حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سلاحهم قوة الضعف

طارق الشناوي

!March 25th, 2012 9:19 am

ملامحها تخاصم الجمال، ورغم ذلك فإن نجمات السينما يفرضن على المخرج وجودها فى الفيلم، حيث يشعرن بأنها تحقق لهن الاطمئنان إلى أن عين المتفرج لن تذهب بعيدا عنهن، وهكذا تنتقل من عمل فنى إلى آخر.. أخذ عشرات من الفرص لكى يصبح نجما كوميديا ولكن الناس لم تشعر به أبدا ولم ينجح فى انتزاع أى ضحكة طوال مشواره.. زملاؤه أصبحوا نجوما وهو لا يزال محلك سر، إلا أن المفاجأة هى أنه لا يزال مطلوبا فى السوق ويحرص كل رفقاء الطريق من نجوم الكوميديا على أن تُسنَد إليه أدوار بجوارهم لأنهم متأكدون أن وجوده سوف يؤدى إلى أن يتطلع المتفرج إليهم، فهو بالنسبة إليهم مجرد سنّيد ثقيل الظل دوره الحقيقى هو تسخين الجمهور لكى ينتظر طلتهم على الشاشة، وهكذا يحتكرون بمفردهم كل الإفيهات والضحكات. من المؤكد أنه مدين لوجوده على الشاشة لفشله الذريع طوال مشواره فى اقتناص أى ضحكة.

أتذكر أن القدير عادل أدهم كان يواجهه دائما هذا المأزق، فهو بمجرد أن ينطق، بل وقبل أن ينطق الحوار، يسرق عين المشاهد بهذا الوهج الخاص، فكان بعض النجوم يتحفظ على ترشيحه بجواره ويبذل كل جهده لإقصائه عن الكادر، ويبحث عن المطفَئين ليأنس بوجودهم. فى الحياة دائما هناك تنويعات مماثلة عن صحفيين وإعلاميين تتضاءل مواهبهم، ولكنه مرحَّب بهم فى إطار معادلات متشابهة تحيل الموهبة إلى لعنة على أصحابها.

يخلق الله الكائنات الحية ولديها قدرة على مقاومة كل أسباب الفناء.. نرى عادة أسلحة الحماية تتمثل فى غطاء السلحفاة وسرعة أقدام الغزال وقدرة القرد على تسلق الأشجار، ولكننا فى دنيا البشر قد نرى أسلحة الضعف التى تحيل كل أسباب الفناء إلى عوامل دافعة للبقاء!

فى دنيا الإبداع مثلا قد يعتقد البعض أنه كلما ازدادت كفاءة الممثل أو الكاتب أو المخرج، أصبح مطلوبا أكثر فى السوق الفنية، ومع الأسف هذا لا يحدث دائما.. لو تتبعت مثلا ما يجرى فى عالم المسلسلات ستكتشف أن المخرج المطلوب فى السوق هو أولا المطيع للنجم ينفذ فقط أوامره ولا يقول له «بم»، وهو ثانيا القادر على إنجاز وتصوير عدد أكبر من الدقائق فى اليوم، وهكذا ظهر فى سوق الدراما تعبير «بريزة» و«صفيحة»، البريزة تعنى تصوير 10 دقائق والصفيحة 20 دقيقة فى اليوم، ولهذا فإن الأقل إبداعا واهتماما بالتفاصيل، القادرين على أن يتحولوا إلى أتباع للنجوم والنجمات ولشركات الإنتاج، هم المطلوبون أكثر. قد تكتشف أن نجما كبيرا يصر على اختيار مخرج ما لكل أعماله الفنية، للوهلة الأولى تعتقد أن هذا المخرج يحقق له أعلى درجات الإبداع وبينهما توافق فنى وكيميائية إبداعية، بينما النتائج على الشاشة تقول شيئا آخر وكواليس هذا المسلسل تؤكد أن النجم هو الذى كان يوجه المخرج وأن الوظيفة الحقيقية له هى تنفيذ تعليمات النجم. هذه هى مثلا شروط محمد سعد فى اختيار المخرج!

نجاح وجه جديد عبر الشاشة قد يؤدى إلى استبعاده من المشاركة فى التمثيل أمام نجم يرى أنه من الممكن أن يسرق منه الكاميرا، بينما إذا تأكد أنه غير قادر على المنافسة فإن هذا وحده كفيل بأن يتيح له المزيد من الأدوار. الفنانة القديرة كريمة مختار قبل 5 سنوات تألقت فى دورها «ماما نونة» فى مسلسل «يتربى فى عزو»، منذ ذلك الحين وهى لا تجد مساحة درامية فى عمل فنى آخر يستوعب كل هذه الطاقة التعبيرية.

فى كل المجالات تمنح الموهبة قوة لصاحبها تمكنه أن يقول «لا» فى وجه منتج أو مخرج أو نجم جائر، بينما عديمو الموهبة يدركون أن قوتهم الحقيقية تأتى من قدرتهم على الخضوع بلا أى شروط مسبقة سوى الإمعان فى حالة الخنوع.

فى دنيا السياسة كان مبارك لا يسمح لأحد بجواره أن يلفت الانتباه وكانت سوزان تنتقى من النساء من تشعرها بأنها هى الأكثر جاذبية وحضورا، والآن لم يختلف الموقف كثيرا، أغلب مرشحى الرئاسة منزوعو الحضور، ولهذا لا يسمحون بالاقتراب إلا لمن يتمتعون بمساحة من الانصراف.

إنه زمن الخفوت وتضاؤل المواهب، وهكذا أصبح هؤلاء الضعفاء فى مقدمة الكادر وسلاحهم هو قوة الضعف!

 

يذهب إليك ولا تذهب إليه!!

طارق الشناوي

March 24th, 2012 9:31 am

مر مرور الكرام فيلم «جدو حبيبى»، لم ترحب به شركات التوزيع السينمائى فى مصر ولم يثر شهية الجمهور لمتابعته، ورغم إخفاقه فى شباك التذاكر، فإنه فيلم جاد فى بنائه الدرامى والفنى، سلاحه هو الهمس، حتى المواقف الكوميدية التى يقدمها فإنه يحرص على أن تصبح أقرب إلى المداعبات التى تفتح نفسك إلى ابتسامة، لكنها أبدا لا تسمح بضحكة مجلجلة.

هل الجمهور صار متعودا على الصخب العالى فى الضحك، وهو لهذا لا يقبل بالابتسامة ولا يرضى سوى بالقهقهات التى تملأ جنبات صالة العرض، أم أن هناك أسبابا أخرى للإخفاق؟!

السيناريو الذى كتبته زينب عزيز، قائم على التناقض.. شابة صغيرة «بشرى» تعيش فى لندن عاصمة الضباب، واختارت مهنة البورصة، حيث تصل الأسهم فى لحظة إلى عنان السماء، وفى أخرى تهبط إلى سابع أرض، تتلقى تليفونا من القاهرة يخبرها بمرض جدها، وهى وريثته الوحيدة، وهذا بالطبع يثير شهيتها للعودة إلى مصر.. الوجه الآخر للصورة هو الجد العجوز «محمود ياسين»، يعيش وحيدا فى سنوات الشيخوخة، وهو طبقا لما يقوله الأطباء يقضى ساعاته الأخيرة فى المستشفى.. الحفيدة بشرى يصبح الجد بالنسبة إليها مجرد فرصة، لكى تحصل على أمواله لتعيش بعد ذلك حياتها، بينما هى بالنسبة إليه ضيف ثقيل يحتاج إليه حتى تأتى ساعته مودعا الحياة.

كل منهما كان حتميا أن يلتقى الآخر، وفى ذهنه أنها أيام معدودة، هو يريد من تساعده على تمضية أيامه الأخيرة وهى تحلم يوم أن تحصل على نصيبها من الميراث لتواصل حياتها.. الرجل البخيل لديه صرامة فى الحياة فهو لا ينفق شيئا إلا من خلال أرباح الوديعة التى يرى فيها قوته، فهى تمنحه الحياة.. إنه ليس فقط حريصا فى إنفاق أمواله ولكنه أيضا بخيل فى إظهار عواطفه، يضع غطاء من «السوليفان» على مشاعره، وكأنك ترى يافطة مكتوبا عليها ممنوع الاقتراب واللمس.. التقطت الكاتبة أكثر من مفارقة لتدلل على تناقض الشخصيتين.. فى لحظة فارقة تقرر أن تعود إلى لندن، ولكن حادث عابر تتعرض له يعيدها مرة أخرى ويتغير مسارها.. فى هذه اللحظة يقرر الجد أن يتولى مسؤولية تمريضها.

