عرض فى افتتاح مهرجان فينسيا الـ٧٠ خارج المسابقة الفيلم الأمريكى
«جاذبية الأرض» إخراج ألفونسو كوارون، والمقرر أن يبدأ عرضه العام فى ٤
أكتوبر القادم فى أمريكا والعالم. جاء الفيلم عملاً فنياً كبيراً عن وصول
الإنسان إلى عالم الفضاء، وإن لم يرق إلى مستوى «التحفة» مثل فيلم «كيوبريك»
«٢٠٠١: أوديسة الفضاء» الذى أخرجه عام ١٩٦٨، فقد تخلص «كيوبريك» من تأثير
النزعة «التجارية» الهوليوودية، بينما لم يتخلص منها «كوارون» بنفس القدر.
والمقارنة ضرورية، لأن الموضوع واحد فى الفيلمين، وكلاهما ينتهى
بالإعلاء من شأن الإنسان، رغم اختلاف الرؤية الفكرية. ولكن بينما كان فيلم
«كيوبريك» من «الخيال العلمى»، حيث تدور أحداثه بعد أكثر من ثلاثين عاماً
من تاريخ إنتاجه، تدور أحداث «جاذبية الأرض» فى الزمن الحاضر، أى أنه فيلم
واقعى يدور فى الفضاء، بعد أن أصبح «الخيال العلمى» واقعاً ملموساً.
«كوارون» أحد أضلاع المثلث الذهبى الذى وضع السينما المكسيكية على
خريطة العالم فى السنوات العشرين الماضية مع جوليرمو ديل تورو وأليخاندرو
جونزاليس آناريتيو، صانع «بابل»، إحدى تحف السينما المعاصرة وكل العصور.
ولاشك أن «جاذبية الأرض» أهم أفلام المخرج الذى كسبته هوليوود فى بحثها
الدائم عن المواهب فى كل مكان.
تدور أحداث الفيلم فى الفضاء خارج جاذبية الأرض، حيث نرى ثلاثة من
رواد الفضاء الأمريكيين تنفجر مركبتهم، ويضيعون فى الفضاء، وبينما يقتل
أحدهم على الفور، يبقى مات كوالسكى، (جورج كلونى)، الخبير الذى يقوم برحلته
الأخيرة، وريان ستون، (ساندرا بولوك)، التى تقوم برحلتها الأولى.
وقبل أن يصل الفيلم (٩١ دقيقة) إلى ثلثه الثانى يطلب «مات» من «ريان»
أن تتركه، وتحاول إنقاذ نفسها، وحتى النهاية تصارع «ريان» من أجل البقاء،
وتتمكن من النجاة بمساعدة مركبة صينية. ومرة أخرى نتذكر فيلم «كيوبريك»،
حيث كان فى الفضاء الأمريكيون والروس وحدهما، والآن تشاركهما الصين.
الفيلم الذى اشترك مخرجه فى كتابته وفى مونتاجه تجربة فنية جديدة
وشائقة وغير مسبوقة، حيث تدور كل أحداث الفيلم فى الفضاء، ولا شىء «يحدث»
من الناحية الدرامية التقليدية، ومع ذلك لا يفقد المتفرج متعة التلقى ولا
لحظة واحدة، فالموضوع مناسب للتعبير عنه بطريقة ٣D
أو الأبعاد الثلاثة، ويتكامل تصوير إيمانويل ليوبيزكى للشاشة العريضة
بالألوان مع موسيقى ستيفن بريس ومؤثرات الديجيتال الضوئية التى يستخدمها
تيم ويبر ببراعة، وتقدم ساندرا بولوك دور العمر، خاصة فى مشهد النهاية، حيث
تعود إلى الأرض، وتسترد إنسانيتها مع العودة إلى الجاذبية، وتولد من جديد.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليو في
31/08/2013
يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (3)
قال لـ «الشرق الأوسط»: «علي أن أختار ما أفتخر به مستقبلا»
جورج كلوني ينفي أن له يدا في اختيار فيلمه لافتتاح فينيسيا
فينيسيا: محمد رُضا
جورج كلوني مولع بجمهوره. مستعد لأن يؤخر ركبا مقابل تلبية رغبة معجب
بصورة أو بتوقيع. وحين أمّ ليل يوم الأربعاء الماضي حفلة عرض فيلم «جاذبية»
عمد إلى توقيع «أوتوغرافات» المعجبين على طول ذلك الحاجز المقام عند مدخل
الصالة الذي يبلغ مداه نحو ثلاثين مترا احتشد عنده أكثر من ثلاثمائة معجب.
لا هو ولا من يراقبه يستطيع أن يحصي كم من «الأوتوغرافات» وقّع، لكن جورج
لا يرد طلبا واحدا ولا يستطيع أن يتجاهل يدا ممدودة بورقة أو بدفتر
توقيعات. وتوقيعه سريع (ويجب أن يكون) وبقلمه الخاص الذي لا يخرج من دونه.
حين سألته بعد الخروج من «جاذبية» وخلال حفلة ساهرة أقامتها شركة «وورنر»
احتفاء بالفيلم، عن هذا التقليد الذي يتّبعه ابتسم، وهو دائما ما يبتسم قبل
أن يتكلّم، وقال:
«أفعل ذلك لأني أعرف أن هذا الحشد ينتظر مني ذلك. أنا أتوقع من نفسي
ذلك لأني لا أستطيع أن أغفر لنفسي إذا ما مدّ أحدهم يده بورقة أو صورة
يريدني التوقيع عليها. ولا أستطيع أن أتوقف عند عدد محدود وأترك الباقي كما
لو أنني لا أهتم».
جورج يسألني إذا ما أحببت الفيلم، وكنا التقينا في جزيرة أخرى غير
جزيرة «ليدو» التي يُقام عليها الفيلم وتناولنا الغداء معا وسألني السؤال
ذاته، لكني لم أكن شاهدت الفيلم آنذاك ولم أستطع أن أجيبه. هذا لم يمنعه من
الحديث عنه بدءا بمسألة يراها مهمّة:
«هذه المرّة لا أقوم بمهمّة الإنتاج لهذا الفيلم. المشروع جاءني قبل
عامين وكان مرّ عليه نحو عامين من التحضير. قرأت السيناريو ووجدته رائعا
ووافقت عليه بلا تردد رغم أن دوري فيه مساند. لكن حين بدأ التصوير زادت
سعادتي لأني لست مسؤولا عن الإنتاج. كنت ممثلا فقط وهذا أراحني جدّا».
·
ما الذي أعجبك في المشروع على
نحو خاص؟
- «أعجبتني فكرته الجديدة. رجل وامرأة في الفضاء ولا أمل لهما في
النجاة من مصير محتم. نعم هي لديها حظ أفضل من حظّي لكن فكرة أن تتعطل
المركبة وهي على بعد 600 كلم عن الأرض مخيفة. أدركت أنه سيكون واحدا من تلك
المشاريع المنفردة التي لا شبيه لها من قبل أو من بعد. نعم هناك أفلام خيال
علمية رائعة سابقة، لكني أتوقع أن يأتي هذا الفيلم على مستوى أي من تلك
الأعمال الكبيرة».
·
تقول تتوقع، ألم تر الفيلم بعد؟
- «لا. سأراه الليلة للمرة الأولى. أنا وساندرا (بولوك) لم نشاهد منه
إلا بضعة مشاهد مصوّرة لم يتم جمعها في سياق واحد. أعتبر نفسي لم أشاهد ما
يمكن أن يكوّن لي رأيا، لكن ما شاهدته كان مفاجئا. بعض الأفلام لا تأتي حسب
المتوقع منها. البعض يفوق المتوقّع وهذا الفيلم واحد منها».
