حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"صورة الشفق" امرأة في الأفق الذي لا نراه

طاهر علوان

 

عالم متشابك، غامض وناء، تعوم في فضاءاته شخصيات تبحث عن خلاصها لكنها وهي تعاني بصمت فإنها تعد أن قدرها هو هذا، أن تحيا هكذا، أن تعاني، ان تتمرد، ان تبحث عن حياة موازية قد تكون بديلا وخلاصا.... يختصر المشهد في فجر ضبابي وسط غابة تركض في وسط تشابكاتها وعتمتها فتاة شابة تبحث عمن ينقذها، تمر دورية للشرطة في عملها الروتيني اليومي فيشاهدونها تركض لا تلوي على شيء، ينادونها عبر مكبر الصوت ثم يلاحقونها وهي تركض امامهم حتى يستولي عليها الإعياء فتسقط مخلفة وراءها صرخة لن تسمعها سوى امرأة مثلها وحيث يتناوب رجال الدورية على الاعتداء عليها جنسيا ...المرأة شبه النائمة ستسمع الصرخة وتتساءل ان كانت حقا صرخة ام انها تخيلتها .

تلك هي المشاهد الأولى للفيلم الروسي "صورة الشفق" الذي بدأ يطوف المهرجانات السينمائية وعرض مؤخرا في مهرجان السينما لأوربية العاشر في بروكسل .

يغوص الفيلم عميقا في احداث ووقائع اجتماعية وشخصيات من شرائح وانتماءات مختلفة لا يجمعهم الا العنف الذي يجتاح الجميع، حوادث الاغتصاب والسرقة، الخيانات الزوجية، الاعتداء على الأطفال والمراهقين، ويختصر الفيلم اشكالية العنف الجنسي والاجتماعي بأشكاله المتعددة وحتى المصلحون والاجتماعيون والنفسانيون لن يكونوا بمنأى من هذا العصف المتصاعد الذي تختلط فيه الأسباب والدوافع ولكنه قائم ومنتشر بقوة ...

هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة انجلينا نينكونوفا، وهي بداية مؤثرة في الخوض في جدل العنف بكل أشكاله وعندما يكون القانون هو من يخون ورجل القانون هو الذي يخرق القانون ويروع ضحاياه بلا هوادة .

مارينا (الممثلة اولغا ديغوفشنايا) امرأة جميلة تعيش حياة مستقرة، ورثت عن أسرتها امكانيات مالية جعلتها تعيش حياة لا ينقصها شيء الا انها لا تكتفي بذلك فتعمل باحثة اجتماعية تلاحق قضايا المراهقين والمراهقات من ضحايا العنف الأسري ولهذا فإنها تعيش يوميا قصصا واقعية لفتيات تم الاعتداء عليهن جنسيا او ترويعهن بطريقة ما وهي تدافع بقوة عن اولئك الضحايا.

لكنها هي الأخرى لا تعيش حياة مستقرة لا نفسيا ولا عاطفيا فالزوج الشاب رجل اتكالي يعتاش على ما خلفه لها والدها من امتيازات ولهذا فقد كرهت تلك الحياة الزوجية الروتينية...وما بين شقاء تلك الشخصيات التي تقابلها في وقت عملها من ضحايا الاعتداءات النفسية والجسدية والجنسية، تسير هي وحيدة في مشهد صباحي قاصدة عملها، لقطات عامة لها على امتداد شارع تمر به السيارات المسرعة، ينكسر كعب حذائها، تفكر في العودة للمنزل، تطلب سيارة أجرة، تتوقف إحداها يهجم السائق عليها ويسرق حقيبتها ويتركها في عرض الطريق، لا أحد يرغب في مساعدتها حتى تقف دورية الشرطة نفسها تلك التي اعتدت على الفتاة في الغابة، ويسألونها عن بطاقة الهوية فتروي لهم ما وقع لها من سرقة حقيبتها بكل ما فيها فيطلبون منها ان تركب معهم على سبيل التحقق وكتابة محضر في مركز الشرطة لكنهم يعتدون عليها جنسيا ويرمونها محطمة في الغابة نفسها التي شهدت اغتصاب تلك الفتاة في المشاهد الأولى .

هي الآن محطمة ووحيدة وملابسها ممزقة، لكن صورة من اعتدوا عليها تعلق في ذهنها، ولا أحد يمد يد العون لها حتى يتطوع احد المارة ويحملها بسيارته عائدا بها الى المنزل لكنها لن تخبر زوجها الا بأنها تعرضت للسرقة فلا يهتم الزوج بغير إبلاغ البنك لأبطال البطاقة البنكية .

تتكرر بالطبع هذه القصة وهي على أية حال ليست بالواقعة الأولى التي تكون ضحيتها امرأة عابرة تعجز عن الدفاع عن نفسها امام جبروت وسطوة خاطفيها خاصة ان كانوا هم رجال شرطة لكن السؤال هو : وماهي الخطوة التالية ؟ ماذا على الضحية ان تفعل ؟ أعليها ان تذهب الى الشرطة مرة أخرى لكي تتعرض الى الاغتصاب مرة اخرى ؟ انها تمارس صمتا قاتلا فيما تحف بها حياة روتينية، مشهد الحوار العبثي مع عاملة المطعم السمينة التي تتأفف في الاستجابة لطلباتها ماعدا النقانق المقلية والفودكا، وهي وجدت في ذلك المشهد ملاذا للصمت وللحوار الأبله مع تلك العاملة ثقيلة الظل في مقهى على الطريق .

