حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

هوغو …

حيث النهايات السعيدة في الأفلام فقط

 محمد رُضا

في عام واحد استعار مخرجان من الثقافة الفرنسية المصوّرة عملين كبيرين. ستيفن سبيلبرغ استعار من الرسّام البلجيكي جورج ريمي (المعروف بإيغريه) شخصية "تان تان" (او تِن تِن كما سُمّي بالإنكليزية) وحقق فيها ومنها "مغامرات تان تان" المعروض حالياً (والذي تناولناه في الموقع قبل بضعة أسابيع)، ومارتن سكورسيزي استمد من رواية برايان سلزنيك المعروفة بـ "أوغو كابريه"، ليس المقصود الكاتب فرنسي، بل هو أميركي، لكن ما وضعه في 533 صفحة هو قصّة مكتوبة ومرسومة لشخصيات وأحداث باريسية تقع في مطلع القرن العشرين وتتمحور حول المخرج الفرنسي جورج ميلييس.
مارتن سكورسيزي أخذ هذه الرواية المكتوبة للصغار لأن شخصية الطفل أوغو (او هوغو بالإنكليزية) هي الشخصية البطولية. هي المناط بها الدخول إلى عوالم الفترة من ناحية، وهي التي تحمل مفتاح تقديم ميلييس وعالمه وتشكل تنويراً ومعرفة لجيل كامل من الصغار (والكبار أيضاً) الذين لا يعرفون شيئاً عن ذلك المخرج المبدع وما قدّمه للسينما.
في الوقت ذاته، حرص سكورسيزي على أن لا يسرد فيلماً، كسرده أي من أفلامه السابقة. هو هنا لا يريد أن يسلّي الصغار ويعطيهم فيلماً فانتازياً يلهون به ويستمتعون. «أوغو» هو فيلم شخصي  منه وله كما منه ولنا نحن هواة السينما. فيلم تقدير مفعم للسينما الصامتة، سينما باستر كيتون وتشارلي تشابلن وهارولد لويد وغريفيث و-بالطبع- جورج ميلييس. الفرص التي اختارها لتجنّب التحوّل إلى سينما سبيلبرغ الترفيهية التي تفتقد إلى عمق الشخصيات والروح الخاصّة المتأصّلة التي فيها، لا تحصى. في الصالة كنت أسأل نفسي كيف يستقبل الصغار هذا الشحن من الأفكار والمعلومات والنوستالجيا. ليس أنه فيلم ممل او غير ممتع، لكنه من النوع الهادف في الوقت ذاته. لا سكورسيزي ولا سواه من الذين حققوا أفلاماً عن صغار حالمين بالسينما (فرانسوا تروفو او جيسيبي تورناتوري او أسامة فوزي) صنعوا شيئاً يقترب من هذا الإنجاز البديع.

الحكاية تبدأ في محطّة قطار ضخمة في باريس. الصبي أوغو (آسا باترفيلد) يعيش في غرفة علوية قريبة من برج الساعة القديمة التي آل إليها الحفاظ على استمرارها. وهو شغوف بالميكانيكيات. بالتفاصيل الأدواتية الصغيرة في عصر كان لا يزال يحفل فيها. في زمن كانت اللعبة التي تُدار بمفتاح فتتحرك لنصف دقيقة ثم تتوقّف ما زالت السائدة. في مرحلة من الحياة كانت الشمس غربت عن القرن التاسع عشر ولم تشرق بعد على مفاجآت القرن الجديد. السينما كانت وُلدت (وسكورسيزي حريص للقول أن أفلام لوميير كانت "من" الأفلام الأولى التي تم تحقيقها لأنها لم تكن الأولى حقاً) ومرّت بمراحل سريعة متعاقبة. من أفلام الوهم والسحر القصيرة (حين كان المخرج يُكنّى بالساحر) الى أفلام الوهم والسحر الطويلة. من تلك الكوميدية التي لم يكن يُداخلها أي مؤثر او خدعة (هو هارولد لويد ذاته الذي يتسلّق جدار المبنى من دون حبل او أداة رافعة) الى تلك المتشابكة أكثر وأكثر. إنها فترة ما بين الحربين العالميين. خرج الناس من واحدة منهكين وما أن أخذوا يتحرّكون بعيداً عن ذكرياتهم وأحلامهم المنهارة حتى اندلعت الحرب من جديد. طبعاً سكورسيزي لا يذهب إلى هناك. ليس مطلوباً منه كل ذلك. لكنه يضع البذرة. ها هو بن كينغسلي في دور جورج ميلييس يتذكّر ويشرح تبعات تلك الحرب العالمية الأولى وكيف ساهمت في توقّفه عن العمل.

