حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

داود أولاد السيد:

السخرية السوداء في الجماليات الخفية

تطوان (المغرب) - فجر يعقوب

 

يمثل المخرج المغربي داود أولاد السيد حالة خاصة في السينما المغربية الجديــــدة، وهو عادة ما يجعل من السخرية السوداء «اطاراً زخرفياً حذراً، ليكمل حكايته حتى نهاياتها، ويدرك سلفاً أن تفكيكها يتطلب سرداً بصرياً مضاعفاً يمكن السينما التي يشتغل عليها، أقله في فيلميه الأخيرين «بانتظار بازوليني» و«الجامع»، أن تدركها بجسارة ونباهة مشروطة أضحت تشكل عناوين أفلامه في شكل بارز. وحتى فيلمه التلفزيوني الأخير «السبّاط» الذي اشتغل عليه لمصلحة القناة الثانية في التلفزيون المغربي، فإنه لا يخلو من مضاعفات هذا الاشتغال المبني على السخرية سلاحاً في مواجهة واقع مؤلم وصعب، وعادة ما ينقاد في مواجهات مكلفة وغير متكافئة مع أناس صارت مهنتهم الأساسية انتظار ما لا يمكن التكهن به.

لا ينكر أولاد الســــيد في حوارات متقطعة أجرينـــاها معه، هذه الحقيقة التي نرمي إليها، لا بل يؤكد في جانب من حواراتنا أنه كان يعرف سلفاً أنه كان يستغل في فيلمه «بانتظار بازوليني» حكاية المخرج الايطـالي بيير باولو بازوليني في «احتمال» امكانية قدومه إلى ورزازات ثانيـــة ليصـــــور فيلماً له، كما سبق له وصور رائعته «اوديب ملكاً» فيها مع أن بطل فيلمه «التهامي»، خبير الصحون اللاقطة، والذي درج في مهنته كما يسميه أولاد السيد على بيع الأحلام الوردية لأبناء قريتــــه، حتى حين لا يكون هناك تصوير أفلام قــــد يتعيّش منها بشر تقطعت بهم كل سبل الحياة، لا يتوقف عن تدوير «كذبته» بينهم ، فإن لم تأت السينما الموعودة بما يسد رمق العيش من خلال عمل المجاميع، فعلى الأقل يمكن من خلال ادراك الوهم، التكيّف مع واقع شرس ولئيم لا يرحم. وحتى حين لا يكون هناك أمل بالتخلص من سلطة الفقيه في القرية، سنجد في عملية تجميع «الكاستنغ» ما يشي فعلاً بالعمل على التحرر منه ومن سطوته من خلال التهجم عليه أثناء «تنفيذ» عملية التهامي إن جاز التعبير. وهذا يمكن تسميته هنا بمحاربة الوهن الاجتماعي الذي يسود في القرية نتيجة تعطل أهلها عن ادراك حقوقهم وواجباتهم في العيش تحت مسمى العوز والبطالة، ناهيك عن أن التهامي نفسه يدرك أن لعبه على حكاية قدوم المخرج الايطالي ثانية ليصور فيلماً سينمائياً «صافياً» تمثل له سلطة وسطوة هو بحاجة ماسة اليهما لتأكيد حضوره ومواصلته بيع الأحلام لهؤلاء الناس البسطاء.

تأمين عمل ما

صحيح أن النــــاس هناك لا يهتمون بنوع السينمـــا التي تصور في ورزازات، يقول أولاد السيد، وهي غالباً نتاجات عالمية تجارية لا تترك أثراً في مضمار السينما واللغة والسرد، ولكنها تؤمّن عملاً قد يستمر أكثـــر من ستة شهور عند البعض، وسنة عند البعض الآخر، وبالتالي، فإن هؤلاء البسطاء قد لا يكترثون حقيقة لشخصــــية بازوليني وأهمية أفلامه وأعماله النظرية. فالسينما بالنسبة إليهم لن تتعدى أن تكون مصدر قوتهم اليومي المؤقت.

