حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

القضية الكردية والحب والطبيعة

فزول (شرق فرنسا) - ندى الأزهري

لم يكن المخرج التركي مبتسماً، بدا متجهماً كبطله وهو يقدم فيلمه لجمهور مدينة فرنسية صغيرة بات لديها مهرجان «كبير».

في الدورة الثامنة عشرة لمهرجان السينما الآسيوية في فزول (من 14-21 فبراير)، كان الناس يقفون في صفوف طويلة دقائق عديدة قبل موعد العرض، وحين تدخل الصالة أخيراً لا تجد إلا مكاناً قريباً من الشاشة، شديد القرب. لفيلم كهذا، كان الامر مزعجاً. حين تعلم أن الفيلم عن قضية الأكراد في تركيا، تظن ان السياسة ستطغى على الفن، تعتقد انك ستدخل وتسمع شهادات تؤرخ لمآسي شعب، وانك لن ترى غير وجوه واسماء اختفت ولن تسمع سوى حكايات الغياب واللوعة. ثم تكتشف سريعاً أن الظن لم يكن في محله تماماً. ها هي الطبيعة بكل جلالها وجمالها «تغزو» الشاشة، وها هي زوايا ولقطات مدروسة، مشاهد عتمة تطل منها نوافذ تبث ضوءاً خافتاً، أو فتحات ينفذ منها نور شاحب... تتوزع الأنوار في اماكن متباعدة ضمن الظلمة، لعله أمل ضيئل أو مجرد جمال آسر...

تبدأ الحكايات مع شابة جميلة غادرها حبيبها الطالب إلى مصير لا مفر منه، ثائراً على حاضر لا يطاق، ماشياً نحو مستقبل لا يأتي. وها هي سنوات ثلاث بعد ذلك تحاول تتبّع خطاه، والوقوع عليه. تقودها دراساتها الاجتماعية وبحثها عن قصائد المرثيات الكردية. تذهب إلى قريته في الجبال علّها تجد أثراً منه، فتكتشف صورته على قبر. اوزجان البير قدم فيلمه وحاور الجمهور. ثم التقته «الحياة» وهنا نص الحديث:

·         ما هي الفكرة التي رغبت بالانطلاق منها في البداية، فالشريط مزيج من التسجيلي والروائي بدأ ببحث الفتاة عن المرثيات، الموسيقى، وأصوات الناس... ثم يطرأ تحول يقود الفيلم إلى وجهته «الحقيقية»: فيلم سياسي عن القضية الكردية.

- صحيح، هو فيلم يمزج بين الروائي والتسجيلي. انا اليوم في السادسة والثلاثين، ومنذ كنت طالباً في الجامعة كانت القضية الكردية تشغلني جداً، إنها مشكلة عاجلة لكنها لم تحل بعد. لقد بلغت أوجها في تركيا بداية التسعينات لكن لا يعني هذا أنها بدأت فقط هذه السنة. بل هي هنا منذ مئة سنة! في تلك الفترة كان الكفاح المسلح وصل إلى ذروته وأمسى ثورة شعبية لدى الأكراد. إنه لمن المؤسف القول ان الكفاح «المسلح» كان الطريق الذي سمح بفرض الاعتراف باللغة الكردية.تظن كل دولة حين تنتقم من شعبها أن المشكلة ستنتهي «بتجفيف مياه السمك»، ما سيتكفل بالقضاء على المقاتلين. اختارت الدولة إذاً القضاء على خمسة آلاف قرية في الجبال، وطبقت استراتيجية لإخلاء هذه القرى عبر حرقها وحرق مواشيها كما استخدمت سياسة التفريق والاقتتال الداخلي بين الأكراد بتسليح قسم منهم... وكانت النتيجة اختفاء الآلاف وهو ما ندعوه بالتركية «القتل غير المعترف به». وفي منتصف التسعينات وصل بعض الأكراد إلى البرلمان للمرة الأولى في التاريخ، لكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء كما سجن بعضهم. بعد هذا القمع الذي تعرض له السياسيون، لم يعد ثمة خيار أمام طلاب الجامعات الأكراد سوى ما أطلق عليه آنذاك «الصعود إلى الجبل»، وأتذكر أن ألفاً منهم تقريباً حملوا السلاح. كنا ننتمي جمعينا إلى حركة يسارية في الجامعة. لهذا رغبت ومن زمن بسرد المشكلة الكردية من وجهة نظر جيلي الذي شهد هذه المرحلة.

