حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أنجلينا جولي لـ«الحياة»:

عدت إلى رشدي بعد طيش الشباب

باريس - نبيل مسعد

 

لقبتها المجلات الأميركية والأوروبية بأجمل امرأة في العالم، خصوصاً بفضل فمها العريض - وهو أمر نادر - الذي لا يدين بشيء للوسائل التجميلية البارعة في هذا الشأن.

إنها أنجلينا جولي (36 سنة) الممثلة ابنة النجم الهوليوودي جون فويت والتي تسلقت سلم الشهرة في مطلع الألفية الحالية بفضل فيلمي «مختف في ستين ثانية» و «لارا كروفت».

والآن تحولت الممثلة إلى مخرجة عبر فيلم درامي تدور أحداثه أثناء حرب البوسنة عنوانه «في بلد الدماء والعسل».

عاشت أنجلينا حياة مضطربة منذ المراهقة وحتى بلوغها سن السادسة والعشرين، فهي هدفت دوماً إلى لفت الأنظار بكل الوسائل الممكنة، مثل الظهور فوق صفحات المجلات الخفيفة واستخدامها الوشم في شكل واضح فوق نقاط حساسة من جسمها واعتمادها تصرفات صاخبة في سهرات عامة، ثم زواجها المبكر بالممثل جوني لي ميللر ثم طلاقها منه وزواجها من النجم بيلي بوب ثورنتون الذي غادرته بعدما «عقلت» لأنها لم تكن تعثر على مواضيع تتكلم فيها معه، وفق قولها.

إلا أن سلوك جولي تغير فجأة فعدلت عن النزوات وبدأت تشارك في جمعيات خيرية تابعة للأمم المتحدة وتهتم بالأطفال المرضى وضحايا الحروب، فصارت سفيرة رسمية لها، ثم تعرفت إلى براد بيت الذي أصبح شريك حياتها وأنجبت منه ثلاثة أطفال غير الثلاثة الذين تبنتهم معه.

وفي مناسبة الحفلة الافتتاحية لفيلم «في بلد الدماء والعسل» التقت «الحياة» المخرجة الناشئة وحاورتها.

·         لماذا تحولت إلى مخرجة الآن وهل يعني الأمر أن التمثيل صار وراءك؟

- سأرد أولاً على الجزء الثاني من السؤال، فالتمثيل لا يزال مهنتي الأولى وهو لم يعد ورائي إطلاقاً. أما عن الإخراج فأنا لم أقرر ممارسته لمجرد أن أصير مخرجة معترفاً بها ولكن من أجل أن أقدم فوق الشاشة حكاية محددة تدور أحداثها أثناء حرب البوسنة. إنني متأثرة إلى أبعد حد بما وقع في هذه المنطقة من العالم وأردت أن أصور العلاقة بين امرأة ورجل، ينتميان إلى طرفين مختلفين في هذه الحرب وتربط بينهما علاقة قوية منذ أيام ما قبل الأحداث. فأيهما الأقوى الحب أم الحرب؟

·         أنت إذاً مخرجة فيلم واحد فقط؟

- إلا إذا جذبني موضوع آخر في المستقبل، لكنني لن أخرج لمجرد الإخراج.

·         أخرجت فيلمك بمهارة جديرة بكبار أسماء الفن السابع، فكيف حققت ذلك؟

- أشكرك على المجاملة. لقد قرأت عن الإخراج وتحدثت عنه مع بعض العمالقة والأساتذة في هذا الميدان، غير أنني امرأة فضولية جداً وأقضي وقتي منذ سنوات طويلة، كلما شاركت كممثلة في فيلم ما، في مراقبة كل ما يفعله المخرج. ومن ناحية ثانية حرصت على أن أحيط نفسي بأشخاص محترفين وعلى درجة كبيرة من القدرة في كل الميادين، من الصورة إلى المونتاج مروراً بالصوت والديكور والملابس والخدع، وطبعاً الممثلين البارعين.

لماذا لا تظهرين في الفيلم؟

- لم أرغب في الخلط بين الأمور وفضلت أن أركز اهتمامي على نشاط واحد أي الإخراج.

