أصيبت السينما في السنوات الأخيرة بأزمة طاحنة لعدة أسباب
لايتسع المجال لرصدها، كان من آثارها هروب نجوم السينما إلي الدراما
التليفزيونية
عابرين ذلك الحد الذي ظل يفصل منذ نشأتها بين العاملين بها وصناعها وبين
العاملين
بالسينما وصناعها .. ورغم أن هذه الخطوة كان لها إيجابياتها علي صناعة
الدراما
المصرية التي شهدت منافسة شديدة خلال الأعوام القليلة الماضية من بعض
الانتاج
الدرامي الإقليمي وعلي رأسه السوري فإن الأمر أيضا لم يخل من سلبيات كان
علي رأسها
مغالاة النجوم في أجورهم الذي كان أحد أسباب استفزاز الشعب..
وهو ما نحاول
مناقشته في هذا الملف حول امكانية وضع حد
أعلي للأجور.. حول هذا الاقتراح تحدث عدد
من النجوم والمنتجين وصناع الدراما إلي «روزاليوسف».
منتجون:
الفنان ليس موظفاً حكومياً وبعضهم «طماع»
من جانبه أكد المنتج الفني
محمود شميس أن فكرة وضع حد أعلي لأجور النجوم غير مطروحة للنقاش في الوقت
الحالي
علي الإطلاق ولم ننظر لها كمنتجين علي الرغم من كوننا أكثر المستفيدين عند
تطبيق
هذا القانون ولكن الفكرة تكمن في أن المنتج حينما يشعر ممثلاً ما قد غالي
في أجره
بشكل مبالغ فيه فله أن ينظر للمشكلة من جانبين إما أن يستعين ببديل ولكن
بشرط أن
يضمن له نجاح العمل وإما أن يدرس حجم الأرباح التي ستعود عليه إذا تعاون مع
هذا
النجم وكم الإعلانات التي ستتخلل المسلسل وإذا قام بدراستها سيجد أن النجم
سيحقق له
أرباحاً أعلي لأن النجوم يعون جيداً حجم المكاسب التي ستعود للإنتاج من
ورائهم مثل
أن يعلوا أجرهم.
أما المنتج يوسف الشربيني صاحب شركة رايت للإنتاج الفني
فيقول: تفعيل مثل هذا القانون حلم وردي ولكن للأسف أخلاق الوسط الفني لا
تساعد علي
حدوثه ورغم كونه حلاً فعلياً لأزمات الإنتاج وسيدفع العجلة من جديد إلا أنه
حتي
حينما يتظاهر بعض النجوم بالموافقة فإنهم سيلجأون للحل الآخر وهو أنهم
يعلنون أجراً
ويعودون ليحصلوا علي أضعافه من الباطن للأسف ودون أن يعرف أحد حقيقة أجرهم
أي أنه
بشكل واقعي لم يحدث هذا حتي لو تم تفعيل قانون لأن التحايل عليه ليس بعيداً
عن
عاداتهم.
ويري المنتج محمد السبكي أن الجمهور والسوق هما اللذان يحددان
أجر الفنان وعلي المنتج أن يبتعد عن الفنان الذي يبالغ في أجره.
ويقول
المنتج محمد حسن رمزي: الفنان ليس موظفاً
حكومياً كي يخضع للائحة مرتبات تضعها المؤسسة الحكومية التي يعمل فيها.
فالمقاييس التي تحكم الأجور التي يحصل عليها
الفنانون تخضع لأمرين مهمين الأول هو العرض
والطلب والثاني هو الطمع «وقلة الأدب»
فهناك فنان تحقق أفلامه إيرادات كبيرة ويطلبه الجمهور فيطالب بأجر كبير وفي
هذه
الحالة يري المنتج أنه صاحب حق ويدفع له بحالة من الرضا. ولكن علي الجانب
الآخر
يطالب فنان آخر لا تحقق أفلامه إيرادات ولكنه مريض بالطمع فيطالب بأجر عال
ليس لشيء
سوي لأن زميله الفنان الفلاني يأخذ مثل هذا الأجر. وحتي في العاملين في
مجال
السينما فنجد مدير التصوير يطلب في الأسبوع 25 ألف جنيه وإذا طلبت مفاوضته
لتخفيض
أجره يرفض أن يكمل العمل وإذا قررت الاستعانة بمدير تصوير غير مصري نجد
النقابة
تقوم بعمل مشاكل وتوقف العمل وتحقيقات وغرامات.. فالأزمة الحقيقية هي ليست
في قانون
لوضع حد أعلي لأجور الفنانين.