ويقدم المخرج على إدريس مشهدا يدعوك للابتسام، إنه الطبيب الذى أدى دوره يوسف داوود، وكان يعتقد أن محمود ياسين لديه أيام قليلة فى رصيده من الحياة، ونكتشف أنه هو الذى كانت أيامه معدودة، وهكذا يغلف المخرج الرحيل بابتسامة تسخر من عبث الموت.

وكعادة الكبار يبدؤون يومهم بقراءة صفحة الوفيات، يستوقفه خبر رحيل حبيبة قلبه التى عشقها فى شبابه وحالت الظروف دون الزواج، وعندما يذهب إلى العزاء يكتشف أن هناك تشابها فى الأسماء، وليست هى الحبيبة المقصودة، وأمام إحساس الحفيدة بمشاعر الجد بعد أن ملأت عينيه الدموع، تقرر مساعدته فى البحث عن مصير حبه القديم والوحيد التى أدت دورها لبنى عبد العزيز، حتى تكتشف أنها تعيش فى مدينة الفيوم الخلابة، والحقيقة أن المخرج استطاع أن يقفز بعيدا إلى تلك المدينة الساحرة، التى نادرا ما تجدها على قائمة مخرجى الدراما.

كل من محمود ولبنى ذهب إلى طريق، ولكن من الممكن أن يستطيع الأبناء استئناف الحب مرة أخرى ليتواصل فى جيل آخر، وهكذا تتجدد المشاعر بين أحمد فهمى وبشرى، وما فشل الجد والأم فى تحقيقه أيام الشباب تصلحه بشرى وأحمد فهمى، وانتهت الأحداث بموت محمود ياسين، وبتعبير موحى سينمائيا نستمع إلى صوته وهو يوصى حفيدته كيف تعيش الحياة التى هى عطاء للآخر، قبل أن تحسب ماذا أخذت عليك أن تعرف أولا كيف تمنح.

إنه فيلم به قدر لا ينكر من البساطة فى التعبير، ولكن يفتقد الحميمية.. شىء ما من البرودة افتقده الفيلم، وهكذا افتقد تواصله مع الجمهور.

والحقيقة أن محمود ياسين أدى دوره بحالة من الألق والتفهم للتفاصيل الدقيقة، ولدينا أيضا بشرى التى اجتهدت فى الدور، ولم تكن لبنى موفقة فى عودتها إلى السينما، كانت تؤدى الدور وكأنها تحفظ الحوار، لكنها لا تشعر به.

بالتأكيد الفيلم افتقد نجم شباك يجذب الجمهور.. على إدريس يقدم فيلمه أقرب إلى روح فيلم تليفزيونى يذهب إليك فى المنزل ولا تبحث عنه فى السينما!!

 

السينما المصرية يتيمة!

طارق الشناوي

March 23rd, 2012 9:35 am

لماذا نشعر بأن الأم هى فردوس محمد؟ كيف انتقلت أمومتها من الشاشة إلى قلوب الناس ولا تزال تسكن المشاعر..؟ بالتأكيد لو أحصينا الأسماء سنجد أمينة رزق وآمال زايد وعزيزة حلمى وهدى سلطان وكريمة مختار وسناء جميل، والقائمة طويلة ولكن لماذا صار الرمز هو فردوس..؟ هل الوجود المرئى الدائم أحالهن إلى حقيقة فى الحياة..؟ كان لدينا عائلة سينمائية مكتملة الأركان: الأب حسين رياض، والشرير استيفان روستى، وخفيف الظل عبد السلام النابلسى، والخادمة وداد حمدى.. الناس كانت ترتاح إلى التعامل مع الشخصيات التى بينها وبينهم ودّ وعشرة قديمة يضيفون إليهم قبل رؤية أى فيلم جديد رصيدهم السابق. الوجود المرئى حقق لهم عمقًا.. الصورة الآن تحقِّق اتساعا أكثر على المستوى الأفقى. نجوم هذا الجيل يملكون السطح بينما العمق من نصيب الجيل الأكبر!

الأم التى امتلكت نبضا جديدا وبصمة فى السنوات الأخيرة هى ولا شك كريمة مختار «ماما نونة» فى مسلسل «يتربى فى عزو»، بالطبع كتب يوسف معاطى دورا ينضح صدقا، ويوم وفاتها فى المسلسل خلال الأيام الأخيرة من رمضان كانت لها جنازة فى البيت المصرى والعربى وتحدت مشاعر الناس رحيلها فصنعوا لها عروسا تُباع فى الأسواق.

الأم الأخرى التى أضافت تغييرا وتمرُّدا هى عبلة كامل أم اللمبى فى فيلم «اللمبى» 2002، الذى صنع نجومية محمد سعد. كانت عبلة كامل لمباوية من الطراز الأول مشاغبة وساخنة و«حِرشة» ولو استمر سعد على نفس النهج لاستطاع أن يتقدم خطوات أبعد ولكنه أراد أن يحتكر كل شىء لصالحه فصار يلعب أدوار اللمبى وأم اللمبى وأبو اللمبى وأخو اللمبى ولكن هذه بالطبع حكاية أخرى.

دور الأم أو الأب إذا لم يولد مع الفنان فى مرحلة مبكرة من العمر يصبح طوق النجاة للوجود عبر الشاشة كلما مضت به سنوات العمر. أغلب النجمات يرحِّبن فى بدايات المشوار بأداء دور الأم وعندما تمضى بهن الأيام يسألن عن عمْر الابن الذى يقف أمامهن.. غير مسموح بمن يكشف أعمارهن الحقيقية، لو أدت النجمة الدور فى مقتبل الحياة فإن الأمر يصبح هنا محسوبا لصالحهن فهى تريد أن تقول للناس إنها ممثلة من الطراز الأول وليست فقط امرأة جميلة.. مثلا نبيلة عبيد أدت قبل 30 عاما فى «العذراء والشعر الأبيض» دور أم شريهان بالتبنِّى وبعد مرور كل هذه السنوات لعبت دور أم أروى فى «مافيش غير كده» وكانت أروى فى نفس المرحلة العمرية تقريبا لشريهان قبل ثلاثة عقود.

دور الأم أو الأب من النادر أن يصبح هو الشخصية المحورية لو لم يؤده الفنان فى عز نجوميته لأنه مع مرور السنوات يتحول إلى مجرد رتوش درامية على جانبى الصورة. حكى القدير عماد حمدى فى مذكراته أنه فى فيلم «سونيا والمجنون» اكتشف أن المخرج حسام الدين مصطفى يحذف من دوره العديد من المشاهد التى تؤثر على البناء الدرامى للشخصية فسأله كيف؟ فقال له: الفيلم طويل ولا أستطيع أن أحذف من دورَىْ محمود يس أو نجلاء فتحى، الناس تقطع التذكرة لكى تشاهد نجميهم على الشاشة ولا يعنيهم عماد حمدى.

كانت لدى عماد مرونة للتعامل مع مقتضيات الزمن فهو يعلم أن الأيام دارت دورتها وظهر جيل جديد كان يحتل وقتها مقدمة الكادر وهو نفس الجيل الذى يعانى الآن من خفوت وجوده السينمائى، وأعنى به نور الشريف وحسين فهمى ومحمود يس ومحمود عبد العزيز، والوجه الآخر ليلى علوى ويسرا وإلهام شاهين.

إنه القانون الصارم ونجوم العالم الكبار لديهم أيضا معاناتهم مثلا ميريل استريب أسطورة السينما بعد حصولها على الأوسكار الثالث لها هذا العام قالت إنها تشعر بأن المتاح أمامها قليل وأن هوليوود تظلم جيلها.. هناك فارق بالطبع فى درجة المعاناة لأن هوليوود لا تزال تمنح هذا الجيل أدوار البطولة بينما فى مصر تمنحهم أدوارا صغيرة وغير مؤثرة باعتبارهم مجرد «بَرَكة».. قبل ثلاث سنوات أنتجت إلهام شاهين لنفسها فيلم «خلطة فوزية» فهى أُم وشخصية محورية حتى لا تجد نفسها على خريطة السينما «بَرَكة»!

