حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

على أسطوانات :

مقارنة بين فيلمين عن إنتقام إمرأة

محمد رُضا

 

في العام 1970 أخرج الفنلندي يورن دونر الذي صنع معظم أعماله في السويد فيلماً بعنوان «آنا» حول إمرأة تنتقم من الرجل الذي قام باغتصابها، عبر اغتصابه هي له وبطريقة مماثلة بعنفها. دونر كان مأخوذاً بأفلام إنغمار برغمن، لكن هذا الفيلم، الذي شوهد حينها في بيروت، لم يكن برغمانياً على الإطلاق. دونر حقق نسخته عن الأزمة النفسية التي تدفع المرأة للإنتقام، ولو من دون جهد كبير في خانة علم النفس

حديثاً، قام المخرج الأميركي ديفيد فينشر «الفتاة ذات الوشم التنين» The Girl With the Dragon Tattoo  حول إمرأة تنتقم من مغتصبها شر انتقام. طبعاً الحكاية لا تتمحور حول هذا الفعل، لكن الفعل المذكور من أهم ما في الفيلم وذلك استنساخاً عن رواية ستيغ لارسن التي كان المخرج الدنماركي نيلز أردن أوبلوف حققها سنة 2009 في فيلم يحمل العنوان نفسه أيضاً مستنسخاً من رواية لارسن.

في المشهد المروع لقيام الفتاة ذات الوشم ليزابث سالاندر (روني مارا) بتعذيب المحامي الذي كان اغتصبها (في مشهد مروع سابق)  أصرّت الفتاة على أن تشم صدره بعبارة "أنا خنزير مغتصب نساء". إذا لم تشاهد الفيلم بعد، وستشاهده قريباً، تابع صوت المنشار والكاميرا تنسحب إلى باب الشقّة مع تعالي صوت الموسيقا (كتبها إثنان ترنت رزنور وأتيكوس روس) وفي ثناياها صوت الآلة الحافرة نفسها

مثل هذه التفاصيل التقنية تشترك مجتمعة في التفاصيل الكبيرة التي مارسها المخرج ديفيد فينشر نفسه. النتيجة هي أن الفيلم لا يحمل ذرّة ضعف او هوان تقني واحدة. من لحظته الأولى الى آخر لقطة فيه منفّذ بحرفية عالية من قبل جميع المشتركين وراء الكاميرا (وأمامها ولو أن ذلك شأن آخر) وذلك يشمل الكتابة والإخراج والتصوير والموسيقا ومونتاج الصوت (المثال أعلاه) والمونتاج. وحين ذكر المونتاج (وهناك إثنان مسؤولان عنه أيضاً هما كيرك باكستر، أنغوس وول) معظم الفيلم مشدود الوتيرة كسكين حاد. اللقطة قد لا تستمر لأكثر من نصف ثانية لكنها محسوبة وغير مستخدمة استعجالاً لكن لخلق إيقاع مشحون بالتوتّر. هذا لمعظم الفيلم، لاحقاً في ثلثي الساعة الأخيرة (من نحو ساعتين ونصف) يهدأ الإيقاع قليلاً. والإختلاف بيّن. التوليف السابق يعمل جيّداً لكن على حساب الروح. هذا الفيلم لمعظمه خال من العاطفة والشعور الإيجابي تجاه أي شخصية. تستطيع أن تعرف ذلك إذا ما شاهدت الفيلم السابق الذي قامت ناوومي راباس بدور الفتاة الموشومة التي تؤدّيها هنا روني مارا

فيلم أوبليف استطاع كسب تعاطف المشاهدين حيال ما تتعرّض له ليزبث وبالتالي مهّد جيّداً لتعاطفهم معها حين انتقمت. هنا مشهد الإغتصاب مروع، لكن الفتاة تبدو كما لو كانت روبوت على أي حال، ما جعل مشاعرها غير المنطوقة مندثرة أكثر مما يجب. مع وصول مشهد انتقامها فإن المشاهد قد يتابع لكنه قد ينزعج أيضاً وبدرجة كبيرة.

