حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«الفتى ذو الدراجة» في مهرجان الفيلم الفرانكوفوني

الأخوان داردين.. درامـا الشقاء وتراجيديا الحياة اليومية

زياد عبد الله

نسمع في أفلام الأخوين البلجيكيين جان بيير ولوك داردين المؤثرات الصوتية مع «جنريك» الفيلم، كما لو أنها تتمتم بما ستفتح الكاميرا عليه في اللقطة الأولى، والتي ستبدأ درامياً ـ كما تعودنا معهما ـ مع الحدث الرئيس في الفيلم. إنها الشخصية الرئيسة التي سنقع عليها وهي تصل أزمتها من البداية، ولنمضي معها في حركية عالية جداً لن تتوقف إلا بقطع الفيلم في النهاية، وقد صارت في الضفة الأخرى من أزمتها.

إيغور في The Promise (الوعد)، ،1996 يسرق محفظة السيدة التي تسأله مساعدتها في إصلاح سيارتها بالورشة التي يعمل بها. روزيتا تطرد من عملها بينما تجابه ذلك بالصراخ ولا تخرج من المعمل إلا بقوة رجال الشرطة في Rosetta (روزيتا) (سعفة كان الذهبية 1999). يتلقى أوليفييه ملف فتى يريد الالتحاق بورشته لتدريب الأحداث على النجارة في The Son (الابن). سونيا تحمل طفلاً رضيعاً وتصعد به درجات مبنى، وتقرع باب شقة بعصبية في The Child (الطفل) (سعفة كان الذهبية 2005). لورنا تودع مبلغاً من المال في البنك وتريد أن تحصل على قرض، كونها ستنال الجنسية البلجيكية في «صمت لورنا» ،2008 سيريل يسعى للاتصال بوالده، بينما أستاذه يخبره بأن والده قد تغير عنوانه، ولا يعرفون عنوانه الجديد في The Kid with a Bike (الفتى ذو الدراجة) (الجائزة الكبرى في كان 2011).

هذه اللقطات الافتتاحية ستتبع بما يمكن للحياة أن تقترحه درامياً في حال كل شخصية من الشخصيات، وستتولى الكاميرا المحمولة نقل ذلك إلينا، مع ممثلين يظهرون للمرة الأولى مثلما هي الحال مع ايميلي ديكوني التي جسدت روزيتا ونالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان» ،1999 كذلك الأمر مع مورغان ماريني في «الابن»، وتوماس دوريه في «الفتى ذو الدراجة» وآخرين، بينما سيتكرر الممثلون المحترفون في أفلامهم كما هي الحال جيرمي رينير وأوليفييه غورميه، إذ سيكون تصوير الأخير غالباً من الخلف في «الابن» ونحن لا نرى تعابير وجهه على ما يتلقاه ويعايشه. كل تلك الشخصيات تنتمي للطبقة العاملة أو من المهاجرين الشرعيين أو غير الشرعيين، والباب مفتوح على مصراعيه في أفلامهما لمعاينة الهوامش، وبناء الدراما وفق المعطيات الاقتصادية والاجتماعية في وطنهما بلجيكا، ما يضعنا أمام أحوال البشر في ظل رأسمالية لا ترأف بهم، ودائماً باتكاء على الروابط الأسرية المفككة: الابن والأب، الابنة والأم، وما يعتري علاقتهما من تشويه واستدعاء للظروف المحيطة بكل واحد منهما، وحين لا يكون ذلك وارداً فهناك الوهم أيضاً، وهم لورنا بأنها حامل.

بدأ جان بيير (1951)، ولوك (1954) داردين مسيرتهما السينمائية بأفلام وثائقية متمركزة حول الطبقة العاملة وقصصها ومشكلاتها، لكنهما سرعان ما اكتشفا أن ما يقومان به ليس إلا معبر نحو الروائي، فقد كانا حسب ما يقولان يوجهان من يصوران في أفلامهما الوثائقية ويدفعانه باتجاه أن يقوم بما يريدان تصويره، وليكون عبورهما إلى الروائي أمرا لا مفر منه، في عام 1987 مع فيلم Falsch (مزيف)، والذي لا يعتبرانه فيلماً ينتمي لما أرادا القيام به، وليكون «الوعد» 1999 ما صادقا عليه، بوصفه بدايتهما السينمائية الروائية الطويلة.

