حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المطلوب في 2012 قبل أن تتوقف السينما

بقلم : أسامة عبدالفتاح

المصرية لست متشائما، لكن لا يبدو 2012 عاما للسينما المصرية، وسط استمرار أزمة الإنتاج، واستمرار الهجرة الجماعية للنجوم والفنيين إلي الفيديو.. وأقصد السينما الحقيقية، وليس ما تبشرنا به جحافل الإخوان والسلفيين - الفائزة في الانتخابات البرلمانية - من سينما تعليمية متأسلمة بدأت بشائرها تظهر في تصريحاتهم وبرامجهم الانتخابية ومواقعهم الإلكترونية، وسيكون لنا معها وقفة لاحقة. السينما المصرية الحقيقية ذات التاريخ العريق، والتي انطلقت وبدأت تصنع أمجادها قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، علي المحك الآن، ومهددة بالتوقف، ومطلوب من أبنائها - الذين جنوا من ورائها الملايين خلال السنوات الأخيرة - أن يتحركوا قبل فوات الأوان، وألا يكتفوا بوصلات الغزل التي بدأوا يتقربون بها من المتأسلمين في الكثير من تصريحاتهم الإعلامية. تعاني صناعة السينما الآن توابع الأحداث والتطورات الأمنية والسياسية التي أعقبت نجاح ثورة 25 يناير 2011، ومن توابع الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2008، وكان لها تأثير مباشر علي الإنتاج المصري، حيث ضربته في مقتل بـ"مطرقة" قنوات الأفلام الفضائية التي كانت - منذ انتشارها الكبير عام 2003 - نعمة ثم تحولت إلي نقمة منذ بدء الأزمة المالية العالمية. ارتفاع جنوني وكانت هذه القنوات، فور انتشارها واشتعال المنافسة فيما بينها، قد أصابها ما يمكن تسميته "نهم" شراء الأفلام المصرية، لكي تملأ ساعات إرسالها وتحقق كل منها السبق علي حساب الأخري، مما رفع أسعار هذه الأفلام بشكل جنوني، وجعل النجوم المطلوبين في سوق هذه القنوات يتدللون علي المنتجين ويغالون في طلباتهم .. ولا أقصد الأجر فقط بل أيضا المطالب الخاصة بالعمل مع فنانين وفنيين بعينهم، مثل ممثلي الأدوار المساعدة ومديري التصوير والمونتيرين، فضلا عن المخرجين بالطبع .. إلي درجة أن بعضهم كان يشترط العمل مع عامل كلاكيت بعينه! وأدي ذلك إلي رفع أجور هؤلاء الفنانين والفنيين بدورهم، وإلي زيادة ميزانيات الأفلام بشكل عام، وكان المنتجون يدفعون عن طيب خاطر لأنهم لم يكونوا يدفعون من جيوبهم، بل من جيوب القنوات الفضائية، وكانوا متسامحين مع طلبات المخرجين الخاصة بزيادة علب الأفلام الخام أو زيادة عدد أسابيع التصوير .. وهكذا بدأنا نسمع عن ميزانيات لم تكن السينما المصرية قد عرفتها من قبل، وصلت إلي أكثر من عشرين مليون جنيه . كانت السينما قد انتعشت في العصر الفضائي، وتضخمت ثروات المنتجين والنجوم، كما ارتفعت أجور الجميع، بمن فيهم كتاب السيناريو الذين كانوا مظلومين في الماضي، فإذا بأجور عدد منهم تصل إلي مليون جنيه .. فماذا حدث؟ فئات الأفلام للإجابة لابد من الرجوع قليلا إلي آليات سوق الإنتاج والتوزيع في هذه الفترة.. فقبل وقوع الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008 تحديدا، كان الأباطرة الذين يسيطرون علي هذه السوق، يقسمون الأفلام إلي ثلاث فئات :( أ ) و ( ب ) و ( ج ).. والفئة الأولي تضم أفلام النجوم السوبر، وكانوا وقتها بشكل أساسي : عادل إمام وأحمد حلمي وأحمد السقا وبشكل احتياطي: محمد سعد ومحمد هنيدي وكريم عبد العزيز وانضم إليهم قبيل اندلاع الأزمة أحمد مكي.. والفئة الثانية تضم أفلام النجوم التاليين في الترتيب من حيث الإيرادات، ومنهم : أحمد عز، ومصطفي شعبان، ورامز جلال، وأحمد رزق، ومحمد رجب .. أما الفئة الثالثة فتضم الفنانين الصاعدين والوجوه الجديدة والمطربين أو المذيعين الذين يخوضون تجربة السينما لأول مرة . وكان أباطرة الإنتاج والتوزيع ـ في التكتلات الثلاثة الكبيرة العاملة في مصر ـ حريصين علي تنفيذ أفلام الفئة ( أ )، لأن ربحها ـ من وجهة نظرهم بالطبع ـ مضمون، وإيراداتها معروفة .. ولم تكن هناك مشكلة كبيرة في أفلام الفئة ( ج ) لأن ميزانياتها محدودة للغاية، ولا تمثل عبئا، لا علي من يمولها، ولا علي من يشتريها، وأتحدث عن ميزانيات لا تتجاوز المليون ونصف المليون جنيه .. أما المشكلة الحقيقية فكانت تكمن في أفلام الفئة ( ب ) التي كانت تضم غالبية نجوم السينما في ذلك الوقت، فنسبة المخاطرة فيها عالية لأن ميزانياتها كبيرة نسبيا، والأرباح المتوقعة من ورائها محدودة وغير مضمونة . وما حدث باختصار أن الأزمة المالية العالمية أثرت علي الشركات الكبري التي كانت تعلن في قنوات الأفلام الفضائية، والتي كانت تعتمد عليها هذه القنوات في إيراداتها .. وظهرت شدة الأزمة عندما بدأت السلاسل العالمية ـ المنتجة للمياه الغازية والوجبات السريعة وما إلي ذلك- تتأثر، فقد كانت المعلن الرئيسي في القنوات الفضائية .. وأدي تراجع إيرادات الإعلانات إلي تراجع القنوات عن شراء الأفلام، وبدء عصر الكساد الذي تعاني السينما المصرية بعض آثاره حتي اليوم. مشروعات معطلة وكانت منطقة الخليج أكثر المناطق العربية تأثرا بالأزمة العالمية، نظرا لاستثمارها معظم أموالها في البنوك والهيئات الدولية التي تأثرت وانهار بعضها بسبب الأزمة، ونظرا لارتباطها بمعاملات ومصالح ـ ليس هنا مجال ذكرها - مع الدول الأكثر تضررا .. وبما أن أهم قنوات الأفلام الفضائية تنتمي إلي منطقة الخليج، فقد تأثرت بشدة بالأزمة، وبدأت تحد ـ ولا أريد أن أقول تتوقف ـ عن شراء الأفلام، حيث كان الشراء في أضيق الحدود ولم يكن يخرج عن أسماء نجوم بعينهم العائد من وراءهم مضمون، وهم بالطبع النجوم السوبر الذين لا يزيد عددهم علي أصابع اليد الواحدة . وأدي ذلك إلي ارتباك السوق السينمائية عندنا وتعطل معظم مشروعات الأفلام، خاصة تلك التي تنتمي إلي الفئة ( ب ) من حيث ضخامة الإنتاج، والتي تضم معظم النجوم بعد استبعاد السوبر ستارز،الذين كانت