حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دعاء سلطان تكتب من نيودلهى:

غابت الأفلام المصرية وحضرت سعاد حسنى 

 

وصلت نيودلهى فجرا.. طوال الطريق من المطار إلى الفندق لم يصمت السائق وهو يعدد لى مميزات نيودلهى، وكأنه يتحدث عن مفاتن امرأة يحبها، مستشهدا بما أراه من نافذة السيارة.. ناطحات سحاب وميادين ضخمة «تملا العين» وحدائق وأشجار فى شوارع هادئة واسعة مخططة بانتظام تسر النفس وتبهج الروح، لكن عين مواطنة مثلى قادمة من مدينة التناقضات الكبرى «القاهرة» لا تنخدع أبدا بـ«وش قفص» المدن الكبرى.. القاهرة علمتنى أن لا أنبهر بالأضواء والبنايات العالية.. الانبهار لا يكون إلا بالبشر. سرعان ما كشفت نيودلهى عن وجهها الحقيقى.. فى الصباح شاهدت المدينة على حقيقتها دون مكياج يزيف تفاصيلها أو يجمل القبيح فيها.. كل هذه البنايات والناطحات والحدائق الغنَّاء مصنوعة بهذه الفخامة والجودة والحرفية كى تخفى وجها بائسا لمدينة أخرى تفوق القاهرة ازدحاما وتنافسها فقرا وتتغلب عليها تلوثا، لكن نيودلهى عندما تنافس القاهرة، فإنها تفخر وتباهى بتعدد وتنوع أعراقها ودياناتها وثقافاتها، وتغيظ القاهرة برحابة صدرها وقدرتها الفائقة على تقبل الآخر شكلا من حيث الزى ولون البشرة، وموضوعا من حيث الدين والعرق والموطن، كما أن نيودلهى التى يسير فيها التوك توك بجوار المرسيدس فى الشوارع الكبرى، تضرب القاهرة بالقاضية عندما تفاخر بصناعة التوك توك نفسه.. هذا الاختراع الذى يناسب قطاعا عريضا فى المدن الفقيرة الضخمة، وتعد القاهرة أكبر مستورديه من الهند، وما زال وسيلة مواصلات غير مرخصة فى مصر! تعلن نيودلهى عن اختراعها وتنشره وتصدره وتقنن وجوده فى شوارعها، بينما تستورده القاهرة وتخفيه فى شوارعها الجانبية دون تقنين، حتى أصبح عنوانا للجريمة وتجاوز القانون!

نيودلهى مدينة ضخمة واثقة قوية.. تنكر البؤس والفقر فى العلن، وتعالج مشكلات البائسين دون ضجيج، والقاهرة مدينة ضخمة تحمل بؤس سكانها فوق رأسها وتمارس تجريس نفسها وتجريس فقرائها فى السر والعلن. التجول فى شوارع الهند هو مغامرة فى حد ذاته، فهذا التنوع العرقى صبغ وجوه الناس بتقبل الغريب والتعامل معه ولو بالإشارة.. لن يعانى الزائر للهند من مشكلة اللغة أو عدم الفهم والتفاهم.. الوجوه المرحبة مختلفة.. سمراء وبيضاء.. شرقية وقوقازية.. آسيوية وعربية وآرية.. لكل وجه حكاية وماض مرسوم على القسمات.. فى الهند «أم العجايب» كما وصفتها سعاد حسنى بكلمات صلاح جاهين، تفرض الحياة سطوتها على الجميع وتختلط الأعراق بلا تمييز، مع قليل من التوتر بسبب قسوة الحياة على الجميع.

سافرت إلى الهند لحضور مهرجان «أوسيان سينى فان» للسينما الآسيوية والعربية فى دورته الثانية عشرة، والذى يعد واحدا من أهم المهرجانات السينمائية الآسيوية، فلنترك واقع الهند ومصر المزدحم بالتفاصيل المزعجة، ولنبحر فى عالم الخيال الرحب فى حضرة السينما التى تتسع للجميع دون توتر أو عنصرية.

مساء أول من أمس تم افتتاح الدورة الثانية عشرة من مهرجان «أوسيان سينى فان»، الذى يعرض نحو مئتى فيلم عربى وآسيوى فى أكثر من قسم، أهمها قسم مسابقة الأفلام الآسيوية والعربية الطويلة، ويضم 12 فيلما، اختار الأفلام العربية فيه منظم المهرجانات العراقى انتشال التميمى، ويضم القسم أفلاما من الجزائر والمغرب والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وإيران ونيبال والفلبين وتايلاند وإندونيسيا وتركيا، ومن المحزن أن لا تشارك مصر فى هذه المسابقة المهمة، والتى أكد القائمون على المهرجان أن مصر تأخرت فى إرسال نسخ الأفلام للمشاركة فيها، خصوصا أن إدارة المهرجان رشحت بالفعل بعض الأفلام للمشاركة!

لكن رغم عدم وجود فيلم مصرى فى المسابقة الرئيسية بالمهرجان فإن مصر لم تغب عن المشاركة والوجود فيه، فلجنة تحكيم مسابقة الأفلام الآسيوية العربية تضم المخرج مجدى أحمد على، كما أن المهرجان يكرم مصر بعرض الفيلم الوثائقى «مولود فى 25 يناير» للمخرج أحمد رشوان على هامش المهرجان، فى قسم خاص اخترعه المهرجان خصيصا لتحضر السينما المصرية، وسيعرض فيه فيلم «مقهى عادى» للمخرج الهندى ريتيش باترا، وقد تم تصويره فى القاهرة، حول علاقة بين فتاة وخطيبها، وفى القسم نفسه يعرض فيلم «اختفاءات سعاد حسنى الثلاث» إخراج اللبنانية رانيا استيفان.

