حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رضا الباهي: السينما الوثائقية ليست بديلا ولكنها طريقا موازيا

الأفلام التي سيتمّ تصويرها بعيدا عن خلفيّة الثورة هي التي سيكون لها صدى أكبر

تونس – صالح سويسي

قدم المخرج التونسي رضا الباهي عددا هامّا من الأعمال الروائية والتسجيلية والوثائقية على مدى مسيرته منذ بداية السبعينات وإلى اليوم، حيث تخيّر لأعماله مسارا واضحا حمل بصمته الخاصة من البداية. وهو  مع جانب النوري بوزيد الثنائي الأكثر غزارة في إنتاج وإخراج الأفلام في تونس.

تحمل أعمال الباهي الذي ظلّ مخرجا ومنتجا في جلّ أعماله تقريبا تصوّرا خاصا به ورؤية واضحة المعالم سعى إلى تكريسها في أفلامه الطويلة والقصيرة. حصل مؤخرا على جائزة أفضل منتج عربي في الدورة الأخيرة لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي عن فيلمه "ديما براندو".. عن هذا العمل الذي نال حظا كبيرا من الاهتمام قبل عرضه وعن جوانب أخرى من مسيرة الباهي كان هذا اللقاء...

·         تابعنا عديد المقالات الصحفية التي تحدثت عن تعطيلات ومشاكل رافقت تصوير فيلم "براندو"، ما مدى صحة هذا الكلام؟

هذا غير صحيح، وهذا نوع من المغالاة والمبالغة في أنّ الفيلم بقيَ سنين وسنين.. أنا فكرت في تصويره سنة 2004، والتقيت مع مارلون براندو من مارس إلى يونيو من نفس السنة، في شهر يونيو توفي براندو فانتهى المشروع. لكنني في سنة 2010 قررت أن أواصله وأكمله. وفي تلك الفترة قدمت أفلاما تسجيليّة وعملت مع الجزيرة الوثائقية وقدمت سيتكوم للتلفزيون التونسي ودرّست في الجامعة. لذلك هذا نوع من المغالاة وأنا قرأت كثيرا حول هذا الموضوع، أي أنّ الفيلم تعطل لستّ سنوات. ببساطة مات الممثل براندو والمنتجون الذين راهنوا عليه انسحبوا. وبما أنني صرفت على العمل وبما أنّ بطل الشريط ليس براندو فقط، بل هو أيضا أنيس الرعاش.

·         إذن ثمّة تغييرات طرأت على الفيلم بعد موت براندو؟

براندو لم يعد الشخصية الرئيسة في العمل، ثمّ إنّ دور الممثل التونسي أنيس الرعاش الذي يشبه براندو في شبابه مهمّ أيضا، وكنت اتصلت به قبل الاتصال بالممثل الأمريكي "براندو" نفسه، وكان أنيس قد شارك سابقا بدور في فيلم "الزازوّات" لمحمد العقبي. وفيلمي بصيغته الجديدة تغيّر ليصبح في أكثر من أربعين بالمائة وثائقي ويحكي تجربتي مع مارلون براندو ورؤيتي وموقفي من السينما الأجنبية التي تصور في البلدان العربية. إذن عملي ليس فيلم الممثل، القرية وشخوصها مثلا تأخذ حيّزا أكثر من الممثل، شخصية المؤلف (رضا الباهي) حضورها مهمّ جدا في الفيلم. فالعملية ليست مراهنة على ممثل بقدر ما هي  مراهنة على فكرة أو تصور.

·         في ذات السياق، ما هو موقفك من الأعمال الأجنبية التي يتمّ تصويرها في البلدان العربية؟

منذ الطفولة كان لي موقف ضد تصوير الأفلام الأجنبية التي تأتي لتستغلّ الشمس ولتجد الكومارس والجيوش بأسعار زهيدة على حساب كرامة الشعب. وكنت عشت حادثة هامة في طفولتي  وهي "الله أكبر ما يمشيش" أثناء تصوير شريط "لص بغداد" في القيروان سنة 1961 حيث أدخل الفريق الإيطالي خيولا إلى صحن جامع عقبة بن نافع وتمّ تحويل جزء من مقام الصحابيّ أبي زمعة البلوي إلى قصر وفيه راقصات وفيه حريم ما اضطر الإمام الخطيب عبد الرحمان خليف رحمه الله إلى تقديم خطبة حرّض فيها الناس ليخرجوا للشارع بأعداد كبيرة. وتتدخل الجيش وكان هناك قتلى ومساجين وقتها وبقيت المدينة تحت الحصار لمدة نصف شهر، وقد عايشت تلك التجربة وأنا ابن 12 سنة وبقيت تلك الحادثة في ذاكرتي لليوم.