أفلامهم تنفذ بأي طريقة لأن عائدها مضمون كما قلنا، وبعد استبعاد الوجوه الجديدة لأن أفلامهم ـ كما قلنا أيضا ـ لا تمثل عبئا ماليا سواء علي المنتجين أو المشترين. وأفلام الفئة ( ب ) تتكلف في المتوسط ستة أو سبعة ملايين جنيه، كانت القنوات الفضائية تدفع منها خمسة أو ستة ملايين مقابل العرض الحصري الأول وشراء النيجاتيف، بحيث تحصل هي علي العائد إذا أرادت قنوات أخري أن تعرض عرضا ثانيا .. ومعني ذلك أن المنتج كان يغطي نحو 80% من تكاليف الإنتاج قبل حتي أن يعرض الفيلم تجاريا، وكانت تتبقي 20% من السهل جدا ـ بل من المضمون ـ تغطيتها من شباك التذاكر ومن الإيرادات الأخري . حلول مقترحة أما توقف القنوات الفضائية عن الشراء، فكان معناه ببساطة أن يخاطر المنتج بـ 100% من التكاليف، وأن يغطي هذه النسبة كلها من العرض التجاري المحلي، وهذا في عرف المنتجين مستحيل، أولا لأن رأس المال جبان، وثانيا لأنه من الصعب أن يثقوا في أن سلعتهم - أي نجوم الوسط - ستحقق كل هذا العائد من دون مساعدة صديق ! لكن ما الحل؟ وكيف يتعامل السينمائيون المصريون مع هذه الأزمة؟ وأري أن السينما المصرية يجب أن تعود إلي المرحلة ـ القصيرة جدا ـ التي كانت لا تعتمد خلالها علي طرف خارجي، وهي المرحلة التي تلت الاعتماد علي الموزع الخارجي، خاصة اللبناني، وسبقت الاعتماد علي قنوات الأفلام الفضائية .. وكانت صناعة السينما تعتمد خلال هذه الفترة التي بدأت بالنجاح المدوي لفيلم "إسماعيلية رايح جاي" عام 1997 واستمرت حتي ظهور القنوات الفضائية عام 2003، علي التوزيع الداخلي وإيرادات شباك التذاكر المحلي، والتي وصلت مع بعض الأفلام إلي ثلاثين مليون جنيه. فإذا كان السبب الرئيسي للأزمة انخفاض معدلات شراء القنوات الفضائية لأفلامنا، فإن أفلامنا يجب أن تتوقف عن الاعتماد علي القنوات الفضائية .. ويمكن تحقيق ذلك إذا تعاون وتكاتف الجميع بالطرق التالية: > إطلاق الشركات والتكتلات الصغيرة التي يشترك من خلالها الأصدقاء والزملاء في إنتاج فيلم يحبونه سواء بمدخراتهم أو بالتنازل عن أجورهم والانتظار حتي تحقيق الأرباح . > تخفيض النجوم ـ خاصة السوبر ـ لأجورهم العالية التي تمثل عبئا لا يطاق علي ميزانيات الأفلام، علي أن يتم تعويضهم من الأرباح إذا تحققت .. وأعتقد أن نجومنا ليسوا أفضل من جوليا روبرتس ـ علي سبيل المثال ـ التي قررت منذ سنوات تخفيض أجرها 5 ملايين دولار . > دخول التليفزيون المصري ـ بقنواته الأرضية والفضائية ـ مجال شراء الأفلام المصرية بقوة حتي يعوض خوف المنتجين من تقلبات السوق وتراجع القنوات العربية عن الشراء.. فلم يعد مقبولا أن ينتظر التليفزيون المصري انتهاء هذه القنوات من عروضها "الحصرية" لكي يعرض فيلما مصريا! أما الاتجاه إلي نفاق المتأسلمين، فلا طائل من وراءه، وانتظار "الفرج السينمائي" علي أيديهم، لا يختلف كثيرا عن انتظار أن يبيض الديك!