 

درس جورج كلونى!

طارق الشناوي

March 21st, 2012 10:07 am

فى المساء كان جورج كلونى فى حفل عشاء فى البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، وفى صباح اليوم التالى كان قيد الاعتقال والكلابشات تحيط يديه، لأنه تظاهر أمام السفارة السودانية فى واشنطن، مطالبا بإيقاف المجازر التى تنتهكها الحكومة السودانية ضد السودانيين فى الشمال والجنوب.

لم تمنحه نجوميته حصانة، كما أنها لم تخلق حوله نوعا من الشرنقة تحيله إلى كائن متوحد مع نفسه يصبح الكون كله عالما خاصا، به يصحو على جورج وينام على جورج لا يشغله فى الدنيا سوى جورج.. لو تأملت صورة اعتقاله ويديه خلف ظهره سوف ترى ابتسامة رضا تطل من عينيه، ذلك لأنه يعلم أن هذا الخبر سوف يلفت الأنظار، ليس إليه، ولكن إلى القضية التى يناضل من أجلها.. تستطيع أن ترسم من خلال ذلك ملامح فنان يسكنه الكون كله، بينما أغلب النجوم يسكنون فقط داخل عالمهم المحدود.

ترى فى تفاصيل تلك الصورة نجما محبوبا كان له موقفه المعارض والمعلن لجورج بوش الابن، ثم كان له موقفه الداعم لترشيح أوباما، والوجه الآخر للصورة هو رئيس يدعوه إلى عشاء رسمى، ثم يطبق عليه القانون فى الصباح.. كان قبل ثلاثة أسابيع فقط يتطلع إلى الفوز بالأوسكار بفيلمه «الأحفاد» ولكنه يظل قبل وبعد كل ذلك الإنسان قبل الفنان، وهكذا ربما تجده ينتقل من التظاهر تضامنا مع السودانيين إلى التضامن مع الفلسطينيين، هذه التفاصيل هى التى ترسم رؤية الفنان فى الحياة.

بالتأكيد سوف تستدعى مباشرة صورة أغلب النجوم المصريين، وحدود توجهاتهم.. العلاقة بالحاكم كانت هى ما يشغلهم وعندما كان يلوح فى الأفق ابن الحاكم باعتباره هو القادم صاروا له تابعين.. مصالحهم وعلاقتهم بالمخلوع وأبنائه وزوجته كانت تعنى بالنسبة إليهم حماية لمكاسبهم، وغير صحيح ما نسمعه الآن من أنهم كانوا من مؤيدى الثورة وأنهم فوجئوا بفساد الأسرة الحاكمة، الكل كان يعرف، لأن رائحة الفساد زكمت الأنوف، ولكنهم زايدوا فى مباركة توريث الحكم.

هل يضمن الحاكم فى دول العالم الثالث أن يحافظ على نجومية الفنان؟ الحقيقة هى أن النظام لا يستطيع منح أحد صك النجومية، الناس فقط هى التى تملك اختيار نجومها، ولكن كانت ولا تزال الدولة تحتفظ ببعض أوراق القوى، قد تعلن حمايتها هذا الفنان إذا رضيت عنه أو تفتح عليه النيران لو قال رأيا معارضا.. الدولة ليست بعيدة عن الهيمنة على كلٍّ من قطاعى الضرائب والرقابة، وهما ما يجد الفنان نفسه وقد دخل فى معركة لا يدرى كيف يفلت منها.. «الضرائب» مثلا تتعامل بالأوراق الرسمية وأغلب عقود النجوم لا يمكن أن تعثر فيها على الحقيقة، فهناك عقدان، واحد لا يعلمه سوى النجم والمنتج، ومن الممكن أن لا يكون بينهما عقد، ولكنْ اتفاق شفهى ولا يخشى النجم على أجره، لأنه فى العادة يحصل عليه على دفعات، ولن يذهب إلى التصوير فى الأسبوع الأخير قبل أن يحصل على كل مستحقاته، بينما العقد الرسمى الذى يقدم إلى «الضرائب» ربما لا يتجاوز أكثر من 10% من الرقم الحقيقى.. أيضا «الرقابة» التى لا تملك معيارا واحدا كان عادل إمام مثلا لديه حماية رقابية، وإذا تقاعست الرقابة فإنه يضمن تدخل السلطة السياسية لتمرير العمل الفنى.

النجم فى العالم العربى، وليس فقط فى مصر، يحتفظ دائما بعلاقة حميمية مع الحاكم، وربما لهذا السبب مثلا نرى النجوم السوريين حريصين على أن لا يغضبوا الأسد، أقصى طموحهم هو أن يقولوا إنهم يريدون لسوريا السلام ولكن لا يجرؤون على الاقتراب ممن يغتال السلام.

النجم يبنى جسورا من الثقة مع السلطة، متصورا أنها تحمى بقاءه ولا أتصور أن الأمر اختلف من مبارك إلى الحاكم العسكرى.. تستطيع أن ترى النجوم الآن وهم يبحثون عما يريده المجلس العسكرى، وهكذا سوف تقرأ الكثير من الآراء التى تطالب بدعم «العسكرى» وسوف يتوجهون إلى انتخاب مرشح المجلس العسكرى.

الصورة الآن صار بها بعض الضبابية كانت الإجابة قبل أسبوعين سهلة: عمرو موسى. الآن انتقل تأييد «العسكرى» إلى منصور حسن وسوف يتحرك مؤشر أغلب النجوم سريعا إليه.

«اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى».. هو دستور أغلب النجوم ولن يتعلم أحد الدرس من جورج كلونى!

 

هل وصلت الرسالة؟

طارق الشناوي

March 19th, 2012 9:26 am

قبل أكثر من عشر سنوات كانت الكنيسة المصرية تموج بالغضب بسبب مسلسل «أوان الورد» الذى أثار عاصفة من الاحتجاجات بسبب شخصية «روز» المرأة المسيحية التى أدت دورها سميحة أيوب، وكانت أرملة لرجل مسلم. فى الأيام الأخيرة من رمضان كان لا بد من تهدئة الموقف، ووجه البابا الدعوة إلى صناع المسلسل للسحور، وكان بينهم وحيد حامد الكاتب، وسمير سيف المخرج، وبطلتا المسلسل سميحة أيوب ويسرا. فى نهاية السهرة بدأ البابا فى توزيع الحلوى على الجميع، وقال لهم إن «فى الحياة بالفعل نتعايش مع هذه الحقائق، قبطيات تزوجن مسلمين، وهى زيجات لا تعترف بها الكنيسة المصرية، ولا تزال». ولكن كانت رؤية البابا هى أن هذا هو الواقع.. لا أستطيع أن أقول إن البابا وافق على مثل هذه الأعمال التى تتناقض مع قناعته كرأس للكنيسة، ولكنه قرر أن يلعب دوره فى نزع الاحتقان، وقال لى وحيد حامد إنه فى أثناء توزيع الحلوى على الجميع، قال له وحيد بليز عايز «واحدة» يا أبونا، فقال له بخفة ظل إنت «وحيد» مش «واحدة».

وما نراه الحقيقة من غضب قبطى ضد بعض الأعمال الفنية يقابله أو ربما يسبقه فى الحدة الرفض الإسلامى لكل ما يتعرض لشخصية تدين بالإسلام، ولا أقول حتى رجل الدين، والدليل الحكم الأخير الذى صدر بحبس عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان.

البابا كان بداخله بالتأكيد تركيبة فنان تستطيع أن تلمحها ليس فى أشعاره فقط ولكن فى سرعة البديهة وقدرته على حبكة النكتة فى التوقيت الصحيح، وفى العادة هى نكتة أو قفشة ليست خارج النص أو زائدة عن الحاجة، ولكنها تقول شيئا ربما تعجز عن التعبير عنه الكلمات المباشرة.

