شكّلت الدورة السابعة
للتظاهرة السينمائية الوثائقية «شاشات
الواقع» في بيروت، التي أقيمت بين الواحد
والعشرين والسابع والعشرين من آذار 2011، مناسبة إضافية للاطّلاع على بعض
الجديد
المُنتج في صناعة السينما الوثائقية، المُقبل إلى صالة «سينما متروبوليس»
في
الأشرفية من أصقاع مختلفة من العالم. النتاج الوثائقي الجديد هذا بات
يُصنّف اليوم
فيلماً سينمائياً بامتياز، لأنه لم يعد مجرّد تعبير عن واقع أو حالة أو
شخصية أو
مرحلة، بل صار منفذاً واضحاً إلى إعادة صوغ الوقائع والتفاصيل الهامشية،
وإدخالها
إلى متن الحكاية بما يتلاءم وتطلّعات صانعيه. ثم إن «شاشات الواقع» نافذةٌ
إلى
معاينة أساليب التحايل على الواقع والحقيقة معاً، لإظهارهما علناً، أو
لإيجاد ركائز
بصرية تمنح النتاج السينمائي الوثائقي حرية اختراقه الممنوع، وفضح آلية
اشتغال هذا
الممنوع في عزل الواقع والحقيقة مثلاً، وكشف قدرة التقنيات السينمائية على
جعل
الفيلم الوثائقي حافزاً إلى مُشاهدة العالم وحكاياته التي لا تنتهي.
منح
الاحتفال السابع للتظاهرة هذه فرصة
الإطّلاع على بعض الجديد الوثائقي، كالفيلم
الجميل «حنين إلى الضوء» للتشيلي باتريسيو غوزمان (الذي افتتح الدورة
السابعة هذه
مساء الاثنين الفائت) و»كليفلاند ضد وول ستريت» للفرنسي جان استفان برون
مثلاً.
اختار منظّمو التظاهرة («البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان» بمشاركة
«جمعية
متروبوليس»، وبالتعاون مع «دوك ميد» و»مهرجان الفيلم الوثائقي في مرسيليا»
و»سينما
الواقع» و»فوتوكينو») عشرة أفلام متنوّعة الهواجس والأساليب الجمالية:
الذاكرة
والراهن. الصدام الديني، اجتماعياً وسياسياً وحياتياً، وملحقاته الثقافية
والاجتماعية وأسئلته الأخلاقية. النزاع الاقتصادي والعقاري. المدينة ونمط
سلوكها
الحضاري. أزمات الآنيّ، بيئياً واقتصادياً وإنسانياً. هذه عناوين مثيرة
للمُشاهدة.
هناك أيضاً الجانب العربي: الاحتفاء بسينما المخرج الوثائقي السوري الراحل
عمر
أميرالاي، بعرض فيلمين له هما «هناك أشياء كثيرة يُمكن للمرء أن يقولها»
(1997)
و»الطوفان» (2003). إتاحة الفرصة أمام المهتمّين لمُشاهدة جديد المنتجة
والمخرجة
المصرية ماريان خوري «ظلال» (أنجزته مع التونسي الراحل مصطفى الحسناوي)،
وللتعرّف
على المخرجة التونسية كوثر بن هنيّة، بفضل فيلمها الأول «الأئمة يذهبون إلى
المدرسة» (عُرضا مساء الجمعة والسبت بالتتالي، بحضور المخرجتين). أُنتج
هذان
الفيلمان في العام الفائت. الأول مزيج السياسة بالصحّة العامّة، والفساد
الإداري
بالبؤس الاجتماعي و»التحطيم» النفسي. الثاني محاولة خفرة لفهم العلاقة
الصدامية بين
العلمانية وركائز الثقافة الكاثوليكية الفرنسية والإسلام المهاجر إلى
فرنسا. لم تقف
ماريان خوري عند الظاهر في مسألة المرضى المُصابين باضطرابات نفسية فقط،
لأنها غاصت
في المتاهات الداخلية التي عانى هؤلاء تداعياتها الخطرة على أنفسهم. لم
تُقدّم كوثر
بن هنيّة المتداول في الإعلام والنقاش الفرنسيين فقط، لأنها كشفت بعض
الارتباك
الحاصل في العلاقات الصدامية تلك، المنفلشة على سلوك حياتي متكامل. «ظلال»
دعوة إلى
فهم جانب من الحياة المصرية المقيمة في القهر والألم. دعوة إلى المُشاركة
في رسم
صورة اجتماعية مفتوحة على الانهيارات والخيبات والتمزّق. «الأئمة يذهبون
إلى
المدرسة» دعوة إلى مناقشة أسئلة الهوية بعيداً عن الأحكام المسبقة، فإذا
بالشخصيات
الرئيسة تُظهِر أمام الكاميرا شيئاً من الأحكام المسبقة تلك، كما تفضح
ارتباكات
المزاج المتحكّم بأولئك الناس، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في إطار مكانيّ
واحد، تحكمه
مجموعة قوانين مدنية وعلمانية دُفع ثمنها دماً وصدامات طويلة الأمد.
