حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ألان رينه عنكبوت السينما شابٌ في التسعين!

هوفيك حبشيان

 

في حوار شامل معه في مجلة "سينما" الفرنسية، نُشر عام 1980، تطرق ألان رينه الى عصاميته على هذا النحو: "تركتُ معهد الـ"ايديك"، لأنه لم يكن فيه الكثير لأتعلمه. السنة الاولى كانت عامة: كان الكل يتلقى التحصيل العلمي نفسه. حياة مدرسية مع ما فيها من نظراء، علامات، صباحاً وظهراً ومساء. لم اشعر بالارتياح. وخصوصاً، لم يكن في استطاعتي ان اتعلم الشيء الذي كنتُ أتيت من أجله، يعني المونتاج. في النهاية، تعلمته على آلة قصّ ولصق بدائية".   

بعد تجارب غير مرضية في تقمص الأدوار، انجز رينه مجموعة افلام انطلاقاً من تجارب التشكيليين الكبار: فان غوغ، بيكاسو، غوغان والفنّ الافريقي الذي عالجه في "التماثيل تموت أيضاً"، تشارك اخراجه مع كريس ماركر. انها خمسينات القرن الماضي، ورينه كان أول مَن وضع أسس الفيلم الذي يتخذ من الفنّ مادة نقاش له. منذ البداية، ظهر عنده ميل واضح الى الأدب، في مرحلة كانت الاقتباسات الأدبية سائدة، فكان مقرباً من نيكول فيدريس، وكان اختار مكاتب "منشورات سوي" الشهيرة مقراً له ولكريس ماركر. ثم، عام 1955، مع جان كارول، أحد كتّاب "سوي"، أنجز فيلماً أصبح في ما بعد أقوى تعبير بصري لمعسكرات الاعتقال النازية. جاء الشريط مشبعاً بالواقعية. السبب أن كارول كان يعرف عما يتكلم كونه احد الذين اعتُقلوا خلال ما سمّاه النازيون "الحلّ النهائي". 

بعد هذه الرائعة، التي وشت بموهبة استثنائية عند مخرجنا الثلاثيني، خاض رينه تجربة الفيلم الروائي الطويل. "هيروشيما حبي"، حلّ في اللحظة التي تحول فيها مسار السينما الفرنسية. في العام نفسه الذي شهد ولادة "الموجة الجديدة"، أي عام 1959، قدّم رينه هذا الفيلم الذي أعدّت له السيناريو مارغريت دوراس. ذات يوم زار رينه صاحبة "الشاحنة" طالباً اليها أن تساعده في وضع نصّ لفيلم يريد انجازه. تروي دوراس: "أمضيتُ 13 يوماً وانا اقول في نفسي سأتخلى عن هذا المشروع، فقد كان من المستحيل انجاز فيلم عن هيروشيما. لكني، انطلقت من حال الاستحالة هذه لإتمام الفيلم. كان في بالي جملة "لم ترَ شيئاً في هيروشيما". كان ينبغي لرينه أن يذهب الى هيروشيما للتصوير بعد سبعة أسابيع. تقبّل فكرة السيناريو من حيث المبدأ (...). هو الذي نصحني بإيمانويل ريفا. أراني صورة لها. كانت تلبس تنورة سكوتلندية. التقيتها عشية مغادرتهما الى هيروشيما وأمضينا سهرة كاملة معاً وحكيتُ لها حكاية سيدة هيروشيما الى أن رأيت دموعها تنهمر".

