حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سقط التوريث السياسي.. ليحيا التوريث الفني!

عائلات «إمام» و«الفخراني» و«عبد العزيز» تتصارع على الشاشة الصغيرة

القاهرة: طارق الشناوي

أسقطت ثورات الربيع العربي سيناريو التوريث في العديد من الجمهوريات العربية؛ مصر وتونس وليبيا واليمن، ولكن يبدو أن الثورة لم تمر بعد على الوسط الفني؛ حيث لا يزال التوريث هو الذي يسيطر على المشهد العام للدراما.

تستطيع من الآن أن تقرأ مسلسلات رمضان المقبل باعتبارها تعبر عن الصراع العائلي بين أكبر نجوم في الدراما المصرية «عادل إمام» و«محمود عبد العزيز» و«يحيى الفخراني» كل منهم اصطحب معه أفرادا من عائلته ليساندوه في ساحة الوغى.. كان من المفترض أن نشاهد هذه المعركة في رمضان الماضي ولكن اندلعت ثورة اللوتس في مصر فتأجل الصراع إلى رمضان المقبل.. عائلة «عادل إمام» يعود عميدها إلى الدراما التلفزيونية بمسلسل «فرقة ناجي عطا الله» بعد غياب دام أكثر من ربع قرن كان آخر مسلسل له «دموع في عيون وقحة».

في «فرقة ناجى عطا الله» نرى «رامي إمام» مخرجا و«محمد إمام» مشاركا أباه البطولة.. أما عائلة «محمود عبد العزيز» المكونة من ابنيه؛ «محمد» الذي ينتج مسلسل «باب الخلق» ويشارك أيضا في التمثيل، بينما يلعب البطولة أمام والده «كريم عبد العزيز». ويدخل «يحيى الفخراني» المعركة بمسلسل «الخواجة عبد القادر» بعد أن أسند مهمة الإخراج إلى ابنه «شادي الفخراني» في أول عمل درامي يبدأ به مشواره.

كل المشروعات في العامين الأخيرين السابقة على «الخواجة عبد القادر» كان أيضا المرشح لها «شادي الفخراني» حيث اشترط «يحيى» على جهات الإنتاج التي ترشحه للعمل بأن توقيعه مرتبط بالموافقة على ابنه مخرجا!! لن يذكر أحد من النجوم الثلاثة أنه رشح ابنه؛ ولا أقول أصر على ترشيحه، الكل سوف يؤكد أنه فوجئ بأن جهة الإنتاج أو المخرج هو الذي يرشحه.. كل نجم من الثلاثة الكبار يملك القرار النهائي في العمل الفني.. نعم ليس «عادل إمام» فقط هو الزعيم، لأن «الفخراني» صار زعيما في الفيديو، بينما زعامة «عادل» امتدت تخومها إلى دائرتي السينما والمسرح فقط ولم تصل بعد إلى هضبة التلفزيون التي يعتليها منفردا حتى الآن «يحيى الفخراني» ولكن لا شك أن «عادل إمام» تعاقد في مسلسله على رقم غير مسبوق في الدراما التلفزيونية وصل إلى 5 ملايين دولار ولهذا فإنه يقدم مشروعه التلفزيوني وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.

وهو ما ينطبق أيضا على «محمود عبد العزيز» في الدراما التلفزيونية، فهو لا يزال قادرا على الجذب، صحيح أنه لن يحصل على الرقم نفسه الذي وصل إليه «عادل»، إلا أنه يصل أيضا إلى رقم يعتبر استثنائيا ربما يصل إلى 3 ملايين دولار. «محمود» لديه أسلحة جذب في سوق التوزيع، فهو مقل جدا ليس فقط في الوجود عبر الدراما التلفزيونية، ولكن أيضا في البرامج التلفزيونية، وهذا الابتعاد يمنح اسمه قدرة كبيرة في التسويق وأيضا في فرض وجهة نظره.

