حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فتحي عبد الوهاب:

أُفضِّل الشخصيات الشريرة وأَجِدُها سهلة الأداء

كتب: القاهرة - هند موسى

 

بدأ أولى خطواته في الفن بمشاهد قليلة في أعمال نالت إعجاب الجمهور، ولفت الأنظار بأدائه في الأفلام التي شارك فيها من بينها: «صعيدي في الجامعة الأميركية»، «فيلم ثقافي»، «سهر الليالي»، «أحلام حقيقية»، «كباريه»، وقد أهلته أدواره هذه إلى تقديم بطولات مطلقة في «فرحان ملازم آدم» و{عصافير النيل» وغيرهما.

 إنه الفنان فتحي عبد الوهاب الذي يشارك في الماراثون الرمضاني بمسلسلين: «الإخوة» و{أشجار النار».

عن جديده وتقييمه لتجربته الفنية كانت الدردشة التالية معه.

·         من رشّحك لمسلسل «الإخوة»؟

المؤلف شريف حلمي والمخرج محمد النقلي، فقد عرضا عليّ  فكرة تقديم الرواية العالمية «الإخوة كرامازوف» للكاتب العالمي تشايكوفسكي في مسلسل ولكني ترددت في البداية، إذ ارتسمت لدي علامة استفهام وهي: هل سنقدم الرواية  كما هي أم سيكون معادل مصري لها؟ فكانت الإجابة الثانية. ثم على رغم تقديري للأدب العالمي، إلا أن فكرة التعريب غير مقبولة لدى الجمهور ولا حتى لديّ في الوقت الحالي.

·         ما الذي جعلك تتراجع عن رأيك وتوافق؟

عندما قرأت المعالجة وحتى الأحداث التي استبعدت منها أعجبتني. كتبت الرواية في القرن التاسع عشر مع ثقافة وأحداث مختلفة عن وضعنا اليوم.

·         هل ثمة تشابه بين دورك والدور نفسه في فيلم «الإخوة الأعداء» المستوحى من الرواية ذاتها؟

شاهدت الفيلم مرة واحدة في طفولتي ولا أتذكر سوى شخصية الوالد الصعب والمخيف التي جسدها الرائع يحيى شاهين، وأجسد شخصية مريض يعاني نوبات صرع التي قدمها الفنان محيي اسماعيل.

·         ألم تهتم بمشاهدته بعدما عرض عليك المسلسل؟

لا، خشية أن أتأثر بالممثل الذي أدى الدور نفسه في الفيلم، عندها سيكون همي في التصوير كيفية الخروج من عباءته أي الاختلاف لمجرد الاختلاف، ثم الشخصية التي أقدمها مختلفة تماماً عن تلك في الرواية، بمعنى أن المؤلف اكتفى بالـفكرة الأساسية وموضوع الرواية وتحرر من الأحداث والشخصيات.

·         للمرة الثانية تقدم عملاً مأخوذاً من رواية بعد «عصافير النيل»… كيف تقيّم هذه التجربة؟

أحترم وجهات النظر التي تعتبر أن الدراما المصوّرة لا بد من أن تتقاطع مع الأدب، لكن ثمة أعمال فنية عظيمة لم تكن في الأساس رواية. عموماً، تشغلني المادة نفسها التي سأعمل عليها ومدى ملاءمتها للوسيط الذي ستعرض من خلاله.

·         وظاهرة إعادة تقديم الأفلام في مسلسلات؟

نعاني في العالم العربي آفة المبالغة في التحليل وإصدار أحكام مطلقة على الأعمال كافة. للعلم، هذه الظاهرة موجودة في الدول الأخرى إنما بحرفية عالية، فالقصة يمكن تقديمها مرات وبمعالجة مختلفة مثل مسرحية «هاملت» لشكسبير التي قدمت بمعالجات متنوعة، من بينها الكارتون وبطريقة معاصرة.

·         حدثنا عن مسلسل «أشجار النار».