·     قيل الكثير عن زواجك ببيلي بوب ثورنتون، فهل لديك ما تقولينه الآن في هذا الشأن خصوصاً بعد مرور الوقت على ذلك وخوضك تجربة حياة جديدة مع براد بيت؟

- كنا أنا وثورنتون تعرفنا إلى بعضنا أثناء عملنا في فيلم «بوشين تين» ووقعنا في الحب من النظرة الأولى. صحيح أنه كان قد ترك بيته وزوجته من أجلي لكنني أيضاً تركت بعض الأشياء من أجله. فأنا كنت حينذاك مولعة بالعلاقات العاطفية، وشاركني حبيبي بعض نزواتي وتصرفاتي الطائشة، فربما أن علاقتنا تأسست على نوع من الجنون. وعندما عدلت شخصياً عن كل هذه الأشياء وغيرت سلوكي نهائياً مقتنعة بأن الحياة فيها ما هو أحلى وأهم من الضياع، بدأت العلاقة بيننا تتدهور وفقداننا اهتمامنا بعضنا ببعض، وهكذا انفصلنا وتعرفت في ما بعد إلى براد بيت شريك حياتي الآن وحبيب قلبي.

·         فزت بأوسكار أفضل ممثلة في بداية احترافك الفن، عن دورك القوي في فيلم «حياة مقطوعة»، فماذا كان تأثير الجائزة فيك؟

- صحيح أنني حصلت على الأوسكار، أكبر جائزة سينمائية في العالم، وأنا بعد في الرابعة والعشرين من عمري، وعلى رغم ذلك لم يتغير سلوكي إطلاقاً. شعرت حينذاك وكأن هناك امرأة ثانية فازت بالتمثال الصغير وأنا بقيت أراقبها من بعد، وأقصد امرأة ثانية مرتبطة بي بطريقة ما كأنها أختي مثلاً. إنه إحساس غريب يصعب علي وصفه بدقة الآن بعد مرور الوقت على الموضوع.

لقد تلقيت فور تسلمي الجائزة مئات الدعوات لحضور مناسبات فنية مختلفة وعروض موضة لا أعرف حتى اسم مبتكرها، فالنجاح يجعل الآخرين يهتمون بك من دون أن تدرك ما الذي يعجبهم فيك أو ماذا يريدون منك بالتحديد. وقد نصحني الأصدقاء بتغيير سلوكي وطريقتي في التصرف مع الناس لأن الإعلام كان سيراقب أدق حركاتي بعد حكاية الأوسكار هذه، لكنني لم أرغب في تعديل نمط حياتي حتى أرضي الإعلام، فأنا خلقت حرة وعشقت التمادي في التصرف علناً وأمام الناس لأنني آمنت بشيء أساسي وهو أن المرء يعيش مرة واحدة، وأردت شخصياً أن أعيشها بجنون مثلما فعلته شخصيتي السينمائية في فيلم «حياة مقطوعة» بالتحديد وهو العمل الذي جلب لي الأوسكار. لكن كل شيء تغير الآن، ولا يعني هذا أنني لم أعد حرة، بل إن الحرية أصبحت تتميز بمفهوم جديد في عقلي.

·         ألم يخالجك في الماضي شعور بالخوف من أن تضر تصرفاتك الشخصية بحياتك المهنية؟

- الرد على سؤالك يتلخص في عبارة واحدة تنطبق على ما عشته في الماضي وما أعرفه حالياً، فعليك أن تعلم بأن الجدية والأمومة ومساعدة الآخر كلها من الأعمال التي تثير شك أهل هوليوود أكثر مما تجلب ثقتهم، وذلك تماماً مثل الطيش واحتلال الصفحة الأولى من الجرائد والمجلات الفضائحية. والمقصود هو أنني عاجزة عن الخبث وعن تخطيط تصرفاتي، فأنا طبيعية وكل ما أهدف إليه مهنياً هو العثور على المزيد من الأدوار الحلوة التي قد تسمح لي بالتعبير عن طاقتي الفنية في شكل كلي ومتنوع. وإذا كان الأمر لا يعجب أصحاب القرار في هوليوود، فما عليهم إلا أن يبتعدوا عني ويركزوا اهتمامهم على ممثلة أخرى.