لا أحد من النجوم الثلاثة سوف يذكر الحقيقة وهي أنه السبب الرئيسي والمباشر وراء وجود أبنائه.. «عادل» سوف يقول إن «رامي» مخرج ناجح وإن تجربته التلفزيونية في رمضان قبل الماضي «عايزة أتجوز» هي التي رشحته لمسلسل «فرقة ناجي عطا الله»، وإن ابنه «محمد» لعب البطولة المطلقة في فيلم «البيه رومانسي»، وإن هذا يعد تنازلا منه أن يوافق على أن يمثل بجوار والده بطولة مشتركة في هذا المسلسل.. وهو أيضا ما سوف يذكره «محمود عبد العزيز» عن ابنيه «كريم» و«محمد».. «الفخراني» قدم ضربة استباقية عندما أسند لابنه قبل عامين إخراج المسلسل التاريخي «محمد علي» فور اعتذار المخرج «حاتم علي» لارتباطه بتصوير مسلسل «عمر بن الخطاب»، إلا أن المسلسل لم ينفذ، وعرض على «الفخراني» العديد من المسلسلات وكان الفيصل هو ابنه «شادي»، وكل المسلسلات التي تلت «محمد علي» كان مرشحا أيضا «شادي» لإخراجها حتى استقروا على «الخواجة عبد القادر».. بالتأكيد؛ «الفخراني» يترقبه عشرات من المخرجين الموهوبين كل منهم ينتظر إشارة منه لكي يتعاقدوا على مسلسل من بطولته، ولكنه أصر على ابنه. لم يكتف «الفخراني» بهذا القدر، ولكنه قال إن ابنه حتى الآن لم يوافق على إخراج المسلسل، لأن له شروطا خاصة بفريق الفنيين الذي يصاحبه واشترط موافقة شركة الإنتاج على تلبية طلباته قبل التعاقد، أي إن ابنه في أول تجربة له أيضا شروط مسبقة ينبغي أن توفرها له شركة الإنتاج؟! الكل يعلم أننا نعيش عصر سطوة النجوم على مقدرات المسلسل التلفزيوني، وأنهم يملكون كل شيء، ولكن هل يملك النجوم فرض أبنائهم؟! في دنيا السياسة يختلف الأمر عن دنيا الفن.. في السياسة من الممكن في ظل شروط معينة وقبضة دولة قوية وأجهزة أمنية لها عيونها وأجهزتها تستطيع بالفعل أن تفرض التوريث ولو إلى حين على الناس مثلما حدث مثلا في سوريا عندما تولى الحكم «بشار» خلفا لوالده «حافظ الأسد»، ولكن في الحياة الفنية لا يملك كبار النجوم سوى الدفع بأبنائهم في بعض الأعمال الفنية ووضع شروط مجحفة تفرض على شركات الإنتاج قبول «البيعة» يصلح أن نقرأها من فعل «يبيع» أو «يبايع».. ولكن في النهاية، توجد ولا شك قوة تستطيع مقاومة ذلك وهي إرادة الناس. «عادل» يحاول فرض ابنيه في أعمال درامية كلما تسنى له ذلك، وأحيانا نجد أن هناك معادلات فنية ليس فيها الوالد طرفا مباشرا ولكن له حضور في المعادلة لا يمكن إنكاره مثلما رأينا في رمضان قبل الماضي «محمد إمام» في مسلسل يسرا «بالشمع الأحمر».. «عادل» ليس منتجا ولا مخرجا ولا بطلا ولكن البطلة ترد له الجميل لأنه يحرص على أن يرشحها دائما لمشاركته البطولة في أفلامه، فلا بأس أن تسند البطولة بجوارها إلى ابنه.. إن كل هذه المحاولات بالتأكيد لن تنجح في فرض فنان على الحياة الفنية، ولكنها قد تمنع موهوبين من أن يحصلوا على فرصة يستحقونها بسبب إصرار الآباء على فرض أبنائهم.. إلا أن كل ذلك لن يستمر طويلا.. ستسقط سطوة الآباء مع الزمن. يحاول الآباء فرض قانون يتناقض مع علوم الوراثة التي تشير من خلال كل التجارب السابقة إلى أن نسبة لا تتجاوز 10% فقط من أبناء الفنانين هم فنانون انتقلت إليهم جينات الإبداع من آبائهم، بينما الحياة الفنية في مصر تزخر بنسبة تقترب من90%، حيث إن أغلب أبناء الممثلين والمطربين صاروا مطربين وممثلين.. الكل يرث مهنة الوالد أو الوالدة، وسوف نرى بالتأكيد فصولا مثيرة من صراع الأبناء وخلفهم آباؤهم.. وتابعوا الجولة الأولى من المعركة الرمضانية في 2012 بين عائلات «عادل إمام» و«يحيى الفخراني» و«محمود عبد العزيز»! ويبقى الجزء الثاني في المعادلة وهو الجمهور، لأنه جرت العادة أن أبناء وأحفاد الفنانين يتوسم فيهم الناس أحيانا أن يكملوا مشوار آبائهم وجدودهم في مجال الفن.

