حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خلفيات صنع فيلم "مغامرات تان تان"

محمّد رُضــا

في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ينطلق، أوروبياً على الأقل، فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد »مغامرات تانتان» وهو فيلم ينتظره جمعان من الهواة. هواة أفلام سبيلبرغ وهواة شخصية تانتان وهما بذلك جمعان كبيران سيعيد سبيلبرغ إلى حجمه السابق ككبير محققي الإيرادات من بين المخرجين بعدما خسر اللقب لصالح آخرين أوّلهم جيمس كاميرون.

الفيلم يعكس شغف المخرج المزدوج: شغفه بالشخصية التي أدركها أوّل مرّة سنة 1981 عندما طالعها بينما كان يصوّر الجزء الأول من مغامرات «إنديانا جونز» والثانية شغفه بالشعبية الكبيرة التي أنجزها تان تان منذ انطلاقته الأولى.

ما هو غير معروف هو متى تناهى إلى سبيلبرغ أن الفنان البلجيكي واضع الشخصية وصاحب حقوقها إيغريه، معاد للسامية، طبعاً إذا ما تناهى له ذلك، وسواء أكانت هذه التهمة صحيحة او ملفّقة او نتيجة سوء فهم. وماذا كانت ردّة فعل المخرج المعروف بحساسيّته حيال ذلك. لقد طرد الممثلة ميغان فوكس من فيلم من إنتاجه (الجزء الثالث من «ترانسفورمرز» لأنها وصفت مخرج الفيلم مايكل باي بأنه مثل "هتلر"، فكيف يقبل بتحقيق فيلم عن فنان يشتبه بأنه كان معادياً لليهود؟

وُلدت الشخصية بإسم تان تان (بعض الأميركيين قد يلفظونها تِنتِن) في مطلع العام 1929 وهي لم تكن بحد ذاتها شخصية ذات عقد نفسية او عاطفية او تحمل همّا حقيقياً بإستثناء البحث عن الخروج من المأزق  الذي وقع فيه نتيجة قيامه بالمغامرة التي يعيشها. هي ليست شخصية اجتماعية التواصل، وأقرب الناس إليه كلب صغير وقبطان بحري وتحريّان توأمان. على ذلك، فإن هذه القرابة ليست صداقة عميقة بل زمالة من خلال مسعى دائم لتعقب مجرم او البحث عن شرير او أكثر.

يبدو أصغر من عمره، وهو لا يزال في السن الذي مٌنح له (فوق العاشرة ودون العشرين- بلا حاجة لحلاقة ذقن، او هي ربما محلوقة دائماً). يتمتّع بقدرة على الملاحظة الثاقبة وقدرة موازية على تفويت أمور يدركها القاريء قبله، ربما لو انتبه إليها سلفاً لما كانت المغامرة ممكنة. لكن إيغريه ذكر أنه تخيّل صبياً في الخامسة عشر من العمر.... وبعد كل هذه السنوات ربما أصبح الآن في السابعة عشر.

فيلم سبيلبرغ (الذي شوهد في عرض خاص مطلع تشرين الأول/ أكتوبر) يضعه في هذه الصورة. لكن الطريقة التي اختارها المخرج المعروف لهذا الوضع ليست مئة بالمئة آدمية وليست أيضاً كرتونية. عن طريق المؤثرات المعمولة بها بطلاقة الآن، تم الإستعانة بالممثل جايمي بَل الذي مثّل الشخصية بنفسه تماماً ككل فيلم حي، ثم تم إدخال التصوير الدجيتال بالكومبيوتر ومسحه لتأليف صورة منتصف الطريق بين الرسم والواقع. وهذا لا يخص تان تان وحده، بل كل الممثلين الآخرين وشخصياتهم: أندي سركيس (الممثل البريطاني ذي الأصل العراقي كان أول من طوّع نفسه كليّاً لهذه المعالجة حين لعب شخصية القزم في فيلم بيتر جاكسون «سيد الخواتم») يؤدي شخصية الكابتن أرشيبولد، دانيال كريغ شخصية إيفان إيفانوفيتش ساكارين، سيمون بغ شخصية تومسون، التحري ديلاكورت أداه توني كوران وجاد إلمالح أدى شخصية بن سلعاد (وكلها شخصيات موجودة في مغامرات تان تان الأصلية).

