حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

البطل الشعبى.. من فريد شوقى إلى أحمد السقا وبينهما عادل إمام

كتب حسام عبد الهادى

«البطل الشعبى» لقب لا يمنحه الجمهور إلا لمن يستحقه من النجوم الذين من المفترض أن يقدموا أوراق اعتمادهم مسبقا كأبطال شعبيين من خلال أعمالهم التى لابد أن تصل درجة التماس فيها إلى قمة التفاعل فيما بينهم وبين جمهورهم، خاصة فيما يتعلق بمشاكلهم وهمومهم وقضاياهم، وهى المعطيات التى يحصل من خلالها الفنان على صك الاعتماد والثقة كبطل شعبى.

الوصول إلى لقب «البطل الشعبى» ليس سهلا، بل يحتاج إلى المرور على معامل التجارب وبوابات الاختبارات لتتأكد هذه المكانة التى يسكن بها قلوب من يعبر عنهم والذى من الضرورى أن ينجح فى الاقتراب من ملامحهم حتى يصبح «شبههم» وخاصة من البسطاء الذين اعتبروه واحدا منهم ومنحوه ثقتهم، أما الفنان الذى يخدع جمهوره ويحصل على هذه المكانة ثم يكتشفون زيفه سرعان ما يطردونه من قلوبهم شر طردة حتى لو وصل إلى قمة النجومية، بل إن الطرد فى هذه الحالة يكون قاسيا وبنفس درجة نجوميته. نحن أمام ثلاث حالات من ثلاثة أجيال مختلفة حققوا هذا اللقب منهم من حافظ عليه ومنهم من تعمد أن يفقده ومع سبق الإصرار والترصد،بعد أن خانه ذكاؤه وغير مبدأه بسبب المصلحة الشخصية دون الوضع فى الاعتبار أن الثبات على المبدأ من أهم مكونات الإنسان سواء كان شخصية عامة أو شخصية عادية خاصة إذا ما حاول الدخول فى لعبة السياسة. السياسة هنا تلعب دورا مهما فى تحديد شخصية البطل الشعبى حسب مدى ارتباطه بها، وهنا لا نريد أن نصدر أحكاما على الفنانين بإقصائهم عن السياسة وعدم الدخول إلى دائرتها، لكننا نطالبهم بالثبات على مبادئهم حتى لا يخسروا جماهيرهم بسبب آرائهم ومواقفهم المتخبطة وحتى لا يظهرون بفكر مهزوز يسىء إلى تاريخهم. البطل الشعبى هو نموذج يمثل نسيج المجتمع بمختلف طبقاته، خاصة من أبناء القاعدة الشعبية الذين يصنعون جماهيريته ونجوميته.

ما حدث الأسبوع الماضى لـ «عادل إمام» أثناء تصوير مسلسله «فرقة ناجى عطا الله» فى لبنان يؤكد أنه فقد صورة البطل الشعبى، فبعد أن كان مرحبا به فى كل مكان يذهب إليه قبل ثورة 25 يناير رغم آرائه وتصريحاته المتكررة السابقة عن تأييده لمبارك ودعمه لتوريث جمال مبارك، إلا أن ردود الأفعال السلبية بالنسبة له لم تكن بنفس القوة ولا القسوة التى انفجرت فى وجهه عقب الثورة بسبب خروج آراؤه المتخبطة ما بين مؤيد لمبارك ومعارض للثورة فى البداية ثم انقلابه على مبارك وتأييده للثورة بعد ذلك، وهو ما جعله فى موقف لا يحسد عليه اضطر بسببه لوقف تصوير مسلسله «فرقة ناجى عطا الله» الذى كان من المفترض أن يعرض فى رمضان الماضى بعد أن استشعر رد فعل الجمهور تجاهه وخوفه من عزوفهم عن مشاهدة المسلسل مثلما حدث مع «تامر حسنى» فى مسلسل «آدم».