·         «المستقبل يدوم طويلاً» ما قصدت بهذا العنوان؟

- هي عبارة للفيلسوف (الفرنسي لوي آلتوسير) قتل زوجته، وعانى صراعاً داخلياً عنيفاً بعد هذا. أتذكرين الشاب الذي يتحدث في الفيلم والذي قتل كل الرجال في عائلته؟ بعض هؤلاء رميت جثثهم من الهليكوبتر، أو في البئر... لقد كان يجول القرى مع آخرين للبحث عن الأشلاء، تسع سنوات انقضت وهو يبحث. كان يروي ما جرى كما لو كان قصة عادية، حدث فقد مقوماته المأسوية. وجدت في هذا أمراً مريعاً! حققت الفيلم للتخلص من كل هذا الجنون وهذه الآلام، لنقف امام الشيطان ولنواجهه. حين استغرقت في كتابة العمل أدركت بأن المشكلة ومنذ مئة سنة بقيت على حالها ولم يتغير الطرفان! كذلك الحال مع المذابح الأرمنية وغيرها... منذ عشرينات القرن الماضي جرت عمليات الإبادة والتهجير لليونان والأرمن واليهود وحين وصلنا إلى السبعينات لم يعد هناك أقليات غير مسلمة في تركيا، ولذلك تم التركيز على آخرين كالمثقفين الأتراك اليساريين وأقليات اخرى كالبكتاشي والأكراد.

توثيق الذاكرة

·         هل الفيلم لتوثيق الذاكرة أم لعرض نظرتك إلى هذا التاريخ؟

- ثمة عبارة ترد في الفيلم لجان بيرجيه «الجلادون لا يتوقفون عن قتل الشعوب، وهم يذهبون أبعد من القتل بسعيهم لمحي ذاكرة ما ارتكبوه من فظائع». انطلقت من هذا القول ولم اكن بحاجة إلى خيال كبير كي اكمل فيلمي، كان في حوزتي كل الوسائل. وحين قررت تحقيق هذا الفيلم، بدأت اسفاري إلى الأناضول. عثرت هنا وهناك على نثرات من تاريخ لم يؤرشف وقررت دمجها في شريطي. لم أفكر بالفيلم كمرجع لهذه النثرات التي وثقتها فيه، بل أردت له أن يكون هو ذاته جزءاً من هذا التراث، أن يخرج من كونه فيلماً ليغدو شهادة تاريخية.

·         كيف ينظر إلى تلك المرحلة، هذا الجزء من التاريخ من قبل الناس في تركيا؟ وبالتالي كيف استقبل فيلمك؟

- شاهد الفيلم حوالى أربعين الف شخص هناك. الناس العاديون استقبلوه «بصمت» كان يخفي وراءه تساؤلاً كبيراً. ارى في هذا شيء إيجابي. ولكن كانت ثمة ردود أفعال ضد الفيلم، ففي مهرجان أضنه اعترضني استاذ جامعي بعد العرض قائلاً: لما تسرد هذه الحماقات؟!»، فالجيش التركي مقدس في نظرهم ولا يمكن له ارتكاب الأخطاء. والقضية الكردية تشكل أحد العوامل التي تغذي القومية التركية، إنها تدفعهم للتمسك أكثر بقوميتهم. وقد تجرأ ناقد سينمائي ليقول «لقد اخترعت قصة الفتاة لتروي لنا وجهة نظر حزب العمال الكردستاني»! إنما هؤلاء الذين لا أفكار وأحكام مسبقة لديهم، ولا سيما النساء، يبدون تفهماً أكثر.

سينما وسياسة

·         الممثلة الجميلة حملت وحدها الفيلم على كتفيها لا سيما في القسم الأول منه، هل هي ممثلة محترفة او معروفة في تركيا؟

- هي ممثلة مسرحية ومثلت في بعض المسلسلات التركية، التي سمعت لا ريب عن انتشارها (مبتسماً).