ولكن الحل أن ترفع النقابة يدها عن
السينما خاصة في القوانين العقيمة التي تعمل بها والتي تمنع الاستعانة
بفنانين غير
مصريين غير أعضاء في النقابة لأن هذه القوانين تخدم مصالح أشخاص بعينهم وهي
التي
قامت بخراب بيت المنتجين والسينما كلها، لأني كثيراً ما أكون مضطراً
للاستعانة
بفنانات عربيات وانفق عليهن أموالاً كثيرة وأقوم بتوفير سكن وتنقلات وغيره
وهذا ليس
لرفض التعامل مع المصريين ولكن لأن الفنان المصري يقوم بلي ذراعي أو لأنه
لا يجيد
تقديم الدور الذي يقوم عليه العمل وهذا يحدث كثيراً.
يقول المنتج عصام
شعبان إن مسألة تحديد حد أعلي للأجور شيء
في غاية الصعوبة لأن السوق عرض، وطلب فهذا
الأمر ممكن تحقيقه في قطاع التليفزيون المصري أما بالنسبة للشركات الخاصة
فهو أمر
مستحيل فرغم أننا حاولنا تخفيض الأجور في مسلسل «سمارة» ووافقت غادة عبد
الرازق علي
تخفيض أجرها بنسبة 50% وكذلك وافق باقي فريق العمل بسبب الظروف الراهنة إلا
أننا من
الصعب تنفيذ نفس الشيء العام القادم.
وأضاف: لابد أن ننتظر لنري ما
سيحققه العمل هذا العام وعلي أساسه استطيع تحديد الموقف هل سأخفض الأجور أم
ستكون
كما كانت عليه قبل الثورة فطالما الممثل بيجيب فلوس فلم لا أعطيه الأجر
الذي
يطلبه.
ويتفق المنتج أحمد الجابري مع عصام شعبان في صعوبة تحقيق حد أعلي
للأجور لأنه يري هو الآخر أن السوق عرض وطلب كما يري أن هذا الأمر ليس بيد
المنتج
وحده وإنما لابد للفنان أن يأخذ هذا القرار بنفسه ويتعاون مع المنتج حتي
نستطيع
النهوض بالدراما فعلي الرغم من صحة المقولة التي تقول أنه طالما العمل يحقق
نجاحاً
كبيراً ويحقق إعلانات أكثر عند عرضه علي شاشات الفضائيات فلما لا يأخذ
الممثل
والمنتج حقهما إلا الأسعار التي أصبحنا نسمع عنها أصبحت فكل ممثل أصبح يرفع
أجره كل
عام أربعة وخمسة أضعاف عن العام الذي يسبقه وهو ما كان يهدد بصناعة الدراما
وأنا
أري أن السبب في ارتفاع الأجور المنتجون الدخلاء علي المهنة والذين يعاملون
بشكل
عشوائي واستقطبوا فنانين من السينما للعمل بالتليفزيون وبالتالي النجم يريد
أن يحقق
الأموال التي كان يحققها هناك فالمسلسل بقيمة 3 أفلام سينما من وجهة
نظره.
وأكمل: إذا استمر الوضع هكذا أري أن يكون من الأفضل أن ينتج
الفنان بنفسه وأن يتعامل المنتج مع نجوم آخرين حتي لو كانوا من الصف الثاني
أما
المنتج أحمد المهدي فيقول الأزمة الحقيقية تكمن في عدم وجود اتحاد منتجين
قوي يطبق
هذا الأمر بدلاً من العمل العشوائي الذي يحدث الآن فمثلاً لو منتج رفض
طلبات نجم
معين وعلم منتج آخر بالأمر يجري وراء الفنان ويحقق له أوامره وهو ما يطمع
النجوم
فينا ويجعلهم يتشرطو علينا وأنا سأحاول العام القادم أن اثبت الأجور التي
أعطيتها
للفنانين هذا العام في مسلسل احنا الطلبة إذا كررت العمل معهم.