عندما سألوا «أوليفر فلاديمير بيكاسو» حفيد الفنان العالمي «بابلو بيكاسو» لماذا لم يصبح فنانا تشكيليا مثل جده، أجابهم بروح مليئة بالدعابة: «ورثت أنفه وليس يديه»! كانوا يجاملون «أوليفر» وهو طالب بالمدرسة في حصة الرسم ويمنحونه الدرجات النهائية على اعتبار أن كل ما يخطه على الورق هو بالتأكيد الإبداع.. ولم تستمر مسيرة الطفل «أوليفر» طويلا مع الدرجات النهائية حيث إنه عندما كان يدخل الامتحانات التي لا يتم فيها معرفة الأسماء مسبقا كانت درجاته تأتي متأخرة عن كل رفاقه واكتشف بعدها أنه لم يرث من جده شيء سوى أنفه!! كيف يصبح لدينا هذا العدد الضخم من أبناء الفنانين الذين يمارسون مهنة آبائهم؟! إنه أمر يدعو للدهشة ولم أر له مثيلا في أي دولة عربية أو أجنبية.. نتذكر من نجوم التمثيل مثلا أبناء «إمام»، و«السعدني»، و«الفيشاوي»، و«زكي»، و«عبد العزيز»، و«نور»، و«فاروق فلوكس»، و«سعيد عبد الغني»، و«أحمد ماهر» وغيرهم.. وفي الغناء تستطيع أن ترصد أبناء «عدوية»، و«العطار»، و«محرم»، و«شعبولا»، و«الحجار»، و«الحلو» وغيرهم.. من البديهي أن عوامل الوراثة تنتقل عن طريق «الجينات» كما أن المناخ العام الذي نشأ فيه الطفل يوجهه لاختيار مهنة الأب أو الأم.. إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يصبح هو القاعدة؛ حيث يبدو وكأن الحياة الفنية في مصر لا ترحب إلا بأبناء الفنانين.. إنه شيء أقرب إلى العدوى انتشرت في الوسطين التمثيلي والغنائي، وهكذا وجدنا 90% من أبناء الفنانين فنانين بالوراثة. لن يستطيع أحد في نهاية الأمر أن يفرض فنانا على الجمهور، إلا أن ما يؤثر على الحياة الفنية بالسلب هو حالة الزحام والفوضى والفرص التي يحصل عليها من لا يستحق وتخصم ممن يستحق.. لن يعترف أبدا الوالد بأن ابنه لا يتمتع بموهبة.. سيظل كل نجم يدفع ابنه بأسلوب مباشر أو غير مباشر، وسوف يصرح بأنه أبدا لم يمنحه أية فرصة لا يستحقها، وأن الموهبة تنضح عليه.. فهل يعتقله داخل المنزل حتى لا يمارس الفن؟! هل يكذب الآباء عندما يؤازرون أبناءهم؟! الحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يكونوا محايدين، ولهذا يعتقدون أنهم موهوبون. أتذكر حوارا للموسيقار الكبير «رياض السنباطي» أجرته معه الإذاعة عام 1974 وكان «عبد الحليم» في عز توهجه الفني بينما «أحمد السنباطي» ابن «رياض السنباطي» كان قد بدأ خطواته الأولى في عالم الغناء والتلحين والتمثيل.. سألت المذيعة «رياض السنباطي» المعروف عنه صرامته وصراحته عن رأيه في ابنه «أحمد».. أجابها أنه النغمة الصحيحة المقبلة، وأن من يعتلي القمة حاليا (يقصد «عبد الحليم حافظ») لن يستطيع الصمود أمام هذا الطوفان الذي يقوده ابنه. الآباء أحكامهم دائما منحازة لأبنائهم وكأنهم يقولون للآخرين: «خدو عيني شوفو بيها»، ولكن على الأبناء أن يأخذوا الحكمة من حفيد «بيكاسو».. ينظروا للمرآة بعيونهم ليعرفوا كم واحد منهم ورث فقط أنف أبيه! علينا أن ننتظر دراما رمضان المقبل لنرى بالضبط: هل ينجح التوريث الفني رغم ثورات الربيع؟!