ما حدث لـ «عادل إمام» فى بلدة «ضهور الشوير» بلبنان وخروجهم عن بكرة أبيهم وتصديهم له ولفريق المسلسل يؤكد أن أهالى البلدة البسطاء رافضون لسياسة عادل إمام وآرائه السياسية المتخبطة سواء تجاه ثورة 25 يناير المصرية أو الموقف المضاد من «حسن نصر الله» زعيم حزب الله اللبنانى، ومن المقاومة اللبنانية فى حرب يوليو ,2006 ضد إسرائيل وتأييده للتطبيع أحيانا ورفضه له أحيانا أخرى، كل هذه الأسباب هى التى دفعت أهالى بلدة «ضهور الشوير» لمنع عادل إمام من التصوير ورفضهم تقديم المساعدة لمن خذل شعبه سواء المصرى أو العربى الذى صنع نجوميته، نحن لا نرفض أن يكون للفنان موقف سياسى، ولكن عليه أن يظل ثابتا على موقفه على أن يتحمل تبعات هذا الموقف مهما حدث، وإن كان يريد أن يتجنب ذلك فعليه أن يكون محايدا أو ميالا للكفة الجماهيرية التى غالبا ما تكون هى الأصلح والأصوب، ومادام الفنان ارتضى لنفسه أن يكون الناقل الرسمى لهمومهم ومشاكلهم عبر الشاشة نظير ما يمنحونه له من شهرة ومكانة شعبية فعليه أن يسير على نفس موجتهم، مادام من صنيعتهم وأن شهرته وثروته هم سبب فيها وليحافط على البطولة الشعبية التى حارب وكافح من أجل الوصول إليها.

عادل إمام الذى خانه ذكاؤه لم يكن يتصور أن رد الفعل سيصل إلى هذه الدرجة ليس فقط داخل حدود الوطن، وإنما خارجه أيضا، كما لم يتصور عادل إمام أنه سيفتقد نسبة كبيرة من شعبيته بدليل أنه أغلق المسرح وأنهى عرضه المسرحى «بودى جارد» صحيح أنه آن الأوان ليغلقها بعد أن استمر عرضها لأكثر من 7 سنوات،بعد أن تذبذب فى الثلاث سنوات الأخيرة مستوى العرض وأصبح لا يزيد عن يومين فقط فى الأسبوع، وحسب كثافة الجمهور وإن كان هذا هو حال المسرح كله بسبب الظروف الاقتصادية ولكن عادل إمام كان حالة استثنائية فهو الذى حطم الرقم القياسى أثناء مباريات كأس العالم متحديا كل الظروف. عادل إمام الذى وصل ليس فقط إلى مكانة «البطل الشعبى»، وإنما امتد لـ«الزعامة» باقترابه من أصحاب القرارات خسر كل شىء بآرائه المتخبطة وأفكاره الملتبسة وذكائه الذى خانه، وإن كنا نعتقد أن قربه من أصحاب القرارات وأصحاب الياقات البيضاء هو الذى أبعده عن القاعدة الشعبية ليرتفع عنهم فى برجه العاجى ولا يشعر بهمومهم وهو ما ظهر أيضا فى معظم أفلامه الأخيرة، وإن كنا لا ننكر أن عادل إمام قدم أعمالا تؤهله لأن يكون بطلا شعبيا وهى التى راهن فيها على مشاعر البسطاء مثل «الحريف» و«المولد» و«حتى لا يطير الدخان» و«المنسى» و«طيور الظلام» و«حب فى الزنزانة» و«اللعب مع الكبار» و«المشبوه» و«شمس الزناتى» وغيرها، لكنه مثل الذى صنع إلهاً من العجوة ثم أكله.

نفس الخطأ ارتكبه «أحمد السقا» الذى نصبه الجمهور بأفلامه التى اقتربت منهم ولامست قضاياهم وهمومهم بطلا شعبيا مثل «تيتو»، «مافيا»، «حرب أطاليا»، «أفريكانو»، «تيمور وشفيقة»، إبراهيم الأبيض» - رغم وجود بعض التجاوزات التى من الممكن أن نعترض عليها فى بعض هذه الأفلام إلا أنه فى النهاية كان فيها البطل الشعبى - وصولا إلى «الجزيرة» وجملته الشهيرة: «من النهارده مفيش حكومة. أنا الحكومة»، وهى التى أصبحت «لازمة» يرددها أبناء الشارع المصرى بعد أن اعتبروها نوعا من التنفيس ضد الحكومة، ورغم أن الجملة جاءت على لسانه لكونه تاجر مخدرات وليس بطلا قوميا، إلا أن الجمهور اعتاد دائما أن يقف مع مَنْ يكون ضد الحكومة التى ذاقوا على يديها المرار والفساد من منطلق أنه لا يفل الحديد إلا الحديد.