مسبح الاستوديو

·     في فيلمك «مختفٍ في ستين ثانية» مع نيكولاس كيج كنت مولعة إلى حد الجنون بالسيارات الإيطالية من نوع فيراري. فهل كان الأمر مجرد تمثيل أم إنك تمتعت بأداء هذا الدور في الحقيقة مثلما بدا على الشاشة؟

- في شبابي الأول الذي انتهى مع سنوات الطيش، كنت أعجز عن مقاومة أي سيارة من نوع فيراري. والعجيب أن هذه السيارة فضلاً عن غيرها دفعت بي إلى الغطس في أول مسبح أعثر عليه. فالماء في هذه الحال كان يرطبني ويطفئ اللهيب الذي تسببه لي السيارة. ونظراً إلى كون السيارات من هذا النوع وجدت بكثرة في الفيلم المذكور أتركك تتخيل كم مرة غطست في مسبح الاستوديو أمام فريق العاملين الذي كان يصفق لي بشدة ويشجعني على الاستمرار. ألم أقل لك إنني كنت مجنونة تماماً؟

·         وهل تملكين سيارة فيراري شخصياً؟

- لا، لأنني أميل إلى القيادة السريعة جداً ما قد يؤدي بي إلى المستشفى أو المقبرة في حال امتلاكي سيارة قوية كهذه. إنني أملك سيارة عائلية كبيرة وعتيقة من نوع «فان» وهي تكفيني وتلبي حاجتي وأكثر.

·         حدثينا عن أعمالك الخيرية؟

- أنا سفيرة الأمم المتحدة من أجل الدفاع عن الأطفال المرضى وضحايا الحروب، وهي مهمة تأخذ مني الكثير من الوقت وتتطلب السفر إلى بلدان بعيدة. لكنني أعشق مثل هذا الانشغال خصوصاً أن مهنتي الفنية تترك لي بعض الوقت وتجلب لي ما يكفيني من دون أن أضطر إلى السعي المستمر وراء الأدوار. وهكذا أعوض عن سلوكي الخاطئ في الماضي وأساهم في فعل الخير من حولي.

·         هل أديت المشاهد الخطرة بنفسك في كل من جزأَي «لارا كروفت»؟

- نعم، كلها بلا استثناء، والحيلة الوحيدة تلخصت في وجود حبل حول خصري لحمايتي إذا سقطت، خصوصاً في اللقطات التي تطلبت مني تسلق أحد الجبال العالية. وفي ذات مرة وقعت ووجدت نفسي مقلوبة ورأسي إلى الأسفل وضحكت طويلاً إلى أن شدني أفراد الفريق التقني لإعادتي إلى سطح الجبل. وأتذكر أن ضحكي أثار دهشة زملائي، فهم توقعوا أن أخاف وأصرخ أكثر من أن أضحك، وهذا طبيعي. لكنني امرأة طائشة وطفولية أعشق الأحاسيس القوية ولا أبالي بالأخطار لأنني لا أفكر فيها جدياً أبداً.

الحياة اللندنية في

20/04/2012

 

أحلام شرقية يحققها غربيون رومانسيون!

غوتنبرغ (السويد) - قيس قاسم 

لم يُفوّت سيمون بيوفوي فرصة تحويل رواية «صيد السلمون في اليمن» الى نص سينـــمائي، فغرائبيتها تغوي كما حـــال «المـــليونير المتشرد» وطابعها الرومانسي الكوميدي لا يمكن للمـــخرج لاسه هالستروم أن يتجاهله، فهو أكثر ما يحب الشغل عليه منذ انتقاله الى المدرسة الهوليوودية قبل عقدين، خاب فيها وأصاب.

