في الإمارات العربية المتحدة وتعززت
بعد زيارته لها في عام 2007، حيث لعب دوراً بارزاً في العديد من إنجازات
صناعة الأفلام في أبوظبي. واستفاد العديد من القنوات التلفازية وشركات
الإنتاج من مساهمات إيبرتس، ومنها قناة ناشونال جيوغرافيك، وصندوق إستثمار
الأفلام في أبوظبي، وإيمج نيشن وصفقاتها التي تتعدى قيمتها ملايين
الدولارات مع الأفلام المشاركة، فضلاً عن إنتاجه لفيلمي
"Contagion"
و"The
Help".
وكان للسينما الهندية حضور متميز في الحوارات والمناقشات المصاحبة لعروض
المهرجان ، فقد تناولت جلسة نقاشية (100 عام على السينما الهندية: دراسة
الماضي لاستشراف المستقبل) وليس من المبالغة بشيء الحديث عن أهمية السينما
الهندية. فالهند أكبر صانع للأفلام في العالم، وعلى الأرجح يمكن تصنيفها في
المرتبة الثانية من حيث التأثير عالمياً بعد هوليوود. تعتبر السينما
الهندية مألوفة، وعلى مدى عقود، لدى المشاهدين في روسيا والشرق الأوسط
وأجزاء من آسيا وإفريقيا. ساعد على انتشارها وجود نحو مليار إنسان يعيشون
فيها وحوالي 20 مليون خارجها، وأفلامها هي على الأرجح من بين أكثر الأفلام
مشاهدة في العالم. شاركنا الاحتفال، بمئوية السينما الهندية، بحضور جلسة
النقاش هذه والتي يشارك فيها عدد من الضيوف المميزين.
وتضمنت الجلسات في هذا الاطار ايضا جلسة حوار مع عرفان خان وهو فنان ساحر
ومتعدد المواهب امتدت أعماله من السينما الهندية إلى هوليوود. له مجموعة
متنوعة من الأفلام بما فيها "علبة الطعام"، "حياة باي"، "المليونيرالمتشرد"،
"الرجل العنكبوت المذهل"، "عودة رجل عصابات صاحب بيوي أور"، و"بان سينغ
تومار". فائزبثلاث جوائز "فيلم فير"، وجائزة نقابة ممثلي الشاشة، ومرشح
لجائزةالروح المستقلة، عرفان خان سيزودنا بنظرة أعمق على حياته المُلهمة
ومساره المهني الاستثنائي.
المدى العراقية في
29/10/2013
دعاء سلطان تكتب: خروج آمن للسينما
رسالة أبو ظبي
تقرر مصر إقامة دورة جديدة من مهرجان فاشل يُدعى مهرجان الإسكندرية
السينمائى.. يستنزف مالًا يقتص من أموالنا نحن دافعى الضرائب، ويهدر جهد
وطاقة مَن فيه، كما أنه يستهلك روح مَن هو متاح من الفنانين لو كان رخيصًا،
كما كان رخيصًا ذلك الكيان الذى أطل على جمهوره من خلاله.
كانت دورة مهرجان الإسكندرية الماضية عارًا و«عرّة» لمصر، ولم تكن تحديًا
للظروف التى تعانى منها مصر كما روّج القائمون على كارثة مهرجان الإسكندرية
السابق.
دورة مهرجان الإسكندرية السابقة فشلت شكلًا ومضمونًا، فقد قامت على أكتاف
أغبياء ورثوا غباء مَن سبقهم -«ممدوح الليثى نموذجًا، ويبدو أن مَن أقاموا
مهرجان هذا العام تلاميذ له، وإن اشمئّزوا من سيرته على سبيل إعلان أنهم
محترمون»- ممن أهدروا قيمة مهرجان مهم، وكان يجب أن يكون الأهم من بين
مهرجانات المنطقة.
