كيرا نايتلي من أبرز نجمات السينما العالمية حالياً، فهي تتمتع بقدرة
طبيعية على
تقمص الشخصيات المتنوعة من فكاهية ودرامية مروراً بالمغامرات
والرياضة من دون أي
مجهود ظاهري. فهي أدت دور فتاة تمارس رياضة كرة القدم في فيلم «إلعبها مثل
بيكهام»،
ولعبت بالسيف إلى جوار جوني ديب في «قراصنة جزر الكاريبي» بأجزائه الثلاثة،
ثم
تنازلت عن المشاركة في الجزء الرابع تاركة مكانها للإسبانية بنيلوبي كروز.
ظهرت نايتلي حديثاً إلى جوار سام ورثينغتون نجم فيلم «أفاتار»، في عمل
رومانسي
أخرجته للشاشة الإيرانية المقيمة في هوليوود ماسي تاج الدين
وهو «الليلة الماضية»،
وها هي تشارك النجم كولين فاريل بطولة الفيلم البوليسي «لندن
بولفارد» وتجدد عقدها
مع دار شانيل سفيرة لعطر «كوكو مدموازيل» مؤدية بطولة الفيلم الدعائي الخاص
به
والمصور في باريس على دراجة بخارية لونها بيج حال الزي الأنيق الذي ترتديه
نايتلي
وهي تقودها وأيضاً الخوذة التي تغطي رأسها.
أتت النجمة البريطانية إلى باريس للترويج لفيلم «لندن بولفارد» ولعطر شانيل
فالتقتها «الحياة» وحاورتها.
>
تظهرين في ثلاثة أفلام معروضة حالياً في الصالات الباريسية، وهي «الليلة
الأخيرة» و «لا تتركني أرحل أبداً» و «لندن بولفارد». فهل تعتبرين العام
2011
بمثابة جالب حظ بالنسبة إليك؟
-
أكاد أقول إن العام 2010 هو الذي جلب لي الحظ بما أن كل الأعمال التي
تذكرها
قد صورت خلاله وهي معروضة الآن ليس فقط في باريس بل في العالم. ولكنني
أتوقع حدوث
الشيء نفسه في 2011، إلا أننا لا نزال في ثلثه الأول وبالتالي أفضّل عدم
التكلم عن
تفاصيل المشروعات قبل أن تتحول حقيقة ملموسة.
·
حدثينا عن فيلم «لندن بولفارد»
وهو آخر عمل لك تعرضه الصالات؟
-
أحببت العمل في هذا الفيلم لأنه حولني نجمة سينمائية مستحيلة المنال لا
تخرج
من بيتها أو من الفندق الذي تقيم فيه إذا كانت مسافرة خوفاً من تعدّي
الإعلاميين
عليها. وبالتالي تعين هذه النجمة حارساً شخصياً «بودي غارد»
ليحميها، ولكنها لا
تعلم أنه خرج حديثاً من السجن وأن هناك أكثر من مجرم يفتش عنه. الفيلم يزخر
بالحركة
والمغامرات ولكن أيضاً بالمواقف العاطفية الحلوة والناعمة بين النجمة
وحارسها.
·
هل شعرتِ بأنك كنت تمثلين شخصية
قريبة منك، وأقصد بفضل حكاية النجومية؟
-
لا، فأنا لا أختبئ، لا في بيتي ولا في الفنادق ولا أرفض مواجهة الإعلاميين
وإلا لما كنا الآن أنا وأنت في حديث صحافي. أليس كذلك؟ على العكس لقد شعرت
بأنني
كنت أتقمص شخصية بعيدة مني وشبه مريضة نفسياً ومعقدة لا تتحمل
الأضواء ولا الشهرة،
أي أنها باختصار تعجز عن تحمل أهم مقومات حياتها.
·
ماذا عن عملك تحت إدارة
السينمائية الإيرانية ماسي تاج الدين في فيلم
«الليلة
الماضية»؟
-
لا أسمي تاج الدين إيرانية حقاً، فهي تقيم في الولايات المتحدة منذ صباها،
وفق
ما أعرفه، كما أنها أخرجت فيلمها على الطريقة الهوليوودية ولا علاقة لذلك
بالأفلام
الإيرانية الفعلية التي تسنى لي رؤيتها في المهرجانات السينمائية المختلفة
التي
حضرتها. إنها أميركية ذات جذور إيرانية، وقد وجدتها تجيد معرفة
ما تريده أثناء
التصوير، كما أنها قوية من ناحية إحاطة نفسها بفريق تقني ممتاز يسد عجزها
الشخصي
والخاص بشؤون الإضاءة والصوت وكل ما يخرج عن إطار إدارة الممثلين.