وقائع
«كليفلاند ضدّ وول ستريت» استقى حكايته من إحدى القصص المعروفة جداً في
المجتمع
الرأسمالي. الوحش المالي واللوبي العقاري والشبكات التجارية
المختلفة تولّد،
دائماً، حالات فقر وتهميش لا مثيل لهما.
تولّد أحياناً تشويهاً خطراً للبنى
المجتمعية والعمرانية والاقتصادية. إنه
فيلم عن معنى المواجهة، القانونية
والأخلاقية والفكرية، بين سلطات ذاهبة
بمشاريعها إلى أقصى الجنون والهوس بالأرباح
والسطوة، وأناس راغبين في حياة كريمة. في الحادي عشر من كانون الثاني 2008،
استحضر
جوش كوهين وشركاؤه محامو المدينة الأميركية كليفلاند واحداً وعشرين مصرفاً
إلى
القضاء، بتهمة الحجز العقاريّ الذي قامت به هذه المصارف مجتاحة، بفضله،
المدينة
وناسها. لكن مصارف وول ستريت التي تعرّضت لهذا الاستحضار القضائي واجهت
المسألة
بشراسة، ساعية بكل جهد ممكن إلى عدم فتح الدعوى: «إنها قصّة دعوى قضائية
كان يُفترض
بها أن تحدث»، كما وُصف الفيلم الذي لا يزال عددٌ كبيرٌ من المعنيين
بالقضية حيّاً
يُرزق. إنها إحدى تلك القصص الواقعية، التي بلغت حدّتها مرتبة خطرة، إلى
درجة أنها
باتت أقوى من أي تخييل درامي.
استعادة الذاكرة الدموية والعنيفة، التي جعلها «حنين
إلى الضوء» لباتريسيو غوزمان مفتاحاً لقراءة الراهن، استناداً إلى تاريخ
الفقدان الذي مارسه حكم أغوستينو بينوشيه، تُشبه استعادة الذاكرة الدموية
والعنيفة
أيضاً التي «صنعها» أولئك الذين عاشوا في ظلّ حكم ديكتاتور البرتغال
أنتونيو دي
أوليفييرا سالازار، المتمثّلة في فيلم «48» (2009، عُرض في إطار برنامج
«بطاقة
بيضاء لسينما الواقع» في التظاهرة هذه) لسوزانا دي سوزا دياز. عنوان الفيلم
اختزالٌ
لمضمونه: إنها ثمانية وأربعون عاماً من حكم فاشيّ عنيف ودموي، أرادتها دي
سوزا دياز
مستنداً لإدانة أخلاقية. ذلك أن الفيلم مرتكز على صُوَر خاصّة بما يُسمّى «أنتروبوميتريك»،
أي المتعلّقة بـ»علم أقيسة الجسم البشري، خصوصاً في تحقيق شخصية
المجرمين». وهي صُوَر شكّلت أداة تلاعب سينمائي: بالنسبة إلى السلطة، فإن
ضحايا
العنف الفاشي (معارضو النظام القامع) مجرمون يجب إخضاعهم ليس فقط للتعنيف
والتعذيب
والإهانة، بل لتحليل شخصياتهم وفقاً لمنطق الإجرام. وفي المقابل، باتت
الصُوَر
نفسها، التي التقطها «جهاز الشرطة السياسية» التابع لنظام سالازار، إدانة
عكسية
للنظام نفسه، من خلال لقاء مباشر بين المعارضين السابقين وصُوَرهم هذه. من
دون
تناسي القصّة المخفيّة للصُوَر، والمواجهة الحتمية بين الجلاّد والضحية.