إذن، أقام الفاشلون دورتهم الفاشلة والتى لا «تسوى فى سوق المهرجانات بصلة»
وتقاضوا مكافآتهم لينتصروا على اللا شىء! أنفقوا من مالنا الذى هو نتاج
ضرائبنا أموالًا فقط، ليثبتوا لنا أنهم فشلة، وإلا فليقل لنا أى من منظمى
مهرجان الإسكندرية رد فعل العالم على إقامة هذا المهرجان البحر متوسطى
المهم؟!
الإجابة: العالم لم يسمع شيئًا عن هذا الهراء الذى أُقيم.. فقط كسبت
المذيعة بوسى شلبى بعض اللقاءات بنجوم مصر لسهرة امتدت ثلاثة أيام فى عيد
الأضحى!
وما بين حماس مشوب بمصالح منظمى مهرجان الإسكندرية، وخوف وتراجع منظمى
مهرجان القاهرة السينمائى الدولى -الذى كان وما زال حتى اللحظة واحدًا من
بين 11 مهرجانًا يحمل صفة الدولية- عن تنظيمه هذا العام فى كارثة لم يعرف
الفن المصرى مثلها، وتهدّد بتراجعنا فى التصنيف الدولى، ومن ثَم اختفائنا
من خارطة الفن والثقافة فى الشرق الأوسط وفى العالم على الإطلاق.. فى هذه
الأثناء تُقام الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبى السينمائى!
كتبت على صفحتى العامة على «فيسبوك» -قبل سفرى بدقائق- والتى وصل عدد
مشتركيها حتى اللحظة 393.734، أى ما يفوق الثلاثمئة ألف عضو: أنا فى طريقى
إلى أبو ظبى الآن.
رد أحدهم: ابقى هاتى شفيق، وقال آخر: كنت أحترمك إلى أن ظهر انتماؤك إلى
شفيق، حتى إنك ستذهبين إلى الإمارات لأجله!
كان من السهل تجاهل مثل هذين الغبيين، ولكن الأغبياء يراهنون على غباء مَن
معهم، فقلت لهما: ألا يوجد فى الإمارات سوى شفيق؟!
لم يردا طبعًا!
إنهم لا يعرفون أن فى الإمارات مهرجانًا للسينما، ولا يعرفون أنه مهم، بل
إنهم لا يعرفون أنه أصبح الأهم فى المنطقة الآن!
على مدار أربع سنوات أحضر فى نفس التوقيت لمهرجان أبو ظبى السينمائى الدولى..
لا يخلف المهرجان موعده ولم يحدث أبدًا أن أساء التنظيم.
مهرجان أبو ظبى السينمائى فى دورته السابعة ورغم أهمية وقيمة مسابقته
الدولية وبقية مسابقاته ماديًّا ومعنويًّا، فإنه ما زال مُصرًّا على تأكيد
هويّته العربية.. مهرجان عربى ينتزع عالميته باحترامه السينما العربية
وفهمه قيمتها.. هذا العام مثلًا قرّر المهرجان بمنظمين يبدو أنهم واعون
تمامًا للبرنامج الذى اختاروه، عمل قسم خاص لمختارات من الأعمال الروائية
الأولى والثانية للمخرجين العرب.. يعنى أن العالم الذى اجتذبه مهرجان أبو
ظبى بجمهوره الذى يتحسس خطواته نحو السينما، سيشاهد فيلم «الصعاليك» لداوود
عبد السيد، و«عرق البلح» لرضوان الكاشف، و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلى،
و«أحلام المدينة» لمحمد ملص، وغيرها من الأفلام التى ما كنت لتشاهدها إلا
فى برامج من هذا النوع فى مثل هذه المهرجانات.. إنه مهرجان يعرف أنه يخطو
نحو القمة ولا ينسى أن يعتمد على جذور ثابتة تسند ظهره.. جذور هذا المهرجان
هو السينما العربية.
مهرجان أبو ظبى فى دورته السابعة خصص أيضًا جائزة جديدة عنوانها «جائزة
حماية الطفل».. عشرون فيلمًا تقدّم لنيل جائزة قيمتها 70 ألف دولار لحماية
الطفل لأفضل إخراج، و30 ألف دولار لجائزة حماية الطفل لأفضل سيناريو.
