حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

متعة التلصص على مطحنة الكذب

دمشق - فجر يعقوب

سيقال الكثير بالطبع عن دور «الأب الخرف» في فيلم «انفصال نادر عن سيمين» للمخرج الإيراني أصغر فرهادي الفائز أخيراً بأوسكار افضل فيلم اجنبي في هوليوود. وربما يذهب البعض إلى تحميله أكثر مما ينبغي في هذه الدراما الاجتماعية المتناغمة في شكل مدهش حد صنع إيقاع خاص بها، والتي نجح فرهادي في إطلاقها عبر كاميرا محمولة في معظم الوقت أراد من خلالها عكس جو متوتر، من غير أن يفقده ذلك»متعة» التلصص على مصائر أبطاله التي يحتاجها لهذا الفيلم أكثر من فيلمه السابق ( «عن أيلي» ). وإذا كان المخرج قد عودنا على الانتهاء بـ «خبطة مسرحية» في نهاية كل فيلم له، فإنه في فيلمه الجديد هذا لا يحيد عن دربه، بل يجدد من طريقته في تنفيذها هنا، ويثريها من خلال تعويد ممثليه على الظفر بنهايات غير متوقعة.

تقضي المحكمة بإمكانية انفصال نادر عن سيمين، ولكن العائق الذي يمنع سيمين من تحقيق حلمها بالسفر خارج البلاد بعد أن قضت أكثر من ستة شهور في مطاردة التأشيرة لكليهما، هو أن نادر يرفض مرافقتها، بذريعة أن أباه مصاب بمرض الزهايمر وليس هناك من يقوم بخدمته من بعده. وبالطبع لن يمكن سيمين من المغادرة، لأنها لن تستطيع فعل ذلك من دون رفقة ابنتها (ترمة ) التي تحتاج إلى موافقة الأب للسفر باعتبار أنها ماتزال قاصراً. تغادر سيمين بيت الزوجية بعد أن تؤمن راعية للأب الخرف تحل محلها، وسوف نكتشف أن هذه تجيء من ريف بعيد بصحبة ابنتها الصغيرة ومن غير علم زوجها المتبطل الذي يرزح تحت عبء ديون كثيرة ومهدد بالسجن في كل لحظة من قبل دائنيه.

الأب محور الفيلم هنا، بالكاد يمكنه التكلم. إنه يرطن ببعض الكلمات المتعلقة ببحثه عن الصحيفة اليومية، ولكننا بتنا نعرف أنه يفتقد إلى سيمين، فيذكر اسمها أكثر من مرة ويكون الاسم آخر الكلمات التي سوف نسمعها منه قبل أن تتركه الراعية في البيت مقيداً إلى سريره وتذهب لقضاء عمل لها سيظهر من بعد في الـسياق أنها ذهـبت لمراجعة طبيبة نسائية لأمر خاص بها.

شيطان التفاصيل

سوف تتعقد الأمور من حول نادر وفي بيته، الذي يشكل هنا المحور الآخر للرمز - الأب. ففي التفاصيل تكمن «شيطنة» أصغر فرهادي، وهنا يكمن سر هذه الدراما الاجتماعية. والحال انه لولا قدرة المخرج على الإمساك بها ببراعة، لوقع الفيلم في فخ ميلودرامي مطول هو الذي كان يحتاج في بعض مشاهده إلى قص هنا وهناك، حيث يبدو الإيقاع مربكاً قليلاً، ولكن فرهادي ينجح في ترتيب تفاصيله، من دون أن يغرق المشاهد في هذا الفخ الذي كان سيقود الفيلم نحو خطر «التعليب» التلفزيوني، وبخاصة أن فرهادي نفسه قدم إلى السينما من العوالم التلفزيونية، وهذا يبدو واضحاً من خلال تصميم كادراته التي تبدو ضيقة أحياناً، وفي حاجة لفضاء تتحرك فيه، وكما أسلفنا فإن إمساكه بالتفاصيل واللعب بها عن طريق مراكمتها سردياً دفعا بالفيلم لأن يصبح مصدراً غنياً للرموز والاستعارات التي تصلح لأن تكون صورة مقربة لواقع إيران المعاصر. فهنا بالضبط ، ومع كل نأمة، سوف تند عن راعية الأب الخرف سندرك أكثر فأكثر أننا نقف بالفعل على هذه الصورة اما ما ينقص فهو قوة الإفصاح عنها مباشرة.

