بعد مشاهدة فيلم «إبراهيم الأبيض» ومتابعة عدد من البرامج التى شارك فيها
صناع الفيلم وعلى رأسهم أحمد السقا والمخرج مروان حامد والسيناريست عباس
أبوالحسن ومتابعة المواد الصحفية التى تحدث فيها هؤلاء وغيرهم مثل هند صبرى
أو مداخلات النجم محمود عبدالعزيز أوالمنتج عماد الدين أديب وصلت إلى قناعة
بأن كل هؤلاء ربما أسهموا فى صناعة هذا الفيلم الذى أراه كارثة سينمائية
بكل المقاييس دون أن يعوا ماذا يفعلون!.
إننا أمام فيلم يرفع من البداية حتى النهاية شعار العنف للعنف أو قل الدم
للدم ولا رسالة وراء ذلك ولا عظة ولا قصة منطقية ولا هدف، وأعتقد أن على
أبوشادى رئيس الرقابة على المصنفات الفنية مشارك فاعل فى هذه الجريمة
السينمائية بدليل أن هذا الفيلم الذى شهد عنفا ودما لم نره فى أى فيلم
سينمائى فى تاريخ السينما المصرية مر حتى دون أن يتم تصنيفه على أنه
«للكبار فقط» ويؤيد ذلك أن منتج الفيلم عماد الدين أديب ربما احساسا منه
بالشعور بالذنب وفى مداخلة مع برنامج العاشرة مساء الذى التقت خلاله
الإعلامية منى الشاذلى أحمد السقا ومروان حامد وعباس أبوالحسن بادر ونصح
الآباء والأمهات بألا يسمحوا لأودلاهم أقل من 21 سنة بأن يشاهدوا الفيلم
رغم أن هذا قد يؤثر على إيرادات الفيلم.
والحقيقة أن العنف أو الدم فى الفيلم ليس هما مصدر رفض له لكن الفيلم يتضمن
الكثير من الأخطاء على مستوى السيناريو الذى يقدم لنا شخصية البطل إبراهيم
منذ الطفولة وهو إنسان عنيف قتل من قتل والده وهرب ليعيش فى حى عشوائى
بمنطقة مصر القديمة ولم تتم معاقبته على جريمته وقد تربى على العنف
والجريمة دون أن نراه يحاسب على ذلك ويدخل فى مشاجرات دامية وهناك عشرات
المصابين وربما القتلى ولا وجود للأمن أو الشرطة وكأننا نشاهد فيلما فى بلد
لا يخضع لأى سلطة أو رقابة أمنية ونرى قصة حب والأفضل أن يسميها علاقة حب
مبتورة بين إبراهيم الأبيض و«حورية» التى تؤدى دورها هند صبرى وهى علاقة
غير منطقية على الإطلاق لأن إبراهيم هو قاتل والد «حورية» وأمها «سوسن بدر»
هى التى حرضت على قتل والده «وحورية» لم تتعرف على إبراهيم فى بداية
لقائهما فى مرحلة الشباب فمن أين جاءت قصة الحب؟!
وإذا قلنا إن هناك حالة حب غير طبيعية وغريبة بين «عبدالملك زرزور» الذى
يلقبه محمود عبدالعزيز وحورية فكيف يقتلها بدم بادر فى نهاية الفيلم لسبب
غير منطقي؟ حيث يبرره بخروجها من بيته وهى زوجته لتدافع عن إبراهيم الأبيض
وهو يعرف أنه كان يحبها قبل زواجه منها كذلك هو يقتلها بالرصاص ولا يقتل
إبراهيم الأبيض ويتركه يعارك رجاله فى مشهد دموى طويل لم تشهده السينما من
قبل والمبرر الوحيد هنا لهذا المنطق هو ترك المجال لأحمد السقا ليستعرض
عضلاته على شاشة السينما.