خمسة عشر فيلمًا فى المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية، وخمسة عشر فيلمًا
آخر فى المسابقة الروائية للعملين الأول والثانى «آفاق»، وثلاثة عشر فيلمًا
وثائقيًّا بخلاف مسابقة الأفلام الروائية القصيرة.. جوائز معنوية قيّمة
ومادية تسهم فى إضافة حقيقية لدعم السينمائيين الفائزين ودعم السينما
عمومًا، مع وجود صندوق سند الذى يموّل مشاريع الأفلام العربية الوثائقية
والروائية الطويلة، ويوفّر سنويًّا تمويلًا إجماليًّا قيمته نصف مليون
دولار لصانعى الأفلام العرب.
يستهلكنا النظام وتستهلكنا الأنظمة عمومًا، وتزعجنا الأرقام، وتبقى قيمة
الأفلام بداخلنا.. المهرجانات السينمائية الجادة تحقّق لنا خروجًا آمنًا من
الصراع المؤسف الدائر فى أوطاننا.. تفاعلنا يضمن لها التوهّج والتألّق،
ومتعتنا تضمن لها الاستمرار.. مهرجانات لن تستمر إلا بدعمنا، ولن تكتمل إلا
برضانا، وإن امتنعنا فنحن الخاسرون.
أول فيلم شاهدته فى أنشطة الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبى السينمائى، كان
الفيلم البريطانى
Philomena «فيلومينا»
الذى كان ضمن المنافسين على جوائز مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فى
دورته السابقة، وهو الآن من ضمن المنافسين على جوائز المسابقة الرسمية
لمهرجان أبو ظبى. جودى دانش.. أو فولومينا المرأة الأيرلندية السبعينية
الكاثوليكية جدًّا، تبحث عن ابنها الذى أنجبته وهى فى سن المراهقة وقررت
راهبات الدير أن يعرضنه للتبنّى.. تلتقى صحفيًّا متحمسًا وتبدأ معه رحلة
البحث عن ابنها.
رحلة إنسانية مفعمة بالأمل والرغبة فى معرفة مصير الابن المخطوف منها عنوة،
ثم الخيبة فى منتصفها، خصوصًا عندما نعلم أن الابن قد مات متأثرًا بمرض
الإيدز بعد اكتشاف مثليته، وأخيرًا التعافى وانتصار الحياة بتفاصيل حياة
الابن الغائب نفسه الذى كان -قبل موته- يبحث عن أمّه أيضًا، وقررت الراهبات
تضليله كما ضللوا الأم قبل وفاته وبعدها.
المرأة العادية جدًّا الكاثوليكية المتدينة كادت أن تسقط منا فى منتصف
الفيلم بعد علمها بوفاة ابنها، لكن الأمل والرغبة فى الكشف تحيى خلاياها
ثانية، فها هى الآن ترغب فى معرفة إن كان ابنها يتذكرها أم لا.. هل يعرف أن
له أمًّا أيرلندية تنتظره بعد أن تبنّته أسرة أمريكية؟
ليس أتعس من أن تفخر الأم بابن قد مات ولم يعرفها، لأن راهبات الدير قرروا
ذلك.. هؤلاء الراهبات اللاتى طالما وثقت فيهن وصدقتهن، وصدقت أنهن لا يعرفن
مَن تبنّى ابنها.. عرفت فيلومينا أن ابنها أصبح ناجحًا فى حياته ثم علمت
أنه مات فى نفس الوقت تقريبًا!
راهبات الدير كن يعرفن مكانه، وكن يعرفن أنه يبحث عن أمّه الحقيقية «عنها
هى تحديدًا فيلومينا»، لكنهن أخفين وطمسن الحقيقة تقربًا للرب اللاتى يعقدن
أنه يكره فتيات طائشات مرهقات ارتكبن الخطيئة ذات يوم، وولدن أطفالًا
سفاحًا.. سامحت فيلومينا الراهبات فى إخفائهن سر ابنها ومكان قبره، بينما
قال الصحفى الذى فجّر القضية كلها: أنا لا أسامح.