·
لديك تجربة سابقة كنت تحمّست أنت
لها لكنها لم تحقق المطلوب منها… قبل أن أذكر اسم الفيلم قال:
- «أعرف. تقصد (سولاريس) لكن ألا تعتقد أنك تظلمه؟ السبب في أنه لم
يثر الكثير من الإعجاب في اعتقادي يعود إلى أن معظم النقاد قارنه بنسخة
(أندريه) تاركوفسكي ولا أنكر: (سولاريس) واحد من أذكى أفلام الخيال العلمي
وإذا سألت ألفونسو كوارون، مخرج (جاذبية)، سيؤكد لك ذلك لأننا تحدّثنا في
هذا الموضوع. لكن عندما تقارن فيلما معادا صنعه بالفيلم الأصلي فإن حسنات
الفيلم الجديد تتوارى إذا ما كان الفيلم الأول رائعا كسب ثقة النقاد مرّة
واحدة وإلى الأبد».
·
لا يمكن إلا أن تُقارن…
- هذا صحيح. لكن لا يجب أن نغفل أن المقارنة أضرت بـ«سولاريس» الذي
قام بإخراجه ستيفن سودربيرغ.
·
على ذكر سودربيرغ… أعرف أنه
صديقك لذلك سأسألك إذا ما كنت تعرف ما إذا كان سينفّذ قراره بعدم الإخراج
بعد فيلمه الأخير «وراء كاندلبارا»؟
- يجيب ضاحكا «نعم سنحقق (أوشن 96 معا)» وذلك في إشارة للسلسلة التي
قام سودربيرغ بإخراجها وشارك في بطولتها جورج كلوني ثم يضيف مازحا:
«لم أتحدّث إليه منذ فترة. لا أدري لماذا قرر ذلك أو إذا ما كان
سينفّذ هذا القرار. لكني أعرف شيئا واحدا عنه: لا يمكن تصديقه».
* جاذبية فينيسيا
* إنها ليست المرّة الأولى التي يحضر فيها جورج كلوني مهرجان فينيسيا.
كان هنا حينما تم عرض فيلم «أحرق بعد القراءة» سنة 2008 ثم عاد في العام
التالي عندما تم عرض فيلم من إنتاجه هو «الرجال الذين حدّقوا بالماعز» سنة
2009. وفي عام 2011 عرض فيلم آخر من إنتاجه على شاشة فينيسيا هو «منتصف
أشهر مارس (آذار)» الذي قام كذلك بإخراجه. وهذه هي مرّته الرابعة ودائما ما
يحل في فندق قائم على تلك الجزيرة يُقال: إن سعر غرفته الواسعة يصل إلى 17
ألف يورو في اليوم.
جورج لا يقطع مسافة بعيدة لكي يكون هنا فهو يُصيّف في منزله الكائن
على ساحل بحيرة كومو التي تقع شمال ميلانو وقبل فرسخ أو أقل من الحدود
السويسرية.
·
هل أصبحت تتقن الإيطالية الآن؟
- «لا أتقنها لكني أستطيع التواصل. أتحدّث بها وأفهمها لكن الإتقان
أمر مستحيل».
·
ما هو سر تفضيلك لمهرجان
فينيسيا؟
- «أحب هذا المهرجان لأنه يختلف عن المهرجانات الأخرى. لديه ميزة هي
مدى اهتمامه بالفن وتشجيعه له. أعتقد أن يؤدي للفن أكثر مما يؤديه أي
مهرجان آخر. هذا وحقيقة أنني بت أشعر بأني جزء من تاريخه القريب».
·
هل كان لك يد في اختيار «جاذبية»
للافتتاح هنا؟
- ينطلق كما لو كان يدافع عن نفسه:
«لا… ليس على الإطلاق. أعتقد أن ألبرتو باربيرا (مدير المهرجان) سمع
بالفيلم وطلب من ألفونسو أن يشاهده. ثم بطريقة ما تم اختياره للافتتاح.
أعتقد أن وورنر لم ترد عرضه في المسابقة وهوليوود لا تحب الاشتراك في
المسابقات…. تعرف ذلك… وكانت سعيدة بأن يتم اختياره للافتتاح».
·
في لقائنا هنا، وربما على هذه
الطاولة التي نجلس إليها، سألتك عن سبب اعتمادك قصص حياة حقيقية تقوم
بإنتاجها أو إخراجها… كان ذلك حين قدّمت «الرجال المحدّقون بالماعز» قبل
أربع سنوات… هل لديك مشاريع جديدة مقتبسة عن أحداث واقعية؟
- «نعم أذكر ذلك. كانت ملاحظة في مكانها وبعدها طبعا أنتجت (أرغو)
المأخوذ عن قصّة حقيقية. الحقيقة أنني أحب أن ألتقي بالتاريخ القريب. أحب
أن أعيد سرد وقائع. أتخيّل أن ما يثير اهتمامي كشخص قد يثير اهتمام الآخرين
إذا ما تم إيجاد التوازن المناسب بين الواقع والخيال».
·
كما الحال في «أرغو»؟
- نعم وإلى حد بعيد. طبعا الأحداث حقيقية لكن كان لا بد من معالجة
تبتعد عن إعادة التسجيل. وأنا معجب بالعمل. بن أفلك قام بجهد جيّد.
نصيحة لصديقيه يعمل كلوني الآن على أكثر من عشرة مشاريع… ليس معا
بالطبع، لكن عدد الأفلام التي يعاينها أو التي تمر بواحد من المراحل الثلاث
(قبل التصوير أو التصوير أو بعد التصوير) يصل إلى خمسة عشر مشروعا
بالتحديد. إنه منتج «أوغست: مقاطعة أوساج» الذي انتهى المخرج جون وَلز من
تحقيقه من بطولة ماريل ستريب وجوليا روبرتس (لأول مرّة). وهو انتهى من
إخراج فيلم آخر من إنتاجه هو «رجال النُصب»
The Monuments Men
الذي يقود بطولته لجانب مات دامون وكايت بلانشيت وبل موراي وجون غودمان.
وبعد حضوره مهرجان تورونتو مع فريق فيلم «جاذبية» يعود لاستكمال العمل على
فيلم «أرض الغد»، خيال علمي آخر. وهذا بعض ما يسعى لإنجازه:
·
كيف تجد الوقت لذلك؟
- هذا ما أقوم به كل يوم وليلة. لا أعمل على فيلمين معا يمرّان في
مرحلة واحدة، لكن إذا كنت أصوّر فيلما ما أقرأ سيناريو فيلم آخر. علي أن
أفعل ذلك الآن. علي أن أواصل العمل وأن أختار ما أفتخر مستقبلا بأني حققته.
أقول الآن لأني في الغد سأكون أكبر سنّا وربما لن أستطيع الحركة.
·
تربطك صداقة مع جوليا روبرتس
ومات دامون وبن أفلك من بين آخرين بالطبع… هل يتّصل بك أحد لأخذ رأيك فيما
سيقوم به؟
- يضحك بشدّة ويقول: «مات دامون اتصل بي البارحة وسألني رأيي. إنه
محتار إذا ما سيقبل دور روبين في (باتمان ضد سوبرمان) (روبين هي الشخصية
الثانوية المصاحبة لباتمان)».
·
ماذا قلت له؟
- يواصل الضحك: «قلت له سوبربوي أو سوبرغيرل… لا يهم. ستجد أن المسألة
لا تستحق».