«السقا» الذى كان نموذجا وقدوة وبطلا شعبيا وأحبوه من خلال أدواره التى كانت قريبة من جمهوره الذى داعب ميولهم وطموحاتهم، خاصة وأن معظمهم من الشباب خسر الكثير من رصيده بعد أن خذلهم بتصريحاته التى خرج بها فى أعقاب الثورة مؤكدا حبه لـ «مبارك» قائلا: «ده أبونا»، ولم يكتف «السقا» فقط بالتصريحات، بل راح يقود ثلاث مسيرات عند مسجد مصطفى محمود «مسيرات الفلول» أيام الثورة لدرجة أنه يوم التنحى بكى بكاء شديدا حزنا على مبارك.

وإن كان يحسب له أنه لم يغير موقفه ولا مبدأه ولم يلعب على الحبال مثلما فعل «عادل إمام» الذى خسر «الجلد والسقط» سواء المؤيدين للثورة أو المعارضين لها.

لا ننكر أن «السقا» سيظل يعانى من تصريحاته وموقفه لبعض الوقت، فالناس لم تعد تنسى بسهولة ولو نسيت من الصعب أن تغفر بسهولة ولو غفرت سيظل شىء ما عالقا فى الحلق يذكرهم بمرارة الموقف كلما تذكروه ولنفترض أن الجمهور نسي وغفر، فهل من الممكن أن يعيدهما إلى مكانتهما كبطلين شعبيين مرة أخرى؟!

الأمر يختلف تماما عند «وحش الشاشة» و«ملك الترسو» فريد شوقى الذى نصبه الجمهور بطلا شعبيا وظل محافظا على هذا اللقب حتى وفاته، فى لقاءاتى الكثيرة التى جمعتنى به رحمة الله عليه سألته عن سبب محافظته على اللقب رغم التحول الفنى الذى حدث له من «وحش الشاشة» إلى الأدوار الاجتماعية، وكانت الإجابة أن هذا التحول هو سر محافظته على اللقب لأنه عندما قدم أدوار «وحش الشاشة» التى كان يعتمد فيها على قوته البدنية كان الناس فى احتياج لهذه النوعية من الأدوار التى تعبر عنهم بل كانت تجعلهم يشعرون وكأن فريد شوقى يمثلهم ويعبر عن كل واحد منهم فى الدفاع عن حقه ونصرة المظلومين وانتصار الخير على الشر مثل أفلام «عنتر بن شداد» و«الفتوة» و«حميدو» و«رصيف نمرة 5» و«باب الحديد» و«جعلونى مجرما» و«الأسطى حسن» و«أمير الدهاء»، أما عندما قدم الأدوار الاجتماعية فكان ضروريا عليه بسبب السن أن ينتقل إلى مثل هذه النوعية من الأدوار حتى لا يفقد قيمته واحترامه لنفسه وفنه وأيضا لجماهيريته وهو ما لم يفعله عادل إمام بعد تقدم السن به، وظل متمسكا بأدوار «الهيرو» ومعبود النساء والمثير جنسيا حتى فى فيلمه الأخير «زهايمر».

فريد شوقى ظل البطل الشعبى حتى وهو يقدم الأدوار الاجتماعية التى لامست هموم الناس، مثل مسلسلات «الشاهد الوحيد» و«صابر يا عم صابر» وأفلامه «يا رب ولد» و«مضى قطار العمر» و«البؤساء» و«كلمة شرف» و«آه يا بلد آه».

فريد شوقى الذى كان محايدا فى آرائه السياسية لم يورط نفسه فى رأى يقلب عليه جمهوره أو يفقده رصيده الشعبى، بل كان حكيما فى آرائه، فهو أحب «جمال عبدالناصر» واحترم «أنور السادات» وتوسم خيرا فى «مبارك» فى بدايته الأولى، قبل أن يفسد ويفسد الحياة السياسية. وعندما فسد «مبارك» سكت فريد شوقى عن الكلام ولم يتاجر بتصريحاته طمعا فى مكاسب زائفة.