السيدة المغتصبة سليلة الطبقة الوسطى يمتد من خلفها شارع طويل يفضي الى العيادة الطبية حيث تخبر صديقتها الطبيبة انها قد تعرضت للاغتصاب وترغب في القيام بفحص طبي شامل وتحليل للدم .

هذا الإيقاع النفسي / الاجتماعي / العاطفي الذي تدب في فضائه مارينا تتشعب مساراته وتحتشد في رأسها حقيقة سلوكها وردود افعالها ولا جدوى حياتها، ولهذا ستكون بانتظار تلك اللحظة التي تتدفق معبرة عن وعيها ولا وعيها، عن كل خزينها العاطفي والاجتماعي ومعاناتها وصخبها وجراحاتها .

في مشهد يختزل هذا الإحساس المتفاقم تدخل المنزل بهدوء لتفاجأ بوجود أصدقاء وأقارب وقد اعدو المكان للاحتفال بعيد ميلادها، مفاجأة دون شك تدفعها الى ارتداء ثوب أحمر أنيق يليق بالمناسبة ...وها لحظة الكشف قد حانت ...تسخر من نفسها، من زوجها ومن حياتها من الزيف الذي يكتنف علاقاتها بصديقاتها بل واحدة من اقرب صديقاتها اليها وهي الجالسة الى جوارها ولكنها ليست الا امرأة انانية بشعة بإمكانها ان تبيع حياتها الزوجية وتدفع زوجها الى الخيانة من اجل مصلحتها وأنانيتها ومهما حاول الجميع اسكات مارينا وايقاف تدفقها الا انها تمضي في ذلك التدفق الجارح والمؤلم .

النهار الرتيب يأتي مرة اخرى لتكون في نفس ذلك المطعم الكئيب ولكن هذه المرة تكتشف وجود دورية الشرطة كلهم وهم يلتهمون الطعام ويشربون الخمر، تشخصهم واحدا واحدا، البدين الكريه، الشاب اليافع ذو الصوت الخنثي واخيرا ضابط الدورية ذو الأنف الطويل الذي لم يشارك في حفلة اغتصابها .

تلاحق ذلك الضابط الى منزله حاملة زجاجة مهشمة لضربه انتقاما لنفسها لكنها في لحظة تحول غير مفهومة المغزى غير اللاجدوى والخراب القيمي الذي عصف بكل شيء تصبح عشيقة له وتسكن معه في ذلك المنزل المكتظ الذي يضم والده الخرف وشقيقه وهناك تقوم بدور يشبه دور الخادمة في خدمة الجميع، الطهي والتنظيف وما إلى ذلك ...ثم انها تستخدم سطوة ذلك الضابط للانتقام من والد احدى المراهقات الضحايا التي سبق ولجأت اليها شاكية من اعتداء والدها عليها وينفذ الضابط المهمة فيضرب ذلك الرجل ضربا يوصله الى حافة الموت، ولم لا؟ فهو رجل قانون يمكنه خرق القانون وضرب اي احد والاعتداء على اي كان .ها هي الآن تقلب مسدس الضابط وهو يدعوها لأن تجرب اطلاق رصاصة على الطائر القريب ...لكنها تخرج كاميرا اشترتها من احد المشردين لتلتقط صورة للضابط وللشفق الذي لن نراه ولن يظهر في الصورة .. حال صور اخرى مكتنزة ومختزنة في داخل مارينا .

مشاهد متشابكة لمرأة تهرب من واقعها، يفترض انها في زيارة لوالدتها ولكنها ستكون هناك في منزل الضابط تقوم بأدوار عبثية وضياع وتشتت، وتتلاحق الصور الدالة في ذلك الجو القاتم، وحيث لا تهتم الشخصيات بغير ما هي عليه من تشتت ولا جدوى وخراب قيمي وأخلاقي وضياع الخيط الاجتماعي الرابط الذي يمكن أن يوحد بين الشخصيات أو يقربها من بعضها البعض .

إنها دراما هائلة حقا ومتشعبة قوامها واقع سياسي واجتماعي معاش مليء بالإحباط والخراب واللاجدوى والقلق والترهيب وانعدام الاستقرار والتماسك النفسي، الحوارات الموجزة المكثفة والدالة والمشاهد التي تعكس دوافع الشخصيات وتحولاتها كلها تحتشد في هذا الفيلم بما يدفع بالمشاهد مباشرة الى أن يتعاطف مع شخصيات ورفض أخرى لكن الأغرب هو أنك فطريا وأنت ترفض ضابط الشرطة وتدين سلوكه الوحشي تجد الشخصية الرئيسية في الفيلم وقد تركت كل شيء وراءها لترتبط بعلاقة عاطفية صاخبة معه بل إنها لا تتورع عن أن تعلن حبها له، تلك العلاقة التي يرفضها هو وتثير سخطه لكنها ستتحمل وطأة ردود فعله وترضى بالمضي في علاقتها معه إلى النهاية مما يضطره الى أن يترك عمله شرطيا ليكون معها فيسيران معا في طريق طويل حتى نهاية ليلية مجهولة تؤذن بنهايات مفتوحة.

المخرجة نيكونوفا أعلنت في أكثر من مؤتمر صحافي ان المفاجأة الكبرى بالنسبة لها في فيلمها هي أداء الممثل "سيرغي بوريسوف" حيث كانت المرة الأولى في حياته التي يقف فيها أمام الكاميرا لكنه لفت الأنظار لأدائه .

