صفقات الـABBC في فيلم
خفايا أعمال مصرف
ABBC التي شاركت فيها أطراف عربية، تحولت الى شريط سينمائي بعنوان
«العالمي». البطل في الشريط هو لويس سالنجر عميل الانتربول، والاحداث تتوزع
بين عواصم عدة وهي مزيج متفجر من الصفقات والمؤامرات. ماذا عنه؟
يعيد «العالمي» ذاكرة المشاهد الى أيام انتشار موجة الأفلام السياسية في
أواخر الستينيات وطوال السبعينيات من القرن الفائت، وعلاقتها المباشرة
بالأجواء السياسية العالمية وانعكساتها على التيارات اليسارية وحركات
التحرر الوطني. نتذكر بوضوح الاقبال والاعجاب الذي أبداه العالم والعرب،
على وجه الخصوص، بفيلم المخرج اليوناني غوستا غافراس «z». في «العالمي» يجمع المخرج توم تيكوير
بشكل أكثر وضوحا السياسية والمال، مركزا على دور البنوك العالمية الكبرى في
خلق الحروب وافتعال بؤر توتر جديدة في العالم لديمومة بقائها وزيادة
أرباحها. انه ينشد البحث، عبر بطله عميل الأنتربول لويس سالنجر، عن خفايا
أعمال بنك «آي بي بي سي» في تبييض أموال المافيات وفي عقد صفقات بيع سلاح
الى الشرق الأوسط واستغلال الصراع العربي- الاسرائيلي، على وجه التحديد،
لجمع أكبر قدر من المال على حساب شعوب المنطقة.
وانطلاقا من طبيعة الأحداث العالمية يتوزع الفيلم بين مدن وعواصم عدة من
بينها: نيويورك، اسطنبول، برلين وميلانو، وتختلط وسط نشاطها المتشعب منظمات
ودول كسوريا واسرائيل والصين، وحركات مثل حزب الله وحركة تحرير ليبيريا.
خليط متشابك من المصالح تحركها أيدي البنوك الطويلة و«الخفية» مستعينة بقوة
تأثيرها المالي ومشاركة دول ومخابرات. وللحد أو على الأقل لفضح دورها القذر
والبعيد عن عملها الحقيقي، الذي يصل الى تصفيات جسدية لشخصيات سياسية مهمة
وقتل عملاء من رجال الشرطة، أوكلت المهمة الى لويس سالنجر (الممثل كليف أون)
من مكتب الشرطة الدولية الأنتربول في ليون وزميلته في مكتب التحقيقات
الأميركي (اف بي آي) ايلانور ويتمان (الممثلة نعومي واطس).
منذ البداية تبدو مهمة العميلين شبه مستحيلة. فكلما تقدما خطوة في معرفة
علاقة بنك «آي بي بي سي» بعمليات غير قانونية، تراجعا خطوتين وفقدا خلالهما
مساعدا من مساعديهم. وكلما اقتربا من الامساك بخيط رفيع انقطع وعادا للعمل
من الصفر. الشيء الوحيد الذي يساعدهم هو الوقت. فصفقة بيع صواريخ وقواعد
اطلاقها الى الشرق الأوسط، والتي تكفل البنك بلعب دور الوسيط بين الصين
المنتجة لها وبعض دول المنطقة العربية الراغبة في الحصول عليها، صارت مهددة
لأنها محددة بزمن ضيق، وفي حال فشلها فان البنك سيتعرض لخسائر كبيرة. ومن
أجل ابرامها يصعد أصحاب البنك والمتعاونون معه في تصفية كل من يقف في
طريقهم. هذا التصعيد سيتيح للعميلين فرصة تحديد هوية قاتل محترف قتل
زملاءهم وبعض المنافسين الكبار في السوق المالية العالمية. وبعد مغامرات
ومطاردات بين العواصم ينتهي المطاف بكل الأطراف بالوصول الى مدينة نيويورك،
التي ستشهد لحظة الكشف عن عملاء البنك ووسطائه وعقوده المشبوهة.
أكبر من واحد
ولأن المخرج أراد لشريطه الموضوعية والجودة لم يعط كل هذه الاكتشافات أهمية
حاسمة. فالأمر كما سيتضح لسالنجر أبعد من جرائم بنك واحد. انها سلسلة من
الترتيبات المحسوبة يقودها نظام سياسي اقتصادي كوني، البنوك احدى وسائله.
ووفق هذه الحقيقة ستصبح المهمة ليس الكشف عن خروقات البنوك بل تصفية هذا
النظام بكامله وهذا ما لا يستطيعان عليه. لن يقدما نظاما كونيا الى
المحاكم، لن يقدما بنكا، كما جاء في أحد مشاهد الفيلم، زود بالمال ضابطا من
بلد افريقي للقيام بانقلاب عسكري يضمن لهم، بعد وصوله الى دفة الحكم، عقد
صفات تجارية رابحة. لكن سالنجر سيمضي وحده، بعد ان أبعد شريكته خوفا على
حياتها وحياة عائلتها، لمعرفة ما ستفضي اليه صفقة بيع أسلحة تجري بين تاجر
تركي وصاحب بنك كبير منافس. في اسطنبول، وفي مشاهد مدهشة للمدينة وجوامعها،
ستزداد قناعاته بعبثية البحث، لأنه وببساطة سيتحول هناك الى شاهد على جريمة
قتل صاحب البنك من قبل قاتل مأجور يعلن بدم بارد ان بنك «أي بي بي سي» كلفه
بمهمة تصفيته. وعند هذه اللحظة يقرر سالنجر ومخرج العمل اسدال الستار على
أحداث وجرائم، ارتكبت في الفيلم وستظل ترتكب في الواقع ما دام هناك أصحاب
رؤوس أموال جشعون، ونظام سياسي كوني مخيف يؤجج الصراعات والحروب.
«العالمي» شريط جيد ومثير، ومع الأداء الرائع للممثل كليف أون، فاننا وربما
لمرات قليلة جدا نطلب من شريط جدي، بهذه المواصفات التقنية العالية
والاخراج المثير، اضافة بعض المرح ولحظات عاطفية قليلة اليه لتخفيف جوه
المشحون والمكفهر، الذي فرضته جدية بطله العابس (لم نر الابتسامة على شفتيه
ولا للحظة واحدة طيلة ساعتين)، يذكرنا بدوره المتجهم في «أطفال الرجال»
والذي كان مبررا في حينه للعبه دور رجل أوكلت اليه مهمة انقاذ الأرض من
الفناء.
في النهاية لكل مخرج وممثل مبرراته في رسم الشخصية ولعبها، وقد يقول لنا
هذه المرة: من أين تأتي الابتسامة لرجل يبحث عن الحقيقة في صناديق البنوك
المقفلة باحكام ولا يجدها؟
الأسبوعية العراقية في
14/06/2009 |