حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في حضرة المحبوب «جمال عبدالناصر»

كتب طارق مرسى

 «زي النهار يا فتي وإحنا اللي ليلنا طال

جاي في أوان جرحنا والشدة ليها رجال

صوتك جميل رنته تنقش علي الأرواح

ترسم بداية زمن بالبهجة والأفراح

قلبك يساع النيل فجرك بداية ليل

حلمك وطن نبنيه ونلاقي لينا مكان

إنت اللي من حلمنا وجرحنا يا جمال» الكلمات للمبدع الشاعر إبراهيم عبدالفتاح في تيتر آخر عمل علي الشاشة يجسد حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وسيرته الذاتية.. الأروع أنها ترسم الصورة الأسطورية لرئيس مصر الأسبق التي استدعاها أبناء هذا الوطن في وقت المحن والأزمات ولم تخرج منها أبدا رحيله وكأنها أغنية وطنية تلخص مزاج شعب في حالة ثورة رفض وخرج مستنجدا بزعيم اختزلت إنجازاته طموح أمة بأكملها.الأغنية قدمها بصدق صوت متمكن و«بكر» وبإحساس نبيل وهو وائل جسار.

الأغنية الجميلة كانت مناورة إبداعية حية علي جثة أعمال وطنية سائدة، كما أنها استلهمت روح الزعيم قبل ثورة مصر وفي الوقت نفسه تتنبأ بظهور مخلص أسطوري أو مهدي منتظر علي الأرض الطيبة لاستعادة ذاكرة الإنجازات والمنجزات والأحلام المؤجلة.

إن روعة الحضور «الناصري» تجلت في المشهد الإبداعي الغنائي، حيث انتقلت الأغنية الحماسية من مرحلة الأناشيد إلي مرحلة الأغنية الوطنية التي مثلت نبضا جديدا في الغناء المصري لايرسم خريطة الثورة ومبادئها وإنجازاتها فقط بل آمال وطن.

والمدهش أن تيتر أغنية مسلسل «ناصر» الذي استلهم روح الزعيم وأرهص بالثورة وألمح إلي افتقاد الأمة إلي مواصفات قائد لها ما يقابلها في تاريخ الأغنية الوطنية، حيث قدم صوت مصر الفلتة محمد قنديل أغنيته الشهيرة «علي الدوار» واعتبرها مؤرخو الغناء أنها كانت تبشر بالثورة، بينما كان جمال هو الراعي الرسمي للأغنية الوطنية التي تترجم أحلام الأمة.. كما أنه أيضا الراعي الرسمي لثورة يناير.

في حضرة المحبوب «جمال عبدالناصر» كان العصر الذهبي للغناء الملهم علي خلفية مشهد سياسي ذهبي للكرامة المصرية والكبرياء وأيضا الريادة بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل، واكتمل هلال هذا العصر بمولد العندليب الأسطوري عبدالحليم حافظ ومعه شادية ونجاة وفايدة كامل وصباح ووردة وغيرهم من نجوم تلك الفترة وتجسدت روعة هذا الجيل في سيمفونية «وطني الأكبر» التي كانت محطة الوصول إلي أمة عربية موحدة قبل حضور زعماء التفكيك والتشويه والكابوس العربي!

ورغم إسهامات نجوم الجيل الذهبي وإيمانهم الكبير بثورة يوليو، فإن «حليم» وحده انفرد بالمشهد بوصفه الابن الحقيقي للثورة التي شهدت مولد موهبته، فبينما احتفظت كوكب الشرق أم كلثوم بعرشها سار حليم في طريقه لإشهار عرشه الغنائي بفريق عمل لن يتكرر يتألف من صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي ومعهم العمالقة مأمون الشناوي وأحمد شفيق كامل وحسين السيد ومرسي جميل عزيز وبموسيقي محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، قدم «حليم» في بداية مشواره أغنية «احنا الشعب» بعد انتخاب ناصر رئيسا لمصر عام 56 والطريف أن نفس الأغنية كانت لسان حال الثوار إسقاطا علي الرئيس المخلوع وبكلمات تلخص رفضهم لبقائه. وعندما توالت إنجازات الثورة لاحقها صوت حليم بأغنيات رددها البسطاء والوجهاء من شعب مصر منها «حكاية شعب» و«صورة» و«يا جمال»، و«يا جمال يا حبيب الملايين». و«بالأحضان» ووسط روائع «حليم» لم تغب إبداعات أم كلثوم عندما غنت للثورة أغنية «والله زمان يا سلاحي» عام 56 أثناء حرب السويس وقتها تحولت الأغنية إلي نشيد وطني لمصر.

إنجازات «ناصر» لم تقتصر علي ملاحقة الكاميرات، بل كان يرافقها كلمات وألحان وأصوات مبدعة، وكما يقول دائما مفتاح سر العصر الذهبي للأغنية الإعلامي وجدي الحكيم أن حالة الوهج السياسي تابعها وهج غنائي صادق تحرك مع إنجازات شعبية.