انتهيت من تصويره منذ سبعة أشهر، أجسّد فيه شخصية أيوب في الأسطورة الشعبية «أيوب وناعسة»، من تأليف ياسين الضو، إخراج عصام شعبان، ويشارك في البطولة: داليا مصطفى، عبير صبري، محمد نجاتي، أحمد صيام ومجموعة من الفنانين.

·         ما الذي جذبك إليه؟

فكرة الأسطورة الشعبية الملحمية التي لم أقدمها سابقاً.

·         هل صحيح أنك تعوض غيابك عن الدراما بمسلسلين دفعة واحدة؟

لا، فأنا لست المتحكّم في توقيت عرض الأعمال، مثلاً «أشجار النار» انتهيت منه منذ فترة طويلة ولم يعرض بعد، هذا قرار المنتج والمخرج وليس قراري، ثم لم أخطط للمشاركة في مسلسل آخر.

·         لماذا اعتذرت عن مسلسل «ابن ليل»؟

لأن دوري فيه صعيدي وسبق أن قدمته، فرغبت في تجسيد شخصية أخرى قبل أن أعود إلى الصعيدي.

·         كيف تحضّر لأدوار الشرّ التي تتقنها؟

مثلما أحضر لأي دور، بل أفضل الشخصيات الشريرة على العادية وأجدها أسهل في الأداء، كون أفعالها واضحة في الدراما إلى جانب أننا نخلط، من دون قصد، بين الشخصية والحدث المكتوب في السيناريو فنفهم أنها مرعبة لأنها فعلت كذا وكذا.

·         ما الصعوبة في تجسيد شخصيات عادية؟

إذا أردت إضافة لمسات إلى شخصية شاب عادي ليلفت الانتباه فسأغير من طبيعته، وهنا تكمن الصعوبة. أما إذا كنت أجسّد شخصية قاتل محترف له ملامح معينة وسلاح يستخدمه وتفاصيل أخرى، فأستطيع بسهولة إضافة لمساتي عليه.

·         هل  ثمة دور تبحث عنه؟

كل دور لم أقدمه أبحث عنه لأنه منطقة جديدة أودّ استكشافها.

·         معروف عنك أنك تعشق القراءة ماذا تعني كلمة «ثقافة» بالنسبة إليك؟

ليست الثقافة بالضرورة الإلمام بمعلومات سياسية أو اقتصادية فحسب، فالاطلاع على مأكولات بلد آخر يعتبر ثقافة غذائية. لكن للأسف، رُوِّج لمعنى هذا المصطلح بشكل خاطئ في أيام الرئيس المؤمن أنور السادات، عندما ثار الوسط الثقافي على سياسة الانفتاح الاقتصادي واتفاقية كامب ديفيد، وبهدف التخلص من هذه الفئة روّج السادات أن المثقف له رائحة كريهة وشعر طويل ونظره ضعيف، وهو شخص بوهيمي منعزل عن المجتمع، يعاني جنون الاضطهاد.

·         ما آخر أخبارك الفنية؟

شاركت في فيلم قصير ضمن الأفلام المستقلة مع مجموعة من الشباب الذين يمتلئ عقلهم بأفكار فنية جديدة. يعرض لشريحة من المواطنين المطحونين في المجتمع المصري، من خلال شاب ثلاثيني يرتبط بقصة حب مع فتاة وينويان الزواج لكن الظروف الاقتصادية تمنعهما.

الجريدة الكويتية في

16/04/2012

 

المخرج طارق عبد المعطي:

لم أصوِّر في التحرير واستخدمت المؤثرات البصريَّة

كتب: القاهرة - هيثم عسران 

على رغم أن «حظ سعيد» ليس أول أفلام المخرج طارق عبد المعطي ولا آخرها بالتأكيد، إلا أنه كان اسماً على مسمى وسط أفلامه السابقة.

عبد المعطي تحدث عن الفيلم وسر استغلال اسم طلعت زكريا في الدعاية له.

·         كيف ترشحت لإخراج فيلم «حظ سعيد»؟

تربطني علاقة صداقة بالمؤلف أشرف عبد الفتاح وأعرف جيداً كتابته الساخرة في مجال السياسة. بعد تنحي مبارك بأشهر، بدأنا نتناقش حول تقديم عمل سينمائي يكون مضمونه المواطن المصري البسيط، ثم اتفقنا على فكرة الفيلم وعندما انتهى منها قصدنا سوياً المنتج سامح العجمي، وارتأينا أن يكون البطل أحمد عيد الذي وافق فوراً.