ويقول أولاد السيد موضحاً فكرة قد تبدو مناسبة للخوض في تفاصيل فيلم «الجامع»، إنه لولا انتظار بازوليني لصناعة فيلم سينمائي بهذه القدرة العالية على السخرية والانجذاب لمواطن الكوميديا السوداء في نوعية السرد الذي يختاره في كل مرة يقرر فيها أن يصنع فيلماً، لما ولدت فكرة فيلم «الجامع» أصلاً، ففي حالة فيلم «بانتظار بازوليني» كان يتعين عليه، وعلى كاتب السيناريو يوسف فاضل الالتقاء بمخرج فيلم «ورزازات موفي»، وهو فيلم وثائقي يحكي عن علاقة الكومبارس في هذه الاستوديوات بالأفلام الأجنبية التي تصور على الأراضي المغربية، وشاءت الصدف أن يكون أحد الأشخاص الذين ارتبط بصداقة حميمة مع المخرج الايطالي، وهو من قاده بالتفاصيل نحو فهم هذه العلاقة «سينمائياً» بما يتيح له التعاون مع السيناريست فاضل في كتابة عمل لا ينوي فيه فضح أي من أسرار السينما المفترضة، ولا التشهير بالاستغلال الذي قد تمارسه شركات الانتاج السينمائية الضخمة في علاقتها مع الكومبارس والمجاميع، فهذه ليست مسؤولية الفيلم هنا، وانما قد تخضع بدرجات متفاوتة لنقابة تدافع عن حقوق هؤلاء، وإن كانت غير موجودة في المغرب، فعلى الجهات الادارية المسؤولة العمل على استيلادها ووضع القوانين والتشريعات لها حتى لا تبقى الشؤون السينمائية متروكة في عهدة الغيب وبضعة أفراد لا يعينهم الجانب الابداعي والمهني في الحكاية كلها.

أما في ما يخص فيلمي، يقول أولاد السيد، فـ «الشأن الجمالي والتعبيري كان هماً طاغياً، باعتبار أنني لطالما حلمت بصناعة فيلم أحيي من خلاله السينما، وربما في جانب من فيلمي كنت أقوم بتحية بيير باولو باوزليني، على جماليات خفية زرعها في أفلامه، ولم يتسن لنا بعد معرفتها في شكل وافٍ».

في فيلم الجامع تبدو الأمور للوهلة الأولى مختلفة حين يختار أولاد السيد أن يشرك نفسه في البحث عن «موحا» الذي سيرتبط بتعقيدات السرد نفسه حين يجيء الفيلم هذه المرة من داخل الفيلم، فتشييد ديكورات الجامع في فيلم «بانتظار بازوليني» إلى جانب الديكورات الأخرى يبدو شأناً سينمائياً صرفاً، ولكن مع الانتهاء من التصوير لا يعود الأمر كذلك. فقد تهدم الديكورات كلها، باستثناء ما هو مقدس في حياة الناس.

من هنا ينطلق أولاد السيد في حكاية فيلمه الثاني، اذ كيف يمكن «موحا» الموظف السابق في وزارة الثقافة المغربية، والكـــومبارس السينمائي البسيط أن يسترد أرضه التي يتعيّش منها، وقد بني عليها الجامع. يقول أولاد السيد إن هذه المعادلة تقود هنا إلى فهم كيف يمكن أن ُيستغل الدين في محاربة الناس، بحيث إنه لا يعود يصبح الدين الذي تربى عليه كثيرون. ويمكن تبين ذلك من خلال محاورات «موحا» مع الإمام الفقيه، ومع صديقه، الكومبارس الآخر المتلون بثقة الحرباء، والذي نصّب نفسه إماماً في الجامع، وبوسعه الإتجار بمنصبه الجديد في كل لحظة، اذ لا يمكن أن ننسى ذلك المشهد الذي يرتدي فيه ملابس محارب روماني ويمضي وراء مجموعة من السياح العابرين، وكأنه يستعير فطنته هنا من أكاذيب أخرى يمكن النسج عليها ببساطة، والاستمرار بها في حياة يمكن أن تقهر ناسها في كل الأوقات.