·         ولكن لا يمكن تعميم هذا الموقف على كل الأفلام الأجنبية؟

أنا لا أعمّم، ولكن يجب دائما البحث عن المنتج وأهدافه وتصوراته وعقليته وسياسته. وفي النهاية الفيلم ليس هذا فقط، وهي في الأخير رؤية شخصية ووجهة نظري الخاصة، ولا أطلب من المتلقيّ أن يفكر فيما أفكر فيه.

أفضل منتج عربي

·     حصولك على جائزة أفضل مخرج في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الأخير، هل هو تكريم لمسيرة رضا الباهي أم اعتراف بنضالك في مجال الإنتاج؟

أنا لم أحاول أن أفسر أو أعللّ ما قررته اللجنة، فقط ما قلته ليلة التتويج أنني "لو كنت منتجا ناجحا لكنت صنعت الفيلم في ستة أشهر لا في ستّة سنوات" ولكنّ نبيل المالح عقّب على كلامي قائلا "لا مخرج أو منتج عربي آخر فكر أن يجازف بالاشتعال على فيلم مع مارلون براندو، من منّا نحن العرب فكر بالسفر إلى أمريكا لإنجاز الفيلم، ثمّ يموت براندو وتصر على إتمام العمل بعد ستّ سنوات".

·     أعمالك الطويلة على قلّتها تفصل بينها سنوات طويلة، ثمّ أنت منتج جلّ أعمالك، لماذا الإصرار على الإنتاج رغم أنه مغامرة غير مأمونة العواقب؟

أولا من أجل الحرية الكاملة في الاختبار حتى لا يقال أنّ رضا الباهي طلب منه منتج فرنسي مثلا أن يعرّي "مؤخرة" ممثلة أو أن يحكي عن الرجل العربي والمسلم المخصي ومثل تلك الحكايات التي تقال عن السينما التونسية بالذات. وحتى وإن تطرقت لهذه المواضيع فذلك بمحض إرادتي ولو أنني لم أتطرق إليها إلى حد الآن. إذن لا أريد أن يٌقال أنني رضخت لمنتج أجنبي.

ثمّ هل تعلم أنني مع النوري بوزيد من أغزر المخرجين أعمالا رغم أنّ البداية كانت منذ السبعينات فالوصول إلى ثمانية أفلام يعتبر أمرا جيّدا ورقما لم يصل إليه حتى الذين وراءهم منتجون. وطبعا هذا يحزّ في نفسي ولكنه ليس خطئي. ومع ذلك أنا دائما أبحث عن منتج عربي، ولكن المنتج العربي لو كان في المشرق تهمّه اللهجة المصرية، وفي المغرب العربي أسعى أيضا لإيجاد سبل إنتاج مشترك، ومن المحتمل أن أقدم فيلما تونسيا مغربيّا مشتركا قريبا جدا، والتصوير بين البلدين وهذا يحتّم وجود منتج مغربي. ونفس الشيء ثمة مشروع فيلم في لبنان ولن أدخله إلاّ إذا توفر منتج لبناني، وبذلك أجد هامشا من الحرية في العمل. كما أنني قمت بالتعامل الآن مع منتج شاب هو فوزي الجمل، وهذا جيد لأنني ربما أجد في شيخوختي منتجين شبان ينتجون أفلامي لأن تحركاتي ستقل وتنقلاتي أيضا.

·         إذن غايتك الأولى والأخيرة وهدفك هو ضمان هامش الحرية في أعمالك وعدم الرضوخ لإملاءات المنتجين الأجانب؟

المنتج الفرنسي أو الهولندي أو البلجيكي اليوم لم يعد مهتمّا بالسينما التونسية لأن هذا المنتج الذي اهتمّ سابقا بنفيدة التلاتلي أو قريد بوغدير أو النوري بوزيد، هو في الأساس منتج اعتمد على دعم دولته المادي وأخذ أموالا منها، فلولا إعانة تلك الدول لما دخل هذا المنتج لأنه لا يساهم ولا يجازف بأمواله الخاصة.