لم يكن غريبا أن تكون أغنيات العصر الذهبي «صورة» لحليم و«احنا الشعب» لأم كلثوم هي المعبر الحقيقي لثورة 25 يناير في قلب ميدان التحرير وفي حضرة غياب نجوم مصنوعة علي خلفية عصر فاسد ليتجدد الحضور اللامع لعمالقة الغناء مع ذكري ناصر.وحسنا ختم «إبراهيم عبدالفتاح» رائعته«ناصر» حينما قال:

ولو دار الزمن أو مال

واتبدل علي البشر أحوال

مكانك في القلوب يا جمال

ولا كل من ركب الحصان يبقي يا بشر خيَّال

مكانك في القلوب يا جمال

مجلة روز اليوسف في

24/09/2011

 

ليـه أنـا بحبه ؟

كتب هناء فتحى 

وناصرٌ واحدٌ منهم.. واحدٌ من الذين أدق صوَرَهم فوق حوائطِ البيت.. ( وعلي لحم القلب من جُوه)..

كلهم موتي.. لا أُعلق صُورا لأحياءٍ.. صدفة بحتة.

فكل الذين أحبهم ماتوا.. وناصر واحد منهم..

وناصر ليس صورة معلقة في بيتي وحدي.. بل في ملايين البيوت العربية.. نعتبره الأهل والعزوة والأب بحق وحقيقي.. صوت وصورة .. هيبة وقوة ومسئولية وعطاء ورعاية وأمانة.. وصوته كان بيهز الدنيا.

لكن ناصر لم يمت.. (وجيفارا كمان ماماتش )..

مين إللي قال جيفارا مات.. يا أبو النجوم جيفارا مامتش وناصر كمان عايش مامتش.. فتلك الصور المرفوعة في الميادين العربية لناصر وجيفارا تؤكد أن كثيرا من الأحياء حتي ولو حكمونا - موتي.. وأن كثيرا من الأحياء - حتي ولو قتلونا- موتي.

ليه أنا بحبه ؟ سألت نفسي السؤال ده كتير.. لكنني الآن وبعد ثورة يناير بالذات أمتلك الإجابة واضحة.. أحبه لأنه ديكتاتور وفظيع كمان!! ح تقول تمثيلية اغتياله علشان يسجن الإخوان.. ح أقولك طيب بذمتك ألم تتمني أن يكون ناصر موجودا في جمعة (الدقون) الشهيرة يوم 29 مايو الماضي ؟.. ألم تشتق لحظتها لديكتاتورية ناصر الفظيعة تلك ؟

ح تقول أصله ما بيعرفش يختار نوابه ومساعديه ح أقولك ومين بيعرف.. ألم يفعل الثوار بعد 25 يناير ذلك.. ألم يرفع الثوار عصام شرف علي أكتافهم واختاروه رئيسا لوزراء ثورتهم المجيدة.. المسألة سوء تقدير وليس سوء نية.. نحن اخترنا ( عصام شرف ) و( ناصر) اختار (السادات ).

ليه أنا بحبه ؟

علشان هوَّه مستبد خالص ولا يستأذن أحدا في أخذ القرار.. طيب وهوه معاداة قيام دولة إسرائيل كانت تحتاج شوري مثلا ؟

لو كان عبدالناصر حيا لما تم قتل ثلاثة ثوار في الهجوم العظيم علي علم وسور السفارة الإسرائيلية لو كان حيا لفعل مثلما أراد الشعب وحلم به الشعب كان ناصر هو الشعب وهو الحكم والحُكم.. كان الأمة.. وكان لا يقول إلا (بسم الأمة) لم يقل : باسم المال ولا السلطة ولا أولادي من بعدي.

وهل قانون الانتخابات يحتاج شوري مثلا ؟ وهل عودة فلول الوطني من جديد تحتاج حزبا أو قانونا ؟ في الحقيقة هي لا تحتاج إلا الذبح والفرم والسحق والانزواء.

- ليه أنا بحبه ؟

- علشان هو كان ضد الحريات خالص طيب وهوه حضرتك الآن مع الحريات؟ يعني عايز الحريات دي؟.. الحريات التي أطلقت الإسلاميين من السجون إلي وجوهنا.. الحريات التي أطلقت بقايا نظام مبارك إلي أمننا وأماننا فلتحيا السجون التي ترحم الناس من الأذي ومن الخراب والرعب والفزع.

- ليه أنا بحبه

- علشان كان بيحب أم كلثوم وغاندي ونهرو وجيفارا والموسيقي والأوطان حرة وأبية.

- ليه أنا بحبه

علشان عمري ما عرفت أكرهه.

مجلة روز اليوسف في

24/09/2011

 

تجميع صورة «عبدالناصر» علي الشاشة

كتب حسام عبد الهادى 

لم يحتل حاكم سواء كان عربياً أو غربياً كل هذه المساحة العريضة من الشاشة سواء الكبيرة أو الصغيرة مثلما احتلها الزعيم «جمال عبدالناصر» الذي يعتبر الشخصية الأكثر «كاريزمية» في تاريخ الحكام في العالم علي الأقل في المائة سنة الماضية.