·
لماذا تنازلت عن بطولة الجزء
الرابع من «قراصنة جزر الكاريبي»؟
-
لأنني تلقيت العرض الخاص بأداء دور الليدي ديانا في الفيلم المخصص لحياتها
والذي كان يصور أثناء تصوير الجزء الرابع من «قراصنة جزر الكارايبي»، ولم
أستطع رفض
مثل هذا العرض الذي اعتبرته مثل التحدي الصعب. وهناك سبب آخر لرفضي معاودة
تجربة
القراصنة وهو أنني لا أميل إلى تقديم الشيء نفسه لجمهوري مرات
ومرات مهما كانت
نوعية الأفلام ممتازة مثلما هي الحال في ما يتعلق بكل أجزاء «قراصنة جزر
الكاريبي».
إنني سريعاً ما أشعر بالملل من تمثيل
الشخصية نفسها وبالتالي أفضّل الانتقال إلى
شيء آخر، فضلاً عن المجازفة بجودة ما أقدمه فوق الشاشة.
·
تمثلين في أفلام أميركية ويحدث
أن تتكلمي بلكنة هذا البلد من أجل متطلبات
أدوارك، علماً أنك بريطانية بحتة ولكنتُك الإنكليزية واضحة
جداً، فهل يتطلب الأمر
منك الكثير من الجهود؟
-
أنا إنكليزية مئة في المئة، لكنني كثيراً ما ترددت إلى الولايات المتحدة في
طفولتي ومراهقتي، غير أنني قوية في التقليد وفي تعلم اللغات واللكنات وأعرف
أميركيين كثيرين في لندن، الأمر الذي يساعدني على التكلم
بلكنتهم عند الحاجة.
·
إنها المرة الثانية التي تخوضين
فيها تجربة الظهور في الفيلم الدعائي الخاص
بعطر «كوكو مدموازيل»، علماً أن المرة الأولى كانت قبل ثلاث
سنوات. فما الذي يثير
اهتمامك في هذه العملية؟
-
أول ما يعجبني في العمل مع شانيل هو كوني لا أشعر بأنني أشارك في إعلان
ولكن
في فيلم روائي مثل أي فيلم من الأفلام التي أمثّل فيها عادة. فهناك
السيناريو
المكتوب والإمكانات الهائلة والمخرج القادم بدوره من دنيا
السينما والأفلام
الروائية الطويلة. ومن ناحية ثانية اكتشفت عالم شانيل الذي لم أكن ملمّة به
بتاتاً
في الماضي، وأدركت كيف أن غابريال «كوكو» شانيل مؤسسة العلامة، كانت امرأة
ذات قبضة
حديدية، مستقلة ورافعة للتحديات من خلال الموضة الجريئة التي
فرضتها على باريس وعلى
العالم في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. كل هذه
الصفات لا
تزال متوافرة في روح مبتكرات الدار الآن، وبينها عطر «كوكو مدموازيل».
فالمطلوب مني
كان تقمص شخصية امرأة شابة متحررة ذات شخصية قوية وناعمة في آن، وقد عشقت
تمثيل مثل
هذه المرأة.
·
هل عثرت في شخصية هذه المرأة
بالتحديد على مقومات تتمتعين بها أنت
شخصياً؟
-
لا أبداً، ولو كان الأمر كذلك لرفضت المشاركة في الفيلم، فالشيء الذي أثار
فضولي وإعجابي هو تقمص شخصية امرأة لا أشبهها اطلاقاً وأحلم بأن أكون
مثلها. لقد
أحببتُ ذلك، لكن الحلم لن يتحقق ولا بعد ألف عام. لذلك سمحت
لنفسي أن أكون هذه
المرأة فوق الشاشة من خلال الفيلم الدعائي للعطر. كنتُ أتمنى أن ألتقيها لو
كانت
موجودة في الحقيقة وليس في السيناريو الدعائي فقط.