وهل ضاعت حقوقنا إلا بمثل تسامح فيلومينا، وذلك الخضوع لمن نعتقد أنهم
منزّهون لا يأتيهم الباطل من بين يديهم؟! وهل يجوز التغاضى عن خفّة وثقل
وعبقرية وبساطة أداء جودى دانش فى هذا الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية كتبها
الصحفى الذى ظهر فى الفيلم فعلًا؟! ده حتى يبقى حرام.
التحرير المصرية في
29/10/2013
"زرافاضة"..
ميلودراميا سياسية فاترة
رامي عبد الرازق- أبو ظبي
من بين خمسة عشر فيلما تتنافس على جوائز مسابقة "آفاق جديدة" ضمن فعاليات
الدورة السابعة لمهرجان ابو ظبي السينمائي(24 أكتوبر- 2 نوفمبر) يشارك
المخرج الفلسطيني الشاب راني مصالحة بفيلمه الأول "زرافاضة" من بطولة صالح
بكري والفرنسية لور ديكليرمو والمغربي رشدي زم والممثل الفلسطيني الكبير
محمد بكري.
تضم مسابقة آفاق جديدة هذا العام إلى جانب "زرافاضة" ثلاثة أفلام عربية هي
"فيلا69" من مصر للمخرجة آيتين أمين و"بستاردو" من تونس للمخرج نجيب بلقاضي،
و"قبل سقوط الثلج" للمخرج هشام زمان من كردستان العراق.
إلى جانب أفلام"احبني" من النرويج للمخرجة هانة ميرين و"اسمي همممم" من
فرنسا لأنييس تروبليه، و"بل"من بريطانيا إخراج اما اسانتي، و"بوتوسي"من
المكسيك للمخرج الفريدو كاسترويتا، و"حياة ساكنة"وهو ايطالي بريطاني مشترك
للمخرج أوبيرتو بازوليني، و"سالفو" وهو ايضا ايطالي من إخراج فابيو
غراسادونيا وانكوينو بياديس، و"الشبيه" من بريطانيا إخراج ريتشارد ايودا،
ومن استراليا "الظلة" للمخرج ارون ويلسون، ومن الهند "قصة" للمخرج أنوب
سينغ، ومن أمريكا"مصطلح مختصر 12" للمخرج دستن دانيل كريتن وأخيرا من
جوريجيا" مواعيد عشوائية" للمخرج ليفان كوغواشفيلي.
يلاحظ بالطبع أن المسابقة تغطى قارات العالم الست، أي أنها تمثل بالفعل
اطلالة واسعة على الأفاق السينمائية الجديدة التي يقدمها المخرجون الشباب
من كل العالم، كذلك ثمة حضور بريطاني وايطالي وفرنسي واضح سواء عبر الأعمال
الخالصة الانتاج أو اعمال الانتاج المشترك، وفيلم"زرافاضة" نفسه إنتاج
فرنسي ايطالي ألماني مشترك وقد صور ما بين فلسطين وألمانيا.
أزمة النوع
ما هو النوع الذي ينتمي إليه هذا الفيلم؟ أو لنكن أكثر بساطة ما هي ملامح
المعالجة التي قدمها المخرج لتلك الواقعة الحقيقية؟
في عام 2002 أغارت الطائرات الإسرائيلية على مدينة قلقيلية بالضفة الغربية،
واثناء الغارة قتلت بعض حيوانات حديقة الحيوان الوحيدة المتبقية في
المحافظة الفلسطينية، ومن هذه الواقعة استلهم المخرج الشاب تفاصيل فيلمه
الأول، ولكنها كما نرى واقعة يمكن تناولها من عشرات الزاويا وبأنواع درامية
شتى فما الذي أختاره المخرج؟
اختار المخرج مصالحة معالجة ميلودرامية بسيطة افقدت الحدث الكثير من بريقه
الإنساني والسياسي على حد سواء، سيناريو خافير نيمو لم يتمكن من صياغة تلك
البساطة الآسرة للواقعة، وفضل أن يلتزم بالميلودراما التي لم تفرز الكثير
من اللحظات القوية أو الخاصة عبر تفاصيل القصة أو السرد.