أفلام داردين مشغولة تماماً بالتسلح بكل ما يمنحها صدقاً حياتياً، ما من موسيقى تصويرية، الكاميرا محمولة، الشخصيات لا تتوقف عن الحركة، اللقطات الطويلة لا تكون ثابتة أبداً، مواقع التصوير خارجية في الأغلب، وهذه المواقع في نطاق جغرافي واحد في جميع أفلامهما وهي المدينة نفسها، فهناك المعمل والنهر والغابة إلى جوار المدينة والطرقات السريعة أو الضواحي العمالية الهادئة، ورهان الأفلام السبعة التي نمضي خلفها هو على شخصية بعينها وعلاقة اجتماعية واحدة تكون متهددة ومأزومة، وفي أحيان قليلة ذات ماض سرعان ما يتضح، وبداية أفلامهما بالأزمة مباشرة لا يقود إلا لمزيد من الأزمات، ولا يمكن في الوقت نفسه توقع ردود فعل الشخصيات، لأنها تقدم لنا دون أي خلفية، وهي حقيقية لدرجة أننا نكتشف معها ما الذي ستفعل بخصوص ما تواجهه، وفي هذا منحى تشويقي إن شئتم، وهذا آت من اتباع الأخوين داردين العمل على حركة الممثل فيزيولوجياً، في انحياز تام للفعل، وفي اتباع زمن أفقي لن يكون إلا حاضر الشخصية، فما من مونولوج أو «فلاش باك»، والحوار متقشف، وما من شيء يبعد الكاميرا عن الشخصية وفعلها، وقد يكون الفيلم في ثلاثة أرباعه «كلوز آب» على الشخصية الرئيسة.

تستدعي أفلام الأخوين داردين الاستعانة ببرتولد بريشت بعيداً عن «التغريب»، وهو يقول «إن المهم في كل عمل فني هو الحقيقة الاجتماعية لهذا يجب ألا يقارن العمل الفني مع غيره من الأعمال وإنما مع الحياة نفسها»، وعليه فإنني أتبنى ذلك وبقوة في مقاربة أفلامهما، إضافة لمنهج ستانيسلافسكي في «طريقة الأفعال الفيزيولوجية»، إذ التمثيل لدى الأخوين داردين وبناء الشخصيات يكونان وفق ما يقوله ستانيسلافسكي في هذا الخصوص، أي «كل لحظة فعل ترتبط بشعور محدد، وكل شعور يستدعي بدوره فعلاً محدداً». ويضيف ستانيسلافسكي «عندما تسجلون منطق وتتابع الأحداث، سيظهر عندكم خط الشعور الذي تبحثون عنه»، والنتيجة أن الفعل في أفلامهما يجمع في وحدة تامة بين النفسي والفيزيولوجي.

وضع ذلك لدى مقاربة أفلام الأخوين داردين سيكون بمثابة معبر إليها، وهنا يجدر الحديث عن أن منجزهما أو التحدي الذي يواجه كل فيلم يصنعانه يكون في الإطباق على المحرك الرئيس للعملية الفنية، ألا وهي العلاقة المتبادلة بين الشكل والمضمون، من خلال معالجة «عملية بناء الواقع».

مع إيغور الذي لم يتجاوز الـ14 من عمره سنكون مع علاقته بوالده الذي لا يقبل أن يناديه بأبي، إنه اليد اليمنى له في أعماله التي تتمثل في إيواء المهاجرين غير الشرعيين، وإيغور يؤدي المطلوب منه على أكمل وجه، وبالخفة المطلوبة لأعمال كهذه، تكون دناءتها المتوارية فعلاً يومياً يلتقي وكسب الرزق وتجميع المال. إيغور مع والده رجل، وبعيداً عنه يسعى لأن يسرق أفراحه الحقيقية في تركيب دراجة نارية واللهو واللعب الطفوليين، مع والده يدخن ويشرب، لا بل يسعى والده لأن يجرب النساء من خلاله، وفي المرة الوحيدة التي تخرج علينا موسيقى تكون في مشهد لإيغور ووالده يغنيان في إحدى الحانات.

نقطة انقلاب إيغور الدرامية ستكون من خلال تعاونه مع والده على إخفاء جثة ذلك العامل الإفريقي «غير الشرعي»، الذي يقع عن صقالة البناء والذي كان من الممكن إسعافه، وعليه ستنقلب حالة إيغور المتواطئة مع والده إلى استقلال عنه في مساعدة زوجة ذلك العامل وابنها الرضيع.

بالانتقال إلى «روزيتا»، فإننا سنمضي معها والكاميرا تلاحقها بإيقاع لا يهدأ أبداً. وجه روزيتا يحتل الكادر، وهي متوترة وعدائية على الدوام، ثمة آلام في البطن تداهمها فجأة فتضع مجفف الشعر على بطنها لتخفيفها، تعيش في «كارفان» عليها أن تقطع غابة للوصول إليها، وأمها كحولية ومصدر وجعها، وعلى صراع دائم معها.