ملاحظة

اجمل ماكتب عن الفيلم في نظري هي المقالة / الدراسة المعمقة التي كتبتها البروفيسورة مارسيا لاندي من جامعة بتسبرغ وهي المتخصصة في دراسة علم الجريمة والعنف والسوسولوجيا في الفيلم.

الجزيرة الوثائقية في

29/07/2012

 

مجازات هيرتزوغ والجنون الجماهيري

«حتى الأقزام بدأوا صغاراً».. ثورة حتى العبث

زياد عبدالله 

لا يغدو العبث متعلقاً بحذاء استراجون في مسرحية بيكيت «في انتظار غودو»، وهو يعجز عن انتزاعه من قدمه، بما يجعل من الفعل حالة من انعدام الفعل، لكن وبما يتخطى ذلك إلى تعقبه كفعل جماعي في فيلم الألماني فيرنر هيرتزوغ بعنوان Even Dwarfs Started Small «حتى الأقزام بدأوا صغارا» ،1970 إذ سنقع من البداية على قزمة لا تتمكن من الوصول إلى مقبض الباب لتفتحه وتحضر فردة حذائها الذي نسيته في الداخل، وقد أصبح مشيها بفردة حذاء واحدة شكل من أشكال معاناتها، لا بل إن هذه الشخصية نفسها ستزف إلى قزم آخر ويجري تزويجهما من بعضهما بعضاً بمباركة الأقزام الآخرين، لكن لن يتمكن القزم الذكر من تسلق السرير لموافاة زوجته التي تمكنت من ذلك وسبقته إليه، السرير الذي يبدو كبيراً جداً عليهما، لا بل إن الزوج سيستعين بالصحف والمجلات ويضعها على الأرض فوق بعضها بعضاً ليعلو أكثر، ويتمكن من صعود السرير، لكن عبثاً!، كل المحاولات ستفشل.

سيبدو كل ما تقدم غامضاً لمن لم يشاهد فيلم هيرتزوغ الذي نمضي خلفه هنا، وسيكون الأمر ضرباً من الجنون، كون الفيلم يحكي عن مصحة للأمراض العقلية، جميع من فيه من الأقزام، ونحن نشهد من البداية حركة تمرد ضد مدير المؤسسة، والأقزام متجمعين أمام شرفة رئيس المؤسسة يقفزون شرفته بالحجارة، ومن ثم يهمون بحرق النخلة التي يحبها ذلك الرئيس.

نحن إذن حيال انتفاضة ضد المؤسسة، ويمكن التسلح كل أدوات تفكيك الرمز عند مشاهدة الفيلم وهو يقول الكثير، وهذه المؤسسة لا يمثلها في الفيلم سوى قزم واحد أخذ واحداً من نزلاء المؤسسة الأقزام كرهينة، يمنع من خلالها هجوم بقية الأقزام عليه، مهدداً لهم بأنه سيؤذي الرهينة إن أقدموا على ذلك، دون أن يتمكن من الاستعانة بالشرطة، كون الأقزام المتمردين أقدموا على قطع خطوط الاتصال الخارجي.

في ما تقدم أزمة الفيلم الرئيسة، وما تبقى هو تتبع للعبث، وتتبع لأفعال المنتفضين الفوضوية، وكل ما سنشاهده في الفيلم سيكون عملية تخريب جنونية لكل ما حولهم، فنحن حيال مجانين أعطوا كامل الحرية لفعل أي شيء يرغبون فيه، وبكلمات أخرى أكثر دقة، انتزعوا حريتهم بحركة عصيان جماعية لا لشيء إلا ليمارسوا ما يحلوا لهم من أفعال ستكون جميعها عبثية لا أفق لها، وليس الأمر سوى تكرار للتخريب والعبث، ولا يمكن لعاقل أن يشاهد الفيلم إلا ويقرأ دلالته، مجازه الكبير حقاً.

لن نقع في الفيلم على بحارة يظهر الدود في اللحم الذي يقدم لهم فيتمردون، وليتبع ذلك على البر ثورة شعبية تؤازرهم كما هي الحال مع «البارجة بوتمكين»، فيلم ايزنشتين الشهير، ولا ذلك العامل الذي يقدم على شنق نفسه بعد اتهامه بالسرقة في فيلم ايزنشتين أيضاً المغيب «إضراب»، فنحن في فيلم هيرتزوغ لن نقع على محرضات حركة التمرد التي أفضت إليه، والأمر أقرب إلى عصيان اتفق عليه الأقزام الذين سيبقون صغاراً في إحالة إلى عنوان الفيلم، فإن كان حتى الأقزام يبدأون صغاراً، فما بالك بالبشر كاملي النمو الذين عليهم ولا جدل في ذلك أن يبدأوا صغاراً ومن ثم يكبروا، وهذا تقويل للعنوان، وبالانتقال إلى ما نشاهده في الفيلم، فإن كل ما فيه متمركز حول عبثية الفعل التمردي الذي لا أفق له، غير الخاضع لنواظم وحوامل فكرية، إنه عما يمكن أن نقول عنه: التمرد لمجرد التمرد، والكارثية التي يمكن أن تحيط بهذا الفعل، دون أن ننسى أن هؤلاء الأقزام ليسوا إلا مجانين أيضاً، وهنا الجنون متفوق على كونهم أقزاماً، ولعل التقزيم إن كان مجازاً عن عبثية الفعل وتشوهه، فإنه يحكم بصفاته هذه قبضته على ما يمكن أن يصاب به هؤلاء الأقزام حين ينتزعون حريتهم التي لا يعرفون ما الذي عليهم فعله بها، لا بل إنهم سيمارسون كل شيء دفعة واحدة، وفي زمن الفيلم الذي هو زمن واقعي تجري أحداثه خلال يوم واحد لا تتجاوز الساعة ونصف الساعة في الفيلم، وهم لا يقومون إلا بتسجية الوقت على طريقتهم الخاصة لحين قدوم الشرطة.