ثلاثة كتبوا السيناريو المنتهي إلى الشاشة ستيفن موفات (جديد على الصنعة مع خلفية تلفزيونية)، إدغار رايت  وجو كورنيش وكلاهما اشترك في كتابة وإخراج أفلام صغيرة سابقة. وجيمي بَل هو الممثل نفسه الذي كان قاد بطولة «بيلي إديوت» سنة 2000 وكان أوّل فيلم له. كان لا يزال صبيّاً صغيراً. الآن هو شاب وأكبر سنّاً من شخصية تان تان، لكن مع الكومبيوتر يستطيع أن يتحوّل إلى رضيع إذا أريد له ذلك (طريقة براد بت في «قضية بنجامين باتون المثيرة للفضول»). حين قابلت أندي سركيس في لندن قبل خمسة أعوام حدّثني طويلاً عن تمثيل شخصيّته على النحو الذي ظهر بها في «سيد الخواتم» مادحاً التنكولوجيا الجديدة: "الطريقة الوحيدة التي كانت السينما تستطيع تقديم شخصيّة غولوم التي لعبتها قبل عصر الدجيتال هي الإستعانة بقزم فعلي ومشوّه الوجه والبدن كما تقترح الأحداث او تكوينه من طمى متحركة".

بالفعل، كل ما هو مطلوب قيام الممثل بالإداء الحركي ثم ترك الباقي إلى فنيي الكومبيوتر ومصممي المؤثرات ما يعني أنك تستطيع (ومن دون مزاح) أن ترتدي القميص نفسه في كل المشاهد او أن تذهب بالبيجاما للتمثيل إذا ما أردت.

الكومبيوتر غرافيكس ليس لعبة ستيفن سبليبرغ الوحيد لهذا الفيلم.  هناك لعبتان أخريتان.

على صعيد التقنيات، هذا الفيلم بالأبعاد الثلاثة (لو استطعت لتحاشيت مشاهدته علي هذا النحو) وهو نظام بات يشكل سيفاً ذا نصلين: الأول إيجابي: الفيلم يندفع إليك بعمقه فتعيش لحظات تخال فيها (إذا أردت) أن يد تانتان تطالك، لكن الثاني سلبي: كثرت أفلام الأبعاد الثلاثة وأخذ الجمهور يبتعد عنها.

هذا شكّل اعتباراً خاصّاً حين بدأ التخطيط لتسويق الفيلم، لكن حسنات واحتمالات النجاح أكثر من فرص الفشل فكان القرار بتوفير هذا الفيلم (وجزأه الثاني الذي يخرجه بيتر جاكسون) بالنظام المذكور.

اللعبة الثانية لها أيضاً علاقة بالتخطيط والجمهور: كما ذكرت في البداية، يتم إفتتاح الفيلم في أوروبا أوّلاً،ما يعني أن الفيلم لن يُفتتح أميركياً. ذلك القرار اتخذ بناءاً على دراسة أجراها الإنتاج تبيّن فيها أن نسبة الأميركيين التي تعرف تان تان أقل مما كان معتقداً، ما جعل التفكير متّجه إلى افتتاح الفيلم أوروبيا (حيث النسبة أعلى بكثير) وعالمياً (نسبة جيّدة) بحيث يتأخر عرض الفيلم في الولايات المتحدة وكندا الى منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لعل أصداء الفيلم تكون فعلت فعلها عبر الأثير والإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى.

لكن ألا يعني ذلك أن سبيلبرغ لم يعد واثقاً من أن إسمه لا يكفي وحده على الفيلم ليبيع التذاكر؟

الجزيرة الوثائقية في

19/10/2011

 

حصيلة 2011 في الأسبوع السينمائي "فيلم تشرين الأول"

عاصم الجرادات اسطنبول 

عندما تقرأ إعلان أسبوع سينمائي تحت عنوان "فليم تشرين الأول" في أحد شوارع اسطنبول تعود بك الذاكرة إلى الأسابيع السينمائية في سورية، لكن الموضوع بدأ يُظهر الاختلافات من خلال ذاك الشعار الذي أستطيع وصفه بالرائع بل يكبر كلمة الأسبوع السينمائي، فهو يوازي شعار مهرجان سينمائي دولي حيث يظهر جنين وحبل الحياة أو السرة على شكل شريط سينمائي في دلالة على أن السينما تنقلنا إلى الحياة ونرتبط بها كأنها الأم ونحن ذاك الجنين ربما استطعت تفسيره على هذا النحو، ولكن عند مشاهدته في الصورة المرفقة للمقال تستطيعون الغوص فيه والابتعاد أكثر في التفسير.