إلا أن السينما هنا تأبى مثل هذه التقديم، وتصر على مراوغة من نوع مختلف برع أصغر فرهادي في تقديمها لنا في أكثر من فيلم، وهنا يكمن سر نجاح فيلم «انفصال نادر عن سيمين» في أكثر من موقعة سينمائية، وآخرها بالطبع نيله جائزة الغولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي قبل الأوسكار.

الفيلم هو صورة شعاعية لما يحدث في بلد المخرج. ليس ثمة ما يفضي إلى مثل هذا القول إلا قدرة الفيلم على الإمساك بتفاصيل هذه الصورة، فالراعية التي لن يمكنها أن تقوم بـ «تنظيف» الأب إلا بعد استشارة فقهية، سوف تدرك أن مهمتها لن تكون سهلة هنا. والأب الذي يذهب من تلقاء نفسه ومن غير وعي إلى البحث عن جريدته الصباحية المفضلة التي تربطه بالماضي الذي يمثله، سوف يكون سبباً في انعطافة درامية جديدة هنا، لأن سيارة سوف تقوم بصدم الراعية بدل صدمه هو، وهو ما سيزيد من تعقيد الأوضاع. وسوف يكتشف نادر حين يعود مع ابنته ترمة في وقت آخر أن الراعية ليست موجودة في البيت، وأن الأب يحتضر بعد أن وقع من سريره وهو موثق اليد إليه، وقد فقد جهاز التنفس الاصطناعي. يقوم نادر بطرد الراعية بدفعها على درج المنزل أمام جيرانه، وتجهض المرأة كما سنعلم حين تستدعي سيمين نادر لتخبره بفعلته. وسيقتاد الجميع إلى المحكمة، بعد أن يتهجم زوج الراعية على نادر إذ يكتشف أن زوجته كانت تعمل من وراء ظهره في بيت نادر، بعد أن يكون هذا الأخير قد عرض عليه العمل عنده راعياً لأبيه بعد أن تتذرع الراعية في وقت سابق بصعوبة العمل عنده، وتعرض عليه الاتصال بزوجها العاطل من العمل، والمكتئب، والمهدد بالحبس لكثرة ديونه.

الخروج من الميلودراما

الحبكة الدرامية التي أرادها أصغر فرهادي لفيلمه هي ما سمح له بالخروج من متاهة ميلودرامية مؤكدة، فهو سيكذب الجميع أمام القاضي. نادر سيكذب حين يقول إنه لم يكن يعرف أن الراعية كانت حامل في الشهر الرابع، ولو أنه كان يعرف لما طردها. والراعية تكذب بدورها، لأن سبب الإجهاض هو السيارة التي صدمتها في وقت سابق. وحتى معلمة ترمة في المدرسة بادرت إلى الكذب حين شهدت في المحكمة وقالت إن حوارها مع الراعية حول حملها لم يسمعه نادر، أو هو لم يحفل به أساساً. ويقوم نادر برفع دعوى على الراعية أيضاً، وهو مهدد بالحبس بتهمة التسبب بأذية والده الخرف، ولن تبخل سيمين بدفع الكفالة لخروج نادر من الحجز، وسوف تقوم بعمل تسوية مع زوج الراعية تتلخص بدفع خمسة عشر مليون تومان كتعويض عن فقده جنين زوجته بدل أربعين مليون تومان. ولكن الراعية سوف تفاجئنا حين ترفض أن تحلف اليمين على القرآن، بعد أن استشارت نفس الجهة الفقيهة فأفتت هذه بأن المال الذي ستأخذه من نادر وسيمين سيكون حراماً عليها وسط حيرة الزوج الذي يصاب بنوبة هستيرية جراء رفض زوجته القيام بالخطوة الأخيرة قبل نيله المال الذي سيحرره من مطاردة الدائنين.