ليس بالأفلام وحدها توجد مصر فى المهرجانات العالمية.. لنا، نحن العرب والمصريين، ضيوف مهرجان «أوسيان سينى فان» أن نفخر فى حفل افتتاح المهرجان بصعود الناقد سمير فريد على خشبة المسرح مكرما من قبل المهرجان، وهو المكرم الوحيد فيه، فالمهرجانات الكبرى عزيزة فى تكريمها ولا تحتفى إلا بشخصية أو شخصيتين على الأكثر عكس ما يحدث فى مهرجاناتنا.

تم تكريم الناقد سمير فريد وحصل على جائزة «إنجاز العمر فى الكتابة السينمائية» وقدرها عشرة آلاف دولار.. المهرجان هذه المرة لم يكرم ممثلا أو مخرجا أو كاتب سيناريو، ولكنه كرم ناقدا، طالما تناول الأفلام المصرية والعالمية بالنقد والتحليل.

عندما صعد إلى المسرح عبر الناقد الكبير سمير فريد عن سعادته بالتكريم، وألقى كلمة قصيرة قال فيها: إن تكريمه هو تكريم للسينما المصرية التى كتب عنها منتقدا.. مرحبا أحيانا ومهاجما أحيانا، وهو تكريم لكل النقاد فى العالم.. هؤلاء الذين ينيرون الطريق للمشاهد ويعطونه إشارات عما يشاهده من أفلام، وفى نهاية كلمته أشار الناقد سمير فريد إلى رغبته فى أن تستكمل السينما المصرية مسيرتها الإبداعية، بعيدا عن أى تأثر بالتيار الدينى الذى يحكم مصر الآن، قائلا: أنا أحب السينما، وأعتبر النقد السينمائى تعبيرا عن هذا الحب، وأضاف: نحن نواجه فى مصر الآن وضعا سياسيا سيئا وأعتقد أن السينما وكل الفنون فى مصر فى خطر حقيقى بسبب حكم الإسلاميين، أنا سأحارب وكل السينمائيين والمحبين اتخذوا قرار الانحياز والحرب لصالح الإبداع والفن.. ليس لدينا أى خيار سوى أن نحارب هذه الأفكار الظلامية لمنع خلط الدين والفن والسياسة بعضهم ببعض.

وما زال مهرجان السينما الآسيوية والعربية حريصا على مصر، فالمهرجان سيعقد ندوة يحاضر فيها الناقد السينمائى طارق الشناوى عن ثورات الربيع العربى.

جدير بالذكر أن مهرجان «أوسيان سينى فان للسينما الآسيوية والعربية، يحتفل هذا العام بمرور مئة عام على السينما الهندية.. ويحتفى بهذه المناسبة بالمخرج الهندى مانى كول ويعرض له 14 فيلما، إضافة إلى قسم مسابقة الأفلام الهندية، ولم ينس المهرجان أن يخصص قسما خاصا لـ«حرية الإبداع» يعرض خلاله فيلم المخرج الإيرانى جعفر بناهى «هذا ليس فيلما» الذى يتناول فيه تفاصيل إقامته الجبرية التى فرضتها عليه السلطات الإيرانية، إضافة إلى مشاركة إيران فى المسابقة العربية الآسيوية بفيلم «استقبال متواضع».

رغم ضخامة المهرجان، وإقبال الجمهور العادى على شراء تذاكر الأفلام، ومشاهدتها وحضور الندوات، فإن افتتاح المهرجان كان بسيطا جدا، حيث تم الافتتاح بكلمة ألقتها إيندو شريكفنت رئيسة مهرجان، ثم تكريم الناقد المصرى سمير فريدة واستعراض أقسام المهرجان وأخيرا عرض لفيلم الرسوم المتحركة اليابانى Asura، حيث تحتفى دورة المهرجان هذا العام بأفلام الرسوم المتحركة، وتم تخصيص قسم خاص لها.

التحرير المصرية في

29/07/2012

دعاء سلطان تكتب من نيو دلهي:

الحب اليابانى ينافس الموت المغربى فى الهند 

الشغف بالحياة وتقديس حرمتها هو أكثر ما يميز الهنود.. هم واضحون ويمتلكون ضميرا يؤهلهم للعمل فى كل المجالات بلا وساطة.. عمالة رخيصة وطاعة عمياء وضمير يطمئن صاحب العمل على مشروعه.. الهنود الذين نضحك عليهم ونسخر منهم حتى فى مظاهراتنا بترديد هتافات: «يا تهانى قولى للزند إحنا فى مصر مش فى الهند» على اعتبار أنهم سذج لا يفهمون، جاوزونا مكانة وتحضرا، وتجاوزوا عن عنصريتنا فى التعامل معهم، وتفوقوا فى رحابة الصدر وتقبل الآخر، وصنعوا سيارتهم الخاصة وفرضوا احترام بلدهم -ذات التعددية الدينية واللغوية- على العالم كله، بينما ما زلنا نحن نتجادل فى الديانات الثلاث أو الأربع، التى سنعترف بها رسميا فى بطاقة الرقم القومى!

فى أثناء عرض الفيلم الفلبينى «Express» المشارك فى مسابقة الأفلام العربية والآسيوية بمهرجان أوسيان سينى فان للأفلام العربية والآسيوية فى دورته الـ12، انصرف نصف الحضور بعد الربع ساعة الأولى من الفيلم.. أغلب الحضور من الهنود.. هل عرفت الآن أن الهنود لديهم رأى ومنطق ووجهة نظر فى ما اختاروا مشاهدته؟! وهل اقتنع القارئ أن الفلبين تنتج أفلاما سينمائية، وأنها ليست مجرد بلد يصدر خادمات ومربيات لأطفال العرب؟!