أما
المؤلف مصطفي محرم فيري أن مسألة تحديد
الأجور تتوقف علي السوق هل يسير للأفضل أم
الأسوأ وأكد أنه ضد مبالغة الأجور إلا أن التنافس بين شركات الإنتاج هو ما
يفسد
الأمر ولو حدث اتفاق أو تنظيم بين المنتجين نستطيع التصدي لهم ويضيف محرم
أن ما حدث
في مسلسل سمارة خير مثال، فالمنتج طلب مني تخفيض الأجر بنسبة 25% وأنا
وافقت
وأخبرته إذا نجح العمل وحقق إيرادات عالية سأطالب بتعويض مقابل خفض الأجر
فهناك عدد
من المؤلفين لا يزالون يحصلون علي أرقام فلكية تتعدي الـ10 ملايين وهذا
تخريف ويهدد
بانهيار تام للدراما ولابد من وقفه.
فنانون ونقاد: خفض الأجور لابد أن يبدأ من أهل البيت
الفنانة داليا البحيري رحبت بتفعيل فكرة وجود حد أعلي للأجور
وأكدت أنه سيحل العديد من المشكلات خاصة أن الإنتاج الدرامي ليس مجرد بطل
مسلسل
ولكنه يضم أكثر من مئات العمال الذين من حقهم أن يشعروا بنوع من العدالة
الاجتماعية
التي تنادي بها أهداف الثورة وأكدت أنها تشعر بالأسف من كون تحقيق هذه
الفكرة لم
يحدث إلا بوجود قانون حيث أشارت إلي أنها كانت تتمني أن يقوم النجوم بإعلان
تقليل
أجورهم من أنفسهم دون الحاجة إلي قانون يجبرهم علي فعل ذلك.
وإلهام شاهين
أكدت أنها لا تعارض هذه الفكرة علي الإطلاق
بل بالعكس ولكن المنتجين يطلبون ذلك
خوفًا من أن يرفضه البعض ولكن إذا تجرأوا وتوحدوا علي فعل ذلك فلن يقف
أمامهم أحد
خاصة أننا كفنانين أكثر ما يهمنا هو وجود كم كبير من الأعمال التي نشارك
بها وأنا
بالأخص عشقي للفن يجعلني أتنازل عن أي شيء مقابله.
ويطالب الفنان سامي العدل
جميع الفنانين بأن يخفضوا أجورهم في الوقت
الحالي سواء النجوم ذوي الأجور المبالغ
فيها أو أصحاب الأجور القليلة.. لأننا نمر
بمرحلة حرجة سواء في الدراما أو السينما،
ويجب علي الجميع التنازل من أجل أن تدور عجلة الإنتاج وتعود المهنة
لطبيعتها. فنحن
نعمل أولاً وأخيرًا من أجل العمال الموجودين معنا في الاستوديو.
أما بالنسبة
لقانون تحديد الأجور فهذا لن يحدث ولم نجده
في أي بلد في الدنيا لأن المجال يخضع
للعرض والطلب.
ويقول النان آسر ياسين: أرحب بفكرة خفض الأجور في الوقت
الحالي وفي المستقبل ولكن للنجوم أصحاب الأجور المبالغ فيها فقط. ولكن
المشكلة أن
الفن يخضع للعرض والطلب والمنتج لن يدفع كل هذه التكلفة للفنان إلا إذا كان
متأكدًا
أنه سيجني من المسلسل أو الفيلم أضعاف الميزانية المصروفة علي إنتاجه فكيف
نريد أن
يستفيد المنتج من اسم النجم وهو لا يستفيد من اسمه وعمله؟!.
بالإضافة إلي
أننا ندفع ضرائب للدولة علي هذا الأساس..
ثم أريد أن أعرف علي أي أساس سوف يتم
تقييم الفنان هل علي أساس طوله أم شكله أم
كفاءته أو جذبه للإعلانات (طب ما هي هي)
والأجور ستظل راضخة للعرض والطلب ولن يكون لها سقف.
وتقول الفنانة منال
سلامة: أوافق علي تخفيض أجور جميع الفنانين
سواء من النجوم الكبار أو الصف الثاني
خاصة في الوقت الحالي لأننا جميعًا نمر بأزمة والفن ليس مجرد 300 ممثل ولكن
يعمل
معنا حوالي 300 ألف شخص (غلابة) ويبحثون عن لقمة العيش.