كل ما تريده «روزيتا» هو أن تعمل، أن تحصّل رزقها بعرق جبينها، هذا هو كل ما يشكل منبع أفعالها وردود أفعالها لدرجة أنها ستفعل كل شيء لتحقيق ذلك ومن ثم ستتخلى عنه، بما في ذلك الوشاية بريكو الذي يحبها ويساعدها، إذ لا مساحة للحب عندها، لا بل إن «دور العمل في تحويل القرد إلى الإنسان» سيصبح معها مقلوباً أي «دور العمل في تحويل الإنسان إلى قرد».

الفيلم مدهش بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وفيه أجمل وأغرب لقاء بين امرأة ورجل، وذلك حين تلجأ «روزيتا» إلى ريكو، إذ يقوم الأخير بالوقوف على يديه لتأكيد أنه كان بطلاً في الجمباز، ووضعه شريط كاسيت لتمارينه على «الدرامز» الذي تتخلله أغنية ما أن يبدأ بالرقص مع روزيتا على أنغامها حتى يعود «الدرامز» وهكذا.

يلتقي «الابن» في تمركزه في اللقطات المقربة لأوليفييه مع «روزيتا»، لكن ليكون «الكلوز آب» من الخلف على الأغلب، وهنا المعبر الدرامي للفيلم سيكون قادماً من ماضي أوليفييه، كما أن الإيقاع أبطأ من «روزيتا»، بما ينسجم مع أوليفييه صاحب البنية المتينة، معلم النجارة الذي يعاني آلام الظهر، والذي سينضم إلى الورشة التي يدرب فيها الأحداث فتى سنكتشف أنه قاتل ابنه الوحيد.

بعد «الابن» يأتي «الطفل»، والذي له أن يكون ابن سونيا، لكن ما من شيء يجعله ابن برونو الذي سيبيعه، الزلة التي ستكلفه غالياً، وستفتح أمامه الباب على مصراعيه للانهيار تماماً. استعادة الطفل لن تعيد إليه سونيا، والسرقات الصغيرة والتفاهة لن تكفي طالما أن هناك من يهدده، فينتقل إلى سرقة أكبر، لكن كل ذلك لن يمنع نبالته أن تظهر في النهاية، برونو لن يجد إلا البكاء ليقول كل شيء في النهاية وسونيا تزوره في السجن.

«صمت لورنا» متصل ومنفصل في آن مع الأفلام السابقة، لورنا ليست إلا امرأة ألبانية متزوجة على الورق من كلودي مدمن المخدرات البلجيكي لا لشيء إلا لتحصل على الجنسية البلجيكية. كل شيء في حياتها يمضي على أحسن ما يرام، تجمع الكثير من المال وستبدأ مشروعها الخاص هي وحبيبها سوكول، ومع حصولها على الجنسية فإن فابيو (رجل المافيا الألبانية) سيسعى لتزويجها بروسي لينال هذا الأخير الجنسية أيضاً لقاء مبلغ كبير من المال، وعليه فيجب التخلص من كلودي.

تفعل لورنا كل شيء ليكون الأمر طلاقاً عادياً، بينما يتخلص منه فابيو بقتله عن طريق جرعة زائدة من المخدرات، عقدة ذنب لورنا ستقودها إلى الوهم، الذي لن تجد إلا فيه ملاذها، خصوصا بعد انتصار مشاعرها تجاه كلودي قبل مقتله، ستتوهم أنها حامل منه وسيتركها الأخوان داردين وحيدة في الغابة تهدهد جنينها الوهمي.

الأخوان داردين، ومن خلال أفلامهما التي مررنا عليها، يعرفان جيداً أن هناك علاقة معقدة بين الرغبة والفعل، وهي تتعلق بالظروف الاجتماعية وبطبع الشخصية وبالآخرين والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، وإن الدوافع والأهداف والحاجات والأفعال يمكن أن تتطابق وتتناقض، وأن تمتلك علاقات تبادلية معقدة جداً، وهذا التعقيد لن يكون ظاهرياً إلا مقدماً ببساطة أسلوبية مدهشة.

الدراجة.. محور حياة

يعرض «الفتى ذو الدراجة» ضمن فعاليات مهرجان الفيلم «الفرانكوفوني» في صالات «فوكس» بـ«مول الإمارات» في دبي و«مارينا مول» في أبوظبي.

