حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سوزان يوسف:

أهوى التحدي ومن المهم بالنسبة لي كفنانة التنويع بين الأساليب الفنية

فارايتي أرابيا- دبي

راودها الحلم بأن تصبح ممثلة، ومن ثم عملت كمعلمة في مدرسة وصحفية، قبل أن تكتشف حقيقة موهبتها الإخراجية، هي المخرجة اللبنانية سوزان يوسف (34 عامًا) والتي احتفلت مؤخرا بعرض فيلمها الروائي الطويل الأول بعنوان "حبيبي راسك خربان" (78 دقيقة) ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية في مهرجان دبي السينمائي الدولي والذي عملت عليه لمدة ثماني سنوات. وانتزع الفيلم جائزة المهر الذهبي، كما حصل على جائزة أفضل ممثلة، وأفضل مونتاج، وجائزة فيبريسي الخاصة للأفلام.

يجسد الفيلمٍ الذي تدور أحداثه في غزة - في قالب درامي رومانسي جريء - قصة حبٍ ملهمة بين طالبيْن جامعييْن قيس وليلى، والذين يُكافحا للعيْش سويًا والتعبير عن نفسيهما من خلال الفن، حيث يُحاول "قيس" إثبات حبه لفتاته باستلهام أبياتٍ شعرية للشاعر الجاهلي قيس بن الملوح ونقشها على جدران مدينته.

وقد عُرض "حبيبي راسك خربان" الذي قامت سوزان بكتابته وإخراجه وإنتاجه في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي وفي أميركا الشمالية ضمن فعاليات مهرجان تورنتو السينمائي الدولي مطلع سبتمبر الماضي. وحظي بتمويلٍ من برنامج "إنجاز" التابع لمهرجان دبي السينمائي الدولي.

وفي حديثها مع فارايتي أرابيا تؤكد سوزان أن فيلمها ليس سياسا لكنه يتناول بشكلٍ صريح خلفيةً اجتماعية ذات تأثيرٍ كبير بما في ذلك الأشعار المكتوبة على الجدران وملاحقة الجيش الإسرائيلي لرموز المقاومة، وتضيف قائلة: "إنني سعيدة بأن الناس تقبلوا الفيلم على ما هو عليه، وأعتقد أن فيلمي هذا طالما شوهد دونما الالتفات إلى السياسة كأي فيلمٍ آخر؛ فإنهم فعلاً لن يلحظوا أي شيء يتعلق بالسياسة، لقد أردت في هذا الفيلم إظهار العقبات أمام أي عاشقين يرغبان في العيش سويًا، والذي يمثل واقعًا مُعاشًا في غزة؛ وتلك العقبات تشابه إلى حدٍ كبير العقبات العائلية والسياسية."

وُلدت سوزان في حي بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية، وهي تحمل ماجستير في الفنون الجميلة من جامعة تكساس وحاصلة على إجازة في الفنون من جامعة فيرجينيا بدرجة امتياز. وقد اختيرت كمخرجةٍ وكاتبة ضمن قائمة "أفضل 25 وجهًا جديدًا" والتي أعدتها مجلة "Filmmaker"، في 2009. ومن أعمالها السابقة "من أجل الأقل" 2007، و"مرجون والمنديل الطائر" 2006، و"ممنوع التجوال" 2005. وقد تحدثت سوزان إلى مجلة فارايـتي أرابيـا حول فيلمها الروائي الأول ومشاريعها المستقبلية.

·         متى بدأ ولعك بالأفلام؟

كنت دائمًا أحلم بأن أكون ممثلة، لكنني لم أكن جيدة كممثلة ، ولم يكن ذلك يُناسبني أبدًا، لكن اهتمامي بذلك المجال دفعني لكتابة المسرحيات، ثم التحقت بكلية "تيش" للفنون، لكن رسوم الدراسة كانت مرتفعة، لذا قررت الالتحاق بالجامعة، ثم التقيت بالعديد من المخرجين السينمائيين في لبنان عندما عملت في صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية، ثم أنجزتُ فيلماً وثائقيًا قصيرًا عن جدي وجدتي وهو ما كان السبب في قبولي بجامعة تكساس.