·         حققت وثائقيين وفيلماً روائياً قبل هذا العمل، هل تدخلت فيهما السياسة ايضاً؟

- أحد الوثائقيين كان حول شخصية علمية والثاني عن مدينة، أما فيلمي القصير الاول فكان قصة حب فهمت على أنها قصة «سياسية»! ولكن بالطبع فحتى قصة الحب يمكن ان تكون سياسية! أما فيلمي الأول «الخريف» (2008) فهو حول السجناء السياسيين من الطلاب في تركيا وعن سجنهم في منطقة منعزلة، حيث يسرد حكاية شاب سجن خمسة عشر عاماً في سجن منعزل وحين يخرج مجروحاً بسبب التعذيب يعود إلى جدته وقريته همشين (أهلها أرمن مسلمين) على البحر الأسود ليموت فيها.

·         لم نعتد على هذا الاهتمام بالكادر، بالصورة بكل بساطة في فيلم سياسي صارم. فيلمك حافل بالجمال رغم المآسي!

- كنا ننسى الناحية الإبداعية في الفيلم السياسي. لقد انتبهت لهذا في فيلمي الأول ورغبت تبيان أنه بوسعنا تحقيق فيلم سياسي مع مراعاة النواحي الجمالية والفنية، لا يجب أن نسهو عن ذلك. نجد أمثلة في الأدب كالشاعر ناظم حكمت الذي كان سياسياً بحق بيد أنه كتب أجمل ما في الشعر التركي. يتحقق ذلك أيضاً في اشكال اخرى من التعبير الفني. اردت أن أقول ولم لا في السينما؟

الحياة اللندنية في

02/03/2012

 

«إلى الجحيم ذهاباً وإياباً» ... أَيُّ عذاب هذا؟

غوتنبرغ (السويد) - قيس قاسم

يقترب عمل دان فونغ دنيس الوثائقي»الى الجحيم ذهاباً وإياباً» كثيراً من فيلمي «أراماديلو» للدنماركي جانوس ميتس، و «ريستريبو» للمخرج الإنكليزي تيم هيذرينغتون، الذي قتل العام الماضي في ليبيا أثناء تصويره الأحداث في مدينة مصراتة. يقترب منهما كونه تناول مثلهما حرب أفغانستان وسجل وقائعها عبر معايشة طويلة للجنود المَرميين في جحيمها، ويرصد -أبعد من جغرافيتها وتفاصيلها- الآثار النفسية المدمرة التي تتركها فيهم حتى بعد عودتهم الى أوطانهم.

الذهاب إلى الجحيم الأفغاني

يُوزعُ دان فونغ دنيس وثائقيّه بين الولايات المتحدة وأفغانستان وفق تناسق فَرَضته تجربة العريف هربرت هاريس بين مكانين مختلفين: الأول وُلِد وعاشَ فيه والثاني خَدم فيه عدة شهور كأحد المنتسبين الى الوحدة الثانية التابعة للواء الثامن لقوات المارينز.

أعطت اللقطات الأولى لحركة طائرات الهليكوبتر المكثفة في أجواء أفغانستان، والمأخوذة من علو، مشهدية بصرية رائعة امتدت الى اللقطات التي تصور جنود الوحدة وهم يهبطون منها في العمق الجنوبي لبلاد الأفغان، تنفيذاً لمهمة وصفها القادة العسكريون بالحاسمة، أراد من خلالها الجيش الأميركي في صيف عام 2009 اختبار تكتيك جديد يحارب به مقاتلي طالبان في أكثر تحصيناتهم متانة. أراد المزج بين القوة العسكرية وكسب ودّ أبناء القرى القريبة. كان العريف هاريس من بين أكثر الجنود حماسة وثقة بالعملية وإيماناً بالمشروع الأميركي في أفغانستان. كان كليّ الاقتناع بحسن نوايا إدارة بلاده السياسية في تخليص شعب أفغانستان من ظلم طالبان و «القاعدة» وتخلفهما، وفتح الطريق أمامهم لعيش حياة جيدة يستحقونها. ومن سمع خطبته في جنوده قبل تموضعهم خلف السواتر الترابية لمواجهة العدو في أول معركة لهم، يدرك مدى إخلاصه: «نَصرُنا معتمِد على علاقتنا بالناس. علينا مَدّ جسور من الثقة المتبادلة، ولا تنسوا نحن خبراء في القوة، لهذا لا تتوانوا عن استخدامها للوصول الى الهدف». في أول معركة سيسقط شهداء وجرحى من وحدته، وصورة الجندي شارب ستظل عالقة في ذهنه. لقد صوره دنيس بوضوح وهو يفارق الحياة، ليعكس آثار موته على وجوه زملائه، وإدراكهم حقيقة أنهم في معركة صعبة وليس في احتفال لعرض القوة. سيدرك هاريس أنه يحارب خصماً لا يُظهر وجهه، لكن رصاصته تصل الى هدفها. اللافت أن المخرج ووسط كل الفوضى العارمة والحركة المضطربة، لم يتخلَّ عن التزامه بالضوابط الهوليوودية.