نقع في هذا الفيلم على سيريل ماضياً مباشرة نحو مأزقه، فوالده تخلى عنه، ستبدو دراجته على شيء من دراجة دي سيكا، محور حياته ومخلصته، لكن بحثه عن دراجته سيكون بحثاً عن والده الذي اشتراها له ولا يريد أن يصدق أنه قام ببيعها، وهي وحدها التي تتيح له التنقل والفرح. سيحظى سيريل برعاية سامنثا التي تعيد شراء الدراجة، وحين يتمكن من الوصول إلى والده سيسأله هذا الأخير بأنه لا يريد أن يراه فهو ما عاد قادراً أبداً على رعايته. رعاية سامنثا له لن تبعده عن تورطه مع تاجر مخدرات سرعان ما يقدم على السرقة من أجله، وحين يبقى المبلغ الذي سرق بحوزته يمضي على دراجته إلى البلدة التي يعيش فيها والده ويعطيه المبلغ، لكن والده يطرده ولا يأخذ المال، ولنراه يمضي في دراجته في لقطة طويلة والشوارع ليلاً خالية إلا منه، كما لو أنه تحرر تماماً من والده. خلاص سيريل لن يكون إلا على يد سامنثا، خلاص يعتريه إصلاح ما فعله سيريل، وانعطافة درامية مفاجئة تأتي ممن اعتدى عليهما وسرقهما، ومن ثم التمسك بسامنثا كأم وأب له.

الإمارات اليوم في

18/03/2012

 

أحدثها "جون كارتر" المعروض حالياً

مغامرات أرضية سينمائية ضد المرّيخ

محمد رضا 

الخيط بين فيلمي “جون كارتر” المعروض حالياً حول العالم، وبين فيلم “إ  وول” الكرتوني الذي خرج قبل سنوات ليست بعيدة (منتصف سنة 2008) ليس واهياً، كما قد يعتقد البعض . من ناحية الفيلم الجديد هو أول فيلم حي للمخرج أندرو ستاتون الذي حقق فيلم الرسوم السابق . من ناحية أخرى، كلاهما عن شخصين ينتقلان من الأرض، في ظروف عجيبة، إلى كوكب آخر .كذلك فإن كلا البطلين يحب شخصية من الكوكب البعيد . التشابه لا ينتهي هنا، بل في أن كليهما حمل رسالة خاصّة أراد إيصالها للجمهور .

هنا على شكل المواقف التي تنتاب الفرق المتحاربة التي ترفض الانقياد تحت راية واحدة، وهذا يحدث على الأرض، وهناك في “أ  وول” على شكل دعوة لإنقاذ كوكب الأرض نفسه من طغم الفساد الإداري والبيئي .

هذه الأبعاد لم ترد في النسخة التي وضعها الكاتب إدغار رايس بوروز قبل مئة سنة . بوروز اشتهر بشخصية طرزان الذي تنقله الأحداث طفلاً إلى غابات إفريقيا عندما تتحطّم الطائرة التي كان استقلّها والديه . يشب في تلك الغابات ويصبح البطل المغوار الذي يصارع التماسيح والأفاعي الضخمة وأنواع الأسود . لكن إذا ما كانت هذه الشخصية هي التي استولت أكثر من سواها، وبسبب محيطها الاجتماعي، على مخيّلة وشعبية الملايين، فإن الكاتب وضع سلسلة أخرى راجت حينها جيّداً، وإن استحوذت لاحقاً على شهرة أقل، هي سلسلة “جون كارتر”، المغامر الذي ينطلق إلى المريخ ليخوض مجابهاته الشرسة .

حين ظهور الرواية الأولى ،1912 ووصولاً إلى ظهور الرواية الأخيرة ،1964 كان المريخ لا يزال يحتفظ بهالة غرائبية إذ لم يكن العلم قتل الخيال العلمي بعد . أما اليوم فمهمّة إقناع المشاهدين الجدد والقدامى أن المريخ يمكن له أن يكون ميدان أحداث غرائبية، فإن ذلك من المهام الصعبة فعلاً، ولم ينفع أن الفيلم تكلّف 250 مليون دولار، فالأسبوع الأول من عروضه الأمريكية لم تجلب أكثر من 30 مليون دولار . ولو أنه حقق أكثر منها بقليل في أوروبا وبعض دول العالم .

في الخمسينات من القرن الماضي كان المريخ لا يزال مرتع الأحلام بمغامرات عظيمة . إما نحن الذين نزورهم، وإما أهل المريخ هم الذين يقومون بالزيارة . وفي حين أن أهل الأرض كانوا دائماً زوّاراً مسالمين إلى أن يواجههم “الأعداء” المريخيون بالعنف، كان أهل المريخ، حين يفكرون بزيارة كوكبنا، يأتون في موجات غازية ومدمّرة . هذا نراه مثلاً في “حرب العالمين” في نسخته الأولى سنة 1953 (إخراج بريان هاسكينز) حينما يبعث الكوكب النائي مركباته (على شكل صحون طائرة) لتدمير الأرض (الفيلم نفسه تم إنجازه سنة 2005 بتوقيع ستيفن سبيلبرغ)، وفي “غزاة من المريخ” (وليام كاميرون منزيز  1953) و”الشيء! الرعب القادم من ما وراء الفضاء” (إدوارد كون  1958) من بين أخرى عدة .