·
ماذا عن بن أفلك؟ هناك هجوم عليه
من قِبل كثيرين غير مقتنعين بأنه يستطيع أن يكون باتمان؟…
- «اتصل بي هو أيضا وشكا من ردّ فعل مستخدمي الإنترنت. قلت له ما
سأقوله لك الآن: ليس من المنصف أن يستمع الممثل لآراء مستخدمي الإنترنت
والـ(تويتر). الدور مهم بالنسبة لبن وسيستطيع تمثيله وسيكون نصرا له
والآراء ستتغيّر. هل تذكر حين رُشح ذلك الممثل القصير والنحيف دانيال كريغ
لتأدية شخصية جيمس دين؟ كان جديدا آتيا من المسرح وروايات شكسبير لكنه لم
يخش ما قيل فيه وانقلب نجما ناجحا. أعتقد أن أفلك يستطيع فك هذا الحصار.
قلت له، لا تنفعل ولا تبدي رأيا، وأدخل التصوير بالثقة التي أعرفها فيك».
المشهد:
شيماء مغربية برسم العالمية
هناك مخرج أميركي شاب قضى وقتا في المغرب وخرج معجبا باثنين: الحياة
في المغرب وجيل الممثلين الجدد في السينما المغربية. شون جيليت قرن الإعجاب
الثاني بالفعل. قام بإخراج فيلم عنوانه «خائنات» يعرضه في فينيسيا و- لاحقا
- في تورونتو وقوامه ممثلات مغربيات تتقدّمهن شيماء بنعشا. يقول في جلسة
سريعة:
«أعجبت بالممثلة شيماء بعدما شاهدتها في فيلم (ملاك) في مهرجان الفيلم
الوطني في المغرب. وقررت أن تكون واحدة من بطلات فيلمي هذا».
شيماء بنعشا شابّة درست الاقتصاد لكنها تحوّلت إلى التمثيل بقرار سريع
اتخذته قبل ثلاث سنوات ومن دون دراسة مسبقة. سريعا ما استحوذت على الإعجاب
وفي فيلمها الثاني «ملاك» استحوذت على جائزة أفضل ممثلة أيضا. الفيلم، الذي
أخرجه عبد السلام كلاعي (أوّل عمل) يدور حول فتاة حامل تترك منزل العائلة
في رحلة لاكتشاف الذات. هذا النوع من الأدوار المتمرّدة يعجب المخرج الذي
يقول لي:
«إلى جانب أن شيماء موهوبة وجريئة فإن ما أحببته في هذا الفيلم هو
الشخصية الشجاعة التي تتحمّل المسؤولية وتقرر أنها لن تُهزم بسبب ما حدث
لها».
«خائنات» يضم كذلك مرجانة علوي وصوفيا عصامي وناديا نيازي في حكاية
تتحدّث عن عصبة من الشابات يجدن قواسم مشتركة بينهن تدفعهن لتبني مواقف
مشتركة من المجتمع. يُجيب عن سؤال حول ما إذا كان الفيلم يتبنّى تمرد
المرأة بصرف النظر عن المبررات فيقول:
«هذا سؤال محرج، لأني أعرف التزامات المرأة العربية تجاه أهلها
وتقاليدها، لكني عاطفي حيال الموضوع. أعتقد أن المطلوب هو خط وسط إذا ما
كان ممكنا، يخلط ما بين تلك الالتزامات والحرية الفردية».
الحديث امتد بنا صوب النظرة الغربية للتقاليد العربية. أذكّره بأفلام
كثيرة سخرت من تلك التقاليد أو هاجمتها من دون أن تتحرّى الحقيقة فيجيب:
«لقد عشت في المغرب فترة من الوقت وعندي اطلاع على هذه الثقافة الرحبة.
طبعا ليس الاطلاع ذاته لعربي أو لشخص مغربي، لكن لحد كاف يجعلني واثقا من
أنني لن أتعرّض بالسخرية منها».
يضيف: «أنت تتكلم عن أفلام لا تعرف الحقيقة كما ذكرت أو تعرفها
وتتجاهلها، وهذا ليس رغبتي».
من ناحية أخرى ربما الفيلم الجديد (القائم على فكرة نفّذها المخرج
ذاته كفيلم قصير) تذكرة عبور للغرب بالنسبة لشيماء. قبلها بسنوات ست
داهمتنا ممثلة مغربية تعيش في باريس اسمها حفصية حرزي عندما ظهرت في «كُسكُس
بالسمك» لعبد اللطيف كشيش. كانت اكتشافا ثم تحوّلت إلى وميض والآن تبدو
أنها أصبحت تحت الرادار.
أفلام اليوم
افتتاح سابق لعصره
Gravity ) 4*)
إخراج: ألفونسو كوارون.
خارج المسابقة.
الدقائق الأولى (نحو ربع ساعة) هي إبحار في منطقة جغرافية جديدة ربما
زارتها كل الأفلام الفضائية من قبل، لكنها لم تزرها على هذا النحو مطلقا.
منطقة صامتة ونائية تجعلك تخشى أن تنتهي معلّقا فيها. رغم ذلك، هذا ما يحدث
لملاحي فضاء ينتقلان من الأمان إلى الخطر ومنه إلى الكارثة.
إنه الفيلم الجديد للمخرج المكسيكي الأصل ألفونسو كوارون والذي اختير
- بجدارة - لافتتاح الدورة الحالية وهو من بطولة جورج كلوني وساندرا بولوك.
لا أحد سواهما (هناك صوتان بشريان لا نرى مصدرهما) سوى ذلك المحيط الفضائي
الشاسع والداكن. أين الشمس؟ تستطيع أن تسأل نفسك لكن عدم وجودها هو جزء من
الجو المنشود.
فيلمان فقط سبقا «جاذبية» في منوالهما من الخيال العلمي: «2001:
أوديسا الفضاء» للأميركي ستانلي كوبريك (1968) و«سولاريس» للروسي أندريه
تاركوفسكي (1972). كلاهما جدير بالمكانة الرفيعة التي استحوذاها بين كل
الأفلام التي سافرت إلى الفضاء البعيد لوضع أحداثها. «جاذبية» ينتمي إليهما
ولو أن يجيء في زمن من الريبة بحيث إن هناك من سيجد مجرّد رغبة في إثبات
الذات على حساب العمل بالنسبة لمخرجه كوارون. لكن لا يمكن، حتى ولو كان ذلك
حقيقة، إلا وتقدير عبقرية مخرج ينقل مشاهديه جميعا إلى حيث ينفرد ببطليه.
الحكاية بسيطة في الظاهر وقوامها أن الرحلة تفشل لأسباب تقنية ما يجعل
ملاحيها في قبضة الكون يسبحان فيه للأبد. لا بد أن كلا منهما تمنّى لو أن
قدميه تلمسان أرض كوكب الأرض ولو مرّة أخيرة ذلك لأن جوهر المسألة هنا هي
أن إنسان اليوم العابث بكل المبادئ لن يفتقد الحياة التي ما عاد يعيرها
اهتمامه الفعلي إلا حين يجد نفسه وقد أصبح على بعد قوسين أو أدنى من الموت.
عبر حلقة مفرغة، هو عن الإنسان الذي لم يعد يعلم لماذا هو حي، رغم ذلك
سيحاول أن لا يموت. أن لا يقهر. ربما الخوف سيعيده إلى وعيه وربما المسألة
هي أن كوارون يقصد أن يذكّر مشاهديه أن الحياة أثمن مما يعتقدون.
في كل الحالات، هذا فيلم عملاق تقنيا، مذهل ومدهش وجدير جدّا
بالمشاهدة مرّة أخرى.
Future Reloaded -(3*) 1
إخراج: كثيرون عرض خاص.
عندما طلب مهرجان فينيسيا من سبعين مخرجا (بعضهم معروف ومعظمهم جديد
على المهنة) تحقيق أفلام لها علاقة بالزمن والحلم والمكان، تدافع هؤلاء
لتقديم أفلام تعكس هذه العلاقة من وجهة نظرهم الخاصّة وبحرية مطلقة.