السفير اللبنانية في
28/03/2011
«بينالي الشارقة» في لقطة فيديو
ستة أفلام رقمية من إنتاج دورته العاشرة
محمد العطار
كرّست التظاهرة الإماراتيّة هذا العام انفتاحها على الفنون البصريّة.
انتجت أعمالاً لكل من كريم عينوز، ورانية عطية/ دانيال غارسيا، وهشام عيوش،
وشون غوليت، وعلي الصافي، وبهمان كياروستامي. قدّم هؤلاء مقاربات مفهوميّة
لموضوعات الخيانة والحاجة والتمرّد والانتماء والفساد والإخلاص والبوح...
الشارقة | على برنامج «بينالي الشارقة»، تظاهرة فريدة بعنوان «سبع
حبكات قصيرة لبينالي». ستة أعمال فيديو أنتجها البينالي (كان مقرراً أن
تكون سبعة)، صُوِّرت بتقنية الفيديو الرقمي، ويتواصل عرضها ضمن الدورة
العاشرة التي تستمرّ حتى 16 أيار (مايو) المقبل. تنوعت مواضيع الأفلام
وبنيتها، إلا أنها استُلهمت من الإطار المفهومي الذي وضعه المشرفون على
التظاهرة سوزان كوتر ورشا سلطي وهايك آيفزيان، القائم على مفردات الخيانة،
والحاجة، والتمرّد، والانتماء، والفساد، والإخلاص، والبوح. من هنا جاءت
الأفلام حاملة لتنويعاتٍ بصريّة وسرديّة لافتة.
يستعير البرازيلي الجزائري كريم عينوز عنوان فيلمه
Sunny Lane (سوبر 8 وفيديو رقمي/ 12 د) من اسم شارع شهير يقع جنوب غرب برلين،
ويضمّ عدداً كبيراً من المهاجرين العرب. في «ساني لاين»، ينقل عينوز ــــ
بلعبة مونتاج حاذقة ومن دون تدخلٍ سردي ــــ حالة الاغتراب والعزلة. يمهّد
الفنان لفيلمه بنصٍّ عن آخر من سقطوا في محاولة عبور جدار برلين قبل
انهياره. يأخذنا لاحقاً في جولة عبر صور متلاحقة، تمزج ملامح المدينة
بلقطات من حياتها الليلية. مع تتابع اللقطات، نفقد الإحساس بواقعية المكان.
ومع مشاهد الثلوج المتساقطة، يصير المكان أكثر إبهاماً وضبابية.
عكس عينوز، تختار اللبنانية رانية عطية وشريكها الأميركي دانيال
غارسيا، مقاربةً مغرقة في الواقعية. يسجلان مشاهد مقتطعة من يوم في حياة
زوجين مسنين من مدينة طرابلس اللبنانية. في شريطهما «لحظات قصيرة من زواج
طويل» (فيديو رقمي/ 11 د)، يختار المخرجان توثيق لحظات مقتطعة من يوم عادي
ورتيب في حياة الزوجين الطاعنين في السن. اللقطات الطويلة نقلت الإيقاع
اليومي والتفاصيل الحقيقية لمسيرة يوم يبدو عادياً بزمنه المتراخي. وحدها
أصوات الأخبار الواردة من ميدان التحرير في القاهرة تكسر حدة الرتابة. ومع
تعالي الأصوات المنادية بمستقبلٍ أفضل، تسقط الزوجة على أرض المطبخ وهي تعد
قهوة المساء. موتٌ رتيبٌ كما الحياة نفسها، يحدث على إيقاع ثورةٍ تنبض
بالحياة وترفض الموت. الكاميرا المحصورة في منزل الزوجين في طرابلس، تنعتق
لتجوب أرجاء الريف المغربي الساحر في فيلم هشام عيوش «كيف ما يقولوا»
(فيديو رقمي/ 20 د). يذهب أبٌ محافظ شديد البأس، مع ابنه المراهق، في رحلة
تخييم. كل شيء معد بمثالية لتوطيد العلاقة بين الاثنين، لكن الابن يفشي