لذلك لابد أن نكون صريحين مع أنفسنا، لأنّ ثمة خلطا ومغالطة للمشاهد العربي، فالمنتجون الفرنسيون مثلا مجال الإنتاج في السينما التونسية باسم "شاشات الجنوب" أو "وكالة التعاون الفرنكوفوني" أو "المركز السيتمائي الفرنسي"، لأن المؤسسة الفرنسية لا يمكنها تقديم الدعم لمخرج تونسي بشكل مباشر، فيتدخل المنتج الفرنسي وتصبح التكلفة أكبر ويملون شروطهم. بالنسبة لي ضربت العصفورين بحجر واحد، منتج فرنسي في فرنسا ومنتج تونسي في تونس وهكذا مع كل أفلامي حتى أقطع عليهم تلك الفرصة للربح وإملاء شروطهم.

·         ولكن في رأيك لماذا يلهث كثيرٌ من المخرجين التونسيين خلف ذلك الدعم المغلّف بالشروط والإملاءات؟

طبعا بسبب قلة الموارد الداعمة للسينما التونسية، وسوق السينما التونسية معدومة تقريبا وحينما تعلم أن التلفزيون الخليجي مثلا يشتري الفيلم التونسي بثلاثة آلاف دولار !!!

قاعات السينما معدومة، التوزيع معدوم، إذن من أين سيأتي المخرج بتلك الأموال؟ الحل في دعم وزارة الثقافة إن وجد أو إن اقتنى منه التلفزيون التونسي العمل مسبقا، وأنا شخصيا لا أدين أيّ مخرج لأنه لا حلّ أمامه،  علما أن معدل ميزانية الفيلم التونسي تترواح بين 800 ألف دينار إلى مليون و 200 ألف دينار وما عدا الوزارة التي تدعم العمل بـ 35 بالمائة فلا حلول أخرى، لذلك على المنتج أو المخرج أن يتحرك بنفسه لجلب الموارد التي تدعم عمله.

·         البعض وجد الحل في الأعمال الوثائقية أو التسجيلية، أليس كذلك؟

السينما الوثائقية ليست بديلا، هي ربما طريقة موازية ليعبّر بها المخرج عن تصوراته و أفكاره، وحتى نكون صادقين، أحيانا حين يبقى المخرج عشر سنوات مثلا بدون عمل وهذا مصدر رزقه الوحيد، لذلك يجد نفسه مضطرا للعمل في مجال الإعلانات مثلا ليقدم أفلاما دعائية  للبسكويت أو "اليوغرت" أوالشكلاطة  وثمة من يتوجه لتقديم أعمال تسجيلية مهمّة  فيها مواضيع مهمّة وطروحات معينة يضمن منها عيشه وعيش عائلته وإيجار البيت الذي يسكنه... فإما أن تكون لديك كرامة وأخلاقيات ولديك رؤية تدافع عنها في كل أعمالك على اختلافها، أو أن تدخل دائرة البيع والشراء حتى تكسب القوت، إذن هذه هي المعادلة.

 السينما التسجيلية موجودة كي يمارس المخرج مهنته كمخرج أو مؤلف سينمائي، وفي انتظار أن ينجز فيلما روائيا كل سبع سنوات مثلا يكون وقتها قد صنع عددا من الأفلام التسجيلية التي تعبّر عنه وعن رؤيتة وتوفر له العيش الكريم، لأن المخرج كالجرّاح يجب أن يمارس مهنته حتى لا ينسى أدواته وآلياته.

كثرت الأفلام حول الثورة التونسية، وأنت أيضا عملت على تقديم عمل له علاقة بالثورة ولكن يبدو أنك تخيّرت توجها مغايرا؟