الإجابة عن السؤالين تفسر لنا كيف أننا بعيدون ومنعزلون وجاهلون بالعالم من حولنا، كما أنها توضح فجاجة عنصرية البعض برسم صورة للهنود، معتبرينهم سذجا وأغبياءً وحمير شغل بلا عقل، وصورة أخرى للفلبينيين، معتبرينهم شغالات بلا خلفية إنسانية.

عموما كانت ظروف عرض الفيلم الفلبينى «Express» مشوقة أكثر من الفيلم نفسه، فقد جلست بجوار شخص فلبينى تعرفت إليه، وسبنى عندما عرف أنى مصرية! لأن والده تزوج من مصرية وهجرته! المهم أننى احتويت الموقف، وهدأت صالح الفلبينى وصمتنا بمجرد عرض الفيلم.

فيلم «Express»، لم يكن إلا فيلما متوترا بين تقديم فيلم تقليدى أو فيلم مختلف.. فيلم مرتبك بين الأبيض والأسود.. الماضى والحاضر والمستقبل دون منطق واضح.. من خلال رحلة فى قطار يتوقف بسبب الإصلاحات فى خط السكة الحديدية.. فكرة استدعاء القطار كرمز ومعنى قتلت بحثا فى أفلامنا المصرية وفى هوليوود وبوليوود بالهند، وعندما يستدعيها مخرج فلبينى شاب «جيت بى ليكو» فى أول أفلامه الطويلة، فإنها لا تعنى سوى فقر فى الخيال واستسهال فى الطرح.. مع ارتباك فى العرض.. كان يمكن لفيلم بهذه الإمكانات المتواضعة نفسها أن يصبح أهم أفلام السينما العالمية حاليا، لكن تواضع الإمكانات قابله تواضع فى العقول وما تبدعه، فخرج الفيلم نفسه متواضعا شكلا وموضوعا.

فيلم «Express»، فيلم فلبينى لمخرج يصنع أول أفلامه، ويعترف أنه صور وأخرج فيلمه بلا سيناريو، وترك الأحداث تقوده لصناعة هذا الفيلم، ويبدو أن مغامرة المخرج بتصوير فيلم دون سيناريو قد فشلت، بدليل أنها دفعت الحضور للخروج من العرض، وكأنهم يهمسون فى أذن المخرج: «ماتعملهاش تانى»!

دون السيناريو أصبح كل ما قدمه مخرج الفيلم الفلبينى عبثا وهراءً واستعراضا فنيا بلا منطق، حتى إن أجمل ما أتذكره من الفيلم مجرد جملة حوار قال فيها أحد الأبطال: «عليك أن تتذكر حياتك الماضية وحتى الأشياء التى تريد أن تنساها.. خلقنا لنتذكر»، بينما نسيت كل ما قدمه المخرج من هراء بصرى، معتقدًا أنه يغنى عن الدراما التى تمتع محبى السينما كما يمتعهم ثراء الصورة والتكنيك فى إطار عمل فنى يحترم عقول الناس، أكثر مما يبهرهم من جماليات فى إطار خاوٍ من الدراما والحوار والقصة.

وهو عكس ما كان فى الفيلم اليابانى «A love Story»، فالفيلم يدفع مشاهده للعيش فى عالم بديل، ويعبر دون ضجيج عن علاقتى حب غريبتين تنتهى إحداهما فى بداية الفيلم.. فيلم تقليدى كوميدى يحتفى بالحب والعلاقات الإنسانية، ولا ينسى أن يضع لمسات حضارة السامورى فى فيلم خفيف دون ادعاء أو تصنع. ليس بالفيلم ما يثير التأمل، لكنه يحفل بما يثير البهجة من سيناريو رشيق وأبطال مستوعبين دورهم، ومخرج يعى ما يرغب فى إيصاله من خلال فيلمه.. ليس أكثر من قصة حب وموسيقى مبهجة.

ومن أجواء الكوميديا والبهجة إلى أجواء قاتمة كئيبة يستعرضها الفيلم المغربى «موت للبيع»، الذى يشارك الفيلمين السابقين فى نفس المسابقة «مسابقة الأفلام العربية والآسيوية»، وهى المسابقة الرئيسية بمهرجان أوسيان سينى فان للسينما العربية والآسيوية، التى تحوى 12 فيلما.

هذا الفيلم هو أيقونة المسابقة والحصان الأسود فيها.. قبل أن تشاهد فيلم «موت للبيع» عليك أولا أن تتخلى عن كل الأحكام الأخلاقية التى تطلقها دوما على سلوكيات وكلمات البشر، فالفيلم حافل بالألفاظ المتجاوزة للأخلاق بمعناها المجرد، والأبطال الثلاثة، مالك وعلال وسفيان، أبناء مدينة تطوان المغربية فاقدون كل القيم التى نؤمن بها.

طوال مشاهدتى الفيلم تستدعى ذاكرتى فيلم المخرج الرائع محمد خان «أحلام هند وكاميليا»، ففيلم «موت للبيع» يستعرض نفس الشريحة الاجتماعية، حيث المهمشون فى الأرض، ونفس القضية: «هؤلاء بشر يحبون الحياة، ويستحقون أن يعيشوا فيها رغم فقرهم المادى والأخلاقى».

«موت للبيع» فيلم إنتاج بلجيكى مغربى إماراتى فرنسى! حصل على جائزة «CICAE» فى بانوراما برلين، والجائزة الذهبية فى مهرجان بروكسل الدولى، إضافة إلى حصوله على بعض الجوائز فى مهرجانات محلية بالمغرب.

