حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بين الرقمي والتاريخي

«وهران السينمائي».. جنة « ســنوات الجمر »

زياد عبدالله - وهران

يصف ابن خلدون مدينة وهران الجزائرية بأنها «جنة الحزين».. تستوقفني العبارة لشاعريتها، ولا أدعي أنني حزين وأنا في أحضان هذه المدينة الساحلية الجميلة، أتابع فيها «مهرجان الفيلم العربي»، الذي سيكون آخر مهرجانات هذه السنة، وعلى شيء من تحول برنامجه إلى برنامج تجميع لما شاهدناه في هذه السنة أو السنة التي قبلها، في اتباع لتوزيع جغرافي له أن يحقق ما تأسس عليه المهرجان، أي بوصفه مهرجاناً للفيلم العربي فقط، وتحديداً الروائي القصير والطويل.

تتولى الأفلام المعروضة في هذه الدورة، كما في غيرها من دورات، تمثيل الدول العربية بشكل أو بآخر، فحين نقول مصر مثلاً فإن فيلم عمرو سلامة «أسماء» وفيلم خالد يوسف «كف القمر»، يمثلان مصر في مسابقة الروائي الطويل، بينما يمثل سورية فيلم «دمشق مع حبي» لمحمد عبدالعزيز، وتحضر الجزائر من خلال فيلمين الأول «نورمال» الفائز بجائزة ترابيكا الدوحة لمرزاق عولاش، و«قديش تحبني» فيلم فاطمة الزهراء زعموم. بينما تحضر تونس من خلال فيلم رضا الباهي «دائما براندو» الذي شاهدناه في دورة هذا العام من مهرجان أبوظبي السينمائي، بينما يحضر من المغرب فيلم «الأندلس الحبيبة» لمحمد نظيف، و«الماجد» لنسيم عباسي الذي عرض في الدورة قبل الأخيرة من مهرجان دبي السينمائي، مثلما هي الحال مع فيلم الأردني محمد الحشكي «مدن ترانزيت» وصولا إلى الفيلم المتوج في الدورة الثامنة من مهرجان دبي السينمائي الذي اختتم فعالياته منذ أيام، وأقصد هنا فيلم سوزان يوسف «حبيبي راسك خربان».

الكتابة عن الافلام السابقة سيكون أمرا مكرراً، وقد سبق لي وكتبت عنها، كما أن المهرجان سيكون بشكل أو بآخر بانوراما سينمائية عربية لا تدخل في نطاق الاستحواذ على عروض عالمية أولى أو حتى عربية أولى، وما سأفعله هنا سيكون أمراً غريباً، متمثلاً في الحديث عن تجربة شخصية متعلقة بفيلم قصير يعرض ضمن افلام مسابقة الفيلم القصير، عنوان هذا الفيلم «بيب»، وقد قمت بكتابة سيناريو هذا الفيلم، وأخرجه المخرج المصري هيثم صقر، وعرض أول من أمس في سينما السعادة الوهرانية.

السينما مدهشة بحق عليّ أن ابدأ بعبارة كهذه تحمل الكثير من المعاني والتأويلات، وعليّ التوضيح مثلاً أن فكرة فيلم «بيب» تعود بي إلى عام ،2002 والتي ما أن تعرفت إلى هيثم صقر وذلك لم يكن إلا العام الماضي حتى حدثته عنه على فنجان قهوة فأعجب بها كثيرا وسألني بعبارة سينمائية محضة «أريد ورقا» طبعا هذه العبارة مفصلية في صناعة أي فيلم، إذ إن الفيلم أي فيلم عليه أن يكون على الأوراق أولاً وألا يكون شفاهياً، ومتى أصبح هناك سيناريو فإن أولى الخطوات نحو انجاز ذلك الفيلم تكون قد تحققت، وهذا ما فعلته كون كتابة الفكرة التي كانت في رأسي منذ أكثر من ثماني سنوات تقريباً لم تستغرق كتابتها سوى أيام معدودات لا تتجاوز الأسبوع الواحد، وها هو الآن مجسد بصري في سياق فيلم دار على مهرجانات عالمية كثيرة، ابتداءاً من سيؤول مروراً بمهرجان «انترفيلم» ببرلين، ومهرجان كليفلاند السينمائي ومهرجان الفيلم العربي في أميركا ومهرجانات كثيرة أخرى وصولاً إلى وهران.