لقد نجح أصغر فرهادي في هذا الفيلم من حيث لم يكن متوقعاً، وتمكن من مراوغة فكرة ثمينة تقوم على أن الكذب الدائم يمكنه أن يخلق بشراً من غير ضمائر أيضاً. وفيما الجميع يغرق في هذه الفكرة يتوجب على ترمة أن تخيّر في النهاية بين بقائها مع أمها أو أبيها، وهي تطلب أن تجيب بعيداً عنهما، لأنها بالتأكيد سوف تعود إلى الفكرة الأساسية التي دفعت بها سيمين إلى الواجهة في المشهد الأول من الفيلم: لا الأب الخرف يمكنه فعل شيء عبر التحديق بماضيه غير المستعاد، ولن يكون بوسع نادر أن يقدم له شيئاً إن بقي إلى جانبه، فهو لا يتذكر حتى اسمه، فيما يكرر على مسامعنا اسم سيمين قبل أن يفقد القدرة على النطق نهائياً، ولا القاضي الذي يكيد لسيمين لأنها قالت إن مستقبل ابنتها ترمة لن يكون في مطحنة الكذب أبداً التي يعيش الجميع فيها من دون استثناء.

الحياة اللندنية في

09/03/2012

 

التمزّق العاطفي في المدن الصناعية

رندة الرهونجي 

تفتح كاميرا الفيلم الأخير للأخوين البلجيكيين جان بيار ولوك داردين على طفل في الحادية عشرة من عمره (توما دوريه)، يكرر بعناد كبير طلب رقم هاتف لا يجيبه من الطرف المقابل له سوى صوت آلي مسجل يؤكد له أنه لم يعد هناك من أحد ليرد عليه. سنفهم حالاً مأزق هذا الطفل الذي لا يملك إلا هذه الأرقام البائسة، كصلة وحيدة له تربطه بأب تركه في سكن للأطفال قبل أن يذهب ولا يعود.

يدخلنا الأخوان داردين منذ اللحظات الأولى كعادتهما، إلى الحدث في لحظة ذروته وسيكملان من هناك نسج خيوط الحكاية في خط سردي يتقدم بسرعة الى الأمام غير مكترث بالعودة إلى الخلف لرسم أرضية من التفاصيل تؤسس للحظة الذروة تلك. لن يشكل هذا بالطبع أي خلل في البناء الدرامي لفيلم يحمل توقيع سينمائيين اتّسمت أفلامهما دوماً بتسارع في حدثٍ يحصل الجزء الأهم منه داخل الشخصيات ودوافعها وخياراتها من خلال مراقبة لصيقة ومتابعة متفرسة للشخصية الرئيسة في إطار تأملٍ قائم على حيوية كبيرة في الأسلوب والإيقاع.

هذه الهوية الفنية التي نتعرف إليها في الحال هي التي جعلت من هذين البلجيكيين صاحبي هوية سينمائية فريدة داخل ما يمكن أن نسميه سينما الواقعية الاجتماعية الحديثة، والتي يشكل اليوم جان بيار ولوك داردين اثنين من أقطابها الأساسيين.

البحث عن الأب

لن يصاب الطفل «سيريل» باليأس، بل سيغلق سماعة الهاتف ويهرب من سكن الأطفال ليبحث بمفرده عن والده الذي حنث بالوعد، وتخلى عن مسؤولياته تجاه ابن سيجعل من الدراجة التي تركها مع والده دليله للوصول إلى الأب الذي توارى لأسباب لا يعرفها، ولا يهمه أصلاً أن يعرفها في سنّه المبكرة تلك. وسنجد أنفسنا مثله أيضاً غير معنيين كثيراً بالعودة إلى مسببات الأشياء داخل رؤية سينمائية لطالما اعتبرت نفسها معفيّة من تقديم شرح للدروب التي أوصلت أبطالها إلى مآزقها المفتوحة على كل احتمالات السقوط والهزيمة.

لم يكن تخلي الوالد (جيريمي رينيه) عن ابنه في «الطفل والدراجة» هو التخلي الأول له في أعمال الأخوين داردين التي كرّسته نجمها في غالبية افلامهما منذ بدايتها. فقد سبق وحاول (جيريمي رينيه) أن يتخلى عن ابنه الرضيع في فيلم «الطفل» ليخفف من حمولته في حياة أجبرته على الصعلكة والانحراف. ثم كررها في «صمت لورنا» ليفشل في شكل مؤلم في معادلة الاندماج والتوازن الاجتماعي.

وهكذا تتوالى الأمثلة والمرجعيات عند الأخوين داردين لشخصياتهما الرئيسة لتؤكد أن هذا الهروب أو التواري يشكّل إحدى الركائز الأساسية في طرحهما السينمائي. إنها سينما تبني معالجتها على جوانب الضعف والخيبة والانسحاب لتجعل منها مركز التأمل داخل أبطالها، فتحكي ضياعهم الذي رمى بهم في عزلة وضعتهم دوماً على حافة منزلق يصل بهم إلى مفترق حاد الانعطافات.