شارك في هذا الأسبوع السينمائي الذي بلغ عمره العاشرة 35 فيلماً أجنبي غير تركي من العيار الثقيل لأنها حصيلة السنة السينمائية 2011  وهناك أربع أفلام عائدة إلى سنة 2010 حيث أن أغلب الأفلام المشاركة حاصلة على جوائز في مهرجانات دولية أبرزها "كان" و" "وتورينتو" و"فينيسيا".

كما كان فيلم هلأ لوين للمخرجة اللبنانية نادين لبكي هو الوحيد المشارك في مهرجان "كان" كان كذلك في هذه الفعالية السينمائية، وحظي هذا الفيلم بمتابعة كبيرة جداً واهتمام بالغ حيث تم نفاذ بطاقات الفيلم في صالات العرض الأربع قبل بداية الفعالية بأسبوع حيث توجهت للحصول على بطاقة في الصالة الرئيسية للأسبوع السينمائي إلا أنني تلقيت إجابة سريعة دون مراجعة الموظفة برنامج الحجوزات بأن البطاقات قد نفذت، وكذلك كان الرد بنفس الطريقة في الصالات الآخرى لكن أحد الموظفات همست لي بأنني أستطيع حضور الفيلم عندما أتجه نحو الصالة قبل عرض الفيلم بدقائق، وأقف بالطابور حيث من المحتمل أن يكون هناك من تأخر أو عدل عن رأيه في حضور الفيلم، وتوجهت كما قالوا لي وتفآلت خيراً عندما سمعت ان هناك مباراة حاسمة للمنتخب التركي، وسوف يكون الجمهور التركي مشغولاً بها لكن الفشل واجهني عندما شاهدت الأعداد الهائلة التي قدمت إلى الفيلم وهي من الأتراك وبعض السياح، لأتوجه لحضور بعض الأفلام التي استطعت أن أحصل على بطاقات دخول بصعوبة بالغة على الرغم من الأفلام التي حضرتها من الأفلام القلائل التي لم تكن حاصلة على جوائز، إذاً الحضور الجماهيري للأسبوع السينمائي كان كبيراً لأسباب عديدة أهمها النوعية التي تتمتع بها الأفلام المعروضة بالإضافة إلى الجمهور السينمائي المتواجد في اسطنبول، مما يجعلني أتوقف عند جدوة بعض الأسابيع السينمائية المتواجدة في الوطن العربي التي تُفرض على المؤسسات السينمائية لكي تُبدي نشاطاً ليس أكثر لكنها لم تستطيع إلى هذا الحين الوصول إلى صناعة جمهور سينمائي أو إعادة الثقة للجمهور وإقناعهم في اعتماد السينما مكاناً ليرتادونها بشكل دوري.

والجدير بالذكر أن فعالية" فيلم تشرين الأول" السينمائية التي اُختتمت فعاليتها في اسطنبول في 15 الشهر الحالي، ستتنقل لأول مرة في عدة مدن تركية وهي إزمير، بورصا، طرابزون،كونيا، ودياربكر.

الجزيرة الوثائقية في

19/10/2011

 

طعم الحرية برؤية سينمائية

رسائل من المجتمع المصري

رانيا حداد 

استمر الأمر على هذا الحال ، حتى استيقظ محمد يوم الجمعة الموافق 28  يناير  " جمعة الغضب "  لينزل إلى ميدان التحرير مثله مثل عشرات آلاف المصريين الذي لبوا النداء ، يذوب محمد فى الحشود ويعتقد فى قرارة نفسه أن مريم في مكان ما هنا مثلها مثل أقرانها  ، محمد الذي خيب الوقع والمجتمع أمله,يشارك بفاعلية في أحداث الثورة لتبدأ الاشتباكات سريعة مع قوات الأمن المركزى ليكتشف محمد فى نهاية اليوم وهو يتصفح أسماء الشهداء أن الطفلة التي كبرت وجارته التي أحبها اكتسبت لقباً جديدً وصارت " الشهيدة مريم فخري"

ينتهي فيلم "رسالة الى مريم" الذى أخرجته  ماجدة إبراهيم والذى يُصنف من الأفلام القصيرة  عند هذه النقطة التي تفتح ملفاً شائكاً حول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر وجدوى استمرار الاستقطاب المجتمعي الذى لا يعترف أحداً به .