ربما ستزعجك مشاهد الشباب الإسلاميين وهى تتدرب للقتال، وبالتأكيد ستنتفض رافضا مشاهد تجنيد علال أحد أبطال الفيلم الثلاثة من قبل الجماعات الإسلامية، بعد أن فشل فى سرقة حقيبة يد لطالبة جامعية، فعذبه أصدقاء الفتاة وأنقذته يد الجماعات الإسلامية، وبالأحرى ستموت كمدا من مشهد استقبال بطل الفيلم الثانى «مالك» لانتحار شقيقته، التى كانت اليد الحنونة التى تسند ظهره فى الدنيا «مشهد تبادل مالك وشقيقته الكوفية فى برد مدينة تطوان وفى الطريق للمصنع الذى تعمل فيه الشقيقة، كان أجمل وأحن مشهد فى الفيلم»، عندما علم بانتحار شقيقته، فقد مالك إنسانيته ودس مخدرات لزوج أمه ثم وشى به.

أما سفيان فهو الأكثر إزعاجا من علال ومالك، إنه لا يرغب سوى فى المتعة حتى لو حصل عليها من المرأة التى يعاشرها صديقه مالك!

نعم.. شخصيات الفيلم مزعجة وغير أخلاقية، بل إن المرأة الوحيدة التى ينتهى الفيلم بفوزها واختفائها، لم تكن سوى فتاة ليل.. دنيا التى أحبها مالك وقرر أن يسرق لأجلها، ويشارك صديقه سفيان الذى اغتصب دنيا وصديقه علال الذى لا يرغب فى الدنيا، يشاركهما فى سرقة محل جواهرجى.. مالك يشارك لإنقاذ حبيبته فتاة الليل، وسفيان يشارك فى الجريمة ليصبح مجرما مهما، وعلال يقرر المشاركة فى الجريمة لأن المسروق مسيحى.. إنه يضفى على جريمتى القتل والسرقة طابعا دينيا.. هكذا يبرر القتلة أفعالهم! كما يبرر الشرطى «أدى الدور فوزى بن سعيد مخرج الفيلم» عنفه فى التعامل مع المهمشين من البشر، مستحلا استغلال وضعهم الاجتماعى المزرى.

يموت سفيان برصاصة من الضابط.. يظهر علال مستسلما للشرطة فى مشهد يوحى بانتصاره وتفوقه بعد قتله للمسيحى صاحب محل المجوهرات، ويهرب مالك الواشى على أصدقائه من الشرطة إلى دنيا.

فى محطة القطار تهرب دنيا بحصيلة السرقة.. أدارت دنيا ظهرها لمالك وهربت.. أقبل عليها وباع أصدقاءه وأهله من أجلها، فضنت عليه وسرقت سعادته كما اعتاد منها دوما.

«موت للبيع» المشارك فى المسابقة الرئيسية بمهرجان أوسيان سينى فان بالعاصمة الهندية نيودلهى، فيلم تدور أحداثه حول المهمشين فى الأرض.. أولئك الذين يحتالون على الحياة الصعبة بسرقات صغيرة ويموتون كمدا وقهرا قبل أن يتواطؤوا لاستعجال موت أحدهم بالوشاية والخيانة، قد يراه البعض مسيئا إلى المغرب لاستعراضه الحياة الخلفية فى مدينة تفاخر بوجاهتها وواجهتها البراقة، لكن السينما خلقت للكشف وإحداث الصدمات التى تفيق ولا تقتل وتنبه لوجود هؤلاء التعساء.

على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. جملة من الصعب أن تقال بعد مشاهدة فيلمى «Express» الفلبينى، و«love story» اليابانى لخفتهما شكلا وموضوعا، لكن فيلم «موت للبيع» ورغم اسمه القاتم وقسوة نهايته، فإنه يستحق المشاهدة، كما أنه يوجه عقولنا ومشاعرنا نحو الحياة بكل ما تحمله من معان.. فيلم يحرضنا على الحنان على كل البشر حتى الذين ارتكبوا أخطاءً وخطايا.

التحرير المصرية في

02/08/2012

دعاء سلطان تكتب من نيو دلهي:

الفيلم الجزائرى «التائب» يفتح جرح العفو عن إرهابيى الجزائر بعد توبتهم 

فى مهرجان أوسيان سينى فان.. الفيلم الجزائرى «التائب» يفتح جرح العفو عن إرهابيى الجزائر بعد توبتهم.. مؤكدًا: لن ننسى أنكم قتلة

وهكذا تحولت ثورات الربيع العربى فى كل مهرجانات العالم السينمائية إلى مجرد Event أو ندوة أو برنامج لعروض أفلام تم تصويرها عن ثورات تونس ومصر واليمن، وهكذا صرنا نحن وفد مصر فى أى مهرجان نطأطئ رأسنا خجلًا عندما يسألنا البعض عن أحوال مصر الثورة، بعد أن جاوزت أعناقنا السماء بعد الثمانية عشر يومًا المبهجة الرائعة من 28 يناير إلى 11 فبراير.

هل نقول لهم إن العسكر والإسلاميين ورجالات من خلعته الثورة هم من يديرون الأمور فى مصر الثورة؟! هل نصارح العالم بأحوال العباد التى تدهورت وزادت سوءًا فى مصر الثورة؟! هل نضيّع من وقتهم ربع ساعة لنبرر لهم بمنتهى «الخيبة» -كما يبرر مطبلاتية مَن يرقص أمامهم- أن الرئيس المنتخب «متكتف» من الجانبين.. جماعته ومرشده وشاطره من جانب، والمجلس العسكرى من جانب آخر؟! كيف يمكن أن يرد أى منا على سؤال مخرج هندى قال لى بعد انتهاء عرض فيلم المخرج الجزائرى مرزاق علواش «التائب».. هل يصلح أن يحكم مصر مَن يعيدون نظام قامعهم؟! وهل يجوز أن يخرج القتلة وسافكو الدم وأعداء الحياة لتصدر المشهد فى أكبر دولة عربية بعد ثورة كنا نتابعها كما نتابع أحداث فيلم مثير؟!