فسيريل الذي يستعد لمغادرة طفولة لم تكن كما تمنى، نراه يسعى بإرادة وعناد لاستعادة حقه في الحب والانتماء إلى أبٍ هو بدوره ضحية لحياة خذلته وتركته عاجزاً عن تقديم الحب والأمان.

طوق نجاة

لكن بطلنا الصغير لن ينتهي متشرداً، ومنحرفاً على رغم مجاورته اللصيقة لهذا المصير، بل سيجد طوق نجاته عند سامانثا (سيسيل دو فرانس) التي ستظهر في المشهد العام اليائس للحكاية لترمي له بسترة نجاةٍ سيتمسك بها فيجد الملاذ الذي يعينه على التقاط أنفاسه خلال رحلته المستجدة داخل قسوة الحياة المفاجئة.

لن تشرح سامانثا أسبابها في هذا التورط العاطفي والإنساني الذي جعلها تتقدم طوعاً لتحمل مسؤولية سيريل من خلال تعهدها باستقباله في بيتها خلال أيام العطل الأسبوعية، وما سيجر عليها ذلك من مشاكل وقلق وخوف ستصيب تداعياته حياتها وتفاصيل استقرارها.

حصل «الطفل والدراجة» على جائزة كبرى في مهرجان «كان» السينمائي الأخير، الذي سبق ومنح هذين البلجيكيين سعفته الذهبية مرتين، الأولى عام 1999عن فيلم «روزيتا»، والثانية عام 2003 عن فيلم «الطفل»، وأتى بعدها فيلم «صمت لورنا» ليحصل على جائزة المهرجان كأفضل سيناريو.

وهما يقدمان الآن في «الطفل والدراجة» مأساة جديدة بلغة ومفردات سينمائية لا نراها تخرج في شيء عن النسق الأسلوبي المعتاد لقصة جديدة من قصص التمزق الاجتماعي، الذي تعيشه المدن الصناعية الصغيرة في أوروبا اليوم، حيث انسحب الكبار المهزومون اجتماعياً من عبء صغارهم تحت وطأة صراع حياتي يصعب معه الصمود لبديهيات الواجب والمسؤولية.

تتبنى الرؤية الأسلوبية للأخوين داردين سينما متقشفة، بسيطة، ذات موازنة صغيرة. سينما تعتمد في شكل أساسي على حيوية كبيرة لكاميرا متحركة باستمرار لا تسمح ببناء تكوين جمالي كلاسيكي للصورة بل تعطي الأولوية لصنع حدث متسارع يتبع في شكل لصيق الشخصية الرئيسة التي تتكفل بقيادة تفاصيل السيناريو وتعرجاته، فتقول ببلاغة سينمائية بسيطة أزمتها وتخبطها وضياعها.

نحن أمام سينما منحازة الى منهج تطابق الشكل مع المضمون، فالكاميرا المحمولة، الخيار الدائم للأخوين داردين، تحاكي دائماً توتر وقلق الشخصية التي تلاحقها لتجعل منها بؤرة التشويق والمتابعة داخل تتابع مشاهد لا تتخللها أي تأثيرات أو اضافات من خارج الكادر السينمائي نفسه. فلا اشتغالات بصرية موضوعية ولا تقطيعات جمالية مضافة تبعد المتلقي عن السكة التي يمشي عليها السيناريو القائم على تكثيف ملاحقة الشخصية الرئيسة.

أما الموسيقى التصويرية التي لطالما غابت عن أفلام الأخوين، فقد شكّلت هنا خياراً جديداً لهما في «الطفل والدراجة»، حيث أدخلا في الفيلم ثلاث أو أربع جمل لحنية من الموسيقى الكلاسيكية بالطبع، حدّدا من خلالها مفاصل أساسية مهمة في المسار النفسي لشخصية سيريل داخل تصاعد الحدث. وهو أمر برز للمرة الأولى وفي شكل مقتضب في فيلمهما السابق «صمت لورنا» حيث سمعنا للمرة الأولى آنذاك جملة موسيقية واحدة في المشهد الختامي للفيلم ليركزّا فيه على الانعطافة النفسية الحنون لبطلتهما في نهاية رحلتها الشاقة داخل منزلقات الحياة الموحشة.