·         لماذا أحمد عيد تحديداً؟

لأنه اشتهر مع الفنان هاني رمزي بتقديم الأدوار التي يغلب عليها الطابع السياسي، والجمهور يتقبل منهما هذه الأدوار، بالإضافة إلى أن طبيعة شخصيته تؤهله للقيام بدور البطولة.

·         ماذا عن ترشيح بقية الأبطال؟

جاء بالتوافق بيننا. اختار المنتج مي كساب، في حين أن أحمد عيد رشح أحمد صفوت. أما غرام فاتصلنا بأحد زملائنا في معهد الفنون المسرحية لترشيح وجه جديد للدور، وبعد مقابلات عدة استقرينا عليها.

·         لكن الجمهور لديه شحنة من السياسة بسبب برامج الـ{توك شو»، ألم تتخوف من هذا الواقع؟

استغرق الفيلم نحو 10 أشهر منذ بداية التحضير له وحتى عرضه، وعندما انطلقنا به لم تكن حالة التشبع موجودة. عموماً، عندما أحضر لفيلم مع أشرف لا يشغلنا موعد عرضه بقدر العمل نفسه وضرورة أن يكون جيداً، خصوصاً أن موعد العرض من اختيار المنتج لأنه الأكثر دراية بظروف التوزيع والصالات.

·         هل واجهت صعوبة في التصوير في ميدان التحرير؟

ما لا يعرفه البعض أنني لم أصوِّر في التحرير، باستثناء الـ{كادرات» التي أخذت من سطح أحد العقارات. تمّ التصوير في مساحة شاسعة خالية في مدينة الإنتاج الإعلامي، واستخدمت المؤثرات البصرية كي نبدو أننا في ميدان التحرير، وهو ما نجحت فيه وأكد عليه الجمهور.

إنه الفيلم الأول من نوعه الذي تُستخدم فيه المؤثرات البصرية بشكل سليم وكامل، ونفذته شركتي الخاصة التي تعمل في هذا المجال منذ نحو عامين، ويتولى المهمات فيها شباب مصريون لديهم الخبرة الكافية.

·         هل استخدامك لهذه التقنية قلل من ميزانية الفيلم؟

بالتأكيد، فتكلفة المؤثرات البصرية لم تصل إلى مليون جنيه في الوقت الذي كان يتطلب فيه النزول إلى التحرير أو بناء ديكورات كاملة إلى ضعف هذه التكلفة، خصوصاً أن التفاف الجمهور على فريق العمل قد يؤدي إلى مضاعفة وقت التصوير ومن ثم زيادة التكلفة الإنتاجية. الأمر نفسه ينطبق على موقعة الجمل التي نفذناها باستخدام المؤثرات البصرية ولم نذهب إلى ميدان التحرير مطلقاً، بل اكتفينا بالمساحة الخالية من الأرض التي صورنا عليها في مدينة الإنتاج.

·         ماذا عن التصوير في ميدان مصطفى محمود؟

استخدمت أيضاً المؤثرات البصرية نظراً إلى رفض مؤيدي الرئيس السابق التصوير هناك، على رغم أن الفيلم لا يتحدث عنه بشكل مباشر بل يرصد الأحداث خلال أيام الثورة الأولى.

·         هل أثرت التهديدات التي وصلتك على طريقة تعاملك مع الفيلم؟

لم أشغل نفسي بها، وتجاهلها المؤلف والمنتج تماماً، خصوصاً أننا لم نتحدث عن مؤيدي مبارك بل رصدنا في نهاية الفيلم الأحداث في موقعة الجمل والأموال التي دفعت كي يتوجه أصحاب الخيالة والجمال إلى التحرير لإخلائه من المعتصمين السلميين.