هل كان البابا يسمح بهامش أكثر رحابة فى تقديم الشخصية القبطية فى الدراما؟ هناك ولا شك محاذير فى المجتمعات الشرقية لا يمكن إنكارها عندما تتناول شخصية رجل دين، خصوصا عندما تطلب من رجل الدين الموافقة. ورغم ذلك فإن البابا هو الذى وافق على أن تُقدم شخصية «مرقص» التى أداها عادل إمام فى فيلم «حسن ومرقص»، كان قسيسا فى السيناريو، كما كتبه يوسف معاطى، ولكن طلب البابا أن يصبح أستاذا فى علم اللاهوت، وأتصور أن البابا لعب دورا إيجابيا فى تمرير الشخصية القبطية والشخصيات الأخرى التى شاهدناها فى هذا الفيلم، لأنه يقدم فى النهاية بشرا متعصبين سواء كانوا مسلمين أم أقباطا، ولم نتعود على أن يتعامل المشاهد مع مثل هذه المواقف ببساطة. لجأ السيناريو إلى تأكيد حالة من السيمترية -التماثل الشديد- فى المواقف بين المسلمين والأقباط، وهو ما يؤخذ بالطبع على العمل الفنى، إلا أن مجرد مباركة البابا سمحت بعرض الفيلم دون حساسية. لولا تلك المباركة فإن قطاعا من الأقباط كان من الممكن أن يغضب كما تعودنا فى أعمال أخرى أقل جرأة.

البابا لا شك مهما اختلفنا فى بعض مواقفه السياسية ودعوته للأقباط بعدم التظاهر أو صلابته فى تطبيق القوانين المتعلقة بالطلاق، فإنه كانت لديه أيضا مواقفه المشرفة فى تهدئة الخواطر.

البابا استحق عن جدارة لقب بابا العرب، وليس فقط الأقباط، لأنه تميز بحس وطنى.. بالتأكيد كانت الدولة فى النظام السابق تحاول أن تستغل «كاريزما» البابا وقدرته على السيطرة على قطاع وافر من الأقباط فى تمرير الكثير من الأفكار، وفى محاولة مثلا لتسويق جمال، وظلت من خلال المجلس العسكرى تستشيره فى اختيار الشخصية القبطية التى تتولى منصبا سياسيا، سواء الوزارة أو المحافظات، أو حتى رؤساء التحرير، وبالطبع لا يمكن لأحد أن يطلب من البابا أن يمتنع عن الإدلاء بصوته فى مثل هذه الأمور.

البابا القادم للأقباط ننتظر أن يأخذ من البابا شنودة سماحته وثقافته الإسلامية، فهو يحفظ الكثير ويدلل بالكثير من الآيات القرآنية.

عزاء البابا شنودة هو عزاء لكل المصريين، وكثير من المسلمين رأيتهم يقرؤون الفاتحة على روحه الطاهرة، ويدعون له بالجنة.. إنها دعوة لكى يعرف الجميع أن السماء ترحب بالأرواح المخلصة فى حبه، التى تدخل فى ملكوت الله لا تسأل عن ديانة ولكن عن إيمان، والبابا شنودة كان مؤمنا بالله الواحد الأمين.. هل وصلت الرسالة؟!

 

جوائز من ورق وشرف!!

طارق الشناوي

March 17th, 2012 9:22 am

توزع مساء اليوم جوائز مهرجان جمعية الفيلم التى تحمل رقم 38.. رأس لجنة التحكيم فى هذه الدورة المخرج الكبير توفيق صالح، وشارك فى عضوية لجنة التحكيم أكثر من عشرة سينمائيين يمثلون مختلف التخصصات، وكان كاتب هذه السطور واحدا من أعضاء هذه اللجنة.

حصلت هند صبرى أخيرا على جائزة أفضل ممثلة عن دورها فى فيلم «أسماء».. سبق أن خذلت لجان التحكيم هند صبرى وتخطتها الجائزة فى مهرجان «أبو ظبى» السينمائى، وبعدها شارك الفيلم فى مهرجان «وهران» بالجزائر، وتخطتها الجائزة للمرة الثانية، وهكذا جاء إنصاف «جمعية الفيلم» لهند صبرى، وهو يشكل أهمية خاصة، نظرا لأنها قدمت بالفعل دورا استثنائيا، وكانت مبهرة فى التقمص بالصوت والحركة والتفصيلة الموحية لمريض الإيدز.. مخرج الفيلم عمرو سلامة حصل على جائزة العمل الأول، كما أن تصديه لتقديم فيلم يتناول مريض الإيدز استحق عنه جائزة أفضل سيناريو لصعوبة السرد السينمائى، حيث كان عليه أن ينتقل بين أكثر من زمن.

جائزة أحسن ممثل لأحمد حلمى عن دوره فى فيلم «إكس لارج»، رغم أننا فى أغلب مشاهد الفيلم لا نرى وجهه، حيث اختفى خلف الماسك الذى تمت صناعته على ملامحه، لتبقى لعينيه وصوته قوة التعبير، جاءت الجائزة لتؤكد أنه نجم الشباك فى السينما المصرية بالأرقام، ولكن هذا لم ينف أن بداخله ممثلا متمكنا، كما حصل إبراهيم نصر على جائزة خاصة فى التمثيل عن نفس الفيلم، والمعروف أن إبراهيم ابتعد نحو 8 سنوات عن الشاشة بعد أن كان واحدا من أهم نجوم برامج المقالب «الكاميرا الخفية» فى شهر رمضان، ليعود فى هذا الفيلم الذى أخرجه شريف عرفة، فى دور هام ومؤثر ملأه دفئا ومشاعر.

«ميكروفون» كان من نصيبه جائزة أفضل فيلم، إخراج أحمد عبد الله، والفيلم يمثل حالة صادقة لما تعارفنا أن نطلق عليه السينما المستقلة.. الميزانية محدودة والتصوير «ديجيتال» وأغلب المشاركين ممن يقفون لأول مرة أمام الكاميرا، ولا يوجد فى الفيلم ما يعرف بسطوة سينما النجم، فهو فيلم ينتمى إلى رؤية مخرجه.. كما حصل «ميكروفون» أيضا على جائزة الإخراج لأحمد عبد الله، وهى جائزة مستحقة للمخرج الذى استطاع أن يشع درجة عالية من الخصوصية على الشاشة، كما حافظ على الهارمونية بين أداء الممثلين الهواة وأداء المحترفين.

أما جائزة التجديد فلقد كانت لصالح المخرج إبراهيم بطوط، عن فيلمه «حاوى»، ويعتبر بطوط الذى أخرج من قبل فيلمى «إيتاكى» و«عين شمس»، هو أكثر مخرجى السينما المصرية جنوحا إلى التجديد، ويعزى إليه خوض العديد من المعارك الشرسة ضد الدولة، لتأكيد مشروعية السينما المستقلة التى لا تعتمد على السيناريو المكتوب بكل تفاصيله مسبقا، حيث إنه يترك مساحات من الارتجال أمام الكاميرا.. المخرج قدم فى فيلمه ما يمكن أن نعتبره قطعة من الحياة، فلم يكن من الممكن أن تغفل لجنة التحكيم أن الفيلم لديه منطقه وقانونه، وهكذا تم منحه هذه الجائزة التى تحمل اسم الناقد الكبير الراحل سامى السلامونى، الذى كان واحدا من أكثر نقاد السينما دعما لمناصرة التجديد.

حصلت ميرهان على جائزة الممثلة المساعدة عن دورها فى فيلم «الشوق»، وخرج «كف القمر» خاوى الوفاض من الجوائز.. ويبقى فيلم «المسافر» الذى أنتجته وزارة الثقافة فى عهد الوزير الأسبق فاروق حسنى، وبلغت ميزانيته 22 مليونا.. شارك «المسافر» عام 2009 فى مهرجان فينسيا داخل المسابقة الرسمية، إلا أنه حظى بأكبر قسط من النقد، وكان أشرس منتقديه بطل الفيلم عمر الشريف.. ظلت وزارة الثقافة مترددة فى عرضه على مدى عامين ثم وجد بضع شاشات فى العام الماضى، محققا فشلا ذريعا، وشارك فى العديد من المهرجانات، وكان أيضا يلاحقه الفشل، ثم فى نهاية الأمر حصل فى مهرجان جمعية الفيلم على جائزتى الأفيش والملابس، وهما جائزتان هامشيتان، ليظل التساؤل قائما، وهو المسافر لماذا؟ وكيف بددت وزارة الثقافة المصرية أموالها؟!

جمعية الفيلم التى تحظى بأكبر درجة من المصداقية بين السينمائيين على مدى 38 عاما، استطاعت بجوائزها فى هذه الدورة أن تقول الكثير.. أنصفت أفلاما وكشفت أفلاما!!