الشرق الأوسط في

13/01/2012

 

خطيئة الجهل في فيلم عن المرأة العربية

الدار البيضاء – مبارك حسني 

لا تعيش السينما في معزل عن الآثار الثانوية لأحداث العالم، فحيثما نظن أننا بصدد مشاهدة فيلم ما، يحدث أحيانا أن نقع على شيء مختلف، يقترب من الفيلم ويبتعد عنه في ذات الوقت. وهو ما تدل عليه مشاهدة شريط «عين النساء»، فهو يتيح التوقف عند هذا الأمر بوضوح، عبر ما يخلفه من أثر يوتر المعتقدات العميقة التي تؤسس ما هو ثقافي أولاً، وما هو سينمائي في المقام الثاني.

ويتعلق الأمر في البداية بسيل من الصور تدّعي علانية حكي قصص نساء في محيط قروي عربي تائه في أجواء مشمسة حارة وقسوة جفاف مزمن. نساء يتمردن على شروط عيش مهينة مفروضة من لدن الأزواج الفظّين، وشروط أعمال يومية هابطة لا تعتدّ بإنسانيتهن. وأهمّ هذه الأعمال يتجلى في حمل الماء من عين تقع في أعلى الجبل بعيدة من المساكن، وهو ما يضطرهن إلى قطع مسافة صاعدة كما لو كنّ يؤدين طقس عذاب واجب وضروري يبدو أن المخرج يود الإيحاء به عبر لقطة مسترسلة مصنوعة لا تتوافر إلا على قدر محدود من التأثير، هي تجسيد صوري مرافق يركز على التعب والجهد الكبيرين. والمشاهد يتتبع المشهد ويراه لكنه لا يشعر به. المشاركة العاطفية مفتقدة، وهو مما يؤخذ كثيراً على الشريط. فهل يكفي التحكم في أجزاء الديكور الطبيعية والمختلقة، أي الجافة و «المصورة» بإتقان؟ هل يكفي الاعتناء الكامل بالإكسسوار؟ والملابس الموافقة، الوجوه العرقانة تعباً، البشرات السمراء المحترقة بالحرارة،

التنهدات الطويلة التي تسمع كأصوات خارجية، الأقدام المشققة المنتعلة صنادل بلاستيك رخيصة مغبرة؟ وهي مجرد نقل أمين لا عمق له، يحث لا توازيه المشاركة الفعلية العفوية من لدن الممثلين الذين يكتفون بترديد الحوارات ما يبرهن على غياب إدارة المخرج. وهل يكفي أخيراً التوافر على «كاستينغ» ممثلين مقتدرين وموهوبين؟

تيه في حكايات فرعية

في الحقيقة، هي قضية حضور. في العمق وليس ظاهراً. لأن الفيلم يجعلنا نرى شخوصاً تائهة في قصص فرعية، كما لو أن لكل منهما «فيلماً» خاصاً به، ولا علاقة له بالآخرين، وبالتالي فهم يقومون بالدور أحسن قيام، لكن من دون أن يعضد مجهودهم قصة الفيلم الأساسية، مما يؤثر سلباً على التماسك العام وسلاسة الإيقاع. وهو ما يمكِّننا من القول بأن» منبع النساء» مثال للفيلم «الغريب» عن مخرجه والذي كتب له السيناريو.

