عندما أعلن قبل أسبوع واحد من انطلاقة دورة هذا العام لمهرجان «كان»
السينمائي،
أن فرانسيس فورد كوبولا سيعرض فيلمه الجديد «تيترو» في افتتاح
التظاهرة الأكثر
هامشية و«شبابية» في «كان»: «تظاهرة أسبوعي المخرجين»، أصيب كثر بالدهشة.
بل ان
البعض منهم اعتقد بأن في الأمر خطأ ما، وأن المقصود كان كوبولا الابن، وليس
كوبولا
الأب، ليس صاحب «العراب» و «يوم القيامة الآن» و «برام ستوكر
دراكولا»... بل إن
أحداً لم يذهب في تفكيره حتى الى احتمال أن يكون الفيلم المعروض لصوفيا
كوبولا،
ابنة فرانسيس فورد. فالنجاحات التي حققتها هذه - وعلى المستوى العالمي - من
خلال
أفلامها الروائية الثلاثة الأولى، تشي بأنها لا يمكن أن تعود
خطوات الى الوراء
لتنتقل من المشاركة في المسابقة الرسمية في «كان»، الى العرض في تظاهرة،
أهم ما
يميزها أن كباراً من مبدعي السينما، كانت بداياتهم فيها. بعد ذلك، طبعاً،
تأكد
الخبر. بل أكثر من هذا، أدرك الكثر أن كوبولا الأب نفسه هو
الذي أصر على أن يعرض
فيلمه الجديد في تلك التظاهرة - راجع حول هذا الأمر، في مكان آخر من هذه
الصفحة -،
وأدركوا، أكثر من هذا، أن «تيترو» هو، حقاً، واحد من تلك الأفلام الشديدة
الذاتية،
الشديدة الفنية، الشديدة الطموح ابداعياً، التي تجد نفسها أكثر ارتياحاً في
تظاهرة
مثل «أسبوعي المخرجين» منها في أي من تظاهرات «كان» الكبيرة
الأخرى.
وهنا نبادر للقول إن «تيترو» هو فيلم كبير... لأنه تحديداً فيلم صغير، من
ذلك
النوع الذي إما أن يكون عملاً يريد صاحبه أن يقول الكثير مما
يعتمل في داخله، ويعرف
أنه لا يمكنه قوله إلا عبر صورة ترسم العلاقات والمشاعر، أكثر مما ترسم
أحداثاً،
وإما أن يكون فيلم - نزوة، يريد منه صاحبه أن يوصل رسالة أو يصفي حساباً،
أو يصرخ
كما يفعل بول نيومان. في اللقطة الأخيرة لفيلم «لون المال»
لمارتن سكورسيزي: «ها
أنذا قد عدت»! ونحن لن ندهش يوماً إذا ما قال كوبولا، إنه طوال الوقت الذي
كان يكتب
فيه هذا الفيلم ويحققه، كان يفكر بتلك العبارة. ومع هذا، لن يكون واضحاً
للوهلة
الأولى مدى علاقة «تيترو» بحياة فرانسيس فورد كوبولا، بخاصة أن
هذا الأخير، إذ صور
فيلمه، وجعل عالمه يدور في بوينس آيرس في الأرجنتين، بدا وكأنه يضيّع
متفرجه. إذ،
ودائماً للوهلة الأولى، قد يصعب على متفرج الفيلم الذي يعرف الكثير عن سيرة
فرانسيس
فورد كوبولا وعلاقته بأهله وإخوته وابنه وابنته، أن يخمن أن
ثمة شيئاً من هذا كله
في خلفية حكاية الفيلم. بعد هذا، بعد تفكير طويل فقط، سيكتشف المشاهد، ان
المخرج
السبعيني، لم يضع
ما يريد قوله في حبكة الفيلم - حتى وإن كانت حبكة ذات خلفيات فنية
وعائلية مباشرة - بل في التفاصيل. ونعرف ان الشياطين تكون
ماثلة في التفاصيل. ولا
ريب في أن كوبولا لم يكن غافلاً عن هذا القول. ومع ذلك، لن نقول هنا، ان
الذين
يدركون كنه هذه التفاصيل ويقيمون التوازنات والتقابلات هم الوحيدون الذين
سيستمتعون
بقوة هذا الفيلم التعبيرية والفنية والحكائية أيضاً. ذلك أن «تيترو»
فيلم يقوم في
حد ذاته بغض النظر عن ارتباطه بحياة مخرجه وعواطفه ورغباته الحارقة في قول
ما
يقول.
