بضعة عناوين كبرى ظللت أفلام السينمائي السويدي إنغمار بيرغمن خلال مسيرته
السينمائية التي انطلقت في أربعينات القرن الماضي، كرست اسلوبه في
الخمسينيات، بلغت أقصى التطرف والإبداع في الستينات وحازت الاجماع النقدي
والجماهيري في السبعينات.وفي حين اعتُبرت سينماه الاختزال الأسمى للقلق
الوجودي، تجسد الأخير بتلك العناوين المتكررة والتي يمكن اختصارها بالعزلة
والعلاقات الانسانية والعصرانية ومعنى الايمان والعلاقة مع الله. ولكن ثمة
عنوان آخر لازم معظم أفلامه هو الموت. فكم من شخصية أساسية عبرت أفلام
بيرغمن مسجاة على سرير الموت. وكم من شخصية كان الموت مصيرها اما انتحاراً
أو جراء حادثة من دون إغفال الشخصيات التي كانت في حد ذاتها تجسيداً للموت
وأشهرها على الإطلاق في
The
Seventh Seal (1957). الا ان الموت الذي وصف بيرغمن علاقته به بـ"المجنونة"، ارتبط
دائماً في التحليلات النقدية بموضوع الدين على اعتبار الاخير المظلة الأوسع
التي تضم موضوعات كالموت والايمان والذنب والخضوع والخوف...التي اختبرها
المخرج في البيت أولاً تحت تأثير تربية والده اللوثرية الصارمة. غير ان
عودة أفلام بيرغمن الى دائرة الضوء بعيد وفاته في الثلاثين من تموز/يوليو
2007 فضلاً عن صدورها قبل ذلك بكثير على "دي.في.دي"، منحها ليس فقط التواصل
مع جمهور جديد واكتشاف الجمهور القديم لمعاندتها الشرسة للشيخوخة، بل أيضاً
أتاح التوقف عند تفاصيل ليس بهدف الإحاطة الشاملة بالسينمائي السويدي وانما
برغبة تفكيك المؤثرات التي كونت سينماه. في كتابات ماريت كوسكينين المتخصص
ببيرغمن وأعماله نقرأ ان أعمال بيرغمن كانت انعكاساً لأزمة المجتمع السويدي
بتحوله الى الشكل العلماني حيث لم يتمكن تماماً من استبدال العادات
والتقاليد القديمة مما ولد قلقاً روحياً.
في مجموعة من الكتابات والتحليلات التي ظهرت بعيد وفاته اشارات أكثر
تفصيلية الى علاقة بيرغمن وأفلامه بموضوعة الموت انما من زاوية تربط الأخير
بالحرب العالمية الثانية التي تزامنت نهايتها مع الانطلاقة السينمائية
لبيرغمن. تبني تلك الدراسات نقاشها على اعتبار ان سينمائياً من طراز بيرغمن
كان دائماً سابقاً لزمنه في الطرح والمعالجة السينمائيين ما كان ممكناً أن
يفوته حدث مثل الحرب تلك من دون ان يترك أثراً ما فيه. صحيح ان السويد كانت
بلداً محايداً ولكن بيرغمن لم يكن منفصلاً عما كان يجري في العالم. فمن
المعروف ان السينمائي أمضى صيفاً كاملاً في برلين في منتصف الثلاينيات كجزء
من برنامج استبدال بين الطلاب مقيماً عند عائلة نازية وحاضراً لأحد خطابات
هتلر. كذلك كان أخوه "داغ" أحد مؤسسي حزب العمال الاشتراكي الوطني النازي
السويدي وان والده كان من داعميه والمصوتين له. وخلال حياته كان بيرغمن
صريحاً في التعبير عن افتتانه المراهقي بالنازية: "لسنوات كثيرة، كنت الى
جانب هتلر، سعيداً بانتصاراته وحزيناً لخساراته" كما يقول في مذكراته
"المصباح السحري" الصادرة عام 1988. بالنسبة الى زوجته السابقة كابي لاريتي
عازفة البياتو كان ذلك الجانب من حياة هتلر سلاحاً في يد من يهدف الى
التقليل من شأنه. بالطبع ليس الهدف من هذه المقالة هنا التقليل من شأن
بيرغمن وانما محاولة اكتشاف تاثيرات الحرب العالمية الثانية على أفلامه تلك
الحرب التي حصدت بين 10 و20 بالمئة من شعوب الاتحاد السوفياتي وبولندا
ويوغوسلافيا وبين 4 و6 بالمئة من مجموع شعوب المانيا وايطاليا والنمسا
وهنغاريا واليابان والصين.