كذلك لم يتحدث أحد من صناع الفيلم فى البداية عن أن الحب هو عنصر من عناصر
الفيلم حتى جاءت مكالمة السيناريست تامر حبيب على الهواء مباشرة لبرنامج
«العاشرة مساء» ليفاجئ منى الشاذلى وفريق الفيلم بأنه يرى الفيلم رومانسيا
رغم ما فيه من عنف ودم وبالتأكيد كانت مجاملة وشهادة فى غير محلها من
سيناريست اشتهر بالكتابة الرومانسية خلال تجاربه القليلة وقد فوجئ السقا
وعباس أبوالحسن ومروان حامد برأى تامر حبيب أكثر من منى الشاذلى نفسها لكن
أحمد السقا وجد هذا الرأى منفذا له ليردده بعد ذلك فى حواراته الصحفية
ولقاءاته التليفزيونية ويبرر صناع الفيلم كم العنف والدم فى الفيلم بأنه
فيلم واقعى يعكس ما يشهده الشارع والمجتمع من عنف وجرائم وبلطجة وقد وصل
الحال بالنجم محمود عبدالعزيز إلى أن ينفعل وينقطع صوته وهو يتحسر على حال
المجتمع المصرى وحال الإنسان فى المناطق العشوائية ويبرر ما فى الفيلم من
عنف ودماء وبلطجة بأن هذا هو حال المجتمع الآن وقد كرر المنتج عماد الدين
أديب الحديث نفسه تقريبا وبعيدا عن الحديث عن قصة الحب الدخيلة على موضوع
الفيلم يعترف عباس أبوالحسن بأن مصدر فيلمه هو معايشته هذا المجتمع
العشوائى ويبدو المخرج مروان حامد الوحيد الأكثر تصالحا مع ذاته عندما
يعترف بأنه قدم فيلما عنيفا عن البلطجة فى الشارع المصرى لكن وأكرر هنا
لكن!! هل هذه وظيفة الفنى وهل هذه رسالة السينما؟!
إن الفنانين فى كل زمان يتشدقون بأن للفن رسالة وأنا أؤمن بأن للفن رسالة
لكن ما رسالة فيلم إبراهيم الأبيض؟!
لست من هؤلاء الذين ينتظرون أفلاما خطابية أو أن يقدم الفن مواعظ، فالترفيه
هدف والضحك هدف واحترم أفلام الكوميديا للكوميديا لكنى لا أعرف رسالة لفيلم
«إبراهيم الأبيض» الذى يستحق أن نسميه «إبراهيم الأحمر» لكثرة الدماء التى
سالت منه ومن غيره فى الفيلم الذى يراهن على تقديم أحمد السقا كسوبرمان لا
تؤثر فيه الضربات بكل أنواع الأسلحة حتى إنه لا يموت بالنار التى اشتعلت
فيه لعدة دقائق دون أن يتأثر، وعلق على هذا صديق خفيف الظل قائلا: كيف يموت
وهو «سقا» ضد النار؟
إن الذى لا خلاف عليه فى فيلم «إبراهيم الأبيض» أننا أمام صورة جيدة الصنع
على المستوى التقنى وقد نجح مروان حامد فى إثبات قدراته كمخرج واعد قادر
على قيادة فريق عمل لتقديم شريط سينمائى رائع وأحمد السقا وصل إلى حالة نضج
رائعة كممثل وهند صبرى ممثلة ثقيلة الموهبة، وعمرو واكد يتفوق على نفسه فى
دوره وعناصر الفيلم من ديكور وموسيقى ومونتاج كلها رائعة ويتربع على رأس
هؤلاء النجم الكبير محمود عبدالعزيز فى شخصية «عبدالملك زرزور» التى يقدمها
بعبقربة فى الأداء وهو يستحق أوسكار على هذا الدور، لكن مشكلة الفيلم أنه
بلا رسالة وبلا هدف وأنه كعمل فنى رسالة سلبية ضد الفن وضد المجتمع ولا
أتصور أن هذا الفيلم يمكن أن يسمح بعرضه على الفضائيات الغربية فلا يمكن أن
أقبل فيلما يتضمن كل هذا العنف غير المبرر حتى نهاية الفيلم التى لا تحمل
أى رسالة أو موعظة.
وإذا كان هذا هو حال المجتمع أو أنه يسير إلى هذا المصير كما يتشدق صانعو
الفيلم فالأولى بالفن أن يهذب المجتمع ويصلحه لا يزيده عنفا وبلطجة، أن
يقول ما العلاج ويطفئ النار لا يزيدها اشتعالا، فإذا كانت الشوارع مليئة
بالزبالة فليس من وظيفة السينما أن تقدم لنا أفلاما نشاهد فيها شوارعنا
مليئة بالزبالة وفى أفلام الفتوات كنا نرى العنف والمعارك والقتل لكن كانت
هناك دائما رسالة و عبرة وموعظة وكنا نتعاطف حتى مع الفتوة العادل لكن لا
يمكن أن نتعاطف مع «إبراهيم الأبيض» سواء أكان الفيلم أم البطل فى
الفيلم!.
العربي المصرية في
09/06/2009 |