الإجابة من طرفى كانت لا وألف لا.. لا تجاوز عن جرائم مبارك ولا تجاوز عن سافكى الدم، ولا مفر من مواجهة مضطهدى مبارك الذين عشقوا جلادهم لدرجة أنهم يستنسخونه!

لفهم سؤال المخرج الهندى الشاب رضوان صديقى، لا بد من قراءة متأنية لفيلم المخرج الجزائرى مرزاق علواش المشارك فى المسابقة الرئيسية للدورة الثانية عشرة لمهرجان أوسيان سينى فان للسينما العربية والآسيوية المقام فى العاصمة الهندية نيودلهى.

الفيلم المصنوع بكاميرا ديجيتال بعد أن ظل حبيس الأدراج لسنوات طويلة لرفض الرقابة الجزائرية السيناريو كما عرفت، اسمه «التائب»، بعد مشاهدة الفيلم ستضبط نفسك متلبسا بالقسوة والدناءة، والسوء أنك ستشعر بحالة رضا وتصالح لم تشعر بها قط بعد أن صرت قاسيا ودنيئا مع القتلة!

الفيلم الجزائرى «التائب» يتناول ببساطة مخلة معنى قانون «المصالحة الوطنية» الذى صدر أواخر التسعينيات بعد مذابح الأبرياء على يد الجماعات الإرهابية فى الجزائر، والتى كانت تدّعى انتماءها إلى الإسلام بتربية اللحية وترديد كلمات مبهمة من كتاب الله بلا هدف، بينما كان بيد كل منهم مدفع رشاش موجهًا إلى صدور من خلق الله العالم لأجل سلامتهم!

صدر بعد مذابح القتلة فى الجزائر قانون المصالحة بهدف لم الشمل ووضع قناع من التسامح الكاذب على سطح مجتمع يغلى فصيل فيه حقدًا وغلًا ويهدف إلى قتل الطرف الآخر، بينما يحاول الفصيل الآخر محاربة التطرف ومحاربة شر النفس بادعاء التسامح مع قتلة!

رشيد «الممثل الجزائرى نبيل عسلى» بطل الفيلم الذى جنّد نفسه أو سلّم عقله لجماعة إسلامية جهادية تدعو إلى العنف، صدق قانون المصالحة، وقرر أن يصبح مواطنًا عاديًّا، صالحًا. قانون الوئام أو التصالح أو نسيان الماضى العنيف الذى صدر أوهم رشيد بأن إنجاز اللحظة الحالية ينسى الناس الماضى المؤسف، كما عرف الناس أن الذاكرة زاد المؤمن.

لم ينس أهل بلدة رشيد ما فعله التطرف والإرهاب فى بلدتهم وذويهم، ولم يستقبلوه بترحاب -كان يظن هو بتعالٍ أنه سيحصل عليه- بعد أن شارك بالفكر فى قتل ودم.. تصور رشيد أن مجرد توبته التى جاءت بمبادرة من نظام بلده وليست منه شخصيًّا هى وسام تقدير لا بد أن يدفع الناس لشكره وتحيته، وقد صدمه رد فعل الناس الذين أشاروا عليه بكونه محض قاتل ومشارك فى قتل، لينتهى الأمر بعد عنف الناس فى تقبله إلى سقوط قتيل جديد!

أخيرًا يفهم رشيد العائد تائبًا إلى الحياة العادية، أن القاتل الذى لا يقتص منه، لن يعيش عيشة عادية، والحقيقة أنه لا يحق له أن يهنأ بالحياة الطبيعية.. يفر رشيد من القرية ويقرر ممارسة ابتزاز حقيقى واضح وصريح للمجتمع الذى رفض توبته بعد أن ابتزه فى السابق بتخويفه بالقتل.. يتصل بصاحب صيدلية «خضر»، تم اختطاف طفلته فى حقبة الإرهاب، ويطلب مبلغًا من المال مقابل إرشاده لقبر ابنته.. يرفض الأب الابتزاز وتقبله الأم «جميلة»، بل إنها تستعطف إرهابيًّا كى تعرف فقط مكان قبر ابنتها! لكن الإرهابى لن يذكر معلومة إلا بعد قبضه ثمن ابتزازه.. هو يطلب المال من والدين مكلومين مقهورين بضياع ابنتهما!

التائب رشيد -وفقا لمبادرة وقانون المصالحة والوئام- كان عائدًا للمجتمع بعد فترة قطيعة قضاها مع إرهابيين قرروا معاداة الحياة وكل مَن فيها، ليتفوق عليهم ويفتعل التسامح مع أخطائهم -كما تصور أنها أخطاء- لكن وعى الناس وذاكرة الدم لم تنس أن هذا العائد منتفخًا بسماحته وكرمه متصورًا أنه تاب عن القتل، لم يتب إلا بعد أن عذبته سلطة دفعته إلى القتل ودفعتهم إلى رفضها ورفض كل مبادراتها. فيلم بلا موسيقى تصويرية وبلا حوار -تقريبا- كان مملا وطويلا بلا داعٍ رغم عمقه وقوة فكرته، كان يمكن أن ينتهى فى ربع ساعة موصلًا فكرته، لكن مخرجه قرر أن يمده إلى نحو الساعة والربع!

تم عرض فيلم «التائب» للمخرج مرزاق علوش، فى قسم نصف شهر المخرجين.. انتقده البعض كثيرًا وقت عرضه، ومن بينهم الكثير من النقاد والصحفيين الجزائريين الذين وجدوا فى الفيلم قدرًا هائلًا من عدم التسامح المسىء إلى سمعة الجزائر ونظامها الحاكم!! بينما انتقده المحترمون -فنيًّا- بمنطق التطويل وعدم جدوى كثير من التفاصيل، وسذاجة الطرح أيضا!