لا جديد في «الطفل والدراجة» من حيث الطرح والبناء الحكائي، وليس هناك أيضاً من جديد في الأسلوب والمفردات السينمائية التي التزما بها دائماً لنسج الحدث وبناء الإيقاع ورسم حركة الكاميرا. وإذا كان هناك من جديد في فيلمهما الأخير هذا، فنراه من خلال إضافات صغيرة لن تغير شيئاً في الهوية الفنية، لكنه سيسجل مهارة جديدة داخل مشروع سينمائي طويل لا نبالغ إذا ما اعتبرناه فيلماً واحداً بمتابعات متلاحقة.

فالخيط الذي يربط شخصيات الأخوين داردين ببعضها بعضاً يزداد وضوحاً مع كل عمل جديد لهما، ليبدو الأمر في النهاية وكأن أقدار ومصائر أبطالهما تتنفس وجودها داخل فيلم سينمائي واحد، أتى بتفريعات وتلوينات تجتمع في أمكنة وتفترق في أخرى لتعود وتستكمل سردها الأول في مطارح جديدة... ولتلتقي كلها داخل رؤية شفّافة ومتفائلة في انحيازها الى الجانب النبيل في الإنسان سبيلاً وحيداً للنجاة من شرط حياتي قاسٍ وبخيار أسلوبي ينقذ السينما من فخ الميلودراما. فنراها تنعى منظومة المجتمع الرأسمالي الأوروبي المعاصر بعيداً من أي استنزاف عاطفي.

فالمقترح الأسلوبي لديهما لا ينحو باتجاه إحكام الخناق على قتامة المشهد، ولا يستسيغ الوعظ السهل، إنه دعوة إلى اجتراح المعجزة من قلب الإنسان. فبقدر رغبتهما الكبيرة في تضييق الحصار على بطلهما داخل معركة وجوده الخاسرة، تبرز براعتهما في ابتكار الأمل من خلال الإيمان بالآخر مخلّصاً ومنقذاً.

ذلك أن الشر لدى الأخوين البلجيكيين يسكن بالجوار تماماً من الخير، وبطلهما الضعيف التائه يجد دائماً عرّاباً أو عرّابة طيبة تخلصه من بؤسه.

الحلّ الأسهل

وقد لا يروق هذا كثيراً لليساريين المتشددين الذين يرون في سينما الأخوين داردين انحيازاً للحلول الفردية القائمة على التمسك بالأبعاد النفسية للشخصيات، والابتعاد عن حلول جماعية تؤكد انتماء هذه السينما إلى الواقعية، من خلال شخصيات لا تعيش قصة من قصص الأطفال الخيالية المنفلتة من مرجعيات واقعية. وقد يعتبر هؤلاء أن الأخوين داردين قد اختارا اللجوء إلى الحل الأسهل في الاستسلام لجمود الظرف الحياتي للطبقة العاملة المنهكة في أوروبا وبلجيكا تحديداً، عوضاً عن الذهاب في الطريق الأصعب التي تتطلب تحليلاً للأسباب داخل نسق انتماء الشخصيات إلى ظرفها الاجتماعي والاقتصادي.

وهذا ما يجعل ربما من سينما الأخوين داردين مشوشة التصنيف حول انتمائها الى الواقعية الاجتماعية الحديثة أو الواقعية الاشتراكية الحديثة.

فمع فشل اليسار الأوروبي عموماً والبلجيكي خصوصاً في إنقاذ الطبقة العاملة من انهيارها أمام طغيان العولمة الرأسمالية، ربما وجد جان بيار ولوك داردين نفسيهما مرغمين على تجنب تقديم إدانة مباشرة لهذا اليسار الذي ينتميان هما إليه، وبالتالي يكونان قد أنقذا نفسيهما من حمل لواء النضال السينمائي.

لكن من الواضح أن الأخوين داردين لا يرغبان في تقديم هذه السينما المناضلة، فهما لا يقدمان شرحاً لأسباب العلاقة المتأزمة لأبطالهما مع الحياة والعمل والاندماج، ولا يحبذان تفسير مبررات الخير الإنساني الذي يظهر في أفلامهما في لحظة السقوط لكن ليطيرا بأبطال الحكاية إلى صفحة النهاية السعيدة.