فينشر يسرد الحكاية ذاتها: ليزبث هذه تعرّضت منذ صغرها إلى اعتداءات كثيرة. نشأت عدائية ولا تثق بالرجال وسحاقية. عليها أن تطلب من محامي والدها المعاق المعاش الشهري، لكن هذا يريد ثمناً لما تطلبه. هذا القسم من الفيلم يتقاطع وقسم آخر: ميكائيل (دانيال كريغ) صحافي كتب ما فضح أحد كبار الصناعيين لكنه قُدّم للمحكمة كونه لم يستطع تقديم براهين. خسر بذلك وظيفته ومدّخراته في الوقت الذي كان ثري عجوز أسمه هنريك فانغر (كريستوفر بلامر) قد طلب من مدير أعماله البحث عن ماضي ميكائيل تمهيداً لإسناد مهمة صعبة. ليزبث، كونها باحثة كومبيوتر مرتبة أولى، هي التي تؤمّن هذه المعلومات عن ميكائيل الذي يجد نفسه مطلوباً لمقابلة هنريك فوق جزيرة يملكها وأفراد العائلة. المهمّة هي البحث عن إبنة شقيقه هرييت التي اختفت قبل أربعين سنة. يقول له: "أمضيت نصف عمري أتحرّى أحداث يوم واحد" إبنة شقيقته كانت اختفت في يوم وقعت فيه حادثة على الجسر المؤدي إلى الجزيرة ما أدّى إلى إقفاله،  ما يعني أنها لم تغادر الجزيرة ولو أنها اختفت في اليوم ذاته. وهنريك يعتقد أن أحداً من العائلة قتلها وأخفى جثّتها ولو أنه لا يعرف من يكون. على ميكائيل أن يعرف وميكائيل، بعد ساعة ونصف من الفيلم، عليه أن يأتي بمساعدة. هنا يلتقي وليزبث لأول مرّة. وبعد نحو نصف ساعة يمارسان الحب بنفس القدر من اللا شعور الذي يُعالج به المخرج شخصيات الفيلم في المواقع المختلفة منه.

مصادر الفيلم خيالية عموماً بإستثناء أن الكاتب لارسن كان شهد حادثة اغتصاب قامت بها عصبة من الشبّان لفتاة صغيرة أسمها ليزبث ولم يستطع التدخّل لأنه كان صغيراً (في الخامسة عشر من عمره كما صرّح) ووحيداً. لكنه استطاع توظيف هذا الشعور بالذنب في حكاية فتاة تحمل الاسم ذاته. الأمر الثاني الذي حرص المؤلّف على بثه في رواياته، خصوصاً هنا، هو العلاقة المتينة، كما يراها، بين الثراء والفساد المالي والفاشية. الرواية، وكلا الفيلمين، تتعامل ووضع القاتل المسلسل الذي يكشف عنه في النهايات هو ذاته النازي عدو السامية. وليست هناك أي محاولة للحديث لا عن النازية ولا عن ضحاياها من اليهود. هناك فقط الإشارة الموجزة التي توحي بأن ضحاياه يهوديات، لكن من دون التأكيد على ذلك او سحب خيوط سياسية منها.

المقارنة بين نسخة المخرج الدنماركي أوبلوف والمخرج الأميركي فينشر للفيلم تعمل لصالح الثاني. في حين أن الفيلم الأول يفتقد توازناً ووحدة عمل في أركانه، نجد نسخة فينشر متماسكة، وعلى الرغم من طولها، سُلطوية. لا يمكن الانسحاب منها على الرغم من فترات موجزة من الشعور بأن الحوار هو أكثر مما قد ينفع الفيلم. لكن، مرّة أخرى، أفلام فينشر لا تخشى الحوار، وفيلمه السابق «شبكة اجتماعية» مبني بكامله على الحوار. لكن المخرج يعرف كيف يُصندق هذا الحوار في مشاهد محكمة. إنه ليس فيلليني ولا أنطونيوني، لكنه فنان على الرغم من ذلك. أسلوبه يتعامل مع المادة روائياً واضعاً ملكيّة السرد فوق الاعتبارات الأخرى ثم ناسجاً كل ما يتطلب من تفاصيل محددة