«جمال عبدالناصر» مثلما عاش بطلاً قومياً علي أرض الواقع، عاش بطلاً في خيال كثير من المبدعين الذين تسابقوا ليكون «ناصر» هو العنوان الرئيسي للعمل أو - علي الأقل - أحد محاوره الأساسية، فمنذ ظهور «جمال عبدالناصر» علي ساحة الحكم والأعمال الدرامية تسعي لتجسيد هذه الشخصية إما رمزاً أو حقيقة.

في البداية لم يكن التناول يصلح إلا رمزاً سواء كان التناول إيجابياً أو سلبياً، فالرمزية في التناول الإيجابي بسبب رفض «عبدالناصر» القاطع لنظرية المديح والنفاق وتمجيد الحاكم لاحظنا ذلك في مسرحية «الفتي مهران» رائعة «عبدالرحمن الشرقاوي» والتي جاءت في الوقت الذي كان يرفع فيه «جمال عبدالناصر» شعار «دعونا نعمل في صمت» أما الرمزية في التناول السلبي، لأنه لم يكن يجرؤ أحد أن ينتقد «عبدالناصر» صراحة وبشكل مباشر، خاصة أن الرقابة - وقتها - كانت أكثر صرامة، والدليل علي ذلك فيلم «شيء من الخوف» رائعة «ثروت أباظة»، الأمر اختلف بعد رحيل «عبدالناصر»، حيث بدأت الأعمال الدرامية تتناول زعامته وشخصيته بشكل مباشر وصريح مثلما جاء في مسلسل «ليالي الحلمية» تأليف «أسامة أنور عكاشة» وإخراج «إسماعيل عبدالحافظ» ورغم أن المسلسل لم يجسد شخصية «عبدالناصر» من خلال أحد الممثلين، فإنه تناول فترة «ناصر» بسلبياتها قبل إيجابياتها وبشكل صريح وصادق، التلميحات الصريحة في مسلسل «ليالي الحلمية» أشارت إلي أن «عكاشة» جسد «عبدالناصر» في شخصية «زينهم السماحي» التي أداها «سيد عبدالكريم» برفضه للهزيمة ووقوفه صامداً أمامها وعبر «عكاشة» عن ذلك بعدم موت السماحي درامياً في 67 وأماته دراميا بعد حرب 73 والتي وضع«ناصر» ملامح خطتها قبل وفاته عام 1970 في «أوراق مصرية» تأليف طه حسين سالم وإخراج وفيق وجدي، كان حضور «عبدالناصر» دماً ولحماً في شخص «نبيل الحلفاوي» ورغم أن «الحلفاوي» ممثل «يخض» من العيار الثقيل فإنه لم يقنع المشاهدين بـ«عبدالناصر» أما «رياض الخولي» في «أم كلثوم» فأبدع إبداعاً روحياً يفوق الإبداع الشكلي بمراحل، فالشخصية التي يتم تناولها إن لم ينجح في الاقتراب من روحها أكثر من شكلها لن تصل إلي المتلقي، فكم من الشخصيات التي تطابقت ملامحها مع من جسدها لكنها افتقدت إلي الروح، ولم تصل إلي المشاهد مثل «فراس إبراهيم» في «محمود درويش»، و«صفاء سلطان»، في «ليلي مراد»، و«شادي شامل» في العندليب رغم أن «عبدالحليم حافظ» كان «العندليب الأسمر» وليس «العندليب الأبيض» كما ظهر «شامل».

الروح في تجسيد السير الذاتية هي الأهم ولذلك كان «رياض الخولي» في «أم كلثوم» هو الأقرب روحاً من «جمال عبدالناصر» عن كل الممثلين الذين قدموا نفس الشخصية وتفوق عليهم حتي عن «أحمد زكي» في «ناصر 56». زكي في هذا الفيلم كان مجرد برواز فقط لـ«عبدالناصر» ولم يكن روحاً، رغم أنه في «أيام السادات» جمع بين الروح والبرواز أي الملامح. محفوظ عبدالرحمن مؤلف فيلم «ناصر 56» أظهر جمال عبدالناصر في شخص أحمد زكي بطلاً قومياً ورمزاً عربياً شامخاً في فترة تعتبر من أهم فترات مصر الحرجة وهي فترة تأميم قناة السويس. «أحمد زكي» - رحمة الله عليه - قال لي أثناء تصوير الفيلم عام 1994 أن الإحساس هو الذي كان يربطه بشخصية «عبدالناصر» وينقله إلي حالة الإدراك الحسي بينه وبين الجمهور، لدرجة تجعلهم يصدقون أن من يقف أمامهم علي الشاشة هو «عبدالناصر» وليس «أحمد زكي» حتي لو كان مجرد برواز، وبصرف النظر عن الروح والملامح، ولذلك عندما كان يخطئ «أحمد زكي» في مشهد من المشاهد - وهي طبيعة «أحمد زكي» في كل أعماله - لا يقوم بإعادته مرة أخري في نفس اليوم، بل يؤجل تصويره لليوم التالي ليكون الإحساس طازجا - علي حد تعبيره - ومن أول مرة.