ولا نعرف ما الذي
سيحدث في الأيام القادمة ولكنني أتوقع أن
تعود الأمور مثلما كانت ويعود السوق بطلب
فنانين ونجوم بعينهما ومن ثم ترتفع الأجور من جديد وتضيف: تأييدي لفكرة
قانون يحد
من الأجور ويضع لها حدودًا في الارتفاع أو في الانخفاض علي أن تسير مثل هذه
القوانين علي كل العاملين بالمجال الفني ويلتزم بها الكل وليس البعض.. كما
يجب أن
تكون عادلة وليست مرتفعة بشكل كبير أو زهيدة جدًا.
ولكن في كل الأحوال أعتقد
أن الأمور ستعود أفضل مما كانت عليه لأن
ارتفاع أجور النجوم الذين لا يتعدون (عشرة)
دون غيرهم في سوق الدراما ومنها لسوق السينما.. السبب الرئيسي فيه هو
القنوات
الفضائية الخاصة والعربية التي جعلت لكل منهم سعرًا سواء في الدراما أو
السينما أو
المسرح.
الناقدة ماجدة خير الله قالت: الحل ليس في تحديد حد أقصي لأجور
الفنانين، لكن الأفضل هو إيجاد جيل جديد كبديل لهؤلاء النجوم الذين يغالون
في
أجورهم ونتركهم يتآكلون بغرورهم وطمعهم.. لأن قوائم الأجور المحددة ليست
شرعية
لأننا إذا افترضنا أن التليفزيون قام بتطبيق هذه اللائحة فسوف يهرب الفنان
للمنتج
الخاص الذي سيدفع أكثر، فالفنان ليس موظفا في جهة بعينها.. وتضيف خيرالله:
المنتج
ساهم في هذه الأزمة لأنه ساعد الفنان علي المغالاة والطمع في الأجور لأنه
قادر علي
أن يقاطع هذا الفنان الطماع ويذهب بالأجر لمن يستحق، فالعمل الفني أصله نص
جيد
ومخرج مميز، لكن الأمور انقلبت بعد أن أصبح المنتج يتصرف بطريقة معكوسة
وعندما تحدث
أزمة بين فنان ومخرج يقوم المنتج باستبعاد المخرج علي الفور ليرضي الفنان
وهذه
الأساليب والتصرفات التي أوصلت النجوم لهذه الدرجة من الطمع والاستغلال،
لكن في
النهاية نخضع لسوق العرض والطلب.
ويري الناقد طارق الشناوي أنه علي العكس
لابد من عمل مشروع لوضع حد أدني لأجور الفنانين حفظا لكرامتهم حتي لا
تضطرهم الظروف
أن يقبلوا العمل نظير مبالغ هزيلة لا تليق بمكانتهم كمبدعين، أما الأجور
المرتفعة
التي يعاني منها المنتجون، فالمسألة تقوم علي العرض والطلب والمنتج يدفع
أجرًا
عاليا لأن الفنان يجلب له إيرادات مرتفعة ولن يدفع إلا إذا كان يضمن
المكسب.. كما
أن مفردات السوق تتغير كل لحظة.. فمن الممكن أن يحصل الفنان علي أجر معين
وبمجرد
تقديم إعلان واحد تزداد جماهيريته ويقفز أجره للسماء، لذلك هناك عوامل
سيكولوجية
وقدرية تتحكم في نجومية الفنان وكذلك تحدد أجره وأري
أن تحديد الحد الأعلي للنجوم
ضد منطقية الأمور ولن يمكن تنفيذها علي أرض
الواقع لأن القوائم واللوائح تصلح مع
الموظفين لا الفنانين.
النقابة : الأمر عرض وطلب.. وندرس وضع حد أدني
تقف نقابة الممثلين مكتوفة الأيدي أمام المطالب بوضع حد أقصي
لأجور النجوم، علي الرغم من كونها الجهة المعنية بهذه الأزمة، إلا أن
موقفها بدا
سلبيا. فقد أكد سامي نوار المكلف بمهام النقيب في لجنة تسيير الأعمال
بالنقابة أن
النقابة بالفعل وضعت لائحة الأجور في أولويات عمل النقابة، لكن ليس بالنظر
إلي الحد
الأقصي وإنما للحد الأدني، حيث أوضح نوار أنه سيتم وضع قائمة بأجور كل ممثل
عن
الحلقة الواحدة في أي عمل درامي علي سبيل المثال 500 جنيه في الحلقة
وبالتالي لن
يستطيع المنتج أن يساوم الفنان مثلا أن يأخذ ألف جنيه في خمس حلقات، وأنه
بهذه
اللائحة يمكن التصدي لابتزاز المنتجين..