·         قدمتِ أعمالاً وثائقيةً بالماضي، فلم انتقلتِ للعمل الروائي؟

قدمت أعمالاً كثيرةً خلال الفترة الماضية، كأفلام الرسوم المتحركة وفيلمًا عن الكاثوليك أمريكيين يذهبون لمعتقل "غوانتنامو"، إضافةً إلى فيلمين روائيين قصيرين، وهو ما يثبت حقًا أنني أهوى التنويع في الإنتاج الفني، هذا الأمر الذي يمتعني حقًا. أعتقد أنه من المهم بالنسبة لي كفنانة التنويع بين الأساليب الفنية، فأنا أهوى التحدي، فلم على المرء أن يكون صانع أفلام، طالما اعتقد أن ذلك أمرًا هينًا.

·         يرى البعض أن تطويع الأبيات الشعرية بفيلمك إلى نسقٍ معاصر يمنح الفيلم طابعًا سياسيًا؟

كوني مخرجةً أمريكية من أصلٍ عربي قد يبدو من الصعب بمكان مجابهة كل ما يُحاك ضدي في الإعلام العالمي، لذلك شعرت بأهمية إنتاج فيلمٍ ذو مصداقية ليجابه تلك الأفكار. لم أقم بالاستعانة بالأشعار الجاهلية لإضفاء المصداقية فقط على محتوى الفيلم؛ رغم أن الشعر يعطي تلميحًا حقيقيًا عن واقع الثقافة العربية، بل استعنت به لعظمته.

·         كيف أثرت نشأتك في نيويورك على أعمالك؟

صحيحُ أنني وُلدت في حي بروكلين بنيويورك، لكنني انتقلت وعائلتي إلى جزيرة "ستاتين" عندما كبرت. كما أنني ترعرعت في عائلةٍ لم تكن تملك المال الكافي للانتقال إلى لبنان أو حتى للسياحة في الشرق الأوسط في كل صيف، لذا لم تتُح لي الفرصة للسفر حتى بلغت الثانية والعشرين، حين أصبحت معلمة في مدرسة.

·         لماذ إخترت أمستردام؟

جئت إلى هنا أصلاً بعد تنامي إنتاجي وعملي الأخير عن غزة، كما أنني لا أزال أبحث عن مصدر تمويلٍ أفضل، لذلك لم أفكر في العيش في فرنسا فهناك الكثير من المخرجين العرب. كما تعلم "حبيبي راسك خربان" هو تمويل مشترك من فلسطين، الولايات المتحدة الامريكية، هولندا والإمارات العربية المتحدة.

فارييتي العربية في

03/01/2012

 

الفيلم المصري "أسماء" على موعد للعرض فى مهرجان بالم سبرينجز

جيهان فيصل – القاهرة 

أعلن المخرج المصري عمرو سلامة عن اختيار فيلمه "أسماء" للعرض فى مهرجان بالم سبرينجز السينمائي الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية في دورته الثالثة والعشرين التي تقام في الفترة بين 5 - 16 يناير الجاري.

يذكر أن الفيلم انتاج عام 2011، وتم عرضه عالميا فى مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي ليتلقى عنه المخرج عمرو سلامة جائزة الاخراج فى مسابقة آفاق جديدة.

وقد استوحى سلامة الذى قام أيضا بكتابة السيناريو القصة عن مأساة حقيقية لسيدة مصرية تكتشف إصابتها بمرض الايدز، لتبدأ معاناتها مع مجتمع ينبذ مصابي هذا المرض وينظر لهم نظرة ملؤها الشك والإهانة، بالإضافة إلى التخوف من العدوى مما يؤدى لعزلة هؤلاء المرضى وانفصالهم عن مجتمعهم.

يقول سلامة أن فكرة الفيلم تولدت قبل ستة أعوام عندما التقى حالات عديدة من مرضى الإيدز فى مصر، وقام بتسجيل معاناتهم فى فيلم وثائقي من إخراجه.

وقامت التونسية هند صبري بدور أسماء التى تروي فى برنامج تلفزيوني كيف رفض الأطباء إجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة لها، تخوفا من العدوى بعدما علموا بأمر إصابتها بالإيدز رغم أنهم أعلم الناس بكيفية انتقاله وكيفية التحصن من خطر العدوى.

جدير بالذكر أن الفيلم شارك فى مهرجانات عديدة مثل مهرجان لندن ووهران، ولاقى استحسانا من النقاد نظرا لتيمة الفيلم الجديدة على السينما العربية، كما نجح فى جذب قطاع كبير من جمهور السينما بعيدا عن عروض السينما التجارية المعروفة.

الصورة: المخرج عمرو سلامة، ولقطة من فيلم "أسماء".