قبل الدخول في هذا المجال، القصّة تتوالى على نحو شيّق ولو أن الفيلم في ساعته الأولى من ساعتين يتوقّف عن التطوّر درامياً في بضع مراحل كما لو كان المخرج بحاجة لأن يصبر قليلاً ليتأكد من أن الجمهور لديه الوقت الكافي لتشرّب الوضع والحكاية الماثلة. بعد ذلك لا توقّف عن دفع الأحداث صوب ذرواتها العاطفية.
في مطلع الفيلم يقبض رجل عجوز على أوغو ويجبره على إفراغ جيبا معطفه من المسروقات. يفرغ أوغو محتويات الجيب الأول من تلك المفاتيح الميكانيكية والبراغي وما شابهها ومن الثانية دفتراً صغيراً آل إليه من أبيه الذي مات (دور صغير لجود لو). العجوز (الذي لن نعرف ما كنيته حتى وقت لاحق) يستولي على الدفتر الصغير مهدداً بحرقه. في أعقاب الولد حارس المحطّة (ساشا بارون كوهن) العائد من الحرب الأولى بساق صناعية والذي قرر أن يُحيل كل ولد صغير يلقي القبض عليه لبيت الأيتام بصرف النظر عن توسلاتهم. أوغو مهدد من قِبله ومن قِبل كلبه الأسود لكن ما يشغله هو استعادة دفتره وربط النقاط المنفصلة بعضها ببعض. هذا سيؤدي إلى اكتشافه أن هذا الرجل العجوز هو ذاته جورج ميلييس المخرج الفرنسي المبكر الذي رفض لوميير بيعه إحدى كاميراته فصنع واحدة خاصّة به صوّر بها مئات الأفلام. من بينها مئات الأفلام لم يبق سوى ثمانين فيلم بعدما تم اكتشاف العديد منها مهملاً في أماكن متفرّقة.
للتذكير، او لمن لا يعرف، وهناك متعلّم جديد كل يوم، جورج ميلييس قصّة كاملة. فصل خاص من تاريخ السينما الفرنسية. الأخوان لوميير (ومن سبقهما في بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة) كانا من زرع الوسيلة التقنية لتصوير وعرض أفلام. ميلييس هو من نقل السينما الى مستوى التصنيع. تصنيع الفكرة وتصنيع الوسيلة. ونهايته كانت حضيضاً كما يشرح الفيلم وأكثر، فهو بعد أن توقّف الجمهور عن مشاهدة أفلامه (أشهرها لليوم «رحلة إلى القمر») وجد نفسه لا يستطيع العمل، وما لبث أن أغلق الاستديو الذي بناه، وأشهر إفلاس الشركة التي أنشأها. حزن وغضب وحرق تصاميمه بينما تكفّلت صناعات أخرى بحرق أفلامه المصوّرة لتحويلها إلى كيماويات تستخدم في صنع الأحذية. هناك لقطة لنعلين نسائيين يطرقان رصيف المحطّة. أفلام ميليه تكمن في تلك النعال

ليس هناك من هو أفضل من مارتن سكورسيزي لتحقيق فيلم عن السينما. هو مثقّف يعرف كل شيء عن ظهر قلب، وهو، بالإضافة، راع ومروّج لعمليات ترميم الكلاسيكيات حول العالم. هو يعرف سينما ويعرف ميلييس وكل أولئك الرجال الذين صنعوا السينما. سكورسيزي يحب السينما الأولى ويغرف منها في أفلامه، دائماً لكنه هذه المرّة يصنع فيلمه عنها. يصنع فيلماً حزيناً عنها. يكاد يبكيها. بل هو يفعل ذلك موقناً، كما يقول في الفيلم "النهايات السعيدة هي ملك الأفلام"، أما الحياة ذاتها فنهاياتها حزينة حزن ميلييس على تاريخه المندثر وحزن سكورسيزي لزمن ولّى ولن يعود.
 
