عادة وعقب أي عرض لفيلم من الأفلام الجديدة يتناول النقاد العمل من بدايته
وحتى نهايته، ولكن الجديد هذه المرة أن يبدأ النقاد على مختلف مستوياتهم في
استعراض فيلم (الفرح) من نهايته في تقديمهم له.
حيث فاجأهم مخرجه سامح عبد العزيز بنهايتين للفيلم الذي كتبه أحمد عبد
الله، ما آثار جدلاً واسعًا في أوساط الجمهور والنقاد والمهتمين على حد
سواء . حول هذه الفكرة الجديدة التي تحدث للمرة الاولى ، وضع الفيلم
المتفرج أمام أحد الاختيارات التي طرحها، وعلى كل متفرج أن يختار ما يتماشى
مع رؤيته. وإن كان البعض من النقاد قد رأى أن نهايتين لعمل واحد أمر غير
منطقي، لكنهم أشاروا إلى أن المخرج وكأنه كان يحاول الخروج من أزمة النهاية
السوداوية التي قدمها أولاً بسقوط أبطاله، قبل أن يفاجئهم بمشهد أخير يجمل
فيه نفس الأبطال بنهاية سعيدة، وهي نهاية اتفق هؤلاء النقاد على عدم جدواها
وعدم منطقيتها. الفيلم من إنتاج أحمد السبكي وبطولة خالد الصاوي ودنيا سمير
غانم وجومانا مراد وياسر جلال وماجد الكدواني ومي كساب وصلاح عبدالله
ومحمود الجندي وحسن حسني وروجينا وباسم سمرة.
يصنف الفيلم على أنه من أفلام البطولة الجماعية ، وقصته تتلخص في فرح شعبي
كبير في إحدى المناطق الشعبية، وصاحب الفرح هنا هو بطل العمل (زينهم) أو
خالد الصاوي الذي يسعى للحصول على مبلغ 100 ألف جنيه من النقطة التي تعد
واجبة في الأفراح الشعبية، ويتحصل فيها العريس على مبالغ تعينه على تكاليف
الفرح، ويبقى معه الكثير للزمن، والطريف هنا أن صاحب الفرح قد استأجر عريسا
وعروسة ـ جومانا مراد وياسر جلال ـ لا يعرفهم مقابل مبلغ زهيد حتى يتمكن من
إنجاح مخططه بقيام الفرح حتى يتمكن من شراء ميكروباص لإعانته على الحياة.
في سياق هذا الفرح دارت الأحداث، حيث نجد كبير المنطقة الذي جسد دوره
الفنان محمود الجندي يسيطر على الأمر، ويشرف بنفسه على ترتيبات الفرح،
وظهور شخصية المونولجست التي اعتدنا على مشاهدتها في الأفراح الشعبية
وقدمها (صلاح عبدالله)، وكذلك ماجد الكدوانى الذي يجامل المعازيم لجمع
النقوط، وتلك الراقصة العجوز (سوسن بدر) التي أعلنت توبتها عن الرقص وقامت
بإقناعها بالعودة والدة صاحب الفرح والتي جسدت شخصيتها الفنانة القديرة
كريمة مختار، وبجانب ذلك توجد فتاة جميلة (دنيا سمير غانم) التي قدمت شخصية
سميرة بيرة التي تقتل الشاب الثري الذي حاول إغواءها رغم أنها تحبه، وكذلك
الرجل العجوز المتزوج من فتاة صغيرة، وأيضا مظهر المعازيم الذين جاءوا من
جميع أطراف المنطقة لتقديم النقوط ردًا للنقطة التي دفعها لهم صاحب الفرح
في مناسباتهم.
والمفارقات العجيبة والغريبة في الفيلم أن العروسين اللذين استأجرهما صاحب
الفرح كانا قد عقدا قرانهما بيد مأذون شرعي منذ سنوات دون أن يكونا جاهزين
لذلك وهما في حالة فقر وعوز لكنهما في لحظة ضعف مارسا الجنس، وكانت الورطة
هي فقد العروس لغشاء البكارة، ولا تملك هي وعريسها المال لإجراء عملية
إصلاح غشاء البكارة ما دعاهما للموافقة على أن يكونا العروسين المؤجرين
مقابل ألف جنيه فقط من صاحب الفرح على أن يعينهم المبلغ الزهيد في تدبير
مبلغ الطبيب.
والمفارقة الأخرى هي وفاة والدة صاحب الفرح كريمة مختار أثناء الفرح وقبل
جمع النقطة ليصبح (زينهم) في حيرة من أمره، هل يستكمل الفرح للحصول على
الأموال التي يسعى لها، أم يعلن الوفاة على الجميع لينتهي كل شيء وتضيع
الأحلام؟.
بالنظر إلى موضوع الفيلم يبدو واضحا قدرة الكاتب أحمد عبد الله على تقديم
المنطقة الشعبية بتفاصيلها وتقاليدها بحرفية عالية، وإلقاء الضوء على كثير
من التفاصيل غير المرئية للعامة حول تقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية، كما
استطاع الكاتب ذاته أن يتناول من خلال السيناريو انعكاسات الأزمة العالمية
على الأحياء الشعبية.
وبدا هذا واضحا في ابتكار أهالي المنطقة لأفكار جديدة لتوفير المال، مثل
تفكير رجل في إقامة فرح وهمي لاستعادة النقوط التي دفعها في أفراح أهل
المنطقة لتحقيق حلم خطط له، وكذلك أوضح الفيلم المفارقة العجيبة التي
تشهدها المناطق الشعبية التي عرفت بالالتزام الأخلاقي والديني والتكافل
الاجتماعي مع تمركز كبير للبلطجة بكل معانيها، والتي تعتبر تلك المناطق هي
مصدر التفريخ لها للأوساط المجتمعية الأخرى.