فارييتي العربية في

03/01/2012

 

'هوغو' بأبعاده الثلاثية يوجه تحية للفن السابع

بقلم: رضاب فيصل  

الفيلم يقدّم بطلين أساسيين عبر أحداثه، الأول هوغو والثاني جورج ميلييس. بالإضافة إلى بطل ثالث صامت ولا يتحرك، هو الرجل الآلي.

لم يعد الإنسان مكتفياً بمشاهدة أفلام السينما، فطموحه اليوم وصل إلى حد الرغبة بعيش مغامراتها جنباً إلى جنب مع ممثليها، وكأنه واحدٌ منهم ليخرج من زمن ويدخل آخر. وقد حاكت تقنية الأبعاد الثلاثية في السينما هذا الطموح حتى كاد يصبح حقيقة. فمن خلال النظارة المخصصة لهذه التقنية تعيش أحداث الفيلم وكأنك جزءٌ لا ينفصل عنها.

وقد كثرت الأفلام المعدّة وفق هذه التقنية حتى تشبع رغبة الإنسان في الغوص بأعماقها، وهو ما فعله المخرج مارتن سكورسيزي في فيلمه الجديد "هوجو" حيث يعتبر هو الفيلم الأول له المتمتع بخاصية الأبعاد الثلاثية، والذي حصل على الجائزة الأولى من هيئة National Board of Review NBR في الولايات المتحدة.

والفيلم يوجّه تحية إلى الفن السابع من خلال سرد قصة جورج ميلييس أحد مؤسسي الفن السابع ورائد السينما الخيالية والمؤثرات البصرية من خلال تلاعبه بالكاميرا أثناء التصوير أو بالشريط السينمائي. وذلك بتقديم حكاية طفل يتيم يقيم في محطة القطارات، ويشرف على دوران الساعات فيها سراً. وكل همه من بداية الفيلم إلى نهايته هو السعي نحو حلّ لغز الرجل الآلي الذي كان قد وجده أبوه أثناء عمله في المتحف.

ويدفعه هذا اللغز نحو آخر وهكذا، حتى تتكشف له سيرة جورج ميلييس الذي أقعدته الحرب عن الإبداع السينمائي، ففضّل الاعتكاف في دكانٍ صغير في المحطة. ولكن وبفضل هوغو وإيزابيل الطفلة التي عاشت عند جورج ميلييس تعود له أيام المجد والإبداع لينتهي الفيلم باستعراض سريع لبعض ما قدمه ميلييس.

وهنا نجد أن الفيلم قدّم بطلين أساسيين عبر أحداثه، الأول هوغو والثاني جورج ميلييس. بالإضافة إلى بطل ثالث صامت ولا يتحرك، وهو الرجل الآلي الذي دارت الأحداث حوله وحول اللغز الذي يخبئه. كما أنه هو صلة الوصل التي ربطت بين هوغو وميلييس والتي أسعدتهما في نهاية الفيلم بحلها للغز.

لقد تحدّث سكورسيزي عن خدع ميليس ومؤثراته البصرية عبر خدعة الأبعاد الثلاثية، وكأنها استمرارية لابتكار كل ما هو جديد ومثير في السينما. فمثلاً المشاهد الأولى من الفيلم والتي كانت تصوّر توجه هوغو في المحطة باتجاه الساعة الكبيرة، أدخلتنا إلى محطة القطارات فعلاً وجعلتنا نضرب بهذا وذاك تماماً كما هوغو، لنشتم رائحة زمنٍ قد مضى ونمشي بين شخصياته وكأننا في عودة استكشافية له. كما أن المشاهد التي صوّرت كيفية إخراج ميلييس لأفلامه أعطت الفيلم دقائق من روعة السينما الصامتة القديمة.

لم تكن تقنية الأبعاد الثلاثية هي وحدها المسؤولة عن شعورنا هذا، فالديكور وألوانه الدافئة المعبرة بالفعل عن الشتاء الفرنسي والموسيقى التصويرية التي تجعلك مندفعاً إلى الأمام في رغبةٍ للركض والبحث، ساعدت على تنقلنا العاطفي والعقلي إلى زمن ميلييس، بل أشعرتنا للحظات بأن أجسادنا أيضاً تنتمي لذلك المكان لنتحرك أحياناً وكأننا سنلتقط ونلمس كل ما هو موجود في الفيلم.