فريد شوقى كان بطلا شعبيا بمعنى الكلمة لأنه لم يقترب فقط من هموم الناس ويترجمها سينمائيا ولا من مشاعرهم ورغباتهم، وإنما نجح فى تغيير القوانين من خلال أفلامه فبسبب فيلم «جعلونى مجرما» صدرت الأوامر العليا من «جمال عبدالناصر» بتغيير القانون الذى كان يجعل السابقة الأولى وصمة عار فى جبين صاحبها مهما كان مظلوما، فتغير القانون ليمحوها من سجل صاحبها مادام لم يرتكب جريمة أخرى.

مجلة روز اليوسف في

22/10/2011

 

حشاشو «ثرثرة فوق النيل» كشفوا عزلة المثقف الألمانى الشرقى!

كتب منى بكر 

استحقاق «نجيب محفوظ» لقب الكاتب الكونى لم يكن من فراغ، بل جاء نتيجة الكم الهائل من اللغات التى ترجمت بها أعماله الأدبية التى وصلت إلى 40 لغة، لدرجة أن الجامعة الأمريكية خصصت له مكتبة كاملة باسمه لتستوعب كل هذه التراجم.. علاقة الترجمة بروايات «نجيب محفوظ» تأخرت 30 سنة على الأقل، هذا ما قاله جمال الغيطانى فى مستهل كلامه أثناء الاحتفالية التى أقامها قسم النشر بالتنسيق مع قسم الترجمة بالجامعة الأمريكية بمناسبة مرور 100 سنة على مولد عبقرى الرواية المصرى العالمى، وأشار «الغيطانى» إلى أن العلاقة بينهما - أى بين الترجمة ومحفوظ.

بدأت عام 1948 من خلال المترجم العالمى «دينيس جونسون»، وهو ما أخر عليه «نوبل» على الأقل 30 سنة، بسبب تأخير وصول أعماله إلى العالم. الغيطانى قال إن عمليات الترجمة للأعمال الأدبية المصرية أو العربية بشكل عام إلى اللغات المختلفة تتعطل بسبب ظروف الحياة السياسية والثقافية والتعقيدات التاريخية التى تقف عقبة فى سبيل توثيق العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية، وأضاف: إن الظروف السياسية هى التى تتحكم فى اختيار الأعمال التى تتم ترجمتها، وغالبا ما تؤثر هذه الظروف فى نوعية الأعمال المختارة، فربما تسوق الظروف السياسية ما هو أقل قيمة عن الأجود والأفضل، مثلما حدث فى بداية الستينيات عندما بدأت الدول الاشتراكية تهتم بالأدب العربى بشكل خاص، لكنهم أساءوا اختيار الأعمال التى قاموا بترجمتها، حيث كانت من نصيب الأقل قيمة والتى تتوافق مع انتماءاتهم الاشتراكية، بينما كانت أعمال محفوظ تنتمى - كما يعتبرونها - إلى البرجوازية الصغيرة، وهو ما جعل أعماله وغيره من قامات الإبداع الأدبى فى تلك الفترة بعيدة عن مرمى الهدف.

من ضمن ما قاله الغيطانى عن «نجيب محفوظ» أنه فى إحدى رحلاته إلى ألمانيا الشرقية عام 1987 قبل انهيار سور برلين فوجئ بمجموعة من الأدباء الألمان يتحدثون عن رواية «ثرثرة فوق النيل» وأنها لامست مشاكلهم وقضاياهم، فاندهش الغيطانى عن كيف لرواية مصرية تحكى عن مجموعة حشاشين أن تلامس قضايا أهل ألمانيا، فأكدوا له أن الرواية عبرت عن عزلة المثقفين ويأسهم وهو ما ينطبق عليهم، أيضا حكى الغيطانى عن سبب اختيار أحد المخرجين المكسيكيين لرواية «زقاق المدق» ليقدمها فيلما عام 1992 وتساءل: ما علاقة «زقاق المدق» بالمكسيك، لكنه فهم فيما بعد عندما التقى بالمخرج بأن الفيلم يعبر عن جوهر العلاقة بالأخ الأكبر، وهو ما ينطبق على المكسيك بعلاقتها بالأخ الأكبر فى الشمال - الولايات المتحدة الأمريكية - هذا هو نجيب محفوظ الكاتب الكونى فكرا وترجمة.