 

ترويض النجاح!

طارق الشناوي

March 16th, 2012 10:19 am

للفشل قوة تدميرية، وللنجاح الطاغى أيضا نفس القدرة. على الإنسان أن يتعلم كيف يواجه الفشل كما أن عليه ترويض النجاح!

أحيانا يحدث عداء بين الفنان وإبداعه. أتذكر أن الراحلة القديرة سناء جميل كثيرا ما كانت تعزف عن إجراء الحوارات الصحفية بسبب تكرار سؤالها عن دورها «نفيسة» فى «بداية ونهاية» كانت تشعر بألم نفسى عندما ترى بعض الزملاء يحاولون اختصار مشوارها العظيم فقط فى «نفيسة».

قرأت قبل أيام أن الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى صاحب رواية «الخبز الحافى» التى حققت شهرة استثنائية فى العالم حيث ترجمت إلى 39 لغة ولا تزال تقف فى الصدارة على مستوى أرقام البيع، كان شكرى يعانى أيضا من حالة النجاح المفرط التى صنعت جبلا شاهقا منع الأعين من رؤية أى إبداع آخر رغم أنه كتب «الخبز الحافى» عام 72 وعاش بعدها 32 عاما محاولا أن يقهر «الخبز الحافى»!

كان الكاتب الكبير يقول متهكما: الأطفال فى الشارع لا ينادوننى شكرى بل يقولون «الخبز الحافى». صار بينه وبين الرواية عداء سافر، يشعر أنها تسحقه فيكتب غيرها ليقهرها فيكتشف أن القراء لا يزالون يسكنهم «الخبز الحافى» وانتهت حياته بعد أن قدمت السينما الرواية فى فيلم أخرجه الجزائرى رشيد بن حاج ومات قبل عرضه بينما عاشت رواية «الخبز الحافى».

للدواء الشافى أعراض جانبية، والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة تؤدى إلى مخاطر صحية، والنجاح الطاغى كذلك. الشاعر السودانى الراحل الكبير الهادى آدم حقق شهرة فى العالم العربى قبل أكثر من 40 عاما عندما غنت له كوكب الشرق أم كلثوم وبأنغام محمد عبد الوهاب قصيدته «أغدا ألقاك» التى أدخلته فى لحظة واحدة تاريخ الأغنية العربية وأيضا تاريخ الشعر!

كان الهادى يرفض أن يُلقِى «أغدا ألقاك» شعرا رغم أنه كثيرا ما كان يشارك فى محافل جماهيرية، إلا أنه أصبح معاديا لتلك القصيدة التى كان يشعر كأنها اختصرت كل تاريخه فى قصيدة واحدة وهو يريد أن يقول للجميع إن إبداعه الفنى به العديد من الذُّرى التى تتجاوز «أغدا ألقاك». الغريب أن الشاعر الوحيد الذى لا يزال على قيد الحياة ممن تغنت بأشعارهم أم كلثوم، وهو اللبنانى جورج جرداق، 90 عاما، -مدّ الله فى عمره- والذى غنت له أم كلثوم قصيدته «هذه ليلتى» بتلحين محمد عبد الوهاب يعيش أيضا نفس المأزق وهو أن الناس لا تعرف عنه سوى أنه صاحب «هذه ليلتى»!

الحقيقة أن كل مبدع له عمل فنى يصل فيه إلى الذروة.. بعض الفنانين تعايشوا مع الذروة وأدركوا أن هذه هى طبائع الأمور وأن إرادة الناس ينبغى الإنصات إليها مثل محمود عبد العزيز الذى أصبح أهم دورين له اللذين صارا هما عنوان المشوار «الشيخ حسنى» فى فيلم «الكيت كات» و«رأفت الهجان» فى المسلسل الذى يحمل نفس الاسم. الغريب أن الفيلم والمسلسل كان المرشح الأول لهما هو منافس محمود عبد العزيز التاريخى عادل إمام، ولكنه كانت له تحفظات على السيناريو فاستُبدل به محمود عبد العزيز به ليدخل التاريخ الفنى بهذين الدورين. يحيى الفخرانى كان من الممكن أن يظل أسير دوره الأثير «سليم البدرى» فى «ليالى الحلمية»، ولكنه حرص على أن يقفز بعيدا، ودائما ما يعبر حاجز النجاح فى رمضان من عام إلى آخر بينما غريمه فى المسلسل «سليمان الغانم» صلاح السعدنى، منذ ربع قرن يبحث عن ذروة تليفزيونية أخرى، إلا أن مأساة النجاح الطاغى تجسدت مع صفية العمرى «نازك السلحدار» فى«الحلمية» حيث إنها وصلت إلى نجاح جماهيرى فى الشارع ليطلق اسمها لأول مرة على أفخر أنواع البلح فى رمضان، بل إن ماركة من السيارات صار اسمها «عيون صفية»، ولا تزال صفية حتى الآن تحاول أن تعبر حاجز «نازك»!

تجاوز النجاح يصبح أصعب بكثير من مواجهة الفشل، ولدينا نجوم كانت آفتهم هى النجاح لا النسيان كما يقول أديبنا نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان».. المشكلة أن الناس أحيانا لا تنسى!

 

جمهورية مصر السلفية!

طارق الشناوي

March 13th, 2012 9:50 am

أتابع عدة وقائع متباينة فى الزمان والمكان باعتبارها تعزف لحنا واحدا بتنويعات مختلفة، إنها النغمة النشاز التى تحرِّم الفن.

مُنع المخرج أحمد عبد الله من تصوير بعض مشاهد فيلمه «فرش وغطا» فى جامع السيدة نفيسة بحجة أن التصوير فى الجامع حرام رغم أن المخرج كمال عطية المسيحى الديانة صور فيلمه الشهير «قنديل أم هاشم» فى الستينيات فى جامع السيدة زينب، ويومها لم يسأل أحد حتى عن ديانة المخرج، فلم يكن أحد وقتها يضع خانة الديانة قبل خانة الوطن يكفى أنه مخرج مصرى.

واقعة أخرى حدثت قبل يومين عندما اعترض بعض الطلبة وعدد من الأساتذة فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة على عرض فيلم «انفصال» الإيرانى. الحجة المعلنة هى أن الفيلم يدعو إلى المذهب الشيعى، وتعجبت كيف فات على صيادلة المستقبل أن الأفلام الاجتماعية لا تدعو إلى مذاهب أو ديانات وإلا لقلنا إن الأفلام الفرنسية تدعو مثلا إلى المذهب الكاثوليكى، والبريطانية إلى المذهب البروتستانتى؟ هل أصبح هذا هو مفهوم الجيل الجديد للفن؟ وفى النهاية تم إلغاء العرض لأسباب تبدو متجاوزة الدين لتدخل مباشرة إلى الطائفية.. هل هم يكرهون السينما الإيرانية أم يكرهون السينما.. أتصور أنهم يخاصمون الحياة؟!

قبل أسبوعين تم طرد فريق عمل المخرجة كاملة أبو ذكرى فى أثناء تصويرها مسلسل «ذات» من كلية الهندسة بجامعة عين شمس بحجة أن الكومبارس يرتدين ملابس غير لائقة رغم أن المسلسل كان يتناول مرحلة السبعينيات. حكى لى معتز عبد الوهاب المنتج المنفذ لفيلم تسجيلى يتناول حياة المخرج الراحل عاطف الطيب أنه اتفق مع أحد المكاتب للتصوير إلا أنه فوجئ بأن الرجل ألغى الاتفاق بحجة أن شيخه أخبره بأن التصوير حرام.. رغم أنها لم تكن المرة الأولى التى يصور فيها فى هذا المكتب!

مواقف متعددة ولا أشك فى أن أكثر من جبهة ونقابة سوف تتصدى وتعلن أنها تتضامن مع المخرج أحمد عبد الله ومع طلبة كلية الصيدلة، إلا أن كل ذلك لا يعنى فى الحقيقة شيئا إذا لم نتنبه إلى أن جذور المشكلة كامنة داخل الشارع فى تنامى تيار العداء للفن بل تجريمه بعد تحريمه.

