حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما و"الربيع العربي"

من اليقين الصارخ الى السؤال الدائم

إبراهيم العريس

 

قد لا يكون للمشهد أي معنى استثنائيّ على الإطلاق... لكنه، في الوقت نفسه، قد يكون محمّلاً بالعديد من المعاني، وذلك تبعاً لوجهة النظر التي منها ننظر اليه: حدث ذلك خلال دورة العام 2011 من مهرجان "كان" السينمائي في الجنوب الفرنسي. كنا مجموعة من النقاد والمهتمين بالسينما آتين من البلدان العربية ومن بعض البلدان الأوروبية. دعينا يومها، عبر الهاتف وربما عبر بطاقات وزّعت، لحضور فيلم مصري كانت سبقته دعاية قوية تعتبره "فيلم ثورة 25 يناير" بامتياز، مؤكدة انه أول عمل سينمائي ينبثق من تلك الثورة ويحاول أن يعبّر عنها وعن أصحابها. الفيلم، طبعاً، وكما يمكن للقراء ان يخمّنوا، كان "18 يوماً" الذي شارك في تحقيقه عشرة مخرجين مصريين ينتمون الى جيلين أو ثلاثة من ابرز مبدعي السينما في مصر. ولسوف يعتبر، بالتأكيد، على الأقل أول عمل روائي يتناول ما حدث في مصر، خلال الشهرين الأوّلين من ذلك العام نفسه. وحكايتنا ليست هنا، بل في مكان آخر: ذهبنا الى العرض متحمسين منفعلين إيجاباً نعد أنفسنا بمشاهدة كيف ينظر سينمائيون ثوريون الى ثورة لم تكن تقليدية على الإطلاق. غير أن الحماس والاندفاع تبددا كلياً حين منعنا من الدخول لأننا... لا نرتدي بذلات رسمية. الأدهى من هذا أن العرض لم يكن رسمياً وان المنع لم يأت من إدارة المهرجان الفرنسي التي اعتادت فرض مثل تلك العادات البائسة.

بالنسبة الى كثر مرّ الأمر عادياً وتم الاستغناء عن مشاهدة "18 يوماً" في ذلك العرض ليشاهد في عروض أخرى، ويثنى عليه. أما بالنسبة الى البعض فإن حادثة المنع في حد ذاتها اعتبرت إشارة سيئة، لثورة تطاول المواقف السياسية والاختيارات الأيديولوجية من دون أن تطاول الذهنيات، حتى وان كان بعض المنظّرين نظر اليها على انها ردّ فعل الطبقات الوسطى في المجتمع المصري – وربما المجتمعات العربية الثائرة برمّتها – على قمع وتهميش طاولا وجودها منذ أول انقلاب عسكري حكم بلداً عربياً عند المفترق بين أربعينات وخمسينات القرن العشرين. فالحال ان إرغام مشاهدي فيلم ثوري على ارتداء ملابس رسمية أنيقة، ولو في حفل "كانيّ" يتنافى تماماً، مع مضمون أي فيلم ثوري. غير اننا هنا لن نوغل في التوقف عند هذا الأمر "الشكلي" بل سنتجاوز ذلك للوصول الى لبّ الموضوع الذي هو بالنسبة الينا هنا: كيف تفاعلت السينما والسينمائيون مع ما كان يسمّى في ذلك الحين – وربما حتى الآن بالنسبة الى كثر بـ"الربيع العربي". ولعل علينا قبل أي شيء آخر أن نؤكد هنا ان السينما، من بين الفنون كافة، وربما باستثناء الأغنية ورديفها الشعر ورسوم الجدران، كانت أكثر الفنون ومن أولّها، تجاوباً مع الثورة وتفاعلاً معها... وبالتالي أكثرها تعبيراً عن الثورة.

من ساحات الثورة

ولأن الأمر كذلك، كان من الطبيعي أن يكون التعبير السينمائي الأول عما حدث، تعبيراً، وثائقياً، حتى وان كنا نتفق مع أولئك الذين لا يرون في تصوير، وحتى تركيب، مشاهد ملتقطة مباشرة من ساحات الثورة وأحداثها، فعلاً سينمائياً حقيقياً. ومن هنا نميل، عند هذا المستوى من الكلام، الى استخدام عبارة "التعبير السينمائي" أكثر من استخدام عبارة "تحقيق أفلام سينمائية"، ذلك أن الفعل الثاني يتطلب ما لا يقلّ عن إعادة تركيب وتوليف عدد ما من التعبيرات السينمائية، لتنتظم في سياقات فيلمية، يكون نتيجة الواحدة منها فيلماً متكاملاً يحمل رؤيته وتعبيره، لكنه يحمل أيضاً منظومته الجمالية والفكرية.. وربما الايديولوجية أيضاً. وآية الآمر هنا هو اننا نعرف، منذ جعل التقاط المشاهد السينمائية – أو التلفزيونية، أو حتى تلك المرتبطة ببقية وسائل التواصل الحديثة من انترنيت ويوتيوب وفايسبوك وما شاكلها – السينما واحداً من أكثر النشاطات "الإبداعية" ديمقراطية، بفضل التقنيات المتجددة ذات الكلفة الزهيدة، صار في إمكان أي فرد يملك كاميرا – قد لا يتعدى ثمنها الخمسين دولاراً، ما يجعلها في متناول غالبية الناس – ان يلتقط ما شاء له الهوى من مشاهد في أيّ مناسبة من المناسبات. وهل ثمة مناسبة تحمل إغراءاتها، أكثر مما تفعل ثورات واعتصامات شعبية، من نوع تلك التي اندلعت في مدن – وأرياف – كثيرة من العالم العربي، على الأقل منذ انتحار محمد بوعزيزي التونسي، الذي يعزى اليه اشتعال العالم العربي؟