نحن أمام الطفل زياد أحمد بياطرة ذو العشر سنين، العاشق للطبيعة والحيوانات
ابن الطبيب البيطري ياسين (صالح البكري) الذي يعمل بالحديقة ويبدو كنموذج
تقليدي للطبيب الذي يعاني من فساد الذمم وآليات البيروقراطية العقيمة في ظل
سلطة وطنية لديها مشكلات أكبر من إسهال القردة وموت الزرافات في القصف.
الفيلم الجيد يمكن أن تبرز قيمته من المشهد الأول وفي المشهد الأول للفيلم
نرى معلمة زياد في المدرسة تسأله عن علاقاته بالزرافات فيقول لها وصف شعري
ركيك من مخيلته الطفولية ولكن اصدقائه يتهمونه بالكذب وينعتونه به في صفاقة
ومباشرة تبدو غير فنية وركيكة.
بعدها تتكرر مشاهد علاقة زياد بالطبيعية والحيوانات في الحديقة أمام الجدار
العازل بينما تتقاطع مع مشاهد شكوى أبيه لمدير الحديقة من انتهاء صلاحية
الأدوية في حين أن كل ما يهم المدير هو التحضير لحفل عيد ميلاده.
يبدو السرد هنا شديد الآلية وبلا عمق أو دلالات أكثر من مجرد عرض الشخصيات
والتمهيد للأحداث، حتى على المستوى الإخراجي يستعمل راني لقطات عادية بلا
زوايا معبرة أو تكوينات خاصة تفيد علاقة الطفل بالحيوانات أو بالطبيعية بل
إنه عندما يريد أن يبرز فكرة كونه غير بقية الأطفال في سنه يأتي ببعض
الأطفال ليتحرشوا به بلا سبب ونجده يقاوم ويخرج لهم سكينا ويرهبهم به وهو
أحد اكثر المشاهد ركاكة وضعفا في تقديم شخصية رئيسية كالطفل وطبيعة مشاعره
المرهفة وعلاقته بمن حوله.
كذلك مشهد تقديم شخصية المراسلة الصحفية الفرنسية التي سوف تصبح رفيقة
رحلتهم خلال عملية الحصول على ذكر للزرافة ريتا من داخل تل أبيب بعد مقتل
ذكرها في الغارة الأسرائيلية، نفس التقديمة التقليدية لكل شخصيات الأجانب
في الأفلام الفلسطيينية أو العربية المحايدة والسطحية، حيث نراها ترتدي
جاكيت الصحافة وتحاول ان تصور المواجهات بين الفلسطينين والإسرائيليين
والتي لا ندري أين تحدث تحديدا ونحن نتحدث عن منطقة واقعة تحت السلطة
الوطنية، ثم تصاب المراسلة وتنقل إلى حديقة الحيوان كي تعالج، فتتعرف
بالصدفة هناك على الطبيب الشاب وابنه وتتعاطف معهم سريعا وتؤكد على
انحيازها للقضية هكذا، بل وتوافق على المشاركة في المغامرة بعد قليل من
التفكير رغم خطورة الرحلة، هذا الأستسهال والقفز السردي يجعل المشاهد غير
مشبعة أو ايهاميه بالقدر الكافي بل يصب مرة أخرى في خانة الميلودراما التي
تتخذ فيها الشخصيات قرارات سريعة بناء على انفعالات سطحية واحتكاكات بسيطة
تشبوها العواطف أو الرغبات الطارئة.