حكاية أخوين
«تيترو»
إذاً، فيلم ذو موضوع واضح: العلاقة بين أخوين. وهما اخوان متفاوتان في
السن، ما يجعل من أصغرهما معجباً الى حد الوله بأخيه الأكبر. والاثنان
ابنان لقائد
أوركسترا، يقدم الينا منذ البداية صارماً متعجرفاً وربما نادماً أيضاً لأنه
أنجب
الولدين. أكبر الولدين هو أنجلو، الذي كان - كما سنفهم
بالتدريج - يعتبر من جانب
أخيه الأصغر بيني، مثلاً أعلى. غير ان انجلو، الذي وجد نفسه، قبل عشر سنوات
من بدء «أحداث» الفيلم، غير قادر، أكثر، على تحمل
مزاج الأب وقسوته، يترك بيت العائلة،
ليذهب ويعيش في بوينس آيرس، مسقط رأس الأب، وفي نيته أن يصبح
كاتباً، وربما - كما
سندرك لاحقاً - كي يؤلف ذلك الكتاب الذي يحلم به ويريد منه، تحديداً، أن
يكون أشبه
بتصفية حساب له مع أبيه، وربما كذلك، مع الحدود التي تفرضها الحياة
العائلية (بل
أكثر من هذا: ربما - من طرف خفي - تصفية الحساب مع الصورة
المثالية التي صنعها له
أخوه الصغير بيني، الذي كان، ولا يزال، ينظر الى أنجلو نظرة العابد الى
المعبود).
طوال السنوات العشر السابقة، إذاً، اختفى أنجلو تماماً... تبخر. غير أن ذلك
الغياب لم يقلل أبداً من حماسة أخيه الأصغر له. بل ان هذا ظل
يبحث عنه ويتحرى
أخباره، أملاً في أن يعود الى الاجتماع به يوماً، ليس فقط كي يعرف ماذا حدث
له - أي
لأنجلو -، بل أيضاً (وربما بخاصة) للتحرر منه... إذ في مكان سري خاص داخل
لا وعي
بيني، من الواضح أن ارتباطه الروحي، عبر ذكريات مشتركة خاصة،
بأخيه أنجلو، صار أشبه
بسجن له... سجن غامض، لا بد من الخروج منه. ولا امكانية لذلك الخروج إلا
بلقاء
أنجلو.
إذاً، في النهاية وإذ صار بيني على وشك الاحتفال بعيد ميلاده الثامن عشر
(أي
الانتقال من الصبا، الى البلوغ وسن الرشد)، يصل الى بوينس آيرس
حيث بات يعرف أن
أخاه يعيش فيها. طبعاً، وكما كان في وسعنا أن نخمن، سيتمزق أنجلو في مشاعره
تجاه
عودة أخيه الى الظهور في حياته من جديد. فهو، في الحقيقة، حتى وإن كان قد
فشل في
كتابة الملحمة العائلية التي كان يحلم بكتابتها، تخلى عن
الكتابة دافناً حلم تصفية
حسابه مع الأب ومع العائلة، في أعماقه، مقنعاً نفسه بأن التبديل الذي أحدثه
في
حياته الخاصة يبدو كافياً لتحقيق ذلك الهدف: فهو منذ سنوات بدل اسمه الى «تيترو»،
ونسي عائلته، ويعيش حياة فنية شبه بوهيمية مع صديقة يحبها،
ويمكنه بين الحين والآخر
أن يسقط عليها احباطاته وعجزه عن الكتابة، من دون أن يوصل هذا، الى قطيعة
بينهما.
فإذا أضفنا الى هذا أنه، وصديقته ميراندا،
يعيشان في بيئة فنية صاخبة في العاصمة
الأرجنتينية (منطقة لابوكا التي تشبه الحي اللاتيني الباريسي
في الخمسينات، أو «غرينتش
فيلاج» في نيويورك الستينات)، ما يدفعه الى عيش حياته يوماً بيوم وقد خيل
اليه أن هذا النمط من الحياة دفن ماضيه وأحقاده الى غير رجعة، يمكننا أن
نفهم غضبه
إذ ينبثق أمام عينيه ذات يوم، بعد كل تلك السنين، ذلك الأخ
الذي يوقظ الماضي لديه
دفعة واحدة، واضعاً اياه من خلال ذلك، في مواجهة ذاته، وكذبه الدائم على
هذه الذات
ثم أكثر من هذا: في مواجهة عجزه.