تفوق رياض الخولي روحاً في أداء شخصية «ناصر» دفع المخرجين للاستعانة به لأداء نفس الشخصية في مسلسلي «فارس الرومانسية» عن قصة حياة الأديب «يوسف السباعي» و«رد قلبي» المأخوذ عن نفس الفيلم الذي تم تقديمه في أوائل الستينيات وقد أثير أن شخصية «علي عبدالواحد» الشهير بـ«علي ياويكا» التي قدمها «شكري سرحان» في الفيلم هي نفسها شخصية «جمال عبدالناصر» الحقيقية والتي تأثر بها «السباعي» في الواقع فنقلها درامياً من خلال الفيلم الذي كان أقوي بمراحل من المسلسل، ومثلما كان «الخولي» هو الأقرب روحاً لـ«عبدالناصر» كان «خالد الصاوي» هو الأقرب شكلاً في فيلم «جمال عبدالناصر» من تأليف إيهاب إمام وإخراج «أنور القوادري»، خاصة منطقة الأنف إلا أن «الصاوي» فشل فشلاً ذريعاً في الوصول إلي نفس الروح التي تعتبر هي أداة التوصيل الجيدة بين السيرة الذاتية والجمهور، وفشل الفيلم بجدارة.

السبب وراء الفشل أن «الصاوي» كان في المرحلة التمهيدية للتمثيل الذي لم يكن تعلمه بقدر كاف، وطمع في أن يكون بطلاً مطلقاً وهو لايزال في بداية الطريق وبشخصية بحجم «جمال عبدالناصر» فلم يستوعبه الجمهور لا اسماً ولا روحاً، كما أن أداء «الصاوي» لشخصية «عبدالناصر» كان يتسم بالنبرة العالية والأداء الحماسي المستمر وهو ما يتنافي مع شخصية «ناصر» الحقيقية التي كانت تتسم بالهدوء والعقلانية والحكمة دائماً باستثناء خطبه فقط التي تظهر فيها نبرته الحماسية التي عممها «الصاوي» في كل أدائه للشخصية.

الغريب أن الصاوي لم يكن هو في البداية «جمال عبدالناصر»، بل كان مرشحا لدور ثانوي، وعندما تكررت اللقاءات بينه وبين مخرج الفيلم أنور القوادري أقنعه بقدرته علي أداء الدور فمنحه إياه ليخرج بهذا المستوي الضعيف. «القوادري» في الفيلم استعان بالسيمفونية الشهيرة «شهرزاد» لـ «كورسكوف» لتصاحب الصورة وهي السيمفونية التي كان يحب عبدالناصر أن يستمع إليها دائما. في «العندليب» أطل علينا «مجدي كامل» في شخصية «جمال عبدالناصر» ولم يكن أحد يتوقع أن هذا الدور البسيط - حجماً وليس كيفاً - سيكون فاتحة الخير نحو نجوميته المطلقة، كما أن هذا الدور البسيط كان مؤشراً بأن هناك ممثلاً يمتلك الأدوات الجيدة التي تقربه من شخصية بحجم «جمال عبدالناصر» وتحديداً «نظرة العين» التي تعبر عن أدوات التوصيل الجيدة مثلها مثل الروح، خاصة أن العين هي خير مترجم لطبيعة الروح، وهو ما قاله « جوزيف تيتو» الرئيس اليوغسلافي الراحل في مذكراته عندما تحدث عن «عبدالناصر» مؤكداً أن أحداً كان لا يجرؤ للنظر إلي عينيه القويتين العميقتين.