يقول داود أولاد السيد: «مع موحا ينبغي أن تتخلخل الحكاية من جذورها، بغير هذا لا يمكن الاستمرار في الكذب والنفاق والاستغلال الخاطئ للدين، وموحا هنا لا يغادر دوره ككومبارس، فهو ليس بطل كل الأزمنة التي تمثلها حالته، ولكنه شاهد على تقلبات هذه الأزمنة التي يجرى فيها تزوير العقيدة بما يشبه الفحش والانكار، وبما يتيح أيضاً نقل تلك المواجهة بين الذات والموضوع إلى نطاق أوسع يمكن من خلاله أيضاً تفكيك الديكور النفسي الذي يمكن اعتباره حالة شائنة في حياة الناس العاديين، وواجهة بشعة تدلل على كيفية الاستغلال البشع للدين والمتاجرة به على رؤوس الأشهاد».

فيلم جديد

من جهة أخرى يقول أولاد السيد انه انتهى من كتابة مشروع سينمائي جديد من المتوقع أن يبدأ تصويره مطلع الشهر العاشر عن «مغني قناوة مغربي» تعرّف إليه صدفة من صندوق أمه التي توفيت أخيراً، فقد جمعت شقيقاته الثلاث حاجاتهن ليكتشف من خلالهن وجود عم له توفي منذ زمن طويل كان يعمل حداداً، ولكنه في الوقت نفسه كان مغنياً شعبياً مغربياً من الطراز الرفيع، ولم يكن يعرف شيئاً عنه من قبل».

وحول ما اذا كان وجوده في لجنة التحكيــم لعب دوراً في منح الجائزة الكبرى لمواطنه فوزي بنسعيدي، كما لمّح البعض، يقول أولاد السيد: «أنت شاهدت الفيلم، ويمكنك الحكم، ثم لا يمكنني أن أتفرد بقرار من هذا النوع بوجود رئيس لجنة مثل بيتر سكارليت».

ويقول المخرج أولاد السيد إن لديه مشروع انتـــاج سلسلــــة وثائقية من ثلاثين حلقـــة بالتعاون مع «ناسكوم»، وهي شركة تلفزة مغربية بعنوان «حديث ومغزل» وتدور حول الشخصيات التي تشتغل في المناحي الفلوكلورية المغربية المختلفة وتملك حرفة تعيش من ورائها، ولكنها تهوى في الوقت نفسه السينما أو الموسيقى، شريطة – بالطبع – أن تكون معروفة تماماً من جانب الجمهور المغربي.

وأضاف أولاد السيد أنه يقدم كل عام عملاً تلفزيونياً، ويعتبر نفسه محظوظاً في الوقت نفس، لأن الأعمال التلفزيونية التي يقدمونها في المغرب تحظى بنسبة مشاهدة عالية.

الحياة اللندنية في

11/05/2012

 

«ابن الآخر»: المشاعر الطيبة والجدران العازلة

باريس - ندى الأزهري 

تنقلب حياة عائلتين فلسطينية وإسرائيلية رأساً على عقب إثر اكتشاف غريب. اكتشاف يضعهما أمام إعادة قراءة للذات وللآخر، ومراجعة مفاهيم الهوية والانتماء. فماذا لو أكتشف احدهما يوما أن من يقاسمه حياته هو عدوه، مغتصب أرضه أو مهدد أمنه؟ وماذا لو ظن الطرفان، كما يحصل على أرض الواقع، انهما يمتلكان الحق نفس الحق وكله؟

فيلم» ابن الآخر» للمخرجة وكاتبة السيناريو الفرنسية لورين ليفي، يحاول من خلال طرحه لفكرة مصطنعة أن يتطرق إلى حقيقة واقعة. الفكرة التي سبق وتطرق لها الفيلم الفرنسي الهزلي «الحياة نهر طويل هادئ» للمخرج ايتيان شاتلييه، تقوم على عملية تبادل للرضّع في مشفى للولادة.

الفارق في «ابن الآخر» أن المستشفى ليس في فرنسا بل في حيفا، وأن العائلتين ليستا فرنسيتين بل إن إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، فيا له من فارق!