احتفالية الجامعة الأمريكية بمئوية «نجيب محفوظ» حضرتها زوجته وابنتيه، كما حضرها عالم اللغة السويدى «ستور آلن» الأستاذ بجامعة جوتنبرج. «آلن» هو الشخص الذى كان يتولى منصب السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية عام 1988، وقت حصول محفوظ على نوبل وهو الذى أشرف على اختياره لهذه الجائزة العالمية فى الآداب .الاحتفالية شملت إقامة معرض فنى تحت اسم «نجيب محفوظ.. حياته وأعماله»، يتضمن أغلفة رواياته التى تمت ترجمتها إلى جانب مقالاته الصحفية وخطاباته وبعض مقتنياته الخاصة وأفيشات أفلامة، كما قامت الجامعة الأمريكية بنشر طبعة خاصة من أعماله باسم «مكتبة مئوية نجيب محفوظ» تضم أعماله الكاملة المترجمة فى 20 مجلدا.

مجلة روز اليوسف في

22/10/2011

 

«عمر»..الحريرى المشاعر

كتب حسام عبد الهادى 

لم يحمل همًا فى الدنيا مثلما كان يحمل هم ابنته «بريهان»- آخر العنقود- التى تبلغ من العمر «14 سنة»، خاصة فى سنواته الأخيرة، وهى التى أنجبها فى السبعين من عمره، وهى التى رافقته طوال رحلة مرضه الأخيرة بالمستشفى ولم تفارقه لحظة واحدة هى ووالدتها «رشيدة» حتى لحظة الوفاة.

كان «عمر الحريرى» يتحدث دائما عن ابنته وعن خوفه على مستقبلها خاصة مع تقدم العمر به. هذا الكلام سمعته منه كثيرًا. أذكر أننا سافرنا عام 2007 إلى ليبيا لحضور فعاليات مهرجان المسرح الوطنى الليبى الذى أقيم عامها فى بنغازى، ورأيت بعينى مدى الشعبية الجارفة التى يتمتع بها نظرًا لعمله لسنوات طويلة بمعهد الفنون المسرحية هناك، ورأيت حجم الرصيد الهائل الذى يمتلكه من حب الناس، كنت أرافقه طوال الرحلة، كان دائمًا يحدثنى عن «بريهان» التى لا يستطيع أن يرفض لها طلبًا خوفًا من أن يحرمها من شىء، ويقول لى: لم يعد فى العمر بقية ولابد من أن ألبى لها كل احتياجاتها قبل أن تحرم منى، كان يتصل بها كل ساعة للاطمئنان عليها، كان بالنسبة له نبع الحب والحنان والدلال.

عمر الحريرى كان اسمًا على مسمى «حريرى» فى كل شىء، مشاعره، علاقاته بالآخرين. تشهد له صفحاته ناصعة البياض بعدم وجود أى اشتباك على مدار حياته الفنية أو الإنسانية بينه وبين أى زميل أو جار أو صديق، عاش حياته كلها فى سلام لا يحب الصدام ولا الاشتباك، ولذلك عندما قدم دور الملك «فيليب» فى فيلم «الناصر صلاح الدين» كان نسخة طبق الأصل من شخصيته ونموذجًا لها فى التسامح ونبذ العنف، «عمر الحريرى» الذى بدأ حياته الفنية منذ أكثر من 60 عامًا بمشهد صامت فى فيلم «سلامة فى خير» مع نجيب الريحانى، وصل لأن يكون أشهر نجم للأدوار الثانية والتى أكسبها عبقًا خاصًا، ورغم ذلك كان تصنيفه ضمن نجوم الصف الأول لحضوره الطاغى الذى كان يتمتع به، فنجده بارزاً ومتألقًا فى كل ما قدمه، فكيف ننسى أداءه السهل الممتنع فى فيلم «سكر هانم» الذى شهد بداياته السينمائية الأولى، وكان إحدى علاماته المميزة فى مشواره الفنى.

ومن ينسى أيضاً «نهر الحب»، «موعد مع الحياة»، وفى التليفزيون «أحلام الفتى الطائر» و«خالتى صفية والدير» وفى المسرح «شاهد ماشفش حاجة» و«الواد سيد الشغال» ، والذى استمر عرضهما لأكثر من 20 سنة، أذكر عندما قرر «عادل إمام» إنهاء عرض مسرحية «الواد سيد الشغال» استعدادا لتقديم مسرحية «الزعيم» لم يختر «عمر الحريرى» ضمن أبطالها، وعندما سألت «الحريرى» عن السبب قال بلزمته المعهودة: هه.. هو شايف كده..