الجحيم الأميركي ... إياباً

رافق المخرج دنيس العريف هاريس وزوجته طويلاً، حتى صار جزءاً من حياتهما لكثرة ما كان قريباً منهما، ولقضائه ساعات طويلة في تصويرهما داخل بيتهما وخارجه، وتوافرت عنده حصيلة كافية ليكتب عبرها يوميات رحلة العودة الى الجحيم الأميركي سينمائياً. يقيناً لن يدرك أحد منا عذابات رَجُل كرس نفسه للحرب وآمن بها، وفجأة وجد نفسه عاجزاً عن الحركة معتمداً بالكامل على مساعدة زوجته وعلى أدوية أدمن تناولها. لن ندرك عمق هذا، نحن الذين لم نجرب عذاب الجحيم هذا إلا بفضل عمل سينمائي مهم، صَوَّر لنا حالة الجندي الجريح، العاطل، وهو يعيش يومه حزيناً فاقداً لمعناه، فهاريس كان محباً للقتال وعاشقاً له، وحين فَقَدَه فَقَدَ معنى وجوده ككائن، ولأجل هذا تراه طيلة الوقت ممسكاً مسدسه، مصوباً إياه نحو زوجته التي ضحت بالكثير من أجله، أو نحو جمجمته. إنه مدمن عنف، كان يجد فيه منذ طفولته رجولتَه المكتملة، وعكسه كان إحساسه بالضعف يدفعه بقوة نحو الجنون. لقد لجأ دنيس الى الربط بين آلام هاريس وذاكرته القريبة، فكان كلما تألم يعود بنا الى أفغانستان، لنكمل معه تفاصيل تجربته هناك، مستقيداً من عمق الهوة بين المكانين وقوة حضورهما في دواخل الجندي المعوّق المنسحب الى داخله والعاجز عن فهم عجزه، فاليقين يلغي في الغالب القدرة المتفحصة للداخل، ويلغي إمكانية منح الآخر الحق مهما صغر، لهذا تراه يبادر بشرح واقع ودوافع الحرب الى زوجته، وأحياناً في مواساة مدمية للذات، الى أناس لا يعرفهم يلتقيهم مصادفة في الشارع، ومع كل تعاطفهم الشكلي معه كان يشعر في أعماقه بسعة الهوة التي تفصله بين ما كان ينتظره من اعتراف صاخب بتضحياته في سبيل وطنهم المشترك، وبين عطف بارد شكلي وسريع. في برود التعاطي مع تضحياته، يشترك العريف الأميركي مع ملايين الجنود على مدى التاريخ، الذين عادوا بعد صراع طويل وكانت آمالهم في ملاقاة يستحقونها تتبدى في فتور مريع، حين يجدون الناس لاهين عنهم في تفاصيل حياتهم اليومية، حتى الجنود الذين شاركوهم المعارك وعادوا سالمين تراهم مندمجين في حياة عادية سوية لا تهتم كثيراً بالرفقة القديمة، فهم مثل غيرهم من الجنود يريدون نسيانها ولا يرغبون في ملاقاة من يعيد اليهم ذكرياتها الأليمة ثانية.

مشاعر الخيبة سيعيشها الجندي العائد بأوهام المجد كلما خرج لمداواة جروحه في مستشفيات الجنود، وسيشعر بقوة ضغطها النفسي عليه أكثر فأكثر. وعلى مستوى موازٍ، وتقديراً لأهمية رصد تفاعلات عالم «بطله» الداخلي مع الخارج الأميركي، أُعطي بطل «الى الحجيم ذهاباً واياباً» كامل الحرية في الحركة والتعبير عن أحاسيسه، وحتى عن هلوساته ومخاصمته لذاته، وكان الألم في محصلتها الأكثرَ حضوراً بين كل ما قال وعبَّر.