أخي... لماذا تركتني
هذا هو الإطار العام لفيلم «تيترو» الذي، إذ حققه فرانسيس فورد كوبولا، أصر
على
أن يكون فيلماً بالأبيض والأسود، مع الكثير من المشاهد الملونة
(هي مشاهد الذكريات
المشتركة بين الأخوين، ولا سيما منها تلك التي تتعلق بمشاهد مستوحاة من
فيلم «حكايات هوفمان» كما حققه مايكل باول). ولعل
في امكاننا ان نقول هنا إن اختيار
كوبولا لأسلوب فيلمه، انما يرتبط أساساً بأحلام ماضية خفية كان
يحملها في
بداياته... أحلام ذات علاقة بنمط معين من السينما الإيطالية في الستينات.
نمط يدور
حول حميمية سينما انطونيوني، وربما حول عائلية سينما فاليريو زورليني (كثير
مما في «تيترو» يذكر بـ «تاريخ أسرة» لزورليني -
1962). لكن الفيلم، بعد كل شيء، ومهما كان
مدى ارتباطه بذاتية ما - قبل - الثورة - الهوليوودية، يظل فيلم
تصفية حساب كما
أشرنا. ومع هذا يبقى سؤال أساس: هل إن كوبولا هو الذي يصفي حسابه هنا؟ ومع
من؟ مع
أخيه الكبير الحقيقي؟ مع أبيه؟ مع نجاح ابنته صوفيا، وبدء طغيان اسمها على
اسمه ولا
سيما لدى المتفرجين الأصغر سناً؟ أم تراه يحاول أن يرد، في شكل
ما على فيلم صوفيا
«انتحار
العذراوات»؟
لسنا ندري تماماً. ولكن في امكاننا أن نستند الى ما يقوله كوبولا نفسه حول
فيلمه، إذ يشير الى أن لديه اليوم انطباعاً موثوقاً بأنه، فيما
كان يكتب «تيترو»
ومن ثم يخرجه، عرف كيف يطرح على نفسه، وعلى ماضيه، عدداً كبيراً من أسئلة
لم تكن
لديه ثقة في الماضي بأنه يحملها في داخله. وهو يقول إن هذه الأسئلة أراحته
حتى وإن
كان من الصعب عليه أن يقول انه لم يجد لها أجوبة خلال انجاز
الفيلم ولا بعد ذلك... «لقد
تعلمت في نهاية الأمر أشياء كثيرة، قد يكون بعضها شديد الغموض... لكنني
أشعر
الآن أنني أفضل مما كنت، وأفهم لماذا كنت - وأنا في الرابعة عشرة من عمري -
أشعر
أنني مهجور... وأتذكر أن هذا الشعور قد شلّني(...). وها أنا
اليوم، بعد أن كتبت
الفيلم وأنجزته، أحس أن هذا الفيلم كله انما بني حول فتى يقول لأخيه
الكبير: «لماذا
تركتني يا أخي؟».
وإذ يقول كوبولا هذا، بهدوء ورصانة، يستطرد قائلاً: «على أية حال، إذا
نقبنا في
بعض أفلامي، فلن يفوتنا أن نلحظ وبقوة وجود هذا الهجران،
والبحث عن أخ كبير ترك
أخاه الصغير ذات يوم. ارجعوا الى «راستي جميس» مثلاً... أو أقول لكم: عودوا
الى
أزمة مايكل الحقيقية في الجزء الثاني من «العراب!...».