«كامل» كانت عينيه هي البطل الحقيقي في تجسيده لشخصية «عبدالناصر» في مسلسل «ناصر» لـ«يسري الجندي» لأن العينين بالفعل كانت هي أكثر ما يميز ملامح جمال عبدالناصر فلعب «كامل» علي هذا الوتر ونجح فيه نجاحاً كبيراً، كما اختلف أداؤه كثيراً لنفس الدور في «العندليب» الذي كان يتعامل فيه مع الشخصية بحماس زائد مثلما كان يفعل «خالد الصاوي» في «جمال عبدالناصر» وتحديدا في مشهد النكسة الذي ظهر فيه «كامل» وهو يبكي بكاء شديد، المخرج الكبير «إسماعيل عبدالحافظ»عاتبه كمتابع للمسلسل وقال له: عبدالناصر كان كبرياؤه يمنعه من البكاء، فكيف تظهره وهو يبكي، وهو ما جعل «كامل» يتدارك الموقف في «ناصر» ويلتزم الهدوء والتعقل والحكمة باستثناء النبرة الحماسية في خطبه فقط وهي طبيعة ناصر الحقيقية فكان وصوله أقرب إلي الشخصية التي كانت رسمية لأبعد الحدود، لدرجة أنه كان يرفض أن يجلس في بيته «بالبيجامة» أو «الروب»، خاصة أن مقر إقامته كان هو نفسه مكتبه، فكان يظل بالملابس الرسمية طوال اليوم إلي أن يدخل غرفة نومه فيستبدلها «بالبيجامة»، رغم كثرة الأعمال التي صنعت عن «جمال عبدالناصر» فإنها الأعمال الأكثر التي كانت تتعرض لمضايقات عند عرضها خلال فترة حكم النظام البائد الذي كان لا يريد لصوت أن يعلو علي صوته، خاصة إذا كان هذا الصوت لزعيم بحجم «جمال عبدالناصر» حيث كان النظام يدرك جيداً مدي الاهتمام والالتفاف وقوة التأثير الذي يصنعه هذا البطل القومي في نفسية جموع المواطنين المصريين والعرب، فكان يحجب إذاعتها إلا نادراً، بدليل أن مسلسل «ناصر» لـ«مجدي كامل» الذي يعتبر من أهم الأعمال التي صنعت عن «جمال عبدالناصر» بعد «ناصر 56» لأحمد زكي، حيث تتجسد أهميته في حجم المساحة التاريخية التي نقلت الأحداث الكاملة للسيرة الناصرية منذ المولد وحتي الوفاة، خاصة وأن المسلسل يقع في 22 حلقة تعادل 22 ساعة عرض بما يوازي 11 فيلماً سينمائياً، في الوقت الذي اكتفي الفيلم بنقل أحداث ثلاثة شهور فقط من حياة «عبدالناصر» هي فترة تأميم قناة السويس هذا المسلسل لم يذع بقنوات التليفزيون المصرية إلا بعد عام من عرضه علي القنوات الفضائية العربية والأكثر من ذلك أنه لم يذع علي القنوات الأرضية الرسمية بل أذيع علي قناة النيل للدراما وفي أوقات ميتة ليس لشيء سوي لأن أعمال «عبدالناصر» تدعو إلي الاشتراكية ومحاربة الفساد وهو ما كان يتعارض مع طبيعة النظام البائد، الأعمال التي صنعت عن «عبدالناصر» أجمعت علي إنسانيته رغم قوة شخصيته، فأظهرت كم الدفء والحنان الذي كان يمنحهما لأبنائه وزوجته، وكم كان إنساناً بسيطاً متواضعاً في بيته، وهو سر قربه من المصريين، «جمال عبدالناصر» كحاكم كان مادة خصبة وثرية للأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التليفزيونية أو حتي المسرحية، ولكن في بدايات حكمه كان مجرد التلميح باسمه أو شخصه يعد من الممنوعات ومن الأعمال التي تؤكد هذا الكلام. أفلام «شيء من الخوف» الذي تحايل فيه مؤلفه «ثروت أباظة» بشخصية «عتريس» التي أداها «محمود مرسي» ورغم أن «أباظة» في عهد «عبدالناصر» أنكر أن الفيلم أو شخصية «عتريس» لها علاقة سواء من قريب أو من بعيد بـ«ناصر» وأن المقصود بها الاحتلال الإنجليزي وأذنابه حتي يمر الفيلم من من بين أصابع الرقابة مرور الكرام ويتم عرضه بسلام، إلا أنه بعد وفاة «عبدالناصر» أكد أن المقصود بشخصية «عتريس» كان «جمال عبدالناصر»، كما كان «عبدالناصر» البطل الرمز في «ميرامار» رائعة «نجيب محفوظ» و«المتمردون» و«الفتي مهران».

مجلة روز اليوسف في

24/09/2011

 

الفيلم السياسى يتحرر فى عصر الثورة والفضاء المفتوح

كتب طارق الشناوي 

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الثورات العربية اشتعلت لأن الحكام تصوروا أنهم أبديون وأن أبناءهم سوف يرثون من بعدهم مفتاح البلاد إلا أن كل هذه الثورات مدينة إلى الفضائيات التى نقلت روح الثورة من الشارع إلى البيت فصارت ثورة الملايين.. قبل اشتعال الثورة لعبت الفضائيات دور البطولة فى حياتنا.. ساهمت بقسط وافر فى زيادة مساحات الحرية المتاحة فى عالمنا العربى برغم كل القيود التى حاولت ولا تزال تحاول أن تقيدها وانعكس ذلك بالطبع على كل أوجه الحياة وأيضاً على كل وسائط التعبير، سينما مسرح تليفزيون.. وتحديداً الفيلم السينمائى باعتباره أكثر الأعمال الفنية تداولاً وأكثرها أيضاً شعبية وحميمية واقتراباً من الجمهور.. السياسة فى المجتمع العربى هى «التابو» الممنوع الثالث بعد الدين والجنس.. وإذا كان المجتمع فى القسط الأغلب منه استقر على أن الدين منطقة لا يجوز الاجتهاد فى ثوابتها وأن الجنس والاتجار بالغرائز مرفوض تماماً ولكن تبقى السياسة وتحديداً الفيلم السينمائى السياسى الذى يملك الوثيقة التاريخية والحقيقة ولكن حتى الوثائق والحقائق نكتشف أن وجهات النظر تتعدد حولها.