زملائي منذ 14 يناير خرجوا لتصوير كل الأحداث سواء في شارع بورقيبة أو القصبة وفيهم من تنقل للأرياف، وأغلبها أعمال في شكل ريبورتاجات أكثر منها أفلام. بالنسبة لي ومن أول وهلة راقني موضوع المساجين الذين تمّ إطلاق سراحهم دون أن يعلم أحد للآن لماذا حدث ذلك ثم تتمّ ملاحقتهم ما سبب موت بعضهم، وبقي موضوعا غامضا مثل موضوع القنّاصة بالضبط. فتوجهت إلى مدينة سوسة أين التقيت عددا من المساجين الفارين والمختبئين في مناولهم، وفيهم من حرق أثناء عملية الهروب الجماعي بعد أن تمّ حرق أجزاء من السجون التي يقيمون بها. اكتشفت بعد ذلك سيناريو آخر مشترك وهو أنه أغلبهم مسجونون من أجل المخدرات، والطريف في الأمر أنّ البائع هم أبناء بن علي أقارب الرئيس المخلوع والقاضي الذي يحكم عليهم نفسه والمحامية التي تقوم بعملية المساومة هي نفسها، إذن وجدت أن اللعبة محبوكة على طريقة المافيا الإيطالية في الأربعينات  والخمسينات، وكأنني أمام رواية فتابعت مجموعة من المساجين وحاولت الغوص في تفاصيل حياتهم من أجل إضاءة أخرى حول النظام السابق دون إغراق في السياسة بقدر ما هو تحليلي اجتماعي لتلك الحالات في ظروف الثورة، الفيلم الآن في طور الإنتاج ومن المنتظر أن يكون 52 دقيقة.

·         يبدو أن الأعمال الروائية تستهويك كثر من غيرها، لأنه كان يمكن أن تقدم عملا تسجيليا أقرب للريبورتاج؟

أنا لست ضدّ الريبورتاج، ولكن المشكلة دائما هي"ماذا نريد أن نقول"، وأفلامي التسجيلية الوثائقية لا تحمل دائما رواية، وبحكم دراستي لعلم الاجتماع كان هاجسي دائما حتى في العمل الروائي أن أضع المتلقي أمام وضعية اجتماعية معينة، ثمّ إنّ التمشي الذي أعتمده عادة ما يكون علميّا اجتماعيّا، فلا أحب أن أقدم شخصيات اعتباطية بل أفضل البحث في عمق الشخصية. ومن هنا أجد في التسجيلي فرصة لتقديم خلفية محددة وموضوع المساجين جعلني أتحدث عن شخصيات حية، الريبورتاج موجود في التلفويون وأنا مخرج سينمائي. فالمطلوب من المخرجين عند إنجاز فيلم وثائقي أو تسجيلي أن تكون لديهم الرؤية والأسلوب والطريقة لأن السينما الوثائقية مدارس. من السهل أن تخرج كاميرا وتصور ثم تقوم بالمونتاج ولكن لابد من توفر الرؤية السينمائية كذلك وليس فقط الرؤية السياسية ، فيها العمق والتقطيع الفنّي وهنا تكمن المتعة. أنا قدمت إلى حد الآن أكثر من عشرين فيلم وثائقي من السبعينات إلى الآن وكلها أعمال وثائقية وليست روائية.

·         هل دور المخرج السينمائي أن يوثق للثورات؟

على المخرج أن يوثق تسجيليا أو روائيا إذا أحس ضرورة ذلك، فالمسألة أشبه بامرأة حامل، إما أن يكون لها جنين في أحشائها أو لا. كثيرون ذهبوا وصوّروا  دون مرجعيات أو خلفيّات وبالمقابل ثمّ آخرون لهم ما يضيفونه وصوروا انطلاقا من رؤية خاصة ومن وجهة نظر شخصية وهذا مهمّ لن التاريخ كان دائما مكتوبا بوجهة نظر معيّنة، التاريخ ليس موضوعيا في كل مرة المنتصر هو من يدوّن التاريخ. إذن الفيلم الروائي أو التسجيلي الذي يتمّ تصويره في فترة معيّنة سيكون وثيقة.

وأعتقد أن الأفلام الروائية التي سيتمّ تصويرها بعيدا عن خلفيّة الثورة هي التي سيكون لها أكثر صدى وتعبر عن الثورة أكثر من الأفلام التي تمّ تصويرها أثناء الثورة وهذا ما اخترت أن أواصل فيه، لأنه ثمّة من المخرجين من كان سيناريوهات أفلامهم جاهزة قبل الثورة لكنهم تعمّدوا حشر الثورة في أعمالهم وهنا سوف يكون للجمهور رأيه في الحكم على تلك الأعمال.