الحياة اللندنية في
26/06/2009
من تثوير هوليوود وقمة المجد الى انطلاقة
الشباب المغامر
بعد كل شيء... هل سيكون المرء مغالياً إن هو استنتج، بعد استعراضه العدد
الأكبر
من أفلام فرانسيس فورد كوبولا، أن هذا المخرج الذي يبدو
حاضراً، في شكل أو في آخر،
في الحياة السينمائية الأميركية والعالمية منذ ما يزيد على أربعين عاماً،
لم يتكلم
في هذه الأفلام إلا عن نفسه؟ ولا نعني فقط أفلام كوبولا «الصغيرة» انتاجياً،
والتي
دأب على تحقيقها بين الحين والآخر بموازنات قليلة، كي يعبر عن
نفسه، وآخرها «تيترو»
الذي يراوح تقويمه العام، بين كونه فيلماً صغيراً يعود فيه كوبولا الى
أحلام شبابه
السينمائية، وكونه تحفة سينمائية تكاد تقول كل ما أراد كوبولا أن يقوله في
مجمل
سينماه؟ بل نعني كذلك أعماله الكبيرة: «العراب» بأجزائه
الثلاثة والذي هو، في
الحقيقة، «ملحمة عائلية» تؤرخ لأميركا التي انبنت من حول العائلة، و
«محادثة سرية»
الذي يمكن اعتباره كناية عن دور البصاص -
السينمائي ربما - في سبر أغوار حياة
الآخرين، و «تاكر» الذي يرصد مسار الفرد المتطلع الى أن يجد له مكاناً في
عالم
تنهشه الذئاب، عبر تحقيق مشروع مستقل سرعان ما يوأد على مذبح قوة التجمات
الصناعية
الكبرى (أَوَليس في هذا تأريخ لمشروع «زويتروب» الذي أقامه
كوبولا لغزو هوليوود
انتاجياً، بعدما غزاها فنياً؟). والواقع أن ما نقوله هنا عن سينما كوبولا،
وتوسطها
بينه وبين العالم المحيط به، يمكن أن يقال عن بقية أفلامه عبر تحليل دقيق،
حتى وإن
كنا نعرف أن الرجل لم يكتب بنفسه سيناريو يُؤَفلم مباشرة، سوى
«المحادثة» و «تيترو» -
فيلمه الأخير حتى الآن -، منذ صار له اسم كبير في عالم السينما.
ثورة جيل
هذا الاسم كوّنه فرانسيس فورد لنفسه، قبل «العرّاب» و «المحادثة»... أي منذ
تلك
الأزمان الأولى التي كان يعتبر فيها واحداً من مجموعة أفراد
(سمّوا يومها «أصحاب
اللحى») أتوا الى السينما من عالم الدراسات الجامعية، والاحتجاج على حرب
فييتنام
والرغبة في ربط المشروع السينمائي الهوليوودي بما هو مستجد من ذهنية
راديكالية كانت
بدأت تفرض حضورها على عوالم الشبيبة والعالم. انطلاقاً من مثل
هذه الرغبات، تجمع
يومها - خلال النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، - شبان من طينة كوبولا
وسكورسيزي وسبيلبرغ ودي بالما وجورج لوكاس وجون ميليوس وحتى بول شرايدر،
ليعملوا في
وقت واحد على انتاج سينما، قد لا تكون ثورية بالمعنى الذي كان
متعارفاً عليه في ذلك
الحين... لكنها - على الأقل - عرفت كيف تثوّر هوليوود وتنتقل بها من بلادة
وارتباك،
الى مكان ينتج أشكالاً فنية جديدة، ورؤى سينمائية مواكبة للعصر... وربما
أيضاً
أفكاراً راديكالية، لعلها وجدت ذروة التعبير عنها في نهوضها
لمقارعة حرب أميركا في
فييتنام، وفي نظرة جديدة الى العلاقات العائلية والى الحب والى الحلم
الأميركي...
يومها، وخلال عقد ونصف عقد، أنجح أولئك
الملتحون مشروعهم وصارت هوليوود شيئاً
آخر.
إن في إمكاننا، اليوم، أن نقول الكثير، حول ثورية ذلك الجيل وهوليووديته.
غير أن
أهم ما يتوجب علينا أن نرصده، هو أن أولئك الذين طبقوا بقوة
مقولة فرانك كابرا حول
«الاسم
فوق العنوان»، جاعلين للمخرج المكانة الأولى في الفيلم، عرفوا في الوقت
نفسه
كيف يجعلون من الفيلم السينمائي مشروعاً ذاتياً، ان لم يكن في كل أفلامهم،
ففي
معظمها على أية حال، معيدين النظر في تاريخهم الشخصي، تاريخ
أميركا وتاريخ الحلم
الأميركي.