·         ظهر أحمد عيد في الفيلم لفترات طويلة بملابس نظيفة على رغم كل ما أحاط به من أحداث، ألا ترى أن ذلك غير منطقي؟

على العكس. ربما يعتقد المشاهد أن سعيد بحث عن شقيقته فترة طويلة، لكنها لم تتجاوز اليوم ونصف اليوم في الواقع.

·         امتلأ الفيلم بمغالطات تاريخية كثيرة مرتبطة بالتواريخ، كيف ترد؟

ليست مغالطات تاريخية لأن الفيلم روائي طويل لا وثائقي. في ما يتعلق بالأحداث، أردت أن أوضح بعض الأمور خلال الفيلم فاستعنت ببعض التصريحات التي قيلت خلال أيام الثورة والفترة التي أعقبتها. الأهم بالنسبة إلي، كانت الدراما لا التواريخ. مثلاً، وجود الجيش في الشارع تم في المساء وكنت أقصد به مساء يوم 28 يناير، لكني لم أشر إلى ذلك صراحة وتركت الجمهور يكتشف التواريخ كي لا أحصره في فترة محددة من الأيام.

·         لماذا اخترت فيديو طلعت زكريا الذي يشتم فيه الثوار قبل يوم من التنحي لتضمه إلى الفيلم؟

تعاملت مع الفيديو باعتباره أحد التسجيلات التي انتشرت خلال فترة الثورة، خصوصاً أنه ظل متمسكاً برأيه. لم أكن أتوقع أن يثير وجوده في الفيلم غضب زكريا بهذه الطريقة، خصوصاً أنه لم يكن مقصوداً بشكل مباشر، فالفيديو وضع إلى جوار التسجيل الخاص بتامر من غمرة والذي أذيع عبر التلفزيون المصري.

عموماً، أنا والمؤلف اعتذرنا لطلعت زكريا خلال ظهورنا في أكثر من برنامج، خصوصاً أن هدفنا لم يكن الإساءة إليه ونفكر في حذف الفيديو من نسخة العرض المنزلي نظراً إلى صعوبة حذفه من النسخ الموجودة في الصالات السينمائية.

الجريدة الكويتية في

16/04/2012

 

«النهر» لبورزاغي:

أساليب السينما الأوروبية تفرض حضورها في هوليوود

إبراهيم العريس 

الى سنوات قليلة، كان هذا الفيلم يعتبر أشبه بأسطورة من أساطير هوليوود، ذلك أن كل نسخه كانت فقدت بعد سنوات قليلة من عرضه للمرة الاولى في العام 1928. ومن هنا ظلّ كل ما يعرف عنه طوال عقود من الزمن، مجرد حكايات تتواتر، مضخمة إياه حيناً، مقللة من شأنه في أحيان أخرى. وأخيراً حين عثر على نسخة (غير مكتملة) منه، تبيّن ان هذا الفيلم كان حقاً من أهم وأقوى أفلام زمنه. ثم تبيّن خصوصاً ان هذا الفيلم الذي حقّق في آخر أعوام السينما الصامتة، يشكل صمته جزءاً أساسياً من سحره، لا مجرد نقص تقني فيه. الفيلم الذي نعنيه هنا هو «النهر»، الذي عرف في اوروبا باسم «المرأة ذات الغراب». اما مخرج الفيلم فهو الأميركي ذو الاصل الايطالي فرانك بورزاغي، الذي بعدما نسيه تاريخ السينما طويلاً، عاد واكتشفه، بفضل «النهر»، ولكن ايضاً بفضل حفنة من أفلام اخرى، حققها الرجل خصوصا خلال فترة ازدهاره السينمائي، أي حين أتيح له، وهو الآتي أصلاً من السينما التجارية، والعائد اليها بعد سنوات جادة في حياته السينمائية، أتيح له ان يحقق أفلاماً كانت كفيلة بأن تدخله زمرة كبار هوليوود، الى جانب جون فورد وهاوارد هاوكس. والحقيقة أن إعادة اكتشاف «النهر» ستؤكد ان هذا الفيلم كان أروع افلامه. بل سيقول كثر إنه اروع فيلم تحدّث عن الحب، بمعناه الإنساني العميق، خلال نصف القرن الأول من عمر السينما.