الأمر الوحيد الذي يمكن، نظرياً، طرحه من زاوية انتقادية هي أن أحداث الفيلم وشخصياته سويدية، لكنه مصنوع بالإنكليزية. الآن، كلنا نفهم السبب، لكن الفيلم يجب أن لا يفهم سبباً في ذلك. طبعاً لم يكن ممكناً تحقيق فيلم أميركي بممثلين سويديين (كما فعل الفيلم السويدي ذاته)، هذا صحيح، والصحيح أيضا أن المخرج جرأ على عدم نقل الأحداث إلى أميركا لصياغة فيلم أقرب إلى محيطه بل أبقاها في بيئتها الخاصّة مع العلم بأنه كان يخاطر هنا من حيث أن المسافة الزمنية بين الفيلمين لا تزيد عن سنة وبضعة أشهر من شاهد الفيلم السابق، يشعر أحياناً كما لو أنه يرى الفيلم الواحد مرّتين.

الجزيرة الوثائقية في

26/04/2012

 

"الراب العربي" فن من الشارع أتى وفيه سيبقى!

قيس قاسم ـ السويد 

بروح نقدية يبدأ الوثائقي "الراب العربي"* مُراجعة نفسه، قبل الشروع في تسجيل موضوعه. فعلى مشهده الأفتتاحي، إعترض أول شخص قابله صاحب الفيلم لكونه يكرر، مثل سينمائيين غربيين كثر، ذات الصورة النمطية التي يستهلون بها أفلامهم حين تجري حوادثها أو تستمد موضوعاتها من المغرب أو أي بلد إسلامي آخر، فيظهر فيها المسجد أولاً مصحوباً بصوت الآذان ثم ينخفض تدريجياً ليسمح لبقية الشريط إكمال تفاصيله. انها صورة نمطية تُوحي بالتصادم الثقافي بين عالمين وثقافتين قبل الشروع في بحث أي موضوع. والطريف أن المحاور يسأل المعترض مخلصاً: كيف ينبغي أن تكون البداية إذن؟ فيجيبه مومو مرهاري منتج مهرجان البولفار الموسيقي في المغرب: "أخذف صورة المسجد وأبدأ فيلمك!"، فما كان منه إلا إن أعاد المشهد ثانية، ولكن هذة المرة من دون صورة الجامع. يُظهر، المشهد الإستهلالي ل"الراب العربي" رغبة مخرجه بشير بن الصادق في صنع فيلم اشكالي، أبعد من أن يوثق سطحياً نوعاً جديداً من أنواع الموسيقى، صاحب ظهورها في شوارع مدن عربية كثيرة جدلاً ومخاوف.
من الشوارع خرجت أغاني الراب، وفي الوطن العربي كما الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وعَبَرت كلماتها عن هموم الناس اللائذين اليها، فهي منفذهم الى العالم وفيها يمكنهم التعبير عما يشعرون، بحرية أكبر، بخاصة الشباب فأغاني الراب أو "الهيب هوب" موجهة اليهم بالأساس، وفي كلماتها تنعكس الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الوطن العربي، ومن هنا جاءت أهميتها وخطورتها على السلطات التي تخاف من كل نقد موَّجَه اليها.

يُعرف "الراب العربي" بأول شابة غنته في العالم العربي واسمها لين فتوح وهي من منحت نفسها لقب "مليكة"، أو كما توصف نفسها ب "ملكة الشارع والأغنيات المعبرة عنه" شابة لبنانية من أم جزائرية سمعت "الهيب هوب" لأول مرة وهي في الرابعة عشر من عمرها، في  شريط إستعارته من أخيها، فأثر بها