الذنب واللوم
في كتابها "الشرف والضمير"
Honor and Conscience
الصادر عام 1991 عن السويد خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، استعانت
الكاتبة ماريا ـ بيا بوتيوس بشهادة انغمار بيرغمن الذي كان في عشرينياته
حين اندلعت الحرب العالمية الثانية. روى كيف انه وقف يتفرج بينما قام قطاع
طرق برسم الصليب المعقوف شارة الحزب النازي على باب منزل صيفي كان يقطنه
مخرج يهودي. ويعلق بيرغمن على تصرفه بالقول: "وأنا بكل جبن لم أنبس بكلمة."
ولكنه عندما أنجز فيلمه
Torment عام 1944، قدم المعلم الظالم في هيئة نازي وفي العام نفسه قدم في
المسرح اقتباساً لمسرحية ويليام شكسبير "ماكبث" وُصف بالمعادي للنازية.
في مذكراته، يكتب انه بعد الحرب العالمية الثانية رفض مثل كثيرين تصديق
الهولوكوست "مثل غيري، اعتبرت الصور مفبركة وبروباغندا كاذبة". ولكنه ما
لبث ان وقع ضحية اليأس وازدراء الذات معترفاً لاحقاً في ما يخص نظرته الى
النازية وهتلر: "أدركت بعد وقت طويل انني كنت مذنباً من خلال مصادقتي...
لقد أعماني السطح الملمّع فلم أرَ الظلامية في ما كان يحدث." في يقظة
اكتشافاته، أقسم بيرغمن "سياسة ـ ليس بعد الآنّ".
ولكن بيرغمن لم يحافظ على قسمه طويلاً إذ أنجز في العام 1950 فيلماً في
عنوان "لا يمكن لهذا أن يحدث هنا"
This
Cant Happen Here حول أوروبي شرقي يُختطف في ستوكهولم. الكاتبة لاريتي اللاجئة
الاستونية أكدت خجل بيرغمن من تسطيح معاناة الاستونيين في فيلم ثريللر
هروبي عن الحرب الباردة ومنع عرضه الجماهيري. وتشير لاريتي الى مفارقة
اعجاب الاستونيين بالفيلم وامتنانهم لبيرغمن لطرح قضيتهم فيه.
بيضة الأفعى
في العام 1977، وجه بيرغمن سينماه الى اكتشاف أصول الحزب النازي في
The Serpents Egg. وكان مدهشاً كيفية جر الموضوع الى عرينه الخاص ليلتقي مع أعماله
الأكثر ذاتية. في ذلك الوقت، كانت صدمة الحرب قد خفت وطأتها وكان بيرغمن قد
ذهب بسينماه الى اتجاه آخر يمزج بين موضوعات الموت والجنس والقسوة والاذلال.
وتبقى تلك التجربة مميزة على أكثر من صعيد في مساره السينمائي. فالفيلم هو
الأعلى كلفة الذي أنجزه في حياته وواحد من تجربتين فقط ناطقة بالانكليزية
كما انه جاء في مرحلة مفصلية من حياة بيرغمن. فبعد خلافاته مع دائرة
الضرائب في السويد لعدم دفع مستحقاته، خرج بيرغمن من السويد مقسماً الا
ينجز فيها فيلماً بعد ذلك. استقر في ميونيخ حيث ألهمته السيرة التي كتبها
يواكيم فيست عن هتلر والمنتج الايطالي الكبير دينو دي لورينتيس الذي أمضى
عقداً ونيفاً في محاولة اقناعه بالتعاون معه. في المجمل، اقتنع بيرغمن بأن
The Serpents Egg سيكون تحفته السينمائية. انطلق من هناك ليصور نشأة النازية متصوراً
برلين مدينة كابوسية ملأى بالمتسولين والمشوهين والمقعدين المقموعين. تدور
حكاية الفيلم حول "آيبل" (دايفيد كارادين) الفنان المدمن على الكحول الذي
يكتشف انتحار أخيه "ماكس" ويبدأ مع زوجنه "مانويلا" (ليف ألمن) البحث عن
أسباب ذلك. كلاهما يعمل في الملهى الليلي الذي يملكه الغامض "هانز فيرغيروس"
الذي يتذكره "آيبل" باحثاً يمارس ساديته على الحيوانات والناس. على لسانه،
تأتي خلاصة الفيلم التي هي بالنسبة الى بيرغمن اختزالاً للنازية: "عالمنا
سينزلق في الدماء والنار. في غضون عشر سنوات لا أكثر، سيخلق هؤلاء الناس
مجتمعاً جديداً لا نظير له في التاريخ." ينتهي الشريط بمشهد لهتلر معقود
اليدين.