الأفلام لا يمكن لها أن تكون طويلة، وهي بالفعل تتراوح بين الدقيقة
والدقيقة ونصف ويقسمها المهرجان إلى ثلاث مجموعات كل واحدة تتضمن نحو عشرين
فيلما. وفي المجموعة الأولى فيلم للسينمائية السورية هالة العبد الله
المعروفة بمعارضتها للحكم هناك. دخولها على الخط هنا يرتسم عبر كاميرا خفية
تصوّر نتفا من الحياة خارج نافذة سيارة وخارج نافذة أخرى لحافلة تم طبع
صورة بشّار الأسد على كل نافذة منها. ما تراه بالتالي هو الحياة تحت الصورة
أو وراءها. تلك الثواني القليلة لا تستطيع أن تقول أكثر من ذلك وما تسرقه
الكاميرا من مناظر يبدو عاديا لولا أن صورة الأسد (بنظارات داكنة) تغطيها
رغبة في التعبير عن أن الوضع الحالي (الذي لا نرى منه ما هو غير عادي) بسبب
الرئيس.
أفضل منه فيلم مرّ سريعا ولم أستطع التقاط مخرجه بعنوان «المستقبل كان
في أعينهم». جيّد لأنه ينصرف إلى سلسلة من الصور المتلاحقة لبعض أساطين
السينما الذين مرّوا من هنا. الفكرة بسيطة لكنها تترك طعما مرّا إذ ندرك أن
هؤلاء الراحلين أمضوا الفترة التي أوكلت لهم فوق هذه الأرض.
هناك سمات فنية في أكثر من فيلم عابر في هذه المجموعة، لكن المشكلة هي
أنها عصية على التقييم إلا على نحو منفرد (هذا يعني 70 نقدا لسبعين فيلما)
ما لا يتّسع له وقت أو مساحة. كذلك لكثرة العدد لا يمكن مقارنة الأعمال
بعضها ببعض والحكم على الفيلم الجامع تحت عنوان «المستقبل معاد شحنه»،
سيحضر لحين ثم لا يبقى.
* ضيوف اليوم والبارحة
* السينمائيون الذين وصلوا حتى الآن يزيدون عن الخمسين من بينهم
الممثل المصري عمرو واكد كونه عضو لجنة التحكيم الخاصّة بتظاهرة «آفاق»
والمخرجة السعودية هيفاء المنصور عضو لجنة تحكيم للمشتركين في مسابقة
الفيلم الأول.
انضم إليهم جورج كلوني وساندرا بولوك وألفونسو كوارون، صانعو فيلم
الافتتاح «جاذبية»، كذلك المنتج البريطاني ديفيد هإيمان (صاحب سلسلة «هاري
بوتر») والمخرج الأميركي بول شرادر كما الممثلة الإيرانية غولشفته فرحاني.
وعلى مسافة قصيرة وصل فريق آخر من بينهم الممثلة إلينا كوتا والممثلة
ميا فاسيكوفسكا والممثل جيمس دين (ليس جيمس دين الراحل) كما المنتجة فاطمة
فرهوس إحدى منتجي فيلم «العبور ببرغمان».
شخصيات
* هيفاء المنصور توالي نجاحاتها ترأس لجنة تحكيم مهمّتها اكتشاف
المواهب الجديدة
* عندما قامت المخرجة السعودية هيفاء المنصور بعرض فيلمها الروائي
الطويل الأول «وجدة» في إطار العروض الرسمية في الدورة الماضية من مهرجان
فينيسيا، لم تكن تعلم، كما قالت لنا حين لقائها بعد أشهر في مهرجان «كان»
أن الفيلم سينال كل هذا القدر من النجاح.
به عبرت المحيطات مشتركة فيما لا يقل عن عشرين مهرجانا، عدا عن أن
عروضه التجارية انتقلت بها من باريس إلى لندن وقبل ذلك في نيويورك وبروكسل
وعواصم أخرى.
والنجاح لا يزال يتوالى وهو حليفها على نحو غير مسبوق لمخرج خليجي منذ
أن سطع اسم الكويتي خالد الصديق عبر فيلمه «بس يا بحر» في السبعينات. فهي
الآن ترأس لجنة تحكيم تظاهرة «أوبرا بريما» التي ستعاين فيها أعمال عشرة
مخرجين جدد يحققون أعمالهم الأولى. تحت إدارتها ستة أعضاء آخرين جاءوا من
رومانيا والمكسيك وفرنسا وإيطاليا وروسيا وأميركا.
هذا النجاح فريد بالنسبة لسينمائي خليجي وأكثر فرادة بالنسبة للعدد
المحدود جدّا من المخرجين السعوديين، إذ لم يسبق لأحد منهم بمن فيهم عبد
الله المحيسن الذي بدأ السينما في الثمانينات، أن وصل إلى هذه السدّة أو
الشهرة.
قالت خلال اللقاء الأخير: «أمضيت العام الماضي بأسره والعام الحالي
مشغولة بفيلم (وجدة) أو بالأحرى بالمراحل اللاحقة لتصويره. أشعر بأنني صرفت
وقتا كبيرا وفي الوقت الذي أحمد الله على نجاحي، أشعر أنني أريد أن أرتاح
قليلا قبل أن أبدأ العمل على مشروعي المقبل».
حضور فينيسيا مرّة أخرى لم يكن أمرا يمكن تفويته، خصوصا أن رئاستها
للجنة تحكيم هذه التظاهرة، أو أي تظاهرة رسمية أخرى، هو بمثابة جائزة
إضافية لها وتشجيع لمواهب سعودية جديدة يأمل المهرجان أن يكتشفها في
المستقبل القريب.
الشرق الأوسط في
31/08/2013
يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (4)
هوليوود ومهرجانات السينما: لقاء مشروط
دراما رائعة عن جو الذي ضحى بنفسه ولندساي لوهان تعود
فينيسيا: محمد رُضا
«لم يكن سهلا انتقاء الأفلام هذه السنة»، يقول ألبرتو باربيرا، مدير
مهرجان فينسيا لهذا الناقد خلال حفل أقامته «جمعية هوليوود للمراسلين
الأجانب» وحضره نجوم ومخرجون كما باربيرا ومساعدته. أضاف:
«كان علينا أن نختار بدقة لأنه على الرغم من
الأفلام الكثيرة التي وصلتنا كان الجيد والمناسب لنا محدودا في نهاية
الأمر».
وعند سؤاله عن الاختيارات الأميركية قال: «هي ما أقصده بكلامي هذا.
لقد بحثنا كثيرا عما هو مناسب وأعتقد أننا توفقنا في اختيارانا على نحو
عام. أعتقد أن أفلام المسابقة الأميركية هي من أفضل ما أنجزته هوليوود هذا
العام».
باربيرا يستدرك أن هذا الحكم يستثني الجيد الذي عرض في أماكن أخرى،
والجيّد الذي لم ينته إنجازه بعد.
هوليوود من ناحيتها لا تكترث كثيرا للمهرجانات. تحديدا: لا تكترث
للاشتراك في المسابقات الرسمية. ترضى أن تفتتح دورة لمهرجان أو أن تختتمها.
ترضى أن يحظى أحد إنتاجاتها الكبيرة بعرض خاص. لكن ما لها وما للمسابقات؟
موقفها هذا يستند إلى عاملين:
الأول أن نقاد السينما يتطلعون إلى أفلام خارج الصبغة الهوليوودية على
أي حال وهذا ما يقود إلى العامل الثاني: إذا ما قامت هوليوود بدفع أحد
أفلامها للمسابقة ولم ينل الجائزة تكون هوليوود، أو على الأقل الشركة
المنتجة لهذا الفيلم، خسرت ماء الوجه وعرّضت فيلمها لخسارة تجارية.