المفارقة التي ستبقى خالدة هنا هو أن سكورسيزي يستخدم تقنية الأبعاد الثلاثة لتقديم حكاية عصر ما قبل الألوان والشاشة العريضة (ولو أن بعض الأفلام في العقدين الأول والثاني من القرن الماضي لُوّنت باليد). من ناحية يبدو هذا القرار غريباً ومتناقضاً، لكن هل هناك من وسيلة أفضل لجذب الجيل المقبل لحكايات الأمس وعصر السينما الصافية؟

الجزيرة الوثائقية في

29/12/2011

 

حصّة العالم العربي من الإنتاجات العالمية في عام 2011 بقيت في حدود 4 - 3 % مما يتم إنتاجه

حصاد العام الذي مضى: سينما عربية متراجعة وعالمية تضرب أوتار الحظ

محمد رُضا 

حول العالم

في الحياة المسرفة في سرعتها التي نعيش، من السهل أن تمر بنا محطّات سينمائية مهمّة من دون أن تُثير أكثر من موقف عابر. ربما هو فيلم تم إغفاله، أو آخر لم تُتح له فرصة العرض أو ثالث لم يعرف ما يستحق من اهتمام إعلامي. «القصّة الحقيقية لهوية مزوّرة» للمخرج سليم الترك. بعد ستّة أشهر من عرضه العالمي الأول خارج مسابقة مهرجان «كان» الفيلم مختف عن الساحة العربية بأسرها. لم يلتقطه مهرجان أبوظبي ولم يلتقطه مهرجان الدوحة ولا مهرجان دبي، ولا حتى شهد عرضا في مهرجان لبناني، وهو فيلم لبناني أكثر من بعض أفلام لبنانية مخلوط تمويلها باليورو. أو على الأقل هو فيلم لبناني بالنسبة لموضوعه وطروحاته وهوية مخرجه، كما «هلأ لوين؟» و«الجبل» و«بيروت بالليل» (أو «فندق بيروت» في عنوان مواز).

«القصّة الحقيقية لهويّة مزوّرة» هو أول فيلم عربي بالأبعاد الثلاثة، وهذا لا يكفي وحده لتمييزه إلا على صعيد تأريخي وتقني بحتين. مما يميّز الفيلم هو كيف يطرح المخرج حكاية امرأة تجد نفسها حبيسة أحلامها غير المحقّة والكيان الاجتماعي القائم على المنفعة. لا يخاف المخرج اللبناني الآتي بطموح أكبر من أن تحدّه الطاقات ولوج عملية معقّدة فنيّا: الأحداث تقع في شقّة واحدة، والبطلة تتحدّث إلى الكاميرا في أكثر من مشهد قبل أن ينتقل الحدث إلى روائي بالكامل حين تستقبل شخصيات أخرى. الأسلوب مسرحي البناء يعكس إلماما ثريا للمخرج ومعرفة محددة بما يريده. لذلك إقرانه كل ذلك بتقنية الأبعاد الثلاثة لم يكن عن هوى لسبق الآخرين إلى ذلك بل أقرب إلى استكمال التعبير بالصورة ذات الخلفية البديعة تصميما بالتقنية وما تستطيع أن تطرحه.

لكن أحدا لم يغفل عن فيلم «وهلأ لوين؟» لنادين لبكي الذي برهن عن الحالة النشطة للسينما اللبنانية بفضل مجموعة من السينمائيين الذين وُلدوا - بالمعنى الإبداعي على الأقل -، كما حال سليم الترك أيضا، بعد تلك الحرب الأهلية المدمّرة. لكن «وهلأ لوين؟» حالة خاصّة وغريبة بدورها. فيلم عن حرب أهلية ما في بلد ما وعن أهل بلدة فيها ينجحون في محاربتها واتقائها بالرقص والموسيقى وقليل من الحشيشة والكثير من السذاجة المتبدية من خلال الموقف. صحيح أنه فيلم فانتازي لا يطلب من مشاهديه تصديق ما يدور، لكن تلقيمه بالطروحات الواردة فيه جاء مثل النفخ في الهواء. على ذلك استحق الفيلم جولته التجارية الناجحة ودخوله سجال الأوسكار في دورة الترشيحات غير الرسمية إلى الآن. إذا ما كانت هناك مخرجة عربية واحدة تعرف كيف تغازل المشاهدين العالميين بفرادة في الطرح والأسلوب والقصّة فإن نادين لبكي هي شخصية عام 2011 السينمائية بالفعل.