يكفي مشهد الغارة حين يجلس الطفل خائفا في المخبأ بينما يذهب ابوه كي يطمئن
على الزرافات فتقترب منه المراسلة وتقول له بعربية مكسرة"انا صاخبتك" اي
انا صديقتك في محاولة لتطمينه فيتحول المشهد من تراجيديا انفعالية إلى فارس
أسود نتيجة نطقها العربية بركاكة وعدم اختيار الفعل الدرامي المطلوب تحديدا
لتوصيل الشعور، وكان يكفي ان تحتضنه أو تربت عليه كي يكتمل المعنى أو نشعر
بالصلة التي تنشأ بينهم وبالتالي يمكن أن نقتنع فيما بعد بموافقتها على
الرحلة.
أفسد السيناريو هذه الصلة- بين المراسلة والطفل- تماما ولم يركز عليها وحول
المسألة بين الطبيب والمراسلة إلى مناوشات عاطفية ضعيفة عبر تعليقات الطفل
الذي لاحظ قرب المراسلة من الأب بينما كان من الممكن أن تتغير دفة
الانفعالات والشعور تماما لو ان السيناريو والمخرج ركزوا على علاقة
المراسلة بالطفل واقتناعها بنبل قضيته.
نحن لا نفرض هنا وجهة نظرنا على الفيلم ولكن ثمة مشاعر يرصدها المتلقي خلال
العلاقات ويرغب بشدة أن يطورها السيناريو والإخراج كي تثير انفعالاته وتقنع
عقله اما التعامل بأستسهال أو مرور الكرام على نقاط تماس قوية ومؤثرة بين
الشخصيات فهو ما يستفز المتفرج سواء كان متخصصا او لا ويجعله يشعر بفتور
وتنقطع تدريجيا صلته الوجدانية مع العمل وتفاصيله.
زرافة اسرائيل
يحاول السيناريو أن يعمق دلالات القصة عبر الأحالة إلى موتيفات تراثية مثل
قصة سفينة نوح التي يحكيها الأب لأبنه في أحد المشاهد، ويربطها في النهاية
بمشهد الزرافة التي يسرقها الأب من تل أبيب ويأتي بها سيرا على الأقدام
لتعبر الجدار العازل وتدخل إلى قلقيلية في تشبيه استعاري كي يكتمل الذكر
والأنثى وكأن بقعة الارض الطافية وسط الحزام الأسمنتي العازل اقرب لسفينة
نوح التي يجب على الفلسطينين التشبث بها لحين انتهاء الطوفان.
بالطبع لم يؤد هذا الربط إلى تعميق القصة بشكل كبير نظرا لأنه سطحي ومفتعل،
كما أن صناع الفيلم لم يؤسسوا له بالقدر الكافي خاصة أن الزرافة ريتا كانت
حامل بالفعل قبل مجئ الذكر روميو من تل ابيب أي أن المستقبل كان حاضرا في
رحمها بعد وفاة ذكرها الأثير، وبالتالي اصبح احضار روميو مجرد علاج "نفسي"
أو عاطفي للزرافة الأنثى كي تأكل وتهتم بنفسها اثناء فترة الحمل وهو ايضا
تصور ميلودرامي بل لو ان الزرافة حملت من روميو بعد احضاره في النهاية
لأصبحنا أمام نتيجة وجودية جيدة وهو انه رغم الدمار والموت إلا أن اجتماع
ذكر وانثى كفيل بأن تستمر الحياة داخل هذه الأرض المحتلة.
هل يبدو وكأن المخرج خشي أن يفسر الأمر سياسيا؟ رزافة من اسرئيل تلقح انثى
من فلسطين.. في هذه الحالة لم يكن عليه إذن أن يذهب إلى تل ابيب لأحضارها
وبالتالي يفتح على نفسه باب التأويل السياسي للحدث والتساؤل حول(هل ضاقت بك
الأرض حتى تذهب إلى تل أبيب لتحضر زرافة!!).