لكن كيف قدم هيرتزوغ ذلك، وهنا عليّ أن أسرد الكثير من اللقطات والمشاهد في الفيلم بما يضيء كل ما تقدم، وعلى شيء من تتبع المفردات البصرية التي تتبعثر في الفيلم ولا يجمعها إلا احالتها إلى مقولات معرفية وتاريخية ونفسية، فالأقزام الذين هم كل شخصيات الفيلم يمنحون هذا الفيلم إحالته إلى مستويات متعددة، وهناك أيضاً الدجاج، حيث نقع في البداية على دجاجة تنقر دجاجة ميتة، وقصة الدجاج ستمضي إلى جانب ما يفعله الأقزام على شيء من العودة في الزمن لنعرف لمَ دجاجة تنقر دجاجة ميتة، إذ إننا سنقع في سياق الفيلم على الدجاج يتصارع على فأر ميت يتدلى من منقار دجاجة من الدجاجات، ومن ثم سنقع على تلك التي كانت تحمل الفأر قد ماتت من جراء التهامه له، وهي من ستكون تحت رحمة منقار دجاجة أخرى، فقد اختل النظام الغذائي لهذه الكائنات، كون نزلاء المصح توقفوا عن تقديم الأكل لها.

بعيداً عن الدجاج، فإننا سنقع على مسعى الأقزام تشغيل سيارة المؤسسة، وحين ينجح أحدهم بذلك، فإن السيارة لن تتمكن من الخروج من المصح، بل ستبقى تدور وتدور في حلقة مفرغة، لا بل إن السائق سيهجرها، ويصعد إلى سطحها، ومع ذلك ستبقى على دورانها، سنقع على دراجة كبيرة يقودها قزم، سيهاجمون قزمين ضريرين يضربان كل بعصاة الهواء.

ستتحول السيارة وهي تدور إلى لازمة الفيلم، وحين يقرروا أن يأكلوا فإن المائدة ستتحول إلى حفلة جنون، وسيتراشقون بالأطعمة، وهناك ستكون الأفعال الجنونية قد بدأت تتصاعد، ولعل ذلك سيبدأ من المائدة، حيث سيصل التشكيل البصري للفوضى ذروته، إذ مع تناثر الأطعمة ورمي الصحون على السيارة التي مازالت تدور حول نفسها سيحرقون أصص الزهور، ومن ثم سيقيمون صراعاً للديكة، وسيوضع قرد على الصليب الذي سيتقدم مسيرة للأقزام، وكل ذلك والسيارة تدور حول نفسها إلى أن يرموا بها في حفرة عميقة.

كل ما تقدم يضيء بقوة ما يريد هرتزوغ تمريره من خلال ما تقدم، ولإيضاح ذلك فإن في الفيلم ما يرتبط بـ«سيكولوجيا الجماهير» في إحالة إلى المفكر الفرنسي غوستاف لوبون، ومعه أيضاً الفوضوية الثورية، التوصيف الذي يحضر حين يخلو الفعل الثوري من الأطر والنظم التي تؤدي إلى حصد نتائج التمرد الذي لا يمكن له أن يتحول إلى ثورة إن خلى من تلك الأطر، أو كما يقول لوبون «إن الانفعالات التحريضية المختلفة التي تخضع لها الجماهير يمكنها أن تكون كريمة ومجرمة، بطولية أو جبانة، وذلك بحسب نوع المحرضات، لكنها ستكون دائماً قوية ومهيمنة على نفوس الجماهير إلى درجة أن غريزة حب البقاء نفسها تزول أمامها، بمعنى أنها مستعدة للموت من أجلها».

ولنخلص في الفيلم أن محرضات ما يقدم عليـه الأقزام غائمـة لا تتعدى التمرد لمجرد التمرد، ورفض النظام الذي فرض عليها، بعيدا عن تقديم الفيلم أي ملمح من ملامح الظلم الذي تعرض له الأقزام، إنهم ثائرون ولم يبدأوا صغاراً ليكبروا، فما بالك بمن هم أقزام!

الإمارات اليوم في

29/07/2012

 

خلال «ملتقى نقش» وعبر ندوة «واقع صناعة السينما في البحرين»

الذوادي يوصي بدعم حكومي والموسوي ينتقد ثقافة الاستثمار «الضحلة»

ضاحية السيف - منصورة عبدالأمير 

من بين أبرز الندوات والحلقات النقاشية التي احتضنتها فعالية أيام نقش للأفلام القصيرة، تم تنظيم ندوة حول «واقع الإنتاج السينمائي في البحرين» تحدث فيها المخرج والمنتج بسام الذوادي، وأحد أبرز رواد السينما الخليجية الذي قدم للسينما البحرينية خمسة أفلام هي «الحاجز»، «زائر»، «حكاية بحرينية» التي أخرجها جميعهاً، فيما تولى إنتاج اثنين منها، عبر شركة البحرين للإنتاج السينمائي، وهي «حنين» و «أربع بنات».