جريدة القاهرة في

10/01/2012

 

المسيح.. رؤية السينماالعالمية.. ونظرة الإسلاميين

بقلم : رفيق مكرم لبيب 

الرؤية الاسلامية تتمثل في أن هذا التجسيد سواء بالرسم أو التمثيل يحط من شأن الأنبياء والأولياء ورغم ذلك قدمت السينما الإيرانية المسيح ولكن من وجهة نظر إسلامية في فيلم (عيسي بشير أحمد). لم تحظ شخصية علي شاشة السينما بكل تلك الحفاوة والاحتفاء مثلما حظيت شخصية السيد المسيح وكذلك لم يقدم هذا الكم الكبير من الأفلام لأي شخصية أخري سواه فقد فاقت الأفلام التي قدمت عن حياته في أرجاء العالم في عددها جميع سلاسل الأفلام التي قدمت عن شخصيات خيالية شهيرة تعلق بها الجمهور مجتمعة كسوبر مان والرجل الأخضر وجيمس بوند ومستر بن وغيرها علي الرغم من تكرار قصة حياته في كل تلك الأفلام التي قدمت عنه والتي يحفظها المشاهد عن ظهر قلب بأدق تفاصيلها والتي تكون مرجعيتها في معظمها وليس كلها هو الأناجيل الأربعة (متي ولوقا ومرقس ويوحنا) والتي أرخت لحياته ومعجزاته وصلبه وقيامته كل من وجهة نظر معينة فمنهم من قدم المسيح الشافي من ناحية المعجزات ومنهم من قدمه كمعلم حكيم فيلسوف وآخر قدمه من الناحية الروحانية العاطفية وتضافرت كل وجهات النظر تلك في تكامل لتكون في النهاية شخصية المسيح من أربع وجهات نظر. تصوير غير سوي وبلغت تلك الشخصية الفريدة من الثراء حدودا لا يمكن وصفها ألهمت أهل الصنعة بما هو أبعد من تقديمها حتي بشكل طبيعي سوي كما جاءت في الكتاب المقدس بل جمح بهم الخيال إلي حد تصوير تلك الشخصية الفريدة في شكل غير سوي وغير تقليدي أثارت الكثير من المشكلات وموجات الغضب علي مستوي العالم ووصل الحال بسببها في بعض الأحيان إلي حد حرق بعض دور العرض كما حدث في فرنسا في وقت ما قدمت السينما فيه شخص المسيح عليه السلام كشاذ جنسيا. نذكر من تلك الأفلام (الإغواء الأخير للمسيح) والذي أخرجه مارتن سكورسيزي وأخذه عن رواية تحمل نفس الاسم كتبها نيكوس كازانتزاكيس عام 1953 تصور حياة السيد المسيح وصراعه مع مختلف أشكال الإغراء بما في ذلك الخوف والشك والاكتئاب والتردد والشهوة وصور المسيح يتخيل نفسه في نشاطات جنسية ، وهي الفكرة التي سببت غضبا من بعض المسيحيين. ونفس الموقف تقريبا يتكرر في العام 2006 مع فيلم (شفرة دافنشي) من إخراج رون هوارد وعن رواية دان براون الشهيرة وتم منع الفيلم والرواية بمصر بناء علي طلب تقدم به الأقباط إلي مجلس الشعب ولكن هيهات أن تمنع شيئا عن الناس في هذا الزمان! نسج الخيال والملاحظ أن تلك الروايات برغم أنها من نسج خيال كتابها فقد استوحوا أحداثها وبناءها الدرامي من شائعة أطلقها الجنود الرومان حراس قبر المسيح عندما استيقظوا من غيبوبتهم ووجدوا حجر القبر مدحرجا وجثمان يسوع ليس موجودا في القبر وعرفوا ما ينتظرهم من عقاب فأشاعوا أن تلاميذ المسيح أتوا ليلا بينما كان الحراس نياما ودحرجوا الحجر وسرقوا الجثمان كما تذكر الأناجيل الأربعة في هذا الشأن فراح خيال هؤلاء الأدباء ينسج الحدوته كما قرأناها فمنهم من تخيل المسيح وهو لم يمت علي الصليب بل عاش وتزوج وأنجب حتي بلغ من العمر أرذله ومنهم من لم يتورع عن تخيل علاقة حميمة ليسوع مع المجدليه أو غيرها وبالطبع لاقت كل تلك الأفكار والخيالات الكثير من موجات الغضب في مختلف أرجاء العالم بين طبقات المتدينين وبالأخص في الشرق المتدين (جدا). ولكن لم تمنع موجات الغضب تلك أيا من القائمين علي صناعة السينما في البلاد الغربية من تقديم شخصية المسيح مرات أخري بأشكال شاذة وغير مألوفة بدعوي حرية التعبير وإطلاق العنان للخيال السينمائي في بلاد تتشبث بأقصي درجات حرية الرأي والتعبير بخاصة فيما يتعلق بالدين وحرية الاعتقاد بل وحرية الكفر والإلحاد بعد قرون طويلة من سيطرة الكنيسة علي مقدرات البشر وتنصيب رجال الدين آنذاك لأنفسهم كحكام باسم الحق الإلهي بل إنهم ألهوا أنفسهم بشكل غير مباشر فراحوا يمنحون من يشاءون صكوكا لغفران الخطايا وأدخلوا من يشاءون فردوس النعيم وألقوا من يشاءون في الدرك الأسفل من الجحيم حيث البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. قواعد التحريم والسؤال الآن هل لو كانت منذ البداية قد سنت قوانين في البلدان الغربية تحرم وتجرم تجسيد شخصية المسيح بالرسم أو التمثيل أكان ذلك سيمنع أحدا من التطاول علي أعظم شخصية مسيحية؟ أم كانت ستقام مظاهرات واحتجاجات عديدة ضد من تجرأ وسن مثل تلك القوانين في بلاد الحرية الحقيقية (من وجهة نظرهم)؟ وهذا ليس انحيازا لوجهة النظر الإسلامية في ذلك الشأن ولكنه عرض موضوعي للأمر من شخص لا يقبل إهانة أحد أنبياء. وهنا لابد من الإشارة إلي تباين وجهتي النظر الإسلامية والمسيحية في تصوير وتجسيد شخصيات أنبياء الله والأولياء في الأعمال الفنية أوعلي الأقل وجهتي نظر أتباع هاتين الديانتين الأكبر في العالم فالأولي تؤكد أن الأنبياء لهم عند المسلمين منزلةٌ خاصةٌ، فالعقيدة الإسلامية تُلزم المسلم بأن يعظِّم جميع الأنبياء والمرسلين، والسيد المسيح علي الأخص؛ لأنه من أولي العزم، فله منزلةٌ خاصةٌ، ومسألة تجسيد الأنبياء- سواءٌ رسمًا أو تجسيدًا بالتمثيل- يحطُّ من قدرهم. والثانية لا مرجعية دينية فيها تنهي عن هذا التصوير والتجسيد وهذا لا يعني حطا وتقليلا من قيمة هؤلاء الأنبياء حتي وإن كان بها ما يمنع ذلك فليس هناك من سيلتزم بالمنع في دول غربية أطلقت العنان للحريات إلي حد الإباحية وعموما كلتا الرؤيتان في محلهما من وجهة نظر أتباعهما وكل منهما جديرة بالاحترام طبقا للقاعدة الفلسفية التي تؤكد أن كل علي صواب من وجهة نظره حتي وإن كان صوابه خطأ من وجهة نظر الآخر. دواعي التأمل ومن الأسباب الداعية للتأمل والتوقف كثيرا أمام تلك الشخصية العظيمة كما قدمتها السينما بشكل سوي طبيعي متوقع هو أن كل فيلم يقدم عنها مهما بلغ من المصداقية والمحاكاة لما ورد في الكتاب المقدس كان يثير الجدل أو قل الجدال في مختلف الأوساط والمؤكد أنه لم ترض عنه اليهود ولا النصاري ولا المسلمين وذلك ببساطة لأنه لم يتبع ملتهم. فاليهود دائما ما يرون أنفسهم في تلك الأفلام كضحايا ومظلومين لتصويرهم كوحوش مفترسة لا قلب لها جنت علي المسيح يسوع وعذبته وعلقته علي خشبة لعن كل من علق عليها في كتبهم القديمة كما في (سفر التثنية 21: 22-23) .. ومن وجهة نظرهم فكل تلك الأفلام كانت تشويها وتقبيحا لصورتهم وهم أكثر الكائنات مسالمة في تاريخ المخلوقات كلها ونذكر بالطبع الضجة الكبري التي أثاروها إبان عرض فيلم (آلام المسيح) في العام 2004 من إخراج ميل جيبسون ومحاولاتهم لمنع عرضه!! أما المسيحيون فبرغم أن تلك الأفلام التي لم يشطح صناعها بخيالهم ولم يستغلوا أقصي درجات الحرية الممنوحه لهم في بلدانهم وكانوا مثالا للالتزام بالنص الكتابي (إلي حد ما) وجسدوا أهم شخصية علي الإطلاق في الفكر المسيحي وبرغم أن أبطال تلك الأفلام الذين جسدوا شخصية يسوع كان ومازال يتم إنتقاؤهم علي الفرازة فكل منهم لابد أن يكون وسيماً جدا وجذاباً لكن رؤية المشاهد المسيحي لتك الأفلام تنبع دائما من منظور مذهبي بحت بعيدا عن أي نقد موضوعي ونصب أتباع كل مذهب أو ملة من أنفسهم نقادا وحكماء بل وأوصياء في بعض الأحيان علي حرية الإبداع فهذا يري أن العذراء مريم قدمت في الفيلم بصورة غير لائقة لما يعتقده هو ويؤمن به وما يراه مناسبا لكونها حملت في أحشائها مخلص العالم .. وآخر يري المسيح في الفيلم وقد صور كإنسان ضعيف خائف متوجس لا حول له ولا قوة غارقا في بشريته وهذا لا يتناسب مع معتقداته.. وهكذا تنأي بهم الخلافات المذهبية عن كل نظرة محايدة للعمل الفني