جهود غير منجزة

* ليس هناك الكثير الحاصل على صُعد السينمات العربية الأخرى التي انشغلت والربيع العربي، ذلك الموسم من الثورات الذي لم ينقض بعد بل استمر صيفا وخريفا ويدخل شتاءه الأول بلا نهاية منظورة في الأفق.

كان طبيعيا أن تنطلق الكاميرات لتصوير أحداث تونس ومصر في زمن تكنولوجي لن يكلف ذلك سوى الضغط على زر الهاتف الجوال أو كاميرا الدجيتال في أحوال أفضل. البث، وهذا جانب آخر مما تعيشه الصورة هذه الأيام، مُتاح عبر الإنترنت و«تويتر» وبات على التلفزيون أن يجاريها أو ينافسها بعدما كان خلق بدوره مشكلة للسينما حينما هدم الحدود بين الواقع والخيال وتركها تلهث وراء الزاوية الجديدة التي لم تنتبه إليها تقنيات اليوم.

وكان من الطبيعي أيضا، في هذا العام المنصرم، أن تسعى مهرجانات عالمية للتخلّي عن وقارها وعرض كل ما استطاعت الوصول إليه من أفلام هي ردود فعل لا فن فيها أو إجادة. هذا ليس حكما بالمطلق، إذ إن جهود «الطيب والشرس والسياسي» الذي تناوب على إخراجه ثلاثة سينمائيين مصريين، هو أفضل من جهود «التحرير 18» الذي قام بإخراجه ثلاثة عشر مخرجا مصريا، ثم ها هو فيلم أحمد رشوان «مولود في الخامس والعشرين من يوليو» نقلة أفضل متوخيّا دمج الذات في عملية تلقّف تلك الثورة وأحداثها.

لكن لم تنجز السينما المصرية فيلما دراميا كاملا وعميقا ومدروسا عن تلك الثورة وربما لن تفعل ذلك في السنوات القريبة لسببين: عام 2011 أكد سيطرة الفيلم الخفيف على السوق رغم المتغيّرات الحاصلة في الشارع، والثاني لأن المرحلة السياسية المضطربة ما زالت حاضرة ما يمنع النظر إليها على نحو ما فعلت أفلام ذات خط سياسي تحليلي في السبعينات مثل «الخوف» لسعيد مرزوق و«على من نطلق الرصاص» لكمال الشيخ و«الكرنك» لعلي بدرخان.

وإذا كانت السينما الجزائرية منهكة، والتونسية معدمة والليبية غير واردة، وذلك على طول ذلك الخط الساحلي الأفريقي، فإن السينما المغربية تعيش نشاطات جيّدة رغم تفاوت نوعيات النجاح وهو أمر منطقي. ثلاثة أفلام عرضها مهرجان أبوظبي كانت لافتة في هذا الإطار هي «أياد خشنة» لمحمد العسلي و«نهاية» لهشام العسري و«بيع الموت» لفوزي بنسعيد.

لكن أحد أفضل الأفلام الوثائقية قدمت من الجزائر في إطار «الغاتسو» لسافيناز بوسيبيا وهذا ما ينقلنا إلى الجانب التسجيلي من السينما من جديد، فبينما ندرت الأفلام التسجيلية الجيدة ذات العلاقة مع الثورات الحاصلة، برزت تلك التي اختارت مواضيع بعيدة الشأن تماما مثل «الغاتسو» عن فرقة موسيقية من مسلمين ويهود تجمع شتات نفسها من جديد، و«يامو» أفضل فيلم وثائقي شاهده هذا الناقد من مخرج جديد هو رامي نيحاوي.

وضع مقلق

* عالميا، علينا أن نعرف أن حصّة العالم العربي من الإنتاجات العالمية في عام 2011 بقيت في حدود 3 - 4 في المائة مما يتم إنتاجه حول العالم. هذا رقم ضئيل رغم الرقم الكبير من الأفلام العربية التي تم عرضها في المهرجانات العربية الأخيرة. رقم يعكس شأنا أصغر حينما نعيد للذاكرة أن عدد سكان العالم العربي تجاوز الـ300 مليون نسمة في بعض آخر الإحصاءات. طبعا لا يمكن توخّي أن يكون ثلث هذا الرقم من مدمني السينما لكي نشهد إنتاجا غزيرا في كل دول هذه المنطقة أو تلك، لكن العوامل التي أدّت سابقا لتشتت الجهود لخلق صناعات سينمائية بقيت كما هي في العام الماضي وزادتها اضطرابات المنطقة.