ومهما قيل عن مستوى شغله وسيقال يبقى هالستروم واحداً من أكثر مخرجي هذا النوع حضوراً، وأعماله مثل: «شكولاته»، «كازانوفا» و«قواعد معصرة التفاح» كَفِلت له سمعة كمخرج مكرس، بمرجعيتين: هوليوودية جديدة وأسكندنافية قديمة بدأت في السبعينات حين اشتغل عام 1977 فيلماً وثائقياً مهماً عن فرقة «آبا» الموسيقية بعنوان «آبا: فيلم» ثم وبعد خمس سنوات أخرج «حياتي مثل كلب» الذي أُعتبر واحداً من كلاسيكيات الســينما السويدية.

وهو منذ بداية التسعينات تفرغ للعمل في الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأ مشواره الحقيقي فيها بفيلم «أعناب جلبيرت»، لعب دور بطولته جوني ديب وحظي بنجاح كبير، على عكس فيلمه قبل الأخير «عزيزي جون» الذي أقحم فيه السياسة والحروب الأميركية دون أن يتمكن من الخروج منها بمنجز جيد، فجاء باهتاً، وكانت الخشية من تكرار التجربة نفسها في «صيد السلمون في اليمن» لما فيه من مساس كبير بالسياسة البريطانية وتورطها في حروب منطقنا، لولا براعة سيناريو كُتب بذات الروح الساخرة والنقدية اللاذعة التي كتب فيها بول توردي روايته، وحرص كثيراً على توفير عنصر المتعة فيه، ولهذا يمكن وصف «صيد السلمون في اليمن» وقبل كل شيء، بأنه فيلم ممتع، ليس إشكالياً، لكنّ فيه من الأفكار الإنسانية العميقة الكثير بخاصة وأنه يذهب الى مناطق توتر وصراعات سياسية حين جعل من فكرة «مستحيلة» سعت الحكومة البريطانية الى تحقيقها من أجل تحسين صورتها الخارجية وعلاقتها بمنطقة الشرق الأوسط التي غلب عليها الطابع التصادمي، بعد حربي العراق وأفغانستان، لتستبدلها بآخرى يبدو الجانب الإنساني أو حتى الاقتصادي فيها أكثر بروزاً، لهذا قبلت المشاركة بمشروع قدمه المليونير اليمني محمد (الممثل المصري عمرو واكد) وأراد من خلاله تحقيق رغبته في صيد سمك السلمون في بلاده بدلاً من الذهاب هو بنفسه الى مواطن إبحاره في المناطق الباردة.

الصحراء تصبح بحراً

أن تُرَبي أسماكاً في غير بيئتها وتجعل من الصحراء بحراً لها ثم تأتي وتصطاد فيه أنت وغيرك، فكرة مدعاة الى الضحك في ظرف عادي، غير إنها - وعندما تتشابك مصالح دول ورؤوس أموال - تصبح قابلة للنقاش فيتراجع وقتها أكثر علماء الأحياء المائية رفضاً لها عن موقفهم أمام معطيات يصنع المستفيدون منها منطقها وقابليتها على التنفيذ، على هذه المفارقة اشتغل هالستروم وبالحوار السريع المشحون بالإيماءات والتلميحات السياسية والاجتماعية شحن مَشاهد فيلمه بطاقة من الكوميديا الساخرة اللاذعة.

تنتمي شخصيات «صيد السلمون في اليمن» بقوة الى مكانها، فالإنكليز كانوا يتحركون وفق منطقهم الغربي، فيما الشيخ العربي ينتمي الى موروث من ثقافة روحية على كل ما يملك من ثروة، فكان يجد في صيد السمك مشتركات تقرب البشر وتمنحهم هدوءاً وطمأنينة داخلية، وهي قادرة على جمع مختلف الأجناس والديانات حولها. في المقابل كان شركاؤه يتحركون وفق مصالح تفرضها آليات عمل رأسمالية ومصالح دولة تمثلت بالمسؤولة الإعلامية لمكتب رئيس الوزراء البريطاني، باتريسيا ماكسويل، الانفعالية البراغماتية التي تحوّل كل ما يتحرك أمامها الى جزء من مشروع يخدم دولتها، فيما بقية الشخصيات تنتمي الى عالمها السوي، بكل تناقضاته. ولهذا كانت العلاقة العاطفية بين مديرة أعمال الشيخ اليمني هارليت وعالم الإحياء المائية الفريد جونز (الممثل ايوان ماكغريغور) عرضة لهزات، في موطنهما الأصلي. وظلت حتى بعد أن وصلا الى اليمن وأنجزا المرحلة الأولى من المشروع قبل أن يتدخل «متشددون يمنيون» وينسفوا السد الذي بنيَّ كخزان يؤمن ماء لـ10000 سمكة سلمون جاءوا بها من بريطانيا الى «بحرها» اليمني الجديد.