هناك حقيقة صارخة تجب مشاركتها مع المتابع للسينما، هي أن الكاتب لا يعود يملك الفيلم متى خرج من الأوراق إلى الكاميرا، ومع إدراكي هذه الحقيقة نظرياً فقد استدعى مني ذلك الكثير من الجهد لتنحية رؤيتي الخاصة حين مشاهدة الفيلم الجميل الذي انجزه هيثم صقر، وهنا أصف الفيلم بالجميل ليس بناء على ما أرى الفيلم عليه حين كان يتجول في رأسي أو حين كان على الأوراق، بل بناء على ما صنعه صقر وفق ما قرأ عليه الأوراق التي أمامه بوصفه مخرجاً، وأنا بالتأكيد ومهما تطابقت الرؤى بيني وبين المخرج فإن شيئاً آخر سأراه على الشاشة.

وعليه فإن «بيب» هو فيلم هيثم صقر أولاً الذي لن أقاربه نقدياً، لكن علي تتبع ما يحمله الفيلم الذي يصفه صقر بـ«الكابوس الرقمي»، وهو كذلك لأن الكلمة المفتاح في الفيلم متمثلة في عنوانه، فالفيلم صامت أولاً، وليس «بيب» إلا مجموعة من الرنات الرقمية التي تختزل حياتنا الحديثة، وصولاً إلى الرنة الأخيرة، لا بل إن تراكم هذه الرنات في حياتنا اليومية سيحول كل شيء إلى سلعة كما لو اننا لا نحمل قلوبا ولا أرواحاً بل «بار كود»، التسليع يمضي جنباً إلى جنب مع إيقاع تصاعدي يبني عليه فيلمه صقر بما يجعلنا أمام قراءة سينمائية لشخصية تسعى لأن تكون كما كان عليه السيد «ك» في رواية كافكا «المحاكمة» المدان بما لم يرتكبه، إنه كما في فيلم صقر ضحية نظام اجتماعي واقتصادي اتفق البشر على أنه أفضل ما توصلت إليه البشرية،وهي ثقافة الاستهلاك ولا شيء إلا الاستهلاك.

أترك ما تقدم من اختلاط الشخصي بالنقدي، وأمضي مع فرصة يتيحها مهرجان وهران للفيلم العربي، متمثلة في الرجوع إلى عام 1975 والفيلم المفصلي في تاريخ السينما العربية وأقصد تحديدا فيلم الجزائري محمد الأخضر حامينا «وقائع سنوات الجمر» الفيلم العربي الوحيد الفائز بسعفة «كان» الذهبية، الأمر الذي لم يتكرر إلى يومنا هذا، وأقصد تحديدا فوز فيلم عربي بالسعفة الذهبية، ولعل عرضه في سياق هذه الدورة من وهران الفيلم العربي يشكل بالنسبة لي فرصة هي الأهم لمشاهدة هذا الفيلم في السينما، وعلى شاشة كبيرة، وهذا ما تحقق أول من أمس بسينما السعادة في وهران، ولأكون حيال هذا الفيلم البديع، أو التحفة الفنية التي علي القول هنا دون كثير سعادة إنها لم تتكرر بناء على متابعة اتمنى أن أكون مخطئا في تبني رأي كهذا، لا بل إن وضع هذا الفيلم كعتبة للانتاج السينمائي العربي تبدأ من عام 1975 وتصل إلى أيامنا هذه ستقول لنا، إن إمكانية تحقيق فيلم كهذا أصبحت تتضاءل، ولأسباب عدة، لن أخوض بها الآن، ولي أن أعود إليها في مقالات أخرى.

فيلم «وقائع سنوات الجمر» ملحمة سينمائية لها أن تدفع أي جزائري أن يكون فخورا بأن يحتوي أرشيفه السينمائي على فيلم كهذا، إنه فيلم له أن يتعقب مصائر أحمد الذي لن يكون إلا تجسيدا لمصائر بلد بأكمله، يبدأ من الجفاف وينتهي بالثورة والاستشهاد، هذا الأحمد الذي نقع عليه في لقطة تتبع أقدامه على أرض متشققة إلى أن تجاور تلك الأقدام نعاجاً نافقة، وولد إلى جانبها على وجهه كل علامات الأسى وهو ينظر إلى ذلك الرجل الذي هو أحمد وحين تنتقل الكاميرا إلى وجه أحمد فإننا لا نراه لأن الشمس تكون ساطعة من خلفه ووجهه في منتصفها.