القصة، المبنية على احتمال ضعيف، اُعتمدت كمحرّك لمواقف فكاهية ذكية في الفيلم الأول ولتساؤلات غاية في الجدية في الفيلم الثاني.

اشترك العملان في الفكرة وفي الامتاع. لكن، هل تكفي المتعة في فيلم جاد؟ وهل يمكن استخدام خلفية بالغة الحساسية والأهمية كالصراع العربي - الإسرائيلي دون أن تعطى حقها؟

تســرد الحكاية أن تبادل وليدين جرى في مستشفى في حيفا بعــــد تعرّض المدينة للقصف أثناء حرب الخليج، فذهـــب الفلسطيني مع العائلة الإسرائيلية بينما نشأ اليهـــودي في كنف العائلة الفلسطينية. ثمانية عشر عاماً بعــــدها، تظهـــــر نتائج تحليــــــل يجريها «جوزيف» للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، فيتبين أن زمرة دمه لا تخــــوله أن يكــــون ابن والديه، وأنه في الحقيقة ينتمي لوالديــــن فلسطينيين ولدهما «ياسين» هو الابــــن اليهودي! الصدمة تكون قاصمة على العائلتين وعلى الأبوين بوجــه خاص. فالأب الاسرائيلي كولونيل في الجيــــش، والفلسطيني مهندس اضطرته الظروف الصعبة في غزة للعمل ميكانيكيا لاصلاح السيارات.

يسير الفيلم بالتوازي بين حياة الأسرتين مبيناً ردود أفعالهما على هذا «المصيبة»، وسعي الجميع للتأقلم مع الحقيقية المرة، فكيف عالج السيناريو هذه القضية الحساسة؟ وكيف تمكن في النهاية من جعل الإنساني يتغلب على السياسي؟

ببعض العبارات واللقاءات ومعها النيات الحسنة للوالدتين. فالأم الإسرائيلية (الفرنسية ايمانويل دوفوا) تتفاهم سريعا مع الفلسطينية (عرين العمري) وتسعيان معاً لتخفيف حدة الرجال أي الوالدين والأخ الفلسطيني. فعلى خلاف الشابين صاحبي العلاقة اللذين تآلفا بسرعة أكبر مع الاكتشاف، بان الآخرون أكثر عصبية في رفض هذا «القدر» المؤلم، وأشد تعنتا في قبول الآخر «العدو». وإن بدا التشدد أبرز لدى الأب الفلسطيني (خليفة ناطور) والأخ الأكبر( محمود شلبي)، ففي حين قبلــــت العائلة الإسرائيلية بوجود «غريب» بينها وظلت تعتبره ابنها وإن بــعد حيـــن من الضياع والمعاناة، بدا وقــــع الأمر أشدّ تاثيـــــراً على الأســــرة الفلسطينية التي ترددت في قبــــــول الولدين معا، فمن تربى بينهم «دمه يهودي»، أما ابنهم (الفرنسي مهدي دهبي) الحقيقي فقد تربى لدى «يهـــود». إنها كذلك مسألة «كرامة» وخوف من «حكي الجيران» اللذين دخلا في حسبان الأب... لكن لم يجد الجميع بدا في النهاية من الخضوع، وإن على مضض، لفكرة قبول وجود الآخر بهويته»المركبة» بين ظهرانيهم.

بيد أن هذا القبول «المفروض» بالآخر، لم يفرض في الفيلم بالنقاش والحوار بل بالصمت الذي اعتمد كوسيلة اضيف إليها التعبير بالنظرة وبالحركة عن مشاعر العداء أو الطيبة وعن الأحاسيس الانسانية المتناقضة والتنازع الداخلي. وعبر اكتشاف كل طرف لعالم الآخر، وعرض وتيرة الحياة اليومية البسيطة لأسرتين، تم التأمل في مسألة الهوية.