وفي الدار البيضاء ما زال توفيق حاسب المشهور ب"دون بيغ" يتجول في مدينته ليلاً مستقلاً سيارته، فمِن مشاهداته الليلية يستمد أفكاره، ويتعرف على مدينة ليلية أخرى غير التي يعرفها في النهار، مدينة شوارعها مليئة بالمشاكل ورجال شرطة يتجولون غير عابئين بالجرائم قدر ملاحقتهم وسؤالهم شباباً آخرين، لا جرم لهم سوى تجمعهم، أما المجرمون الحقيقيون فقد يتخلصون من أفعالهم بالرشاوى أو بإحضار أقراب لهم ذوي نفوذ، أما نحن كما يقول مغني الراب الشهير "دون بينغ.. فلا عندنا مال ولا أهل تخافهم الشرطة.. كل ما نملكه أفواهنا وأغاني تخرج منها. أغاني نخمد بها نيران غضبنا، فالراب بالنسبة لدون: فن لتنفيس الغضب وبه يمكن ربط السياسية وتعرية الفساد والأزمات الإقتصادية أو كشف المستور من العلل الاجتماعية

يرصد "الراب العربي" انتشار فرقه في العالم العربي. ففي المغرب لم يعد محصوراً بالعاصمة او الدار البضاء صار معروفاً في أكثر من مدينة وفي سوريا ورغم التضييق الاجتماعي عليه يحاول فنانون كسر عزلتهم من أجل اسماع اغنياتهم الى شبابهم، وفي بيروت هناك نواد خاصة يجتمع محبوا هذا الفن فيها ليتبادلوا جديدهم وأفكارهم و"مليكة" تلعب دوراً في تجميعهم فهي نتاج حرب كما تقول والراب ظهر في بيروت كتعبير ضدها وضد كل مبرراتها وفي جولتها مع مخرج الفيلم قادته الى "شجرة الراب" التي كان يجتمع حولها مغنو الراب، يأتون اليها من الشرقية وبيروت الغربية وعندما يشعرون بالخطر كانوا يلوذون هاربين بين أغصانها الكثيفة. لقد أُطلق اسم "قطاع بيروت"على أول فرقة للراب في لبنان وأعضاؤها كانوا من المسيحيين والمسلمين فالراب يجمع اللبنانيين على مختلف طوائفهم.

في "الراب العربي" متعة وجمال صورة، وأفكار عميقة تسمعها من شباب ينشدون التجديد والتعبير عن جوانياتهم، والمناخ العام بدأ يميل مؤخراً لصالحهم قليلا، وكما قال الصحفي سيمون بنبشير فأن المغرب متجه الى انفتاح وكلمات معظم أغاني الراب تنسجم مع سياسية تريد الاعتراف بالمشاكل ثم حلها فلا الرشاوى خافية ولا الدعارة مستترة أو البطالة زائلة، ولا خيار للمغرب دون فتح أبوابه على الغرب، فهو قريب منه جغرافياً لقد كان  وعلى طول تاريخه نقطة التقاء بين ثقافات أفريقيا  والعالم العربي  وبين الغرب والشرق.

أكثر ما في "الراب العربي" أغنياته وبها يبرر معناه، وعبر ما تراه وتسمعه من جميل صنيعها وشجاعة كلماتها، تتعرف على فن مؤثر وممتع،  فوحدها الأغنية تعبر عن حقيقته، عن جوهر فن بدأ أمريكيا وأوربياً واليوم يكتسي ثوباً عربياً، فغناه بلسان عربي هو من يمنحه خصوصيته المحلية وقوة تأثيره الإجتماعي، ويجتمع أغلبية مغنيه على أنه اليوم فناً عربي الطابع، شأنه شأن فنون موسيقية أخرى، جاءت من الغرب ثم مع الوقت صارت محلية بعد أن كتبت ولحنت بإيقاعات عربية