علق على الفيلم الأستاذ الدكتور مدحت الجيار أستاذ الفنون فى جامعة الزقازيق ليتحدث عن أن الفيلم رغم أنه ينتمي إلى عينة الأفلام القصيرة  كما أنه أجاد طرح المشكلة وفتح الجرح الذي لم يندمل بعد حول قضية المواطنة ثم يستطردُ قائلاً بأن الفيلم نجح في تسليط الأضواء على مشاركة المسيحيين والفتيات في الثورة بل وتقديمهم لشهداء مثل الشهيدة مريم فخري .

يبدأ بعدها العرض الثاني للرسالة الثانية "رسالة طفل" يحكى الفيلم عن طفل هو حفيد الرئيس المخلوع مبارك ، يتكلم الطفل عن مدى الألم الذي لحق به جراء الأحداث وحول اعترافه بأن أهله مذنبين لكنه لا ذنب له في هذا الأمر ويتطرق الفيلم إلى الشهداء من الأطفال الذين لقوا حتفهم في الثورة على إثر الاشتباكات الدامية وقمع الأمن للمتظاهرين إبان الثورة ثم يُختتم الفيلم بشبه اعتذار من حفيد " المخلوع " لهم .

ثم يتوالى عرض الرسائل  رسالة أب . .رسالة أم .. ورسالة إلى شعب ! .

لتُعبر هذه الرسائل عن إنفعالات مكونات المجتمع المصري أثناء ثورة  25 يناير وتعطى فكرة عن التحولات التي حدثت أو قد تحدث بعد صدمة كبيره وتغيير أكبر في حجم ثورة .

الجزيرة الوثائقية في

20/10/2011

 

«الهجمة على الذهب» لتشابلن:

سخرية الغريب من الحلم/ السراب

إبراهيم العريس 

في أواسط سنوات العشرين، وفي وقت كان تشارلي تشابلن وصل إلى ذروة نجاحه كواحد من أكبر نجوم السينما الأميركية، متفوقاً على كل الهزليين الذين كانت هوليوود تمتلئ بهم، وفي وقت كان أسّس مع فنانين آخرين، هما دوغلاس فيربانكس وماري بيكفورد شركة «الفنانين المتحدين»، كان لا بد لذلك الفنان الاستثنائي، من أن يتوقف لحظة ليتأمل مساره. صحيح أن مساره حتى ذلك الحين لم يكن طويلاً من ناحية زمنية، لكنه كان مكثفاً وغنياً ويعرف حركة متصاعدة مليئة بالنجاحات، ومع هذا أحسّ الفنان أن عليه أن يتأمل ليصل إلى انطلاقات جديدة.

> فإذا أضفنا الآن إلى ذلك أن تشابلن كان في ذلك الحين، في حياته الشخصية، يعيش الأزمة تلو الأخرى، ولا سيما في عام 1925، حين ثارت فضيحة علاقته مع الممثلة الشابة ليتا غراي، (التي اضطر إلى الزواج بها إسكاتاً لعائلتها بعد أن افتضح أمره، ثم بدأت إجراءات الطلاق التي ستكلفه مليوني دولار)، يمكننا أن نفهم كيف أن «تشارلو»، وجد من المناسب تحقيق ذاك الذي سيصبح أكبر فيلم في تاريخه، وواحداً من أبرز عشرة أفلام في تاريخ السينما العالمية (وفق استفتاء شهير أجري في بروكسيل عام 1958): «الهجمة على الذهب». ولعل من المفيد أن نشير هنا مباشرة إلى أن هذا الفيلم اعتبر، دائماً، من قبل النقاد واحداً من أكثر أفلام تشابلن شخصية وذاتية، والفيلم الذي يرسم مسار حياته - حتى ذلك الحين - في علاقتها مع الحلم الأميركي.