وعن كبار النجوم أشار نوار إلي أنه
من الصعب الوقوف أمام مطالبهم لأنها «عرض وطلب» وكل نجم يقوم برفع أجره يعي
تماما
أنه قادر علي أن يحقق أرباحا كبيرة للشركة المنتجة عن طريق الإعلانات، لذا
نترك
العملية لكل من المنتج والنجم ولا نتدخل..وقال: هناك بعض النجوم قاموا
بتخفيض أجرهم
من تلقاء أنفسهم بالاتفاق مع الإنتاج، لكننا كنقابة لا يمكننا تحديد أجور
النجوم
حتي بعد الثورة.
غرفة صناعة السينما:وضع لائحة للأجور مستحيل
منيب شافعي رئيس غرفة صناعة السينما يقول: من الصعب أن نقوم بعمل
لائحة لأجور الفنانين لأن هناك اختلافات كثيرة بين هؤلاء النجوم ومن الصعب
أن يتم
مساواتهم وتصنيفهم وفقا لمعيار معين. فلن يقبل هؤلاء النجوم بمثل هذا
الاقتراح
وكذلك المنتج المصري سوف يجد صعوبة في قبول هذا المشروع لأن المنتج قد يري
أن هناك
فنانا هو الوحيد القادر علي تقديم دور معين ولذلك لن يقبل له بديلا
وبالتالي سوف
يدفع له ما يطلبه مهما كان هذا الأجر وربما يتخطي قائمة الأجور المقترحة.
فالحل
الوحيد هو أن يراعي هؤلاء الفنانون ظروف السوق والعرض والطلب مع الوضع في
الاعتبار
الازمة التي تمر بها البلاد مؤخرًا ويقومون بالتنازل عن جزء من أجورهم كدعم
منهم
لإعادة بناء بلدهم.
روز اليوسف اليومية في
22/04/2011
ضابط أمن الدولة.. لعب الكبار خلف الستار
شخصية قدمتها السينما المصرية في صورة
فاسدة وسادية وكوميدية أيضاً
القاهرة ـــ دار الإعلام العربية
قدمت السينما المصرية على مدار تاريخها الطويل صوراً عديدة لشخصية
ضابط أمن الدولة، بعضها كشف بواقعية عن ملامح هذه الشخصية بل وأزاح الستار
أيضاً عن خفايا كثيرة لا نعلمها عن أسرار هذا الجهاز وشخصيات الضباط
العاملين فيه، إلا أن البعض يرى أن الأعمال السينمائية التي تناولت شخصية
ضباط أمن الدولة كانت محكومة بضوابط وحدود حتى لا يتخطاها صناع العمل
السينمائي. وعلى الرغم من تلك القيود إلا أن هناك العديد من الأعمال التي
حُفرت أسماؤها في ذاكرة جماهير الوطن العربي حول شخصية هذا الضابط..
وعلى رأس هذه الأعمال فيلم «زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكي ومرفت أمين
وإخراج محمد خان، ولا ننسى أيضاً شخصية الفنان عادل أدهم من خلال فيلم
«حافية على جسر الذهب» والذي شاركه بطولته حسين فهمي وميرفت أمين وأخرجه
عاطف سالم، ثم جاء فيلم «اللعب مع الكبار»؛ ليقدم النموذج الصالح من الضباط
الذي قام ببطولته عادل أمام وحسين فهمي وإخراج شريف عرفة، وحتى فيلم
«الكرنك» لسعاد حسني وكمال الشناوي وفريد شوقي وإخراج علي بدر خان بالرغم
من أن البعض اعتبر أن الفنان كمال الشناوي جسد في هذا الفيلم شخصية صلاح
نصر مدير المخابرات المصرية الأسبق وليس ضابط أمن الدولة.