واحدة من أكثر مشاكل الراب العربي ضعف إنتشاره على المستوى الجماهيري ولهذا يعاني المشتغلون به من ضائقة مادية فلا منتجون عندهم يساعدون في توزيع نتاجهم ولا مصدر مالي يدره الفن نفسه عليهم، لهذا فإعتماده مصدراً للعيش أمراً مستحيلاً والمفارقة أن أكثر المشتغلين به يصرفون من رواتبهم ومداخليهم الخاصة على تسجيلاتهم فما زال "الراب"في بدياته وقبوله ما زال عصياً،  حتى والدة "مليكة" وفي حوار ظريف معها قالت صراحة "إنها لا تحب هذا النوع من الغناء وأفضل لإبنتها مليكة التي لا تحب حتى اسمها الفني أن تغني أغاني عادية"  في حين لانَ قليلاً والد "دون بيغ" في موقفه، وبدأ يقتنع بأن الفن الذي يقوم به إبنه مهم ولا يختلف عن باقي الفنون. أما بالنسبة لمحبيه فهو أجملها وأشجعها على الاطلاق وأكثرها تعبيراً عن حقيقة ما يشعر به الناس في كل مكان، فهو فن من الشارع أتى وفيه سيبقى.   

• "الراب العربي" من إنتاج الجزيرة الوثائقية وبالإشتراك مع TV5 الكيبيك وراديو كندا وشركة SODEC  وعلى انجازه تعاون جاك لينا مع مخرجه بشير بن الصادق

الجزيرة الوثائقية في

26/04/2012

 

الأزهر .. الجامع والسلسلة 1/2

نهضة وثائقية .. ومؤسسة وسيطة 

أسامة صفار 

مائة عام من اجمالي أكثر من ألف عام قد تكون هي مفتاح المؤسسة - اللغز التي يجلها المسلمون في شتي بقاع العالم .. مائة عام توقفت خلالها المؤسسة عن العلم وعن الصلاة ..هي ما نستطيع من خلاله طرح نموذج تفسيري للأزهر الشريف بدوره العملاق في نفوس المصريين ودوره الممتد عبر آفاق افريقيا والعالم الاسلامي شرقه وغربه وعلاقته المدهشة والمراوغة والمناورة والحائرة مع كل سلطة صادف التاريخ أن كانت تقبع فوق قلبه بتنويعاتها وأطيافها بدءا من بانيه جوهر الصقلي ومرورا بالمماليك والعثمانيين ونابليون وسلطة العسكر بعد انقلاب يوليو ومن ثم عبد الناصر والسادات ومبارك .