> ذلك ان «الهجمة على الذهب» فيلم عن الحلم الأميركي، وعن الكيفية التي تعاطى بها شابلن، المهاجر البائس الآتي من بريطانيا قبل سنوات قافزا في المجهول، مع ذلك الحلم. وفي هذا المعنى لا يمكن للمرء إلا ان يلحظ الشبه التام بين مسيرة شابلن في حياته الهوليوودية، ومسيرة شارلو في «الهجمة على الذهب».

> في واحد من أجمل النصوص التي كتبت عن تشارلي تشابلن، يروي جان كوكتو أن تشابلن أجابه ذات مساء حين سأله عن سبب حزنه الدائم قائلاً: «إنني أحمل في داخلي حزن رجل تحوّل ذات يوم إلى ثري، لمجرد أنه بالغ على الشاشة في لعب دور الفقير». وهذا الانتقال من الفقر إلى الغنى، يصوّره تشابلن أفضل تصوير في «الهجمة على الذهب»، بل إنه يغالي في ذلك التصوير، حين يطلب منه أن «يفضح» كذلك علاقة المرأة - أية امرأة - به. فالحبيبة التي يغرم بها في الفيلم ولا تعيره أي التفات حين يكون فقيراً متشرداً لا يزال يبحث عن الذهب، تغرم به وتلتصق به لاحقاً حين يعثر على الثروة ويصبح شخصاً آخر. إن الجوهر الأساس هنا في هذا السياق، وفق تحليل مارسيل مارتان، هو أن الرجل لعب هنا لعبة الرأسمالية «استخدم الموارد التي وفرتها له قيمته السلعية لكي يصل إلى المرأة التي يحبها» ضامناً بهذا الوصول إلى المرأة في الوقت الذي وصل أيضاً إلى حريته الفردية والفنية في الحياة. وما «الهجمة على الذهب» سوى خير تعبير عن هذا.

> حقق تشابلن فيلم «الهجمة على الذهب» في عام 1925، وكان أطول فيلم يمثله بنفسه، ويحققه حتى ذلك الحين. وهو إذا كان قد حقق قبله، ومن إنتاج «الفنانين المتحدين» فيلماً طويلا آخر هو «امرأة من باريس» فإنه لم يقم ببطولة هذا الفيلم، بل اكتفى بكتابته وإخراجه جاعلاً منه ميلودرامياً عامراً بالتحليل النفسي، لكن فشل «امرأة من باريس» أعاده إلى نفسه وإلى شخصية تشارلو. وهو إذ أحس أنه حرّ في أن يروي على الشاشة ما يشاء، شرط أن يقوم هو بالبطولة ليجذب الجمهور، آثر أن يروي - مواربة - قصته مع الحلم الأميركي.

> الحلم الأميركي في «الهجمة على الذهب» يقوم في حمى الحصول على الثروة. والثروة في الزمن الذي يقدمه الفيلم (أواخر القرن التاسع عشر) كانت الذهب نفسه الذي راح المغامرون يتدافعون للعثور عليه في الغرب البعيد. وهكذا تضافرت هنا الدلالات: الحلم، الثروة، الغرب البعيد وأسطورة النجاح الفردي.