البعد الذاتي
والحقيقة أننا إذ نقول هذا، نبدو وكأننا نصف سينما كوبولا، أكثر مما نصف
أية
سينما أخرى من سينمات زملائه - إذا استثنينا مارتن سكورسيزي،
الذي يبقى أكثرهم
ذاتية وتحويلاً لمشروعه السينمائي الى مشروع كتابة سيرة ذاتية فكرية
متواصلة، حتى
وإن كان سكورسيزي أقلهم كتابة لمواضيعه وسيناريواته بنفسه -. ومن هنا، وحتى
وإن كان
كوبولا قد «عجز» من خلال أفلامه الأخيرة، ولا سيما منها «صانع
المطر» و «شباب دون
شباب» وأخيراً «تيترو» عن استعادة النجاح الذي كان له خلال الربع الأخير من
القرن
العشرين، جاعلاً منه، مع أفلام مثل «العراب» - بكل أجزائه - و «يوم القيامة
الآن» و
«المحادثة»
وحتى «برام ستوكر دراكولا» و «تاكر»، واحداً من أكبر السينمائيين
الأميركيين الأحياء، إن كان كوبولا قد عجز عن تحقيق ما يوازي نجاحاته
الماضية، فإنه
تمكن في أفلامه «الصغيرة» الأخيرة من أن يستعيد ألق أحلامه
الأولى. إذ من الواضح
هنا ان كوبولا يتحرك منذ عقد ونصف عقد، تحرك من يريد أن يستفيد من «الوقت
الضائع»
ومن «مكانة مؤكدة»، كي يمرر بعض الأفلام،
في انتظار العودة الى ألق النجاحات الضخمة
(مرة
عبر مشروع يتطلع الى اقتباس رائعة جاك كيرواك «الطريق»، ومرة أخرى عبر
محاولة
سنوية لإعادة احياء مشروع «ميغابوليس»). طبعاً لا نعرف الآن ما إذا كان
كوبولا
سيتمكن خلال السنوات المقبلة (هو الآن في السبعين من عمره)، من
تحقيق أي مشروع
ضخم... لكننا نعرف من خلال «تيترو» ان هذا المبدع لا يزال قادراً على
العطاء. بل لا
يزال قادراً على أن يتقمص دور المخرج الشاب المبتدئ المملوء بالحماسة
والقادر على
أن يفاجئ. ذلك أن «تيترو» - وهذا أمر لا بد من قوله وبقوة - هو واحد من تلك
الأفلام
التي بمثلها يبدأ مخرجون كبار حياتهم ومسارهم المهني، وليس من نوع الأفلام
التي
تختتم حياة. وليس هذا في موضوع الفيلم وجرأته اللغوية فقط، بل
كذلك في نمط انتاجه:
فهو فيلم صغير، كتبه وأنتجه كوبولا بنفسه. ليس في هوليوود، بل في بوينس
آيرس، مع
ممثلين جدد أو آخرين ليسوا نجوماً كباراً. ثم انه صوّره في معظمه بالأسود
والأبيض.
وبعد هذا كله، وهنا يصل كوبولا في رأينا الى القمة في تحدي نفسه وتحدي
تاريخه: عرضه
في افتتاح واحدة من التظاهرات الأكثر هامشية و «سينمائية» في مهرجان «كان»:
«أسبوعي
المخرجين»، هذه التظاهرة التي قامت أصلاً - وتبني هذه الأعوام دعايتها -
على أنها
الظاهرة التي بدأ فيها انطلاقتهم الى عالم الشهرة مبدعون من
طينة مايكل هاينكي وجيم
جارموش، وحتى يوسف شاهين ودايفيد كروننبرغ... واللائحة تكاد لا تنتهي.
ونادراً ما
حدث أن عرض جديده فيها، مبدع وصل الى القمة وربما الى أعلى من القمة، من
مستوى
فرانسيس فورد كوبولا، صاحب الأوسكارات والسعفات الذهبية التي
تكاد لا تعد ولا
تحصى..
ترى، أفلا يشير هذا الى أن فرانسيس فورد كوبولا، انما أراد أن يقول من خلال
هذا
العمل وهذه المشاركة، إنه أنجز اجتياز صحرائه، وها هو ينطلق من
جديد؟
الحياة اللندنية في
26/06/2009 |