·         لديك مشاريع جديدة في المغرب ولبنان، هل من تفاصيل؟

الفيلم الأول انطلقت فيه من لعبة تلفزيونية بعنوان "التذكرة الأخيرة" والذي كان يقدم تذاكر سفر للرابحين.  أنا سأتناول الموضوع من وجهة أخرى حيث ينطلق العمل منذ حصول الفائزة على التذكرة وانتقالها للمغرب. والفيلم الثاني انتاج تونسي لبناني مشترك لم نحسم في عنوانه بعد ربما يكون "مدى" أو "زهرة من حلب" وسيجمع عددا كبيرا من الممثلين وسيحمل أيضا مفاجأة سارة جدا، وقريبا سوف نعلن عن تفاصيل الفيلم من خلال ندوة صحفية تعقد في تونس.

الجزيرة الوثائقية في

24/11/2011

 

"عدوى" سودربرج.. مخيفة لكن من دون حرارة!

أمير العمري 

فيلم عدوى" Contagioun للمخرج الأمريكي ستيفن سودربرج، هو أحد أفلام القضايا الكبرى، أو بالأحرى، الكوارث الكبرى التي يمكن أن تهز العالم وتسبب الفزع والرعب للناس في الشرق وفي الغرب، فهو فيلم عن وباء غامض ينتشر بسرعة في شتى أنحاء العالم ويوقع الكثير من القتلى.. بل ويهدد بقتل عشرات الملايين كما فعل وباء الانفلونزا الاسبانية الذي انتشر عالميا من 1918 الى 1920 وأدى إلى مقتل نحو 70 مليون شخص، وهي معلومات تتردد في الفيلم كما لو كانت تقرأ من أحد كتب تاريخ الأوبئة!

 نحن إذن أمام موضوع "واقعي" له أرضية حقيقية خصوصا وأن الوباء الذي عرف باسم أنفلونزا الخنازير الذي اصاب الناس في بلدان عديدة في العالم عام 2009 ليس بعيدا عن الأذهان.

معالجة مثل هذا الموضوع سينمائيا من خلال الشكل السينمائي المثير، أي فيلم الصدمة، والتحقيق والتحري، ثم التوصل إلى السبب، مع وجود رسالة اجتماعية قوية داخل تلك الحبكة الواسعة التي لا تخضع لضوابط محددة، كان من الممكن أن تجدي وتعطي الثمار المرجوة أي تصنع فيلما له تأثير واضح، مع القدرة على تحقيق متعة المشاهدة أيضا، لو كان كاتب السيناريو (سكوت بيرنز) اهتم بتركيز موضوع لفيلم حول شخصيات محددة، مع احاطة تلك الشخصيات المحددة (التي لا أتصور أنها يجب أن تزيد على 4 شخصيات نتابعها باستمرار دون أن تتوه عن الحبكة) بمجموعة من الشخصيات الأخرى، الثانوية التي تدعم بناء الفيلم وتثريه، خاصة واننا امام دراما تدور في بلدان مختلفة حول العالم، من هونج كونج إلى منيسوتا، إلى لندن، وطوكيو وغيرها.

إلا أننا أمام بناء لا ضابط له ولا رابط، أي بناء سينمائي يعاني من الترهل، ومن تكرار الفكرة أو تشابه مهمة الشخصيات خاصة، وأن الهدف من الفيلم ليس العرض التفصيلي لتقنيات وأساليب العمل في التخصصات الطبية المختلفة داخل منظمة الصحة العالمية، وبالتالي لم تكن هناك حاجة الى كل تلك الشخصيات التي ترتدي الملابس اليضاء وتتالم لعجزها عن العثور على مصل مضاد لذلك الفيروس اللعين الذي يسبب كل ذلك الموت، مما يؤدي الى كل تلك الفوضى التي تصل إلى حد العنف، وكأن الإنسان ارتد إلى الحياة البدائية الأولى.

بداية قوية

يبدأ الفيلم بداية قوية مثيرة تشدنا عندما نرى جوينيث بالترو التي كانت في رحلة عمل الى هونج كونج، تعود الى بلدتها في مينسوتا لكنها تصاب بسعال وحمى وألم في الحلق ثم تموت في اليوم التالي أمام زوجها الذي لا يصدق ما يحدث. وسرعان ما يموت طفلها ايضا. ويتوالى مسلسل الموت المفاجيء بفعل تلك الحالة المرضية الخطيرة الغامضة في أماكن مختلفة من العالم.