ينقسم الفيلم إلى فصول تشكل مراحل نشوء الجزائر وهي في الوقت نفسه المراحل التي عاشها أحمد، هي: «سنوات الرماد»، و«سنوات العربة»، و«سنوات الجمر» و«سنوات الحملة» و«سنوات النار»، وصولاً إلى التواريخ مثل «الأول من نوفمبر 1954» و«11 نوفمبر 1954»، ومع الرماد لن يكون من شيء إلا شظف عيش الفلاحين وانتظارهم الأمطار والمياه، «مع سنوات العربة» سيحضر الطاعون ونكون شهوداً على موت جميع أفراد عائلة أحمد إلا ابناً واحداً سيبقى حتى نهاية الفيلم ويكون رضيعاً في المهد.

مصائر أحمد مصائر بلد بأكمله، وتنقلاته تحت وطأة عوزه ستكون مترافقة مع تطور وعيه، أو استجابته لمعاينة ما حوله وحجم الظلم الواقع عليه من الاستعمار والإقطاع وغيرهما، الفيلم محتشد باللقطات التي تنسى، وهو كما يصف تاركوفسكي السينما بأنها «نحت في الزمن»، فإنه نحت في الزمن والصورة والمشهد واللقطة.

الإمارات اليوم في

18/12/2011

 

إيرادات 5 منها حصيلة عمل أمريكي في أيام

الأفلام الأجنبية غريبة في أمريكا

محمد رُضا  

يتّفق معظمنا على أن مستقبل السينما العربية لا يمكن أن يتم في لندن أو باريس أو بروكسل أو ساو باولو، بل عليه أن يُصنع في القاهرة وبيروت ودمشق والدار البيضاء ودبي وسواها من المدن العربية الكبيرة . ذلك لأسباب عديدة من أهمها أن اختراق السقف الفني والخروج من صندوق التوقّعات واختراق الحاجز الوهمي لتحويل الطموحات إلى أفعال لا يزال تمنيات أكثر منه إنجازات . من أهم الأسباب أيضاً، أن الجمهور الغربي الذي بات يريد مشاهدة أفلام غير تلك التي اعتاد عليها أكثر من سواها، بات أصغر حجماً مما كان عليه عندما كان من المتاح للسينما العربية أن تخرج من الحدود إلى الخارج لتملأ الفراغ أو لتشارك في ملئه .

ما البال إذاً بتجاوز الحدود الأوروبية إلى السوق الكبير للسوق الأمريكية؟ يسأل البعض إذا ما كان ذلك ممكناً أو هو فعل مستحيل؟

هو فعل شبه مستحيل بالفعل، لأن بعض المخرجين العرب، مثل هاني أبو أسعد ورشيد بوشارب ونادين لبكي استطاعوا بالفعل إيجاد دور عرض لأفلامهم مثل “الجنّة الآن” و”بلديون” و”سكر بنات” . لكن المسألة ليست عربية الطابع او الهوية، ففي حين أن الأفلام الأمريكية تغزو العالم مراراً وتكراراً كل أسبوع، فإن القليل جدّاً من الإنتاجات الأوروبية ذاتها تستطيع أن تتمتّع بعروض سينمائية تجارية في الولايات المتحدة . غالب هذه العروض يتكاثر بمناسبة الأوسكار او يتوجّه مباشرة إلى المهرجانات الرئيسة في نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسندانس وشيكاغو .

وواحدة من أكثر الصناعات الأوروبية تضرراً من هذا الوضع هي السينما البريطانية ذاتها، التي تحجم العديد من صالاتها عن عرض أفلام ذات صناعة محليّة وتتنافس على عرض ما هو أمريكي . الجانب الآخر من الوضع هو أن بعض الأفلام التي تُصنع في بريطانيا بمواهب بريطانية إنما تتبع تمويل استديوهات أمريكية ما يجعلها قادرة على الانتشار بلا حدود . أحد هذه الأفلام الماثلة “هاري بوتر والمقدّسات المميتة  الجزء الثاني” فهو أمريكي التمويل (وورنر) جمع حول العالم نحو 940 مليون دولار . فيلم “قراصنة الكاريبي: أمواج غريبة” حقق أكثر من 800 مليون دولار ويحمل هوية أمريكية رغم كثرة المشتركين البريطانيين فيه .

في المقابل فإن الأفلام الأجنبية لا تحقق في الولايات المتحدة سوى أقل قدر ممكن: جزء يسير مما ينجزه فيلم هوليوودي، حتى ولو كان ناطقاً بالإنجليزية مثل “مفتاح سارة” مع كرستين سكوت توماس عن رواية ناجحة من الحرب العالمية الثانية .