شايف إن ماليش دور معاه، ثم عاد ليقول: أنا واثق لو كان لى دور فى المسرحية ماكانش اتأخر علىّ. هذه الإجابة الدبلوماسية لها بعدها الإنسانى الرائع الذى كان يحمله «الحريرى» بداخله والذى يعنى أنه لا يكن للناس سوى الود والخير حتى لو كانت هناك إساءة منهم إليه. الحريرى الذى عشق المسرح ظل لآخر أيامه مرتبطا به، فقبل وفاته بإسبوعين كان يقف على خشبته يوميا كبطل لمسرحية «حديقة الأذكياء» التى توقف عن عرضها بسبب مرضه، وتصور أنها ما هى إلا أيام ليعود بعدها إلى حضن المسرح من جديد واعتبرها استراحة محارب، إلا أن الاستراحة طالت ليهنأ فى نومته بعد أن ظل محاربا عنيدا فى ساحات المسرح والسينما والتليفزيون لأكثر من 60 عاما.. رحم الله عمر.. الحريرى المشاعر.

مجلة روز اليوسف في

22/10/2011

 

"سفراء النوايا الحسنة"..

مهمة إنسانية أم مجرد لقب ترويجي للفنان

علي عجمي  

بعد شيوع ظاهرة تعيين الفنانين العرب سفراء لمنظمات إنسانية متعددة في السنوات الأخيرة، وتحولها إلى موضة أخيراً، في ظل إختيار عشوائي للأسماء من دون أسس أو ضوابط مقنعة، إستفت إيلاف قراءها حول هذه الظاهرة، ولم تكن الإجابة مفاجأة لنا على الإطلاق، حيث رأت غالبية المشاركين في الإستفتاء أنه مجرد لقب ترويجي.

دبي: إنتشرت بين الفنانين في السنوات الأخيرة ظاهرة تعيين سفراء للأمم المتحدة أو منظمات غير ربحية أخرى للقيام بمهام إنسانية شتى، وتحولت هذه الظاهرة إلى موضة هذه الأيام، حيث كثرت الألقاب، التي باتت تمنح لكل من هبّ ودبّ، من دون ضوابط أو معايير إختيار واضحة.

واللافت أن هناك عدداً كبيراً من الفنانين الذين عيّنوا سفراء للقيام بمهمات إنسانية لم نلمس منهم أي نشاط في الميدان، رغم المآسي التي تنتشر في المنطقة. بدءاً من أزمة نزوح المواطنين المصريين من ليبيا إلى الحدود التونسية، مروراً بأزمة الصومال.

لم نجد أي سفير نوايا حسنة عربي، أو منظمة الأغذية يتحرك للقيام بمهمته على الأرض، في الوقت الذي شاهدنا فيه أنجلينا جولي تزور اللاجئين العراقيين، والسوريين في تركيا، وتزور ليبيا، والصومال وغيرها من الدول التي تشهد كوارث إنسانية، ولم تكتف بتسليط الضوء، وإنما تبرعت من مالها الخاص لدعم هذه القضايا.

بينما بقي السفراء العرب يتمتعون باللقب من دون جهد، وتبين جلياً أن النتيجة من تعيينهم لا شيء.. بالطبع مع وجود بعض الإستثناءات النادرة، كالسيدة ماجدة الرومي، والفنانة هند صبري، وهن من قلائل ممن يمارسن نشاطاً حقيقياً على الأرض.

روتانا تهدي فنانيها الألقاب بدلاً من الجوائز

إذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، يمكننا الاطلاع على نموذج ضمن تلك المجموعة "الشرفية"، حيث تم تعيين ثلاثة سفراء جدد خلال حفل أقيم في فندق "حبتور غراند" في دبي، برعاية وحضور الأمين العام للمنظمة الدولية الخاصة بالعناية بمكافحة الجوع وسوء التغذية "إمسام"، و"السفير"دييغو مارادونا، وأعلن خلاله كل من الفنانين إليسا، وعبد الله الرويشد وفايز السعيد سفراء للنوايا الحسنة، لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

وفقاً لهذه الاحتفاليات الخاصة، سبق العشاء مؤتمر صحافي، تخلله شرح وإيضاح للمهام التي سيتولاها الفنانون الثلاثة طوال فترة تسميتهم، بالتعاون مع مركز دعم الحياة ومنظمة الأمم المتحدة لدعم المشاريع وتطويرها، وحسب لائحة الاختيار، عيّن الفنانون الثلاثة سفراء تقديراً لعطائاتهم وجهودهم ذات الطابع الإنساني المبذولة لخدمة الفن العربي..!!!؟؟؟ ولم نفهم ما هي هذه الجهود بالضبط.