هذه ليست حقيقة خفية بل معروفة كذلك حقيقة أن المهرجانات السينمائية
بالنسبة للاستوديوهات الأميركية مفيدة فقط كمنصة دعائية. إن لم تعمل على
هذا النحو فلا حاجة للاستوديوهات بها.
هنا ينبري السؤال: إذا ما كان ما سبق حقيقيا وفعليا، كيف إذن نفسر
وجود أفلام أميركية في مسابقات دورات المهرجانات الكبرى الثلاث وهي (من
مطلع السنة لآخرها) برلين وكان وفينسيا؟
الجواب بسيط: هي أفلام مستقلة غالبا تتبع النمط الأوروبي في تقسيم
السينما إلى سينما مؤلف وسينما منفذ وتنتمي إلى الأولى. حتى تلك التي
أحيانا ما تتسلل إلى مسابقات المهرجانات الكبرى تنتمي إلى فئة قليلة من
الأفلام التي تنفّذها شركات تتعامل والاستوديوهات الكبرى محليّا. عالميا هي
بحاجة إلى سوق، والجائزة تساعدها على التوزيع.
ولدينا فيلمان بارزان في هذا المجال. إنتاجان أميركيان من دون أن يكون
هوليووديي الهوية أو الصنعة. كلاهما يتحدّث عن بيئة معينة، لكن أحدهما فقط
ينجز المهمة الصعبة المنشودة وهي أن ينجز الحديث وجهة نظر وتفاعلا.
بيئات مختلفة المخرج ديفيد غوردون غرين يعرف ذلك تمام المعرفة. في
مطلع هذه السنة، قدّم المخرج في مسابقة مهرجان برلين فيلما كوميديا جيّدا
بعنوان
Prince Avalanche. لم يخرج الفيلم بجائزة فانتقل إلى مهرجانات
أخرى: مر بثلاثة مهرجانات أميركية وبمهرجان تشيكي وآخر سويدي وثالث فرنسي
كما عرض بتحبيذ ملحوظ في مهرجان بوسنيا، لكن كل ذلك لم يؤد إلى توزيع عام.
في الولايات المتحدة مرّ الفيلم عابرا في عروض محدودة. في هولندا وألمانيا
ينطلق في سبتمبر (أيلول) وفي الشهر التالي في السويد وبريطانيا وبعدهما في
فرنسا. وهذه كل العروض الدولية التي ستخصص له.
لم تمنع هذه النتيجة المخرج غرين من التحرك سريعا، وحتى قبل أن يتحقق
من مصير فيلمه ذاك، القيام بتحقيق فيلم جديد عنوانه «جو»
Joe. ومع أن المحتمل أن يشهد هذا الفيلم توزيعا أكثر حماسا من ذاك الذي
حصده عمله السابق، إلا أنه ما زال فيلما مستقل الإنتاج ومصنوعا كمزيج ما
بين رؤية المخرج الذاتية لما يطرحه ويصوّره، وبين طريقة سرده للحكاية التي
تحافظ على سمات عناصرها الروائية التقليدية.
سيساعد الفيلم على أي حال حقيقة أن بطله هو نيكولاس كايج محاطا
بمجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة أو شبه الجديدة أبرزها فتى اسمه تاي
شريدان يعرف كيف يلتقط اللحظة ويتفاعل معها. لكن الفيلم ليس مصنوعا لإسعاد
الجمهور الواسع. يكفيه أن هواة الفن السابع سيجدون فيه ما يكفي من العناصر
في هذا المجال: كتابة ملمة وإخراج ممتاز وتمثيل جيد من الجميع.
في «برينس أفالانش» تعاطى غرين مع رجلين يعملان في رسم علامات الطرق
في مناطق جبلية عالية. مهنة لم تقدّمها السينما من قبل. استلهاما من المكان
عالج غرين حكاية هي بدورها من نباتات تلك البيئة. قصة لا يمكن أن تقع
بملامحها واختصاصاتها المعروضة فيما لو كانت البيئة مختلفة عن تلك التي في
هذا الفيلم.
في فيلمه الجديد «جو» يتعامل مرّة أخرى مع مهنة لم نرها من قبل على
الشاشة: جو (كايج) يدير مجموعة من العمال السود في عمل غريب: هناك في بعض
المناطق الحرشية البعيدة يقوم هؤلاء بتسميم الشجر لكي يتسنى للشركة التي
استأجرت هؤلاء العمال الحصول من الإدارة المعنية على أذونات بقطعها. طريقة
ذلك أن يهوى العامل على الجذع ليفتح فيه خندقا ثم يتم رش المكان بمادة
سامة. بعد ذلك ستموت الشجرة وستتمكن المؤسسة من الحصول على الأرض. على ذلك،
هذا العمل وتلك المنطقة ليسا سوى سياج لما تدور الحكاية حوله. فتى (أبيض)
في الخامسة عشرة من عمره اسمه غاري (شريدان) يتقدم من جو ويطلب عملا. يكتشف
جو وضع الشاب المعيشي الصعب. فهو يعيش في الريف داخل بيت تنتشر فيه القمامة
ويسكن فيه غاري مع شقيقته التي توقفت عن الكلام ووالده ذي النزعة القاسية
والشريرة الذي لا يترك زجاجة الكحول بعيدا عن متناول يده (بل يقتل من أجلها
كما نرى لاحقا).
جو، الذي لا يود أن يعود إلى سجن كان خرج منه قبل سنوات قليلة حين
اعتدى بالضرب على رجل بوليس، يحاول أن يساعد غاري لكن الأمور تفلت من يده
فالمسألة ليست بسيطة لأنها ترتبط بوضع اقتصادي ضاغط يدفع الجميع إلى السقوط
في أخطاء وخطايا. والمسألة الواحدة تتعدد والأمر يجر وراءه أمرا آخر، وها
هو شرير اسمه ويلي (روني بلفينز) يبحث عن غاري لينتقم منه لحادثة بينهما.
جو (الذي كان ضرب ويلي قبل ذلك ما دفع هذا لمحاولة قتله) لا يستطيع أن يترك
ويلي ينجح في مسعاه. من أجله سيتخلى عن مكاسب وهمية. عن مستوى من العيش ما
زال قلقا وغير مستقر وعن حياة يعيشها أصلا بصعوبة. مرة أخرى، تلك البيئة
تفرز ما هو أبعد من القصة وشخصياتها: تبرز عوامل اجتماعية صارخة لحياة
أفراد يعانون شظف العيش. ليس أن شخصيات المخرج من المهمّشين، لأنه حتى تكون
مهمّشا يجب أن تعيش لجانب الصلب الأساسي، لكن شخصياته بعيدة عن أي صلب. هي
مثل تلك الأشجار الآيلة إلى السقوط يوما.
ما وراء التهميش الفيلم الأميركي الثاني الذي تم عرضه في اليوم الثالث
من المهرجان هو «الوديان» لبول شرادر وجاء عرضه خارج المسابقة الأولى إذ
سبق له أن شهد عرضا في مهرجان نيويورك في مطلع أغسطس (آب) وهذا ينتقل بنا
إلى شخصيات من المدينة. ليست هامشية أو مهمّشة أو حتى ثانوية، بل ذات حضور
معلوم تبعا لرواية وضعها برت إيستون إيليس. فالأحداث تدور في هوليوود
والشخصيات تنتمي إلى عالم السينما.