الحياة اللندنية في

09/03/2012

 

خمسون عاما على ثورة السينما الألمانية الحديثة

يوخن كورتين/ فؤاد آل عواد

مراجعة: عباس الخشالي 

"لقد ولّى عهد الفيلم القديم وكلنا ثقة بانطلاقة جديدة"، كان شعار صنّاع السينما الألمانية الشباب عام 1962 في "بيان أوبرهاوزن"، الذي فتح أبواب العالمية من جديد للصناعة السينمائية الألمانية بعد أن قضى عليها الحكم النازي.

أثّر "بيان أوبرهاوزن "في تاريخ السينما وكأنه ثورة من ثورات العالم العديدة التي حرّضت على التغيير وفي نهاية المطاف اختفت عن الأنظار. لكن هذا الإنقلاب في الحياة السينمائية استطاع أن يثبت استمراريته، حيث أعتبر انطلاقة جديدة مهمة للسينما الألمانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبالخصوص، لأنه مهد الطريق أمام صنّاع السينما الألمانية إلى العالمية. ورغم ظهور تطورات مذهلة في عالم السينما الألمانية بين الحين والآخر، بشرت بنهوض هذه الصناعة في ألمانيا، إلا أنها سقطت فيما بعد ظلما في عالم النسيان. لكن بريق "بيان أوبرهاوزن" لم يتلاشى.

تصور مرعب.. دراما وطنية

لكن، ما هي الخلفية التي حرضت ستة وعشرين فناناً من السينمائيين الألمان الشباب ليطالبوا بتجديد صناعة الفيلم في وطنهم؟ للقصة تاريخ يعود إلى الحقبة النازية، فبعد استيلاء الحزب القومي الاجتماعي الألماني على الحكم في سنة1933 ، بدأت السينما الألمانية تغرق في العزلة. كما أن أواصر الإبداع السينمائي الألماني قطعت، هذا الإبداع الذي كان يملك وجوداً مؤثراً على المستوى العالمي. وفي هذه الفترة العصيبة، منع النازيون العديد من مشاهير المخرجين والممثلين والمصورين من مزاولة عملهم في ألمانيا. وغادرها أكثرهم إلى المنفى.

وبعد الحرب العالمية الثانية، لم تستطع السينما الألمانية أن تتعافى بسرعة من هذا النزيف الأليم الذي سببه الحكم النازي لها والذي ترك ألمانيا تتهاوى في بيئة اقتصادية وثقافية فقيرة، تلك البيئة التي لم تساعد المخرجين الجدد والعائدين من المنفى أن يتابعوا صناعة السينما التقليدية، بتلك الدرجة التي توقفت عندها قبل وصول النازيين إلى الحكم.

وقد كانت فترة خمسينات القرن الماضي فترة كارثية فنيا بالنسبة للفيلم الألماني، فقد هيمنت الأفلام الشعبية على السينما في ألمانيا، وكانت بالواقع أفلاما من أجل الترفيه فقط وبعيدة عن الواقع الألماني. إذ كانت أفلاما كوميدية سطحية وأفلاما مزيفة للحرب. وظلت لسنين على هذا الحال. ولكن في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات بدأ المشهد السينمائي الألماني يأخذ طريقه إلى التغير، حيث تعالت أصوات الاحتجاجات بين صفوف صنّاع السينما الألمانية.

أفلام تظهر واقع الحياة في ألمانيا

هيمن التلفزيون في بداية الستينات من القرن الماضي على صناعة الأفلام، ودفع ذلك بدور السينما إلى الشكوى من العزلة. لكن الحراك الرافض لهبوط صناعة السينما بدأ بالظهور، ليتدفق كل الغضب في "بيان أوبرهاوزن". وجاء في بيان السينمائيين الستة والعشرين "انهيار الفيلم الألماني التقليدي أوضح لنا أخيرا ضرورة سحب الدعم الاقتصادي للإنتاج السينمائي، خلافا لما كان يعتقد، وبهذا يكون للأفلام الجديدة فرصة حقيقة للانطلاق بحيوية". كما جاء أيضاً في البيان "نحن نعلن عن حقنا في صناعة فيلم ألماني جديد. يجب أن تكون الأفلام حقيقية ذات أسس أصيلة تسرد قصص الناس الواقعية، ويجب أن تُصوّر الأفلام في الأماكن العامة وفي الشوارع وليس فقط في أماكن مصطنعة. يذكر أن نهج الفرنسي "نوفيل فاغ"، الذي فجر ثورة في عالم السينما الفرنسية، كان المثل الأعلى للمطالبين بتجديد الفيلم الألماني.