كان رينه قد عثر على ريفا في الأوساط المسرحية. آنذاك، في نهاية الخمسينات، لم يكن رائجاً أن يهتم السينمائيون بممثلي المسرح. كان هو يبحث عن وجوه غير معروفة من الجمهور العريض. راح يصورها حيناً بكاميراه الصغيرة، وحيناً يلتقط لها الصور. لم يتأخر كثيراً قبل أن يستقر خياره عليها. جاء الفيلم مزيجاً من الواقع والخيال وحاز اعترافاً دولياً كبيراً. في الجزء الأول، هناك لقاء، من خلال توليفة مميزة، بين لقطات توثيقية ومشاهد اخبارية وتعليق موسيقي وصوتي. كل هذا ينطلق من تيمة "لا، لم تشاهد شيئاً من هيروشيما". عبر مصير امرأة احبّت جندياً مات أمام اعينها، صوّر رينه أشياء كثيرة: بارات، علب ليل، مطاعم، شقق ومحطة. خلطة أشياء ومآسٍ. هيروشيما أرضٌ خصبة لنتذكر الحرب في نيفير. المأساة الشخصية تجاور المجزرة الجماعية. الفيلم يصبّ جام غضبه أمام وجوهنا، رافعاً صوته في وجه الظلم: الإنسان، كيف يمكنه أن يفعل هذا؟". 

أفلام كبيرة جاءت في الستينات: "السنة الماضية في ماريينباد"، "مورييل أو زمن العودة"، "الحرب انتهت"، "بعيداً من فيتنام"، "أحبّك أحبّك". في "السنة الماضية..."، استعان بنصّ كبير لأمير "الرواية الجديدة" ألان روب غرييه. في قصر من القصور ذات الهندسة الباروكية، جزم رجل بأنه التقى العام الماضي امرأة متزوجة من رجل "مقلق". أين الحقيقة وأين الوهم في هذا الفيلم الاستثنائي الذي قلما أنجز مثله في تاريخ السينما؟ لعبة مونتاج جديدة يتشابك خلالها الماضي والحاضر والمستقبل. شخصية تلتف حول نفسها كسجناء فان غوغ، طارحة أسئلة لا تجد من يردّ عليها، وتتكلم دائماً بجمل معلّقة حُذفت نهاياتها. الفيلم بات ظاهرة سينمائية صنعت مجد رينه مبكراً، واظهرت مدى قدرته على خوض تجربة اسلوبية مماثلة. طبعاً، يأتي الفيلم مثقلاً بتأثيراته الأدبية ومشبعاً بإرث اللغة، اللغة الفرنسية. لكنه، كما عهدناه دائماً، يقتل رينه الأدب بالأدب. انه واحد من الذين تنجو سينماهم من الأدب على رغم الحضور المكثف للأخير. في هذا الصدد، يقول روب غرييه: بعض السينمائيين يستغنون عن كتّاب السيناريو، لكنهم على الرغم من ذلك يصنعون سينما يجتاجها الأدب، كأن في داخلهم ندماً من كونهم لا يكتبون رواية. في حين أن سينمائياً مثل رينه، يستعين بكاتب سيناريو، من أجل أن يصنع فيلماً وليس أدباً". في المقابل، يشرح رينه رفضه في نقل الروايات الى الشاشة وتفضيله العمل على سيناريوات أصلية: "لا اعرف السبب الحقيقي، ربما لأن المؤلف السينمائي على معرفة تامة بأنه لا يمكنك، إذا شرد تفكيرك أو ضاع تركيزك، ان تطلب الى الممثلين أن يعيدوا تمثيل المشهد الاخير، او حتى ان تطلب الى مدير صالة السينما أن يعيد البكرة التي فاتتك. وهو الشيء الذي يجوز فعله في الادب. اذ يكفي ان تقلب صفحات كتاب في اتجاه الخلف. من المفترض ان يتذكر المُشاهد كلّ ما يراه ويسمعه خلال متابعته حوادث الفيلم. في حين ان الروائي يعتبر انه لا بأس اذا عاد القارئ بضع صفحات الى الوراء، اذا صعب عليه فهم بضعة سطور من روايته".