رومانسية مشحونة وسياسة هادئة

في حكاية كهذة مليئة بالجو الرومانسي المشحون بتدفق عاطفي يأتي النقد السياسي هادئ النبرة. ومن يعرف هالستروم جيداً يعرف ان الحكاية لن تأتي دون كليشهات، وهو نفسه لم يحاول التمويه عليها، فحكمة الشيخ العربي والعلاقة بين الإسلام والمسيحية وحرب أفغانستان لم تخلُ من اقحام، وتنميط دور المتشددين يبدو زائداً، لكن هذا كله ورغم هذا لا يبدو منفراً، لتوافقه مع متن الحكاية، ولقوة أداء ممثليه وبينهم عمرو واكد الذي لعب دوره في شكل جيد ومقنع بخاصة انكليزيته التي وَلَدَّت على مستوى آخر مفارقة أن الكلمات القليلة اليمنية التي نطقها لم تكن متقنة كاللغة الأجنبية. وفي جانب أخر يأتي منسجماً تخليص الصراع السياسي فيه من حدته، فالجندي الإنكليزي المفقود في أفغانستان، وكانت له علاقة عاطفية بسكرتيرة الشيخ عاد سالماً فيما الحكومة الإنكليزية بدت وكأنها تريد وعلى طول الخط تحسين سمعتها وتخفيف ثقل ذنوبها مع عالم، تريد التصالح معه الآن، بعد طول تاريخ من سوء المعاملة، فأخذت لهذا السبب المراسلات الرسمية هذة المرة بين مسؤوليها طابعاً كاريكاتورياً وساخراً من كُتابها. خفة روح «صيد السلمون في اليمن» وقصته الغرائبية جعلتا منه فيلماً مقبولاً وإن لم يكن كبيراً.

الحياة اللندنية في

20/04/2012

 

التجريبية المحيّرة والتقنية الغربية لفيلم يريد قول مأساة مغربية

الدار البيضاء – مبارك حسني 

شخوص خارجة من عوالم الكارثة، أماكن تبدو كما لو كانت ناتجة من حدوث القيامة، ووقائع أيام الانهيار الشامل، كأن السماء سقطت على الرؤوس والأرض. تلكم أجواء الحكايات المجزأة لفيلم «النهاية» الشريط الأول للمخرج المغربي الشاب هشام العسري بعد أفلام قصيرة مشابهة ومعلنة عما يعتقده سينمائياً، أي مقارعة التجريبي في بعده الغربي المثير. هي حكاية «ميخي»، والاسم مستوحى من اللغة الشعبية التي تصف به كل شخص تافه، غير مهم، مهمل، محتقر، وهو مُحوّر لغة بفعل الزمن والاستعمال من الشخصية الكارتونية المعروفة «ميكي ماوس». «ميخي» شاب يقيم أوده بالمخدرات وحراسة السيارات والعمل مع ضابط شرطة كمخبر مجبر. هذا الأخير قُدّم كرمز للتسلط والقمع في الحياة العملية والشارع، ورمز للحنان إزاء زوجته المُقعدة. صورته هي صورة لكاريكاتير أكثر منها لإنسان سوي، مثله في ذلك مثل كل شخصيات الشريط الحاملة لأسماء من وحي واختراع لغة الشارع، ابتداء من الفتاة التي سيتعلق بها ميخي، والمقيّدة بدورها من طرف إخوتها لصوص السيارات الذين تم اختيارهم كي يعطوا صوراً مختلفة لنماذج بشرية غير سوية في الغالب. وطبعاً لا بد من ربط كل هؤلاء وآخرين حول قصة حب وقصص مطاردة وانتقام.