إنه الفيلم الذي تقوم لندساي لوهان ببطولته لاعبة شخصية امرأة تعيش مع
المنتج كرستيان (جيمس دين) الذي يهوى تصويرها في أوضاع عاطفية مخلة معه أو
مع سواه. وهي كانت على علاقة غرامية مع الممثل الطموح رايان (نولان فانك)
لكنها أدركت أنها لن تجني من العيش معه سوى العوز والفقر فانتقلت إلى أحضان
المنتج الثري الذي لم يكن يعرف شيئا عن العلاقة السابقة حين وافق على منح
رايان دورا في فيلمه المقبل. حين علم ذلك، وأدرك أن الحب اشتغل مجددا بين
امرأته ورايان يحاول هدم سعادتهما قدر المستطاع ويقرر طرد رايان من الفيلم
الذي سيدخل التصوير بعد شهر.
هناك تفاصيل كثيرة في رواق هذا العمل بعضها لا يؤدي إلى بعضها الآخر.
إنها أشبه بأبواب صغيرة لا تؤدي بالضرورة إلى السياق ذاته بل تتدخل فيه.
لكن هذا الأمر هو مشكلة صغيرة إزاء مشكلة الفيلم الأكبر. فـ«الوديان» إذ
يمنح المشاهد معالجة لحياة من الخطايا تعيشها شخصيات الفيلم الهوليوودية
لأجل رسم مجتمع لا يعمل للفن أو حبا للسينما، بل لمصلحته الأنانية الخاصّة
وإشباعا لرغباته الحسية، يبقى باردا حيالها غير قادر على تكوين وجهة نظر
متفاعلة ولا لتحويل الأحداث من مستوى المتابعة إلى التعمق الفعلي فيما
يحاول الفيلم رسمه على صفحته الخاصّة. بعد قليل يدرك المشاهد أن المخرج
الذي كتب «سائق التاكسي» وأخرج «هاردكور» و«بلو كولار» و«أميركان جيغولو»
وكل منها بمواقف واضحة مما يدور فيها، يعالج الحكاية المعروضة من مسافة
بعيدة تترك برودا. نعم هو لا يزال يتحدّث عن هوليوود الفاسدة لكنه يتحدّث
فقط. يريد أن يدين هوليوود بفيلم يحتاج إلى هوليوود لدعمه، وهذا جيّد، لكنه
يقدم على ذلك بأداة السرد وحده.
شرادر لا يحاول هنا فعل أكثر مما يستطيع ضمن ميزانية يُقال إنها لم
تصل لحد نصف مليون دولار. معنى ذلك أن الممثلين لم يقبضوا سنتا واحدا بمن
فيهم لندساي لوهان التي تعود إلى الشاشة بعد سنوات قضتها مع مشكلات إدمان
وحياة عابثة. تعكس بالتأكيد في هذا الفيلم جوّا ليس غريبا عنها فهي جزء من
عالم نما كنباتات الجدران القديمة. لكنها تمثل بقناعات معقولة. ليست واحدة
من الممثلات اللواتي تنتظرهن، لكنها في هذا الفيلم تقوم بأكثر من مجرد
العودة. إنها تمثل فعلا.
في حين ينتهي «جو» بموت بطله كترجمة لنهاية الخاسر، ينتهي «الوديان»
كما لو أن الكهرباء انقطعت فجأة أو كما لو أن المخرج افتقد نهاية أفضل فترك
بعضا من حكايته بلا نهاية.
المشهد:
روزي.. برغمن.. هيتشكوك والآخرون
«من الغريب أن تكون لديك مكتبة في منزلك تحتوي على
خمسين كتابا عنك».
يقول المخرج جون لانديس وهو يجول في الغرفة التي كان المخرج السويدي
الراحل إنغمار برغمن يشتغل فيها والتي تمتد على جدرانها الأربعة رفوف مكتظة
بالكتب وشرائط الفيديو. وملاحظة لانديس صحيحة: كيف تشعر حين تكون في قمة
حياتك المهنية ولديك عدد كبير من المؤلفات المكتوبة عنك؟ بالفخر؟
بالاعتزاز؟ بالغموض أو الحيرة؟
سؤال آخر: هل قرأ برغمن كل ما كُتب عنه؟ هل قرأ هذه الكتب تحديدا وإذا
ما فعل هل وجد أن تحليل النقاد والمؤرخين كان في مكانه؟
لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا برغمن نفسه وبرغمن رحل سنة
2007 تاركا إرثا من الأفلام ضمن أكثر من مرحلة. واحدة لنقل كانت تأسيسية
حقق فيها الدرامي والكوميدي، وواحدة صاغته مخرجا دوليا على النحو الذي جعله
أحد أبرز عناوين السينما في الستينات، ثم ثالثة حاول فيها نقل أفكاره
وخواطره حول الحياة والموت، وهي التيمات التي سادت المرحلة الثانية، إلى
إطار أكبر من حيث الإنتاج. حقق هنا نجاحات متفاوتة وليست متقاربة.
لكن السؤال التالي الذي يمكن للمرء أن يطرحه هو إذا ما كان من الممكن
الإتيان بمؤلف جديد حول أي من المخرجين الكبار. مثلا أعرف أن هناك ما لا
يقل عن 100 كتاب تم وضعه عن المخرج الفذ ألفرد هيتشكوك. أغلبها إنجليزي
ومعظمها يدور حول أفلامه وليس - مثلا - حول حياته الخاصّة. فهل يختلف كل
كتاب عن الآخر؟ الواقع أن ذلك ليس ممكنا. المؤلفون يدورون حول الأفلام
ذاتها ومع أن بعضهم يملك نظرة وقراءة وأسلوبا يختص به، فإن الغالبية ليس
لديها سوى أن تستند إلى المعلومات ذاتها ليصوغ كل مؤلف زاويته ورؤيته
عليها. اليوم، إذا ما أراد أحد أن يكتب عن هيتشكوك، سيجد أن الآخرين سبق
لهم وأن غطوا كل زاوية ممكنة وحققوا في كل نظرية وحللوا كل ما يستحق
التحليل. ما هو متروك له هو أن يقرأ هيتشكوك من خلال وجهة نظره هو راجيا أن
يجد خلال ذلك ما هو مختلف وجديد في قراءته.
فينسيا لا ينسى المخرجين الكبار وهذا العام، تحديدا، هناك الكثير منهم
مشتركون بالحضور شخصيا أو عبر أفلامهم أو أفلام عنهم. الإيطاليان فرنشسكو
روزي وبرناردو برتولوتشي موجودان وهناك أفلام لهما وللفرنسي جان رنوار
والإيطالي الآخر بييترو جيرمي من بين أخرى. وعلى الصعيد الثالث، نعم هناك
أفلام عن الإيطالي بيير باولو بازوليني والسويدي إنغمار برغمن والأميركي
سام فولر.
عبر هذه الأعمال يطرح الأمس نفسه من جديد ولجمهور يحتشد عند أبواب
القاعات العارضة كما لو أن المخرجين المذكورين هم نجوم السينما في الزمن
الحالي. وكما يقول المخرج وودي ألن، فإن هؤلاء المخرجين الكبار (وفوق
المذكورين هنا عشرات) «لا يغيبون حين يموتون، بل يبقون حاضرين بيننا». أمر
عجيب لكن هذه هي السينما.
حوارات
ساندرا بولوك: عشت مخاوف كثيرة خلال تصوير «جاذبية» وبعده
·
تقضين معظم الفيلم في الفضاء.
يجب أن أقول كل الفيلم.. باستثناء مشهد صغير نهائي. هل راودتك أفكار معينة
حول ماذا يمكن أن تفعليه لو أنك وجدت نفسك وحيدة فعلا في ظرف مماثل؟
- أولا لست ملاحة فضائية وإلا لما كنت موجودة الآن
هنا، لكن هذا الخاطر أو ما هو قريب منه مرّ بي فعلا لكن عندما منذ أن قرأت
السيناريو قبل عام. بدأت أتخيل لو أن هذا حدث فعلا ما الذي يمكن أن أقوم به.