نمطية متبادلة

تحلّى الفيلم ببناء درامي متين وايقاع مضـــبوط لاسيما على صعيد المضمون. فقــــد تجنبــــت المخرجــــــة بدقة أدنى انحياز لطرف ضد آخر، حتى نمطية النظرة انسحبت على الطرفين. العربي، مـــن حيث كونه الطرف الحالم العاطفي الممتلئ بحب الحياة وبالمشاركة والبهجة رغم الظروف، والإسرائيلي الموهوب في جمع المال بالفطرة. وكـــان تجنّب المواجهة جليّ في الفيلم. كيف لا والموضوع على هذه الدرجة من الحساسية؟ المخرجة التي عملت مع فريق «معقد» من الجنسيات والأديان لا تنكر المصاعب التي واجهتها أثناء التصوير، منها مثلا امتناع الممثل الفلسطيني عن نطق كلمات محددة، ورفض الممثل الفرنسي الإسرائيلي (باسكال البي) للحوار الذي كان معدا لمشهد الإعلان عن الواقعة في المستشفى...

لعل هذا التوتر بين الممثلين الذي خدم الفيلم في عديــــد من اللقطـــــات، دفع بالمخرجة للبقاء على السطح، لتجنب التوغل عميقاً خوفاً من جر الفيلم نحو مزالق لن تعرف الخروج منها.

ظهر هذا واضحاً في انعدام أي حـــوار حقيقي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وفي المرة الوحيدة التي انطلق فيها نقاش حول اغتصاب الأرض بين الوالدين، ضاعت الكلمات واختلطت في صـــراخ كل طرف واتهاماته، فاعتمد الصمت في اللقاء الثـــاني بينهما ليحل المشكل. إنما بقيت المشكلة تواجه المتفرج من حول الأسئلة التي لازمته طوال متابعته للشريط: متى ستحصل المواجهة؟ كيف ستكون؟، ما هي وجهات النظر فيما يجري؟... بقيت كل هذه الأسئلة بدون إجابة ما يجعله يخرج واحساس بعدم الاكتفاء يرافقه.

«الابن الآخر» محاولة لتغليب المشاعر الإنسانية كحل وحيد قد ينجي الطرفين ودعوة لفتح القلوب. فهل يتغلب الحب على الحواجز، وتهدم المشاعر الطيبة الجدارن العازلة، ويسكت الفن الآلام؟

هذا ما سعت المخرجة إلى قوله في أسلوب مشوق حقاً ولكن ضمن نظرة مثالية، قد تكون، رغم جاذبيتها، ساذجة.

الحياة اللندنية في

11/05/2012

 

من سينما المؤلف إلى الأدب

الدار البيضاء - نور الدين محقق 

في ظاهرة علمية وثقافية تستحق التشجيع، ولجت السينما إلى رحاب الجامعات المغربية، ولا سيما في إطار عملية التدريس، بحيث أصبحت مادة السينما أساسية في بعض الشعب الأدبية سواء المتعلق منها بدراسة الأدب العربي أو الفرنسي أو غيرهما من الآداب الأخرى أو تلك المتعلقة بدراسة الأدب والصورة والاعلام. هكذا بدأ الطالب الجامعي المغربي يحتك بمجال الصورة بمختلف تجلياتها الابداعية مثل الصورة الفوتوغرافية والصورة التشكيلية والصورة التلفزيونية وخصوصاً الصورة السينمائية لقوتها الرمزية وجاذبيتها الفنية القوية.

كما استطاعت السينما بفضل انفتاح الجامعات المغربية على الجمعيات الثقافية المهتمة بالمجال السينمائي، أن تحضر بقوة في كثير من اللقاءات العلمية التي تقدم في هذه الجامعات. وكمثل لذلك ما قامت به الجمعية المغربية لنقاد السينما باعتبارها فاعلة فـــــي هـــذا الميدان في شكل بارز وهي تنظم بعض الندوات المتعلقة بالمجال السينمائي في مجمـــوعة من الجامعات المغربية. فقد نظمت في هذا الصدد بشراكة مع جمعية الفن السابع أياماً سينمائية خاصة بالمخرج السينمائي الروسي العالمي الشهير أندري تاركوفسكي في كلية العلوم والتقنيات التابعة لجامعة الحسن الأول في سطات.