في الحقيقة فإن التأويل السياسي لفكرة الزرافة القادمة من إسرائيل هو تأويل
محدود الأفق لأن الطبيب لديه صديق اسرائيلي بالفعل يتمكن من تسهيل عملية
السرقة وتوفير وسيلة نقل كما أن الرزافة ليست زرافة اسرائيل ولكنها زرافة
الرب اي كائن حي بلا جنسية ولا هوية، صحيح أن الطبيب كان يمكن أن يطلب
زرافة من عمان وهي ايضا قريبة ولكن صانع الفيلم اختار ان يأتي بالزرافة من
نفس الأرض حتى ولو محتلة، ولا ننسى أنه اختار الميلودراما أطارا له
والميلودراما تحتم عليه أن يأتي بالزرافة من اسرائيل وليس من أي مكان أخر
كي تكتمل الصورة الانفعالية والعاطفية.
زرافة + انتفاضة
لم نشأ أن نشير إلى طبيعة عنوان الفيلم الغريب من البداية، زرافاضة هو نحت
لغوي من كلمتين زرافة وانتفاضة، وفي الحقيقة فأننا لا نرى أي انتفاضة حقيقة
أو معنوية داخل الفيلم، بأستثناء مشهدين يتيمين أحدهم للمراسلة كما ذكرنا
والأخر لزياد اثناء قذفه للأسرائيلين بالحجارة بعد غضبه من مقتل زرافته
الأثيرة في الغارة، هذا المشهد على ما يبدو هو ما يجبر الأب على ان يخوض
مغامرة سرقة الزرافة من تل أبيب او دعنا نقول احضارها، أنه يريد أن يحمي
ابنه من المواجهات ويطمئن مشاعره ويهدئ باله ولكنه في المقابل يقرر خوض
مغامرة قد تودي بحياته وحياة أبنه الذي يصر على اصطحابه في تلك المغامرة
المحفوفة بالمخاطر داخل تل ابيب دون مبرر كاف أيضا.
بالمناسبة كان هذا السياق يحتاج إلى تأسيس اقوى من مجرد وجود الطفل في
الرحلة بل اننا لم نشاهده حتى وهو يطلب من ابيه او يرجوه بل أن الأب يصطحبه
بشكل عادي ودون خوض انفعالي في مناقشة المسألة او ايجاد توازن منطقي لفعل
الأصطحاب.
نعود إلى العنوان: ربما تصور المخرج أن سرقة زرافة من تل ابيب واحضارها إلى
قلقيلية هي انتفاضة البطل الخاصة أو معجزته كما يقول لأبنه قبل قرار
الرحلة، وهو بالطبع تصور معنوي يناسب العنوان ولكنه ليس قويا على مستوى
الدراما بالقدر الكافي خاصة لو اضفنا إليه مشاهد مثل ذهاب الأب إلى البلدية
وحضوره اجتماع ساذج عن مشاكل البلدة التي تأتي في ذيل قائمتها الزرافة
المريضة عاطفيا أو تهكم مدير الحديقة عليه بذكره ضعف الموارد ورحلة السفاري
إلى جنوب افريقيا التي تتكلف 30 الف دولار من اجل احضار بعض الزرافات
للحديقة البائسة.
نتصور أن الازمة الأساسية في هذا الفيلم هي أزمة معالجة سطحية وثقة زائدة
في القصة أو الحادثة الحقيقية، رغم أنها كانت تحمل جينات قوية ومؤثرة، ربما
بحكم كونه العمل الاول لمخرجه والذي كان عليه أن يفجر انفعالات ومشاعر اكثر
من مجرد الحدوتة الطفولية البسيطة. ولا نتصور أن ثمة اسباب انتاجية وراء
ضعف الأمكانيات الدرامية للفيلم بل أن المخرج نفسه ذكر أنه قام بتصوير مشهد
دخول الزرافة سيرا عبر الجدار في ألمانيا بأستخدام تكنيك الكروما وجاء
المشهد منفذا بشكل جيد وضحت فيها التقنية الاجنبية.
عين على السينما في
29/10/2013 |