أيضاً “الفنان”، الفيلم الفرنسي الذي يتحدّث عن نهايات السينما الصامتة، والمعروض في الولايات المتحدة عبر صالات قليلة متخصصة حالياً . ونجاحه المحدود هذا يتبع نجاحاً مشابهاً للفيلم الفرنسي الآخر “حول الله والإنسان” والفيلم الإسباني “البشرة التي أعيش فيها” لبدرو ألمادوفار .

والثابت أن الأفلام الأجنبية الخمسة الأولى في سلّم الإيرادات الأمريكية تجمع فيما بينها، وفي كل عام، نحو 40 مليون دولار .

هذا الرقم قد يحققه فيلم أمريكي واحد في الأيام الثلاثة الأولى من عرضه في الولايات المتحدة، أو، كما الحال على نحو مشهود، يتجاوزه أضعافاً لا في الولايات المتحدة بل في العالم بأسره .

ومع أن عام 2006 شهد نوعاً من التصاعد في ايرادات هذه الأفلام غير الأمريكية في أمريكا إلا أن الوضع عاد ليستتب في حدود الثمانية ملايين دولار او نحوها لكل فيلم من تلك الأفلام الخمسة الأولى . في ذلك العام، أنجز فيلم غويلرمو دل تورو “متاهة بان” نحو 38 مليون دولار بمفرده . وبذلك أصبح واحداً من أكثر الأفلام الأجنبية نجاحاً في المدن الأمريكية .

الوضع الاقتصادي العام هو سبب آخر يتحكّم في توزيع ثروة الجمهور، ففي هذه الأيام باتت الأوضاع القلقة تسيطر على معظم مشتري التذاكر بحيث باتوا يفضّلون تفويت الأفلام المختلفة والغريبة على أمل استئجارها من محل الأسطوانات القريب درءاً لتكلفة الذهاب إلى السينما .

سينما العالم

قيس وليلى في فلسطين

 “حبيبي راسك خربان” كان اختياراً موفّقاً على نحو إجمالي للجنة تحكيم الدورة الثامنة في مهرجان دبي السينمائي الذي انتهى الأربعاء الماضي . إنه ليس فيلماً خارقاً في مزاياه،لكنه هادف يتحدّث عن حب مستلهم من حب قيس لليلى وما آل إليه هذا الحب من مشاق .

الموقع في فلسطين ما يجعل الفكرة تتمتّع بأبعاد اجتماعية وسياسية مهمّة من البداية .

هذا الفيلم الذي موله برنامج “إنجاز” التابع للمهرجان وشهد عرضه العالمي الأول في الدورة الأخيرة لمهرجان فنيسيا السينمائي، كان ووجه بنقد في غير محلّه محمّلاً إياه أكثر مما يجب من إخفاقات ومسؤوليات . مشكلته في اختيارات المخرجة سوزان يوسف المحددة في السيناريو والحوار، لكن حسناته مختلفة ومن أساسها قيام المخرجة بقطع السرد المتوقّع لقصّة الحب تلك بإشاراتها الاجتماعية والسياسية رابطة قصّة الحب بالمواقف المعارضة على الجانب الفلسطيني (تبعاً لتقاليد اجتماعية) وعلى صعيد الاحتلال “الإسرائيلي” (تبعاً للسياسة العنصرية التي يمارسها) .

القلّة تحكم الكثرة

هناك حالة تمرّد بين أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، مانحة الأوسكار الأمريكي، بسبب قرار يعود إلى عام 2007 عند تشكيل لجنة صغيرة قوامها بضعة أفراد مهمتها اختيار الأفلام الأجنبية التي ستدفع بها إلى اللجنة الأكبر عدداً التي تتشكل من السينمائيين لاختيار الأفلام المذكورة التي ستفوز بالترشيحات الرسمية .

هذا يعني، عملياً، تقسيم الخطوات التي يمر بها الفيلم الأجنبي (أي الناطق بغالبية الثلثين بلغة غير إنجليزية وما فوق) إلى ثلاث مراحل: الأفلام المرسلة والمرشّحة من قبل مؤسسات رسمية وخاصّة من حول العالم، ثم التصفية التي تقدم بها تلك اللجنة التي تلتقط ما تعتقد أن على اللجنة الأكبر الاختيار من بينها .

ما ينتج عن كل ذلك هو حرمان غالبية الأفلام المرسلة (خصوصاً من دول العالم الثالث) من المساواة . بعض أعضاء اللجنة الكبرى يدرك هذه الحقيقة ويعتبرها مشينة مطالباً بإلغاء هذه اللجنة ومعاملة الفيلم الأجنبي كمعاملة باقي الأفلام في الأقسام الأخرى التي لا وسيط بينها وبين التقييم العام من قبل أعضاء الأكاديمية .