المجتمع الذى كان يرى عام 56 جمال عبد الناصر فى أثناء العدوان الثلاثى وهو يخطب من فوق منبر الجامع الأزهر داعيا للقتال وهو نفسه الذى يرى قطاع منه الآن أن التصوير فى الجامع حرام.. كيف يستقيم ذلك مع نقل شعائر الجمعة من كل الجوامع منذ إنشاء التليفزيون عام 1960؟ ثم ما الموقف من مئات الأفلام التسجيلية التى تتناول الجوامع وتاريخها؟!

فى أوروبا وأمريكا تجد أن الكنيسة تُشكل جزءًا هامًّا داخل سياق الفيلم ولا تستطيع إلغاءها فكيف نحذف الجوامع من القاهرة التى تحمل اسم مدينة الألف مئذنة؟!

السلفيون لديهم ولا شك نظرة قاسية إلى الفن تضعه فى مقام الموبقات، بينما الإخوان دأبوا على استخدام مبدأ «حلاله حلال وحرامه حرام» وهو كما ترى شعار يسمح بكل شىء وفى نفس الوقت يحرِّم كل شىء. المعركة شرسة ومصيرية ورجل الشارع لا يمكن أن نعتبره مجرد مشاهد سلبى بل إنه ربما كان أميَل إلى النظرة المتحفظة التى تعتقد أن الفنانين يريدون الحرية من أجل أن يُسمح لهم بمزيد من العرى والخلاعة.

تلك هى المعركة المسكوت عنها حتى الآن ونراها فى الشارع مع الناس وتبقى جبهة الإبداع التى تم إنشاؤها مؤخرا مجرد واجهة تدخل فى معارك مع الجهات المسؤولة وتلتقى مع القيادات هنا وهناك وتغفل أن المعركة الحقيقية ينبغى أن تبدأ مع الناس.

عشرات من المواقف المتشابهة نتابعها فى الجامعة والشارع والأزهر ووزارة الأوقاف والمفتى الذى حرَّم صناعة التماثيل لا أظنه يبيح هو الآخر التصوير. إنها مجموعة دوائر متشابكة لا يمكن لأحد أن يكتفى بواحدة ويعتبر أن هذه فقط هى معركته.

مد سلفى وترقُّب إخوانى ومع كل ذلك سوف تجد أن على جوانب الصورة انتهازية من عدد من الفنانين، قسط وافر منهم ينتظرون أن يجدوا فرصة للمكسب من أى اتجاه: حجاب، نقاب، وكله ماشى ماشى، فهم مستعدون لكى يهتفوا فى أى لحظة «عاشت جمهورية مصر السلفية»!

 

من يمثل الفنانين فى الدستور؟!

طارق الشناوي

March 11th, 2012 9:34 am

عندما لا يجد الفنان دورا يبحث عن دور، وهذا هو ما أراه الآن فى حالة التكالب على الاشتراك فى لجنة إعادة كتابة الدستور.

هناك قائمة قدمها ممدوح الليثى بها نحو 200 فنان رشحهم للاشتراك فى اللجنة، رغم أن أحدا لم يطلب من رئيس اتحاد النقابات الفنية ذلك، لكنه لم ينتظر، كما أن أكثر من نقيب أعلن أنه الأوفق والأفضل فى تمثيل الفنانين فى اللجنة.

رغم أن أول قرار ينبغى اتخاذه فى اختيار الأسماء هو الابتعاد عن النقباء الثلاثة لتسقط نظرية أنا نقيب إذن أنا كل شىء فى النقابة، لأن الانتخابات لا تختار مثلا من يفقه فى القوانين والدستور، لكن من يستطيع أن يكتسب ثقة الأعضاء بقدرته على حل المشكلات الاقتصادية التى تواجههم، وعلى سبيل المثال كانت انتخابات نقابة الممثلين محصورة بين كل من أشرف عبد الغفور وأحمد ماهر، فوقع الاختيار على عبد الغفور.. المفاضلة هنا فى إطار المطروح فقط، وأول ما فعله عبد الغفور كموقف سياسى هو هرولته مباشرة إلى المرشد العام للإخوان طلبا للبركة، ولو ألقيت نظرة على نقابة الموسيقيين ستجد أن الإعادة على منصب النقيب كانت بين محمد الحلو وإيمان البحر درويش، ولو كنت عضوا فى النقابة كنت سأختار أيضا إيمان، لكن لا يعنى ذلك أنه الأصلح فى كتابة الدستور، لكنه الأصلح بالقياس إلى الحلو، حيث إن كل قراراته بعد ذلك كنقيب أكدت أن لديه قصورا فى الرؤية السياسية.. لو ذهبت إلى نقابة السينمائيين ستجد مسعد فودة، الذى لا يمكن أن أنسى دفاعه المستميت عن مبارك فى أثناء الثورة، وكان أحد أعمدة ميدان مصطفى محمود ومنافسا شرسا فى هذا المجال لأشرف زكى، لكن السينمائيين اختاروه بالأغلبية، لأنه يوفر لهم الجانب الخدمى فى النقابة.. ما علاقة مسعد فودة بمناقشة الدستور؟! إنها مثل علاقتى باللغة الصينية.

لن أطرح أسماء لفنانين أراهم الأوفق فى لجنة كتابة الدستور، فليس الهدف فى هذا المقال هو اختيار أسماء بل تحديد صفات.

هناك بالتأكيد فى الوسط الفنى من يصلح للتعبير عما يريده الفنانون من الدستور، ولديهم إلمام بالقانون وقدرة على النظرة بعيدة المدى، إلا أن ما أخشاه هو أن يعتبر البعض مثل هذه اللجان أشبه بلقائهم مع المخلوع قبل ثلاثة أشهر فقط من ثورة 25 يناير، وكيف كانوا يتكالبون على التقاط صورة بجواره، ويوما ما سوف تطرح كل التفاصيل الخاصة بتلك اللقاءات التى ولا أدرى لماذا لم يبدأ أحد من الزملاء فى رصدها.. إن الأهمية التوثيقية ضرورية فى مثل هذه الأمور لنعرف ماذا قالوا بالضبط سواء أكانوا نجوما أم مثقفين.. قال لى مثلا الشاعر شوقى حجاب إنه التقى صديقه الكاتب الروائى الراحل خيرى شلبى بعد الثورة، وأخبره أنه نادم على تورطه فى لقاء المخلوع، ولو عادت به الأيام لاعتذر.

ما الذى قاله خيرى شلبى وما الذى قاله الآخرون فى حضرة مبارك، أتمنى أن نرصد ذلك بحياد وموضوعية!

هل الفنانون بالفعل يشغلهم الدستور أم أن كلا يغنى على ليلاه.. أعتقد أن الأغلبية تفكر فى ليلاها ولا يعنيهم أى «ليلى» أخرى.

مثلا الفنانون أو القسط الوافر منهم لم يحددوا لمن يمنحوا صوتهم هل هم بالفعل لم يختاروا أم أنهم ينتظرون الكفة الراجحة فيعلنون أنهم كانوا مؤيدين له.. الفائز هم دائما من أتباعه لو رجحت كفة عمرو موسى سوف تكتشف أن نجومنا «عمرويين» أبا عن جد، ولو فعلها أبو الفتوح فهم «فتحاويون» منذ بدء الخليقة، ولو رجحت كفة شفيق فهم «شفشقيون» وسيصبح شعارهم البنبونى والبلوفر الأزرق!

أغلبهم لا يشغله سوى المكسب القادم.. يتعاملون مع اللجنة كأنها عمل فنى قد يفاضلون بينه وبين عمل فنى آخر.. قال لى أحد الفنانين إنه بعد أن وافق فى البداية على التمثيل -شكك- لحساب شركة «صوت القاهرة» لأن الشركة ليست لديها سيولة مادية والدفع حين ميسرة، لاح فى الأفق مسلسل آخر والدفع فورى فاعتذر عن الشكك!

من الممكن فى لحظة البحث عن دور أن يسعى فنان للالتحاق بلجنة صياغة الدستور، إلا أنه لو لاحت أمامه «سبوبة» مضمونة سوف يهرول بعيدا عن الشكك!

 

تحرُّش سينمائى!

طارق الشناوي

March 9th, 2012 9:15 am

تطالعنا إعلانات هذا الفيلم وهى تتساءل بقوة وإلحاح: السقوط قدر أم اختيار؟ وبعد أن تجرعت الفيلم لقطة لقطة أقول لكم بضمير مستريح إن إجابة السؤال هى أن السقوط فيلم اسمه «ركلام»!