لكن يظل فيلم «التائب» فيلمًا مهمًا، يطرح مئات الأسئلة التى تخصنا نحن -المصريين والعرب- الآن.. هل نسامح القتلة؟! هل نتقبل وجودهم معنا ووسطنا وكأن شيئًا لم يكن؟! هل نعاقبهم ثم نعفو؟ أم نقصيهم ونعانى مما فى صدورهم من مرض؟! لماذا لا نعالجهم نفسيًّا ونخصص لهم قسمًا أو حتى مستشفى خاصا لعلاج مرض الكراهية والرغبة فى العنف والتعاطى مع كراهيتهم لذويهم!

انتهى الفيلم الجزائرى «التائب» الذى رغب مخرجه مرزاق علواش، أن يسميه «وقت المصالحة»، لكنه غيّر رأيه فى اللحظة الأخيرة -وفقا لتصريحاته- بعد عرض الفيلم فى مهرجان «كان»، وأطلق عليه اسم «التائب»، كى يستقبل الناس الفيلم استقبالًا إنسانيًّا لا سياسيًّا، لكن أجمل رسائل الفيلم وأعمق ما قدمه بالنسبة إلىّ على الأقل.. هى أن الناس لا تنسى الدم.. لم ينسوا فى الفيلم أن رشيد مدعى الانسياق البرىء وراء أفكار عنيفة، ثم إنه مدعى التوبة من نفس هذه الأفكار كان شريكًا فاعلًا فى القتل بالتعاطف والمساندة والانضمام فعليًّا إلى معسكر قتلة الأبرياء، لنكتشف فى النهاية أنه بالفعل لم يشارك بالقتل بيديه، لكنه شارك فعليًّا بعقله.

وجه الناقد ومنظم المهرجانات العراقى انتشال التميمى سؤالًا صادف أن كنت موجودة فى أثناء طرحة للمخرج مجدى أحمد علِى عضو لجنة التحكيم فى المسابقة الرسمية بمهرجان أوسيان سينى فان.. كان هذا نص السؤال: هل ندمتم لأنكم قمتم بثورة حولت مصر العزيزة إلى دولة يحكمها الإسلاميون؟!

كان ردى ورد المخرج مجدى أحمد علِى وفى نفس واحد: لا طبعًا.. ثم أسهب هو مسترسلًا بتصديق وتفاؤل لا مبالغة فى صدقه: ثرنا على نظام فاسد وسنثور على ذيول فساده ومن تفوق وحكم وتصدر المشهد بعد الثورة نتيجة لفساد النظام السابق.. ولن ننسى أبدًا، وأضاف: كانت أجمل ثمانية عشر يومًا مرت على مصر.. يعنى ينفع نندم على خلع الفساد؟! ينفع نندم على إننا شاركنا فى ثورة هزت العالم وهزت دماغ المصريين وفهمتنا وفهمتهم إننا ينفع نغير ونتغير، ولو كان التغيير للأسوأ، فالقادم أفضل لا محالة. فيلم «التائب» قال إن العفو عن القتلة دون محاكمة هو أمر من قبيل الغباء.. والواقع يؤكد أن التجاوز عن خطايا قتلة ومشاركين فى القتل يجرّئهم على ارتكاب جرائم أسوأ فى حق الإنسانية.. هذا فيلم يحرّض الذاكرة على النشاط ويوقظ الضمائر التى ماتت لتنسى وتنسينا ويفتح العيون التى أغلقت على باطل لتعيش كما كانت ولنكذب نحن ونتعايش مع مجرمين.

التحرير المصرية في

04/08/2012

دعاء سلطان تكتب من نيودلهى:

مسابقة تركية!

فى الوقت الذى عاشت فيه مصر فضيحة فتنة طائفية بين مسلمين ومسيحيين بسبب احتراق قميص، فى دهشور، كنت أقضى 10 أيام فى الهند لحضور الدورة الثانية عشرة لمهرجان «أوسيان سينى فان للسينما الآسيوية والعربية». كانت الأخبار عن الحادثة غير واضحة لى ولغيرى، كنت أنا والوفد المصرى بالمهرجان نتابعها بين الحين والآخر، فقط لنفهم سبب اشتعال الفتنة. المرارة تملأ النفس وشعور القهر والعجز من بلد يسعى لهلاكه وشعب لا يتسامح مع الآخر كانا ملازمين لنا طوال أيام المهرجان، فالبلد التى أنعم الله عليها بنحو 80 مليون مواطن يحملون ديانتين اثنتين، يعجز أهلها عن التعايش المحترم بعضهم مع بعض، بينما نحن فى الهند حيث يعيش ما يزيد على مليار ونصف مليار مواطن يتحدثون ويعتنقون نحو 360 لغة وديانة، يتعايشون بتسامح يثير التأمل، وينعمون بتفاهم وانسجام قد يكتب فيه الفلاسفة ملايين الكتب.

تلك أهم ميزة يجب أن تفخر الهند بها، فالمشاهدات اليومية التى أراها وأنا أقطع طريقى بين الفندق الفخم الذى أقيم فيه بين طرقات نيودلهى حتى الوصول إلى قاعات عرض «سيرى فورت» حيث مقر المهرجان، هى ما تَملّك عقلى خلال فترة إقامتى.

مهرجان أوسيان سينى فان للسينما الأسيوية والعربية فى دورته الثانية عشرة اتخذ من السلحفاة رمزا له، التى تتكاثر وتنمو بجوار نهر يامونا فى دلهى، وهى رمز روحى يعبّر عن طول العمر والحكمة لدى الهنود، ويقام المهرجان برعاية نيفل تولى رئيس مؤسسة «أوسيان» للفنون، وهى مؤسسة غير ربحية تهدف إلى رعاية الفنون.