·
في الفيلم دراجة بخارية رائعة
لونها بيج وترتدين زياً وخوذة من اللون نفسه
أيضاً. فهل أنت خبيرة في قيادة الدراجات البخارية؟
-
لا أبداً، فأنا أقودها قليلاً وببطء على عكس ما يظهر في الفيلم إذ أتجول
فوقها
في شوارع باريس بسرعة فائقة. لقد تدربت على أيدي خبراء لمدة ثلاثة شهور قبل
بدء
التصوير ثم لجأت إلى بديلة في بعض اللقطات الخطرة إلى حد ما.
أما عن الزي والخوذة
فهما من تصميم كارل لاغرفيلد المدير الفني لدار شانيل.
·
كيف دار التصوير في شوارع باريس؟
-
جرى التصوير في فجر يوم أحد عندما تكون الطرق فارغة، وعلى رغم ذلك وقعنا
على
شبان كانوا يتنزهون أو ينهون سهرة السبت وهم تعرفوا إلي وبدأوا يتحلقون
حولنا
ويطلبون مني الصور الموقعة أو الإهداء الموقع فوق أي شيء كان
يقع تحت أيديهم. وهذا
يثبت لك أنني لست مثل النجمة التي أمثلها في فيلم «لندن بولفارد» والتي
ذكرت لك
حكايتها في بداية حديثنا.
·
هل كنت تعرفين عطر «كوكو
مدموازيل» قبل أن تصبحي سفيرته الرسمية؟
-
لم أكن أستعمل إلا العطور الرجالية لأنها أحلى في رأيي وأخف من النسائية،
إلى
أن أهدتني إحدى صديقاتي المقربات عطر «كوكو مدموازيل» لمناسبة عيد ميلادي
قبل أربع
سنوات، فجرّبته وأعجبت به وشاء القدر أن أتلقى في ما بعد عرض
شانيل بأن أكون سفيرة
لهذا العطر.
·
ماذا عن مخرج الفيلم الدعائي جو
رايت؟
-
أعرفه منذ سنوات طويلة وبالتالي جرى التصوير في جو من الود والثقة التامة
بيننا، إضافة إلى انه سيخرج قريباً فيلم «آنا كارينينا» عن رواية الروسي
تولستوي،
وقد منحني بطولته.
·
شاركتِ الممثل الأرجنتيني ألبرتو
أمان بطولة فيلم شانيل الدعائي بما أنه
يمثل شخصية المصور الذي يقع في غرامك لأنك تضعين العطر، فما
رأيك فيه؟
-
أمان من النجوم الصاعدين في بلده الأرجنتين وهو أدى بطولة الفيلم الممتاز
الذي
وزع عالمياً في عام 2010 «الزنزانة 212». أتوقع له مستقبلاً لامعاً في
السينما إذا
عرف كيف يختار أدواره ويحافظ على مستوى أدائه. وربما أن فيلم
شانيل سيساعده أيضاً
على اكتساب شعبية متزايدة بما أنه سيعرض في كل مكان.
·
...
هذا إضافة إلى وسامته طبعاً؟
-
لا جدال حول مظهره، ولكننا نعلم أن الشهرة المبنية على الوسامة لا تدوم
بينما
تلك الناتجة من جوهر الفنان هي التي لا تنطفئ. وأقصد هنا الرجال والنساء
على
السواء.
الحياة اللندنية في
22/04/2011
خالد يوسف:
أفلامي لم تتوقع الثورة
...
فقط صوّرت حال المجتمع
القاهرة - روان محمد
سافر المخرج المصري خالد يوسف قبل أيام إلى باريس لتكريمه من قبل منظمة
اليونسكو
على مواقفه الثورية والفنية، وذلك من خلال عرض ثلاثة أفلام له
هي «هي فوضى»، «حين
ميسرة» و «دكان شحاتة». ومن المقرر أن يبدأ يوسف بعد عودته في التحضير لعرض
فيلمه
الجديد «كف القمر» الذي انتهى من تصويره في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وهو فيلم
يقال إنه يتضمن دلالات على قيام ثورة في مصر كما يتميز بنهايته
التفاؤلية على عكس
نهايات أفلام خالد يوسف السابقة له.