يظهر دفتر ملاحظات بيرغمن حول الفيلم مدى هوسه بأصغر التفاصيل وتداخل
عناوين الفيلم مع ذكريات طفولته. بالطبع سيكون من التبسيط ان ننسب الفيلم
برمته الى شعور بيرغمن بضرورة التكفير عن مواقفه السلبية تجاه الفاشية قبل
ثلاثين عاماً من الفيلم. ولكنه لا ينسى ان يصنع مشهداً يبدو فيه "آيبل"
متغاضياً عن اجبار مجموعة فاشية لرجل مسن كنس الشارع واذلاله. أفليس المشهد
تعبيراً عن موقفه من إذلال المخرج اليهودي أمام عينيه قبل أكثر من ثلاثين
عاماً؟
على الرغم من ذلك، لا يسعنا الا ان نشعر بأن الذنب وربما الفضول المرضي هما
ما دفعا ببيرغمن الى العودة الى برلين العشرينات، راصداً موضوعاته الأثيرة
انما ـ وبشكل يندر الوقوع عليه في افلامه عموماً ـ في اطار سياسي وتاريخي
محدد. فأبطاله هنا ليسوا من الطبقة الوسطى السويدية بجترون معاناتهم تجاه
قلقهم الوجودي انما هم شخصيات تناضل في سبيل العيش في عالم أسود. في
الفيلم، يتعانق احساس بيرغمن بالخزي مع افتتانه التلصصي بالعنف والقسوة.
ومن يعرف مدى ارتكاز بيرغمن في سينماه على حياته الخاصة وميله الى تعظيم
الذنب واللوم سيعثر حتماً في أفلامه على آثار تلك المرحلة المبكرة التي
أفلتت من تحليلانه لبعض الوقت.
بيتر جاكسن في جديده "العظام المحببة"
"سيد الأرض الوسطى" يشيد عوالمه الجديدة بين السماء والأرض
حين أعلن بيتر جاكسن في العام 2005 ان مشروعه السينمائي المقبل سيكون
اقتباساً لرواية الأميركية أليس سيبولد "العظام المحببة"
The Lovely Bones،
بدا الأمر جنوحاً كبيراً عن مساره السينمائي الذي سبق. بحكايتها التي تركز
حول اغتصاب مراهقة وقتلها، بدت الرواية بعيدة كل البعد عن أسلوبه وتقنيته
السينمائيين اللذين تراكما خلال عشرين عاماً متوّجين بمشروعين أساسيين:
ثلاثية "سيد الخواتم" وإعادة "كينغ كونغ". مع الأولى، تربع جاكسن على عرش
سينما الفانتازيا والخيال العلمي والتقنيات الثورية في خدمتهما. ولكن ليس
ذلك وحسب إذ ان المخرج النيوزيلندي استطاع وسط صخب التقنيات أن يحجز مكاناً
له في السينما، مازجاً بين الرعب والكوميديا والتهكم والعنف التي بنى عليها
أفلامه الأولى قبل شهرة الثلاثية. فبين العام 1988 و1997، أنجز جاكسن
ثمانية أفلام انطلاقاً من باكورة أفلامه
Bad Taste
الذي صوره بواسطة كاميرا 16 ميلليمتر يملكها مروراً بشريط
Heavenly Creatures (1994) الذي عُرف من خلاله ووصولاً الى
The Frighteners (1996)
مع مايكل جاي فوكس في دور محقق نفساني. بعدها كان التحول الكبير مع رواية
جاي آر آر توكيين الميثولوجية التي قدمها في ثلاثة أجزاء متتالية مجسداً
على الشاشة ما يفوق الخيال من عوالم ومخلوقات تنتمي الى ذلك المكان المتخيل