سره: «أنا مثليّ»، فتتحول العطلة إلى جحيم. تأتي نهاية الشريط تراجيدية،
لكنّها تبدو حتمية لمسعى الابن المُتمرد على طوق الأب وحبه الجارف. في
المغرب نفسه، لكن في طنجة، تدور أحداث فيلم الأميركي شون غوليت «خونة»
(فيديو عالي الحساسيّة/ 31 د). غوليت رفيق دارين أرونوفسكي ـــ شاغل الناس
هذه الأيام ببجعته السوداء ـــ الذي كتب له باكورته الطويلة
Pi
(١٩٩٨) يرصد في فيلمه حكاية الشابة ملكة. تحاول هذه الأخيرة مع رفيقاتها
تأسيس فرقة «خونة» لموسيقى البانك، في محاولة للتمرّد على القيود
الاجتماعية، والتعبير عن مشاعر جيل محبط. وعكس فيلم عيوش، لا أحد يبوح
بالسر، بل يُكتشف مصادفةً. هل كانت والدة ملكة تخون والدها مع عشيقٍ سري
لسنين طويلة؟ الاكتشاف يعصف برأس ملكة، فتُمضي ليلة طويلة حافلة بالمغامرات
في مدينة تعج بحياة ليلية صاخبة. في شريط غوليت، مزجٌ عالي الحرفة للاضطراب
الذاتي بالآخر الجمعي، في مدينة تعيش على حافة الانفجار.
الاستعانة بالرمز يتحول إلى مباشرةٍ حادة في الشريط التسجيلي «الهارب»
(فيديو رقمي/ 20 د) للمغربي الآخر علي الصافي. يُقدم الفيلم وثيقة شجاعة
لسنوات الرصاص المغربية في السبعينيات. يحاور المخرج أحد المناضلين الذي
قضى سنوات في المُعتقل. يتذكّر المناضل المُخضرم، بابتسامة دافئة، الشهور
السابقة لاعتقاله، حيث عاش منتحلاً شخصيةً أخرى، محاولاً نشر أفكار الثورة
والعدالة الاجتماعية. تمثّل الصور الأرشيفيّة الأساس في فيلم الصافي، إذ
ينهي وثيقته السينمائية بلحظة اعتقال البطل قبل أربعة عقود، من دون التطرق
للتطورات السياسية اللاحقة والوضع السياسي الراهن في المغرب. تبدو النهاية
شديدة التشاؤم، يبدو أن الصافي أنجز شريطه قبل الحراك الثوري الذي يجتاح
المنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها.
وتأخذ الوثيقة عند بهمان عباس كياروستامي شكلاً معاكساً، فتبني على
اللحظة الراهنة لتحكي عن الماضي ومآلاته. في شريطه التسجيلي «جواد» (فيديو
رقمي/ 18 د)، يحكي كياروستامي قصة المغني جواد ياساري الذي لمع اسمه في
أواخر السبعينيات في لالزار
Laalezaar،
منطقة النوادي الليلية في طهران قبل عام 1979. بعد الثورة، وجد ياساري نفسه
مُضطراً للسفر إلى دبي، وبعض الدول الأوروبية ليبقى على تواصل مع جمهوره.
تنتقل كاميرا كياروستامي الابن بين حفلات ياساري في فنادق دبي، ومتجر
الأدوات المُستخدمة الذي يملكه في طهران. يبدو المخرج وفياً لأسلوب جيل
والده، عبر الاعتماد على شخصياتٍ حقيقية تحكي عن الحياة، بتفاصيلها اليومية
البسيطة. قد تغيب عن «جواد» اللمسات الشاعرية التي تميز واقعية كياروستامي
الأب، لكن النقد السياسي المُبطن، ورصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية
الهائلة في إيران تبقى حاضرةً بقوّة.