* في السنة الفائتة تبدّى المنظر على هذا النحو:

* هوليوود منجرفة في تحقيق الثنائيات والثلاثيات والرباعيات وسواها من السلاسل السينمائية والجمهور مسؤول كونه مستعدا لأن يشرب من البئر نفسها أكثر من مرّة. بالنسبة لأفلام المسلسلات فإن الإيراد العام لها أقل من الإيراد العام لعام 2010 بنسبة 16 في المائة (بينما كانت الإيرادات في عام 2010 تزيد سبع مرّات عنها في عام 2009). هذا على الرغم من أن الأفلام الخمسة الأولى في إيرادات الأفلام في شمالي أميركا كلها أجزاء ثانية. الصورة ربما أوضح حين نعلم أنه من بين 16 جزءا تم عرضه (لا يتم حسبان الأفلام المعاد صنعها هنا كـ Remakes) فيلمان فقط حققا إيرادات أنجح من الجزء السابق لكل منهما: «خمسة سريعون» الذي تجاوز إيراد الجزء السابق (4) بـ33 ونصف في المائة و«هاري بوتر: والمقدّسات المميتة - 2» الذي حقق 29 في المائة أكثر من الجزء السابق له من السلسلة. في المقابل فإن أكبر الأفلام المسلسلة خسارة هو Spy Kids: All the Time in the World وHappy Feet 2

تيارات فيلمية

* كل ذلك يعطينا صورة واضحة عن الجانب الصناعي من السينما لكن حين الحديث عن الجانب الثقافي والفني من العمل السينمائي، فإن الأحداث السينمائية تختلف على نحو مثير للاهتمام. مثلا هذا العام هو العام الذي انبرى فيه ثلاثة مخرجين معروفين بانتماءاتهم الفنية لإثبات أن تحقيق أفلام بالأبعاد الثلاثة أمر ممكن. هؤلاء هم الألمانيان يم ندرز الذي أنجز فيلمه الاستعراضي «بينا» ورنر هرتزوغ الذي قدّم فيلمه التسجيلي «كهوف الأحلام المنسية»، لكن أفضل التجارب عموما سجّلها الأميركي مارتن سكورسيزي بإقدامه على تحقيق «هوغو» بتلك التقنية. لكن ستيفن سبيلبرغ، الذي عادة ما يسعى للإتقان التقني تعثّرت خطواته في «مغامرات تان تان» ليس على الصعيد التقني بالضرورة بل على الصعيد الفني أساسا.

«هوغو» من بين الأفلام الأكثر نيلا للإعجاب النقدي خلال العام الماضي. حسب موقع films101 الذي يعتمد في إحصاءاته على دراسة ردود فعل النقاد والسينمائيين على حد سواء هو في المركز الثامن بين الأفلام الأكثر تقديرا لمستوياتهم الفنية. في المركز الأول «شجرة الحياة» لترنس مالك، الذي نال ذهبية مهرجان «كان». في المركز الثاني «انفصال» للإيراني أصغر فرهادي الذي نال ذهبية مهرجان برلين. الثالث «الأحفاد» للأميركي ألكسندر باين و«الفنان» الذي حصد الجائزة الثانية في مهرجان «كان» وهو للفرنسي ميشيل هازانافيشوس في المركز الرابع. أما «ميلانشوليا» للدنماركي لارس فون تريير فجاء خامسا.

وفي حين يميل البعض للبحث الدائم عن «الطروحات السياسية» ليتيح وضع أصبعه على بعض هذه الأفلام وجمعها في باقة، إلا أن الواضح أن المسألة ليست كذلك بالمرّة. ما لا يحاول الكثر من النقاد اعتباره هو أن تفضيل المخرجين الكبار (زوخوروف، سكورسيزي، ايستوود، باين، مالك وسواهم) تجنّب السياسة في أعمالهم هو أفضل موقف يستطيع كل منهم القيام به لكي يعكس كم يكره السياسة. ومن يلومه؟

جولة في سينما العالم

أول لقطة

هناك إعلان تستطيع مشاهدته قبل عرض الأفلام على الشاشات اللندنية يقول في مطلعه: «اترك الواقع في البيت» وتخال أنه سيطلب منك اللجوء إلى الخيال في السينما، لكن الإعلان يخص واحدة من كبريات شركات بيع أجهزة التلفزيون مما يثير السؤال حول كيف تترك الواقع في البيت وتبقى فيه معا.