ما كان رائجاً في ذلك الحين، خفت رواجه خصوصاً أن رحلات الإنسان إلى الكواكب الأخرى توقّفت، لأسباب اقتصادية في ظاهرها، ما خلق بعداً بين اهتمامات الناس وبين ما إذا كانت تلك الكواكب تستحق الزيارة لوجود الحياة فوقها أم لا . وما تجربة المخرج تيم بيرتون في هذا المجال سنة 1996 إلا دلالة على ذلك . الفيلم، بتكلفة 70 مليون دولار آنذاك ومن بطولة أنيت بانينغ، بيرس بروسنان، داني ديفيتو، مايكل ج فوكس، غلن كلوز وجاك نيكولسون في دور رئيس الجمهورية، سقط أرضاً حين عرضه . بينما خطف “يوم الاستقلال” (رونالد إيميريش) الاهتمام والنجاح . السبب واضح: في فيلم بيرتون أهل الأرض عاجزون عن فعل شيء وفي “يوم الاستقلال” يدافعون بضراوة تثير حماسة المشاهدين . ولا يجب أن ننسى أن المشاهدين هم من أهل الأرض أيضاً .

الثنائي دي نيرو وسكورسيزي قد يعود

هناك شائعة، وهوليوود ساحة مناسبة للشائعات، تقول إن المخرج مارتن سكورسيزي سيقوم بتحويل رائعة فيودور دوستويوفسكي إلى فيلم يقود بطولته روبرت دي نيرو وهو “المقامر” . المشروع مدرج فعلاً بين أعمال سكورسيزي خلال العامين المقبلين، لكن إذا ما كانت شخصية المقامر كما زرعها دوستويوفسكي في وجدان ناهلي الأدب ستؤول لروبرت دينيرو، فإن ذلك سيكون مثار اهتمام إضافي كون هذا اللقاء (التاسع بينهما) سيكون الأول بعد أن عمد الاثنان إلى العمل معاً آخر مرّة، وذلك في العام 1995 عندما قاد دي نيرو بطولة “كازينو” .

أفلام دي نيرو  سكورسيزي الثمانية السابقة تشكّل واحدة من أفضل ما شهدته هوليوود من نجاحات ثنائية . وهي بدأت سنة “شوارع منحطّة” سنة 1973: فيلم عن عصابات نيويوركية صغيرة يخوض أحد رجالها (دي نيرو) حرباً ليفوز بمركز أعلى . ترك دي نيرو انطباعاً إيجابياً دفع سكورسيزي لطلبه من جديد بعد ثلاث سنوات لبطولة “تاكسي درايفر” حكاية سائق تاكسي يهوسه القتل دفاعاً عن قاصر يكتشف وجودها في ملهى ليلي (قامت بها جودي فوستر) . الانطباع الذي تركه دي نيرو هنا هو أقوى، كون الفيلم يبحث في شخصيّته دون سواها مع نتائج عنيفة بقيت في البال طويلاً .

في العام التالي كان موعدهما في فيلم مختلف تماماً وهو “نيويورك، نيويورك” ولعب فيه الممثل شخصية لاعب ساكسفون يلتقي بمغنية شابّة (ليزا مانيللي) ويقع في حبّها . لا عنف هنا في الظاهر، لكن الرومانسية في فيلم سكورسيزي هي ذات مشاعر ربما أكثر عنفاً من القتل المباشر .

من الرومانسية إلى الدراما الرياضية . هذه المرّة الشخصية التي أدّاها دي نيرو حقيقية، ففي “الثور الهائج” حكاية الملاكم الإيطالي جاك لا موتا، وشخصيته المركّبة هنا التي منعته من الإحساس بقيمة فوزه وسط خضم من الأحداث العاطفية الموازية .

قام المخرج سكورسيزي بتحقيق هذا الفيلم سنة ،1980 ومرّت ثلاث سنوات قبل أن يجد عملاً آخر يسنده إلى ممثله المفضل وذلك في “ملك الكوميديا”، حيث لعب  دي نيرو شخصية كوميدي يثق بنفسه ويختطف كوميدياً مشهوراً (جيري لويس) ليجبره على اختبار قدراته . الخوف الذي بثّه  دي نيرو في “تاكسي درايفر” هو نفسه الذي يبثّه هنا إنما في معالجة كوميدية سوداء .