بداية يؤكد خالد يوسف أنه تعاطف مع الرئيس السابق حسني مبارك في بداية
خطابه
الأخير الذي بثته قناة العربية لأنه خرج إلى الشعب من أجل
الدفاع عن نفسه، خصوصاً
أن المصريين طيبون وعاطفيون مهما حدث لهم. لكنه أوضح أن إحساسه التالي أمام
الحديث
أنه بدا محاولة عقيمة لعدم مثول الرئيس السابق أمام النائب العام، وعدم
المطالبة
بمحاكمته هو وأسرته. «لكن الشعب لديه الإصرار الكافي للضغط من
أجل تقديمه للمحاكمة
على كل فساده» ومن أجل دماء الشهداء، و «إفساده للحياة السياسية في البلاد».
مؤامرات... مؤامرات
وتوقع خالد أن تتعرض أفلامه للهجوم الشديد في الفترة المقبلة بصورة أكبر
عما
كانت عليه خلال فترة النظام السابق، مشيراً إلى أنه لا يخاف
«إلا من الله سبحانه
وتعالى»، وأن «التيارات الإسلامية أقلية ولن تصمد أمام عبقرية الشعب المصري
وتدينه
والذي لن يقبل بأي شكل من الأشكال المزايدة في الدين». وأن مثل هذه
التيارات ليس
لها مستقبل في مصر المتحضرة والمتدينة والقادرة على التصدي لأي
تطرف.
وأكد يوسف أيضاً أنه ليس قلقاً مما حدث بين الجيش المصري ومجموعة من
المعتصمين
لأن القوات المسلحة تصيب وتخطئ، كما أنها تتعرض لمؤامرات،
مشيراً إلى أنه من الصعب
نشوب فتنة بين الشعب والجيش، لأن المؤسسة العسكرية في مصر محترمة وأمينة
على
المواطنين.
وحض يوسف هذه المؤسسة العسكرية على الإعلان بشفافية عما حدث، خصوصاً أن شرف
الجيش لن يخدش من تصرفات فردية، معتبراً أن «التحقيق في هذا
الأمر لن يهين كرامة
المؤسسة العسكرية في ظل سعي البعض إلى التآمر على الجيش، وتوريط الجيش ضد
الشعب
وإحداث فتنة».
وعن انتخابات الرئاسة المقبلة، يرى خالد الذي أعلن انضمامه إلى حزب
«المصريين
الأحرار» الذي يؤسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، أن حمدين صباحي
مؤسس «حزب الكرامة» (تحت
التأسيس) والمرشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة هو «الأنسب
لقيادة
مصر خلال الفترة المقبلة»، معتبراً أنه «الأقرب للفوز في الانتخابات مقارنة
ببقية
المرشحين»، بخاصة أنه يملك برنامجاً مميزاً.
ونفى خالد أن تكون مشاركته في الحزب الجديد هدفها أي مطامع سياسية في أية
مناصب،
وأنه سيظل فناناً ولن يترك عمله مهما كان لكنه مصمم علي ممارسة حقه السياسي
بطريقة
مشروعة، كما أن انتماءاته الناصرية لا يمكن أن يخفيها فهي
مرتبطة الى حد كبير
بقناعاته الشخصية.
وعما إذا كانت هناك أشياء ستتغير بالنسبة له بعد الثورة قال: «موقفي ثابت
قبل
الثورة وبعد الثورة، وأنا منذ كنت شاباً صغيراً كانت لدي
قناعات ثابتة، وأعتقد أن
علاقتي بصديقي خالد محيي الدين أحد أسباب عمق شخصية خالد يوسف، فأنا أمارس
السياسة
منذ أن كان عمري 15 سنة ونزلت إلى الشارع السياسي واحتككت بكل الطوائف
والفئات،
وهذا هو الفرق بين القناعات الأصيلة التي يمتلكها الفرد ولا
تتغير أبداً، وبين
القناعات المكتسبة التي تتغير، فأنا بطبعي منحاز للشارع ومنحاز لدور مصر
وسط العرب،
أنا حاسم مواقفي منذ البداية ولدي قناعاتي التي لا تتغير».