ميدل إيست أنلاين في

03/01/2012

 

الشعرية والتفاعلية والتشكيلية في ثلاثية سميح قبلان أوغلو

بين عسل الأب ولبن الأم وبيض الأبن

أحمد شوقي 

يعد المخرج التركي سميح قبلان أوغلو أحد الأسماء البارزة في سينما الألفية الجديدة، فهو واحد من صناع أفلام قلائل برزوا خلال القرن الحادي والعشرين من القادرين على مفاجئة محبي فن الشاشة الفضية بسينما تحمل طابعا فريدا. سينما قد تتفق أو تختلف معها، لكن لا يمكنك إلا أن تشهد لها بالجدّة والجدية، فهي سينما "جديدة" لم تستهلكها الصناعة وهي سينما "جادة" تحترم متلقيها وتطالبه مقابل ذلك أن يحترمها وألا يتعامل معها باعتبارها فن يهدف فقط للإمتاع. 

ويبرز هذا الطابع المميز لسينما قبلان أوغلو في ثلاثيته التي قدمها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة "بيض" و"لبن" و"عسل". الأفلام الثلاثة تحمل أسماء عناصر شكلت حياة بطل السلسلة يوسف، وأكاد أجزم بمساهمتها في تشكيل حياة المؤلف والمخرج نفسه، فهي عناصر الطفولة الأولية لأي طفل ريفي ولد في بلدة منعزلة في الجبال التركية، يتعامل مع وجودها باعتبارها من تفاصيل الحياة اليومية العادية، حتى يكبر فيكتشف إنها تمثل أكثر من ذلك. 

شعرية السرد وصعوبته

سينما قبلان أوغلو سينما شعرية خالصة تعتمد على اللقطات الواسعة والطويلة التي تدفع المشاهد دفعا للتأمل، تعتمد على بداية الفيلم بمشهد ممتد يعرض حادثا غير مفهوم ندرك أبعاده لاحقا في سياق الفيلم، ولكن ذلك المشهد ـ على غموضه ـ يتمكن من اللحظة الأولى من إحكام قبضته على انتباه المشاهد المناسب الذي سيبذل قدر الجهد الكافي للتعاطي مع ما سيلي من دراما. الفكرة هنا هي أن الفيلم يفرز مُشاهده تلقائيا منذ اللقطات الأولى، ربما ليقين المخرج بإنه يقدم نوعا من الفن يصعب افتراض تفاعل جميع طوائف الجمهور معه. 

الصعوبة تبدأ من اختيار سرد الأجزاء بشكل معكوس، فالجزء الأول "بيض" يعرض قصة يوسف البالغ الشاعر وبائع الكتب القديمة الذي يعيش في المدينة وتجبره وفاة أمه على العودة لجذوره الريفية، بينما يتناول الجزء الثاني "لبن" يوسف الشاب الذي تتنازع أحلامه الأدبية مع ارتباطه بأمه، أما الجزء الثالث "لبن" فيعود ليوسف الطفل المتعلق بوالده، وهو بالمناسبة الجزء الذي نال جائزة الدب الذهبي كأحسن فيلم في مهرجان برلين السينمائي. اختيار السرد المعكوس هو أول رهان غير مأمون بالنسبة لأي مشاهد اعتاد السرد التجاري التقليدي، خاصة وإن كل فيلم من الثلاثة وإن كان عملا مكتمل البناء بحد ذاته، فهو يحتوي أيضا على تفصيلات وصراعات داخلية لا تتضح بشكل كامل إلا مع مشاهدة الجزء التالي. 

الخيار السابق قد يبدو غريبا على مسامع محبي السرد الهوليوودي المشبع ظاهريا، والذي يقدم للمشاهد كل ما يجب معرفته عن الشخصيات انطلاقا من ضرورة عرض تلك المعلومات لفهم الصراع، ولكنه الخيار الأمثل لعمل يقوم الصراع فيه بالأساس على البحث عن ذلك المجهول، ليس بحثا في الإطار التشويقي ولكن في الإطار الاستكشافي للطبيعة البشرية التي لا تتغير باختلاف البلدان ولا الوجوه. هذا تحديدا هو لب السينما الشعرية.. البحث عن لحظة التنوير الإنسانية التي يكتمل فيها هضمك للقصيدة المرئية. 