إننا بصدد عمل فنى -المفروض أنه كذلك- اعتقد صُنّاعه أنهم من الممكن أن يخدعوا الجمهور الساذج -هكذا تصوروه- الذى سوف يكفيه تلك الجرعة المكثفة من مشاهد الاغتصاب وأخرى من القوادة وثالثة من التعاطى، من الممكن أن تعيد المشهد الواحد أربع مرات لأن عندك أربع منحرفات وكل من منحرفة من حقها أن تَغتصب وتُغتصب (على رأى شفيق: قتلت واتقتلت) مثنى وثلاث ورباع طبقا للشريعة السينمائية، وجاءت النتيجة تشهد لصالح الجمهور حيث احتل الفيلم ذيل القائمة فى الإيرادات.

«ركلام» هو تعبير شائع فى أوساط عالم «الكباريهات»، والمقصود به فتيات الملهى الليلى اللائى عليهن مجاراة الزبائن ودفعهم لشراء زجاجات الخمر، وينتقلن بعد تلك المداعبات مباشرة إلى عالم الدعارة فيمنحن أجسادهن لمن يدفع.

هل الفيلم يريد إدانة المجتمع؟ الحقيقة السينمائية من خلال الشريط لم نرَ فيها شيئا من كل هذا.. «ركلام» يقدم كثيرا من المشاهد بغرض التحرش بالزبائن لدخول السينما بتلك «الرشة الجريئة» من المشاهد، لعل وعسى يُقبِل الجمهور، ولكن لا لعل ولا عسى!

أكثر فنانة دفعت فاتورة سقوط الفيلم هى بلا شك غادة عبد الرازق، فهى لا تزال تسعى لكى تصبح نجمة شباك فى السينما، إلا أنها من الواضح لا تعرف ما خارطة الطريق التى كان عليها أن تسلكها، وبالتأكيد «ركلام» هو ذروة السقوط.

الفيلم يتناول حكاية أربع فتيات كل منهن تبحث عن وسيلة للحياة ولكنها بسبب الفقر وسوء نيات الآخرين لا تجد غير العمل فى «الملهى الليلى» ومنه إلى الدعارة، وهكذا تصبح الفرصة مهيأة لكى ندخل إلى عالم القوادين، ويقدم المخرج صراعا بين أكثر من قواد وقوادة وتواطؤا من أجهزة الشرطة وتلاعبا بين المحامين فى العثور على البراءة، وتنتهى الأحداث والسيدات الأربع فى القفص بعد أن حكمت المحكمة حضوريا على المتهمات بالسجن، وهن غادة عبد الرازق ورانيا يوسف وإنجى خطاب ودعاء سيف.

فى قانون الدراما ينبغى مراعاة الجرعة، وفى الفيلم التجارى إذا لم تستطع أن تضبط مقادير المشاهد الجنسية فسوف يشيح الجمهور بوجهه عن الفيلم. أسرف المخرج كثيرا وهو ينتقل من مشهد جنسى إلى آخر لا يقل عنه ضراوة ومن حوار يحمل تجاوزا فى عدد من كلماته إلى جملة أخرى أشد سخونة وضراوة وخدشا للحياء من الجملة الأولى.. كل ذلك وهو يعتقد أنه يثير شغف الجمهور أكثر وأنه يضمن أن يأتى إليه خاضعا قانعا بل شاكرا على هذا الكرم الزائد الذى فاق توقعاته.. الجرعة الزائدة كانت هى السبب الرئيسى فى إحجام الناس بالإضافة إلى أن الممثلتين إنجى خطاب ودعاء سيف كانتا فى حالة ضعف شديد فى الأداء ولم تستطيعا مجاراة كل من رانيا يوسف وغادة عبد الرازق، وهى بالطبع مسؤولية المخرج الذى لم يعرف كيف يوجه الفنانتين الجديدتين.

فى علم الاقتصاد قانون اسمه «تناقص الغلة»، وهو يعنى أن هناك أرضا تحقق مقدارا من الحصاد يتوافق مع عدد العمال الذين ينبغى لهم أن يسهموا فى زراعة الأرض، ويحدث التناقص إذا زاد العدد عن المطلوب، وأطلقوا عليه «تناقص الغلة» لأنه بعد أن يصل إلى الذروة ويزيد عدد العمال على المطلوب يتضاءل النتاج، وهذا هو بالضبط ما وقع فيه المخرج على رجب فى فيلمه الروائى التاسع عندما كان يسرف فى تلك المشاهد معتقدا أنها سوف تثير نهم الجمهور، إلا أنه أثار ملل وسخط الناس. عندما يعلو الصوت أكثر مما ينبغى لا تسمع إلا ضجيج الدوشة!

تحملت غادة عبد الرازق النصيب الأكبر من الهزيمة لأنها ترقص فنيا على السلم، لا تعرف خطوتها القادمة، إنها أيضا مثل بطلات الفيلم لم تكن ضحية، بل هى المذنبة الأولى لأنها وافقت على بطولة الفيلم، ولا تزال تنتقل من حوار تليفزيونى إلى حوار صحفى، ولا همّ لها سوى الإشادة بالفيلم بدلا من أن تعترف أنها ارتكبت خطأ سينمائيا، فهى بدفاعها المستميت عن «ركلام» تحيل الخطأ إلى خطيئة!

 

رقيب يثير الفتنة!!

طارق الشناوي

March 8th, 2012 1:16 pm

مثلما أراد البلكيمى تجميل أنفه فتورط فى قضية إزعاج السلطات والادعاء الكاذب، تورط أيضا الرقيب سيد خطاب فى إثارة الفتنة الطائفية، عندما ادعى أن فيلم «الخروج من القاهرة» يحض على ازدراء الأديان.

ما الذى يريده الرقيب على المصنفات الفنية؟ إنه حريص على أن ينفى عن نفسه الاتهام بأنه قد استجاب إلى جهاز الأمن القومى ومنع عرض فيلم «الخروج» حتى من الخروج -وهو أضعف الإيمان- للنقاد والصحفيين ولجنة التحكيم فى مهرجان الأقصر السينمائى!!

الرقيب قرر أن يشعلها حربا بتلك التصريحات التى تهيج الرأى العام، عندما يقول إن الفيلم يصف المسيحيين بأنهم «مزيتين»، ولهذا فهو يحض على ازدراء الأديان، فكان لا بد من منعه، وبهذا يكسب الرأى العام إلى صفه.. عشرات من الاتهامات جنائية وأدبية صارت تلاحق الفيلم الذى لم يره الجمهور، ولو صح أى منها أو بعضها فإنه كفيل بأن يضع صناع الفيلم كلهم تحت طائلة القانون.

عندما يقتطع رقيب كلمة من سياقها ويعتبر أن إحدى الشخصيات عندما تردد هذا التعبير المستهجن وتصف به شخصية قبطية -وهو ما تم رفضه بالمناسبة دراميا فى إطار الفيلم- فلا تفسير سوى أن الرقيب صار محملا بشحنة غضب تجاه الفيلم، مرددا «علىّ وعلى أعدائى».

«الخروج» بالمناسبة يقدم شخصيات مصرية لا يعنيك كمشاهد ولا أظنها تؤثر أنهم أقباط، بل إن عمق الفيلم هو الرفض لفكرة التفرقة الدينية.. الحب بين مختلفى الديانة، تلك هى المشاعر التى قدمها المخرج هشام العيسوى، توافق أو تختلف، لكنك لا يمكن أن تنكر وجودها على أرض الواقع.

نعم، قدم السيناريو عائلة مسيحية أغلب أفرادها منغمسون فى الخطيئة، ولكن فى النهاية هم مصريون.. بالتأكيد قد نجد عذرا للقبطى الذى ينزعج من رؤية الأقباط على الشاشة، حيث إنه يخشى من أى ملامح سلبية تلحق بهم، وأتذكر أن فيلم مثل «واحد صفر» أثار الغضب، لأنه يقدم شخصية امرأة مسيحية لعبت دورها إلهام شاهين، تريد الطلاق لكى تتزوج بمسيحى وهى متمسكة بدينها لا تريد معاداة الكنيسة بإقامة دعوى قضائية، كل ما تسعى إليه أن يسمح لها بالزواج من مسيحى وترفض تغيير ديانتها، ولا حتى طائفتها، ورغم ذلك أغضب هذا الفيلم عددا من الأقباط.