الإبداع والمجتمع والدولة الثلاثة يراهنون على الحرية.. المبدعون يريدونها حرية بلا رقيب، والمجتمع يريدها حرية لا تخدش قيمه ومبادئه، والدولة تقف فى المنتصف تلعب دور شرطى المرور فهى تسمح بالإبداع الذى يدعم موقفها بحجة الحفاظ على المجتمع ومبادئ الدولة العليا وترفض الإبداع بنفس الحجة باعتباره يتعارض مع الحفاظ على قيم المجتمع ومبادئ الدولة برغم أن السبب الحقيقى للمنع هو أنه قد يساهم فى النيل من قدسيتها ولا أقول فقط هيبتها لأن النظم العربية كانت ترسخ لدى الشعوب مبدأ التقديس!!

غالباً ما يصطدم الفيلم السياسى مع الدولة لأنه فى العالم الثالث غير مسموح بأن يمارس الفنان دوره فى الانتقاد السياسى وعندما يفلت فيلم سياسى من هذا الحصار نجد أن القيادة السياسية نفسها تقف وراء هذا السماح ولهذا أصبح من المحفوظات العامة بين المثقفين أن الرئيس «جمال عبدالناصر» هو الذى صرح بفيلم «شىء من الخوف» إخراج «حسين كمال» عام 1968 وأن الرئيس «أنور السادات» الذى صرح بفيلم «الكرنك» إخراج «على بدرخان» 1975 ودخلت إلى القاموس الصحفى هذه العبارة الشهيرة التى قالها «عبدالناصر» فى نهاية الستينيات لوزير الثقافة أمد الله فى عمره «ثروت عكاشة» بحضور «سعد الدين وهبة» وكيل الوزارة «صرحوا بالفيلم.. إحنا مش عصابة بتحكم مصر يا ثروت»!!
ويعتقد الكثيرون أن التصريح بهذين الفيلمين وغيرهما مثل «ميرامار»، «على من نطلق الرصاص»، «القضية 68 » دلالة على أن المجتمع يتمتع بحرية والواقع أنها شاهد نفى على الحرية وليست شاهد إثبات عليها لأنه عندما يصل الأمر بأن رئاسة الجمهورية هى التى تملك الموافقة على العمل الفنى فهذا معناه أن كل كبار الموظفين والمسئولين فى الدولة يعلمون أنه لا يوجد لديهم هامش حرية يتحركون من خلاله وأن الرئيس فقط هو الذى يملك تحديد مساحة هذا الهامش، ورغم ذلك فلقد ذكر لى الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس فى حوار نشرته قبل خمسة وعشرين عاماً على صفحات مجلة «روزاليوسف» أن الرئيس «جمال عبدالناصر» وافق على عرض فيلم «الله معنا» عام55 بشرط أن يتم حذف دور الرئيس «محمد نجيب» من الفيلم وكان «نجيب» هو أول رئيس مصرى قبل أن يتم عزله فى نهاية عام 1954 وسمح بالفيلم بعد إجراء هذا الحذف بعد أن.. لعب «زكى طليمات» دور «محمد نجيب» وفى نهاية الثلاثينيات عانى فيلم «لاشين» قبل أن يسمح بعرضه الملك فاروق!!

أتصور أن بعد ثورة يوليو 52 ازدادت قبضة الدولة على الحقيقة وعلى حرية تداولها أكثر من العهد الملكى.. مثلاً كل المعاصرين يعلمون أن أول رئيس للجمهورية هو «محمد نجيب» شاهدوا صورته فى الصحافة واستمعوا إلى صوته فى الإذاعة قبل بداية إرسال التليفزيون عام 1960 ورغم ذلك كانت يد الدولة هى الأعلى وصوتها هو الأقوى ولأنها فقط تحتكر الحقيقة فلقد عرض الفيلم بلا أى إشارة لمحمد نجيب إلا أنه رغم التعتيم كانت تطل بين الحين والآخر أفلام سياسية تنتقد ولكنها قبل أن تعمل بنصيحة الفيلسوف الألمانى نيتشه «قل كلمتك وامش» تواجه بعنت رقابى مثل رواية «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ التى ظلت عشر سنوات قبل السماح بتقديمها تحت اسم «القاهرة 30» رغم أن الأحداث تتناول فترة الثلاثينيات إلا أنهم اعتبروها - أقصد الرقباء بالطبع - تقدم إسقاطاً على الثورة ولهذا توجسوا منها ومارسوا صلاحيتهم على مخرج الفيلم «صلاح أبوسيف» الذى قال لى إنه ظل فى حرب طاحنة 20 عاماً حتى سمح بالفيلم!!