إذا، منذ تلك اللحظة، كانت الكاميرات – بالآلاف طبعاً – هناك، تصوّر تفاجيء، تستفهم، تحاور، بحيث يمكن القول إن ثمة الآن متناً مصوراً ربما يحسب بملايين الصور والمشاهد. فهل يمكن اعتبار هذا كله متناً سينمائياً؟ الجواب البديهي والأول هو: ابداً... ونعرف، ويعرف كل معنيّ بالسينما، أن المتن لكي يكون سينمائياً، في حاجة الى أن يمر أولاً، بين يدي مبدع ما – من دون أن يكون هذا الوصف حكم قيمة -، يعيد تركيب المشاهد والصور مولّفاً اياها، تبعاً لرؤية معينة، لا يمكن في أي حال من الأحوال، ان تعتبر موضوعية ونهائية بشكل مطلق. فرؤية التوليف هي، في نهاية الأمر، البعد الذاتي/الايدلويوجي، الذي يسبغه صاحب "الشريط" على عمله التوليفي. وهذا، على أية حال، ما فعله كثر، منذ ذلك الحين. بعضهم صوّر مشاهد رآها بأم عينه واصطادتها كاميراه، ثم طفق يجمعها ويصنفها في اختيارات قد لا نكون مخطئين ان نحن وصفناها بـ"الذاتية". أما البعض الآخر، وهو – على الأرجح – الأكثر حرفية، فقد راح يشتري ويجمع مئات المشاهد والصور التي التقطها آخرون ليولّف بينها ويصيغ فيلمه الخاص، ما شكل في نهاية الأمر، بين هؤلاء وأولئك، ذلك المتن السينمائي الذي يحلو لكثر أن يسمّوه اليوم: سينما الربيع العربي.

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

 

بحثا عن حقيقة الحدث ورغبة في تجديد الشكل

الوثائقي التونسي بعد 14 جانفي 2011

كمال بن وناس - تونس 

يستوجب تناول موضوع الفيلم الوثائقي أن نحدّد أولا طبيعة العلاقة بين مكوّنات اللغة السينمائيّة والدلالات الجمالية والفكرية للأثر الفنّي. فالفيلم الوثائقي ليس مجرّد تواتر صور وقع تسجيلها بمناسبة حدث ما، ولا هو روبورتاجا يقع تسجيله وتركيبه وأحيانا بثّه بسرعة تحت ضغط مستجدّات المادّة ألإعلامية بل هو ابداع ينطلق من إفرازات الواقع لتقع معالجته تقنيا وجماليا قبل أن يصبح خطابا سينمائيا يعبّر عن وجهة نظر مؤلفه.

لا يختلف الفيلم الوثائقي في أهدافه عن الفيلم الروائي لأنّ المهم في كلا العملين لا يتمثّل في اختيار موضوع بعينه فحسب ، بل أيضا في طريقة تناوله، وحذق تسلسل الأفكار والحجج فيه و كذلك في الجرأة على تطعيم المادة الوثائقية بجرعة سردية، كما نلاحظ ذلك عند كبار السينمائيين مثل "روبرتو روسيليني" أو "عباس كياروستامي" أو "رايموند ديباردون". فقيمة الفيلم الوثائقي لا تنحصر في درجة تقيّده بالواقع أو في ثراء مادته التسجيلية بقدر ما ترتبط بحذق توظيف هذه المادّة ضمن تمّشي متميّز ووجهة نظر ثاقبة وجريئة.

ومن هذا المنطلق، يمكن لنا القيام بعملية تقييم لبعض الأعمال الوثائقية التي وقع انجازها في تونس إثر ثورة 14 جانفي 2011.

الفضاء الخاص والفضاء والعام

من نتائج هذا الحدث التاريخي، ظهور علاقة جديدة بين مكوّنات المجتمع وواقعه من ناحية، والدوافع الملحّة التي تغذي ضرورة تسجيله وتصويره، من ناحية أخرى.

الكلّ يعلم أنّ تطوّر التقنيات السمعية البصرية قد سهّل لدى المواطن العادي القيام بعملية التوثيق باستعماله لتقنيات التسجيل والتركيب وحتى في البث عن طريق الانترنت. لذلك يمكن القول أنّ الثورة الرقمية قد ساعدت على انتاج ثورة اخرى : ديمقراطية التصوير وتسجيل كلّ ما يحدث في محيطنا الخاص والعام. ولقد شهدت السنوات الأخيرة شغفا كبيرا بالميدان السمعي البصري، دعمه، ولا شكّ، التطوّر الهائل الذي أحدثه الهاتف المحمول ذو الوظائف المتعدّدة، أو آلات التصوير الرّقمية سهلة الاستعمال. هذه المعطيات التقنية الجديدة فتحت المجال واسعا للمبادرة الفردية كتصوير المناسبات العائلية والاحتفالات الخاصّة، فأصبحت هذه المادة التّسجيلية ثمينة تنسج وتتبلور حولها الذاكرة الأسريّة ضامنة بذلك التّرابط بين أفرادها والتواصل بين أجيالها المتعاقبة.

لارتباط هذه الصور والأشرطة ارتباطا وثيقا بالفضاء العائلي الخاص فانّ أفراده يسهرون على المحافظة عليها والعمل على تداولها فيما بينهم في كلّ المناسبات. لذلك تمثل هذه الاشرطة حدّا فاصلا بين ما هو عائلي وما هو عمومي. فلا مجال للخلط بينهما، إذ لكلّ فضاء طبيعته ونواميسه وقوانين التعامل معه. فبقدر ما يوفّر الفضاء الخاص الحريّة التامة لتصوير كلّ شيء بدون حواجز ولا قيود، بقدر ما يخضع الفضاء العام الى قوانين وإجراءات إدارية، وتراخيص مشروطة. ان سبب هذا التباين الحاد يكمن في موقف السلطة القائمة تجاه النظام العام الذي تعتبره إطارا حكرا عليها، تراقبه وتسهر على تنظيمه وتحافظ على نسق الحياة فيه. لأنّ التصوير في الفضاء العام يعدّعملية إشكالية تتنافس فيها سياسة السلطة مع ردود فعل المواطن اتّجاهها، إذ تكون عملية التصويرفيه دائما مشروطة بترخيص أو مشفوعة بسابق إعلام. إذ بتحول المواطن من فرد يُشاهد أثناء قيامه بشؤونه العادية إلى فرد يَشهد ويُدلي بشهادته عن طريق عدسة الكاميرا، تصبح عملية التّصوير، في نظر السلطة، انقلابا خطيرا عليها وخروجا عن قانون الطاعة لها. فالفضاء العام هو قبل كلّ شيء تجسيد لسيادتها ورمز لهيبتها ترفض، بكلّ عنف وشراسة، أن تتقاسمه مع غيرها، إلاّ في حدود قوانين دقيقة تنفرد هي بوضعها و تأويلها.