عن الرموز الثلاثة

تتعامل الأفلام الثلاثة مع مستوى راق من الرمزية.. انس هنا ما تعرفه عمن يقومون بإلباس الشخصيات رداء الأيديولوجيات أو يجعلون الأم القوية تمثل الوطن، فأنت هنا أمام رموز ثلاثة هي الحياة ذاتها، رموز لن يكتمل فهمك لها إلا بنهاية الفيلم الثالث، فلا تملك وقتها إلا احترام صانعها شديد الاختلاف والتفرد.

فالعسل منتج فني بديع ولكنه خطير، منتج يحتاج لذائقة فنية عالية وإدراك فائق للاختلافات الدقيقة بين أنواع الأزهار، يحتاج لحكمة وحنكة ملكها الأب الذي كان مَثَل الطفل يوسف الأعلى. الأب هنا فنان حقيقي يستمتع بعمله كمُربي للنحل وصانع للعسل، يشكل له "خلق" هذا المنتج قضية حياته الأهم التي يريد نقلها لابنه الصغير. تلك القضية التي تظهر خطورتها على الرجل وأسرته الصغيرة عندما يلقي حتفه وحيدا وسط الغابات عندما أراد صعود أحد الأشجار بحثا عن العسل ليتغير مسار حياة الأسرة بالكامل مقابل محاولة لنيل نشوة الإبداع والخلق. 

اللبن على النقيض تماما من العسل، فهو منتج مضمون وآمن، تصحو الأم من نومها يوميا وهي على يقين بأنها ستجد ضروع أبقارها ممتلئة باللبن لتبيعه أو تصنع منه الجبن لتضمن بذلك القروش الضئيلة التي تعيش بها مع ابنها الوحيد. اللبن هو حرفة محدودي الطموح وغير المبدعين والخائفين من المستقبل. اللبن هو ما كان يوسف يكرهه في طفولته ويتصنع الطرق للتهرب من شربه وكأنه يخشى أن يصير كوالدته؛ لذلك فقد كان قرار شرب اللبن هو أول قرار اتخذه يوسف الطفل عندما علم بوفاة والده، ولهذا أيضا كانت وصية الأم الوحيدة لابنها الممزق بينها وبين والده بعد وفاتها أن يقوم بذبح أحد الماشية المنتجة لنفس المنتج الأبيض. 

العنصر الثالث هو البيض، وهو منتج يختلف في خصائصه عن سابقيه، فهو لا يحتاج للكثير من الإبداع ولا الموهبة كالعسل، لكنه ليس مضمون الوجود كاللبن. فدجاجات يوسف لا تبيض بشكل يومي، ولا يمكن المراهنة على بيع بيضها لسد رمق الأسرة، لكن يظل وجوده كل حين وآخر مصدرا للسعادة. مثلها مثل القصائد التي يكتبها يوسف، تأتي لإسعاده ومنحه القناعة بأنه قادر على الخلق، وهي نفس السعادة التي تمنحها لوالدته المستسلمة التي تفخر بلصق خبر فوز ابنها بجائزة شعرية متواضعة على باب ثلاجتها. ولكن مقابل هذه السعادة المحدودة فهي تمزق من ينتظرها طويلا، فذهاب الطفل الصغير يوميا لأعشاش الدجاج باحثا عن بيض لا يجده لا يختلف كثيرا عن بحث يوسف طوال عمره عن تحقق لم يتحقق إلا عندما قرر في النهاية العودة لجذوره ليجد الطفل البيض أخيرا في العش الدافئ. 

تفاعلية النص الدرامي

التفسير السابق لرموز الفيلم هو تفسيري الشخصي الذي قد يتفق كليا أو يختلف كليا مع تفسيرات الآخرين له. فسميح قبلان أوغلو يقدم لنا نصا دراميا يستحيل الجزم بوجود تفسير أو تناول واحد له. وكأن ثلاثية المخرج الذي بزغ نجمه في الألفية الجديدة تحمل في طياتها السمة الأبرز للفن والإعلام في الحقبة ألا وهي التفاعلية. فثلاثية يوسف لا تروي حكايته فقط، بل تروي حكاية كل مشاهد بذل الجهد المناسب للانخراط في الحكاية ومحاولة فهم مآزق أبطالها، وهذا ما قصدته عندما ذكرت إن رحلة الفيلم هي رحلة البحث عن المجهول لحين الوصول للحظة تنوير إنسانية، للحظة تدرك فيها إن الثلاثية تتحدث عنك لا غيرك، وإن يوسف الذي كنت في أول مشاهدة له تراه مجرد شخصية خيالية تعيش في بلاد بعيدة تحكمها عادات وقيم ولغة مختلفة، ما هو إلا صورة مغايرة منك يعاني من نفس هواجسك ونفس أزماتك.