"الأرض الوسطى". في أعقاب النجاح الكبير للثلاثية وحصدها جوائز الاوسكار
القياسية وعلى خلفية الخلافات التي نشبت بين جاكسن و"نيولاين سينما" منتجة
الثلاثية، غض جاكسن الطرف عن مشروع
The
Hobbits الذي كان من المتوقع ان يصير جزءاً لاحقاً للثلاثية مفصلاً أصول
شخصياتها. مع "كينغ كونغ"، حقق جاكسن حلماً طفولياً بإعادة خلق فيلم له
مكانة خاصة في مخيلة الطفل الذي كانه وذاكرته. بطبيعة الحال، جاءت الآراء
منقسمة حوله اما لمقارنته مع الثلاثية "سيد الخواتم" واما مع الفيلم
الكلاسيكي الاصلي. في تلك الأثناء، وقع جاكسن على رواية سيبولد
The Lovely Bones: "تاثرت كثيراً خلال قراءتها ومراراً فاضت عيناي
بالدموع" يقول في حوار الى مجلة "إمباير" السينمائية. حالياً، بات الفيلم
جاهزاً للعرض ولكن شركتي دريمووركس وباراماونت المنتجتين آثرتا تأجيل عرضه
الى كانون الأول/ ديسمبر المقبل الذي يُعد شهر الجوائز. ولكن السؤال الملح
هو: ما الذي يجمع بين بيتر جاكسن ورواية درامية سالت لها دموعه؟
تبدو الإجابة كامنة بين صفحات الكتاب نفسه. فرواية سيبولد بالغة الجدية في
الظاهر تتخذ من حكاية موجعة وشخصية خطها السردي: في العام 1973، تتعرض ابنة
الاربعة عشر عاماً "سوزي" على طريق عودتها الى المنزل للاغتصاب والقتل.
الجاني هو جارها "جورج هارفي" المهووس ببناء بيوت الدمى. وفي حين تشتبه
عائلة سوزي به، لا أحد يسنطيع إثبات التهمة عليه فيقفل ملف القضية من دون
إدانة أحد. ما الذي يجعل هذه الحكاية أكثر من مجرد دراما مروعة؟ يبدو ان
السبب الأول لذلك هو ان الأحداث تُروى من وجهة نظر "سوزي" الميتة والموجودة
في مكان بين السماء والأرض. انه جنتها الخاصة كما تقول الرواية الذي تشرف
منه على عائلتها ومغتصبها بينما تحاول المساعدة في حل لغز الجريمة. اذاً
هناك أكثر من مجرد حكاية عن عائلة تختبر الموت والفقدان بأبشع صوره، ذلك ان
"سوزي" تعيش تجربتها الخاصة حيث هي في التقدم بالسن والوعي. ولا يغفل
الفيلم والرواية الخط التحقيقي في الجريمة حيث "سوزي" والمشاهد يقفان على
الجانب نفسه من المعرفة بينما شخصيات الفيلم الحية غير مدركة لها. وربما
ليس بعيداً من خصوصية الرواية استنادها الى تجربة كاتبتها الذاتية التي
تعرضت للاغتصاب في الثامنة عشرة من عمرها ومن ثم عثرت على مغتصبها بعد
سنوات في الشارع وتمكنت من القبض عليه الى حين وصول الشرطة ومحاكمته بأقصى
عقوبة. تلك الحادثة روتها سيبولد في روايتها الأولى "محظوظة" (1999). ولكن
حادثة مشابهة كانت الدافع لكتابة روايتها الثاينة موضوع الفيلم انما بأسلوب
يخفف من وقع التراجيديا ليقول ان العنف ليس عابراً او استثنائياً في
حيواتنا.