والحقيقة أن أغلب السينمائيين استسلموا للسلطة، لم يكن نضالهم الأساسى من أجل الحرية والحقيقة بقدر ما هو تقديم أفلام ترضى الدولة.. ولهذا كما انتقدوا النظام الملكى فى عهد الرئيس «عبدالناصر» انتقدوا نظام «عبدالناصر» فى عهد «السادات» وعرفنا موجة شهيرة وهى أفلام مراكز القوى ثم بعد ذلك انتقدوا «السادات» فى عهد «حسنى مبارك» بأفلام انتقدت الانفتاح بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكان أولهم فيلم «أهل القمة» الذى قدم فى العام الأخير من رئاسة «أنور السادات» بعد موافقة «السادات».. الرؤية السياسية فى الأفلام فى عهد المخلوع كانت تراهن أكثر على العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ولهذا يحرق العلم الإسرائيلى فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، ويحرق العلمان الإسرائيلى والأمريكى فى فيلم «العاصفة» وتكرر الأمر فى عدد من الأفلام والمسرحيات حيث نرى المظاهرات الغاضبة من الطلبة فى الأفلام مثل «السفارة فى العمارة» و«ليلة سقوط بغداد» بشرط واحد هو أنها لن تغادر أسوار الجامعة وهو شرط تضعه الرقابة لأن أمن الدولة لا يسمح أيضاً للطلبة بتجاوز سور الجامعة وبالمناسبة بطل فيلم «السفارة فى العمارة» عادل إمام أكد فى أكثر من تصريح أن «مبارك» هو الذى صرح بعرض الفيلم بعد اعتراض الرقابة المصرية وهو أيضاً كما صرح «عادل» الذى صرح بفيلم «الجردل والكنكة» الجزء الثانى من «بخيت وعديلة»!!

وإذا كان الفيلم الممزوج بالسياسة يجد عند الجمهور رواجاً فى الماضى وينظر إلى صناعه باعتبارهم من الأبطال الفاتحين وذلك لأن كل الحقائق السياسية التى كانت من الممنوعات الآن أصبحت أغلب القنوات التليفزيونية الفضائية وأيضاً الأرضية تكشف الأوراق السياسية.. كل شىء أصبح على أطراف أصابع الناس عندما تتحدث السيدة «جيهان السادات» بكل صراحة ووضوح عن الرئيس «أنور السادات» وتحكى الكثير من المواقف التى كانت شاهد عيان عليها سواء قبل الثورة أو بعدها أو قبل تولى السادات الحكم أو بعده فلا يوجد هناك شىء ممنوع من الممكن أن تلعب عليه السينما.. كذلك عندما سجل الراحل «حسين الشافعى» النائب الأسبق لرئيس الجمهورية كل الذى كان لا يزال تحتفظ به ذاكرته عن الثورة ورجالها ويشاهده الناس ويجادله الآخرون أيضاً من شهود العيان ولا يتبقى شىء ممنوع أو غير متاح.. الكاتب الكبير «محمد حسنين هيكل» يقدم مذكراته على قناة «الجزيرة» بدون ممنوعات أو تحفظات.

الصورة التسجيلية والوثائقية لعبت دورها ولهذا فإن أهم لقطة عن الانتفاضة الفلسطينية هى تلك التى صورها الفلسطينى «طلال أبورحمة» لقتل الطفل «محمد الدرة» وتلويح والده فى محاولة أخيرة للدفاع عن حياة ابنه الشهيد وقبل ذلك ببضع سنوات عندما اندلعت حرب العراق والكويت كانت لقطة الطائر المغطى ببقايا الشحم والزيت والذى ينازع الموت هى الأقوى تعبيراً وإحساساً عما يجرى على أرض الكويت.. صورة «مبارك» على سريره فى القفص هو و«جمال» و«علاء» سوف تتحول مع الأيام القادمة إلى أفكار سينمائية والمؤكد أن «سوزان مبارك» سوف تحتل المساحة الأكبر فى الأفلام القادمة مثلما سيطرت على الكواليس فى الحياة السياسية!!

البرامج التليفزيونية كشفت كل شىء. إن فيلماً مثل «الكرنك» الذى أخرجه «على بدرخان» قبل 35 عاماً عندما فضح المعتقلات والتعذيب وأوحى بشخصية «صلاح نصر» من خلال تقديمه لشخصية «خالد صفوان» التى لعبها «كمال الشناوى» تحول الفيلم إلى حدث فى الشارعين المصرى والعربى وكانت القضية التى أقامها «صلاح نصر» ضـد صنـاع الفيـلم هى - المانشت - الرئيسى للعديد من الجرائد المصرية والعربية.. مجرد الإيحاء بشخصية أو تقديم مشاهد درامية عن التعذيب كان يعد حدثاً يستحق أن تفرد له الصفحات الأولى الآن لا يكفى الإيحاء ولا المشاهد الدرامية لأن الإعلام السياسى من خلال برامج التليفزيون أطلق العنان أكثر لخيال الجمهور ولهذا فإن الناس تريد أن ترى الحدث وتمسك الشخصية ولعب «أحمد زكى» فى تلك المساحة بفيلمه «ناصر56» ثم «أيام السادات»، اختار فى فيلم ناصر101 يوم هى تلك الفترة الزمنية التى ارتبطت بتأميم قناة السويس والتى لم يختلف بشأنها كل رجال السياسة على تعدد وجهات نظرهم أما مع «السادات» فلقد اتسعت السنوات لتشمل حياة السادات كلها وأصبح المجال مفتوحاً لكى تتعدد الرؤى وتختلف المشارب والاتجاهات.