بعد ذلك مرّت سبع سنوات اشتغل خلالها سكورسيزي مع ممثلين آخرين، قبل أن يعود إلى التعاون مع دي نيرو في فيلم عصابات آخر هو “أصحاب طيّبون”، وفي العام التالي “كايب فير” الذي عاد دي نيرو فيه إلى تشخيص الشر من دون عازل، وصولاً إلى فيلم “كازينو” سنة ،1995 الذي كان دي نيرو قد كبر على أدوار رجل العصابات الصغير، فاستلم إدارة العصابة في مدينة لاس فيغاس .

بالنسبة إلى نيرو، فإن أفلامه الأولى مع سكورسيزي ساعدته على النجاح، والأخيرة ساعدته على الثبات .

اوراق ومشاهد

"الباحثان": الاختلاط المرفوض

تساءل المخرج الفرنسي جان  لوك غودار في العام 1962 قائلاً: “أعرف أن جون واين متعصّب، لكن كيف لي أن أتحاشى تأثير عينيه؟” . كان ذلك بعد نحو ست سنوات على خروج فيلم “الباحثان” الذي قام واين بتمثيله تحت إدارة مخرجه المفضّل جون فورد . وفيه موقف عنصري واضح من كليهما تجاه فكرة قيام علاقة بين بيضاء وأمريكي فعلي (هندي أحمر) . القصّة حول ابنة أخت رجل اسمه إيثَن (واين) خطفها الهنود منذ سنوات وبحثه الدائم من أجل البحث عنها (ناتالي وود في مطلع شبابها) لا لإعادتها بالضرورة، فهي أصبحت عاراً عليه التخلّص منه وهذا لا يتم إلا بقتلها .

هناك وجهات نظر أخرى في الفيلم أكثر رأفة يمثّلها مرافقه مارتن (جفري هنتر) الذي يقدّم نفسه على أن في عروقه نسبة قليلة من الدم الهندي . هذا كل ما كان إيثن يريد سماعه ليقرر أنه لا يستطيع الثقة بهذا الشاب، لكنه يقبل مساعدته . بقراءة متأنّية يمكن أن نلاحظ أن الشاب هو الجزء الخفي من إيثَن الذي يستر عطفه بجدار من الرؤية العنصرية، لكن هذه العنصرية جانحة وتعكس، في منظور اليوم، ضعفاً شديداً . أنت تكون عنصرياً إذا كنت تفقد إيمانك الخاص بنفسك وهذا ما يعالجه الفيلم في بعد شخصياته.

إلى أي مدى شارك المخرج رؤية الممثل؟ جون فورد لم يكن معروفاً عنه إنه ليبرالي ولو أنه لم يشترك في الحملة المعادية لليسار الأمريكي كما فعل جون واين بكل قوّته ومكانته . ولأنه مخرج جيّد يسعى لأن يترك مسافة بينه وبين كامل قناعات بطله، لكن إعجابه بتلك القناعات يبقى قائماً وهو ما يكشف عن درجة من التوافق معه . إنه جون فورد الذي قال بعد سنوات حين أخرج فيلمه الوحيد المؤيد للهنود الحمر “خريف الشايين”: “قتلت في أفلامي ما يكفي من الهنود الحمر . آن الأوان لإعطائهم حقاً” .

المسافة التي يتركها هي المتمثّلة في منح بطله الثاني (هنتر) وجهة نظر قويّة، لكن الإعجاب بشخصية بطله تبقى ساطعة وغالبة خصوصاً حين يجدها المخرج جزءاً من النسيج الأيرلندي الأبيض كما في حال كل أفلامه، فيقتطع وقتاً ليظهر جماليات هذا النسيج حبّاً وعراكاً .

ماذا عن عيني واين؟ هنا، وفي غير هذا الفيلم، تؤدّيان دور المرآة العاكسة لما تمر به الشخصية . وهذا ورد كاملاً في فيلمه الأخير قبل وفاته “المقاتل” كما سنكشف في الحلقة المقبلة .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

18/03/2012

 

للفقـر وجـوه أخـري "ركلام"..

فيلم هابط وجمهور يدفع تكاليف انتاجه نوعية فاسدة ومُفسدة. والسبب شباك التذاكر

تقدمها: خيرية البشلاوي

للفقر وجوه أخري غير ملامح المومسات.. وللقضايا الاجتماعية تجليات مغايرة. وأهم من عوالم الكباريهات والشقق الخاصة الموظفة لضرورات المتعة.. وللعشوائيات البشرية مداخل لا تصل بالضرورة إلي مؤخرات النساء ونصفهن الأسفل.. والامثال الشعبية الدارجة علمتنا أن "الحُرّة تجوع ولا تأكل بثدييها" و"الحرائر" في مصر كشفن عن مشكلات تتجاوز تحرش زوج الخالة وزوج الأم وانتفاضات الغريزة الحيوانية عند رجال الأعمال القادرين علي دفع ثمن إرضاء شهواتهم بالآلاف.