انّ الخروج عن الطّاعة والجرأة على تصوير ما يحدث في الفضاء العام هو من أبرز مظاهر وإفرازات الثورة التونسية وقد كان لتوظيف هذه الصور في نطاق التفاعل الإعلامي والاتّصالي أثر كبير على مجرى الأحداث في تونس. لعبت هذه الصور والمشاهد التي التقطها الهواة والتي كانت تبثّها القنوات التلفزية أو المواقع الاجتماعية، دورا مهما في قلب موازين القوى يضاهي أو قد يفوق في بعض الأحيان دور المصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن في السّاحات العامّة و الشوارع.

إنّ التّغيير المفاجئ الذي طرأ على سلوك التّونسي هو علامة واضحة لتحوّل عميق في علاقة الفرد بالسلطة القائمة كما يشكّل نقلة أساسية في علاقة الفضاء الخاص بالفضاء العام. فقد انكسر الحاجز بينهما، وتبخّر الحدّ واندثرت قوانين التراخيص وغاب الردع.ممّا أفرز عند الفرد سلوكا جديدا فيه التزام وجرأة واندفاع للدفاع عن قيم المواطنة والديمقراطية. تبدو اذا عملية التصوير في الفضاء العام حبلى بمعان عديدة فهي تمرّد على الإعلام الرسمي ورفض لنظام الرّقابة والتزويق والدّعاية التي يختصّ بها.

في إطار هذه التحوّلات الرقمية والمتغيّرات التاريخية بادر العديد من التونسيين إلى توجيه عدساتهم نحو ساحة الأحداث في كلّ نقطة من تراب البلاد والتقطوا كلّ التحرّكات والمسيرات فكانت مادّة تصويرية هائلة، ثريّة ومتنوّعة توفّر للمؤرخ والمفكّر والمحلّل السياسي مادّة غنيّة وشافية حول ما وقع في تونس الحاضرة كما في تونس الأعماق لمدّة أسابيع عديدة. لكن للمرء أن يتساءل اليوم: هل وقع استغلال هذه المادة الضخمة وتوظيفها في أشرطة وثائقيّة؟. الجواب سيكون حتما بالنفيّ، لأنّه، إذا استثنينا بعض المشاهد التي وقع بثّها على المواقع الاجتماعية أو في بعض القنوات التلفزية، هناك فيض من هذه الصور مازال محبوسا في آلات التصوير، وفي ذاكرة الحاسوب الشخصي أو العائلي. ولا غرابة في ذلك، لأنّه غالبا ما تبقى هذه المّادة المصوّرة مرتبطة بقوانين وظروف انجازها ووظيفة محقّقيها. أي أنّها تُرَتَّبُ وتحفظ ضمن أرشيف العائلة، كمادة خام، دون الحاجة إلى تركيبها ومعالجتها فنّيا وجماليا، لغياب نيّة تحويلها، لدى المصورين، الى عمل فنيّ متكامل ومتناسق المعالم.

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

 

وثائقيات "الربيع المغاربي".. تونس أنموذجا

محمد اشويكة  

على سبيل التقديم

شَهِدَ العَالَم العربي هزَّات قوية، من أقصاه إلى أقصاه، جَرَّاءَ امتدادِ موجة المطالب السياسية والاجتماعية المنادية بإسقاط الأنظمة والفساد، وتحقيق الحريات المدنية والسياسية، وتقليص الفوارق الطبقية، والحد من الهيمنة على القرار (ديكتاتورية الأقلية)، واقتصاد الريع.. والسعي لتغيير ذلك وفق خطوات جريئة وملموسة لإحداث قطيعة مع تلك الأوضاع، وإحقاق أسس ديمقراطية تلغي حالة الاحتقان التي تعيشها المجتمعات العربية.

واكب هذه الطموحات، بل واستشرفها، قبل حدوثها، المبدعون والكتاب والفنانون.. ولم تكن السينما بمعزل عن ذلك؛ إذ أنجز هواتها ومحترفوها عدة وثائق سمعية بصرية، تختلف من حيث قيمتها الفنية وجمالياتها، ولكنها تؤرخ لما جرى، فاسْتُعْمِلَت الكاميرات الرقمية اليدوية الخفيفة، والهواتف المحمولة.. لتملأ "الوثائقيات السمعية البصرية" القنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية المهتمة بنقل تلك الأحداث ونشرها...