www.sharjahart.org
الأخبار اللبنانية في
28/03/2011
زوم
درس وطني مؤثر في صوت وصورة العندليب···
مع كل 29 آذار/ مارس ذكرى للعندليب·
محمد حجازي
ذكرى رحيل، لا تكون مع الفنانين الكبار سوى تذكاراً تستحيل معه كل
القضايا في سلة واحدة، ولا تمر ذكرى هذا العام عادية أبداً لأنها تتواكب مع
ارتفاع كامل في منسوب أغنياته الوطنية كلّها، لنسمعها في تونس ومصر واليمن
وليبيا والبحرين، فكل ثائر يعتمدها جعبة له، ولم يلجأ إلى ذخيرة أقوى منها
في سبيل رفع صوته، أو اعتماد صوت عبد الحليم حافظ موصلاً نموذجياً لما
يريده ويفكّر فيه·
بعد كل هذه العقود من رحيله، يعود الصوت إلى الحياة، وتعود الرسالة
التي أطلقها كي تحضر وتتفاعل من جديد، في عملية إظهار أنّ كل ما يُقال من
جيل اليوم لا أثر ولا قيمة له، في صور إفلاس لا تليق بعصرنا الموسوم
بالحضارة والتقدّم والتكنولوجيا المتقدّمة الراقية·
هو الذي غنّى صورة، صورة الزعيم جمال عبد الناصر، كان في الصورة أيضاً
عنصراً ذكورياً وحيداً في أنشودة الوطن العربي للموسيقار محمد عبد الوهاب
ومن حوله فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، وردة، شادية، وكان متميّزاً جداً، وهو
يغني الوطن بأخفض طبقة قرار في صوته، ومع ذلك تصل الرسالة واضحة مباشرة
ومؤثرة·
يبدو أنّه علينا تعلّم معنى ما قُدِّم لنا من ثروات غنائية في عصر
الكبار، وفي الحب نعود إليهم لأنهم أصدق وأعمق وأكثر نبلاً في مشاعرهم، وفي
الوطن وإعلان الانتماء إلى الوطن الأكبر لا نعثر سوى على نتاجهم يسد فراغاً
في حاضرنا والأرجح أنّهم ارتبطوا بأرضهم وأمّتهم أكثر منّا، مع سؤال كبير
نطرحه على الدوام: لماذا نكهة أغنياتهم أحلى وأجمل وأكثر تأثيراً·
نقف وقفة إجلال لأرواح كبارنا ونحن نحتاج إليهم في كل وقت، لا سلوى
لنا سوى أصواتهم، ولا راحة عندنا إلا مع صورهم على شاشاتنا الصغيرة تُعيد
رسم ما كانوا عليه، رغم أنّ وسائلهم كانت بدائية، لكن إفرازات أدمغتهم كانت
أكثر غزارة وعبقرية·
أليست سقوطاً لجيل اليوم عملية استبعادهم ونتاجهم من حسابات ثوّار
الأمة، وهم في كل مناسبة يرمون علينا بعشرات الأغنيات التي تُصنع في يوم
وليلة وتعثر على مكان لها على الإذاعات والفضائيات، ويتغنّون في لقاءاتهم
بأنّهم قدّموا قسطهم للوطن وأهله·
مع حليم كرمز من هامات الأمس الكبيرة تتوضّح معالم هزيمة جيل معاصر
بكامله وكأنّما ليس عنده شيء ليقوله، هناك ما فعله جيل اليوم من الشباب
عندما أثبت رقيّاً في التعبير عن لواعجه وقضاياه الوطنية، فأين الذين
يواكبون هذا المناخ من الفنانين، هذا دليل على عدم احترام مشاعرهم بعمق،
فلم تكن عندهم ردة الفعل التي تبتغي وسيلة تعبير·· أبداً·
لا صوتاً ولا صورة، وما نخافه ألا نعثر بين جيل مخرجينا على مَنْ
يستطيع تقديم هذا المناخ <الانتفاضي> الوطني في شريط سينمائي، خصوصاً أنّ
<الشمّاعة> التي كانوا غالباً ما يُعلًّقون عليها فشلهم وانهزامهم وقلّة
قدرتهم لم تعد موجودة تقريباً، ونعني الرقابة المتشدّدة التي تطلب منهم
تعديلاً بعد تعديل حتى يملّوا ويوقفوا مشاريعهم الوطنية·· لا، فالطريق سالك
وآمن وواسع لتقديم صورة توازي الحدث الكبير، وإلا سيظل حالنا أشبه بالأغنية
التي انهزمت أمام طوفان المشاعر من ثوار الأمس وكان الفنانون بالجملة قلباً
على قلب، وروحاً على روح حُبّاً ببلدهم، وأُمّتهم، لذا عاش عبد الحليم ونحن
نستذكر الذكرى السنوية لرحيله، وعاشت كل أغنياته وأناشيده هو وعبد الوهاب
وفايزة أحمد ونجاح سلام وأم كلثوم وغيرهم فهل نتّعظ، أو نتلمّس وسيلة
للتعويض عن فقداننا ماء الوجه هذه الأيام···
نقد
استناداً إلى واقعة حقيقية جرت قبل 8 سنوات في أستراليا
(127Hours):
بويل - فرانكو وشريط يوصل المتفرّجين إلى المستشفى...