هناك تحرش سياسي. وقمع مجتمعي. وبلاوي كثيرة بعيدة عن غرف النوم وصالات الرقص والقوادات والقوادين.

وليس علي المنتج من نوعية السبكي أن يبتزنا بقصة حول "الفقر" الذي يؤدي إلي طريق الرذيلة. فـ"الماركة" التي اخترها وسجلها "لمؤلفاته" صريحة ومباشرة. والغرض من البضاعة المعروضة علي الشاشة. ولن يقوي أي مخرج مهما كان بارعاً أن يداري جوهرها بالسلوفان الملون. والصراحة راحة و"ركلام" يعلن عن اننا إزاء عمل سينمائي فاسد ويندرج تحت نوعية مفسدة من الأفلام. وسوف يظل هناك من يستهلك هذه البضاعة ويدفع ثمن الفرجة عليها طالما بقيت مشكلات الانحطاط في مستوي التعليم والأمية الثقافية وفقر الخيال. وضعه من يصنعون العبوات الترفيهية في شرائط أفلام.

علي رجب مخرج هذا الشريط لديه حس سينمائي. واحساس بالأماكن التي يختارها لتصوير أعماله. واسكندرية التي نكتشف خصوصية جمالها وبحرها عبر اللقطات التي يضمها الفيلم تعكس نظرة جمالية. فهو مغرم بالبحر. والمناطق الشعبية القابعة علي حواف شواطئه. ويعرف كيف يصنع ايقاع وحركة وقد استعان في هذا الفيلم بمديرة تصوير متميزة "نانسي عبدالفتاح" وتمتلك بدورها لباقة التعبير بالصورة. وقد استعانت في البداية باللقطة القريبة والقريبة جداً علي أمل النفاذ إلي عالم هولاء الساقطات أو اللاتي سقطن في ماخور الدعارة.

فالفيلم يبدأ داخل حجرة ماكياج وأمام البطلة "غادة عبدالرازق" ما يشبه شاشة التليفزيون حيث تدور ذاكرتها مع ماضيها كامرأة مضطهدة تمسح البلاط. وتعيش مع زوج أمها وضيع النفس. همجي السلوك. وقاسي. ومع أمها المرأة مكسورة الجناح التي لا تقوي علي رفع الظلم عن ابنتها وتتملق "الرجل" علي اعتبار أن ظله أفضل من "ضل الحيطة". علماً بأن أي "حيطة" أفضل بكثير من هذه المخلوقات الطفيلية الفقيرة إنسانياً. عديمة الشرف أخلاقياً. أو كريهة الخِلقة. تؤذي الناظرين إليها.

لكن لم يفلح المخرج مع اجتهاداته الحِرفية أن يجعل من الفسيخ شربات لأن رائحته نفاذة. والغرض من صنعه واضح. ومهما حاول أن يصطنع مضمونا غير المضمون الصريح الذي يلتقطه المتفرج. ولن يكون للصورة الجيدة ولن يستطيع المونتاج عبر حيل الاسراف في التقطيع لابراز التفاصيل في حكايات النساء اللاتي يدور حولهن موضوع الفيلم أن يرتقي بالمادة الموضوعية. لأن السينما التجارية استنفذت المخزون الأساسي والاحتياطي من عالم الكباريهات وصالات الرقص. وبارات الشرب وغرف النوم.. ولم تقو مهارات الممثلات المتمرسات في هذه النوعية من الأدوار من طراز غادة عبدالرازق ورانيا يوسف في إضفاء مسحة فنية علي حكاية الأنثي المشتهاة والذئاب المتربصين لنهشها. ذلك لأن السيناريو الذي كتبه "المؤلف" ركيك البناء ومحروم من القدرة علي الاقناع وكذلك أسلوب معالجته المعتمدة علي الصدف والابتعاد عن السرد التقليدي والقفز بين ماضي وحاضر كل واحدة من النساء الأربعة في خيوط متوازية تتلاقي أحيانا عند القبض عليهن أو عندما يتآمرن ضد إحداهن.. النهاية الأخلاقية البائسة لكل واحدة.

إن العبرة الأخلاقية من النهاية موجهة في الأساس إلي الجمهور! .. والجمهور علي حسب قدرتي علي التخمين لا يضم هذا الجنس من الإناث وحتي لو كان بينهن من سوف تجد نفسها مع احدي البطلات. فلن يتعظن لأن الدرس قديم ومعروف.