حدوتة كلاسيكية... ولكن

في المحصلة نحصل على فيلم كلاسيكي الحدوتة. لكن المُخرج لم يشأ الحكي بشكل بسيط متداول، بل توخي كتابة مكسرة، متواترة، متداخلة الأزمنة والأمكنة. كما توخي احتيال فني خاص، وهو تعمّد استخدام اللون الأبيض والأسود وتغييب الموسيقى التصويرية، وتخير اللقطات الطويلة والمتداخلة الصور، عكس كل ما يحدث في أفلام العنف الشبيهة. لكن هذا اتى في توافق تام مع أفلام تجريبية سابقة، أميركية خاصة. بيد ان هذه الأمركة أخذت الشكل ونسيت المضمون. فالتجريبية تعتمد على الفكرة، وهي التي تحدد كيف سيكون التعليب الفني لها. فما هي فكرة هشام العسري التي أملت الفيلم، وود تقريب المشاهد منها، المغربي خاصة؟. من خلال الأجواء العامة المذكورة آنفاً يتغيّى المخرج الحديث عن سنوات مغربية سابقة على العهد الجديد. تلك السنوات التي عرفت صراعات سياسية كثيرة ما بين الدولة والمعارضة اليسارية، كما عرفت أحداثاً وتسلطاً مطلقاً وتكميماً مزاجياً لحرية التعبير، لكنها لم تعرف قط محواً تاماً لكل مظاهر المعارضة، من أحزاب ونقابات وجمعيات هي الآن في دواليب السلطة. بل تمثل حركية سياسية مرتبطة مع حركية مجتمعية نشيطة.

سنوات سود

لكن الفيلم عرض فقط الجانب السوداوي في إيحاء كبير على أنها سنوات سود بالكامل. ومن أجل ذلك تدور الوقائع في المجال الحضري الذي تمثله الدار البيضاء، المدينة الحديثة والمدينة العمالية. الفيلم يلقي نظرة قاتمة للواقع المراد التطرق إليه، والبلد هنا فضاء لإنتاج اليأس والإحباط في مجتمع قاس ومدمر للحياة، وحيث تدبير القوت مرتبط بالسرقة والسلطة والفهلوة. فضاء كل شيء فيه بالمقلوب وهو ما تم التعبير عنه بالمشاهد الطويلة التي يظهرها الكادر وهو مقلوب وممنوح للنظر طيلة زمن طويل كما في بداية الفيلم في لقطة إحراق الحشيش من طرف الشرطة. وكل رغبة للتخلص من هذا الواقع المرير غير ممكنة لأن الكل مكبل إلى حالته المعيشية والنفسية المرتبط بهذا المجتمع المغلق (؟؟؟) كما أوضح المخرج ذلك بالقيود الكثيرة التي تعج بها اللقطات، مثلاً في يد الحبيبة كي لا تهرب من سطوة الإخوة اللصوص، ورمزياً لدى زوجة الشرطي التي لا يمكنها مغادرة الكرسي. كما أن الرؤية العامة للشخوص محجوبة وقاصرة، وترمز إلى ذلك الأدخنة والعالم المحدود الذي تحيا فيه، عالم وسخ وقذر.

من هنا يفرض نفسه سؤال الجدوى والأهمية من جهة صواب مقاربة المخرج للمضمر في شريطه، وهو سنوات الرصاص. إذا كان الحديث عنها فقط، فقد تم التطرق إليها من طرف مخرجين مغاربة سابقين وكل واحد من منطلق خاص حتى استنفذ الموضوع تقريباً «موضوعه». وإذا كان الحديث عنها لكن مع تجديد الشكل والمعالجة، فذلك محتمل لكنه في الحقيقة يفارق أهمية الموضوع، لأنها ليست بالتي يمكن التعامل معها كتجربة فنية سينمائية لا غير. هي في صلب الحدث المؤثر المحدد الذي له صرامته ما يوجب المعاينة الرصينة والعميقة المعتمدة على البحث الأكاديمي للمؤرخ قبل كل سينما. ومن ثم يكون على المخرج المغربي واجب التعمق قليلاً ثم التعبير بوضوح كبير. وهنا نلح على صفة المغربي، فالبعد المغربي الدال الواضح في هذا الشريط منحسر باستثناء في الموضوع والشخوص النموذجيين لعالم كآبة ونهاية للعالم، هو سينمائياً غائب تقريباً باستثناء المخرج والممثلين.