وعن تقييمه بما يستحق ، أذكر وقتما كنت طفلا أن أحد الكبار في عائلتي نهاني عن مشاهدة فيلم (يسوع) لمجرد أن الأجانب البروتوستانت هما إللي عاملينه! رؤية اسلامية أما المسلمون فسبق عرض أسبابهم في هذا الشأن والتي تتمثل في أن هذا التجسيد سواء بالرسم أو التمثيل يحط من شأن الأنبياء والأولياء ورغم ذلك قدمت السينما الإيرانية المسيح ولكن من وجهة نظر إسلامية في فيلم (عيسي بشير أحمد) وكل حسب ما يعتقد ويري ، وكان هناك حديث منذ فترة عن نية بعض السينمائيين في مصر لتصوير فيلم عن المسيح ووصل الأمر بهم لتصريحات حاده يهاجمون فيها كل سلطة دينية ستقف في وجه هذا الفيلم المزمع تقديمه سواء أكان الأزهر أو الكنيسة ويتحدون محاولات منع تصويره في الداخل بالعزم علي تصويره في الخارج وكذلك لم تمنع تلك النظرة الإسلامية للأمر من عرض (آلام المسيح) جماهيريا في دور العرض علي غير المعتاد وإن ذهبت بنا تفسيرات هذا الأمر إلي أي منحي لكنه عرض جماهيريا وفي بلدنا الحلوة دائما ما نستطيع أن نجد المبرر لكل متناقض! وبعيدا عن تلك الأفلام التي قدمت المسيح الذي نعرفه مخالفا لما ورد عنه في الأناجيل كـ (الإغواء الأخير للمسيح) و (شفرة دافنشي) فلابد لنا أن ندرك أن الأفلام الأخري التي قدمت المسيح الذي يعرفه المسيحيون أو قل حاولت تقديمه كما قال الكتاب لم تخل أبدا من الكثير من ذاتية الفنان وتصوراته الخاصة وانطباعاته عن تلك الشخصية الثرية الملهمة دوما فعلي الرغم من أن الكتاب المقدس نفسه والأناجيل الأربعة بالتحديد لم تغفل الجانب البشري الضعيف في حياة يسوع المسيح فهو يغضب أحيانا بل ويكون غضبه شديدا كما في موقفه من الباعة الجائلين في الهيكل وطرده لهم بكل حزم (بيتي بيت صلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة للصوص) وهو يوبخ تلاميذه إن أخطأوا أحيانا أخري ويجوع ويعطش كسائر البشر حتي وإن كانت قدراته خارقة للعادة علي تحمل الجوع والعطش لفترات طويلة لا يقوي عليها البشر العاديون (وأخيرا جاع). وأيضا يبدو خائفا أحيانا أو متوترا ويظهر ذلك في لحظاته الأخيرة قبل تسليمه للصلب علي يد يهوذا الإسخريوطي الخائن وهو ساهر طوال الليل يصلي بحرارة ولفت هذا نظر بعض من تلاميذه (الحواريون) والذين كانوا ساهرين معه في تلك الليلة وغلبهم النوم أكثر من مرة فاختلفوا فيما بينهم ما بين كونه يبدو مريضا أو يبدو خائفا؟ أقول فبرغم هذه الصورة التي نقلتها لنا سيرته من خلال أناجيل أربعة فقد تجاهلها تماما معظم من قدموا أفلام المسيح العادية وأغرقوا في نفي الجانب البشري هذا عنه وربما لا نذكر فيلماً من تلك الأفلام انتبه إلي تلك المسألة وركز عليها سوي (آلام المسيح) لميل جيبسون ومن بطولة JAMES CAVIEZE والذي يؤرخ فقط للساعات الأخيرة لحياة المسيح يسوع علي الأرض ولم يستعرض قصة حياته كاملة كغيره من الأفلام الأخري والتي بلغ طول أحدها أكثر من ست ساعات وهو فيلم (يسوع الناصري) من إنتاج عام 1977 من إخراج فرانكو زيفيريللي - وأيضا لم تخل بعض تلك الأفلام من أخطاء قد تبدو بسيطة للكثيرين لكنها ليست كذلك فمثلا وفي معظم تلك الأفلام وبالتحديد في مشهد التحضير لتعليق المسيح علي خشبة الصليب كنا نري مسامير اليد تدق في باطن كفي اليد وهو ما انتقده الكثيرون قياسا للمستنتج من كفن تورينو الشهير (اتفقنا مع صحته أو اختلفنا) والتي تفيد بأن المسامير دقت في الرسغ وليس الكف ومعروف بديهيا أن هذا هو الأصوب لأن المسامير إن دقت في باطن الكف فلن تتحمل ثقل الجسم؟! علي أية حال ستبقي شخصية المسيح دوما من أكثر الشخصيات إلهاما للفنانين ولن يتوقف تقديم تلك الشخصية الفريدة علي شاشات السينما وسنظل نري أفلام المسيح تطل علينا كل فترة ولن نمل من متابعتها برغم معرفتنا المسبقة بمحتواها .. كل سنة ومصر بخير؟

