يمتلك المبدع الحقيقي قدرة هائلة علي استقراء الواقع، وإدراك ما
يجري حوله من تحولات،
واستشعار ما يخفي داخل ثنايا مجتمعه وما يتواري بين
جنباته، ويعرف كيف يصور بحسه الفني ما لا تستطيع أن تراه
عيون الكثيرين، وما لا
تدركه عقول الآخرين، وكلما كان الفنان مؤمنا برسالته استطاع أن يجسد ذلك الواقع
بصدق، ويتنبأ بالأحداث القادمة ويستشرف المستقبل القريب والبعيد، دون أن
يقع في
هوة المبالغة والمباشرة، والابتذال الذي يقع فيه كثير من مبدعينا الذين
حولوا
الأفلام السينمائية إلي مايشبه المنشورات السياسية الفجة
والرخيصة وباتوا يتاجرون
بقضايانا الاجتماعية، وبأوجاع وهموم الوطن تحت شعار..
الفن وحرية الإبداع..
والإبداع منهم براء!
والحق أقول إن عدداً كبيراً من المخرجين الإيرانيين
قد نجحوا من خلال أفلامهم في صنع أعمال فنية تعكس الوضع السياسي، وتنقل
صورة
حقيقية لما يجري داخل المجتمع الإيراني الذي-
عاش ومازال-
سنوات طوال فوق صفيح
ساخن منذ إندلاع الثورة الإسلامية في بلاد الفرس،
وتنبأوا بالأحداث التي وقعت
خلال الأيام الأخيرة في طهران، وكشفوا عن التناقض والازدواجية التي يموج بها
وطنهم، وعن القهر والقمع والترهيب في دولة الأمن
المستترة تحت الحجاب
، وخلف
العمائم وولاية الفقيه داخل جمهورية إيران الإسلامية،
صحيح إنه لم يصل أحد من
هؤلاء المبدعين إلي حد الانتقاد السياسي المباشر لهذا النظام الديكتاتوري
الذي يكبل
البشر ، وينتهك الحريات ويطارد المبدعين، لكن الصحيح أيضاً
أنهم استطاعوا
التعبير عن رؤيتهم السياسة من خلال موقفهم الاجتماعي، وعرفوا كيف يتغلبون
علي تلك
القيود، ويتسللون إلي مساحات من الإبداع تتخذ منحي إنسانياً
واجتماعياً يلخص
الواقع السياسي، ويكشف سوءاته وسلبياته، وتداعيات ذلك وانعكاساته علي الإنسان
البسيط الذي يعيش حالة الانعزالية والفردية والازدواجية بين
قانون البيت المدني
المنفتح، وقانون الشارع العسكري المنغلق!
ومن أهم هؤلاء المبدعين الذين
نجحوا في كسر الحصار الرقابي المشدد المخرج محسن مخملباف الذي يعد واحداً
من أهم
صنّاع السينما الإيرانية، ولعبت أفلامه دوراً سياسياً
في إعادة الوعي لدي
الشباب وحثهم علي التصدي لسطوة رجال الدين، وكشفت عن المعاناة والواقع المؤلم
الذي يعيشه المواطن الإيراني عامة ، والمرأة بشكل خاص في إيران
، وساهمت
أفلامه في التطلع لصحوة تعيد للشعب الإيراني حقوقه، وحريته وتتصدي للوصاية التي
فرضت عليه من أصحاب العمائم البيضاء لأكثر من ثلاثين عاماً،
ورغم أن صوت تلك
الأعمال السينمائية كان في البداية خافتاً
وهامساً،
وفي إطار الصورة المحافظة
المفروضة علي المبدعين، إلا أنه أصبح أكثر شجاعة،
وتحرراً وحطم تلك القيود في
أفلام مثل »صرخة النملة« و»الجنس والفلسفة«
وبعد أن استقر محسن مخملباف في
أوروبا، هاهو الآن يعلن في حواره مع الإعلامية اللامعة
»جيزيل خوري« علي قناة
العربية عودته بصورة مباشرة إلي حلبة السياسة التي تركها منذ سقوط الشاه
الذي شارك
ضده في المظاهرات، ويعلن وقوفه مع الشعب الإيراني الذي سلبوا حريته وزوّروا
أصواته وكبلوا إرادته وأذاقوه صنوف العذاب والظلم والقهر
،والتسلط خلال الأحداث
الدموية الأخيرة التي اندلعت احتجاجاً علي نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية،
وكشفت الوجه القبيح للنظام الديكتاتوري..