ثم توالت الأفلام التي تناولت شخصية ضابط أمن الدولة بعد ذلك ومن
بينها فيلم «الإرهاب» بطولة نادية الجندي وفاروق الفيشاوي وصلاح قابيل
وإخراج نادر جلال، وأيضا فيلم «أمن دولة» بطولة نادية الجندي ومحمود حميدة
وياسر جلال وإخراج محمد مختار، وأفلام أخرى قدمت صورة قاتمة لضابط أمن
الدولة المنحرف والسادي مثل فيلم «عمارة يعقوبيان» بطولة عادل أمام ونور
الشريف وفيلم «حين ميسرة» بطولة سمية الخشاب وعمرو سعد وهالة فاخر وسوسن
بدر وإخراج خالد يوسف، بل ظهرت بعض الأعمال الكوميدية التي تناولت ضباط أمن
الدولة مثل أفلام «بطل من ورق» بطولة ممدوح عبدالعليم وآثار الحكيم وإخراج
نادر جلال، وفيلم «حسن وعزيزة قضية أمن الدولة» بطولة يسرا وأشرف عبدالباقي
وإخراج أسامة فريد.
ولكن هل استطاعت السينما أن تنقل الصورة الحقيقة لجهاز أمن الدولة وأن
تكشف أبعاد شخصية ضابط أمن الدولة أياً كان موقعه؟
كشف المستور
الناقدة حنان شومان، تجيب على هذا السؤال بقولها: إن السينما المصرية
قدمت شخصية ضابط أمن الدولة بشكل موضوعي من خلال فيلمي «زوجة رجل مهم»
و«كشف المستور» وهذان النموذجان قدما ما يمكن اعتباره أقرب ما يكون إلى
الشكل الحقيقي لضباط أمن الدولة، وعلى مدار تاريخ السينما المصرية قدم نمط
الضابط بكل الأشكال منها الكوميدي والجاد وشديد القسوة المتعنت الذي نجح
النجم كمال الشناوي في تقديمه من خلال فيلم «الكرنك» في دور خالد صفوان
والذي تردد بأن المقصود به صلاح نصر مدير المخابرات المصرية في ذلك الوقت
وليس ضابط أمن الدولة،وقدمت السينما أيضاً الضابط الرومانسي والفاسد
والانتهازي كما في فيلم «زوجة رجل مهم». وعلى الرغم من الشخصية المعروفة عن
ضابط أمن الدولة بأنه قاسٍ وصارم في التعامل مع المتهمين السياسيين.. إلا
أن ذلك لم يمنع السينما من تناول شخصية هذا الضابط بشكل كوميدي وهو ما ظهر
في فيلم «الإرهاب والكباب» عندما تناولت السينما المصرية شخصية وزير
الداخلية وضباط أمن الدولة المحيطين به في نموذج كوميدي بعث على الضحك أكثر
من الضيق.
زوجة رجل مهم
وتؤكد الفنانة تيسير فهمي، أن كل نظام فيه الفاسد وفيه الجيد، ولكن
عندما يغلب الفساد على النظام فسيظهر الفاسدون بشكل أوضح، وعندما يكون
النظام صالحًا سيظهر الشرفاء بدون شك، وهذا ما حدث بالفعل لجهاز أمن الدولة
والذي غلب عليه الفساد، ولكن السينما عندما كانت تحاول التعبير عن ضابط أمن
الدولة بشكل حقيقي كانت تصطدم بالرقابة، لدرجة أن الرقابة كانت تعطي أوامر؛
لكي يكون ضابط أمن الدولة وضابط الشرطة بشكل معين، وبالتالي فلم تكن هناك
حرية في التناول السينمائي، وتؤكد أيضاً أن أفضل فيلم تناول شخصية ضابط أمن
الدولة كان فيلم «زوجة رجل مهم» والذي عبر عنه الفنان الراحل أحمد زكي بشكل
حقيقي.
صورة سطحية
يقول الفنان طارق لطفي: إنه بعد كشف هذا الحجم من الفساد الذي أحاط
بجهاز مباحث أمن الدولة ووزارة الداخلية بصفة عامة فلا يستطيع أحد أن يقول
إن السينما عبرت بشكل كامل عن شخصية ضابط أمن الدولة أو حتى ضابط الشرطة
بشكل حقيقي، حيث تبين أن ما قدمته السينما عن هذه الشخصية مجرد قشور وصورة
سطحية ليس أكثر، مؤكداً أن هناك الكثير الذي لا يعرفه عن ضباط أمن الدولة،
وبالتالي لم يتم التعبير عن جميع جوانب هذه الشخصية، مرجعا السبب في ذلك
إلى وزارة الداخلية التي كانت تمنع السينمائيين دائما من تقديم شخصية ضابط
أمن الدولة بحرية بل وتشترط الحصول على موافقة مسبقة على أي عمل يتناول رجل
الشرطة.