وبما أن حجم تلك الفورة الحماسية يختلف من بلد مغاربي إلى آخر من حيث الزخم والامتداد، فقد كان عدد الأفلام الوثائقية مختلفا بحسب الأقطار، فضلا عن انحسار الاهتمام بالتوثيق السمعي البصري في ليبيا، مثلا، خارج نطاق القنوات التلفزيونية، من طرف مهتمين ومخرجين ليبيين نظرا لجو الحصار العام الذي كان مفروضا في زمن الحكم البائد على وسائل التصوير، وغياب البنيات التحتية المُسْعِفَة في إنجاز الأفلام الوثائقية، تكوينا وانتشارا. أما في المغرب والجزائر وموريطانيا، فقد كانت الوثائق السمعية البصرية لا تتجاوز حدود ما أنجزه بعض الهواة والمشاركين في التظاهرات الاحتجاجية التي اختلفت حدتها من بلد إلى آخر، وانتشرت، خصيصا، على الشبكة العَنْكَبِوتيَّة. عرف المغرب أكثر هذه الاحتجاجات مقارنة بين الجزائر وموريتانيا، إلا أنها كانت منظمة وعرفت صدامات عنيفة بين المحتجين ورجال الأمن كان أهمها أحداث مدينة تازة. على عكس ذلك، شهدت تونس حالة فوران كبير، استمر مدة طويلة وانتهى بإسقاط النظام السابق، وهي المدة التي سمحت لبعض المخرجين التونسيين بالانكفاء على إنجاز أفلام وثائقية رصدت أحداثا مهمة عن الثورة وتطوراتها.

بغض النظر عن التوصيفات التي صاحبت هذا الحراك العربي فقد خلقت هذه الدينامية الاحتجاجية هزات كبيرة وفارقة على مستوى الشعور الفردي والجمعي للإنسان العربي، ساهم في تشكله توالي الأحداث، دقيقة بعد دقيقة، مما أدى إلى تفاعل أكثر من ثلاثمائة وخمسين مليون شخص معها، مشاركة ومواكبة.. هكذا، تابعت الجماهير العربية عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية عددا كبيرا من الوثائقيات السمعية البصرية التي نقلت وتنقل بالتفصيل ما وقع ويقع في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا والأردن وسوريا .. باعتبارها أكثر الفضاءات العربية حِرَاكاً؛ إذ عَايَشَ الناس مخاضات إنهاء الديكتاورية في تونس وليبيا ويتابعون فصول تفاعلاتها وخطواتها في مصر والبحرين وسوريا وغيرها، وبذلك تكون هذه الوثائقيات قد حققت عدة وظائف نوجزها فيما يلي:

- نشر الوعي السياسي في صفوف الجماهير عبر تصوير الأحداث...

- المساهمة في تربية الناس على المطالبة بحقوقهم...

- التعريف بالحقوق المشروعة والعادلة وتعرية الواقع الأمني الذي خنق أنفاس الناس...

- التعريف بوضعية حقوق الإنسان ونقل المآسي التي نتجت عن عدم احترامها في المجتمعات الثائرة...

- تعميم التواصل بين الشعوب العربية المتضررة وكشف مشاكلها، ودرجات التفاوت الحاصلة بينها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي التي عجلت بتفجير الأوضاع...

- كسر حاجز الخوف الذي أثقل نفوس الناس بفعل إحكام الأنظمة البوليسية والمخابراتية سيطرتها على الأوضاع مما ولد حالة من اليأس والقهر والانهزام.. ساهمت في دفع الشباب – سواد الأمة العربية – إلى اللجوء إلى التطرف وتناول المخدرات والهجرة...

في إشكالية التعريف:

قبل جرد أهم الأفلام الوثائقية التي تناولت الثورة التونسية كنموذج لبحثنا هذا، فلا بد من الإشارة إلى أن ما سَمَّيْنَاه، قصدا، بالوثائقيات السمعية البصرية، نظرا لعدم توفر الشروط الموضوعية الكافية لجعل بعضها يرقى إلى مستوى الفيلم الوثائقي، فإن الفيلم الوثائقي ينطلق من تعريف بسيط يتأسس على تصوير ورصد الوقائع والأحداث، وكذا المؤثرين فيها، بشكل يراعي شروط التفاعل المباشر، فإنه يتطلب بحثا عميقا من شأنه أن يُمَكِّن المخرج من بلورةِ وجهةِ نظرٍ معقولة ومؤثرة تُحَوِّلُهُ إلى عَمَلٍ فني متكامل، وذلك ما يتطلب عدة شروط نشير إلى أهمها:

- ترك الأحداث تتوالى وتنساب دون البحث عن تأكيدِ فكرةٍ أوليةٍ مسبقةٍ حولها.

- عدم إغفال إحساس المخرج ووعيه مقارنة مع الوقائع المُصَوَّرَة.

- القدرة على تجاوز محدودية الموضوع بغية الوصول إلى تحقيق كونية الشرط الإنساني.

- إذكاء روح الخيال وشحذه لدى المتلقي عن طريق اقتراح بعض المفاتيح التي تساعده على ذلك وليس من خلال إعادة إنتاج الواقع.

فإلى أي حد استطاعت الأفلام الوثائقية المغاربية تحقيق تلك الشروط الفنية؟ ما هي رهاناتها الجمالية؟ إلى أي حد استطاعت تجاوز العوائق الذاتية والموضوعية؟

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

 

قراءة نقدية في التماهي بالسلطة

من خلال "اللحظات الأخيرة" و "سرت.. مسارات الحسم"

عدنان حسين أحمد 

تهدف هذه الدراسة النقدية إلى تسليط الضوء على فلمين وثائقيين وهما "اللحظات الأخيرة" للمخرج أحمد زين، و "سِرت. . . مسارات الحسم" الذي أعدّه وقدّمه تامر السحال. يعالج هذان الفلمان فكرة التماهي بالسلطة، ويرصدان ظاهرة التشبّث المرَضي بكرسي السلطة إلى حدّ التوّحد. وسنرى في فلم "اللحظات الأخيرة" كيف يستنفد الرئيس المخلوع حسني مبارك كل أوراقه قبل أن يذعن للأمر ويقبل بالتنحّي على مضض. أما في فلم "سِرت . . . مسارت الحسم" فلن يستسلم العقيد معمّر القذافي إلى الثوار لأنه لا يستطيع أن يتصور نفسه خارج الدوائر الضوئية لبذخ القصر الجمهوري وبريق السجّادة الحمراء، فلا غرابة أن يلقى حتفه على أيدي الثوار الذين صبروا عليه طويلاً إلى أن طفح الكأس وبلغ السيل الزُبى فوجد نفسه هدفاً لرصاصة قريبة بدّدت كل أوهامه الرئاسية دفعة واحدة لتطوي صفحة الاستبداد التي تألق فيها على مدى اثنين وأربعين عاماً.