تلك الأحداث التي أصيب فيها العشرات
،وراحت ضحيتها الفتاة الإيرانية »ندي« بعد أن اغتالها رجال الحرس
الثوري!
ومن أهم الأفلام التي نجحت في انتقاد الواقع الإيراني وحققت نجاحاً
جماهيرياً عكس رغبة الأغلبية الصامتة في التصدي لسطوة
العمائم البيضاء
،
وتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي، فيلم »السحلية«
للمخرج كمال تبريزي،
والذي حقق أعلي إيراد في تاريخ السينما الإيرانية،
ويصور في إطار كوميدي ساخر
أحد اللصوص ينجح في الهروب بعد أن يعبر بالصدفة علي »عمامة بيضاء«
داخل مستشفي
السجن، ويتحول بقدرة تلك العمامة، ونفوذها من مجرم طريد إلي ولي صاحب سطوة
ونفوذ ومال ، وله أتباعه ومريديه وتلاميذه الذين يأتمرون
بأمره وينصاعون
لكلمته!
ومن الأفلام التي قدمت صورة للقوانين التي تسلب الحريات فيلم »لا
أحد يعرف شيئاً
عن القطط الباريسية« للمخرج بهمان جوبادي، وعرض في مهرجان
»كان«
السينمائي الأخير في قسم »نظرة خاصة«
وفاز بجائزة خاصة،
وقد قام
المخرج بتصوير الفيلم سراً داخل الأنفاق وبدروم المنازل،
ويدور الفيلم حول حياة
مجموعة من الشباب يعزفون الموسيقي الغربية الممنوعة في إيران بحكم القانون
مثلها
مثل القطط والحيوانات الأليفة التي يحرم القانون الإيراني اصطحابها!
وتعقب
الشرطة ومطاردتها لهؤلاء الشباب.
وقد شاركت الصحفية الإيرانية الأصل الأمريكية
الجنسية روكسانا صابري في كتابة وبطولة هذا الفيلم مع خطيبها المخرج بهمان
جوبادي
قبل أن تتعرض للاعتقال، والسجن علي أيدي السلطات الإيرانية بتهمة التجسس
علي
إيران لحساب الولايات المتحدة الأمريكية،
وممارسة مهنة الصحافة وكتابة تقارير
للصحف الأمريكية دون الحصول علي تصريح من الرقابة الإيرانية، ولما أخفقوا
في
محاكمتها بهذه التهمة المزعومة لفقوا لها تهمة تناول المشروبات الكحولية
المحرمة
،
وظلت روكسانا قيد الاعتقال حتي تدخلت السلطات الأمريكية وأفرجت عنها ثم
غادرت إيران نهائياً،
وعادت إلي خطيبها وفنها وحياتها.
> > >
تدهشني حالة الهوس- إلي حد المرض- التي تنتاب البعض الذين يهيمون
شغفاً بادعاء إسلام المشاهير والنجوم في الغرب، ويطلقون الحكايات ويروجون
الشائعات بين الحين والآخر في محاولة لإثبات صحة تلك المزاعم،
وقد تجسدت تلك
الحالة بصورة فجة في أعقاب رحيل ملك البوب مايكل جاكسون،
والتي لم تتوقف عند
محاولات البعض الزعم بأنه اعتنق الإسلام منذ سنوات، بل روجوا أيضاً
أنه كتب
وصيته التي أوصي فيها بأن تقام مراسم دفنه حسب الشريعة الإسلامية، وترقب
هؤلاء أن
تتأكد مزاعمهم وتخاريفهم خلال حفل تأبينه!