كذلك تحدث خلال الندوة النقاشية رجل الأعمال والمنتج التلفزيوني السيدعمران الموسوي الذي قدم للسينما البحرينية ثلاث تجارب أخرجها علي العلي هي فيلم «مريمي» وفيلم «ليلى» والفيلم الديني «أيام الحصاد المر»، كما أنتج عدداً من أنجح المسلسلات الخليجية أهمها «على موتها أغني»، و«شوية أمل»، كما شارك في إنتاج سباعية «عند ما يزرع الشوك»، عدا عن قيام فريق المونتاج في «عمران ميديا»، الشركة الإنتاجية التي يملكها الموسوي، بعمليات المونتاج والمكساج لمسلسل «أكون أو لا».

الذوادي تحدث عن خطوات إنتاج أي فيلم سينمائي، وأشار إلى أن العملية كلها تبدأ لدى الموزع وهو صاحب دور العرض الذي يتحمل تكلفة الإنتاج وبالتالي يصبح مالكاً لحقوق الفيلم. كما تطرق الذوادي في حديثه عن عدم جدوى إنتاج الأفلام القصيرة التي لا تعود بأي أرباح مادية، في مقابل الفيلم الطويل الذي يحصد أرباح شباك التذاكر. لكن الذوادي تطرق في معرض حديثه إلى أهم الإشكالات التي تواجه الفيلم الطويل في منطقة الخليج، مشيراً إلى عدم جدوى إنتاج أفلام طويلة بموازنات عالية، فهذه الأفلام لا تحصد كثيراً من الأرباح على شباك التذاكر، لأسباب كثيرة أهمها محدودية الكراسي المخصصة المشاهدين في دور العرض، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بعمليات التوزيع وبدور العرض المحدودة.

لذلك أكد الذوادي أن ما هو مطلوب حقاً في الوقت الحالي لضمان استمرارية الإنتاج السينمائي هو الدعم الحكومي وليس الاستثمار وهو غير ذي جدوى في السوق الخليجية لأن الأفلام السينمائية لا تسترد رأس مالها.

وفي مقابل استعراض الذوادي لتجربته الإخراجية والإنتاجية في مجال السينما والتي امتدت لما يفوق العشرين عاماً مبرزاً أهم معوقات ومشاكل الإنتاج وربحية الأفلام، تحدث الموسوي عن تجربته في عالم الإنتاج التلفزيوني التي امتدت لأربعة أعوام، واستعرض أهم العقبات والمشاكل التي تواجه الفنانين أو رجال الأعمال وتقف عائقاً يصعب عملية الإنتاج بشكل عام سواء السينمائي أو التلفزيوني.

وفي تعليق له على الورقة التي قدمها، قال الموسوي لـ «الوسط»: سئلت خلال الندوة عما كانت العملية الإنتاجية مربحة أم أن هذا العمل يعد مجازفة. ما أريد قوله هو أن من يعتقد أن اقتحام عالم الإنتاج عملية هينة وسهلة، مخطئ تماماً. أنت بحاجة لسيولة جاهزة متوافرة في وقت الإنتاج، لا يمكنك أن تبدأ إنتاجك في حال عدم توافرها، ولا يمكنك أن تقترضها لتبدأ. أي تأخير في توفير السيولة بعد بدء الإنتاج يرفع كلفة الإنتاج».

ويضيف «تفاجأ البعض حين ذكرت الأرقام المتعلقة بتكلفة الإنتاج التلفزيوني في البحرين، على الأخص في بلد صغير مثل البحرين والتي تتراوح بين 400-600 ألف دينار لإنتاج مسلسل من عدة حلقات».

الموسوي أرجع الأرقام العالية تلك إلى أجور الممثلين «موازنة أجور الممثلين هي المشكلة الحقيقية وهي التي تستهلك ربحية العمل، فقد تصل نسبة أجورهم 30 في المئة من ربحية العمل. وهؤلاء النجوم ضروريون لكي تتمكن من تسويق وبيع العمل للقنوات».

من جانب آخر، أشار الموسوي إلى أن المحطات التي تعرض العمل «تقع هي الأخرى تحت إمرة المعلن، الذي يحدد قيمة العمل». بالإضافة إلى ذلك فهناك مشكلة البطء في دفع المبالغ المستحقة من قبل المحطات التي تعرض العمل. حين تنتج عملك، وتضع مبالغ كبيرة فيه فأنت تتوقع أن تسترد رأس مالك في وقت معين، لكن في الواقع يتم ذلك بصعوبة وبطء وهو ما يؤدي إلى ضعف مالي لديك».

تحدث الموسوي عن نيته تقديم مشاريعه المقبلة مع طاقم عمل جديد «نعم هناك مشاريع جديدة قادمة. ما أريد قوله هو أن الحياة لا تتوقف عند كادر أو كاست معين. أشكر كل من عمل معي، لقد حققنا أموراً جميلة، لكنني الآن أعمل مع كاست جديد بدماء جديد وذي رؤية مختلفة».