نقول هذا الكلام، لأن أول ما يسترعي الانتباه هو الجنيريك، تلك العتبة التي تقول كل شيء إن تمعّنا فيها، وفق ما ذكره العالم اللساني جيرارد جينيت بخصوص عناوين النصوص، طبعاً نحن نزيح ونوسع الأمر جهة الجنيريك. اما ما نقصده فهو الوقوف عند العناصر البشرية الكبيرة في الطاقم التقني والفني للفيلم.

مدير التصور هو مكسيم ألكسندر، مهندس الصوت هو باتريس منديز، الموضب هو جوليان فور، الموسيقى لباتريس منديز باري. ولا مغربياً هناك وبالتالي فالرؤيا وزاوية الاشتغال الضمنية المتحكمة غربية بالضرورة، وهو ما يؤثر كثيراً على الجو العام لما يعتمل في الشريط شكلاً بداية، ثم مضموناً ثانية، لكن في علاقة تأثر وتأثير كبرى ومتداخلة. لأن «النهاية» شريط شكلي/شكلاني، يلعب على الإطار والعلبة والقالب أكثر مما يلعب على محتوى ما يقدمه. أو لنقل أن هذا المحتوى مرهون بالكيفية التي قدم بها. لسبب بسيط هو أنه شريط لا يريد تتبع الطريقة الكلاسيكية في السرد الفيلمي.

وهنا الاستعانة بالتجربة الغربية المتحررة نظراً وفكراً وإبداعاً لكن الجاهلة ضمنياً بالموضوع. وهشام العسري من محبي هذا النوع من الفن المتأثر بثقافة الروك والفيديو والأندرغراوند واختيارات مجلات كـ «أنكوريبتيبل» الفرنسية، وما شاكلها من تصورات وتعبيرات عصرية متحررة تروم الحياة في الشكل وتعلنه قبلاً، حتى وإن لم تستند على رصانة الفكر والإبداع المتأني. فهل الشريط أدى مهمته مغربياً وفنياً؟ السؤال موضوع للتأمل.

الحياة اللندنية في

20/04/2012

 

«33 يوم»: ليس بالضخامة وحدها تكرَّم المقاومة

 باسم الحكيم 

إنّه فعلاً أضخم إنتاج سينمائي عن حرب تموز، جمع نخبة من أفضل النجوم اللبنانيين والعرب. مع ذلك، سجّل الشريط الذي نزل أخيراً إلى الصالات، أخطاءً بالجملة، وضعفاً كبيراً في النصّ، ونظرة اختزالية إلى الصراع

لا يبالغ أصحاب «33 يوم» عند وصف فيلمهم الذي انطلق أمس في الصالات اللبنانيّة بـ «أضخم إنتاج سينمائي عن حرب تمّوز»، تزيده ثقلاً إجادة الممثلين أدوارهم ومنهم: كارمن لبّس، وباسم مغنية، ويوسف الخال، ونسرين طافش، وكندة علوش، وبيار داغر، ودارين حمزة، ونيكولا معوّض وميشال اضباشي.

لم تراهن الشركة المنتجة (ريحانة غروب) فقط على أداء كارمن لبّس، التي جسّدت شخصية الأم الجنوبيّة «أم عباس» بطريقة جذابة، بل استعانت أيضاً بيوسف الخال وباسم مغنية (بطلي المقاومة) اللذين جاءت مشاركتهما لتستقطب جمهوراً أوسع من جمهور المقاومة. لكن يؤخذ على مشاهدهما مع حبيبتيهما النجمتين السوريتين نسرين طافش وكندة علوش، غياب الانسجام فيها. وإذا كان الممثلون الأربعة قد أصابوا في تقديم شخصياتهم في الفيلم، فقد خابوا في إنجاح ثنائيتهما معاً (نسرين وباسم، كندة ويوسف). وينسحب الأداء الجيد على الضابط الإسرائيلي بيار داغر، والضابطة الإسرائيليّة دارين حمزة.