وكانت الوثيقة السينمائية حتى مع إعادة تقديمها درامياً جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله لأن الناس شاهدت السادات وهو فى الكنيست الإسرائيلى عبر التليفزيون فى مختلف البرامج شاهدته وهو يخطب بأسلوبه المميز ولهذا لجأ المخرج «محمد خان» إلى أن يقف فى مرحلة متوسطة يقدم جزءاً تسجيلياً وجزءاً آخر يتمثل فيه التسجيلية والتوثيق .

لو لم يحمل الفيلم السينمائى السياسى هذه المقومات لن يجد الجمهور لديه أى حافز لكى يشاهده وسوف يفضل عليه أن يمسك الريموت ليشاهد برنامجاً سياسياً أكثر صراحة وجاذبية..

وتستطيع أن تضع فيلما مثل «ظاظا» الذى لعب بطولته «هانى رمزى» فى هذا الاتجاه وهو بأسلوب التجريد أى أنه لا يحدد زمانا ولا مكانا بعينه رغم أن الكل يعرف أنه يقصد مصر.. «طباخ الرئيس» كان فيلما يغازل مبارك فهو المنقذ لمصر رغم أن البعض اعتبره وقتها فيلماً ثورياً وهو ما ينطبق أيضاً على فيلم «جواز بقرار جمهورى» لم ينجح أى من هذه الأفلام جماهيرياً بنفس قدر نجاح فيلمى «ناصر» و«السادات»!!

إن النجاح الجماهيرى الذى حققه فيلما «ناصر» و«السادات» لا يعنى أننا أمام جمهور يقطع تذكرة لكى يشاهد فيلماً سياسياً.. جمهور الفيلمين يريد أن يشاهد «عبدالناصر» و«السادات» ومساحة زمنية أعرض من تلك التى أتاحتها له أجهزة الإعلام فلقد أثار الإعلام نهمه واستغلت السينما سواء بقصد أو عن غير قصد هذا النهم!!

«السادات» و«عبدالناصر» فيلمان عن شخصيتين سياسيتين ولكنهما ليسا فيلمين سياسيين ولهذا فإن فتح الملفات السياسية المنتشرة عبر الفضائيات سوف تثير نهم المشاهدين إلى المزيد بشرط أن تسمح الرقابة بالدخول إلى الممنوع وأن يعرف السينمائيون كيف يقدمون هذا الممنوع لأنه إذا سمحت الرقابة فلن يتسامح الجمهور.. وبعد نجاح «الملك فاروق» المسلسل التليفزيونى انفتحت شهية المنتجين للتقليب فى صفحات الماضى القريب ولهذا كان يعد قبل الثورة مسلسلاً عن حياة الأمير «محمد على».. أتصور أن مشاعر الناس الآن تتوجه إلى انتقاد ما نعيشه وعشناه قبل بضعة أشهر ولكن لا تتصور أن كل الحقائق مسموح بها كما فى السينما العالمية.. فى الغرب هناك سقف بلا حدود ليس فقط للفيلم السياسى الروائى ولكن للفيلم التسجيلى مثلما قدم المخرج الأمريكى «مايكل مور» فيلميه «911 فهرنهايت» و«سيسكو».. أو الإيطالى «نانى موريتى» بفيلمه «الحوت».. لا شك أن هناك مساحات تعيشها السينما العربية لم تكن متاحة من قبل..

هى ليست مطلقة بالطبع ولا هى أيضاً تشبع نهم المبدع ولا الجمهور الذى يرنو دائماً للمزيد ولا تقارن بما هو متاح للسينما الغربية ولكن لا أحد ينكر أن ما كان مسكوتاً عنه فى الماضى ومن المستحيل الاقتراب منه أصبح الآن فى إطار الممكن مهما تعددت وجهات النظر حول ما هو الممكن فى الفيلم السياسى.. نعم الفضاء المفتوح سمح للفيلم السياسى بأن يحلق بعيداً لكن بأجنحة تدرك أنه حتى للسحاب حدود سوف نرى سينما سياسية تنتقد بضراوة ليس فقط زمن «مبارك» ولكن عائلة المخلوع سوف تصبح هدفاً مباحاً وسوف نشاهد قريباً فى دور العرض الفيلم التسجيلى «الطيب والشرس والسياسى» وبالطبع فإن العنوان يذكرنا بالفيلم الإيطالى «الطيب والشرس والقبيح» والمقصود بالسياسى فى الفيلم المصرى هو القبيح «حسنى مبارك» على اعتبار أن الطيب هو الشعب والشرس جهاز الشرطة.

أتمنى أن نملك الحرية لكى ننتقد الحاكم وهو ليس فقط على قيد الحياة ولكن وهو على قيد السلطة!!

مجلة روز اليوسف في

24/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)