هذا البحث عن نقاط اللقاء بينك وبين يوسف يستمر من بداية الأحداث لنهايتها، تزيكه لحظات الصمت المطولة التي تمنحك فرصة حقيقية للتفكير والمقارنة والهضم، ويمهد الطريق له اختيار وتوجيه مدهشان لجميع ممثلي الثلاثية على مختلف أعمارهم، ويدعمه نضج المخرج الذي اختار أن يبتعد عن مراهقة الصراعات المرتفعة والغرائبية لحساب الدراما الإنسانية التي تخاطب الإنسان أيا كان مكانه في هذا العالم. 

سينما بكاميرا تشكيلية

كل ما سبق كان من الممكن أن ينتج عملا متوسط المستوى إذا لم يتم تقديمه بواسطة مخرج يدرك بدقة سمات السينما كفن بصري بالأساس. فما قلته عن اختزال الدراما لصورتها الأدنى باعتباره انجازا سرديا كان من الممكن أن يقال على عمل آخر كعيب في البناء الدرامي. ولا تناقض هنا بين الحكمين لأن المعيار في كل حالة هو اختيار المخرج الذي يمكن الحكم عليه من خلاله. 

فإذا كانت غالبية المخرجين يعتقدون في كون الصورة هي مجرد وسيلة لنقل نص مكتوب يعتمد عليه نجاح الفيلم أو فشله فنيا وجماهيريا، فإن هؤلاء يخضعون أنفسهم طواعية لقوانين البناء الدرامي ويجبرون النقاد على تناول أعمالهم باعتبارها حكايات تميزها ميزات الحكي وتضعفها عيوبه. أما القلة المبدعة والتي ينتمي قبلان أوغلو لها بالتأكيد فتأتي بالجديد البصري لتجبر من يتناول العملعلى أن يضع الصورة على رأس قائمة عوامل التقييم، وهو بالمناسبة الهدف الأسمى الذي يجب أن يسعى كل صانع أفلام حقيقي لبلوغه. 

وإذا كنا نعيش في منطقة جغرافية لا يزال بعض صناع الصورة فيها يتباهون بأن صورتهم السينمائية ليست مسطحة بل تحتوي على عمق، وتدرس معاهدها أوليات المنظور اللوني فقط لتعلم الناس إن الصورة يجب أن تنقسم إلى مقدمة وخلفية، فأنت أمام مخرج يعلم جيدا إمكانيات الكادر السينمائي الحقيقية، ويتمكن عبر الاستخدام السلس للتكوين ولألاعيب المنظورين الخطي واللوني أن يقسم صورته إلى أربعة ـ وأحيانا خمسة ـ مستويات من العمق.

الأمر لم يقتضي تقنيات مخترعة خصيصا من أجل الفيلم ولا لإمكانيات ضخمة ولا حتى لتوظيف مفرط للإضاءة. كل ما في الأمر هو إن المخرج التركي يعلم جيدا تأثير أشياء كمكان الكاميرا وتوزيع الألوان والخطوط وتقسيم مواضع الحركة والثبات، واستخدم هذه المعرفة مع الكثير من المجهود في رسم مشاهده بعناية، لتكون النتيجة لوحة تشكيلية متحركة تبهرك كل لقطة منها مرة لثراءها ومرات لبساطة عناصرها. 

وفي النهاية

المحصلة هي إن سميح قبلان أوغلو تمكن من اجتياز خطوة ضخمة بالسينما التركية التي أفرزت صناعتها الضخمة خلال العقدين الأخيرين عددا من صناع السينما المتميزين بعد عقود طويلة من سيادة الفن التجاري عليها. ولعل التتويج بجائزة الدب الذهبي يعطي مؤشرا على هذا التقدم الذي تشهده بلاد الأناضول سينمائيا تزامنا مع نهضتها الاقتصادية والعلمية، في الوقت الذي تستمر السينما المصرية التي كانت في يوم أكثر نضجا من نظيرتها التركية في التراجع. وحتى عندما تريد وسائل إعلامنا استيراد الفن التركي فإنها تختار التجاري والضعيف من المسلسلات والأفلام بينما تظل الأسماء الأهم والتي تقدم سينما حقيقية مجهولة في المنطقة العربية.

عين على السينما في

03/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)