لكن ما ينبغي التطرق اليه أولا هو تلك الملحمية الرائعة التي حشدت لصناعة عمل توثيقي متميز صورة وبناء وإيقاعا فالرباعية الوثائقية نجحت في تحويل الأمر داخل ذهنية المتلقي إلي دراما ملحمية حقيقية ومنذ اللحظة الأولي بغرائبية وغموض المشهد الذي يؤرخ لنهاية حكم ابن طولون يقفز المشاهد إلى داخل الكادر قابعا في ركن خاص داخل الأزهر ليرقب ما جاد به الزمان على المؤسسة – البطل 
في سلسلة "الأزهر" بأجزائها الأربعة يتجرأ المخرج عبد الرحمن عادل وفريق عمله على كسر العلاقة الصلبة بين ما هو روائي وما هو توثيقي على مستوي الصورة وعلى مستوى التلقي فثمة تشويق وتفاعل حقيقي يجعل من تفسير هذه العلاقة، دراما تستحق المتابعة ولعله أول فيلم وثائقي يصبح "للتمثيل" دور فيه حيث جسدت حركة الممثلين في الدوكيودراما الحالة ومن ثم جاء المعادل السمعي (التعليق الصوتي) ليخبر عنها بأقل القليل ورغم زوايا التصوير المعبرة والحركة والوقفة داخل الكادر الا أن نظرات الممثلين كانت في الكثير من الأحيان شمعية جامدة لم تعبر عن المعني المتجلي في الحالة أو الوارد في التعليق الصوتي خاصة أن "سلسلة الأزهر " من الوثائقيات النادرة التي تحتوي على تعليق صوتي والتي تنتجها الجزيرة الوثائقية وقد جاء مكثفا في ألفاظه وموحيا وشاعريا الى حد كبير ولعل العناوين الأربعة لأجزاء السلسلة تشي مع المحتوي برؤية جعلت من الأزهر ركيزة لنهضة حقيقية فضلا عن بطولة تاريخية تجلت دائما في مقاومة المستعمر والحفاظ على الهوية الاسلامية للمجتمع وفي الجزء الأول المعنون ب " الخوذة والعمامة " وتناول نشأة الأزهر، الجامع والجامعة، منذ عهد الدولة الفاطمية، ثم عهد الدولة الأيوبية والمملوكية، والتحول الجوهري الذى شهده الأزهر من مركز للدعوة والتعليم الشيعي إلى منارة للتعليم الديني السُني، ثم الأزهر والدولة العثمانية انتهاء بالاحتلال الفرنسي لمصر ثم يتناول الجزء الثاني تاريخ الأزهر منذ الاحتلال الفرنسي لمصر، عبر حبكة درامية لارتباط الأزهر بتلك الأحداث، وبنوع من التفصيل تتناول تاريخ الأزهر أيام محمد علي، ودوره في تقويض الأزهر بعد تزعم الأزهر الحركة الشعبية، فضلا على تعرضها لمشروع الشيخ حسن العطار الإصلاحي أما الجزء الثالث فيستعرض فترة الخديوي إسماعيل، لارتباط عهده بميلاد الحركة الإصلاحية الجديدة إثر وصول الأفغاني إلى مصر، يتناول حركة الشيخ الإمام محمد عبده الإصلاحية وأثرها وما خلفته من تلاميذ أثروا الحياة الفكرية والسياسية داخل الأزهر ومصر، وكذلك يتناول بعض المشروعات ذات الجذور الأزهرية، وكان للأزهر موقفا منها مثل الشيخ علي عبد الرازق وطه حسين، كما تشمل تلك الفترة مشروعات الظواهري والمراغي والإصلاحات التي قاما بها، التي يرجع الفضل إليها في تأسيس الأزهر في شكله الحديث.

وفي جزئها الأخير ترصد "سلسلة الأزهر " إثر ثورة 1952 على الأزهر، من خلال عمليات التطويع السياسي للأزهر الذى مارسته السلطة، ومشروع الشيخ محمود شلتوت التجديدى، وحركة التقريب يبن السنة والشيعة، التي كانت قد بدأت قبل الثورة، ويتناول كذلك الأزهر وعلاقته باتفاقية كامب ديفيد ، واحتلال سيناء انتهاء بثورة 25 يناير ودور علماء وطلاب الأزهر فيها .

وقد جاءت مصادر العمل -المتحدثون في الفيلم- في أغلبها من مؤسسة الأزهر الشريف ومن مختلف الأجيال باستثناء الجزء الرابع والأخير الذي بدا وكأنه قرر فتح الأفق على المجتمع المصري بكامله أملا في شرعية جديدة من مثقفي مصر للأزهر باعتباره يصلح لدور طالما افتقدته الأمة عبر حقبة بدأت بالتقزيم الناصري له .

ولعل ما أصدره علماء الأزهر عبر مقولاتهم داخل السلسلة يؤكد على شعورهم جميعا دون استثناء ب "محنة " تعيشها المؤسسة الرائدة منذ ثورة يوليو بعد صدور قانون الأزهر وتحوله من مؤسسة مستقلة بأوقافها وأموالها إلى مؤسسة تابعة للدولة ماليا وسياسيا وإداريا عبر تعيين رئيس الجمهورية لشيخ الأزهر ووكيله فضلا عن تعيين الثورة لوزير لشئون الأزهر كان يرأس الامام الأكبر نفسه وانطلاقا من هذه المحنة تحديدا يطمح الأزهريون إلي التحرر من قبضة الدولة نحو أفق أكثر رحابة يستعيد به الأزهر أمجاده ودوره كحامل للواء الاسلام المعتدل في العالم وكجامعة للعلوم الشرعية والانسانية ينهل منها العالم الاسلامي ... ولكن متي كان الأزهر مستقلا..؟؟ 

رغم اختيار هذه السلسلة لأجزاء محددة وأحداث محددة قصدت منها تشكيل صورة للمؤسسة الأزهرية بل والتفسير انطلاقا منها، إلا أن الأحداث ذاتها تؤكد على أن فكرة استقلال الأزهر واضطلاعه بدور نهضوي فكرتان منفصلتان تماما وإن اتفقتا زمنيا ..