اذا كان رينه استعان دائماً بأسماء كبيرة لكتابة نصوصه الفيلمية، فهو في المقابل، لا يعتبر السيناريو الجيد هدفاً في ذاته. "لو كان ذلك هدفنا، لكنا اكتفينا بنشر السيناريو. لذلك، فالمسائل الطارئة اثناء التصوير هي التي ستغيّر ما هو مكتوب، وهذا التغيير يصنعه الممثلون ومدير التصوير وكذلك الظروف". هكذا بلور رينه فيلماً بعد فيلم تقنيات تصويرية خاصة، وطريقة في العمل يمكن نعتها بـ"السقراطية"، أي انها قائمة على الانتظار والترقب وعدم فلش جميع الأوراق على الطاولة دفعة واحدة. ينبغي التذكير انه ظل يعمل، مع فريق واحد، في السنوات الأخيرة، علماً انه يعزو هذا الشيء الى المصادفة. يقول: "اذا كنت تعاونت والفريق نفسه منذ أعوام، فإن ذلك كان ثمرة المصادفة. لم يكن استخدام الاشخاص أنفسهم نوعاً من مبدأ عندي. لكن كان من الممتع ان ألتقي هؤلاء مجدداً. لماذا استغني عن اشخاص يريحني العمل معهم؟".

التعاون مع الكاتب الاسباني الكبير خورخي سمبرون أتاح له عام 1966 انجاز واحد من أهم اعماله: "الحرب انتهت". آنذاك، كان من الصعب ادخال الفيلم في مسابقة كانّ تحت ضغط الحكومة الاسبانية، لكنه ذهب الى كارلوفي فاري حيث نال اعجاب الجمهور والنقاد. يروي سمبرون ان رينه جاءه طالباً اليه ان يخبره في بضعة سطور ما يريد أن يحكيه، فاقترح عليه سمبرون ستّ حكايات تجنّب منها اربعاً. ثم، اختار قصة اسبانية عن دفن لاجئ اسباني في الضاحية الباريسية. بحسب سمبرون، كان رينه يريد فيلماً سياسياً وهذا ما حصل في النهاية. في البدء، كانت فكرته انجاز فيلم عن سيرة نقابيين يهتمون باللاجئين السياسيين ويعملون على لملمة التواقيع، وينظّمون التظاهرات دفاعاً عن السجناء السياسيين في أنغولا. ثم كان القرار بالتركيز على قضية اسبانية. يروي سمبرون ولادة الفيلم على هذا النحو: "ذات يوم جاءني رينه ليقول إنه غير راض عما كتبناه (...). بعد ثمانية أيام، اقترحتُ عليه حكاية أخرى. هذه المرة، كانت الشخصية الأساسية شقيق شخصية السجين التي اقترحتها سابقاً. كان لهذا الوافد حديثاً الى مخيلتنا الفرصة في أن يكمل نشاطاته الثورية. في هذه الحكاية الجديدة، كنتُ اصف ثلاثة ايام من حياة ثوار محترفين. لم نحدد المنظمة التي ينتمي اليها، لكن الواضح انه من اليسار المتطرف. الثائر دييغو مقيم في فرنسا، لكنه يذهب بين الفينة والفينة الى اسبانيا، سراً. يغيب أشهراً عدة كل عام، لتأهيل بعض الشباب والاهتمام بشبكته (...). أصرّ على مسألة أن رينه يشارك في كتابة النصّ مع الكاتب، وإن لا يضع فاصلة واحدة بيده ولا يقترح كلمة واحدة". 

كان دييغو في "الحرب انتهت" من عمر ايف مونتان عندما اضطلع بدوره. وكان سبق لمونتان ان شاهد أفلام رينه وأعجب بها كثيراً، عندما بدأ يمثل تحت ادارة المعلّم. يقول: "عندما نكون في صحبة رينه، او في صحبة مخرجين من طينته، نحضّر للدور، نناقش، نتمرن، قبل الوقوف أمام الكاميرا. لكن، علينا أن نصمت ما إن نصل الى البلاتو، ونفعل ما كان مقرراً (...). رينه يتعاطى معك كما لو كان طالباً، لكنه صاحب قوة هرقلية. وهو دائماً، ينال منك ما يعتقد انه الأفضل لمصلحة الفيلم". في الحقيقة، لم يكن اختيار مونتان اعتباطياً. فللمغنّي والممثل الايطالي الأصل ماضٍ حافل بالارتباطات السياسية: "كنتُ اشعر نفسي معنياً بشخصية دييغو، وهذا لا يعني انه كان يسهل تجسيدها. هذا لا يعني الا شيئاً واحداً: لم يكن اختياري من جانب رينه محض مصادفة!". 