كل هذا الفقر والفساد
وأوضح خالد أنه لم يتنبأ بالثورة من طريق أفلامه، «فالنبوءة تخص الأنبياء
فقط
ولكن رؤيته السينمائية تجعل لديه حسابات لمقدمات تؤدي إلى
نتائج»، وهو شخصياً كان
متخيلاً أن كثرة الضغط ستولد انفجاراً في النهاية ولا يدعي شرف أنه تنبأ
بتلك
الثورة العظيمة البيضاء، فمثلاً خلال الثورة توقع بأن يحدث أعمال بلطجة
ولذلك طالب
قبلها بتشكيل لجان شعبية. وبالفعل حدث ما توقعه، وهي نتائج
متوقعة أيضاً للمقدمات
التي هي الانسحاب الأمني مما سيفتح عيون البعض على ممتلكات الغير في غياب
الرادع
وعندما تنفلت البلد ويختفي الأمن فهذه فرصة للبلطجية، فالانفلات الأمني أدى
إلى
البلطجة فدائماً النتائج تكون لها مقدمات».
وتابع خالد يوسف: «الناس ببساطة لم تتخيل أن لدينا كل هذا الكم من الفقر
والفساد
والقهر، فالصورة لم تتضح في شكل كبير إلا بعد أن قامت الثورة،
وعندما كنت أُدعى
لمؤتمرات في الخارج كان يلومني بعض الشباب المصري العامل في الخارج بأنني
شوهت سمعة
مصر من خلال أفلامي السينمائية، وكنت دائماً أرد عليهم بالقول، نعم... عندك
فقر
وقهر وعشوائيات أكتر من ما أعرضه في السينما وهذا ليس سراً
حربياً، ولست خائناً
لأنني أستعرض مشاكل بلدي، ولا أدفن رأسي في الرمال مثل النعام». وأكد يوسف:
دائماً
بعد الثورات الكبيرة يحدث إحباط، لأن الناس ستسأل أنفسها، ماذا بعد؟ ولذلك
لا بد من
خلق مشروع قومي للشباب وبناء مصر الجديدة. ومهمة الشباب في الفترة المقبلة
أن
يكونوا مجموعات تعمل معاً وتتحول إلى أحزاب في ما بعد حتى
تستطيع أن تكون أنت ومن
معك لديكم هدف واحد ومسؤولية حول وضع البلاد وتتكون دولة مدنية. وأضاف:
«أهداف
الثورة لن تحقق في أيام، لكنها ستتحقق على مدار سنوات طويلة، فالعدالة
الاجتماعية
قضية لن تحل في يوم وليلة، فلا بد من اللعب على تغيير التركيبة
الاجتماعية والنظام
الاقتصادي والاجتماعي ولا بد أن تعود الطبقة الوسطى مرة أخرى لأنه كلما
تآكلت تلك
الطبقة فسيقود ذلك المجتمع إلى منحدر خطير».
الحياة اللندنية في
22/04/2011
«شجاعة
حقيقية»
يخرّب سينما الغرب وينسف
«الفيلم
الأسود»
رندة الرهونجي
ماذا خرّب الأخوان كوين هذه المرة؟ سؤال سيلّح على المشاهد المتابع لأعمال
هذا
الثنائي الأميركي الفريد بعد الانتهاء من مشاهدة آخر أعمالهما
السينمائية «شجاعة
حقيقية» الذي خرج من جوائز الأوسكار الأخيرة خالي الوفاض أمام دهشة
الكثيرين.
إذا كان إيثان وجويل كوين قد اشتهرا منذ بدايتهما السينمائية بالكوميديا
السوداء
والعنف والتشويق، فإن ما صنع هويتهما السينمائية الحقيقية هو
تركيزهما على»تخريب»
هذه الأنواع الثلاثة، وبشكل خاص على تخريب النوع السينمائي المعروف بالفيلم «noir»
أو الفيلم الأسود، بأسلوبية فنية اتسمت دائماً بعمق التناول وفرادة الرؤية.