جريدة القاهرة في

10/01/2012

 

فيلم أنثوي في مجتمع ذكوري والآن إلي أين؟

بقلم : د.شريف حتاتة 

هذا هو السؤال الذي طرحته علينا المخرجة اللبنانية "نادين لبكي" في عنوان فيلمها الأخير "هلأ لوين؟". طرحته فيما يتعلق بظاهرة خطيرة أصبحت تُهدد حاضر ومستقبل الشعوب العربية، وتُثير قلقاً واسعاً يثقل عقول وقلوب الملايين من الرجال والنساء في بلادنا. هذه الظاهرة هي تفاقم التعصب الديني، والصراع الطائفي الذي ينذر بأوخم العواقب. سؤال طرحته في المشهد الأخير من فيلمها دون أن تُجيب عنه، فكم من المعضلات الخطيرة تُواجهنا في هذا العصر المضطرب نسعي وسط نيرانها إلي الاهتداء لإجابة عليها. ذلك أن الشعوب وحدها هي التي ىُمكن في يوم من الأيام أن يصل إدراكها ونضالها إلي حلول للمشاكل التي تنهش في لحمنا وفي حياتنا. اختارت "نادين لبكي" بفضل بصيرتها كفنانة موقعاً مدفوناً في محيط طبيعي قاس. قرية بلا اسم، معزولة، ومدفونة وسط جبال صخرية عارية، وقاسية ترتفع في السماء تقول لنا "انظروا كيف أن حياة السكان التي ستشاهدونها منحوتة في محيط جارح لا يوحي بالأمان، بحنان الأشجار والزهور والأرض الخصبة الولادة. قرية الوصول إليها يتطلب اجتياز منحدر وحيد، ضيق وعميق وخطر يشق طريقه بصعوبة وسط الجبال فأتاحت لنا المخرجة منذ البداية أن نحس بقسوة الحياة التي يعيشها سكانها. فيلم افتتحته برقصة جنائزية مسرحية تُوحي بالأحزان المتراكمة في صدور نسائها، وبأحزان قادمة، كما أتاح لنا تصوير الجبال أن نشاهد منظراً نادراً لا يغيب عن البال. إنها قرية نائية مسالمة يحيا فيها رجال ونساء بسطاء في حالة من الوئام. رجال ونساء فيهم ذكاء الفطرة، والقدرة علي الضحك والسخرية التي تُولدها حياة ليست مفروشة بالمال والورد ذكاء وقدرة علي السخرية تجلتا علي الأخص بين النساء. إنها حالة من الوئام، لكنها كما سنكتشف لا تنفي وجود الضغائن، وتيارات العداء الكامنة تحت السطح كما هو الحال دائماً مع البشر لأنهم حتي الآن لا يولدون، ولا يحيون في مجتمعات تسود فيها الحرية الحقيقية، والعدالة، وعدم التفرقة، والسلام. لذلك تتفجر الصراعات عند حدوث الأزمات أو وقوع أسباب تُؤدي إلي سوء تفاهم، أو صراع في المصالح. نظرة المخرجة هذه الحالة من الوئام في القرية تظل قائمة إلي أن يتمكن اثنان من الشباب أن يأتيا بجهاز تليفزيون وملحقاته، وأن يضعاه في منزل "مختار" أي عمدة القرية المسيحي بمساعدة زوجته "إيفون". فمنذ تلك اللحظة تبدأ المشاحنات بين الرجال، ذلك أن التليفزيون صار ينقل إليهم أخبار الحرب الأهلية الدامية التي جرت بين المسلمين والمسيحين في لبنان خلال سنة 1975 . هذه المشاحنات تقع لأسباب تافهة بل مضحكة، ولهذا السبب فإن إيعازها إلي عوامل خارجة عن نطاق حياة القرية نفسها كان فيه قدر من التبسيط المُخل فهي لم تتفجر إلا علي أرضية من الخلافات والضغائن الاجتماعية والدينية تكونت خلال تطور تاريخي طويل في المجتمع. هذا رغم تفاهة أسبابها الظاهرة. اقترن هذا التبسيط للمشكلة بعنصر آخر هو تحيز الفيلم إلي جانب النساء علي نحو فيه تطرف. فلا شك أن البناء الذكوري للمجتمع يؤثر علي طبائع الرجال والنساء، لكن الفيلم انساق في تحيزه للمرأة علي نحو فيه الكثير من المبالغة. فعند "نادين لبكي" الرجال هم الأشرار، والعنيفون، المستعدون للعراك لأتفه الأسباب. وهم الذين يتركز جوهر اهتماماتهم علي مسائل شكلية تتعلق بوضعهم الخاص، ويسيطر علي حياتهم الاهتمام بالجنس، وتعاطي المخدرات. إنهم لا عمل لهم في القرية إلا فيما ندر، هذا بينما النساء هن الخير، والعواطف، والحب، والتعقل، والميل إلي السلام، ومع التسليم بأن هناك فروقا مهمة بين طبيعة الرجل والمرأة بحكم وضع كل منهما في المجتمع، فإن هذا التمييز القاطع بين طبائع الجنسين مبالغ فيه يعكس رد فعل أنثوي متطرف ضد الذكورة السائدة في المجتمع. مشهد خطير في الفيلم تطورات ومشاهد مأساوية، مؤثرة للغاية عُولجت بفنية عالية. الشابان اللذان أحضرا التليفزيون إلي القرية كانا يتوليان نقل منتجاتها واحتياجاتها بواسطة دراجة نارية مزودة بصندوق يجتازان بها الدرب الضيق الذي يصل