على مدار كل هذه السنوات، أبدى رينه اهتماماً كبيراً بتيمة الذاكرة وتماسك العدائية في المجتمعات، التي تقودنا عنده الى نوع من تدمير ذاتي وانتحار. العدائية تتخذ عنده أشكالاً "اجتماعية": الحرب النووية في "هيروشيما..." والحرب "العادية" في "مورييل"، من خلال الصراع الجزائري ــ الفرنسي. هذا كله جعل سينما رينه متفوقة فكرياً وثقافياً على سينما كثر من معاصريه، هواجسها الحرية وعلم النفس والظروف الثقافية الاجتماعية التي تؤثر في خيارات الفرد. بيد ان تعبير "مخرج ذهني" يتلقّاه المعلّم بسلبية كبيرة، مفضّلاً تعريف "صانع الانترتنمنت" على المثقف.

لم تبقَ تجربة التعاون بين رينه وسمبرون يتيمة، اذ تولى سمبرون تأليف "ستافيسكي" (1974)، واحد من أفضل أفلامه، مع بلموندو بطلاً. تطرّق نصّ سمبرون الى شخصية المغامر ستافيسكي وتعمّق في ابعادها النفسية، ولم يتوان عن فتح خط مواز بينها وبين إقامة تروتسكي في المرحلة ذاتها في فرنسا قبل أن يتعرض للطرد. ثم فجأة، عام 1980، قرر رينه المنحى الاختباري المتطرف في واحد من أكثر افلامه تجريباً: "عمي الأميركي". من خلال الغوص في نظريات لابوري في السلوك البشري، سعى رينه الى اثارة الضحك. لابوري اعتبر الكائن الحيّ "ذاكرة حية"، وقد أجرى تجارب مختبرية على حيوانات ليثبت اطروحته في ميكانيزمات العدائية. بالنسبة إليه، سبب الوجود الوحيد هو الوجود نفسه. انطلاقاً من هذا كله، يشيّد رينه نوعاً من بازل معقد، مقدماً مرة أخرى لقاءات مميزة بين ثلاثة ممثلين: جيرار دوبارديو وروجيه بيار ونيكول غارثيا.

في التسعينات، انفتح رينه على تجارب أخرى، نافضاً الغبار عن سينماه، محدثاً الاجماع المنشود سواء عند الجمهور أو النقاد. مع "تدخين/ لا تدخين"، تطرق الى المسرح المصوّر، مستعيناً بممثلين هما انييس جاوي وجان بيار بكري لأفلمة النصّ المسرحي لألان أيكبورن. في هذا الفيلم اضطلع كلٌّ من سابين أزيما وبيار ارديتي بخمسة أدوار مختلفة. يأتي "نعرف الأغنية" عام 1997 بنمط مشابه: أغنيات من الريبيرتوار الفرنسي الشعبي، تتداخل بمواقف من الحياة اليومية. رينه هو المخرج الفرنسي الأكثر ترشحاً لجوائز الـ"سيزار" الخاصة بالسينما الفرنسية، اذ ان عدد المرات الذي ترشح لـ"سيزار" أفضل مخرج بلغ الـ8، نال منها مرتين. مرة عام 1978 عن "عناية آلهية" ومرة أخرى عام 1994 عن "تدخين/ لا تدخين".  سينماه لا تزال في ذروة النضارة والشباب والحركة، ولا يزال عنده الكثير ليقوله عن الطبيعة البشرية، والعلاقات في المجتمع الحديث، والعزلة في المدن الكبيرة. كذلك في جعبته تقنيات سردية واحتيالات بصرية قديمة - جديدة. ولا يزال دقيقاً دقةً مرضية في اتمامه العمل، دقة تبلغ حد الوسواس. لا يزال رينه وفياً لبعض معاونيه منذ ثمانينات القرن الماضي، لا سيما فريق الممثلين، من اندره دوسولييه الى بيار ارديتي فسابين ازيما، التي يعتبرها ملهمته. خلال رحلة التقاط المَشاهد، الاحبّ الى قلبه أكثر من غيرها من الرحلات، يلعب واياهم لعبة قائمة على الحزازير وشدّ الحبال، والهدف من هذا كله: ان يعرف الممثل من تلقاء نفسه كيف يبني كاتدرائية الانفعالات التي يوصي بها الخلاّق الكبير. يحوك رينه فيلمه كما يحوك العنكبوت بيته