> ذلك أن «النهر» هو، أولاً وأخيراً، فيلم عن الحب. وتحديداً عن الحب إذ ينتصر في نهاية الامر، ليس على المجتمع والآخرين الذين يحيطون بالحبيبين، بل على الحبيبين نفسيهما، فالعقبة في وجه الحب الصافي النهائي هنا، هما صاحبا العلاقة آلن جون وروزالي. وما زمن عرض الفيلم، سوى صورة للصراع الذي يخاض حيناً بينهما، وحيناً في داخل كل واحد منهما، حتى بعيداً من مجتمع ما كان له شأن كبير في ذلك الصراع المثلث. والحقيقة ان هذا البعد الاساسي في «النهر» هو الذي ادهش النقاد والجمهور القليل العدد الذي شاهد الفيلم، ازاء عمل لم يكن يمتّ بأي صلة -ولن يمت دائماً بأي حال- إلى الأنماط الهوليوودية من الأفلام الغرامية. بل إن النقاد تساءلوا دائماً عما مكّن مخرجا ولد في سالت ليك سيتي، وعاش في الولايات المتحدة، وخاض باكراً لعبة السينما التجارية الهوليوودية، من ان ينظر الى العلاقات الانسانية بكل تلك الشفافية. ما أبقى تلك النظرة لغزاً دائماً، حتى وإن كان بورزاغي نفسه حقق بعد «النهر» عدداً من أفلام جمعت، بحسب الناقد الفرنسي جورج سادول «حس العلاقات الانسانية بالشرط الاجتماعي، وسط مناخ من الشاعرية المذكورة». ومعظمها أفلام يرى سادول نفسه انها عبرت «خلال تلك الحقبة الصعبة من تاريخ أميركا عن كراهية الحرب والنزوع دائماً نحو الانسان».

> ولنعد هنا الى «النهر» ... فما الذي يحكيه لنا هذا الفيلم؟ انه يروي حكاية تبدأ على مركب يحمل حطّاباً شاباً قوياً هو آلن جون، زاحفاً مع مجرى النهر، في آلاسكا، حتى البحر. وعند نقطة يبنى عليها سدّ، لا يعود في وسع المركب مواصلة طريقه، فيتوقف في مكان كان حدث فيه لمهندس بناء السدّ أن أُودع السجن لأنه قتل عاملاً حاول التحرش بصديقته المدعوة روزالي، والتي سنعرف لاحقاً انها فتاة متحررة كانت زارت بلداناً اوروبية عدة قبل ان تستقر هناك مع صديقها المهندس. اذاً، اذ يتوقف آلن جون في ذلك المكان ويتناهى اليه ما حدث، يبدأ بمراقبة روزالي من بعيد، ويزداد اهتمامه بها، ويودّ التعرف اليها، اذ يجدها مختلفة حقاً عن كل النساء اللواتي سبق له التعرف بهن. وهكذا، وسط بقعة نائية هجرها عمال بناء السدّ، لأن حبس المهندس أوقف العمل فيه، تبدأ بالنشوء علاقة غريبة ومتأرجحة، صامتة في معظم الاحيان، بين الحطاب الآتي من الغابات الضارية، والفاتنة التي عرفت الحياة الاوروبية، والتي تقبع الآن في انتظار خروج صديقها من سجنه كي تستأنف معه حياتها. وإذ تمضي الأيام، تزداد حدة رغبة آلن جون وروزالي بعضهما تجاه بعض. ولكن عبر نظرات العيون فقط. في البداية لا يقوم أي منهما بمبادرة واضحة تجاه الآخر. وبعد ذلك، حين تبادر هي، يبتعد هو غير مصدّق. وحين يبادر هو تستنكف هي غير راغبة. وذات يوم يدفع بها كل هذا الموقف العبثي الى حال من الغضب شديدة، اذ تعتقد انه انما يعبث معها ويسخر منها، فتمسك سكيناً تطعنه بها في غفلة منه. وإزاء تلك الطعنة، يشعر آلن جون بأن جرحه مزدوج: جرح جسده، ولكن أيضاً وأكثر من هذا، جرح كرامته. ويشعر انه لم يعد امامه، متغلباً على رغبته التي باتت مجنونة، بهذه المرأة، إلا ان يبتعد... وهكذا يهيم في الغابات منتضدياً فأسه ويروح في مشهد رائع، يحمل قوة الفيلم كله، ويحمل كل مغزى رغبته العارمة بروزالي، محطماً الأشجار واحدة بعد الأخرى كالمجنون صارخاً كالحيوانات الضارية. وإذ يصل هنا الى ذروة صراخه، يقع على الأرض وقد أضناه الصقيع. وعند الصباح، يحمل الى كوخه حيث ما إن تشاهده روزالي حتى يصيبها رعب مدهش، كما تصيبها حال هيام به لم يسبق ان استشعرتها من قبل، وهكذا ترتمي فوقه محاولة ان تنقذه من الموت الوافد اليه، عبر نقل حرارة جسدها اليه، كترياق وحماية وكفعل حب في الوقت نفسه. وبالفعل يكون في هذا إنقاذ له، إذ يستعيد حياته. وهو ما أن يفيق، حتى يشعر الاثنان انه لم يعد ثمة مجال لأن يفترقا بعضهما عن بعض من الآن فصاعدا. واذ يحل الربيع بعد ذلك، يكون العاشقان قد تخلصا من المهندس، وصعدا على متن مركب آلن جون الذي يمخر بهما النهر في اتجاه البحر....