تمثل التجربة بالنسبة الى جاكسن تحدياً جديداً صعباً: شخصيات واقعية، مادة
صادمة، مشاعر قوية وفكرة إكزوتية تتمثل برواية الأحداث من وجهة نظر فتاة
ميتة من عالمها الآخر. يوضح المخرج ان "الاقتباس شخصي" للكتاب بمشاركة
فيليبا بوينز وفران والش شريكتيه غلى ثلاثية "سيد الخواتم". تفاصيل كثيرة
تم الإستغناء عنها أة أعيد العمل عليها "الرواية مرت عبر حساسياتنا
الشخصية".
شكل العثور على ممثلة لشخصية "سوزي" التحدي الأكبر لأن الشخصية بحضورها
الخاص تتنقل بين التراجيديا القصوى والتهكمية السوداء. كان خيار جاكسن
سايورس رونن التي تذكرها بكايت بلانشيت كما يقول. والممثلة الشابة كانت قد
جذبت الأنظار اليها من خلال دورها في فيلم جو رايت
The Atonement.
بدأ التصوير في شتاء 2007 ولم يعكر صفوه سوى انسحاب الممثل راين غوزلينغ
(لاختلاف في المقاربة الفنية بحسب المخرج) في دور الأب اليائس للقبض على
قاتل ابنته الذي عاد ليرسو على مارك وولبرغ. على صعيد آخر، تلعب رايتشل
وايز دور الأم وسوزان ساراندن دور الجدة وستانلي توشي دور "جورج هارفي"
الذي تنعته "سوزي" من عليائها بـ "السيد هارفي".
يشدد جاكسن على ان التحدي الحقيقي ليس صنع فيلم غارق في اليأس والتراجيديا
بل هو جعله بشكل غريب مضحكاً أحياناً وتهكمياً لافتاً الى ان رحلة "سوزي"
يمكن اختصارها بالقول انها رحلة للعثور على خلاصة لحياتها: هل سيتذكرها
الناس دوماً ضحية قاتل ومغتصب ام سيذكرونها بحب وعاطفة ومرح؟
على صعيد الشكل، كان العثور على مظهر "الجنة" التحدي الأكبر. ولكن "سوزي"
لا تصل الى الجنة في سياق الأحداث بحسب جاكسن. "هي عالقة في مكان ما بين
الارض وذلك المكان الذي ستنتهي اليه اياً يكن. ولكنها عالقة بينهما الى أن
تتقبل موتها". بهذا المعنى يتخذ العالم الآخر الذي تطل "سوزي" منه على
العالم الواقعي مظهراً سوريالياً مكوناً من عناصر من حياتها وذاكرتها مما
اختبرتها ولم تختبره.
العرض القادم
دكان شحاتة"
لا شك في أن الأخبار التي أحاطت بفيلم "دكان شحاتة" خلال الفترة الأخيرة قد
طغت على العمل بشكل كبير. فمن المعركة الرقابية التي خاضها الفيلم و"ظاهرة"
هيفاء وهبي في ظهورها السينمائي الأول الى الدعاوى القضائية التي يواجهها
العمل ومخرجه من أكثر من جهة دينية ومدنية في مصر، اتخذ الحديث على "دكان
شحاتة" بعداً آخر منفصلاً عن تناول العمل السينمائي ونقده. ومازالت أخبار
الفيلم تتوالى بشكل يومي بعيد افتتاحه في الصالات السينمائية في القاهرة
متخذة من العناوين العريضة للعمل محاور النقاش. ولا شك في أن العنوان
الأكبر هو هيفاء وهبي التي تؤدي في الفيلم دور "بيسة" الفتاة الصعيدية التي
تُجبر على الزواج من شقيق خطيبها بعد ان يدبر لأخيه مكيدة تودي به الى
السجن. وبحسب ما كُتب عن الفيلم، أو الأحرى عن وهبي، فإن الأخيرة ستظهر في
عدة وجوه: المغوية والمنقّبة والأم... واضح ان استقبال أداء وهبي السينمائي
الأول يقوم على الكثير من الاحكام الجاهزة بصرف النظر عما اذا كانت محقة أم