البيان الإماراتية في
22/04/2011
المعاناة اليومية لسكان قطاع غزة في الفيلم
الوثائقي (دوشة)
للمخرج الفلسطيني فايق جرادة
فؤاد زويريق
استطاع فيلم (دوشة) للمخرج الفلسطيني فايق جرادة ان يرسم بإتقان
صورة درامية للمعاناة اليومية التي يعيشها سكان غزة، من خلال التركيز على
عنصر واحد
وربطه بالأوضاع المأساوية العامة التي يتخبط فيها القطاع، فمشكل انقطاع
الكهرباء
المستمر يحوله إلى مدينة لا تنام بفعل ضوضاء مولدات الكهرباء التي تستعين
بها
الورشات والمحلات والمقاهي.
و... فيلم (دوشة) تمدد داخل الأجواء الخاصة لأشخاص
معينين من سكان غزة حتى يقحمنا داخل
الأجواء العامة التي تعيشها هذه المدينة، وقد
لامس حقيقة هذا الواقع بفعل التنقل بين مشاهد داخلية وأخرى خارجية مرفقة
أحيانا
بحوارات ثنائية أو جماعية، تنصب كلها حول التيمة الخاصة بالفيلم، والهدف أو
النتيجة
المتوخاة من هذه الأحداث المتسلسلة هي بناء مشهد عام يظهر البنية الهشة
التي ترزح
تحتها هذه المدينة. لكن للأسف الشديد نجد أن عنصر الحوار لم يتفوق نسبيا ـ
عكس
التشخيص ـ في إبلاغ المتلقي إلى ما كانت تصبو إليه فكرة الفيلم ورؤية
المخرج، ولابد
من الإشارة هنا إلى أن فيلم (دوشة) يدخل ضمن الإطار الديكودرامي، هذا
الإطار الذي
يعتمد بالأساس على المزج بين الوثائقي والدرامي، وإعطاء الممثل فضاء أوسع
يمكنه من
التفاعل المباشر مع الأحداث من دون تصنع أو تخطي الواقعية التصويرية، حتى
يشعر
المشاهد بصدق التشخيص وبالتالي التفاعل معه إلى درجة التماهي، وهذا هو
الهدف
الرئيسي من مثل هذا النوع من الأفلام الوثائقية التي تعمل بطريقة أو بأخرى
على
التأثير على جمهورها وتدفعه إلى الإحساس بصدق أحداثها واستشعار رؤية
مخرجيها، من
منظور واقعي بعيد عن خيال الأفلام الروائية، الشيء الذي يدفعه ـ أي الجمهور
ـ إلى
تحليل محتواها تحليلا عميقا ومتأنيا مع ملامسة الواقعية الصادقة في مجريات
أحداثه.
بعيدا عن الحوار لعبت الشخصيات دورا كبيرا في معالجة التيمة الرئيسية
للفيلم
واندمجت في ما بينها بأريحية تامة، ومما لا شك فيه أنها فرضت قيمتها على
الأدوار
المنوطة بها بما يتوافق ودورها في الحياة، فهؤلاء الممثلون هم أبناء
المنطقة يعيشون
روتينها اليومي ومشاكلها المعقدة، الشيء الذي دفعهم إلى إتقان دورهم من دون
الاصطدام به، وبالتالي من دون الابتعاد عما قد يترتب على ذلك من تحولات قد
تسيء إلى
عمق الفكرة.
الضوضاء.. والضوضاء.. ثم الضوضاء.. هذه هي فكرة الفيلم الرئيسية
وهذا ما نستشفه من عنوانه (دوشة) أي ضوضاء.