وهذا كله قدمه تشابلن من خلال حكاية تشارلو، المتشرد الصغير كعادته، إذ يتوجه هنا إلى ذلك الغرب مجرباً حظه، لكنه، في الطبع، لا يصل إلى الثروة إلا بعد كفاح عنيد، ضد الطبيعة القاسية، وضد الأشرار، وضد صفاته الذاتية التي تجعل منه نقيضاً للبطل المغامر. وهكذا في رحلته، وعلى عكس ما كانت الحال بالنسبة إلى الباحثين الآخرين، كان على تشارلو، كالعادة، أن يعتمد على ما لديه من عقل وحيلة، لا على ما لديه من عضلات. إنه، إذاً، الحلم الأميركي وقد قلب ليناسب تشارلو. والأحداث تدور في منطقة كلوندايك الموحشة الباردة، حين تطالعنا قافلة الساعين بحثاً عن الذهب، بوجوه أفرادها المكفهرة والمنهكة، وهم يتوغلون صعداً في الجبال الجليدية وهبوطاً في الوديان. وبين هؤلاء تشارلو الذي سرعان ما يجد مأوى له في كوخ على سفح متجمد، حيث تدور بعض أجمل مشاهد الفيلم. وتشارلو طوال تلك المرحلة من سعيه يجابه الطبيعة القاسية والجوع، ويجابه أيضاً الشرير لارسن وعصابته، لكن انضمام جيم الضخم إليه ينقذه، ولو إلى حين. ذلك أن الاثنين سرعان ما يجدان نفسيهما، أمام معضلة الجوع، وهنا يبدأ كل من الاثنين يتخيل أن صاحبه دجاجة يمكنه أكلها. وينتهي الأمر بتشابلن إلى أن يطبخ حذاءه ويأكله متلذذا به. في تلك الأثناء يلتقي تشارلو بالحسناء (جورجيا هال) في ملهى المنطقة ويغرم بها، لكنها لا تعيره التفاتاً. إنها لا تأبه للمتشرد الفقير، وتتطلع بالطبع إلى «وزة» أسمن منه. صحيح أنها في لحظة تدّعي الاستجابة، وتواعده في كوخه، لكنها لا تأتي بالطبع، فيعود تشارلو إلى وحدته محطماً بائساً. ولكن هنا أيضاً يأتيه الإنقاذ من طريق جيم الضخم، الذي بعدما فقد ذاكرته لفترة، يستعيدها ويتذكر مكاناً فيه الثروة، ويركض الاثنان ويعثران بالفعل على الكنز.

> وهكذا يصبح تشارلو ثرياً، ونراه عائداً على ظهر السفينة وقد ازدهى بثروته والفراء الذي يلبسه. وهنا تراه جورجيا وتشعر بالندم على معاملتها السابقة له، فتندفع نحوه ويستقبلها هو مرحباً.

> لقد أجمع الباحثون في حياة تشابلن وعمله، على أن «الهجمة على الذهب» إنما هو فيلم شاء تشابلن من خلاله أن يصوّر تلك العادات الهمجية التي ترافق النقلة النوعية التي أحدثها الحلم الأميركي، لدى أفراد ومجتمعات كان يخيّل إليها أنها وصلت قمة الحضارة فإذا بها تبدو كآكلي لحوم البشر. ولعل المشاهد الرائعة التي يتحول فيها تشارلو إلى دجاجة، أو يأكل فيها حذاءه، أو يرقّص قطع الخبز، تكفي للتعبير عن هذا: عن هذه الهمجية المرتبطة بحلم كان في طريقه إلى أن يتحقق.

> من هنا لم يكونوا مخطئين، أولئك الذين على غرار الناقد كلود بيلي رأوا أن «الهجمة على الذهب» هو أوديسه العصور الحديثة. وأوديسه معاصرة يصبح فيها، أوليس متشرداً حافي القدمين ساخراً هازلاً كارهاً للبشر، وهو ما كانه تشابلن منذ ذلك الفيلم وحتى نهاية حياته، هو الذي سيعبّر عن ذلك في شكل أكثر قوة - وضراوة - في فيلمه اللاحق «مسيو فيردو».

> استغرق تصوير «الهجمة على الذهب» أربعة عشر شهراً. وهو كلّف نحو 650 ألف دولار، لكنه حقق أرباحاً طائلة لم تقل عن 7.5 مليون دولار، كانت حصة تشابلن منها مليونين، أي المبلغ نفسه الذي اضطر إلى أن يدفعه إلى ليتا غراي، حين طلقها بعد زواجه القسري بها. وسيقول المؤرخون لاحقاً إن جزءاً من نجاح «الهجمة على الذهب» الجماهيري، يدين إلى تلك الفضيحة. قد يكون هذا صحيحاً، ولكنْ صحيح أيضاً أن استمرار هذا الفيلم في الحضور حتى الآن، يعود إلى قوة تعبيره، حيث عرف تشابلن كيف يصفّي حسابه فيه، مع حلم راوده طويلاً، وانكشف في نهاية المطاف عن كونه مجرد سراب في سراب: الحلم الأميركي.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

19/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)