لكن العنوان لافت لي لأن الحديث عما هو واقع وعما هو خيال بات متداخلا مثل صورتين تم التقاطهما فوق بعضهما البعض.

في السابق، كان طلاب الخيال يقصدون - إذا ما أرادوا الخيال كاملا - صالات السينما ليعايشوا قصصها وما تبثّه من مواقف مختلفة، عاطفية أو اجتماعية أو كوميدية أو مغامراتية. فيلم من بطولة طرزان، الأبيض وسط الأفارقة، كان متعة للبال خصوصا مع عرض الحياة في تلك الأدغال وغرابتها بالنسبة لباقي شعوب الأرض. فيلم حول مغامرة فضائية أو غزو من أهل الفضاء للأرض كان يترك الناس مشدودة إلى كل تلك الاحتمالات الغريبة والفانتازية. الرعب يذهب بالبال بعيدا ليتحوّل إلى كابوس. الكوميديا تعيش في النفوس بصرف النظر عن موقع الحدث. الدراما تجعل الناس تتابع المشاعر العاطفية تتأوّه متعاطفة مع الأزمات وتبتسم للنهايات السعيدة.

لكن اليوم السينما مثل البيئة. تعرّضت للتغيير من دون أن تأتي هذه التغييرات بنتائج أفضل. من ناحية هناك التحميل السياسي والثقافي والأيديولوجي لها بحيث باتت تئن تحت ثقل ما يعتقد البعض أنه أحرى بها وأجدى. من ناحية أخرى هناك الأحداث السياسية ذاتها. من كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) إلى الحروب التي تبعتها.. هل نحن نعيش في الواقع فعلا أم أننا في منطقة تشبه تلك التي تنبأ لها «ماتريكس»؟

ثم لا ننسى كل ذلك «التقدّم» التكنولوجي الذي زاد من تحويل السينما إلى واقع يشبه تماما واقع السلعات الموضوعة فوق الرفوف. حتى الشاشة الكبيرة أصبحت تُباع وما فيها كعلبة مأكولات.

شخصيا أفضل الخيال كاملا، وأرى أن السينما من الفيلم الأول سنة 1888 وإلى اليوم هي كل الحياة التي أريد على هذه الأرض.

أفضل عشرة أفلام أجنبية

* 1 Tree of Life إخراج: ترنس مالك (الولايات المتحدة) بشاعريّته المتدفّقة، يغازل المخرج حياة عائلة تكساسية بوجدان رجل يتذكّر. يتركه الفيلم معلّقا بمشاعره الصامتة ويترك كذلك حكاية العائلة ليصوّر الماء والجبال والأشجار والزمن والطبيعة.

وبدايات الخلق ويعود من كل ذلك متمما رحلته الاجتماعية ورسالاتها.

2 Hugo إخراج: مارتن سكورسيزي ما يقدم عليه المخرج الشهير هو تخليد الفن السينمائي في باكورته. وفيه يلقي المخرج الأميركي سكورسيزي تحيّته لأول مخرج في سينما الخيال العلمي والغرائيبيات، الفرنسي جورج ميليس.

3 The Turin Horse إخراج: بيلا تار (المجر/ ألمانيا) للمخرج بيلا تار لديه أسلوب فريد في العمل: متابعة تفاصيل الحياة بكل تؤدة ومع كل ما يبدو، من الخارج، تكرارا لليوميات. هنا الحياة الرتيبة التي لا أمل في أفقها لفلاح عجوز وابنته تتوالى أمامنا مضيفة شيئا جديدا في كل يوم.