والشاهد أن كل مؤسسة تحمل ثقافة نشأتها في داخلها دائما ومؤسسة الأزهر لم يكن الهدف من انشائها اقامة نهضة حضارية اسلامية أو منحها راية تحملها لتسير بها قدما إلي الأمام ويتبعها أمة بكاملها لكن أنشائها جاء بقرار سياسي من أجل التوسع في نشر المذهب الشيعي في مصر السنية وهو ما تحقق في قرنين كاملين وأصبح الأزهر مركزا للحركة الشيعية الاسماعيلية في العالم الاسلامي وبقرار سياسي جديد بعد سقوط الدولة الفاطمية في مصر أغلقت أبواب الأزهر بناء على فتوي نستطيع أن نصفها ببساطة أنها سياسية دينية وجاءت فتوي أخري بعد ما يقرب من مائة عام لتقام الصلاة في المسجد المهجور بقرار من الظاهر بيبرس الذي شاء أن يقوم له الأزهر بالدور نفسه الذي قام به للحكام الفاطميين في مصر والدولة كلها وازدهر الأزهر ونهض طبقا لقرار ورغبة حاكم مصر في توظيفه سياسيا وجاء نابليون بينما كان الأزهر يقوم بهذا الدور واستطاع أن يستقطب بعضا من مشايخه بينما فضل البعض الاخر الانحياز لاستقلال مصر عن الفرنسيين .. أنها المواقف نفسها التي يمكن أن تنطبق على باقي المؤسسات في المجتمع فضلا عن مجموع المجتمع نفسه .. فما الذي يمكن أن يصبح ميزة نوعية للأزهر في هذه الحالة ؟ .. أغلب الظن أنه المؤسسة الوحيدة في ذلك الوقت التي كان يمكن لها أن تجمع بسطاء الناس وعلمائهم بحكامهم أي المؤسسة الوسيطة والتي أراد لها المماليك أن تقوم بدور اسفنجي يمتص غضب الشعب ويحتمل سوءات الحاكم أحيانا ليصل بين الاثنين وتستقر الأمور ضمن اصلاحات لا تتطور لثورة .

وتكرر الأمر مع الازدهار والنهضة في عصر الدولة العثمانية التي أرادت أيضا أن تستخدم المؤسسة الدينية الأكثر انتشارا واحتراما في المجتمع وجاء اهمال محمد على باشا للأزهر ليكون محطة ركود الي أن عاد الجامع والجامعة مرة أخري الي الواجهة حيث أرادت ثورة يوليو أن تجعل المؤسسة الوسيطة بينها وبين الشعب بكل فئاته فأضافت الدراسة العلمية التجريبية وجعلت منه تحت ادارتها تماما وبشكل قانوني صريح وهذا هو الفارق بين الثورة كسلطة وما سبقها من حكام جعلوا منه تحت سلطتهم بشكل غير صريح .

اعتمدت الرؤية المطروحة في السلسلة الوثائقية على ثنائية الأزهر – السلطة لتدور في فلكها ولتكن لعبة الكراسي الموسيقية هي المعتمدة لدي الطرفين للسيطرة على مقاليد الأمور وبينما تتكئ السلطة على قوتها وشرعية دينية أو وراثية من عائلة ملكية فان الأزهر اعتمد على شرعية دينية مجتمعية محدودة بطلابه ومجاوريه من الحرفيين وهو ما قد يجعلها رؤية صائبة لفترة زمنية ارتبطت بعدم وجود وسائل اعلام ومناطق قوة أخري في المجتمع قد تصبح عوامل فارقة فيما لو فكر أحد الحكام في استعادة الدور التاريخي ( المتخيل ) للأزهر .

الجزيرة الوثائقية في

26/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)