> اذاً، نحن هنا امام عمل تلعب فيه العاطفة والرغبة دوراً كبيراً، لكننا ايضاً امام عمل جوّاني من الواضح ان العنصر الخارجي (المناخ، الثلوج، المهندس... وما الى ذلك) حتى ولو كان موجوداً وحقيقياً، لا يشكل عنصراً اساسياً في تلك الحال من الجذب والنبذ، الابتعاد والدنو، التي تعتري كائنين كانا عرفا منذ التقت عيونهما للمرة الاولى، والتقت بهما عيون متفرجي الفيلم بالتالي، انهما لم يخلقا إلا لكي يلتقيا ويعيشا معاً، او يموتا معاً. ولئن اختار كاتب القصة ثم المخرج، عيشهما معاً كنهاية سعيدة للفيلم، فإن الامر سيّان، طالما ان ابتعادهما مع مجرى النهر، في اتجاه البحر، هو في الوقت نفسه ابتعاد نحو المجهول، وموت لماضي كل منهما.

> إن أهل السينما والنقد تأخروا في اكتشاف هذا الفيلم، اما الذين اكتشفوه باكرا، حين عرض قبل ان يختفي، فقد انقسموا حياله قسمين: واحد ينظر اليه كحكاية حب نادرة، وقسم آخر اساء فهمه، على بساطة موضوعه. ومن هنا اعتبر «النهر» من الافلام الملعونة في تاريخ السينما، حتى وان كانت عروضه الاوروبية أسبغت عليه نجاحاً كبيراً، واعتبرته صحافة اوروبا «واحداً من الأفلام النادرة التي تحرك فيها عواطفنا الدفينة، الوجه الحقيقي للحب»، بحسب تعبير «مجلة السينما» الفرنسية في ذلك الحين. ناهيك بأن احد كبار مؤرخي السينما السوريالية، اعتبره منتمياً الى هذه السينما ورأى فيه «توازناً غرامياً فريداً من نوعه» (آدو كيرو في «السوريالية في السينما»). اما مخرجه فرانك بورزاغي (1893-1961)، فإنه، كما أشرنا، بسبب اختفاء هذا الفيلم المبكر، وعدم تأقلمه تماماً مع المقاييس الهوليوودية، عاد لاحقاً الى السينما التجارية، بعدما حقق اعمالاً مهمة، مثل: «الرفاق الثلاثة» و «أهل المنطقة» و «الرغبة» خلال سنوات الثلاثين من القرن العشرين. وهو حين رحل عن عمر يناهز الثامنة والستين، خلّف وراءه سجلاً حافلاً بشتى انواع الافلام، التي كان آخرها فيلمه غير المكتمل «الاطلانطيد» (1963) الذي مات من دون ان ينجزه.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

17/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)