4 Once Upon a Time in Anatolia إخراج: نوري بيلج شيلان (تركيا) دراما اجتماعية ذات بناء بوليسي وما يبدأ بالسؤال عن أين يتّجه بنا المخرج يتحوّل إلى متابعة ترصد الحياة وانفعالاتها من دون أن تنسى أن هناك لغزا عليها أن توفّر الإجابة عليه. يحوّل المخرج الرصد إلى معايشة جاذبة للاهتمام 5 Margin Call إخراج: ج. س. شاندور (الولايات المتحدة) بين كل الأفلام التي طرحت الوضع الاقتصادي وتأثيره على الفرد الأميركي، هذا أفضلها. دراما محسوسة المشاعر يقودها تمثيل رائع من كل العاملين ومنهم كَن سبايسي ودَمي مور وجيريمي آيرونز.

6 Le Havre إخراج: آكي كيورسكامي (فنلندا/ ألمانيا/ فرنسا) يلتقط المخرج من الحياة شخصيات غير منتشرة أو محسوسة. يتعامل مع طبائعها ويصوّرها وأماكن عيشها في ضوء خافت وكعادته يلتقي والإنسان الذي داخل البشرة.

7 Faust إخراج: ألكسندر زوخوروف (ألمانيا/ روسيا) مرّ تحت رادار معظم النقاد العالميين ربما لأنه لم يعرض على نطاق عالمي بعد. إنه نسخة زوخوروف عن نسخة غوتيه من حكاية الرجل الذي أبرم عقدا مع الشيطان. بصريا، هذا هو زوخوروف الثابت في شغله البصري والسردي.

8 The Descendents إخراج: ألكسندر باين (الولايات المتحدة) يستمر المخرج في تألّقه متمتّعا هذه المرّة بعناصر تجعل هذا الفيلم أفضل أعماله: جورج كلوني يكتشف أن زوجته كانت تخونه والمشكلة الآن هي أنها في غيبوبة مشرفة على الموت. قضيّته متعددة الأزمات لكن النهاية تدفع به إلى الغفران الكامل على نحو قابل للتصديق.

9 Meek›s Cutoff إخراج: كيل رايشهارد (الولايات المتحدة) ترى المخرجة الغرب الأميركي كما لم يره أحد من قبل في هذا الفيلم الوسترن المتقشّف عن رحلة قافلة ضائعة يتخللها موقف الرجل الأبيض الشوفيني والمواجهة الصلبة لامرأة شاركت في تأسيس ذلك الغرب.

10 The Artitst إخراج: ميشيل هازانفيشيوس عودة أخرى إلى أصول السينما في هذا الفيلم حول الممثل الذي كان انطلق بنجاح في عهد السينما الصامتة ليجد نفسه غير قادر على الاستمرار حينما تم تزويدها بالصوت. مشغول بحب المخرج لتلك الفترة وبرغبته في الحديث عنها كما لو أنه عايشها.

هناك بضعة أفلام حديثة لم تتح للناقد ضمّها هنا نظرا لأنه لم يشاهدها بعد من بينها «حصان الحرب» لستيفن سبيلبرغ.

شباك التذاكر

* أنجح عشرة أفلام خلال سنة 2011 عالميا 1. Harry Potter and the Deathly Hallows - 2 2. Transformers: Dark of the Moon 3. Pirates of the Caribbean 4 4 Kung Fu Panda 2 5 The Twilight Sage: Breaking Down part 1 6 Fast Five 7 The Hangover Part II 8 The Smurfs 9 Cars 2 10 Rio

أفضل خمسة أفلام عربية

* 1 «القصّة الحقيقية لهويّة مزوّرة» إخراج سليم الترك (لبنان) دراما مشغول على تفاصيلها التصميمية والسردية تعبّر عن توجّه جديد.

2 «مولود في الخامس والعشرين من يناير» إخراج: أحمد رشوان (مصر) تسجيلي عن الفنان في بحر المتغيّرات يكوّن فيلمه من الخاص والعام.

3 «يامو» إخراج: رامي نيحاوي (لبنان) تسجيلي عن رجل يبحث عن هويّتيه الذاتية والوطنية من خلال مقابلة مع والدته 4 «أياد خشنة» إخراج: محمد العسكي (المغرب) دراما عاطفية ذات طروحات اجتماعية حول المدينة وعذابات شخصياتها.

5 «النهاية» لهشام العسري (المغرب) دراما أخرى عن الحياة في المدينة وما يتخللها مصنوع بتجريب جريء في الشكل.

* لم يتم ضم «الجمعة الأخيرة» ليحيى العبدالله لعدم التمكّن من مشاهدته.

الشرق الأوسط في

30/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)