لا. وواضح أيضاً أن تصريحات مخرج الفيلم خالد يوسف حول "موهبة" هيفاء
السينمائية و"نجوميتها" قد اثارت حفيظة بعضهم لاسيما ان حضور المغنية
اللبنانية في الفيلم يوقظ مجموعة هواجس لدى المشاهد المصري الراكن الى
أصولية دينية تحاكم العالم من منظور ضيق. فهيفاء هي المرأة الاستفزازية
بجمالها وحرية تعاملها مع جسدها، وهي اللبنانية بكل ما اصبحت الصفة الاخيرة
تشتمل عليه في قاموس اليوم من مفردات سلبية تتضمن "الفلتان" و"الإغراء"
و"الفجور" كما جاء في رسالة جبهة علماء الأزهر الى الرئيس المصري مطالبين
بوقف فوري للفيلم. وهي اللبنانية التي تسرق بدخولها السينما المصرية مكان
ممثلة أخرى مصرية. وهيفاء قبل اي شيء هي هيفاء التي يصعب الفصل بين حقيقتها
وبين كونها "ممثلة" في الفيلم تؤدي شخصية ما. فإذا بتلك الشخصية التي
تلعبها، وبغية منح الادعاءات بعداً دراماتيكياً، تُحمل وزر اختزال الشخصية
المصرية الصميمة بل وأبعد من ذلك توصف بأنها اختزال لمصر نفسها بحسب
كثيرين. فإذا بإسقاط مواصفات هيفاء الواقعية عليها يثير بطبيعة الحال حفيظة
كثر من المحافظين.
في مطلق الأحوال، لم يُمنَح الفيلم المقرر عرضه في بيروت ابتداءً من 18
حزيران/يونيو الجاري فرصة المشاهدة خارج الأطر المحددة سلفاً. فذلك
الإنهماك الجماهيري والرسمي في تسجيل النقاط ضده بناءً على نغمات المعزوفة
المكرورة (الاساءة لمصر، اهانة الدين الاسلامي، الاساءة الى الأخلاق
العامة..في ما هي بعض نوتات تلك المعزوفة) وقبل مشاهدته في معظم الأحيان
قطع الطريق على أي نقاش فني وسينمائي حول الفيلم. وغالب الظن ان ذلك سيضيف
الى جماهيريته وشهرته.
كتب سيناريو الفيلم ناصر عبد الرحمن المتألق منذ سنوات قليلة في أفلام
تتمحور موضوعاتها في العشوائيات وحول شخصيات مهمشة تحت خط الفقر كما في
"حين ميسرة" لخالد يوسف و"الغابة" لأحمد عاطف مع الاشارة الى ان أولى
تجاربه الكتابية كان "المدينة" ليسري نصر الله عام 1995 الذي عاد وتعاون
معه على سيناريو "جنينة الأسماك" (2008) بالاضافة الى مشاركته خالد يوسف
سيناريو "هي فوضى" ليوسف شاهين.
وتدور أحداث "دكان شحاتة" الذي كتبه ناصر عبد الرحمن حول أهل الصعيد الذين
نزحوا منذ منتصف القرن الماضي إلى العاصمة القاهرة بحثًا عن الرزق، واختار
معظمهم تجارة الفاكهة في سوق روض الفرج الشهير بالقاهرة. يركز الفيلم على
عائلة مصرية فقيرة تعيش من بيع الفاكهة في متجر صغير. تنشأ بين الأبناء
الثلاثة غير الأشقاء حالة من التوتر تنتهي بسجن الأصغر بتهمة تزوير خاتم
والده الراحل، وزواج أخيه من خطيبته عنوة ليخرج من السجن باحثا عن إخوته
الذين يهربون منه بعدما سرقوا ميراثه وحبيبته. يلعب الادوار الرئيسية الى
جانب وهبي كل من محمود حميدة وعمرو سعد وغادة عبد الرازق وعمر عبد الجليل
ومحمد كريم.
قراصنة الصومال في فيلم هوليوودي
أعلنت شركة "كولومبيا بيكشرز" ان التجربة الصعبة التي مر بها ربان السفينة
الاميركي الذي اسره الشهر الماضي قراصنة صوماليون ستتحول فيلماً سينمائياً.