اللحظات الأخيرة

تكمن أهمية فلم "اللحظات الأخيرة" للمخرج أحمد زين في معالجته للجانب النفسي من شخصية الرئيس مبارك والوقوف عند حلقته الضيقة سواء من أفراد أسرته أو من بعض الساسة والقادة العسكريين المحيطين به. ومهما يكن الخلاف شديداً حول العقود الثلاثة التي أمضاها مبارك في حكم مصر فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم الدهشة في سقوطه المفاجئ خلال ثمانية عشر يوماً من عمر الثورة لا غير!

اعتمد المخرج وكاتب السيناريو أحمد زين في صياغة رؤيته الإخراجية لهذا الفلم الوثائقي المتميز على عشرة كتاب وصحفيين ومحللين سياسيين ونفسيين. وعلى الرغم من أهمية المعلومات القيّمة التي قدّمها معظم المشاركين في صناعة المناخ العام لهذا الفلم، إلاّ أنَّ القيمة الأساسية لهذا الفلم تظل محصورة في التحليلات النفسية العلمية لشخص الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك من جهة، وفي تحليل خطابه السياسي من جهة ثانية. إذاً، السؤال الجوهري الذي يطرحه مخرج الفلم أحمد زين يمكن صياغته بالشكل التالي: كيف استقبل مبارك وأفراد أسرته أخبار الاحتجاجات والتظاهرات حينما بلغت ذروتها، وكيف كان يتصرف هو شخصياً في اللحظات الأخيرة التي سبقت انهياره وسقوطه المروِّع الذي أذهل المراقبين.

اتخذ المخرج أحمد زين من خطاب زين العابدين بن علي كمفارقة لأنه فهم احتياجات ومتطلبات شعبه بعد "23" سنة من حكمه الاستبدادي. وقد آثر السلامة وفرّ هارباً إلى السعودية، لكن السؤال المثير للجدل هو: هل فهم مبارك شعبه الذي يعج بالفقر والبطالة والبؤس؟ وهل انتبه ذات يوم إلى العشوائيات، ومئات الألوف الذين يسكنون في المقابر، ويزاحمون الأموات في سكنهم، ويؤرقونهم حتى في رقدتهم الأبدية؟ تقول الرسائل الداخلية لهذا الفلم أن حسني مبارك كان مغروراً ومتطوساً وممتلئاً بالزهو الفارغ الذي وصل إلى حدّ السخرية والاستهزاء بالمعارضين والمتظاهرين الشباب حينما قال دونما خجل أو وجل: "خليهم يتسلّوا"، ونسي أن هؤلاء الشباب المحتجين سوف يتسلون طويلاً بعجرفته ورؤيته القاصرة التي لم تكن تتجاوز أرنبة أنفه. فقد كان ينظر إلى بن علي نظرة دونية، كما يؤكد الصحفي إبراهيم عيسى، بل وتمادى في وصفه حينما قال: "إنه ليس رجلاً"، وكأن الرجولة تتمثل في التشبث بالحكم لأطول فترة ممكنة، وسفك المزيد من الدماء. وحينما كان يأتي على ذكر الشباب الثائر في بعض المؤتمرات مثل القمة الاقتصادية وغيرها كان يعتقد بأن هذه الإشارة كافية لتهدئة روعهم وإطفاء غضبهم.

اعتقد مبارك في الأيام الأولى من الثورة بأن هذه المظاهرات ستمر مثل الاحتجاجات التي سبقتها، وقد رسّخ هذه الفكرة الخاطئة لديه وزير داخليته حبيب العادلي الذي كان يبايعه هو ورجاله على الإخلاص التام والولاء الأعمى.

المجهر النفسي

نبّه المخرج والسينارست الأميركي باري هامب، صاحب كتاب "صناعة الأفلام الوثائقية" إلى خطورة "الرؤوس المتكلمة" التي لا تقول شيئاً جوهرياً يعزز فكرة الفلم، ويساند خطابه البصري، وربما ينصّب كلام محمد محمود، المصور التلفزيوني الخاص بمبارك، في هذا الإطار الحكائي الذي يقدم ملاحاظات عامة، ويصف المشاعر الخارجية التي لا تنفع المتلقي بشيء خلافاً لمحمد مهدي مؤلف كتاب التحليل النفسي لمبارك الذي زوّدنا بأفكار مهمة، وملاحظات عميقة عن سلوك الرئيس، وموقفه المتعالي على الناس، فلا غرابة أن يهوِّن حسني مبارك من أمر المظاهرات ولا يرى فيها أي خطر داهم، لأنه مطمئن تماماً إلى قدرات مؤسسته الأمنية التي صنعتها عقول مريضة ومشلولة سوف تمْثل أمام القضاء المصري لاحقاً لتنال جزاءها العادل.