المسلسلات الأميركية

حين التقيته في فرنسا ذات شتاء حول طاولة مستديرة مع جمع من الصحافيين المندهشين بلقائه في فندق باريسي فخم، بدا لنا طيفاً اسطورياً يلقي بأجنحته علينا. كأنه طيف يأتينا من الحرب الباردة. طيف يتخطى المكان والزمان. روى لنا انذاك انه متيّم بالمسلسلات الاميركية، ما صدم  الحضور، وأظهر مرة أخرى انفتاحه على كل مستجد ومثير. عبر رينه العقدين الماضيين في نجاحات متفاوتة. مرة أصاب ومرة خاب. لكنه لم يصبح اسيراً لـ"سينما العجزة". احد أروع أفلامه في السنوات الأخيرة: "قلوب". هنا اقتبس رينه مسرحية للبريطاني ألان أيكبورن، "مخاوف خاصة في اماكن عامة"، مثبتاً أن العودة الى الـ"أفان غارد" جائزة، وخصوصاً اذا كانت لتزويد المشاهد بعض المتعة. ألان رينه، سينمائي شاب في التسعين، لم يقل كلمته الأخيرة بعد...

تجربة التمثيل

ظهر رينه في "زوار المساء" (1942) لمارسيل كارنيه، بيد ان مسرحية "النورس" لتشيكوف كانت الاكتشاف الأعظم في سنوات المراهقة. كانت طبول "الحرب الثانية" في حال تأهب، ولم يكن الألمان قد احتلوا باريس، عندما قرر ألان رينه النزوح اليها والاقامة فيها. في البال، طموحٌ واحد: الانضمام الى صفّ رينه سيمون لتعلم التمثيل. ثم، مباشرة بعد انتهاء الحرب وجدنا رينه على مقاعد الـ"ايديك"، المعهد التاريخي الذي كان افتتح أبوابه للتوّ. لكن، عندما لا يجد ما يتعلمه هناك، يقرر المغادرة بعد عام واحد على انتسابه اليه

"الموجة الجديدة"

على الرغم من ان "هيروشيما حبي" قمة من قمم ما بات يُعرف منذ نهاية الخمسينات بـ"الموجة الجديدة"، لم يشعر رينه نفسه قريباً من تلك الموجة. "أتعلمون"، يقول، "لم استطع يوماً ان انصهر في "الموجة الجديدة"، لأننا لم نكن كلنا من الجيل نفسه. فالمنتمون الى هذه الموجة كانوا أكثر شباباً مني، وكنتُ أنا بدأت بإنجاز الافلام القصيرة، لكن كانت علاقتي بهم طيبة

مقارنة بهم، كان يمكن تصنيفي في عداد الشيوخ. لكني اشدد أنه بفضل "الموجة الجديدة"، خطر على بال المنتجين ان يقترحوا عليَّ فكرة انجاز فيلم روائي طويل. من دون كلود شابرول وفيلمه "أولاد العمّ"، ما كان ليحصل الكثير. الشيء الايجابي في "الموجة" انها فتحت المجال للجميع ان يصبح سينمائياً في زمن كان يُمنع على مَن لم يشارك في صناعة 9 أفلام كستاجيير ومساعد مخرج، أن ينتقل خلف الكاميرا. أهمية "الموجة" انها كانت تؤمن بأنه اذا احبّ الفنان السينما، فهذا يكفي لاطلاق المجازفة (...) سابقاً في فرنسا، كنا ننتج 90 فيلماً في السنة، والآن صرنا ننجز ما يقارب الـ220 فيلماً في عام واحد". 