ويشرع الوسط الطبي في البلدان المتقدمة كل أسلحته للبحث عن وسيلة لوقف المرض القاتل، عن طريق عزل الفيروس والتعرف عليه وإيجاد المصل المضاد له، وهو ما يستغرق الكثير جدا من التفاصيل الاكلينيكية التي لا تهم المتفرج البسيط حول العالم، مع الإغراق في تصوير مشاهد لا ضرورة لها بل تبدو صادمة بشكل فظ مثلما نجد في مشهد استخد=ام منشار لفصل الجزء اعلوى من جمجمة المريضة التي توفيت بفعل المرض أثناء القيام بعملية التشريح، من أجل الوصول الى المخ ثم تقطيعه أيضا!

ضد المؤسسة

وربما تكون شخصية المدون الذي يتكلم بلكنة انجليزية (بريطانية) والذي يقوم بدوره جود لو، من أفضل شخصيات الفيلم، فهي تضفي بعض الحيوية على الفيلم، فهو يناهض المؤسسة تماما، والمقصود بالمؤسسة هنا منظمة الصحة العالمية والسلطات الطبية وهيئات الصيدلة والمؤسسات الدوائية، ويتهمها بنشر اشاعات والتضخيم من حقيقة هذا الفيروس الجديد من أجل ارباك العالم وتنشيط عمل شركات التجارة في الأدوية، وهو ما سمعناه أيضا بعد انتهاء انتشار مرض انفلونزا الطيور في العالم، أو تلاشيه فجأة بشكل غامض كما ظهر، كما يتهم السلطات الطبية بالانتقاء العنصري للأشخاص الذين يحصلون على المصل المضاد بعد اكتشافه.

ولعل من أفضل مشاهد الفيلم الجزء الذي يصور الفزع الجماعي للناس، وهجومهم على مراكز حقن الأمصال، واقتحام الصيدليات، وانتشار العنف والتحطيم، ومراكز الاعتقال الجماعي للأشخاص المصابين، وهي أجواء شبيهة بأجواء الحرب والكوارث الانسانية الكبرى، وقد برع سودربرج في تصويرها بإمن خلال إيقاع لاهث سريع، ونجح في استخدام الأماكن وما توفر له من امكانيات هائلة من ديكورات وتنسيق المناظر الخارجية من خلال ما أقيم خصيصا من ديكورات أو التلاعب في الطبيعة نفسها وتغيير بنيتها لاضفاء الواقيعة على الصورة.

سقطة الفيلم

أما ما نظن أن سودربرج لم ينجح فيه بشكل يدعو للدهشة، فهو راجع ليس فقط الى التفتت الخطير في السيناريو وتبعثره في نثرات، ولجوئه أحيانا الى الحوارات العقيمة بل والمونولوجات التي يرددها الأشخاص أمام الكاميرا حينما يحدثون أنفسهم مثلا، كما يفعل الطبيب الأسود الذي يتساءل عن سر ذلك الفيروس أمام نموذج له وكانه يوجه له الحديث، ولكن أيضا استعانة سودربرج بكل هذا العدد من النجوم وهو ما يخلق لدى المتفرج العادي توقعا مسبقا بأنه بصدد مشاهدة مباراة في الأداء التمثيلي، في حين ان هؤلاء الممثلين (المرموقين) من أمثال كيت ونسليت وجوينيث بالترو ومات دامون ولورنس فيشبيرن واليوت جولد وماريون كوتار ولو جود وغيرهم، لا يتقابلون سوى نادرا في الفيلم، اكتفاء بالأحاديث التليفونية، كما أن ظهور معظمهم هامشي أو عابر، والأدوار التي يقومون بها لا تتطور ولا تساعدنا على التفاعل معهم أو الانفعال بما يقومون به أو التعاطف مع قضية الفيلم ككل، رغم أنها من تلك "القضايا الكبرى" التي تهم البشرية في كل مكان، وهو ما كان يراهن عليه دون شك، صناع هذا الفيلم.

والمشكلة هنا أن الواقعية الموجودة في فيلم يقوم على حدث "افتراضي" رغم كونه قابلا للحدوث تماما، تكتفي بلمس السطح الخارجي للأشياء، بحيث بدا أحيانا أننا نشاهد تقريرا تليفزيونيا حول معاناة الأطباء والباحثين من أجل التوصل الى عقار لمرض غامض، بدلا من أن نشاهد الإنسان- الفرد- الأسرة، في صراعها مثلا مع ذلك المرض.