لا شك في أنّ الفيلم يعدّ أحد أضخم الإنتاجات السينمائيّة في لبنان، والسبب التفجيرات المجهزة من فريق خاص، قدّم مشاهد القصف وتدمير المنازل والجوامع خلال مرحلة عدوان تموز 2006 بكثير من الواقعيّة والاحترافيّة، فضلاً عن بناء مواقع تصوير وتجهيز ديكورات استمر أربعة أشهر قبل إعطاء الضوء الأخضر للتصوير. هكذا، بُني ما يقارب 5000 متر مربع، دُمرت بالكامل في مشاهد قصف عيتا الشعب. وإذا كان هذا الجانب «لا غبار عليه»، فإن نقاط ضعف كثيرة يحويها الشريط، أولاها أن كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، هي الدلالة الوحيدة على المرحلة الزمنية للأحداث. غاب أيّ حوار داخل الإدارة الإسرائيليّة عن شنّ حرب على لبنان، لذا يبدو أن هدف الشريط الإضاءة على الثأر الشخصي، من دون الاهتمام بمعاناة لبنان في تلك المرحلة، ولا يأبه بالدمار الذي أصاب الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت ومناطق لبنانيّة أخرى.

ويؤخذ على الشريط عدم اهتمامه بوضع الكومبارس المناسب في المكان المناسب. فعشر ثوان فقط من مشهد ما قد تخفض أسهم أيّ عمل فني، خصصت له ميزانية ضخمة لجهة الديكورات والأبنية والممثلين والماكياج، لأنّه أخطأ في اختيار الكومباس، لم يهتم المخرج الإيراني جمال شورجة بإظهار جماليّة الصورة كما كان متوقعاً، وخصوصاً مع النص الضعيف الذي يبدو وكأنه كُتب على عجل. ورغم استعانة الفيلم بممثلين جيدين، صوروا مشاهدهم في أكثر من موقع، منها «متحف مليتا»، فإن بعض الممثلين لم يلاحظ مروره في الشريط إلّا هامشياً، فكان حري بالمخرج أن يستفيد من الممثل المسرحي قاسم اسطنبولي (قدم شخصيّة الشهيد أحمد قصير في «الغالبون») في غير المشاهد الصامتة، بدل اضطراره إلى الاستنجاد بكومبارس متكلم عديم الموهبة في أحد المشاهد، إضافة إلى أخطاء إخراجيّة في الراكورات لا يقع فيها المبتدئون.

وإذا كان التمثيل جيداً، فإنّ «المصيبة» في مكان آخر. ومهما أجاد الممثلون، فلن يتمكنوا من إنقاذ نص يعوزه بناء درامي جاذب. والصدمة أنّ الفيلم يعطي ذريعة منطقيّة للضابط الإسرائيلي في دخول لبنان تصفيةً لحسابات شخصيّة! هو لم يأت لتنفيذ مخطط إسرائيلي في القضاء على حزب الله وتصفية المقاومة، بل اختزل هذا الصراع في تنفيذ الانتقام من أم عباس. لماذا؟ لا يتأخر الشريط في الإجابة عن السؤال عبر استرجاع مشهد يعود إلى ما قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، ويظهر كيف تسببت له هذه المرأة الجنوبيّة بندبة على وجهه. الضخامة الإنتاجيّة هي ما يميز «33 يوم»، لكن الشريط ضعيف لأن الخلاصة من خلال هذا النص الساذج أنّ الحرب الإسرائيليّة لم تكن على حزب الله، بل كانت حرب الجنرال الإسرائيلي على أمّ عبّاس.

الأخبار اللبنانية في

20/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)