"لستُ متأكداً"

يقول رينه انه لم يكن يفكر يوماً في ان سيصبح مخرجاً. "قد أبدو متعجرفاً، لكني لست متأكداً بعد من انني صرت مخرجاً. لا تزال متعة التصوير عندي مثلما كانت في بداياتي. لا اتسلى في انجاز فيلم الا عندما أبلغ مرحلة التصوير. اللحظة الوحيدة المريحة، على رغم الصعوبات والاهتمام بالتفاصيل، هي التصوير ثم المونتاج. اما البقية فعبارة عن مراحل قاسية، لا سيما التحضيرات، بحيث لا شيء يضمن ان ما نبذله من جهود سيؤدي الى انجاز الفيلم".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

31/05/2012

 

تاريخ لبنان في سيارة

«مار سيدس» هادي زكاك عابرة حروب وطوائف

جهينة خالدية 

يُعرّف المخرج هادي زكاك فيلمه «مار سيدس» بـ«قصة سيارة وعائلة وبلد». الفيلم الذي قدم عرضه الأول في لبنان يوم الاثنين في سينما صوفيل، هو قصة كل ذلك بالفعل، وشاهد بكل دقة وبطريقة ساخرة على تاريخ وطن. هو فيلم جديد يضعنا في مواجهة ذاكرتنا الحية غير البعيدة.

«مار سيدس» الذي تبدأ عروضه التجارية مساء غد، يتمحور حول سيارة من طراز مرسيدس بونتون 180، وصلت لبنان عام 1960، و«تلبننت» في المجتمع اللبناني. السيارة بحسب زكاك كانت وما زالت شاهدة على خمسين عاماً من تاريخ البلد

عالج الفيلم الذاكرة اللبنانية الجماعية والفردية من زاوية مبتكرة، بحيث ندخل تدريجا إلى علاقة أطراف مختلفة، وإلى حروبهم وحتى اجتماعياتهم من دون أن نسمع سرداً «بشرياً» مباشرا، من هنا كانت السيارة هي التي تروي، لا مواطن لبناني يسرد الحرب من زاويته

تتحول المرسيدس إلى شاهد على تاريخ يتجاهله البشر أنفسهم. وتتحول من شيء مادي «نجح» في تخطي الطائفية والحروب التي ارتكبت باسمها

كانت «مرسيدس» جامعة لكل الطوائف وعابرة لها في آن، فهي كما الناس توقفت عند الحواجز إنما تخطت «تفصيل» الهويات! على أن هذا العبور لـ«بطلة» الفيلم لا يعني خروجها من لعبة الطائفية والمنطق اللبناني البحت، فهي تلبننت لدرجة باتت لها طائفة خاصة بها: «طائفة مرسيدس». هنا تخرج رسالة زكاك الأكثر سخرية ليبدي موقفه من مجتمع مدجن لا يرى أفراده ذواتهم إلا داخل علب الطوائف، وكذلك يتورط مع هؤلاء الأفراد كل ما يحيط بهم من أشياء مادية