حسناً فعل المحلل النفسي لسلوك مبارك حينما رصد لنا طريقة تفكير مبارك، ورؤيته السياسية للأحداث. ونتيجة لتطوسه المُشار إليه سلفاً فإنه لم يدرك غضب الجماهير، ولم يتحسس غليانهم، بل أنه لم يكلف نفسه عناء قراءة الصحف أو متابعة بعض القنوات الفضائية. ويعزو محمد المهدي ذلك "إلى وجود مشكلة كبيرة لدى مبارك في الإدراك، وأنه كان يريد أن يرى الصورة كما يحب أن يراها هو، لا كما هي على أرض الواقع" ويمضي المهدي إلى القول بأنه لا يقرأ صحف المعارضة، وإنما يكتفي بقراءة أجزاء بسيطة من الصحف اليومية الرسمية، ولا يتابع البرامج الحوارية التي تستضيف شخصيات معارضه للنظام المصري. والأغرب من ذلك أنه لم يكن يرغب بمتابعة قناة "الجزيرة" لأنها كانت "تحرق دمه وأعصابه" كما يذهب الكاتب مصطفى بكري. باختصار شديد، أنه لا يحب أن يرى الجانب الآخر من الصورة. لذلك لم يشعر مبارك بالخطر في الأيام الأولى من ثورة يناير، بل أن حرَمَهُ قد التقت السفيرة الأميركية يوم 27 يناير واستغرقت زيارتها زهاء ساعة كاملة دون أن تكشف ملامحها عن أي أثر للتذمّر والانزعاج، بل أن مستشاريه ووزير داخليته لم يشعروا بأن "هناك أزمة حقيقية في الشارع المصري" وهم يتصورون بأن هذا الحدث العابر سيمر من دون جلبة أو ضوضاء. وعلى الرغم من انفجار الأوضاع في مدينتي السويس والأسكندرية واستشهاد العديد من الشباب إلا أنَّ مبارك ظل محتفظاً بهدوئه الخارجي، ومستمتعاً بحياته الرخيّة في قصره الباذخ ذي النوافذ السميكة المظللة التي لا يرى من خلالها أشباح المتظاهرين. فيما يرى الكاتب محمد الباز أن نظام مبارك بدأ يهتز حينما أوكل لصفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي، مهمة الدفاع عن النظام وصلابة رموزه، وقد أظهر حرصه على الشباب، وادعى بأنَّ حزبه يغصُّ بهم، وهم يرددون نفس الكلام الذي يردده شباب ميدان التحرير وهذه مغالطة كبيرة هدفها التشويش والإرباك لا غير.

كما نفى هروب بعض المسؤولين، وقال بأنهم لا يزالون واقفين وشامخين. فيما كانت أجهزة الأمن تعتقل نصف أعضاء مكتب الإرشاد وعشرات من قيادي الإخوان المسلمين، وتراقب بحذر أنصار البرادعي الذين كان يتنظرون وصول زعيمهم في المطار. فقد استقر في ذهن مبارك ووعيه الداخلي بأن البرادعي هو زعيم الثورة وحاديها المرتقب، وقد أعطى الثوار زخماً لم يقدِّره النظام حق تقديره. لم يقتصر اهتزاز النظام على تشوش رموزه حسب، بل إلى توتر الرئيس نفسه واضطرابه، إذ أصدر للعادلي أمراً مخالفاً للأعراف السياسية، وحدود اللياقة حينما طلب منه أن يبلغ المشير الطنطاوي بإنزال الجيش إلى الشوارع، وقد فعل هذا الأخير بعد أن اتصل بالرئيس مبارك مستعيناً بخطة قديمة تحمل اسم "إرادة". أمر مبارك بقطع الاتصالات والإنترنيت فيما بلغ الغليان في الميادين ذروته خصوصاً بعد سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، الأمر الذي حفّز الرئيس الأميركي أوباما للاتصال بمبارك، غير أن هذا الأخير طمأنه اعتماداً على حدْسه المشوّش بأن الأمور ستعود إلى طبيعتها في غضون ساعات قليلة قادمة. يخلص المحلل النفسي محمد المهدي إلى القول إن في عمق التركيبة النفسية لحسني مبارك إحساس بعدم الأمان يغلّفه بادعاءات كاذبة مفادها أنه لا يخاف، ولا يتأثر لأنه واجهَ مصاعبَ وأهوالاً كثيرة خلال حياته الطويلة المنصرمه، ولكنه يصّر على إنكار الحقيقة الدامغة التي تقول بأنه لا يريد أن يرى الجانب الآخر من الصورة.

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

 

وثائقيات الثورة:

تفكيك الصورة وبناها التعبيرية

د.طاهر علوان  

تتوغل الصورة في قلب الحدث وتنفذ مساراتها في وسط الحشود ، تستمد وجودها ونسغها الصاعد من الهتاف واشكال الصراع المحتدم للوصول الى الذروة ممثلة في التغيير ، الصورة التي نحن بصددها وهي وثائقيات الثورة تتخذ مساراتها المتوازية مع انساق الصورة الفيلمية التقليدية وخاصة الصورة التقليدية للفيلم الوثائقي من خلال مقاربات متعددة اولها الواقعية ونقل الحقيقة والشخصيات غير التمثيلية والحدث والمكان والزمان الحقيقي ، لكن هذه الصور تمارس ازاحات مهمة للشكل السينمائي والصوري القائم على النوع Genre ولهذا فأن سؤال النوع هو اول الأسئلة والمقاربات التي تسعى الى تنميط صور الثورة في اشكال تعبيرية خاصة بها تنتمي الى تلك السيرورة الصورية التقليدية لكن الى اي حد يمكن ان يتحقق ذلك ، هذا هو السؤال لاسيما بارتباطها بعناصر "قوة" تعبيرية تحتاج الى الفحص والتحري .

بموازاة ذلك تبرز قوة الصورة من كونها تتماهى وتمتزج مع شكل الوثيقة السياسية بعدما رسخ الفيلم الوثائقي السياسي وتعمقت خواصه وميزاته كدال على شتى التحولات والثورات والحروب والأنقلابات منذ مطلع القرن الماضي وحتى اليوم وهنا كانت صور الثورات العربية تعقد وشيجتها الخاصة والحميمية مع غائية محددة هي الأرتقاء مع الصورة الوثائقية التي تسبح في بحر المتغير السياسي وبذلك تجد لنفسها عنصر لقاء وحماية انها تحاكي ذلك المعطى وهذا النوع الفيلمي بهذه الدرجة او تلك .