الموسوي لم يعتبر الربحية وأجور الممثلين العائق الأكبر والصعوبة الأشد التي تواجه الإنتاج التلفزيوني، لكنه أضاف «من أبرز المشاكل التي واجهتها في هذا المجال، عدم وجود ثقافة عامة لمفهوم العمل التلفزيوني في الخليج. للأسف لا يدرك كثيرون معنى الاستثمار، وفي الواقع فإن الموظفين الذين كانوا يعملون لدي كانوا يعتبرون المؤسسة كجمعية خيرية، لم ينظروا لها كمشروع استثماري».

لذلك يضيف الموسوي «لهذا السبب فإن الفكرة الموجودة لدى هؤلاء هو أنه يمكنهم في أي وقت ترك المؤسسة ليأتي غيرهم. الثقافة العامة لمفهوم الاستثمار ضحلة خصوصاً في الوسط الفني».

الموسوي لا يستهين بموهبة وقدرات الكاست الذي عمل معه فهو يقول «هذه مواهب لا غبار عليها ولكن حين نأتي لجزئية ثقافة الاستثمار فهي صفر على الشمال. هؤلاء ينظرون للموضوع بشكل غير صحيح فحين يكون للمبدع اسمه فهذا كافٍ. في الواقع الأمر مختلف بالنسبة للمنتج والمستثمر الذي يريد أن يسترد أمواله بالضعف».

ويعلق «عملية الإنتاج لا تتم بالبركة، كل شيء يجب أن يسير بحسب القانون. لكن المشكلة هي أن ثقافة العاملين في هذا المجال كله مبنية على البركة وهذا غير ممكن فصاحب المؤسسة هو من يتحمل مسئولية هذه النظرة. العمل على مشروع جديد بالنسبة إليهم كالذهاب في رحلة فهم يعتقدون أن صاحب العمل مرتاح مادياً ولذا فلا مشكلة من أن يخسر لأنه سيعوض خسارته تلك في تجارة ثانية.

ويختم كلامه «هؤلاء مبدعون، لكنهم أطفال حين يتعلق الأمر بالاستثمار وبالحقوق والمسئوليات، إنهم لا يقيمون الأمور. معلوماتهم العامة وحسهم التجاري ووعيهم وإدراكهم بقيمة الاستثمار معدوم بل إنه صفر على الشمال».

الوسط البحرينية في

28/07/2012

 

السينما صناعة ثقافية للشباب

منصور القطري  

بداية يجب التأكيد على أن السينما مؤثر رئيسي في صناعة ثقافة الشباب، وإن كانت لاتزال بحاجة إلى المزيد من الاهتمام لكي تجعلنا نقترب من واقع هذا الجيل ونتعرف عليه. ولو أخذنا الأفلام القصيرة وبرامج اليوتيوب مثالاً، فسوف نجد فيها تجارب جريئة ناجحة في حدود ومستوى إمكانيات الشباب، لكنها تبقى ظاهرة تتسيد مطالعات الشباب وتبادلهم المعرفي ورسائلهم الإلكترونية؛ بل إن بعضها تجاوز حالة التسلية ليفرض واقعاً تهكمياً من صعوبة العيش وتمرداً على حالة التزييف الذي يزاوله الإعلام الرسمي وابتعاده عن مناقشة مشاكل الشباب الحقيقية. ويوظف منتجو هذه الأفلام في ذلك مساحة الحرية التي يوفرها الفضاء الافتراضي المتاح حالياً أمام الجميع.

صحيح أن مختلف فروع الفن والأدب من موسيقى وشعر وقصة ورواية وفن تشكيلي قد سبقت السينما في هذا الاتجاه؛ إلا أن السينما استطاعت أن تأتي بشيء مختلف، وإن كان هو في الواقع مزيجاً من ذلك كله، لكنه الأجمل لأن الجميع يشترك في العمل (مخرج، مؤلف، ممثل، مصور... الخ)، فيتألق النص الإبداعي في صورة حميمية راعشة مليئة بنبض الحياة وإيقاعها.

يمكننا القول إن هناك حالة حراك سينمائي من خلال الأفلام القصيرة المختلفة في أساليبها ومدارسها والتي يجسدها الشباب في إنتاجهم دون دعم مادي، بل هم قد يضطرون أحياناً إلى بيع أشيائهم الخاصة من أجل تحويل فكرة يؤمنون بها ويدافعون عنها الى منتج سينمائي. وقد ظهرت كثير من أعمالهم التي شاركوا فيها في مهرجانات عربية وعالمية على مستوى عال من الجودة, ما حدا بهذه المهرجانات لأن تعترف بأعمالهم وتضمنها في برامجها كما هو الحال في أفلام الإمارات في دبي، وفي مهرجان الخليج السينمائي الذي أخذ بيد العديد من المخرجين الشباب في الوطن العربي والخليج.

وإذا كانت السينما صناعة ثقافية (وهي كذلك فعلاً)، فإنها تحتاج إلى دعم حكومي بالدرجة الأولى، إضافة إلى ما تستحقه من دعم جهات متعددة أخرى وخصوصاً تلك المهتمة بالثقافة وصناعتها والرأي العام وتوجيهه وتوعيته. ويتوجب على الجميع بدايةً دحض تلك الفرضية الخاطئة التي تقول إن السينما مضيعةٌ للوقت! فلو استطعنا إيجاد السينما الجادة التي تخضع أعمالها لحلقات نقاش علمي من قبل المثقفين والأكاديميين، لأمكننا خلق حراك فني وثقافي يتناسب مع التحولات التي يعيشها الشباب، والذي اتجه إلى قناة جديدة خاصة به هي تصوير الفيديو كليب والأفلام القصيرة التي تعالج قضايا غاية في الجمال والحس الوطني.