وعلى رغم انتماء أعمال الأخوين كوين بشكل أساسي إلى الموروث الأدبي
الأميركي
الشعبي، إلاّ أنها لطالما صنّفت بالسينما النخبوية. ويتحمل
السينمائيان بالتأكيد
مسؤولية هذا التصنيف بسبب أسلوبهما الفريد في رسم شخصيات فيها من التكثيف
والسخرية
ما يجعلها تبدو على مسافة من صانعيها، ما سيخلق إحساساً بالغرابة سيسهل
انتقالها
إلى خانة تجد نفسها فيها أقرب إلى جمهور أكثر نخبوية. فالجمهور
العريض الذي يرتاح
إلى مشاهدة نوع سينمائي خالص لا شائبة فيه، قد يجد صعوبة في الولوج إلى
عالم قائم
بشكل أساسي على هذا «التخريب» للنوع، والمتمثل في محاولة العمل ضد الشيء،
تدميره،
أو انتقاده، لكن من داخله.
الفيلم اﻟ «noir»
الذي يتميز عادة بالمناخ والمزاج القاتمين وبشخصيات تلتزم
جديّة الأداء، دأب الأخوان كوين على تخريبه ابداعياً مبتكرين نوعاً
سينمائياً يقوم
على رسم تفاصيل الشخصيات بطريقة أقرب إلى الكوميديا والطرافة تصل أحياناً
إلى
السوريالية. والنتيجة عمل سينمائي ينتمي بكل تأكيد إلى الفيلم
اﻟـ «noir»
لكن بعد
أن قاما بحفر بصمتهما الخاصة فيه لنصبح أمام نوع سينمائي آخر جديد لا يشبه
إلا
سينما هذين المستقلين في داخل هوليوود. هل بدت هذه الأسلوبية
الإبداعية الفريدة
حاضرة في «شجاعة حقيقة» أم أننا أمام عمل استثنائي خرج فيه الأخوان كوين عن
كل
سياقاتهما الأسلوبية المعروفة؟
أسود... ويسترن
لم يسلم فيلم «شجاعة حقيقية» من تخريب الأخوين كوين وإن بدا أكثر أعمالهما
صرامة
وكلاسيكية والتزاماً بنوع شعبي خاص هو «الويسترن» أو الغرب
الأميركي. لكن جوهر
التخريب الفني في هذه التجربة الخاصة جاء هذه المرّة تصحيحاً لتخريب سابق
قامت به
النسخة الأولى في نفس الفيلم والتي حققها هنري هاثاوي عام 1969 والتي خانت
قبل نحو
أربعين عاماً رواية تشارلز بورتيز الأصلية المقتبس عنها الفيلم
من خلال إضفائها
رومانسية شديدة على عمل روائي قاتم في مناخه وشخصياته ونهايته.
لم يكن هذا «التصحيح» هو الوحيد الذي قام به الأخوان كوين، فقد صحّحا أيضاً
جغرافية الحدث التي حرّفته نسخة هاثاوي حين نقلته إلى داخل
سهول الغرب الأميركي في
منطقة لا تشبه في طبيعتها وتضاريسها مكان الحدث في الرواية الأصلية، فقاما
بإعادته
إلى فضائه المكاني الأصلي في الجنوب. ومع هذا يبقى «شجاعة حقيقية»، فيلم
(ويسترن)
جميل، حتى وإن كانت قصته لا تتخذ من مناطق
الغرب الأميركي مسرحاً لأحداثها. فنحن
هنا في»الغرب القديم» أي في الجنوب الأميركي اليوم في ولاية
أركنساس وتخوم الأراضي
الهندية التي ستصبح في ما بعد ولاية أوكلاهوما. هذا الجنوب الذي ستدفع به
امتدادات
التوسع والإبادة شيئاً فشيئاً باتجاه أقصى الغرب، ليصبح غرب الأمس هو جنوب
اليوم.
إذن لسنا في كولورادو أو صحراء نيفادا أو أي من المناطق المشابهة التي بقيت
تشكل
الركيزة الجغرافية الأساسية لأحداث معظم أفلام الويسترن التقليدي إن لم تكن
كلها،
بل نحن داخل حيّز مكاني بدا أميناً للغاية لجغرافية الرواية الأصلية.