فى اليوم العاشر للمهرجان أقيم حفل ختامه، وقد كان من المزعج أن يتغير موعد حفل الختام فى اللحظات الأخيرة دون علم غالبية الضيوف، فقد كان مقررا أن يقام فى السابعة مساء، ولكنه أقيم فى العاشرة، وهو ما جعل كثيرين يتغيبون الحفل.

تم إعلان جوائز المهرجان وحصل فيلم «B.A. Pass» على جائزة أحسن فيلم فى مسابقة الأفلام الهندية إضافة إلى جائزة أفضل ممثل لبطله شادب كمال، أثارت الجائزتان فرحة حضور حفل الختام، خصوصا أنه من الأفلام التى حظيت باهتمام وإعجاب كل حضور المهرجان. الفيلم يدور فى إطار شديد الإنسانية.. شديد القسوة.. فى آن واحد.. حول مراهق على أعتاب الرجولة (19 عاما) تتحول حياته إلى مأساة بعد وفاة والديه فى حادثة، بعدما تركا له شقيقتين عليه أن يرعاهما. لا يجد هذا الشاب حلا ليعيش جيدا، سوى أن يبيع جسده للعجائز.. هو يحنو عليهن ويقدم لهن شبابه وفحولته وكلمات رقيقة تثير فرحتهن، وهن يبادلنه الحنان بشكل مادى.. ويعطونه ما يحتاج إليه ليحنو فى المقابل على شقيقاته.. حياة صادمة فعلا ولكنها قد تبدو مقبولة إنسانيا إذا نزعنا منها كل ما له علاقة بالبيع والشراء المادى. الفيلم ينطلق من منطق بحث البشر عن الحنان ولو تطلب الأمر أن يشتروه.

وفى المقابل كان فوز السينما التركية بأربع جوائز فى المهرجان مثيرا لسخرية الحضور، فتركيا فازت بجائزة أحسن فيلم فى مسابقة الأفلام القصيرة بفيلم «Silence» (صمت)، وهو الفيلم الذى استحق الجائزة عن جدارة، خصوصا أنه قد فاز بجائزة مهرجان كان لأفضل فيلم قصير فى دورته السابقة، والفيلم يعرض لقصة شديدة القسوة والعذوبة لسيدة ترغب فى زيارة زوجها السجين.. هى كردية وهو مسجون فى السجون التركية.. مسموح لها بالزيارة، ولكن غير مسموح لها إلا بالتحدث بالتركية التى تجهلها تماما.

زوجها سجين سياسى، وأحداث الفيلم تدور عقب الانقلاب العسكرى فى تركيا.. تترك الزوجة منزلها وأبناءها الثلاثة وتذهب لزيارة زوجها الذى لا تستطيع التواصل معه بالكلمات فقط لأنها تريد إهداءه حذاء جديدا! مَن قال إن البشر يتواصلون بالكلمات فقط؟ ومن أوهم الجيوش أن الحدود واللغة تمنعهم من فهم بعضهم بعضا؟! ومن قال إن كل صعوبات العالم تمنع زوجة محبة من رؤية زوجها وإهدائه ما يسعده ويسعدها؟!

من جهة أخرى حصل الفيلم التركى القصير «Bus» على تنويه خاص بنفس المسابقة، الفيلم يدور حول رحلة شاب معاق من منزله إلى عمله، حيث يشاهد بعينه فى الأوتوبيس واقعة تحرش رجل بامرأة، ويمر الفيلم بطيئا ومملا رغم قصره (13 دقيقة) بمراقبة هذا الشخص لعملية التحرش مع إظهار عجزه عن فعل أى شىء، إلى أن تقرر الفتاة المتحرَّش بها أن تفجر ما يقلب حال كل ركاب الأوتوبيس، حيث تصرخ قائلة: «قنبلة.. قنبلة». الفيلم كان يمكن أن ينتهى فى 5 دقائق فقط، لذلك فقد كان منحه التنويه الخاص من قِبل لجنة التحكيم غريبا ومفتعلا، خصوصا أن نفس المسابقة تحمل ثلاثة أفلام أخرى أكثر أهمية:

«حنين» الفلسطينى للمخرج أسامة أبو وردى عن تفاصيل حياة سيدة فلسطينية وحيدة. الفيلم يحفل بتفاصيل مدهشة وجذابة، ولا يوجد به سوى جمل حوار قصيرة جدا، فجماله فى مراقبته التفاصيل.

كذلك كان هناك الكورى «Circle Line» الذى كان أكثر أفلام المسابقة عمقا وقوة من حيث الفكرة التى يتناولها عن عائل لأسرة تتكون من ابنة على أعتاب المراهقة وزوجة حامل على أعتاب استقبال طفلهما الثانى، بينما طُرد هو من عمله، ويقضى وقت العمل متجولا بين محطات المترو ويلتقى امرأة بائسة تتسول مع طفلها.. يعطف عليها ويعطيها من ماله، ليشاهدها وهى تبدل بطفلها فى محطة المترو طفلا آخر، ويقرر أن يفضحها عندما يراها.. كان مخطئا، وما شاهده كان موقفا آخر، فالمرأة لم تبدل بطفلها آخر، بل بدلت به دمية لأنه مريض، وهى يجب أن تمارس نفس العمل لتساعد فى علاجه. أى قسوة هذه الذى تدفعنا إلى القسوة بعضنا على بعض، بينما جميعنا نعانى من ظروف الحياة وقسوتها علينا؟!