محمد حجازي
هو مأخوذ عن قصة حقيقية كتبها صاحبها بدمه قبل قلمه، فهو الذي وقع في
ورطة ولم يعرف كيف يخرج منها إلا بعد 127 ساعة، عندما بتر يده بيده·
لا شك في أنّه درس مؤلم لكنه يستدعي دراسته، بمعنى هل يمكن لأي إنسان
الإقدام على هذا الفعل إذا ما بلغت أوجاعه ويأسه مبلغاً غير طبيعي، كل
التقارير النسبية تؤكد ذلك وتُعطي مثلاً على ذلك الذين جاعوا في الصحارى
بعد نجاتهم من سقوط طائراتهم وعمدوا إلى أهل رفاقهم من الركاب·
في <127 ساعة> الحالة إياها عاشها آرون رالستون الشاب المغامر والمليء
بالحيوية، الذي وضع كتاباً بعنوان (Between
A Rock And A Hard Place) هز مشاعر المخرج والسيناريست البريطاني داني
بويل، فاشتغل على السيناريو مع سيمون بوفوي وصوّر فيلماً يحمل عنوان
الساعات التي أمضاها، رالستون عالقاً بين جبلين من الصخر ويده عالقة تحت
حجر صخري متوسّط الحجم كان مستحيلاً رفعه كي يُخلِّص يده من تحته·
لعب الشخصية جيمس فرانكو، وقد احتاج منه الفيلم إلى الكثير من
الأعصاب، ومن الإرادة، ومن التركيز حتى تكون النتيجة في النهاية مؤثرة في
نفوس المشاهدين، مع حضور خبيرَيْ المؤثرات الخاصة والمشهدية: رايان روندي،
وآدم كاسكون، حيث يبدو أنّ فريقَيْ هذين الخبيرين نجحا في مهمتهم عندما
حذّر الأطباء الأستراليون روّاد السينما من مشاهدته لأنه قد يُصيبهم
بالإغماء، وتقول صحيفة الـ <دايلي تلغراف> إنّ ثلاثة أشخاص أصابهم الإغماء
والقيء ونوبات الصرع بعد مشاهدته ونُقِلُوا إلى مستشفى سانت فنسنت في سيدني
للعلاج، وأمضى احدهم خمس ساعات تحت المراقبة جرّاء لقطة مدّتها نصف دقيقة
يقوم خلالها رالستون بقطع ذراعه كي يتمكّن من تحرير جسده بالتالي بعد ذلك·
كل هذه الأحداث جرت في نيسان/ إبريل 2003، أما العام الماضي 2010 فقد
رزق رالستون وزوجته بأول مولود لهما·
إنّه يوم عطلة يخرج فيه الشاب رالستون إلى الطبيعة ويقصد منطقة
الأخاديد الجبلية الصخرية حيث يلتقي بفتاتين مراهقتين تمضيان الوقت مثله
هناك: كريستي (كايت مارا) وميغان (آميرتا مبلين) وبعدما أمضوا وقتاً قليلاً
معاً، هرعت الفتاتان إلى بحيرة بين الصخور، لكنه انفصل عنهما وتابع عملية
اكتشافه للمنطقة لوحده إلى أن سقط بين شطرَيْ منحدر صخر عملاق، وتدحرجت
خلفه عدة صخور صغيرة مع واحدة أكبر قليلاً علقت في مكان ضيّق، حصر ساعد يده
اليمنى من دون أن ينجح في رفع الصخرة أو سحب يده·
يمضي 127 ساعة على هذه الحال يشرب من بوله، ولا يعثر على ما يأكله،
إلى أنْ قرّر بتر ساعده كي يُخلِّص جسمه وينسحب خصوصاً أنّ يده العالقة
باتت شبه مخدّرة طوال هذه المدة، وهو ما ساعده على تحمّل الألم، ومن ثم
الخروج من هذا الدهليز ومصادفة عائلة تجول في المنطقة ساعدته على طلب نجدة