وشارك في هذه الندوة كل من النقاد حمادي كيروم وبنيونس عميروش ونور الدين محقق ويوسف آيت همو ومحمد اشويكة وصباح عبدالخالق وبوشتى فرقزايد وخليل الدمون وحسن بنشليخة وخالد الخضري. وهم تناولوا في مداخلتهم هذه مجموعة من النقاط مثل «في الحاجة إلى تاركوفسكي اليوم» و«التشكيلي والسينمائي عند تاركوفسكي» و«شعرية المرآة في سينما تاركوفسكي» و«قراءة في كتاب الزمن المختوم» لتاركوفسكي و«الانساني في سينما تاركوفسكي» و«الوعي عند تاركوفسكي» وسواها من القضايا الهامة.

كما نظمت الجمعية نفسها في إطار عملية التعامل مع الجامعات المغربية ندوة أخرى حول «الأدب والسينما» في كلية الآداب والعلوم الانسانية في بني ملال التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان، بالتنسيق مع «مجموعة الأبحاث التطبيقية حول المتخيل والتراث» التابعة للكلية نفسها. وقد شارك فيها كل من النقاد والباحثين الأكاديميين حمادي كيروم وعز الدين نزهي وخليل الدمون وبوشتى فرقزايد ونور الدين محقق ومحمد اشويكة ومنير أوسيكوم. وقد حضرها بالإضافة إلى طلاب الجامعة وبعض الأساتذة الجامعيين المهتمين بالمجال السينمائي عدد من النقاد والمهتمين، مثل الناقد والإعلامي أحمد سيجلماسي الذي يعمل جاهداً على الكتابة حول السينما والتعريف بالملتقيات السينمائية وببرامجها المتعلقة بالأفلام والندوات، في مختلف الصحف والمواقع الالكترونية التي يتعامل معها، والكاتب والناقد السينمائي مبارك حسني الذي ساهم في شكل فعال في المناقشات التي كانت تلي تقديم هذه العروض.

وقد خلفت هذه الندوة أصداء طيبة في الوسط الثقافي المغربي خصوصاً الفني منه، تجلى خصوصاً في المتابعات الصحافية المتعددة لما جاء فيها.

إن هذا الانفتاح المتبـادل بين كـل من الجامعات المغربية من جهة والجمعيات المغـربية المهـتمــــة بالمجال السينمـــائي كما هو الحال مع «الجمعية المغربية لنقاد السينما» التي أوردنا بعض أنشطتها في هذا المجال وكما هو الحال مع «جمعية القبس للسينما والثقــــافة» في الرشيدية، التي تحرص على تنظيم ملتقى سينمائي سنوي في شراكة مع الكلية المتعددة التخصصات في الرشيدية التابعة لجامعة مولاي اسماعيل، وتجعل محوره الأساس حول تجربة مخرج سينمائي مغربي بحيث تتركز كل المداخلات حول هذه التجربة السينمائية وخصوصياتها الفنية والفكرية معاً دراسة وتفكيكاً وقد تم تناول لحــــد الآن تجارب كل من المخرجين المغاربة: داوود أولاد السيد ومحمد عبدالرحمن التازي ومومن السميحي وأحمد المعنوني.

والجدير ذكره هنا أن كل هذه المداخلات تنشر في ما بعد في كتاب، كان آخرها هو الكتاب الذي تعلق بتجربة المخرج السينمائي المغربي أحمد البوعناني حمل عنوان «سينما أحمد البوعناني: شعرية الإبداع وتعدد المرجع». وهـــو عمل مهم سواء على مستوى التوثيق أو على مستوى معرفة كيفة الاشتغال النقدي السينمائي المغربي والمستوى العلمي الذي وصل إليه.

هكذا نرى أن عملية الانفتاح هذه على الجامعات المغربية من لدن الجمعيات المهتمة بمجال السينما وتقديم الندوات المتعلقة به فيها، ستدفع بكثير من الطلبة إلى متابعة الفن السينمائي في شكل عام والفن السينمائي المغربي في شكل خاص، مما سيتولد عنه دينامية متطورة تساهم في عملية الدفع بالسينما المغربية إلى مزيد من النجاح والتألق.