هذا التخريب الجغرافي لواحد من أشهر أفلام الويسترن الكلاسيكي والذي حصل
أيقونته
جون واين آنذاك على أوسكار أفضل ممثل عن دور البطولة فيه،
سيتبعه تخريب أساسي آخر
والذي شكّل ربما الملمح الأهم في مقاربة الأخوين كوين والمتمثل في لغة
الحوار. إنها
بؤرة العلاقة مع المتلقي الأول والأساسي الناطق باللغة الأصلية الذي لا شك
في أن
يلفته هذا الإصرار من قبل صانعي العمل على التشبث بلغة كانت
حاضرة بقوة في الرواية
وتم تهميشها في نسخة هاثاوي الأولى. بدت اللغة في مقاربة الأخوين كوين أقرب
إلى
اللغة الإنكليزية الأصلية التي اختفت اليوم في الولايات المتحدة الأميركية
بعد
تعاقب أجيال جديدة عاشت بعد الاستقلال الأميركي عن إنكلترا
وغيّرت كثيراً في طبيعة
لغتها، مبتعدة بها عن وطنها الأم. نحن هنا أمام لغة أقرب إلى الرسمية في
صياغاتها
وتراكيبها مع امتزاجات لتعابير ومفردات محلية خاصة جعلتها تضيف ما تضيف إلى
خصوصية
فكرة تخريب النوع.
ففيلم الويسترن الكلاسيكي تميزه عادة لغته ومصطلحاته التعبيرية التي تبتعد
عن
الفصاحة والبلاغة والتكلّف، لتأتي منسجمة مع صورة «الكاوبوي» راعي البقر في
الموروث
الشعبي الأميركي، وهو شخص قليل الكلام، متحفظ، غامض، مهمته الأساسية تسيير
قطعان
الأبقار من منطقة إلى
أخرى. صورة قد نجدها تخالف الفكرة العامة المشوشة السائدة عن
هذا الإنسان الذي ارتبط في الذهنية النمطية بالقاتل، العطش لدماء الهنود
الحمر، وهو
أمر يخالف حقائق التاريخ التي تقول إن رجال الشرطة وشريف
البلدة وأفراد الجيش
الأميركي وعصابات السرقة والخارجين عن القانون هم المسؤولون عن ذلك التوسع
والقتل
والإبادة، وليس راعي البقر الذي لا يعنيه إلا قضايا التجارة، التي تجعله
شديد الحرص
على مناخ من الاستقرار والهدوء يضمن له رحلة تسيير آمنة لقطعان الماشية
المسؤول
عنها. عنصر اللغة إذن سيأخذ أهمية قصوى في «شجاعة حقيقية» لأن
السيناريو فيه قائم
في جوهره على الحوار والجدل والمفاوضات والإقناع ودراسة النوايا لوضعها في
ميزان
معايير متعددة تشكل الأرضية المثالية للبحث في موضوعه الرئيس المتمثل بفكرة
الانتقام التي صاغ الفيلم حكايته من حولها.
إعادة تعريف
ومن هنا تأتي أهمية فيلم «شجاعة حقيقية» الذي سيعيد التعريف بأفلام
الويسترن ذات
الإمكانيات الواسعة للذهاب إلى أبعد من مجرد مشاهد متلاحقة
لإطلاق النار من أسلحة
لا تعرف نفاذاً لذخيرتها، وإلى أوسع من مطاردات بهلوانية على أحصنة لا تعرف
التعب
داخل سهول واسعة الامتداد وجبال وعرة نائية. فلطالما شكّل هذا النوع
السينمائي
الفريد قماشة درامية غاية في الثراء تصلح لكل التأملات في مواضيع تتنوع
فيها أشكال
الصراع التي قد تبدأ بمشاريع شق وبناء خطوط سكة الحديد داخل بلدات ستتبدل
كل أوجه
حياتها بين ليلة وضحاها، وقد لا تنتهي عند الاستعمار وسياسة
التوسع والإبادة
المرتكبة بحق السكان الأصليين. مواضيع أخرى ليس أقلها الصراع مع مناخٍ قاسٍ
سيكون
جوهر بحث إضافي داخل فكرة التحدي الوجودي لأبطال النوع، وكذلك صراعات لن
يكون آخرها
حمّى البحث الجنوني عن الذهب والفضة الذي خلق مدناً بأكملها قبل أن تعود
وتختفي
لتتحول إلى مدن منسية حال نفاذ تلك الكنوز والثروات. هذا ما
يفسر تلك العودات
الدائمة إلى فيلم (الويسترن) في تجارب أتت أحياناً غاية في الأهمية
والفرادة كما
هذه العودة لفيلم «شجاعة حقيقية» التي تبحث موضوع الانتقام بعيداً عن
اختصاره
بقطبيه الأبيض والأسود فبدا للغة أهمية قصوى لفهم هذه التجربة
السينمائية الغنية
بقراءاتها لتاريخ المكان والزمان والأفراد.