وغرابته موصولة باحتيال غير مريح للمتابعة، حين يطابق بين فكرة التمرد النسائي بهجر سرير الزوجية ورفض المعاشرة الشرعية، وهو أمر غير وارد إطلاقاً في النص المقدس، مع فكرة رضوخ الأزواج للقيام بالعمل الذي تقوم به الزوجات ذاته، أي الإتيان بالماء من النبع النائي، وهو بالمقابل أمر وارد، بما أن العمل في الأرياف العربية مقتسم ما بين الرجال والنساء والأطفال على حد سواء منذ غابر الأزمان. وهذه خطيئة الشريط باعتماده على نظرة مفارقة لواقع الحال.

فحتى لو أجزنا أن المعطى التخييلي الحكائي له الحق في التصرف بحرية والجرأة اللامحدودة، فهو في الوقت ذاته لا يعني أبداً التخلص من احتمال الحد الأدنى الواقعي، أي المقبول والقابل للتصديق، ذلك الواقع الأرضي الذي تؤسس عليه الحكاية المتخيلة. أما الفيلم، فيبدي لنا عكس ذلك، المرأة/ البطلة التي تهيمن على كافة مشاهد الشريط، تتوافر على مكتسبات المرأة «الغربية» لكن المرتدية لباس المرأة البدوية ومظاهرها، ما يخلق تناقضاً صارخاً بينها وبين الواقع الريفي الذي تعيش فيه. نراها تحب زوجها المعلم، الذي يعشقها بدورة ويعتنق قضيتها (ونراهما معاً في سرير الزوجية رغم الإضراب عن المعاشرة). الزوج نفسه يكتشف في ما بعد، أنها كانت على علاقة مع رجل سابق أدت إلى فقدها عذريتها. وبالرغم من ذلك، تعترف وتدافع عن ماضيها كما لو كانت بطلة في فيلم ريفي فرنسي أو فيلم سويدي. هي أيضاً «مناضلة حقوقية» نسائية من دون وعي منها، بحيث تقاوم أمّ الزوج الحقود وزوجها الخانع، مسنودة في ذلك بجارة عجوز وجدت فيها روح التمرد التي تمنتها ضد حياة قضتها في المعاشرة والقهر الزوجيين والأولاد الكثيرين. وليس هذا فقط، فاللغة والموضوع المتناول ينتميان إلى شريحة النساء المتعلمات العارفات، اللواتي يستعملن أيضا لغة الثوريات النسوانيات. كما تعرف القراءة والكتابة، ما يمكِّنها من تقديم خدمات رسائل حب لبنت من فتيات القرية لشاب.

إقناع

الأدهى والأغرب أنها امرأة عارفة بأدق دقائق الدين والشرع، الشيء الذي جعلها رفقة الجارة تحاجج وتناقش إمام مسجد القرية بالحجة والدليل من الكتاب والسنة إلى حد إفحامه وإقناعه. ونتساءل عمّ يريد فعلاً هذا الفيلم إقناع المشاهد به بهكذا مشهد حواري؟ لا شيء في الحقيقة. وهنا يتأكد وصف «الغريب» السابق، فالحاصل أن المخرج قام بإسقاط (بمظلة) علم ودراية شرعية على شفاه بدويات من المفروض أن يكنّ مجرد ريفيات يقمن بسقي الماء وحمله في عز الحر من دون أن ينبسن بأدنى آهة، في حين يظل الرجال مجتمعين طيلة اليوم في مقهى القرية لتبادل الكلام والتدخين واللعب. رجال صُوّروا بشكل كاريكاتوري: كسالى، جاحدين، قساة وغلاظ. وحين يكونون في أفضل حال، صُوّروا بدون سلطة ولا قدرة على المقاومة، وهم أب الزوج، المعلم والعشيق السابق، والإمام اللطيف.