الحياة اللندنية في

11/05/2012

 

نادين لبكي... وجواب القنينة

عبده وازن 

كم بدا مفاجئاً الإعلان الذي تطلّ فيه السينمائية اللبنانية نادين لبكي على إحدى المحطات، متحدثة عن نفسها، أماً ومواطنة وفنانة، ثم عن فيلمها «وهلأ لوين؟» الذي استطاعت من خلاله بحسب قولها، أن توصل صوتها إلى العالم وكذلك قضية وطنها الصغير على الخريطة، والكبير بإرادة أبنائه.

المفاجأة لا تكمن طبعاً في هذا الكلام الذي تغالي المخرجة عبره بمديح عملها والتباهي بفكرة لبنان، بل في نهاية الإعلان نفسه الذي تظهر فيه قنينة مشروب روحيّ... فالإعلان هو عن هذا النوع من المشروب، وليس عن الفيلم. واللافت أن صورة القنينة تظهر فجأة لدى انتهاء المخرجة من الكلام عن الفيلم الذي يحمل اسمه صيغة السؤال «وهلأ لوين؟»، فيبدو الجواب في قنينة المشروب وكأنه دعوة صريحة وغير مضمرة إلى معاقرة هذا النوع من الشراب.

لا أدري إن كانت المخرجة انتبهت إلى هذه اللقطة الأخيرة الأشبه بالفضيحة أو أنها هي التي قصدتها... مقابل مردود ماليّ لم تستطع أن تقاوم إغراءه، فزجت بفيلمها الإشكالي والجميل (على رغم المآخذ التي تسجل عليه، شكلاً ومضموناً) في متاهة هذا الإعلان الذي أســاء إلى مسارها السينمائي. أهذا هو الحل الذي ترتأيه للمسألة اللبنانية التي طرحتها في فيلمها؟ ولماذا لم تدعُ، اللبنانيين في الفيلم نفسه للجوء إلى الشرب والتعتعة، عساهم يحلّون مشكلاتهم الكثيرة، وفي مقدمها المشكلة الطائفية التي ركّز الفيلم عليها ولم يتمكن من معالجتها بعمق.

لقد ضحّت نادين لبكي بفيلمها الذي حقق نجاحاً مهماً في لبنان، لا سيما جماهيرياً، مقابل إعلان تلفزيوني، شوّه هدف الفيلم وحرّف فكرته. لم يكن الفيلم بحاجة إلى مثل هذه «الحملة» الدعائية ليرسخ نجاحه الشعبي، بل إن هذا الإعلان خلع عنه ملامح المشكلة التي عالجها وطرحها أمام الجمهور ليبحث هو نفسه عن جواب لهذا السؤال: «وهلأ لوين؟». وبدا المشهد الأخير في الفيلم جنائزياً بامتياز، على رغم طابعه الساخر و«التضخيمي» (باروديك)، فبعدما تمكنت النسوة (المواطنات) من توحيد البلدة (الخرافية) وجمع رجالها (صانعي الفتنة) في مسيرة واحدة، وجدت النسوة، كما الرجال أنفسهن (وأنفسهم) أمام قرار حرج: هل يُدفن المــيت على طريقة هؤلاء أم أولئك؟

فعلاً لم تكن نادين لبكي تحتاج إلى تسخير فيلمها من أجل إعلان تلفزيوني يسيء إلى الفيلم وقضيته ويوقعه في السطحية والمجانية ويقلبه رأساً على عقب. هل تحتاج إلى المال؟ في وسع مخرجة «ناجحة» مثلها، أن تتدبر أمورها المالية وتجد منتجين كثيرين يتمنون العمل معها، لا سيما بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمها... إلا إذا كانت نادين لبكي على قناعة تامة، بأن الجواب الوحيد والممكن على سؤال الفيلم «وهلأ لوين» إنما حمله هذا الإعلان... وهذا جواب يختلف عليه كثيراً اللبنانيون، تبعاً لاختلافهم الطائفي.

الحياة اللندنية في

11/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)