ولم يُكتب النجاح لكل أعضاء مجموعة الستة والعشرين، بل فقط للبعض منهم، ممن جسّد في أفلامه، ما أعلن أعضاء المجموعة عنه، بقولهم: "فيما يتعلق بالإنتاج السينمائي، لدينا تصور فكري معين ومدروس من الناحية الواقعية والاقتصادية. ونحن مستعدون لتحمل عبء المخاطر الاقتصادية". ويُعد السينمائي ألكسندر كلوغه صاحب أفلام "وداعاً أيها الأمس"، "حيرة"، و البهلوانات تحت قبة السيرك"، من بين هؤلاء الذين شقوا طريق النجاح. بالإضافة إلى إدغار رايتز صاحب أفلام "وجبات" و"الوطن"، الذي يعتبر مع ألكسندر كلوغه من ركائز وملهمي السينما الألمانية الجديدة. كما أن بيتر شاموني أثبت وجوده كمخرج سينمائي ناجح. أما الممثل كريستيان دورمير فقد كان من بين المجموعة أيضا. بالإضافة إلى هارو زينفت، الذي عمل كمخرج لأفلام الأطفال. وقلة آخرين شاركوا في العمل السينمائي في العقد الأول بعد توقيع البيان، لكنهم اختفوا بعد ذلك عن المشهد السينمائي الألماني.

عودة الفيلم الألماني إلى المشهد العالمي

شهدت السينما الألمانية الحديثة نجاحات كبيرة في سنوات لاحقة. وحصد فيلم "وداعاً أيها الأمس" للمخرج ألكسندر كلوغه في عام 1966 في مهرجان البندقية على جائزة "الأسد الذهبي". وساهم السينمائي راينر فيرنر فاسبيندر إلى جانب مخرجين آخرين مثل فيرنر هيرتسوغ وفولكر شلوندورف و فيم فاندرز في الارتقاء بمستوى الفيلم الألماني، ليصل في نهاية المطاف وبعد أربعة عقود من الركود إلى العالمية من جديد. فقد كان لطلائع أوبرهاوزن الست والعشرين بصمة في السينما الألمانية، عندما وضعوا من خلال بيانهم حجر الأساس لسينما ألمانية جديدة. وبذلك ظهرت في السنوات اللاحقة في ألمانيا كليات لتدريس السينما والمسرح. وبدأت حقبة جديدة من دعم وتشجيع صناعة الأفلام والترويج لها. ونشأت صحافة نقد الفيلم السينمائي الألماني، الذي وجد طريقه إلى الخارطة السينمائية العالمية وعاد إلى وعي المهتمين بالثقافة من جديد.

لقد غرس الموقعون على "بيان أوبرهاوزن" من خلال شعارهم "عهد الفيلم القديم قد ولّى وكلنا ثقة بانطلاقة جديدة" جذور صناعة الأفلام في ألمانيا اليوم. وبمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لتوقيع "بيان أوبرهاوزن" نشرت مجلة "شنيت" في عددها الخاص في يناير 2012 مقالة لـ هارو زينفت، احد الموقعين على البيان، بعنوان "تًمًرّد بلا نهاية؟" . كما سيصدر من دار نشر"تيكست اوند كريتيك" في أبريل القادم كتاب بعنوان "استفزاز الواقع- بيان أوبرهاوزن ونتائجه" من إعداد رالف أوي ولارس هينريك غاس.

دويتشه فيله في

09/03/2012

 

مخرج 'تايتانيك' و'أفاتار' يغوص في أعماق المحيط

ميدل ايست أونلاين/ واشنطن 

المخرج الكندي جيمس كاميرون يصل إلى أعمق بقعة معروفة على سطح الأرض في المحيط الهادئ بهدف جمع صور وعينات.

سيحاول الكندي جيمس كاميرون الذي أخرج أفلام "تايتانيك" و"أفاتار" و"آبيس" أن يصل إلى أعمق بقعة معروفة على سطح الأرض وهي خندق ماريانا في المحيط الهادئ على عمق 11.2 كيلومتر بهدف جمع صور وعينات.