بين القرية والمدينة. في إحدي الليالي كانت تدور معركة مسلحة في الجبال بين مسلمين وأقباط فقُتل أحد الشابين برصاصة طائشة وهما عائدان من المدينة. هناك شاب وسيم ورقيق اسمه "نسيم". عندما تُفاجأ الأم بما حدث تُلقي بنفسها علي جثة ابنها صارخة "رد علىَّ يا "نسيم".. رد علىَّ" لكنه لا ىُجيب فتعدو عبر مسالك القرية وتندفع داخل الكنيسة. هناك تقف أمام تمثال العذراء "مريم" وتُعبر صارخة، باكية عن تساؤلاتها، عن شكوكها، عن غضبها، وعن تمردها في مشهد مؤثر للغاية بعد ذلك خشية حدوث مجزرة في القرية بين المسيحيين والمسلمين تدفن جثة ابنها سراً في الليل مع عدد من النساء اللائي تُوثقن الجثة بحبال ثم تُسقطنها في بئر عميقة. تُخفي الأم ما حدث لابنها وتُغلق غرفته مُدعية أنه مريض، لكن ابنها الكبير يكتشف حيلتها، فيدور كالمجنون في الدار باحثاً عن سلاحه حتي ينتقم ضد المسلمين في القرية. في مواجهة خطر المجزرة القادمة تُخرج هذه المرأة الأم الشائبة الشعر المعذبة الملامح البندقية من مكمنها وتُطلق رصاصة إلي إحدي ساقي ابنها لتمنعه من الحركة. اعتمد الفيلم إلي حد بعيد علي الكوميديا الساخرة التي تجلت في الحوارات والمواقف التي اتخذتها النساء. الجزء الكوميدي البارز يدور حول الاجتماع الذي عقدته النساء بعد وفاة الشاب اتفقن فيه علي صُنع فطائر محشوة بالحشيش، والأقراص المخدرة ثم قمن بتنظيم حفل ترقص فيه مجموعة من الراقصات الأوكرانيات اللائي اضطررن للبقاء في القرية عدداً من الأيام نتيجة عُطل أصاب الأتوبيس الذي كان ينقلهن إلي المدينة. في جو من الرقص، والمرح، والموسيقي قامت النساء بتوزيع الفطائر حتي يخلد الرجال إلي نوم عميق وطويل، فتهدأ النفوس. ثم أثناء نوم الرجال اتفقن فيما بينهن علي أن تتدعي المسيحيات تحولهن إلي الإسلام وتدعي المسلمات تحولهن إلي المسيحية، مما قاد إلي مواقف كوميدية ساخرة، ومضحكة كانت في الوقت نفسه تعبيراً عن أن الإنسان إنسان، سواء أكان مسيحياً أم مسلماً، وأنه يجب ألا تكون هناك تفرقة دينية بين الناس. توليفة خصبة فنياً تصدت "نادين لبكي" بجرأة في هذا الفيلم لمشكلة خطيرة، مُحاطة بكثير من العوامل الاجتماعية، والفكرية، والخلقية المعقدة والحساسة وهي تستحق التقدير علي ذلك. لجأت في إخراجه إلي توليفة غنية، وتركيبة فنية متعددة الجوانب، إلي الجمع بين الكوميديا الساخرة، والدراما المؤلمة بين الواقع كما تصورته هي والفانتازيا، بين أسلوب سينمائي ومسرحي أحياناً في بعض المشاهد، ثم ضفرت فيه الرقص والأغاني والموسيقي التي أكدت وعمقت المواقف والمشاعر في الفيلم. مع ذلك كان هناك عيب أساسي فيه ينبغي تسجيله، فلاشك أن الفن بطبيعته يميل إلي المبالغة، إلي التطرف خصوصاً عندما يبني علي قدر كبير من الكوميديا الساخرة، لكن جرعة المواقف والأحاديث والتطورات الفكاهية سيطرت علي جزء كبير من فيلم "هلأ لوين؟" مما أفقده التوازن وهذا في عمل موضوعه جد خطير مما جعله يفقد جزءاً كبيراً من مصداقيته، ومن قدرته علي الإقناع خصوصاً أن المشاهد عندما يدخل إلي فيلم يتناول موضوعاً مثل الصراع الديني والطائفي لن يكتفي بالتسلية فقط، وإنما سيبحث عن جوانب أخري أهم. كذلك فإن التمييز المبالغ فيه بين طبيعة المرأة، وطبيعة الرجل ساهم هو أيضاً في إضعاف المصداقية. نجح هذا الفيلم في عدد من البلدان العربية، بينما الجماهير في مصر لم تُقبل عليه. وقد أوعز بعض النقاد هذه الظاهرة إلي صعوبة تتبع المشاهد المصري فيلما استخدمت فيه اللكنة اللبنانية لكني أعتقد أن السبب الرئيسي في انصراف جمهورنا عنه هو انتشار التعصب الديني الإسلامي والمسيحي بين قطاعات كبيرة ومهمة من المجتمع. كذلك السخرية المبالغ فيها الموجهة ضد الرجال، والميل إلي تصويرهم كائنات تافهة ربما أثار حفيظة الآباء والأزواج وشباب الأسر والنساء المتأثرات بهم، فالنظرة الذكورية تدعمت في المجتمع رغم كل الكلام عن الحداثة ماعدا في قطاعات محدودة من الشباب المثقف. كما أن الديانات دون استثناء تُؤكد سيادة وهيمنة الرجل علي المرأة.

جريدة القاهرة في

10/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)