لدينا عالَمان مشكَّلان من مستبدين جنسيين صغار ونساء متمردات على المعاشرة الجنسية. وهذا الرفض يشكل فكرة سينمائية أصيلة (وإن كانت مسبوقة في أفلام سابقة من تركيا أساساً) لكنها سقطت في مجال فولكلوري وكاريكاتوري، ففي موازاة قصص الرجال والنساء، يطلعنا الشريط على ثقافة غرائبية لا أقل ولا أكثر. ثقافة الديكور والغناء الشعبي الاعتباطي تُغرق الموضوع الأساسي في النسيان في لحظات طويلة، فعين المخرج لم تستطع مقاومة إغراء الإثنوغرافيا والأجواء «الشرقية» جرياً على عادة طبقة من المخرجين الغربيين المهووسين بـ «سحر» الشرق. وفي جهل تام بهذه الثقافة، بحيث قدم خليط من الأهازيج والعادات عبر مونتاج ميكانيكي لا يلتزم بالإيقاع الواحد والهارمونيا الواجبة.

فكرة الشريط جيدة، لكنها عولجت بإخراج مفارق للنوايا الأصلية التي ربما كانت إيجابية وعفوية، لكنها لم تتم مقاربتها بمعرفة مسبقة عميقة ومحترمة للموضوع المختار وجغرافية أمكنته العربية الإسلامية. فالحديث عن قضية المرأة في بلداننا بأدوات غربية ومقاربات نسوانية أوروبية أمر محتمل في حد ذاته، ولكن يجب قبلاً التخلص من الأفكار المسبقة والخلفيات المرسخة اللاواعية، الفيلم السينمائي يجب أن ينبت في أرض تقبله وتساهم في إنعاشه وليس العكس.

الحياة اللندنية في

13/01/2012

 

وجهة نظر - المهرجانات ودورها في نهوض الفن السابع

بغداد - عبد العليم البناء 

«لأنه وفي النهاية السينما تصنع، دوماً، في مكان آخر غير المهرجانات وبعيداً جداً من بهرجتها»! بهذه العبارة الجميلة والصادمة اختتم الناقد السينمائي العراقي المغترب الصديق قيس قاسم مقاله الذي نشره في ملحق سينما لجريدة «الحياة» والذي جاء تحت عنوان «المهرجانات الدولية لن تُسمن السينما العراقية» وكأنه بذلك ينفي أهمية إقامة مهرجانات سينمائية دولية في بغداد التي تأخرت كثيراً عن ولوج هذا المجال الإبداعي منذ عقود عدة لظروف معروفة لكل المعنيين في الشأن السينمائي.

ولعل زميلنا قاسم يغفل حقيقة عشناها حية طوال العقود المنصرمة وامتدت إلى يومنا، تمثلت بحجم الإهمال والتهميش والأدلجة التي عانت منها السينما العراقية وصنّاعها ناهيك عن حجم الخراب والدمار الذي لحق ببناها التحتية قبل وبعد التغيير في عام 2003الأمر الذي انتقل تسلسلها من بين دول المنطقة إلى المراتب النهائية بعد أن كانت من أوائل السينمات العريقة.

وأكاد أقول هنا إن الحراك السينمائي الذي شهده العراق بعد التغيير والذي حمل رايته ثلة من الشباب العاشقين للفن السابع وفي مقدمهم عدي رشيد ومحمد الدراجي، هو الذي جعلنا نعلن في اكثر من مناسبة أن الأمل معقود على هؤلاء الشباب في عودة الحياة للسينما العراقية وإعادة دوران عجلتها على أسس صحيحة وسليمة. وهذا ما حصل فعلاً إذ إن هؤلاء الشباب استطاعوا أن يحققوا الانطلاقة الجديدة للسينما العراقية بحرص وتفان ومسؤولية دون أن توهن عزيمتهم وإصرارهم صعوبات وعراقيل لا تعد ولا تحصى في بلد حاولت قوى الظلام والإرهاب أن تعيده إلى العصور المظلمة.