وأعلنت مؤسسة "ناشونال جيوغرافيك" العلمية التي ترعى هذا المشروع المعروف بـ "ديبسي تشالنج" (أي تحد في عمق البحار) أن المخرج، الذي منحته هذه المؤسسة لقب مستكشف منزلي، سيسعى "في الأسابيع المقبلة" إلى أن يصبح الرجل الأول الذي يبلغ هذه الأعماق منذ خمسين سنة "بغية التعرف أكثر إلى هذا الجزء الغامض من الأرض وفهمه بشكل أفضل".

ويشار إلى أن المخرج البالغ من العمر 57 عاما والذي قام حتى اليوم باثنتين وسبعين رحلة غوص من بينها اثنتا عشرة رحلة لتصوير فيلم "تايتانيك" سيغوص بمفرده على متن غواصة "ديبسي تشالنجر" الصغيرة التي يبلغ طولها ثمانية أمتار. وتتمتع هذه الغواصة التي تطلب صنعها ثماني سنوات من الأبحاث بتكنولوجيات متطورة جدا وبقدرة على مقاومة الضغط.

ومن المتوقع أن يمضي جيمس كاميرون ست ساعات على متن الغواصة على بعد 320 كيلومترا تقريبا عن جنوب شرقي جزيرة غوام الأميركية. وسيقوم المخرج خلال هذه الفترة بتصوير لقطات ثلاثية الأبعاد بواسطة مصابيح كاشفة ضخمة وبجمع عينات يمكن دراستها في علم الأحياء البحرية وعلم الأحياء الفلكي والجيولوجيا البحرية وعلم فيزياء الأرض.

وقد أوضحت "ناشونال جيوغرافيك" في فيلم قصير على الانترنت كيف سيعبر كاميرون وغواصته، خلال فترة الغوص التي ستدوم تسعين دقيقة، مستويات عدة، أولها المستوى الذي تعيش فيه 90% من الحيوانات البحرية وثانيها مستوى الأعماق التي وصلت إليها غواصة نووية وآخرها المستوى الأخير الذي تصل إليه الأشعة الشمسية أو أعمق بقعة صورت فيها أسماك حتى اليوم.

وفي 23 كانون الثاني/يناير 1960، قام ضابط البحرية الأميركية دون والش وعالم المحيطات السويسري جاك بيكار برحلة غوص على متن السفينة العسكرية الأميركية "ترييستيه" وبلغا قشرة الأرض لكنهما لم يصمدا في تلك البقعة الحالكة سوى عشرين دقيقة.

وقال المخرج جيمس كاميرون في شريط مصور نشر على موقع "ناشونال جيوغرافيك" الالكتروني إنه "قلق طبعا"، مضيفا أنه "من الجيد أن يكون المرء مستكشفا".

وتابع "عندما نصور فيلما يكون الجميع قد قرأوا النص وعلى علم بما سيحصل"، آملا أن تكشف الرحلة إذا كان من الممكن للأسماك أن تعيش في هذه الأعماق.

وأضاف في بيان صحافي "هذا الخندق هو الحدود الأخيرة التي لم تسبر أغوارها بعد في كوكبنا".

وسيتم توثيق الرحلة في فيلم وثائقي ثلاثي الأبعاد سيعرض في صالات السينما وعلى قناة "ناشونال جيوغرافيك" التلفزيونية ويستخدم في مجلة المؤسسة أيضا كمرجع لبرامج تثقيفية عدة.

يذكر أن خندق ماريانا الشبيه بصدع طوله 2550 كيلومترا في المحيط الهادئ هو على عمق 11.2 كيلومترا عند نقطة "تشالنجر ديب".

وهو يعتبر، بحسب "ناشونال جيوغرافيك"، المكان "الأكثر عدائية" على وجه الأرض، لا سيما أنه حالك الظلمة على الدوام.

وخلال جلسة تدريبية في بابوا غينيا الجديدة الثلاثاء، تمكن جيمس كاميرون من أن يكون الرجل الأول الذي يغوص بمفرده إلى عمق 8.2 كيلومتر. ومن المتوقع أن يجري كاميرون وفريقه محاولات أخرى.

ويشار إلى أن المشروع هو ثمرة شراكة قائمة بين جيمس كاميرون وشركته "كاميرون بايس" و"ناشونال جيوغرافيك" وشركة "رولكس" بالتعاون مع معهد "سكريبس" لعلم المحيطات في سان دييغو (كاليفورنيا) وجامعتي هاواي وغوام.

ميدل إيست أنلاين في

09/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)