ومن المستغرب أن السفراء الجدد المعينين كلهم من فناني شركة روتانا، وقد ورد في الخبر، أن الشركة مع منظمة (امسام) العضو في منظمة الأمم المتحدة، قامت بتتويج نجوم شركة روتانا، الفنانة اللبنانية إليسا، والفنان الكويتي عبد الله الرويشد كسفراء للنوايا الحسنة، إلى جانب الفنان الإماراتي فايز السعيد، الذي تمّ تعيينه ممثلاً خاصاً لأمين عام المنظمة في قسم الفنون والترفيه للشرق الأوسط والخليج... وقد حضر الفنان الإماراتي حسين الجسمي، الذي تم تعيينه وترقيته "سفيراً فوق العادة"، بعدما كان سفيراً للنوايا الحسنة لمدة سنتين، حيث تم تتويجه في الكويت على مسرح ليالي فبراير 2009.

اليسا تقلد جولي باللقب ولا تتشبه بالسلوك

وبالعودة إلى المؤتمر، فقد صرحت حينها الفنانة اليسا بأنها معجبة بالممثلة الأميركية أنجلينا جولي وبما تقوم به وتحب أن تكون مثلها وأضافت أنها تنوي الذهاب الى بنغازي للقاء النازحين على الحدود الليبية التونسية، وها هي قد انتهت الثورة الليبية تقريبا وعاد النازحون الى ديارهم منذ فترة طويلة، ولم نر أليسا لا في بن غازي ولا في أي مكان آخر.

خلال الحفل، بورك للسفراء الجدد تعيينهم، وتحدث كل واحد منهم عن دورهم الإنساني وعن الأعمال التي سيقوم بها، وتحدثوا عن زيارات ومساعدات وعن وعن.. الخ ...ولم نجد حتى كتابة هذه السطور أي نشاط للسفراء الثلاثة الذين عيّنوا سوى مجموعة كبيرة من أغانيهم، وعدد من الكليبات المصورة، وهذا يعني أن العملية كلها كانت مجرد فرقعة إعلامية ودعائية لهم فقط لا غير.

وبما أن الغيرة منتشرة بين الفنانين، والتقليد ديدنهم، تم الإعلان أخيرًا عن قرب تعيين  كل من ديانا حداد وشذى حسون أيضاً سفيريتين للنواية الحسنة من قبل مجموعة من المنظمات الإنسانية!! وحصل هرج ومرج في الصحافة، وأجّل حدث التعيين إلى  موعد آخر.

قراء إيلاف يرون أنه مجرد لقب ترويجي

إيلاف إستفت قراءها حول شيوع هذه الظاهرة بين الفنانين العرب، وكيف يفسرونها، فجاءت الإختيارات كالآتي: 48.72% إعتبروه مجرد لقب ترويجي. بينما رأى 28.21 % من عدد المشاركين بالإستفتاء أنه تشبّه أعمى بفناني الغرب.

وكانت نسبة من يعتقدون بأن هؤلاء النجوم لديهم رغبة حقيقية للقيام بمهمة إنسانية 14.53 %، بينما قرر بقية المشاركين في الإستفتاء، ونسبتهم 8.55%، بأن الأمر لا يهمّهم.

فهل تغيير هذه النسب في سلوك السفراء العرب تحثهم على القيام بالأدوار المفترضة لتغيير الصورة السلبية المرسومة عنهم في أذهان الجمهور، فهم بسلبيتهم هذه يسيؤون الى هذه المنظمات ودورها الحقيقي على الأرض، بدلاً من الترويج له على أنه مجرد كلام في الهواء وصورة في مؤتمر في فندق خمس نجوم، تكلفته قد تنقذ حياة مئات الأسر في دول المجاعة.

إيلاف في

22/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)