ربما يتجه أغلب الشباب إلى الأفلام والبرودكاست يتابعونها في منازلهم وفي تجمعاتهم وديوانياتهم، وبعد العودة من العمل لتفريغ جرعات التعب والإحباط وتقييد الحريات والإهمال الذي يلقونه في الشارع والعمل. هذه المشاهدة بالنسبة للشباب بمثابة استراحة ذهنية من هموم دفع إيجار الشقة وأحلام التطلع إلى تملك منزل (ذلك الحلم الذي ربما لن يتمكن من تحقيقه مدى الحياة حتى لو عمل 16 ساعة في اليوم)! إضافةً إلى أنها (المشاهدة) نوعٌ من التواصل مع العالم.

تكبر المدن وتتسع هذه الأيام في الوقت الذي لايزال فيه أغلب الشباب موظفين على الهامش، لم ينفض أغلبهم عن نفسه غبار الإهمال والإقصاء مع غياب نوادي السينما التي يمكن للشاب الانضمام اليها ينمون فيها مهاراتهم ويطورون ذائقتهم الفنية ويصيغون اتجاهاتهم الفكرية الراقية والسلمية. فأين من ذلك الجمعيات الأهلية التي يمكن للشباب من خلالها أن يتعلموا العديد من الأشياء كتقنيات كتابة السيناريو أو التي تقوم باستضافة مخرجين وكتاب مشهورين ومؤلفين أو بعرض الأفلام وتخصيص الجوائز لتصقل مواهبهم؟ وأين الصالات والمسارح لمناقشة الأفلام الحائزة على الأوسكار؟ دعونا نجرب وسوف نرى كيف ستغص الصالات بجمهور الشباب.

ولكن هل يحق لنا أن نطالب القطاع الخاص بالمشاركة في تنمية مهارات الشباب وأن يستثمر أمواله في الإنتاج السينمائي دون وجود صالات العرض أولاً؟ فقصة السينما في الوطن العربي تشبه قصة الدجاجة والبيضة، فبناء صالات للعرض ينتظر توافر الإنتاج السينمائي، والإنتاج يعرقله غياب الصالات!

المشكلة لدينا هي في الواقع، أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، ففي بعض بلدان الخليج لا تتوافر النوايا الحسنة تجاه السينما، وبالتحديد من قبل المؤسسة الدينية، وكأننا بحاجة إلى إثبات أن السينما اليوم مهمة، ولها دور كبير في صياغة اتجاهات الشباب وتشكيل ميولهم وقيمهم! مع أن رغبات الشباب والمعطيات الموضوعية قد تجاوزت هذه الشكوك بمراحل. لماذا؟ لأن الناس -وبكل بساطة- يمكنها متابعة أي فيلم عالمي على القنوات الفضائية بحيث يصبح محور حديثها ويأخذ بنواصي جلساتها بعيداً عن القيود الوهمية التي تعيش خارج الزمن.

دراسة حديثة تشير إلى أن عدد الشباب مستخدمي الانترنت في السعودية يقدرون بنحو 13 مليون مستخدم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عجلة الإنتاج السينمائي الشبابي سوف تتواصل دون إذن من أحد، وكأن ذلك احتجاج مبطن على بيروقراطية المؤسسات الرسمية.

السينما ظاهرة ثقافية وفنية آخذة في الصعود، وهي بحاجة إلى تمتين العلاقة بينها وبين المتلقي (الشباب)، ومن المهم التفكير في إقامة علاقة حوارية بين السينما والشباب؛ لأن ذلك يعد انتباهاً ذكياً من قبل «قادة الرأي» نظراً لغياب ساحات حوار يسمح باحتضان حاجات الشباب الفنية وعطشهم إلى الفن السابع، ويشبع رغباتهم في استكشاف عوالمه الغرائبية والعجيبة.

في تقدير المنتج السينمائي أنه يمكنه تفجير نقاش عميق حول الأسئلة المشاغبة والمستفزة التي يسعى الشباب إلى طرحها من خلال الصورة السينمائية، وما يدور في مضمارها من قضايا تتعلق بالحياة المعاصرة وجوانبها الإنسانية المتعددة، سواءً كانت معيشية أو وطنية أو فنية أو جمالية أو إبداعية. في هذا السياق علق الروائي والسينمائي محمد ملص في كتاب صدر عن جمعية الشجرة لإحياء الذاكرة والتراث الفلسفي: «إن القول بأن السينما أداة سمعية وبصرية بالنسبة لي هو تحجيمٌ لها، فهي لا تخاطب العين أو الأذن فقط، بل هي شحنة كهربائية تكهرب كل الحواس التي يملكها الإنسان من أجل الوصول إلى وجدانه».

الوسط البحرينية في

28/07/2012

 

زمان يا فن :

زكي رستم… العالمي حفيد الباشا

كتب: القاهرة - مصطفى ياسين  

هو الباشا والثري والفقير والقاسي والضعيف والمقهور والفتوة وابن البلد وزعيم العصابة والديكتاتور والأب… إنه عجينة الموهبة وخلطة المشاعر وكوكتيل الفن وأستاذ الأداء زكي رستم.