لذلك نقول ان البداية كانت قوية لأنها كانت تركز على العنصر البشري القريب من المشاهدين، قبل أن يتحول الفيلم بعد ذلك مباشرة، إلى بانوراما استعراضية لصراع اكلينيكي حول علوم الباثولوجي والفارماكولوجي، وهو ما أفقد الفيلم حرارته وأبعده عن دائرة الأفلام الكبيرة التي تناقش قضايا كبيرة!

الجزيرة الوثائقية في

24/11/2011

 

نظرة على أفلام الأوسكار التسجيلية هذا العام

محمّد رُضــا 

إهتمام أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة الأوسكار بالسينما الوثائقية والتسجيلية ليس جديداً، بل يعود لسنوات بعيدة وإن لم يكن مطلقاً بالحجم الذي هو عليه اليوم.

هذا العام، وقبل أيام قليلة، تم الإعلان عن خمسة عشر فيلماً من النوعين الوثائقي والتسجيلي مرشّحاً لأوسكار أفضل فيلم من هذين النوعين.

ومرّة أخرى ولإزالة الإلتباس أجد نفسي مضطراً لتفسير الفرق: الوثائقي ما اعتمد على الوثيقة بنسبة غالبة، والتسجيلي هو ما اعتمد على تسجيل حاضر او إعادة تقديم على نحو غالب، ربما تحوّل الفيلم التسجيلي لاحقاً إلى وثيقة ما، لكنه ليس الوثائقي المعتمد على أرشيفات وسجلات ووثائق. وإذا كان لابد من الإختيار بين الإثنين فاختياري الخاص هو "التسجيلي" لأنه يصلح لاحقاً لأن يلعب الدورين، أما الوثائقي المأخوذ كلمته من "وثيقة" فهو صنف من الأفلام غير الروائية وليس كلّها  

الأفلام المرشّحة تم انتخابها من بين 124 فيلماً تقدّمت إلى الأكاديمية للغاية. والحديث قبل الترشيحات في هذا الجانب ركّز على أن هناك العديد من الأفلام التي تصلح لأن يتم ترشيحها للجائزة، والتي مدحها النقاد، ومنها «شاطيء بومباي» و«المحور» لم تشمله القائمة الرسمية الأولى هذه التي سيتم إختيار خمسة منها فقط للترشيح الرسمي الفعلي للأوسكار كما هي العادة.

 يعرض «شاطيء بومباي» لمخرجته ألما هاريل لبيئة إجتماعية في ولاية كاليفورنيا تستوطن جزءاً من شاطيء المحيط الباسيفيكي يلقّب بـالمدينة الهندية كونه من أفقر البيئات الأميركية. أما «المحور» فهو دراسة عن حياة الكاتبة المسرحية أندريا دنبر من إخراج كليو بارنارد (التي جاءت بدورها من قاع الفقر البريطانية لتصبح واحدة من أشهر كاتبات المسرح حتى وفاتها سنة 1990).

لكن الإغفال الأكبر جاء من نصيب بضعة أفلام يحمل بعضها أسماء مخرجين معروفين.

هناك الفيلم الجديد للمخرج المسيّس إيرول موريس الذي سبق وقدّم واحداً من أفضل الأفلام التي تعاطت ملفّات الأزمات السياسية في الستينات والسبعينات وهو «ضباب الحرب: إحدى عشر درساً من حياة روبرت مكنمارا». فيلمه الذي كان متوقعاً دخوله الترشيحات هو آخر أعماله وعنوانه «تابلويد» يلقي فيه نظرة على وضع ملكة جمال ولاية وايومينغ ودوافعها التي حدت بها إلى خطف مبشر تابع لكنيسة مورمون المحافظة وسجنه طويلاً. خلال فترة سجنه ربطته بقيد إلى السرير وحوّلته إلى "عبد" تفرض عليه ممارسة الجنس معها.

أيضاً من بين تلك الغائبة عن القائمة فيلم ?رنر هرتزوغ «إلى القاع» الذي هو حوار أجراه المخرج الألماني مع سجين محكوم عليه بالإعدام (أسمه مايكل بيري) ذكّرني بفيلم رتشارد بروكس «في دم بارد» (1967)  من حيث رصده لحياة مجرمين كما كتبها ترومان كابوتي الذي قام المخرج الآخر بانت ميلر (2005) بتحقيق فيلمه عن كيف وضع الروائي كابوتي قصّة ذلك الفيلم مستغلاً اعترافات أحد المجرمين.