فكرة المسكوت عنه ترضينا، فندفن رؤوسنا فى الرمال، ولا نواجه المشكلة، هل ننكر أننا نرى بيننا المسيحية التى تحب مسلما أو المسلمة التى تحب مسيحيا.

سبق للرقيب أن صرح بالفيلم اللبنانى «هلأ لوين»، الذى يقدم علاقة حب بين مسيحية ومسلم، وفى أحداث الفيلم قررت النساء فى القرية اللبنانية أن يسخروا من تلك العقول المتحجرة التى تضع الدين فى مواجهة مع الحياة، فقررت كل امرأة أن تمارس طقوس الدين الآخر، الرجل المسيحى يصحو يجد زوجته وهى تختتم الصلاة وتدعو أن يهديه الله بالحج لبيت الله، والرجل المسلم يصحو ويشاهد زوجته وهى تضع الصليب على صدرها.. قرأ الرقيب الفيلم قراءة صحيحة ولم يعتبر هذه المشاهد ازدراء للأديان.. بالمناسبة الفيلم المصرى كان محدودا فى خياله الفكرى والفنى بالقياس للفيلم اللبنانى، ولم تكن لديه هذه الجرأة.

الفن من واجبه أن يعبر الحواجز.. الحساسية فى الشارع لا نستطيع أن نتجاوز عنها، ولكنها لم تولد من فراغ.. الأقباط مبعدون عن الشاشة وما نشاهده دائما هو فقط المسيحى الطيب، لا مناقشة لقضية زواج ولا طلاق ولا حب ولا ميراث، حالة العزل الفنى والدرامى من الواضح أنها أرضت كل الأطراف، لكنها ليست هى الحل.

الفيلم بالتأكيد لا يحقق الطموح، ولى عليه العديد من الملاحظات السلبية، ورغم ذلك ليس من مصلحة أحد أن يشعل النيران، ومع الأسف الرقيب هو الذى أشعلها بتلك الكلمات التى أراد بها أن يبرّئ ساحته، فاتهم عمل فنى بازدراء الأديان، وتحول إلى واحد من هؤلاء الذين يرفعون سيف التخويف والتخوين فى وجه كل من يقترب من مناقشة قضايا المجتمع.

إنه الرقيب الذى يريد الحفاظ على موقعه، ولهذا نسمعه مرة يقول لم أشاهد الفيلم، وأخرى يؤكد أنا الذى منعته، ويقدم نفسه للرأى العام بطلا يواجه من يريدون ازدراء الأديان.. الفتنة لم تعد نائمة فلقد أيقظها الرقيب!!

 

النفخ فى الزبادى

طارق الشناوي

March 3rd, 2012 9:55 am

هل العيب فى المجتمع المحتقن أم فى الرقيب الخائف؟ أتحدث عن فيلم «الخروج من القاهرة» الذى خطف الأضواء فى مهرجان الأقصر عندما لم يُصدِر الرقيب بشأنه قرارا وترك الأمر لإدارة المهرجان، وفى نفس الوقت فإن المنتج لم يُحضِر معه إلى المهرجان نسخة من الفيلم فى انتظار موافقة الرقابة.

المؤكد أن الرقيب الرِّعديد وجدها فرصة فى الامتناع حتى عن إعلان الرأى واكتفى بأنه لم يرَ ولم يسمع، ولهذا لن يوقع على شىء، فلم يكتب ورقة رسمية تفيد بالموافقة أو المنع.

مؤخرا وبعد توفر العديد من الوقائع التى لا يستطيع بعدها الرقيب أن يصرح بأنه لم يشاهد الفيلم اضطُرّ إلى إعلان رفضه العرض بحجة أن الفيلم لم يطابق السيناريو المصرح به مسبقا، وهى حجة لو تم تطبيقها لتم منع 90% من أفلامنا، فأغلبها لم يلتزم بالسيناريو.

الفيلم سبق عرضه فى مهرجان دبى فى ديسمبر 2010 الذى حدث بعده أن الرقابة تلقت أمرا من الأمن القومى يحذر فيه من عرض الفيلم.. والرقابة قبل وبعد الثورة لا تستطيع أن تخالف أمرا للأمن القومى.

الفيلم يتعرض لعلاقة تجمع بين فتاة مسيحية وشاب مسلم والعائلة القبطية تشغل مساحة ملحوظة فى السيناريو.. لسنا بصدد عائلة مثالية حيث إن هناك شقيقة تعمل بالدعارة وزوج أم يستغل الموقف، فهو يعيش على عرق فتاة الليل. على الجانب الآخر قدم المخرج الجديد هشام العيسوى خطا موازيا لفتاة مسلمة تقيم علاقة مع شاب مسيحى.

هل نحن نتعامل مع أديان أم شخصيات؟ المفروض أننا بصدد أسرة مصرية فقيرة، قضية الديانة لا تشكل بالنسبة إلى المتلقى أى حساسية، أقصد المفروض أنها كذلك.. المسلم عندما يشاهد فتاة اسمها «فاطمة» تبيع شرفها لمن يدفع لا يعتبر أن هذا الموقف يجرح مشاعره الدينية، فهى مجرد فتاة ليست رمزا للدين، ولكن لا يزال التعامل مع الشخصيات المسيحية يضع الدين أحد معالمها الأساسية.

بالتأكيد لا أستطيع أن أحذف من ذاكرتى هذه المشاهد لتلك الحرائق التى اشتعلت على أرض الواقع بسبب علاقة بين مسيحى ومسلمة أو العكس، إلا أن هذا لا يمكن أن يصبح مدعاة لكى نُصادر وجود هذه العلاقات على الشاشة.

هل مثل هذه الأفلام من الممكن أن يتفهمها قطاع ممن دأبنا أن نصفهم بالنخبة؟ الحقيقة هى أن هؤلاء يكتشفون أن فيروس الطائفية انتقل إلى قسط وافر منهم.. عدد من النقاد والمثقفين تنتفض بداخلهم غدة الطائفية بمجرد أن يشاهدوا مثلا مسلم «حرامى» مثلما حدث مع داوود عبد السيد فى فيلمه «مواطن ومخبر وحرامى»، وبعضهم تنشط بداخلة الطائفية العكسية عندما يشاهد امرأة مسيحية فى علاقة مع مسلم.. ولا أستبعد أن من أثار حفيظة الأجهزة فى مصر ضد فيلم «الخروج» قبل أكثر من عام بعد عرضه فى دبى بعض هؤلاء المثقفين والنقاد الذين شاهدوه فقرروا أن يوجهوا إليه ضربة استباقية واستعْدوا ضده الأجهزة الأمنية.. شاركت قبل يومين فى ندوة على الهواء فى تليفزيون «بى بى سى» وكنت فى الاستوديو أستمع إلى آراء المشاهدين وبعضهم خارج مصر، وكانت المفاجأة أن الأغلبية كانت تؤيد الرقيب فى المنع وتقول «مش وقته»، رغم أنه وقته ونص!

الحساسية فى الشارع لا تواجَه بالمصادرة، ولكن بأن نملك الشجاعة وتطرح الشاشة ما نراه على أرض الواقع.. ندرة تقديم شخصيات الأقباط فى الدراما أدت إلى تفاقم الإحساس بأن الأقباط ينبغى أن يظلوا بمأمن من الدراما. الجميع ارتاح إلى حالة التنميط التى عاشت عليها الشخصية القبطية دراميا، فهى إما مستبعدة وإما مهمشة وإما مثالية.. أكبر قفزة نجحت فى تقليص المسافة بين الشاشة والأقباط تحققت مع فيلم «بحب السيما»، كانت الشاشة تسيطر عليها شخصيات مسيحية، واشتعلت المظاهرات فى الكنيسة، واتُّهم مخرج الفيلم أسامة فوزى المسيحى الديانة بأنه يروج للمذهب البروتستانتى ضد الأرثوذكس الذين يشكلون الأغلبية فى مصر.

«بحب السيما» وجد فى النهاية طريقه للعرض فى السينما وعلى الفضائيات، إلا أن الأشد ضراوة هو ما حدث فى مهرجان الأقصر عندما خاف الرقيب حتى من عرض الفيلم عرضا محدودا للنقاد والصحفيين ولجنة التحكيم. الرقابة بعد أن لسعتها الشوربة صارت تنفخ فى الزبادى!

التحرير المصرية في

03/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)