اسم زكي رستم علامة مسجلة في فن التمثل وعلامة مضيئة في تاريخ السينما المصرية. ولد في 5 مارس 1903 في أحد قصور الزمالك، وسط تقاليد وأعراف أرستقراطية تفرض بأن ينهي الابن دراسته الثانوية، ثم يلتحق بالجامعة ليتولى بعدها أحد المناصب المرموقة في الحكومة المصرية، وهو ما فعله شقيقه الأكبر الذي عمل في السفارة المصرية ببرلين.

وكان محمود باشا رستم، جده لأبيه، قائداً في الجيش المصري، أما والده فكان صديقاً لرموز السياسة في تلك المرحلة من تاريخ مصر أمثال: مصطفى كامل، محمد فريد، وكان عضواً بارزاً في الحزب الوطني.

ويعتبر محرم بك رستم والد زكي هو السر الأول في حياته لأنه علمه حب الفن، وكان من أشهر مستمعي الشيخ سلامة حجازي.

حلم التمثيل

بدأت علاقة زكي بالتمثيل مصادفة عندما اصطحبته الأسرة إلى مسرح الأزبكية لمشاهدة مسرحية «أوديب ملكا» من تمثيل فرقة الفنان جورج أبيض، فوقع زكي في غرام المسرح، وراح يشتري الروايات ويحولها بنفسه إلى مسرحيات ويمثلها مع أصدقائه وأفراد أسرته في فناء القصر أثناء غياب والده.

استهوت زكي أيضا رياضة حمل الأثقال وحقق من خلالها أكثر من بطولة على مستوى الجمهورية، إلا أن حلم التمثيل كان يلح عليه بصورة أكبر.

شكل لقاؤه بالفنان عبد الوارث عسر نقطة تحول في حياته بعدما نصحه بالانضمام إلى «جمعية أنصار التمثيل»، ومن خلاله تعرف إلى عبد الرحمن رشدي المحامي الذي ترك المحاماة من أجل التمثيل.

وفي العام 1924 عرض عليه جورج أبيض الانضمام إلى فرقته، ثم انضم إلى «فرقة رمسيس» (1925) وعمل عامين بلا أجر على رغم نيله جائزة أحسن ممثل مسرحي (1926)، وقدم معها أهم أعماله المسرحية ومنها: «كرسي الاعتراف»، «الصحراء»، «الطاغية»، ثم انتقل إلى الفرقة القومية.
تردد زكي طويلا قبل خوض السينما في فيلم «زينب» للمخرج محمد كريم، وبعد عرضه تهافت المنتجون إليه ليؤدي دور الفتى الأول بمقاييس ذلك الوقت.

ممثل عالمي

كانت تجربة زكي الثانية في فيلم «الضحايا» (1932) مع بهيجة حافظ ثم توالت أعماله من بينها: «الاتهام، ليلى بنت الصحراء، العزيمة، ليلى البدوية، الصبر طيب، هذا جناه أبي، هدمت بيتي، النائب العام، معلش يا زهر، عائشة، النمر، بنت الأكابر، الباشا، أنا وبناتي، صراع في الوادي، المجرم، الهاربة».

نشرت عنه مجلة «لايف» الأميركية أربع صفحات كاملة واختارته ضمن أحسن عشرة ممثلين في العالم، وقال عنه الناقد الفرنسي جورج سادول: «إنه النسخة الشرقية من أورسون ويلز».

كان من الممكن أن يصبح زكي رستم ممثلاً عالمياً، فقد عرضت عليه بطولة فيلم من إنتاج «شركة كولومبيا»، لكنه رفض بعدما وجد أنه يحمل نبرة عداء للعرب.

علقة ساخنة

كان اسمه كفيلاً ببث الرعب في قلوب زملائه، فقد اشتهر باندماجه في الدور لدرجة ينسى معها نفسه. لعلّ أشهر من تلقى علقة ساخنة منه فريد شوقي في «الفتوة»، فقال: «فوجئت بضرب حقيقي وحاولت أن أحتمل فلم أستطع، فاضطررت إلى ضربه بشكل حقيقي أنا أيضاً، هكذا حصل المخرج صلاح أبو سيف على مشهد لم يكن يحلم به».

جمعه بفاتن حمامة مشهد كان يفترض أن يصفعها بالقلم، فصفعها بالفعل فصرخت وظلت تبكي بعد انتهاء المشهد، فقال لها بسخرية: «أيه يا خويا لعب العيال ده؟».

وكان أول تكريم حصل عليه «وسام العلوم والفنون» (1962) من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

بنت الحلال

عندما سئل زكي عن سر عدم زواجه قال: «حرصت على ألا أختار سوى فتاة بنت حلال أثق فيها، وكلما كنت أجدها كان أحد آخر يسبقني للارتباط بها، حتى تجاوزت الأربعين وفاتني القطار، وخفت أتزوج في هذه السن وأموت تاركاً أطفالاً يتامى من بعدي».

أما المشهد الذي لم يغادر ذاكرته فكان حين أعلن للأسرة نيته عدم استكمال دراسته الجامعية، فأصيبت والدته بالشلل وعاش بعقدة ذنب، حتى أدمن الوحدة والعزلة والانطواء، واشتهر عنه أنه أكثر وسوسة من الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان يحمل زجاجة كولونيا يستعملها كلما صافح أحداً.

أما آخر فيلم شارك فيه فكان «الحرام» (1965) جسد عبره شخصية ناظر العزبة أمام فاتن حمامة.

الجريدة الكويتية في

29/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)