الحياة اللندنية في

02/03/2012

 

محمود ياسين في فيلم مشحون بالإحساس فيّاض بالبهجة

القاهرة - فريال كامل 

يُعد الإحساس الذي يرافق المتفرج عقب عرض أي فيلم من الأفلام أحد أهم مؤشرات الناقد لدى تقييمه للفيلم. فقد صنعت الأفلام لإثارة وإثراء المشاعر، تلك المشاعر التي تتباين تبعاً للطرح الفني بين الآسي أو المستغرق في التأمل أو الفرح والبهجة. وفيلم «جدو حبيبي» المعروض حالياً في دور العرض القاهرية من النوعية الأخيرة. كتبت سيناريو الفيلم زينب عزيز التي ارتبط قلمها بأفلام الشباب والأسرة، وأخرجه علي إدريس فمنحه طابعاً رومانسياً. جاء الفيلم على درجة ملحوظة من الإنسانية، يعلي من شأن الحب ويحتفي بالجدود. يدعو إلى التواصل ودعم الروابط الأسرية، وذلك كله في نسيج ثري بالمشاعر فياض بالبهجة.

قد يخيل للمرء أن «جدو حبيبي» من نوعية أفلام التسلية والتي تغمر السوق بغرض تخفيف الضغوط عن جمهور يعاني من القلق في ظل الأحداث العصيبة، المفروضة عليه، غير أن الفيلم في بساطة قصته وأسلوبه إضافة لسلاسة السيناريو وتتابع مواقفه الزاخرة بالمفارق والداعية للابتسام. في كل ذلك، يكمن إبداع الفيلم ليأتي المخرج ويضفي عليه عبيره ونكهته.

إيقاع مضبوط

يلفت النظر عناية المخرج مع المونتير ماجد مجدي بضبط إيقاع الفيلم من دون تراخٍ أو تلاحق لاهث لادعاء الحداثة، وهو الأمر الذي يريح النفس ويحقق متعة المشاهدة. وقد عُني المخرج أيضاً مع مدير التصوير أحمد عبد العزيز باختيار الأماكن وتأكيد علاقة الشخصيات بها في لقطات عامة تبرز جماليات الصورة سواء داخل الفيللا الفخمة للجد حسن سليمان (محمود ياسين)، والزاخرة بالتحف الفنية والأثاث العريق إضافة إلى دفء الذكريات مع صور الراحلين من أفراد العائلة، ما أشاع جواً معبقاً بالأصالة بهر حفيدته الشابة الجميلة فيكي (بشرى)، وهي الوافدة من بلاد الثلج والضباب حيث نشأت ودرست وعملت سمسارة في بورصة لندن، مركز حركة المال والتي تدفع بأناس لذروة الثراء وتهوي بآخرين إلى قاع الإفلاس واليأس. ذاك حال فيكي حتى تتلقف خبر خطورة حالة جدها فتنطلق مغنية أغنية مفعمة بالمرح والبهجة. في المقابل تخيّر المخرج منطقة عامرة بالمناظر الخلابة على شاطئ بحيرة قارون في الفيوم لتلتقي الشخصيات من كل الأجيال وتفيض المشاعر في أجواء من السحر والرومانسية. وفي ذلك الإطار يتحقق التعارف بين الحفيدة الجميلة والشاب الوسيم أدهم (أحمد فهمي) سليل العائلة العريقة ولكل منهما تجارب فاشلة في الحب. وهنا يعنى المخرج بتوظيف الأنشطة والهوايات التي يمارسها أدهم في ازدهار عاصفة الحب بينهما، بداية من اصطحاب الضيفة في قارب لصيد السمك في البحيرة الصافية غير الركض على الكثبان الذهبية إلى التريض على ظهور الخيل وختاماً بالتطلع إلى القمر بدراً في الليل الحالك.