والحقيقة أنني لا أعرف ماذا يفيد
ديننا الحنيف إذا كان شخصاً بعقلية مايكل جاكسون وتصرفاته الحمقاء وسمعته السيئة
يعتنق الإسلام من عدمه بعد أن واجه اتهامات فاضحة ومشينة وتعرض للمساءلة
القانونية؟!
أقول لمن يتمسحون في جاكسون وأوباما وديانا وغيرهم، وينسبونهم
للإسلام ويحسبونهم زوراً
وبهتاناً علي المسلمين.. ألا يكفينا بعض المحسوبين
علي الدين الإسلامي وهم في حقيقة الأمر يسيئون إلي صورة المسلمين في كل
مكان؟!
فلا تفتشوا في صدور الناس واتركوهم لخالقهم يحاسبهم فالدين لله وحده..
ولا تنصبوا أنفسكم قضاة علي العباد،
ولا تقيموا محاكم التفتيش للضمائر والنفوس،
فلن يمثل اعتناق المشاهير لهذا الدين أو ذاك إضافة أو نقصاناً للأديان
السماوية: الإسلام.. المسيحية.. واليهودية!
> > >
»إنني
أنشد صدراً مزقه الفراق حتي أشرح له آلام الاشتياق، فكل إنسان أقام بعيد عن
أصله، يظل يبحث عن زمن وصله«.
تلك كانت كلمات الإمام جلال الدين الرومي التي
تسللت من خلالها الأديبة مني عارف إلي قلوب قرائها برقة وعذوبة، لتبدأ
رحلتها في
دهاليز الحكايا بروايتها الأثيرة »وشوشات الودع«
التي تشبه حكايات عشاق الصوفية
والمتيمين بها.
اصطحبتنا تلك الروائية الإسكندرانية ابنة البحر والموج
والرمل، والفنار إلي عالمها السحري الأسطوري الذي يموج بأنشودة رومانسية
تهوي
الحياة، وتذوب فيها هياماً
بكل ما فيها من قسوة وبهجة!
تبدو »وشوشات
الودع« شكلاً جديداً من أشكال الإبداع، يستحق الدراسة من نقاد الأدب
وأساتذته والغارقين في بحوره..
فالرواية لا تعدو سوي غناء عاشق للكون والإنسان
والحياة بكل ما لها،
وما عليها، ودعوة صريحة لأن يحرص المرء في كل زمان ومكان
علي أن يكون حارساً أميناً
علي ما خلقه الله في هذا العالم.
لجأت ابنة
الإسكندرية، صاحبة »ليالي القمر« عام ١٠٠٢، و»أطواق الياسمين« ٣٠٠٢،
و»روائح الزمن الجميل« ٦٠٠٢
إلي روح المغامرة مثل كل أبناء البحر،
مثل
الإسكندر الأكبر الأب الروحي لمدينتها الأولي والأخيرة.
وأجرت حوارات مع الذات،
وخاطبت الوجدان، وتحدثت إلي الكون بلغة شاعرية!
وبقلمها الرشيق الدقيق
غاصت مني عارف في وصف حالات خاصة جداً
من البشر والمواقف والحوادث،
وعلي طريقة
فيكتور هوجو وسيمون بولفار وفولتير وعظماء من كتبوا بالفرنسية تمضي المؤلفة
في
طريقها بحثاً عن ذاتها حتي ولو وشوشت الودع،
وسألت الرمل وضربت
الموج!
تحية إلي مني عارف ذلك الصوت النسائي الأدبي الواعد الذي ينطق باللغة
العربية، ويفكر بالفرنسية وفقاً
لدراستها في جامعة الإسكندرية.
اسمعوا
سرها وماذا قال الودع لها حين وشوشها.
التفاصيل علي صفحات
روايتها!
أخبار النجوم المصرية في
30/07/2009 |