إذن لا يفلح القول بأن للفيلم مضمون يتجاوز هدفه التجاري. وزمان كانت الأفلام تقدم للناس بديلاً للكباريه وملاهي شارع الهرم ويبدو أن السنوات الأخيرة تشهد نهضة لهذه النوعية من جديد.

طاقم الحريم المتنوع

طاقم الحريم الذي سكن عالم الرذيلة في هذا الفيلم متنوع يضم خريجة الجامعة "رانيا يوسف" التي انحرفت لكي تفي بالمطالب المادية للزواج ويضبطها خطيبها الطيب في سرير رجل الأعمال الذي يخدم عنده. زوجة رجل الأعمال الذي خسر أمواله في البورصة تنقاد وراء غواية شقيقتها بهدف مواجهة احتياجات الحياة الأبهة التي ضاعت. والفتاة التي تزوجت من عاجز جنسيا تقبل الزواج منه هرباً من قسوة الشقيق وقسوة الحياة ثم تخونه وتنقاد إلي هذا العالم.

كلها نماذج تعتبر اعادة انتاج للألبوم القديم. ولنفس الأسباب التقليدية -الفقر- التي تقف وراء انهيار المرأة أخلاقيا واستسلامها للرذيلة.

إيناس مكي ومادلين طبر وعلا رامي وفريق الفتيات المستجدات في المهنة وعلي الشاشة تنويعة علي الأداء الضعيف وتكريس للاسلوب النمطي الفاضح لأداء عاهرات السينما.

والمخرج حريص علي تصوير أفراد هذه الكتيبة من الحريم الساقط مع فرقة الرجال "الذئاب" من كل الزوايا وكأن الإمعان في استعراض تفاصيل هذا العالم كفيل وحده بالترفيه في وقت تطور الترفيه السينمائي ووصل إلي مستوي متقدم جداً ومسلي فعلاً ومحترم في نفس الوقت.

المخرج الذي أتصور أن الفيلم بالنسبة له مجرد "سبوبة" في ظروف الانتاج الصعبة. حاول بقصد أو بدون قصد أن يبرز المفارقة الكبيرة بين نوع النشاط البشري في أي صوره "تجارب الجنس" وبين مستوي الأناقة داخل الحجرات التي يمارس فيها هذا النشاط. وفي نفس الوقت يلقي الضوء علي حالات الفقر بينما يكشف عن ثراء صناع الرذيلة. أي بين قصور المريوطية وبين الشقق الضيقة كالحة الجدران. فقيرة الأثاث التي تسكن فيها عائلات "الضحايا".

ومرة أخري تتواري الصنعة والتدقيق في اختيار الأماكن والالتهاء وسط سوقية الأغنيات "الشعبية" المؤلفة خصيصاً للتعبير عن حالة التوهان والضياع.. إلخ.

يضاعف هذا الضجيج الصوتي "نمر" الرقص الجماعي للنساء التي أصبحت من ملامح السينما المصرية .. الأمر الذي يضع الفيلم ضمن قائمة الأفلام الهابطة بغض النظر عن جودة الصورة وحيوية الإخراج في بعض المشاهد واختيار أماكن للتصوير ليست مألوفة لأنها في النهاية عناصر وظفت لخدمة حكايات مبتذلة وركيكة.

الوجوه الجديدة

الوجوه الجديدة في هذا الفيلم كما أشرت كبيرة. وهي في مجموعها تصلح معرضا لعينات من مصنع "الحواوشي" السينمائي. فلا موهبة لافتة. ولا حضور. وربما مهارات ولتسبة تعلم هنواً ومكسبات رائحة لهذا العالم المصنوع.

ومن المزايا -إذا كان لمثل هذه الشرائط مزايا- المعالجة المقنعة نوعاً لمشاهد المساومة بين الغانية والزبون وحيل النصب والفخاخ التي تعد للأنثي التي تمارس الرذيلة. ونماذج القوادة علي مستوي الحريم "علا غانم" واختيار الوجوه المناسبة لمشاهد الغرزة من الرجال وتصوير الأثر بعنصر الماكياج الذي تتركه عملية الاغتصاب الجماعي لشادية "غادة عبدالرازق".. الأمر جعل التأثير الأخير للفيلم سلبياً ويثير الرفض لهذه النماذج.

** فيلم "ركلام" في نهاية الأمر صناعة مصرية ونجاحه من صنع جماهير السينما. ولا يُلام علي انتاجه الشركة التي مولته وإنما الجمهور الذي أعاد للمنتج أمواله!

المساء المصرية في

18/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)