الجد والحفيدة

يقدر للمخرج حُسن اختياره لأبطال الفيلم من كبار الفنانين (محمود ياسين ولبنى عبد العزيز) أو الشبان منهم (بشرى وأحمد فهمي) في عمل تدور أحداثه حول شخصية جد عجوز يعيش بمعزل عن الناس بين مقتنياته الثمينة داخل قصره الفخم حتى أضحى مبعث سخرية من فتيان الحي. وعلى رغم ثراء الجد إلا أن البخل من أبرز خصائصه حتى أنه يعيش على الكفاف ويخفي أرباحه الهائلة عن حفيدته ما يوقعه في مواقف باسمة. لقد أبدع الفنان محمود ياسين تقديم دوره بكل خلجة من خلجاته خصوصاً في المواقف التي تجسد بخله الشديد وقدرته على التحايل فضلاً عن ذكائه وفطنته. وقد أثرى المخرج الفيلم بلقطات إبداعية لتطوير مشاعره تجاه حفيدته وأيضاً تدفق مشاعره لدى لقائه بعد سنين بحبه الأول والوحيد لبنى عبد العزيز. ففي مستهل الفيلم يقرر الجد مغادرة المستشفى الاستثماري - رغم تحذير الطبيب بخطورة حالته - بمجرد إطلاعه على فاتورة المستشفى التي تجاوزت الآلاف. وفي موقف آخر يحاول أن يصرف حفيدته عن ملامسة مقتنياته العزيزة ويحول انتباهها عن استعراض مظاهر الثراء في القصر، حين يدعو حفيدته إلى الثلاجة العامرة تفاجأ بها فارغة تماماً. وحين تتجاوز مشترياتهما من السوبر ماركت ألفين من الجنيهات يدعو حفيدته إلى استعمال بطاقة الائتمان الخاصة بها (الفيزا) إلى أن يحين وقت صرف أرباح وديعته. وفي مشهد مثير للابتسام تنزلق الحفيدة على أرضية المطبخ فتصاب بكدمات مؤلمة فلا يتعاطف معها بقدر ما ينظر في أسى وحزن إلى فنجان مكسور، وتأتي أطرف المواقف حين يتحايل الجد بافتعال الإغماء أو حتى الموت للتهرب من أن يدفع قرشاً من جيبه.

وفي توقيت درامي محسوب تشهد العلاقة بين الجد والحفيدة تحولاً كبيراً على أثر إصابتها في حادث طريق وبعد أن تصل علاقتهما إلى نقطة اللاعودة فتتفجر ينابيع الحنان ويحيكها برعايته ويفيض عليها من حبه فيقرأ لها كتاباً ويطلعها على أسرار عنايته بشجرة الورد في حديقته، والأكثر من ذلك أن يرحب بأصدقائها من فتيان الحي حال زيارتها في حجرتها ويبقى أهم مظاهر التحول هو الكشف لحفيدته عن حبه الأول والوحيد لجارتهم الرقيقة في مدينة الفيوم فتحفزه حفيدته للعودة إلى مسقط رأسه للبحث عن فتاته.

لقد قدمت الفنانة الشابة بشرى دوراً يحسب لها يكشف عن كونها فنانة شاملة متعددة المواهب، قدمته بحرفية شخصية الشابة الوافدة من الغرب والعاشقة للحرية والانطلاق فأضفت حيوية على الأحداث واستطاعت في حدود دورها أن تنافس الفنان القدير محمود ياسين على الاستحواذ على إعجاب الجمهور. لقد عادت فيكي إلى وطنها بعد خسارتها في البورصة على أمل أن تحصل على ميراث جدها ولكنها تفوز بالحب الحقيقي.

وفي لمسة درامية يخاطب الجد حفيدته بعد رحيله وفي ليلة عرسها يوصيها بالحب كأغلى قيمة في الوجود ويوصيها بالأحفاد فهم أعز الناس.

صاغت الكاتبة زينب عزيز دراما إنسانية منسوجة بأرق المشاعر ونجح المخرج علي إدريس في تقديم عرض شديد الجمال بديع التأثير ويبقى سؤال للكاتبة عن إغفالها تفعيل مهنة الحفيدة كسمسارة في البورصة وكوافدة من ثقافة الغرب لتلقي ظلالاً على خصائصها الشخصية سواء بالإيجاب أو بالسلب.

الحياة اللندنية في

02/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)