السيناريو واقعي رغم أنه في الوقت ذاته خيالي لدرجة أنه يفرض مثل هذا
التفكير الذي هو بدوره خوف. خلال التصوير فكّرت أيضا في أن هذا كله لا يزال
خيالا رغم أنه من الضروري أن أعكس الشعور بأني أصدق ما يحدث وأنني بالفعل
سجينة تلك المساحة المحدودة من الفضاء داخل أو خارج المركبة.
·
كيف كان يمكن لك أن تتصرّفي لو
أن هذا وقع معك فعلا؟
- ماذا أستطيع أن أفعل؟ أعتقد أنني سأقوم بما قمت به كما شاهدتني في
الفيلم. سأسعى للبقاء حية.
·
في الفيلم نجد أن ما دفعك للبقاء
حية هو قرارك بأن الحياة تستحق منك أن تفوزي بها..
- صحيح. لفترة من الزمن تمر شخصيّتي بمرحلة صعبة. إنها محملة بالشعور
بالذنب حيال حياتها الخاصة وإدراكها الكامن في داخلها من أنها سعت أساسا
لتكون امرأة وحيدة وأنها حررت نفسها من المسؤوليات العائلية عندما قررت أن
تصبح عالمة فضاء وحتى من قبل أن تشترك في هذه الرحلة. دوافعها للحياة تقوى
على مخاوفها وترشدها إلى طريقة خلاص. رغم ذلك لا أدري إذا كنت أستطيع أن
أقول ذلك لكني شعرت بأنها ربما عودتها إلى الأرض ليست حقيقية، بل ربما تكون
خيالية وأنها ما زالت عالقة هناك.
·
كلاكما، أنت وجورج كلوني،
معروفان بحبكما لإطلاق النكات خلال التصوير. هل كان هناك مجال لذلك خلال
هذا الفيلم؟
- لا. لقد اتفقنا على أن لا نمزح أو أن يغيظ كل واحد الآخر بفعل أو
عبارة. كيف لنا ذلك ونحن معلقان باثني عشر «كابل» في فضاء الاستوديو معظم
الوقت؟
·
هل كان التصوير شاقا؟
- نعم. خصوصا أنه من النوع الذي عليه أن يسرد الفيلم حسب تسلسل
السيناريو. أي خطأ سيخل بمنهج وتوقيت التصوير. لم يكن هناك فرصة للمزاح.
التصوير كان منضبطا لأنه لا طريقة أخرى لتحقيق هذا الفيلم من دون انضباط.
لا يمكن الإفراج عنك والهبوط إلى الأرض إلا ضمن جدول زمني معين وإلا لضاع
الوقت في ارتداء ملابس الفضاء ودخول المركبة أو الخروج منها. كل ذلك كان
محسوبا بشدّة. لكن كنا نحب ما نقوم به.
·
إنه فيلم مختلف عن كل ما قمت به
من أعمال.
- تماما. لكنه مختلف عن كل ما قام أي منا به من أعمال. ليس كأي فيلم
سابق للمخرج (ألفونسو) كوارون، وليس كأي فيلم خيالي - علمي أعرفه. الهدف من
الفيلم كان تصويره كما لو كان حقيقة. أعتقد أن ألفونسو كان يريد أن يقدّمه
كفيلم تسجيلي مع ممثلين.
·
ستعودين إلى الأرض في فيلمك
المقبل إذن؟
- نعم، لكني لست متأكدة أي فيلم سيكون. ما عندي الآن مشاريع لأفلام
كوميدية لكني لم أرتبط بعد بأي منها.
الشرق الأوسط في
01/09/2013
شارع فى باليرمو يلخص مجتمعاً ويعبر عن رؤية شاملة للحياة
بقلم سمير
فريد
بدأت مسابقة فينسيا الـ٧٠ بداية قوية مع عرض الفيلم الإيطالى «شارع
كاستيلانا بانديرا»، إخراج إيما دانتى، وهو عمل فنى أصيل وكبير، ومن
الأفلام الجديرة بالفوز بإحدى جوائز المهرجان، أو جائزة «لويجى دى لورينتس»،
المخصصة للفيلم الطويل الأول أو الثانى لمخرجه، فهو أول فيلم تخرجه إيما
دانتى (ولدت عام ١٩٦٧)، التى تعتبر من أهم مخرجات المسرح والأوبرا فى
إيطاليا، وعلى المستويين الأوروبى والعالمى.
كتبت إيما دانتى سيناريو الفيلم مع جورجيو فاستا ولوسيا إيمينتى عن
أول رواية صدرت لها بنفس العنوان عام ٢٠٠٩، ومثلت أحد الأدوار الرئيسية
الثلاثة فى الفيلم. ورغم الأصل الأدبى، والخبرة المسرحية، جاء الفيلم
سينمائياً بامتياز، فلا توجد «قصة» بالمعنى التقليدى، وإنما موقف فى شارع
أغلب الفيلم (٩٠) دقيقة، ولا يتحول الشارع إلى مسرح مصور، ولا حتى فى
اللقطة الأخيرة التى تدور فى الساحة التى ينتهى إليها الشارع، وتستمر عدة
دقائق من دون مونتاج ولا حركة كاميرا.
هذا فيلم كلاسيكى الشكل، واقعى المضمون، يلخص مجتمعا، ويعبر فى نفس
الوقت عن رؤية شاملة للحياة، ولا يخلو من شعور عميق بالعبث. أما الكلاسيكية
فتتمثل فى وحدات أرسطو الثلاث: الزمان: الذى لا يتعدى دورة شمس واحدة من
ظهر يوم الأحد إلى فجر الاثنين، والمكان: وهو مدينة باليرمو عاصمة جزيرة
صقلية فى إيطاليا، كما تبدو من خلال شارع كاستيلانا بانديرا، والموضوع: وهو
مجتمع صقلية، وأما الواقعية فهى فى تحليل العلاقات بين الناس سكان هذا
الشارع.
يبدأ الفيلم تحت الماء فى البحر أثناء قيام أسرة كالافيورى برحلة إلى
الشاطئ فى يوم من أيام الصيف الحارة، ثم نرى الجدة سميرة (إيلينا كوتا)
تزور قبر ابنتها، وعلى شاهد القبر أنها ولدت عام ١٩٧٠ وتوفيت ٢٠٠٨، وتطعم
الكلاب الضالة بين المقابر، وفى المشهد الثالث تقود روزا (إيما دانتى)
سيارتها وبجوارها صديقتها الرسامة كلارا (ألبا راوثر) فى الطريق لحضور حفل
زفاف صديقة لهما. وربما كان المشهد الأول نقطة الضعف الدرامية الوحيدة فى
الفيلم، كما كان من الأفضل أن يأتى مشهد المقابر قبل العناوين، ويبدأ
الفيلم فى المشهد الثالث.