وبهذا الهدف، حصلت الشركة على حقوق قصة حياة ريتشارد فيليبس (53 عاما) ربان
سفينة الشحن الاميركية "مايرسك الاباما" الذي سلم نفسه للقراصنة مقابل حياة
طاقمه قبالة سواحل الصومال. واحتجز فيليبس لمدة خمسة ايام في قارب نجاة في
المحيط الهندي وانقذه قناصة البحرية الاميركية الذين أردوا ثلاثة قراصنة
قتلى باطلاق النار عليهم. وسيشارك في انتاج الفيلم الممثل كيفين سبيسي
وسكوت رودن صاحب" "No
Country for Old Men" الفائز بجائزة اوسكار. ولم يعلن بعد عن
المشاركين في الفيلم لكن المنتجين سيبحثون عن ممثلين ليس فقط للعب دور
فيليبس لكن يحتمل ايضا للعب دور الرئيس الاميركي باراك اوباما. كذلك نالت
الشركة حقوق الفيلم للمذكرات المقبلة لفيليبس.
يسري نصر الله و"إحكي يا شهرزاد"
بعد أقل من ثلاثة أعوام على تقديم فيلمه الأخير "جنينة الأسماك"، يطرح
السينمائي المصري يسري نصر الله فيلمه الجديد "إحكي يا شهرزاد" في الصالات
المصرية خلال الايام المقبلة في خطوة لافتة إذ اعتاد الجمهور السينمائي
الخاص لأعمال نصر الله أن يشاهد أفلامه بعد عروضها المهرجانية. هكذا حصل مع
"جنينة الأسماك" الذي قُدم في عرضه الأول في مهرجان برلين. وقد يعتبر بعض
المتابعين لمسيرته هذه الخطوة في عرض الفيلم جماهيرياً أولاً خطوة إضافية
على طريق التقرب من الجمهور لصاحب "الأفلام الصعبة" بحسب التعبير السائد.
أما الخطوة الأولى فكانت من خلال "جنينة الأسماك" نفسه الذي على الرغم من
تداخل عوالمه، ظل ممسكاً بزمام خيط سردي متواصل هو طريق المشاهد العادي الى
تلمس الحكاية وأبطالها. تدور حكاية "إحكي يا شهرزاد" حول "هبة يونس" مذيعة
التليفزيون الناجحة التي تستيقظ من كابوس مفزع، صور لها الشقة الزوجية التي
تعيش فيها مع زوجها "كريم" بلا أبواب. أما "كريم" فيشغل منصب نائب رئيس
تحرير في جريدة قومية ويسعى الى الإرتقاء الى رئاسة التحريرمعوّلاً على
التغييرات المتوقعة في الصحافة القومية. ولأجل ذلك، يتعرض لضغوط كثيرة لكي
يحث زوجته على الكف عن إثارة الموضوعات المحرجة للحكومة في برنامجها "نهاية
المساء... بداية الصباح". في محاولة لإنقاذ حياتها الزوجية من الانهيار،
تبدأ هبة سلسلة من الحلقات عن قضايا المرأة، وعلى الرغم من إدراكها أن
قضايا المرأة في جوهرها سياسية، إلا أنها لم تكن لتتخيل إلى أي مدى يمكن أن
تتقاطع أزمتها الخاصة مع أزمات النساء اللواتي تتناولهن في برنامجها.
اللافت ان نصر الله قدم في فيلمه السابق شخصية امرأة اعلامية (هند صبري في
دور إذاعية) ايضاً. الفيلم من تأليف وحيد حامد مع الاشارة الى ان نصر الله
انفرد في فيلميه الاولين "سرقات صيفية" و"مرسيدس" بكتابة النص. في حين ان
فيلمه الرابع "باب الشمس" قام على جهد ثلاثي للكاتب والسينمائي محمد سويد
والروائي الياس خوري (صاحب الرواية الاصلية مصدر الفيلم) ونصر الله. وكذلك
كتب سيناريو "جنينة الاسماك" ناصر عبد الرحمن بمشاركة لنصر الله في
تعاونهما الثاني بعد "المدينة". يلعب بطولة الفيلم الجديد كل من منى زكي
ومحمد رمضان وسوسن بدر ومحمود حميدة وحسين الإمام.
المستقبل اللبنانية في
12/06/2009 |