لكن تبرز اشكاليات اخرى مهمة لابد من التوقف عندها تتعلق بالشكل التعبيري والوظيفة الأتصالية الجمالية فالصورة تنصرف مسنودة بسرعة التكنولوجيا الحديثة ومرونتها وبهذا تتخلى بسبب ذلك عن اشتراطات مسبقة تتعلق بالشكل الصوري التعبيري لأنها بالأساس تمتلك قوتها من كونها تكتنز بالمضون الخبري التعبوي اكثر من اي شيء آخر مع ان هنالك وقفات ضرورية لأفلام وثائقية قصيرة حاولت ايجاد تلك الموازنات : الطابع التعبوي – الخبري – الحماسي – مع المعايير الفنية والجمالية التي تتعلق ببناء الموضوع وطريقة بنائه والجمهور المستهدف والوسائل والأدوات التعبيرية المتعلقة بجماليات الصورة وتكنيك التصوير والصوت والمؤثرات الحية فضلا عن المعالجة الفيليمة للفكرة المعروضة .

قوة الصورة في وثائقيات الثورة تنفتح ايضا على فضاء يتعلق بالجمهور المستهدف ، بالحشود المليونية التي تترقب امام الشاشات لمتابعة كل ما جرى ويجري ، جمهور "عولمي" يشمل شعوبا وثقافات وامما ومستويات للوعي ومواقف منسجمة ومضادة كل ذلك في كل متكامل تتكامل فيه وثائقيات الثورة مع وظيفتها الاتصالية – التعبيرية.

قراءة وثائقيات الثورة يقودنا الى عدد من المقتربات الهامة مما اشرنا اليه آنفا وغيره مما تستحقه تلك الحصيلة الوثائقية الغزيرة التي تتطلب اعادة القراءة النقدية والتحليل السمعي - البصري .

من التظاهر الى التغيير

تنطلق الصورة الوثائقية من ملامسة موضوعية للواقع ، في نوع من الالتحام الموضوعي الذي يجعل السينما الوثائقية مرآة للواقع ويجعل الواقع صورة وتجليا من تجليات السينما الوثائقية ووفق هذا المسار فأن اعادة قراءة الصورة الوثائقية كمجرد موضوعي يقودنا الى تلك الغائية الافتراضية التي مفادها ماذا نريد ان نقول ؟

تتجه الوثيقة الفيلمية فيما يتعلق بالثورات الى كينونة كاملة ممثلة في ثنائية التظاهر / التغيير ، الخروج الى الشارع بوصفه فعلا مجردا وذاتيا معزولا عن فرضية النجاح / الفشل / المواجهة / العنف / الاعتقال / المطاردة / التصفية ,هذه المعطيات هي التي تعطي للحركة قيمة تعبيرية في كون حركة التظاهر مبنية على عامل كامن مواز وهو ذلك الصراع الجاثم هناك في عرض الشارع ، فالكل يتحرك في المشهد الحياتي الواقعي وهو يواجه خصما وندا للصراع ولهذا كانت تلك الحركة الفاعلة للشخصيات قد نزعت عنها صفة التجريد الى الاكتمال الدرامي القائم على وجود الآخر الخصم وصولا الى شكله الافتراضي الممثل في النظام الذي يجري التظاهر ضده .

وعلى هذا لم تنطلق قراءة الصورة الفيلمية الوثائقية من افتراض جدالي مجرد بل من حقيقة وصراع شكلا نواة للفكرة التي ستتلقح بها الصورة وتتنشط سيرورتها وتصبح على ماهي عليه : محرضة وضاغطة وخبرية وجماهيرية ، هذه كلها ترسم واقعا مؤفلما في شكله الواقعي وتغدو الحركة المنطلقة من نقطة التظاهر الى الذروة وهي التغيير تغدو حركية متماهية مع جوهر الفيلم والحقيقة الفيلمية :

- ان الفيلم ينشد الحركة وكذلك الحشود

- ان الفيلم يتجه الى غائية مجسدة وواقعية وكذلك الحشود

- ان الفيلم يبحث عن دافع ما يظهر على الشاشات وكذلك الحشود

- ان الفيلم يتجلى جماليا وتعبيريا من خلال قوة الأضداد وكذلك الحشود

وعلى هذا وجدنا ان قوة التغيير التي استندت اليها الوثيقة الفيلمية قد افضت الى سلسلة متلاحقة من المعطيات يمكن اجمالها بما يلي :

- ان الوثيقة الفيلمية مؤطرة بشرطها الواقعي ممثلة في الشارع ، الساحة : مكان التظاهر .

- ان المكان يتحول في الصورة الفيلمية إلى فاعل مواز :أين ؟ فمن جهة يكون الحيز المكاني عنصرا معلوما في تقديم الصورة ومن جهة اخرى يغدو مفعولا خبريا وعلى هذا كانت ميادين التغيير والتحرير علامة وايقونة مكانية اشتركت فيها الصورة واشترك فيها فعل التظاهر / التغيير .

- ان الوثيقة الفيلمية ووثائقيات الثورات العربية كانت تبحث عن متونها الحكائية ومروياتها بحسب ( جان –ميشيل فروندون) ووجدت في فاعلية التظاهر / التغيير مصدرا اساسيا في التوصل الى تلك المتون من ناحية كونها متغايرة ، متطورة ، مواكبة للحدث ابتداء من بواكير التظاهرات ثم الصدام مع اجهزة السلطة ثم نقل وقائع ومرويات وشهادات محددة للمتظاهرين وصولا الى تكامل قوتي الصراع في حشد النظام قواته القمعية في مقابل حشد الجمهور واحتدام المواجهة .

- ان الوثيقة الفيلمية ستزيح المشهد الكلي وتكرس بدلا عنها اجزاء المشهد من خلال اقتطاع اجزاء منه وفحصها ومعنى ذلك ان التظاهر كفعل جمعي يصبح ارضية وحقيقة مدركة سابقة فيما تتجه الوثيقة الى الحفر في اجزاء ومراكز من المشهد من خلال التركيز على وحدة واقعية محددة من وحدات متعددة .