تتوه روزا وتدخل شارع كاستيلانا بانديرا فى نفس الوقت الذى تدخله
سيارة أسرة كالافيورى، وتقودها سميرة فى الاتجاه المعاكس، وتتوقف كل سيارة
أمام الأخرى فى الشارع الفقير الضيق، وتصر كل من روزا وسميرة على عدم
التراجع، وكلما مضى الوقت يزداد العناد، ورغم أننا وحتى النهاية لا نعرف من
منهما فى الاتجاه المعاكس، أم أن الشارع اتجاهان. يتجمع السكان للفرجة على
الموقف، ويختلفون فى مناقشاتهم، وتتحول المناقشات إلى عنف يصل إلى حد أن
يبقر أحدهم بطن آخر بعنق زجاجة، وتختلف كلارا مع روزا، وتترك السيارة إلى
ملهى بعيد للشباب، وندرك أن الشارع مغلق لأنه ينتهى إلى هاوية، وتبقى سميرة
داخل السيارة وتغلق أبوابها ونوافذها، فتتحول إلى مقبرة عندما ينفد الهواء
وتموت. وفى الفجر تعود كلارا إلى روزا، وتعود سميرة إلى منزلها فى المشهد
الوحيد المصور بالكاميرا الحرة، والذى نستمع فيه إلى صوتها لأول وآخر مرة
فى مونولوج داخلى على شريط الصوت، وعندما تتحرك روزا بسيارتها وتغادر، نرى
سميرة مرة أخرى داخل سيارتها التى تندفع نحو نهاية الشارع (الهاوية)، ولكن
بدلاً من أن نرى سقوط السيارة، نرى سكان الشارع وهم يهرعون للفرجة.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليو في
01/09/2013
سبعون مخرجاً من كل الثقافات يحتفلون بالدورة الـ٧٠
للمهرجان
بقلم سمير
فريد
احتفل مهرجان فينسيا السينمائى، العام الماضى، بمرور ٨٠ سنة على إقامة
دورته الأولى عام ١٩٣٢، ويحتفل هذا العام بالدورة الـ٧٠ كأعرق مهرجانات
السينما الدولية فى العالم.
قبل عرض كل فيلم من أفلام المسابقة يعرض فيلم من عدة دقائق من أرشيف
المهرجان حول إحدى الدورات من ١٩٣٥ إلى ١٩٧١، ويصفق الحضور عندما يرون على
الشاشة عمالقة فن السينما على مدى تاريخه، مثل أورسون ويلز وكوروساوا
وغيرهما.
ومن إنتاج التليفزيون الإيطالى (راى) عرض فيلم من ٥٨ دقيقة، إخراج
إنريكو سالفاتورى وجوزيبى جيانوتى ودافيد سافيلى، بعنوان «راى فى فينسيا من
١٩٨٠ إلى ١٩٨٩»، والذى جاء إخبارياً أكثر منه تحليلياً فى رصد تاريخ سنوات
الثمانينيات، والتى بدأت مع عودة المسابقة والجوائز إلى المهرجان بعد أن
توقفت سنوات نتيجة الصراع السياسى بين اليمين واليسار فى إيطاليا.
ومن إنتاج المهرجان عرض فيلم الاحتفال فى ١٢٠ دقيقة بعنوان «المستقبل
يأتى»، الذى اشترك فيه ٧٠ مخرجاً من مختلف دول العالم، عبر فيه كل منهم عما
يريد فى ثوانٍ أو دقائق معدودة، فالفيلم ليس عن المهرجان، وإنما أشبه
بلوحات تشكيلية وقصائد شعرية وبيانات سياسية وفكرية، ولكن بلغة السينما.
ومن بين الـ٧٠ مخرجاً ثلاثة من العرب هم: الجزائريان كريم آنيوز وطارق
تيجيا والسورية هالة العبدالله، التى تقاوم طغيان الحكم البعثى فى سوريا من
منفاها الاختيارى فى باريس، والتى تعرض زوجها، الفنان التشكيلى يوسف عبدلكى،
للاعتقال فى دمشق، وأفرج عنه منذ أيام بعد حملة دولية واسعة. وفى الفيلم
(١٠٦ ثوانٍ) لقطات بانورمية بالألوان للدمار الذى تتعرض له بلادها على صورة
(سلويت) بالأبيض والأسود لديكتاتور سوريا، بشار الأسد، الذى يشن حرب إبادة
ضد الشعب السورى.
ومن أفريقيا السوداء مخرجان من المنفى الأول الإثيوبى هايلى جريما،
الذى صور نفسه فى ٩٤ ثانية وهو يقوم بمونتاج أحدث أفلامه، ويتحدث عن
السينما فى أفريقيا، وضرورة أن تقترب من التاريخ الأفريقى الحقيقى حتى تصنع
المستقبل. والمخرج الثانى الغينى جون أكومفرا، الذى عبر فى ١٠٦ ثوانٍ عن
اللحظات التى سبقت تفجيرات (ماراثون) بوسطون.
ومن إيران ثلاثة مخرجين كلهم فى المنفى بدورهم، وهم: أمير نادرى، الذى
عبر فى ٩٦ ثانية بعنوان «لا تستسلم» عن أفلام السيلولويد، التى على وشك أن
تختفى، وعباس كياروستامى، الذى أعاد فى ٨٨ ثانية إخراج فيلم لوميير الشهير،
عن الفتى الذى يضغط على الخرطوم فى الحديقة فى تحية إلى مخترع السينما،
وشيرين نشأت التى اختارت لقطات من فيلمى إيزنشتين «المدمرة بوتمكين»
و«أكتوبر» فى ١١٤ ثانية، للتعبير عن استمرار بطش السلطة والحاجة إلى
الثورة، فى إشارة واضحة إلى ما يحدث فى إيران اليوم.
ويغلب على أفلام المخرجين الأوروبيين التعبير عن الخوف من انقراض
السينما كما نعرفها، كما فى أفلام الإيطالى إيرمانو أولمى «المافيولا» (٩٨
ثانية)، والألمانى إدجار رايتز (١٠١ ثانية) عن جمهور دور العرض، والإسبانى
بابلو ترابيرو (١٢٧ ثانية)، والروسى ألكسى فيدور شينكو (١٠٤ ثوانٍ)، ولكن
أفضل فيلم عن هذا الموضوع جاء من إخراج الصينى جيا زانج كى (١٣١ ثانية)،
وفيه يصور مجموعة من الشباب يشاهدون بكثير من الفرحة والإعجاب فيلماً
بالأبيض والأسود من كلاسيكيات السينما الصينية على شاشة كبيرة فى مول
تجارى. إنه فيلم يؤكد أن التكنولوجيا لن تمحو تاريخ السينما.
ومن تحف اللوحات والقصائد فيلم الفرنسية كلير دنيس (١٥٤ ثانية)
التجريدى عن غطاء تحدث تحته حركات مختلفة وعلى شريط الصوت أصوات لا تعرف هل
هى أنفاس أخيرة أم أولى. وفيلم الإيطالى بيرتولوتشى «الحذاء الأحمر» (١٠٠
ثانية) عن صعوبة حركة كرسى متحرك لرجل يرتدى حذاءً أحمر اللون فوق شارع
مرصوف بالزلط، ولا نرى الرجل، وإنما حذاءه وعجلات الكرسى. والفيلم مستمد من
حالة بيرتولوتشى بعد أن أصبح لا يستطيع الحركة. وفيلم الروسى مارلن خوتسييف،
الذى يعيد إخراج الوثيقة التسجيلية السينمائية عن لقاء تولستوى وتشيكوف فى
١٢٠ ثانية. وبينما لا يلفت النظر أى من أفلام المخرجين الأمريكيين فى فيلم
فينسيا ٧٠، يصعب نسيان فيلم «أمى» (٩٤ ثانية) للمخرج كيم كى- دوك من كوريا
الجنوبية، والذى يعتبر من أروع الأفلام عن الأم، فهى عجوز أنهكها الزمن
وتسير بصعوبة كبيرة، ومع ذلك تذهب إلى السوق وتشترى الطعام، وتعده ببراعة
ليأتى الابن الشاب ويأكل بنهم. إن المدة الزمنية التى أتيحت لكل مخرج ثوانٍ
معدودة، ولكن الكثير منهم استطاع أن يقبل التحدى، ويصنع أعمالاً فنية
كاملة.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليو في
02/09/2013 |