يصور زكاك حياة المرسيدس «المدعبلة» (كما راجت تسميتها)، التي عاشت الحرب وشهدت عليها وكدحت فيها. كانت موجودة دائما وخاضعة للحروب تماما كالبشر. وبنظرة أخرى يمكن القول إن هذه السيارة تحولت إلى شريكة في كل شيء، أقلت الناس، ونقلت أمتعة التهجير، وأسلحة المقاتلين وحاربت وإياهم و«جرّت» وعذبت الجثث، ونقلت الضحايا إلى المستشفيات وهبط عليها ركام المنازل والقذائف فدمرها، ورفعت صور الزعماء وشعاراتهم الانتخابية، وصولا إلى حياتها النخبوية المجيدة كسيارة رئاسية لامعة. ويعتمد المخرج في كل ذلك على أرشيف ممتع وداعم لقصته عن «زمن المجد» اللبناني، ثم الحرب اللبنانية وسنوات إعادة الإعمار والاجتياح الإسرائيلي والتحرير واستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وصولا إلى السنوات الأخيرة. الأرشيف في الفيلم هو عن لبنان وعن ناسه الذين تعاطوا كلهم «مرسيدس» من دون أن يتفقوا على ذلك

يقدم فيلم «مار سيدس» وكاميرا مديرة التصوير مورييل أبو الروس معاينات بصرية فنية لافتة، تُجمد تفاصيل السيارة وما تحويه من تفاصيل صغيرة: من العين الزرقاء الحامية من الحسد، إلى شعارات دينية، إلى كتب سماوية، إلى أوشحة سياسية وحزبية (غيفارا والحزب الشيوعي)، إلى سيارات تجمع كل هذه التناقضات في آن. وفي هذا المشهد تحديدا ندخل إلى العقل اللبناني، والموروث الاجتماعي والثقافة السياسية المتضاربة. وعندها تتحول السيارة إلى بيت، داخل جدرانه أسرار وخبايا تكشف بمجرد فتح الباب

من هنا تبدو أبو الروس، والمخرج زكاك طبعا، كأنهما يرويان بصمت ذاكرة حياة وروايات متشابهة، عبر رمز واحد لا يتكلم. كذلك يصنع زكاك بتعاونه الناجح مع المؤلف الموسيقي المميز إميل عواد مشهدية ناطقة، مقدما موسيقى هي قيمة مضافة وبارزة في العمل

أما في ما يتعلق بالنص الذي ألفه زكاك نفسه، فلم يكن نصا ساخراً وسرديا حيادياً أبداً، بل كان «متورطا» يعكس رأيا سياسيا ناقداً للحرب وأشكال الفوضى التي وقعت رحاها على أرض هذا الوطن، إذ «تحولت بيروت في السبعينيات إلى استديو طبيعي لتصوير أفلام الحرب»! كما يقول زكاك

الفيلم حاز عدداً من الجوائز أبرزها «جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقّاد السينما» في «مهرجان دبي الدولي للأفلام «2011، وجائزة «مهرجان الجزيرة الدولي الثامن للأفلام التسجيلية» - 2012.

السفير اللبنانية في

31/05/2012

 

مخرج "بوند" الجديد يتحدث عن فيلمه:

جيمس بوند للمرة الأولى "كائن" إنساني! 

سلسلة أفلام "جيمس بوند" في ذكرى ولادتها الخمسين. بوند الجديد للمخرج سام مندس في فيلمه الجديد "سكاي فول" يتكلم عن العناصر الجديدة والقديمة في هذه الظاهرة الأسطورية في حوار أجرته معه مجلة "ستديو" أثناء التصوير.

§         [ في "كازينو رويال"، يلهو مارتن كامبل لفك شيفرات جيمس بوند ليلعب به. أهذه كانت نيّتك؟

ـ وجدت الكلمة المناسبة. لقد فك "شيفرات" ولكن لم يكسرها. إنها طريقة أتاحت تقديم كل ما يمكن تقديمه للناس في فيلم "جيمس بوند" الأمكنة الإكزوتيكية، الحركة، نساء جيمس بوند... لكن أيضاً إظهار أموراً لم تكن موجودة. مجرد استيعاب كل هذه القواعد تكسبه من جديد حرية ما. تلك التي تدفعهم الى أقصى حدودهم، وإيجاد أشياء لم تفعل من قبل. ولا يقتصر ذلك على الجانب الفيزيقي والبصري، وإنما أيضاً الانفعالي.