لقد تعددت المحاولات من اجل إثارة انتباه الدولة والحكومة والبرلمان للاهتمام بالسينما ودعمها باعتبارها صناعة وطنية لابد من حضورها سلاحاً ثقافياً وتنويرياً فعالاً في المعركة ضد الإرهاب وقوى الظلام، وأيضاً في معركة بناء العراق الجديد في وقت لم تحظ فيه دائرة السينـــما والمسرح بأي دعم مادي ملموس لأخذ زمام المبادرة في إنعاش السينما وتوفير كل مستلزمات الصناعة السينمائية الحديثة شكلاً ومضموناً.

ومن هنا فإن جملة من المهرجانات السينمائية التي شهدها العراق على مدى السنوات الثماني الماضية لاسيما الدولية منها وعلى الرغم من تواضع البعض منها، أسهمت في الحراك الثقافي والفني في الداخل العراقي لاسيما على صعيد السينما من خلال إثارة انتباه الجميع لاسيما في وزارة الثقافة لإيجاد الخطط الكفيلة لانتشال السينما العراقية من واقعها الحالي والاهتمام الجدي بها.

فقد أفضى ذلك إلى قرار الوزارة بإنتاج مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة فضلاً عن الوثائقية ليصب في مصلحة السينما العراقية من خلال استثمار مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013 والذي سيشمل - كما هو معروف - استيراد أجهزة تصوير حديثة متكاملة وضمنها آلات المونتاج التي دونها لا يمكن أن تتكامل عمليات النتاج السينمائي المطلوبة لاسيما أن أسماء مهمة في مستوى ومكانة مخرج مخضرم كبير مثل محمد شكري جميل شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين، ستتاح لها الفرصة لإنتاج وإخراج بعض من الأفلام الجديدة ناهيك عن مشاركة عدد من المخرجين الشباب والجدد الذين حتماً ستتكامل بهم صورة الواقع السينمائي العراقي الجديد الذي نأمل بألاّ يتوقف عند هذه الحدود لينتقل الفن السابع إلى هدف استراتيجي لا مرحلي.

الحياة اللندنية في

13/01/2012

 

رسوم متحركة في زمن الحرب

دمشق – فجر يعقوب 

تبدو الحكاية في مستهل الفيلم الروائي (الكردي، العراقي، البلجيكي) القصير «أرض الأبطال» (2011)، وكأنها تخص بالدرجة الأولى، الفتى الكردي ديلير وشقيقته، حين يفاجئنا المخرج ساهم عمر خليفة، بكاميرا قلقة ومتوترة، تفرض نوعاً من الايقاع الذي تتقاسمه مع الأفلام التي تنحدر من النوع الذي يحقق حين تكون هناك حرب كبيرة، وما على الحرب في الواقع سوى أن تقول كلمة فاصلة في هذا الصدد.

هكذا يهيئنا هذا المخرج الموهوب منذ اللقطات الأولى لفيلمه، حين نكتشف، من وجهة نظر الكاميرا، أن من يستهدف الجنود العراقيين وراء المتاريس ليس سوى ديلير (الرجل العنكبوت)، والذي يحيلنا منذ أن نكتشف اللعبة إلى أن شغف الأطفال يكمن في الحقيقة وراء اللعبة ذاتها، وليس أمامها اطلاقاً، ما يضفي نوعاً من حرفة في التقطيع واضحة تؤكد أن الايقاع هنا هو الأساس. فنحن نكتشف أننا نقف في مواجهة الحرب العراقية - الايرانية المنسية، ولكن من وجهة نظر طفلين فقط. يعود المخرج إلى هذه النقطة بالذات ليكشف كم أن هذه الحرب أصبحت منسية، في سياق احتكار تلفزيوني «غبي» ساهم به الاعلام العراقي نفسه.