نهاية العالم من جديد

عام 2011 شهد الكثير من سيناريوهات نهاية العالم . فهناك النهاية التي يعكسها شون بن في فيلم ترنس مالك “شجرة الحياة”، حيث فقدان العائلة والزيارة القاسية للذاكرة تضع الشخصية في عذاب مرير، وهناك تلك التي يعكسها فيلم “ميلانشوليا” للارس فون ترايير على أساس إيجاده وتراً وجدانياً وفلسفياً (ولو إلى حد) من وراء قرب ارتطام كوكب آخر بالأرض . ولا ننسى أعمالاً عديدة في السنة السابقة من بينها “2012” الذي يتوقّع للأرض الدمار الشامل في العام الجديد الذي بات على الأبواب .

وإذا ما كانت نهاية العالم متخيّلة من سنوات السينما المبكرة عبر العديد من أفلام الكوارث (خصوصاً في السبعينات) ما الجديد المتحكّم في طروحات الأفلام الجديدة؟

الجواب هو أن افلام الأمس اعتادت أن تحيي الأمل: “نيزك” (1979) سوف لن ينتهي بارتطام النيزك الضخم بالأرض لأن الأرض سترسل صواريخ نووية تدمره . “زلزال” (1974) سينتج عنه وحدة هدف بين شخصيات كانت متباعدة ستعاود البناء .

وفي “البرج الجهنمي” (العام نفسه) سيجد المسؤولون عن الكارثة (على صغر حجمها إذ يدور الفيلم حول ناطحة سحاب تحترق) الشجاعة الكافية لتحمّل المسؤولية . وكل هذه الأخلاقيات والمواقف اختفت في أفلام اليوم التي تعكس عدم إيمان كبير بمستقبل الأرض .

أوراق ومَشاهد

أعناب الغضب

“حيثما هناك عراك لكي يأكل الناس سأكون هناك . حيثما هناك شرطي يهوي بالضرب على رجل، سأكون هناك . . حين يضحك الأولاد عندما يجوعون لعلمهم بأن العشاء بات جاهزاً سأكون وراءهم . حين يأكل أترابنا ما يزرعونه ويعيشون في البيوت التي يبنونها سأكون هناك” .

هذا ليس حواراً ورد في فيلم من إنتاج إحدى الدول الشيوعية السابقة، بل في الفيلم الأمريكي “أعناب الغضب” (أو كما سمّته الترجمات العربية “عناقيد الغضب”) كما أخرجه جون فورد عن رواية جون شتاينبك الشهيرة، حتى من بعد أن أضاف الماء على الرواية للتخفيف من حدّتها و”غضبها” على المجتمع الرأسمالي دفاعاً عن المزارعين الذين وجدوا أنفسهم خلال الأزمة الاقتصادية مسلوبين من أملاكهم ومنتقلين عبر الولايات بحثاً عن العمل تحت هراوات رجال الشرطة والمؤسسات التي وعدت بنوع من الأعمال التي حوّلت شطراً كبيراً منهم إلى عبيد .

المشهد الذي يرد فيه هذا الحوار يجمع بين توم غود (يؤديه الشاب هنري فوندا) وأمه (جين داروَل) وهو ينقل إليها ملاحظته عما رآه من تعسّف وقهر بينما تنظر إليه والدته في هلع خائفة من كلماته التي تبدو كما لو كانت مستوحاة من كتاب ما عن النضال الاجتماعي .

بدا اختيار جون فورد لهذا الفيلم غريباً عليه . هو مخرج يميني محافظ عمل على تحقيق أفلام أمريكية العناصر والكثير منها كان من نوع “الوسترن” لكن هذه الغرابة كانت لمصلحة الفيلم . حينها كانت “هوليوود” ما زالت تقبل على تحقيق أعمال تحمل أنفاساً يسارية والفيلم استقبل جيّداً من قبل السينمائيين اليساريين وذلك قبل ثماني سنوات من قيام حملة مكارثي اليمينية بتصفيتهم وشرذمتهم .

هذا هو ثالث فيلم رئيس بين فورد والممثل هنري فوندا، فقبل عامين منه أسند المخرج إليه دور إبراهام لينكولن في “لينكولن الشاب” ثم بطولة فيلم الوسترن “طبول طوال الموهوك” . وقال جون شتاينبك حين شاهد الفيلم: “تمثيل فوندا جعلني أؤمن بكلماتي” .

م .ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

18/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)