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

 

مقارنة بين أنماط الانتاج لأفلام الثورة:

التليفزيون تنظيم وحرفية...والأفراد أكثر حرية..!

عصام زكريا 

تنقسم الأفلام الوثائقية المصنوعة عن ثورة يناير إلى كتلتين أساسيتين. الأولى تضم الأفلام التي أنتجتها شركات انتاجية سينمائية للأفلام الروائية أو الوثائقية ومؤسسات اعلامية على رأسها محطات التليفزيون ويليها بعض الصحف المعروفة والهيئات الحكومية. والثانية تضم الأفلام "المستقلة" التي أنتجها أفراد سواء كانت فقيرة انتاجيا أو توفر لها تمويل جيد عبر شركات انتاج سينمائية.

الاختلاف بين هذين الكتلتين لا يقتصر على مدى حجم الانتاج واحترافيته، ولكنه يمتد إلى المضمون أيضا كما سأحاول أن أبين هنا من خلال عرض أشكال الانتاج ومضامين هذه الأفلام والمقارنة بينها.

الأفلام الروائية ليست موضوعنا، ولكن على كل حال لا يمكن ذكر الكثير عنها، سوى أنها معدودة، ومحدودة الطموح حتى الآن.

أيضا يمكن الإشارة هنا إلى أنه للمرة الأولى تقريبا يعرض فيلم وثائقي طويل مكون من ثلاثة أفلام قصيرة في دور العرض السينمائي العامة، المخصصة للأفلام الروائية. صحيح أن دور العرض العامة تشهد أحيانا عرض بعض الأفلام الوثائقية في إطار مهرجان، أو حدث ثقافي ما، ولكن المختلف هنا هو أن الفيلم، الذي يحمل عنوان "الطيب والشرس والسياسي" ( اخراج تامر عزت، أيتن أمين وعمرو سلامة)، قد أنتج خصيصا لهذا الهدف وهو العرض العام، كما أن منتجه محمد حفظي واحد من منتجي الأفلام الروائية المعروفين في الساحة السينمائية المصرية الآن.

فيما يتعلق بالأفلام التي أنتجتها هيئات حكومية مثل هيئة الاستعلامات أو المركز القومي للسينما في مصر فليس هناك ما يمكن ذكره. وقد أثبتت هذه الهيئات الرسمية خصومتها للثورة وولائها المطلق للنظام المخلوع منذ اليوم الأول لقيامها، وحتى بعد شهور طويلة من سقوط النظام. ومن المذهل أن نعرف أن كلا الهيئتين لم ترسل كاميراتها إلى الميادين لترصد أهم حدث في تاريخ مصر الحديث!
أبدأ – إذن - مع الأفلام التي أنتجتها محطات التليفزيون المعروفة، مستعينا بثلاثة أمثلة: أفلام "الجزيرة الوثائقية"، والبي بي سي، والتليفزيون المصري.

"الجزيرة" كانت أكثر القنوات اهتماما بتغطية الثورة في مصر يوما بيوم وساعة بساعة، وبالإضافة للمواد التي صورها مراسلوها شارك عدد كبير من المشاهدين بارسال مواد إلى القناة لبثها، كما أنها تملك أرشيفا كبيرا من المواد المصورة للأحداث القديمة والمعاصرة. هذه الغزارة من الصور، والقدرة الانتاجية الكبيرة وفوق ذلك الطريقة التي تعمل بها قناة "الجزيرة الوثائقية" من شراء ودعم الأفلام التي تنتجها شركات صغيرة، كل ذلك مكن مكن "القناة" من تنفيذ مشروع شبه متكامل لتغطية الثورة المصرية فيلميا، من خلال تقسيمها إلى موضوعات ووحدات وأفكار هي الأقدر حتى الآن على استيعاب هذا الحدث العظيم.

من البديهي أن حدثا بحجم الثورة المصرية لا يمكن لأي فيلم مهما بلغ زمنه أن يستوفي كل جوانبها، ولا حتى عشرات الساعات والأفلام. ومن المعروف أن كل فيلم يحتاج إلى بؤرة مصغرة وخيطا أساسيا تلتف حولهما المشاهد واللقطات. وهي الفضيلة التي غابت عن معظم الأفلام التي شاهدتها عن الثورة، خاصة المستقلة.

الخبرة والاحترافية التي تتسم بها أول قناة وثائقية باللغة العربية ساهمت في إنقاذ الأفلام التي أنتجتها من هذا الفخ. لا يعني ذلك أن كل انتاجها على نفس المستوى من الجودة الفنية أو التماسك البنائي، ولكن على الأقل من ناحية الشكل والبناء العام للأفلام فهي الأكثر تماسكا وجودة.

هنا يجب أن أشير أيضا إلى واحد من أوائل الأفلام التي صنعت عن الثورة، وهو التقرير الفيلمي "الثورة الضاحكة" الذي أنتجته قناة "بي بي سي العربية" بعد أيام من تنحي مبارك. فبالرغم من أنه تقرير إخباري تليفزيوني من الناحية الوظيفية إلا أنه أقرب لطبيعة الفيلم الوثائقي النموذجي أكثر من كثير من الأفلام التي صنعت عن ثورة يناير.

قناة "الجزيرة" أنتجت ما يزيد عن ثلاثين فيلما عن ثورة مصر منها عشرون فيلما تعتبر أجزاء أو حلقات متصلة بعنوان "يوميات الثورة المصرية"، وفيلم من ثلاثة أجزاء بعنوان "الطريق إلى التحرير"، وفيلما من جزئين بعنوان "من سيحكم مصر" عن انتخابات الرئاسة المصرية، بجانب عدد آخر من الأفلام التي تتناول مواضيع بعينها من الثورة مثل دور النساء فيها أو تأثير الفيس بوك عليها.

كامل المقال

الجزيرة الوثائقية في

02/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)