فنحن سنجد ديلير وهو يعود بملابس الرجل العنبكوت مع شقيقته، ليصرخ في طريق العودة، على الشريك الآخر في الحرب قائلاً في مواجهته، إنه البطل الحقيقي هنا في هذه البقعة الجغرافية، انطلاقاً من اللعبة نفسها، وكأن الحرب هــنا، قدّر لها أن تكون لعبة الجيران أنفسهم، ولا تتعدى كونها حرباً بالوكالة، أو حرباً يفترض أن تشتعل وتطول لتصبح من نكهات الحروب التي تضيع في زحمة الصراعات الاقليمية والدولية، ولا تعود تملك من الملامح، إلا ما يبثــه التلـــفزيون الــعراقي نفسه من «صور جميلة» عن الحرب، توصف بالانتصارات، وهي صور لجثث متفحمة وراجمات صواريخ وصور لـ «بابا صدام» في وضعيات مختلفة، وهو يحتل الشاشات المتوافــرة فــي تلك الفترة، حين لم يكن وجود للبث الفضائي والصحون اللاقطة.

ديلير يبحث دائماً عن أفلام الرسوم المتحركة. ينتظرها بشغف. يبحث فلا يجدها، ويجد نفسه متورطاً في بحثه، حين يلجأ إلى ملابس الرجل العنكبوت وبندقية الكلاشنيكوف. وستحدث الانعطافة، حين يجيء الفتى مالو، ابن الخالة زينب، مع أمه لزيارتهم في البيت. ومالو الذي يمتلك نفسية عدوانية واضحة لا يجد متنفساً لها إلا في التهجم على ديلير ومحاولته إطعامه حبة دراق بالقوة، ما يستدعي تدخل الأم لفضّ النزاع بينهما. كما في شكوته إلى أمه زينب التي لا تعير بالاً معتبرة أن ما يدور لا يتعدى لعب الأطفال.

طبعاً لا يمكننا أن نفوت هذا المشهد الرائع بينهما، حين يقضيان معظم الوقت في فك الأسلحة الآلية وتنظيفها، وإطلاق النار والقذائف الصاروخية في مختلف الاتجاهات في الوقت الذي ينجح فيه ديلير وشقيقته بسجن مالو في صندوق خشب ومنعه من الشرب والأكل. وحتى حين يعودان إلى بيتهما وتسأل عنه أمه، يبلغانها بأنه يواصل لعبه خارج المخيم، ما يطمئن زينب وتواصل تنظيف قطعة السلاح بهدوء.

يبحث ديلير كعادته عن أفلام الرسوم المتحركة، فلا يجدها، لأن التلفزيون لا يبث في هذه اللحظات الثقيلة إلا صوراً من الحرب، ما يدفع به إلى العودة إلى الصندوق الخشب، ويقوم مع شقيقته بإطلاق سراح مالو الذي يتمكن من دفعهما إلى الصندوق وإغلاقه عليهما. وهذا يعني أنهما قد أصبحا مكانه منذ هذه اللحظة، أي تحت رحمته. وحين نعود إلى البيت من دونهما، نجد أن الأم تضع كرسيين قبالة التلفزيون، وصينية العشاء مع اطلالة فتاتين صغيريتن تظهران على الشاشة في برنامج للأطفال، لتعلنا عن موعد بث أفلام الرسوم المتحركة، ولكن من وجهة نظر طفلين غائبين عن المشهد نفسه. هنا لا تتحرك الكاميرا بقلق. ليس ثمة مبرر هنا للقلق، ففي عالم الرسوم الافتراضي، المجازي، يختفي التوتر، ويختفي الحدث، ولا يعود ممكناً التحديق إلا من زاوية غيابهما، حتى حين يقوم المذيع المتجهم بتبديده وهو يقطع البث ليعلن عن المزيد من الانتصارات.

الحياة اللندنية في

13/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)