أيضا من بين الأفلام الأخرى الغائبة فيلم »المقاطعون» لستيف جيمس، أحد أقوى الأفلام ذات الإهتمامات الإجتماعية متمحوراً حول العنف المتفشّي في ضواحي المدن. ستيف جيمس هو ذاته الذي سبق وقدّم فيلماً تسجيلياً ناجحاً بعنوان «أحلام كرة السلّة» الذي رُشح للأوسكار في هذه الفئة سنة 1994 لكنه نال جوائز أخرى بينها جائزة من "جمعية المخرجين الأميركيين".

الأفلام المرشّحة متعددة الطروحات بالطبع، بحيث لا يمكن القول أن ما لم يدخل القائمة استبعد بسبب موضوعه. ففي فيلم Battle for Brooklyn  هناك الموضوع الإجتماعي متمحوراً حول إقامة مباني عمل وسكن في جزء من منطقة بروكلين رغم اعتراضات العديد من القاطنين، وهو موضوع شغل الصحف النيويوركية حينا طويلاً ولا يزال. الفيلم من إخراج مايكل غالينسكي

Bill Cunningham New York  ونجد رصد الشخصيات وتاريخها في فيلمين على الأقل هما «بل كننغهام، نيويورك» الذي يتناول حياة وأعمال المصوّر الفوتوغرافي بل كننغهام وأخرجه رتشارد برس، و Buckللمخرجة سيندي ميل التي تلتفت إلى حياة بَك برانامان الذي أوحى للمؤلف نيكولاس سباركس بروايته «هامس الجياد» (من يهمس للجياد) الذي استوحى المخرج روبرت ردفورد واحداً من أفضل أفلامه. يوحي الفيلم بقدر كبير من التجانس بين الإنسان والحصان ويتعلّم ويعلّم شيئين او ثلاثة حول تلك العلاقة الحانية بين الإثنين.

كذلك هناك فيلم عن الحروب وتأثيرها السلبي على المحاربين من خلال «إلى الجحيم والعودة مجدداً» او Hell and Backهذا فيلم تسجيلي مؤلم من المخرج دانفونغ دنيس حول موضوع المحارب في الجبهة ثم بعد عودته إلى وطنه وكيف تتأثر حياته الإجتماعية بما كان يجيده في الحرب وهو القتل.  يرصد المخرج حياة أحد ضباط المارينز الذي يعيش على العقارات بعد إصابته في أفغانستان والذي لا يتمنّى سوى العودة إلى القتال كونه لا يستطيع التأقلم مع حياته الإجتماعية

وعن الحروب أيضاً وما تصنعه بالرجال (والسيدات طبعاً) فيلم «تحت النيران: صحافيون في المعركة»
Under Fire: Journalists in Combat
يتعامل الفيلم، كما يوضح عنوانه، مع الآثار النفسية والأخطار الجسيمة التي يتعرّض إليها المراسلون الحربيون مسلّطاً الضوء على مراسلي شبكات البي بي سي والسي أن أن وصحيفة ذ نيويورك تايمز. الفيلم من إخراج مارتن بورك.

والحياة على الأرض ومتاعب البيئة ومناخات الطبيعة والتهديد الذي تمثّله على حياة الناس موجودة في
If a Tree Falls: A Story of the Earth Liberation Front
»لو وقعت شجرة: قصّة جبهة تحرير الأرض» لمارشال كوري الذي نال جائزة أفضل توليف لفيلم تسجيلي في دورة مهرجان «سندانس» الأخير.

وتبلغ غرابة المواضيع المطروحة حدّاً كبيراً بالنظر إلى فيلم «المشروع نيم» Project Nim لجيمس مارش الذي اختار متابعة حياة عائلة اختارت سعداناً من فصيلة الشمبانزي حين كان لا يزال طفلاً وربّته وعاملته كما لو كان طفلاً بشراً وكيف أصبح اليوم أكثر انتماءاً إلى سلوكيات البشر منه إلى سلوكيات الإنسان في ترداد لنظريات من داروين وفرويد على حد سواء.

الجزيرة الوثائقية في

24/11/2011

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)