§         [ هذا المشروع يختلف عن كل أعمالك السابقة. ما الذي جعلك تقبله؟

ـ أحد أهم الأسباب ما شغفت به في "كازينو رويال". للمرة الأولى أحسست أن بوند كائن إنساني في وضع حقيقي. وهذا يعود أيضاً الى دانييل غريغ الذي هو جيمس بوند رائع. لم أحس بذلك منذ شون كونري. وهذا لا يعني أن القصص لم تكن جيدة، وإنما كانت لم تكن جيدة، لأن الأفلام غرقت في السخرية. بقيت الشخصيات خارج الحركة. إنها محل كل موضة اليوم. كل ما حُقق من الأفلام الأولى "سوبرمان" حتى نهاية مرحلة بيرس بروسنان، مروراً بـ"داي هيرد" كانت كذلك. المحطة المميزة تلك التي كانت تضم بروس ويليس أو روجير مور للمتفرج. كان داخل الفيلم وليس للدخول بجلبة مع الجمهور. سواء تعلق الأمر بعلاقاته بالمواقف، أو الشخصيات. عندما يقع بوند في الغرام في "كازينو رويال" ندخل الى قلب ما هو فعلاً نلمس الأسطورة الأصلية. "كازينو رويال" هو بوند متجدد. بالطريقة ذاتها التي نجح فيها كريستوفر فورن في إعادة ابتكار "باتمان" في "ذي دارك نايت".

§         [ جافييه باروم هو "الشرير" في هذا العمل...

ـ من قال لك ذلك؟ إنها ليست الحقيقة (ضحك). الأشرار في الفيلمين الأخيرين كانوا رائعين، لكن أن يشارك ممثل بهذا الحجم الكبير يساعد على رفع مستوى الفيلم.

§     [ يبدو أن "سكاي فول" يتميز بعودة الشخصيات الأيقونية لعالم جيمس بوند. نحن نعرف أنه قد عاد. ومن ناحية أخرى يلعب رالف فيين شخصية جديدة... أنت تلعب على اللوحتين...

ـ نحن نعيد فعلياً بعض الشخصيات الالتباسية. هناك هالة للسواد في الفيلم، لكن عندنا أيضاً الأمل في إدخال السخرية، التي لم تكن موجودة في الفيلمين الأخيرين. إنها الذكرى الخمسون لولادة جيمس بوند في السينما. ونحن نلعب على المناخ البصري للأفلام الأولى مثل "دكتور نو". أحد أهدافنا إعادة استغلال عالم "M16"، والعودة الى الجذور، منذ نقطة الانطلاق في 1962.

§         [ والأدوات؟

ـ ستكون موجودة. إنها بادرة امتنان الى تاريخ هذه المجازفة. لكن علامة هذا الرابط، تماماً كما عودة شخصيات مثل "Q" أو الأماكن الإكزوتيكية، تميز الفيلم، ولكن ليس شخصية بوند. لم يعد بوند في موقع أن يقول "OK"، أريد أن أعيش وأنجو مرة أخرى. فهنا الحدود التي ندفعه نحوها تؤدي به الى استحالة الاستمرار في التصرف كما في العادة.. نحن ندفع "M16" في هذا الإلغاء، ندمر "M16" الى درجة نجعلها تنتمي الى ما قبل التاريخ. هل تغيرت الأمور منذ خمسين عاماً أم أنها ما زالت على حالها، كيف نتكلم عن أعدائنا؟ من أين يأتون؟ من هو "Q"؟ هل هو شخصية كوميدية تخترع أدوات تتخذ أكثر فأكثر أهمية؟ أم أنه شخص يخترع طرقاً جديدة لقتل الناس؛ هذا ما نحاول أن نلعبه في "سكاي فول".

المستقبل اللبنانية في

31/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)