في هذه التجربة الخاصة للأخوين كوين سنراهما يعودان للتعاون مع جيف بريدجز
في
دور البطولة وسنرى مات ديمون للمرة الأولى تحت إدارتهما،
ليلعبا شخصيتي رجلي قانون
يمثل كل منهما منطقة مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية ويسعيان للحصول
على
مكافأة مالية لقاء القبض على قاتل أب فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تقوم
بتوظيف
بريدجز للبحث عن قاتل أبيها لإتمام انتقامها منه، وهي مهمة
سينافسه عليها ديمون،
لنغدو أمام «فيلم طريق» قوام حكايته رحلة بحث عن قاتل تم بناؤها حول هذه
الشخصيات
الثلاث التي ستلتقي مصالحها وتتنافر وفقاً لبراعتها أو فشلها في إقناع
بعضها
بدوافعها وأسبابها.
خرجت النسخة الأولى من فيلم «شجاعة حقيقية» عام 1969 بشكلها التقليدي في
توقيت
كان يشهد موجة أفلام «الويسترن الجديد» التي استبدلت
الرومانسية الأولى بسوداوية
ذهبت باتجاه البحث الجديد داخل النوع وتلويناته. فأفلام سيرجيوليوني «حدث
ذات مرة
في الغرب» وجورج روي هيلز «بوتش كاسيدي وفتى ساندانس» وسام بيكينباه
«المجموعة
المتوحشة» والتي تعتبر الثالوث النقدي المقدس للويسترن الجديد،
قابله يومذاك فيلم
«شجاعة
حقيقية» بنجاحه الجماهيري الكبير معلناً بشكل ما نهاية العصر الكلاسيكي
للويسترن الأميركي. ومن هنا يكتسب مشروع الأخوين كوين أهميته الإضافية، في
تلك
العودة المفاجئة إلى عمل كلاسيكي شهير من دون السعي إلى تخريبه
أسلوبياً، بل
بالاكتفاء بإعادته إلى روح الرواية وتصويب انتمائه لجهة تيار الويسترن
المجدد
للنوع.ليس بالأمر المهم أن يخرج الأخوان كوين من جوائز الأوسكار دون أية
جائزة عن
فيلمهما الجميل هذا، ذلك أن أهميته ستبقى تذكر بأهمية فيلم
«غير المغفور له» 1992
للسينمائي الكبير كلينت إيستوود، الذي كان على السينما أن تنتظره لأكثر من
عقد
ليقول كلمته المنفردة والخاصة في أفلام الغرب الأميركي، محققاً منجزاً
سينمائياً
بقي بارزاً في تاريخ (الويسترن).
واليوم يأتي الأخوان كوين ليقولا كلمتهما الإبداعية المنفردة في «شجاعة
حقيقية»
الذي قدّم فرصة جديدة للوقوف عند سينماهما التي اتّسمت دائماً بدمج الشعبي
بالفكري
من خلال أفلام استقت مواضيعها من مصادر متنوعة لتبرع في النهاية في زرع
أحداثها في
أماكن وأزمان مختلفة داخل الولايات المتحدة الأميركية في محاولات مستمرة
لقراءة
تاريخ هذا البلد بنظرة خاصة ورؤية انتقادية غارقة في الموروث
الشعبي الاجتماعي
المعبّر عن جوهر وروح الفرد الأميركي صاحب التجربة الثرية بمدلولاتها.
لم يكن على الأخوين كوين أن «يخرّبا» أي شيء هذه المرّة من أجل أن يقدما
فيلماً
متميزاً، فقد بدا كافياً أن يغامرا بتخريب «الأنا» الفنية
العالية التي صنعت
فرادتهما الأسلوبية وأن يقررا الاستغناء عنها في هذه الإعادة لعمل جماهيري
شهير، من
خلال ضبط عدسة الرؤية بطريقة تسمح بقراءات جديدة للفيلم وللنوع السينمائي
برمته.
الحياة اللندنية في
22/04/2011 |