وعند إعلان فوز الفيلم التركى «Beyond the Hill» بجائزة أحسن فيلم فى مسابقة العمل الأول، سخر الحضور من الأمر، وسخر أحد المخرجين الهنود الشباب الذى استأذنته فى ذكر اسمه فرفض، من الأمر قائلا: لماذا لم يقولوا لنا إن هذا المهرجان برعاية السينما التركية؟!

وبالطبع زادت نبرة السخرية وخفتت ردود الأفعال المرحبة مع فوز الفيلم التركى «Inside» بجائزة أحسن فيلم فى المسابقة الرئيسية للمهرجان، وهى مسابقة الأفلام الآسيوية والعربية التى شارك فيها 12 فيلما آسيويا وعربيا، والفيلم مأخو عن «ملاحظات من تحت الأرض» للأديب الروسى ديستويفيسكى حول رجل يكتشف نفسه بمواجهة ذاته والآخرين بعد سنين قضاها فى عالمه الخاص الذى يكره فيه الجميع، ولا يهتم بكراهيتهم له، ليكتشف فى النهاية أنه ليس أكثر من شخص بشع. الفيلم كان متماسكا ورائقا وراقيا رغم ما يؤكده من حقائق مؤلمة عن نفوسنا ونفوس أبطاله، لكن حصول تركيا على الجوائز الرئيسية فى كل مسابقات المهرجان عدا المسابقة الخاصة بالأفلام الهندية كان مثيرا للسخرية ولم يكن باهرا، خصوصا بعد احتفالية السفارة التركية بنيودلهى بالأفلام التركية الفائزة، وهو الاحتفال الذى بدا أنه مرتب ومقرر من أيام سابقة، ولم يكن مفاجئا!

لكن جائزة الإخراج فى مسابقة الأفلام الآسيوية والعربية التى ذهبت للمخرج المغربى فوزى بن سعيدى عن فيلمه «بيع الموت» أعادت الثقة مرة أخرى بالمهرجان ولجانه، وتأكدت هذه الثقة مع فوز الممثل الإيرانى مانى حقيقى والممثلة الإيرانية ترانيه على دوستى، بطلَى الفيلم الإيرانى «استقبال متواضع»، كما أن فوز الفيلم الإندونيسى «Postcards From The Zoo» وحصول الفيلم اليابانى «قصة حب» على تنويه خاص بنفس المسابقة أسعد الجميع، خصوصا أن الجائزتين لم تذهبا إلى اى فيلم تركى، بعد أن حصلت جميع الأفلام التركية المشاركة فى كل أفرع المهرجان على جوائز.

فى ختام المهرجان تحدثت رئيسة وزراء دلهى شيلا ديكسيت التى كانت ضيفا خاصا لحفل توزيع الجوائز، وهنأت ديكسيت نيفيل تولى مؤسس منظمة «أوسيان» الراعية للمهرجان وشكرته لدعم السينما فى الهند بجهوده الذاتية وبمهرجان أوسيان سينى فان، كما أعربت عن فخرها بدور مهرجانات كهذه فى تثبيت أقدام السينما الهندية حتى وصلت إلى المركز الثانى فى صناعة الأفلام عالميا.

نعم الهند تنتج ما يعادل 1000 فيلم سنويا.. تترواح ما بين أفلام تجارية وبعضها متوسط القيمة، وطبعا مع كل هذا العدد من الأفلام المنتجة سنجد ربع هذا العدد أو ثلثه أفلاما ذات قيمة فنية.. العدد فى الهند ليس فى «اللمون» كما هو عندنا، فعدد السكان الكثير وعدد الأفلام الكثير وعدد الديانات واللغات، خلق ثقافة خاصة وقدرا من التباين والاختلاف الذى يرضى جميع الأذواق دون أن يتنازل أحد عن ذوقه لصالح الآخر، ودون أن يقتل أحدهم الآخر، ولكن فقط وببساطة الحياة مع الآخرين لا تتطلب سوى التفهم والتفاهم واحترام الآخر والانسجام والراحة لهذا التقبل والاقتناع بأهميته، ولا يصلح هنا قبول الآخر على مضض أو بالعافية.

ملحوظة: الهند لم تصل إلى هذه الحالة من احترام الآخر إلا بعد تاريخ من التطاحن والقلاقل، ولهذا يقال إن البشر يجب أن يبدؤوا من حيث انتهى الآخرون لا من حيث بدؤوا. ولكننا نصر أن تبدأ من حيث بدأ الآخرون، وعموما مصر الآن ليست بلد المتناقضات الجميلة كما نتخيل، بل إن تناقضها أصاب أهلها بأمراض نفسية ستستغرق سنين طويلة لعلاجها، أما إذا أردت بلد المتناقضات فإنه بلا منافسة سيكون الهند، ذلك البلد متعدد الأجناس والأعراق والألسنة والأديان، الذى يحتل مركزا متقدما اقتصاديا -فى شوارع دلهى نادرا ما تجد سيارات أمريكية أو أوربية أو يابانية، فأغلب السيارات صناعة هندية خالصة- بينما يعيش بين جنباته ملايين بلا مأوى أو تعليم.. ينعم فيه البقر بمكانة خاصة، بينما لن تجد شارعا خاليا من مساكين افترشوا الأرصفة ليناموا أو يلتقطوا بعضا من رزق قليل.. خلاصة قراءتنا لتجارب الشعوب تحضنا على استيعاب اختلاف من نتعايش معهم برضا.. خلاصُ الهند لن يكون إلا بتقديس البشر وحياتهم كما يتم تقديس الحيوانات فيها تماما.. أما خلاص مصر فلن يبدأ إلا بتفهُّمنا منطق أن كائنات أخرى تعيش معنا فى هذا العالم أصلا!

التحرير المصرية في

09/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)