لكن هذه الضوضاء ليست كأي ضوضاء،
فالضوضاء التي يتناولها الفيلم تتركز في القطاع ككل ولا مجال للهروب منها،
وهذا ما
حاول الزوجان تشخيصه ابتداء من البيت وانتهاء بالبحر مرورا بالشارع
والمطعم، هي إذا
ضوضاء مزعجة لا تكتفي بتعكير صفو الحياة اليومية التي يعيشها السكان، بل
تتعداها
إلى الصحة الجسدية والنفسية، وقد تساهم كذلك في خلق التوترات والمشاحنات
بين
الأشخاص.
يعيش قطاع غزة كما يعرف الجميع أوضاعا صعبة بفعل الحصار الإسرائيلي،
الشيء الذي عمق خطورة الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والمعيشية داخله،
وجعله يعيش
مرحلة الاحتضار بفعل تكالب الأشقاء والأعداء عليه، وكل هذا نعيشه، نحن
البعيدين،
عبر وسائل الإعلام المتنوعة التي تجتهد يوميا في نقل الأحداث من مستشفيات
القطاع أو
من مستودعات أمواته، لكن فيلم (دوشة) حاول الابتعاد عن هذا كليا وتبنى فكرة
مغايرة
تماما تتغلغل داخل أعماق الغزي وحياته اليومية التي تصطدم بشكل روتيني
وممنهج بواقع
مرير وأليم يسلب منه ابسط حقوقه ويدخله دائرة لا تنتهي من المعاناة، ثانية
بثانية،
ودقيقة بدقيقة، وساعة بساعة.
لاشك أن المخرج فايق جرادة اجتهد حتى يكون فيلمه
مميزا ومتميزا بفكرته وأجوائه... وحاول
بذلك وضع أصبعه على حقيقة الوضع المؤلم الذي
تعاني منه غزة وساكنتها، وهذا ما عايناه من خلال مشاهدتنا للفيلم. فمن خلال
تجاربه
المتنوعة في التلفزيون الفلسطيني تفوق فايق جرادة في إدخال بصماته الخاصة
على فيلمه
هذا، وأحاط برؤيته من كل الجوانب حتى تكتسب قوة الإلقاء وتخاطب المتلقي
بعفوية تامة
وتعمل على إقناعه بصدقها وجدية قضيتها، وقد نجح المخرج فعلا في ذلك وجلب
انتباه
الجمهور إلى مجال رؤيته تلك، من خلال استعمال بعض اللمسات التقنية والفنية
رغم
بساطتها، لكنها ذات تأثير عميق وإضافي، وهنا نشير على سبيل المثال إلى
ابتعاده
الكلي عن الموسيقى التصويرية والاكتفاء بضوضاء المولدات حتى يمكن المشاهد
من
الاندماج والإحساس بالمعاناة نفسها التي يعاني منها الغزي ممثلا في شخوص (دوشة).
قد نذهب في تحليلنا لفيلم (دوشة) ابعد من هذا ونعطيه طابعا رمزيا عبر
ملامسة الجوانب الخفية والدلالات الإيحائية التي تظهر من خلال سيرورة
الأحداث
وتلاحقها من البداية إلى النهاية فتوظيف الصور الرمزية وتكثيف حمولتها عرى
الوجه
الآخر الذي تعاني منه غزة، من دون التطرق إليه مباشرة، فما الضوضاء
والغازات.. التي
تنبعث من المولدات الكهربائية إلا صورة مأساوية لرائحة الحرب التي أزكمت
أنوف
الغزيين وأصابتهم بعدم الأمان والاطمئنان، فأضحوا يبحثون عن أماكن تقيهم شر
هذه
الأوضاع غير المستقرة، إلى درجة عدم الإحساس بالأمان داخل بيوتهم نفسها مما
دفعهم
إلى الانتقال من مكان إلى مكان من دون جدوى ليصطدموا في الأخير بالبحر الذي
يرمز
بأمواجه المتلاطمة بين مد وجزر إلى عدم الاستقرار كذلك. وقد يفسر من ناحية
أخرى على
أنه الملاذ الوحيد المفتوح على الأفق في ظل حصار أغلق كل منافذ القطاع
فأصبح عبارة
عن غرفة معزولة عن العالم الخارجي وما البحر إلا نافذتها الوحيدة الضيقة
التي تمنحه
فرصة وأملا في الحياة رغم كل شيء.
يذكر أن الفيلم شارك في المسابقة الرسمية
للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة
خريبكة المغربية.
كاتب مغربي مقيم
بهولندا
القدس العربي في
22/04/2011 |