وما لفت النظر أكثر في أحداث العمل هو نجاح الكاتب والمخرج معا في خلق
مظاهر الفرح الشعبي الذي كان أقرب إلى الأفراح الشعبية الحقيقية وإبراز أهم
مظاهره من عادات وممارسات وطقوس وحضور مطربين شعبيين معروفين في أوساط
المناطق الشعبية، وكذلك ظهور راقصة شعبية ومونولوجست وشخص آخر يشارك في جمع
النقطة بالإعلان عن المنقطين.
تناول الفيلم في مشاهد مثيرة وموضوعية العجوز المتزوج من فتاة في بداية
شبابها والذي حاول بعد الفرح ممارسة الجنس معها دون جدوى، وكذلك الفتاة
الجميلة التي تعرضت لمحاولة إغواء من الشاب الميسور الحال فقتلته، وكذلك
المشاهد وعلامات الحيرة والجدل التي أثيرت بين صاحب الفرح والمقربين منه
بعد أن فوجئ بوفاة أمه قبل انتهاء الفرح فيما يمكن أن يفعله، هي مشاهد قام
على أغلبها البناء الدرامي للعمل الذي جاء متسقًا مع سرعة الأحداث وتصاعدها
بقوة مما جعل المخرج في حيرة من أمر النهاية.
ولكن النقاد رأوا في أغلب تحليلاتهم للعمل أن الجمهور لم يكن متعاطفًا مع
المحتال الذي أقام الفرح أو العروس التي تبحث عن إعادة غشاء البكارة أو تلك
الراقصة التي تملصت من العهد بالتوبة وعادت للرقص، ولذلك كان لابد من
الاكتفاء بالنهاية الأولى التي تشهد سرقة الأموال التي حصل عليها صاحب
الفرح بالاحتيال، وفشل العروس المؤجرة في ترقيع بكارتها، وقتل الشابة
الجميلة للشاب الذي حاول اغتصابها، والمنولوجست الذي انكشف أمام ابنه.
وأشاروا إلى أن هذه النهاية منطقية كرد فعل طبيعي لأحداث جاءت مخالفة
لعادات أهل المناطق الشعبية التي تتسم بالانضباط التام بحكم التداخل
والتكافل الذي تشهده، فيما رأوا أن النهاية الثانية التي أوقف فيها زينهم
الفرح من أجل وفاة والدته ليتحول بعدها الفرح إلى مأتم غير منطقية، مستندين
في ذلك إلى أن سلوك زينهم من البداية يؤكد إصراره على الحصول على المال بأي
وسيلة مما دعاه إلى إقامة فرح صوري لكسب النقطة واسترداد ما دفعه في أفراح
سابقة من أهل المنطقة.
ورغم الجدل المثير والكبير حول نهاية الفيلم إلا أن النقاد في تناولهم
للعمل ورغم إشادتهم بالموضوع والبناء الدرامي رأوا في الفيلم كأنه جزء ثان
من فيلم (كباريه) الذي أنتجته نفس الشركة وبأغلب أبطال الفرح، رغم أن صناع
الفيلم أشاروا إلى أن التشابه كان فقط في بعض التفاصيل التي تتسم بها
المناطق الشعبية، وأن كل أبطال كباريه ماتوا في نهاية الفيلم، ولذلك لا
يمكن عمل جزء ثان منه.
ولكن أجمع معظم النقاد على أن الفيلم نجح في إبراز مشاهد صعبة جدًا في كل
الأدوار وقد ظهر هذا في مشهد جومانا مراد العروس في عيادة الطبيب، وهي
تحاول إعادة بكارتها، وتفشل وهو مشهد مليء بالانفعالات التي تظهر واقع
المرأة وتعرضها للقهر، وكذلك المشاهد التي يرفض فيها أهل العروس زواجها من
ياسر جلال خاصة أنه عقد قرانه عليها منذ أكثر من 6 أعوام فشل خلالها تجهيز
شقة الزوجية غير أنها فقدت عذريتها بعد أن عاشرها معاشرة الأزواج، وكذلك
محاولة الشاب الثري الاعتداء جنسيًا على تلك الفتاة الجميلة دنيا سمير
غانم، ومشهد الدفاع عن الشرف وقتلها لذلك الشاب.
وبالرغم من نجاح الفيلم إلى حد كبير جماهيريا إلا أن الجدل مازال مستمرا
وسيظل حتى انتهاء الموسم حول جدوى النهاية، وأيهما أفضل، وإن كان بعض
النقاد قد رأوا حسمًا للجدل أن تمنح للجمهور الفرصة للاختيار بين النهايتين
على أن يقوم الاختيار على التفسير من خلال الثقافة المتباينة بين الجمهور
والطبقة الاجتماعية التي يعيشها المشاهدون بأشكال مختلفة، وكل منهم سينطلق
من ثقافته ووسطه في اختيار النهاية التي يراها مناسبة، وسيزيد من حدة
الاختلاف حولهما أعمار المشاهدين الذين تتفاوت تجاربهم في الحياة وثقافاتهم
البيئية وغيرها من العوامل الأخرى.
بطاقة
الفيلم: الفرح
التصنيف: دراما
الأبطال: خالد الصاوي، دنيا سمير غانم، جومانا مراد، ياسر جلال
المؤلف: أحمد عبد الله
المخرج: سامح عبد العزيز
إنتاج: شركة السبكي للإنتاج السينمائي2009
البيان الإماراتية في
21/06/2009 |