طبية عاجلة له·
داني بويل (مخرج <سلامدوغ مليونير) نجح في إنجاز شريط مؤثر مع الممثل
فرانكو الذي قدّم احتفالية الأوسكار الاخير، مع زميلته آن هاثاواي، وقد صاغ
موسيقى الفيلم المؤثرة أ·ر· رحمن وأدار التصوير هنريك شيدياك وانطوني دو
دمانتل·
نقد
ضمن أحداث (The
Lincoln Lawyer)
لـ براد فورمان
<ماكونوغي> إبن مهنة المحاماة ويعرف كيف يفوز دائماً
موكِّلوه من جميع الطبقات والمهم ألا يتحدّاه أحد حتى لا يُحطِّمه···
محمد حجازي
كان مشروعاً دام 7 ساعات نظّمته شبكة صالات غراند سينما لعدد من
النقاد والناشطين السينمائيين من خلال أول عروض خاصة تُدعى إليها هذه
الشريحة في تجمّع الصالات الخمس في مول صيدا، حيث شاهدنا شريطين تباعاً
يُعرض أحدهما حالياً في الصالات بعنوان (The Lincolin Lawyer)
والثاني يُعرض بدءاً من الخميس المقبل بعنوان (Source
Code) للمخرج دانكان جونز، ثم كان غداء تكريمي على شرف الضيوف·
فيلم (The Lincolin)
لـ براد فورمان عن رواية لـ مايكل كونيللي وضع لها السيناريو جون رومانو
وقام بالدور الرئيسي والمميز ماثيو ماكونوغي الذي يُجسّد دور المحامي مايك
هالر القادر على ربح أي قضية بأخذها على عاتقه سواء كانت تمثّل قطباً
مالياً كبيراً أو فرداً عادياً من الناس، فهو يعمل على كافة المستويات، فقط
لرغبة عنده في حصاد كبير من المال، ولا أحد يقترب من موقعه، وحين تكون هناك
قضية تحتاج إلى معركة فإنه يخوضها من دون أي شك في الفوز بها·
الدور يليق بـ ماكونوغي الذي يُحسب له حالياً أنّه قليل العمل، لا
يقبل أي عرض سينمائي، ويعتاش منذ فترة على بعض الإعلانات التي تأتيه من عدة
مصادر وهو ناجح فيها ويعتبرها أفضل من الأفلام غير المضمونة النجاح·
إنّه يستقل السيارة (Lincolin)
يقودها سائق أسود يفهم على معلّمه كل شيء، وفي كل يوم يأخذ درساً في كيفية
تعامل مايك مع زبائنه، فها هو يسمع كلاماً لا يعجبه في السجن من موكله
الشاب ومهرّب المخدرات وعندما يتحدّاه يؤجّل له مايك المحاكمة ويتركه
موقوفاً إلى أجل غير محدد، وعندما يتدخّل رئيسه الذي يقود مجموعة من رجال
الدرّاجات النارية يبلغه مايك بأنّ المبلغ الذي قبضه لا يكفي وهو يحتاج إلى
ضعفه كي يحرر السجين، فيعطيه فوراً المبلغ المطلوب وفي اليوم التالي كان
طليقاً·
والزعيم العصاباتي نفسه، جاء يطلب خدمة أخرى فطلب تخفيضا في التكاليف
يصل الى خمسين في المئة وإذا بمايك يبلغه بأنّه سيخدمه مجاناً لأنّه زبون
دائم ومواظب، لكن المشكلة الكبيرة التي تواجهه تكون مع الشاب الثري ريان
فيليب في دور لوي روليت الذي تتقدّم والدته بطلب إلى مايك كي يخلص ابنها
البريء، فالسيدة ماري ويندسور (فرنسيس فيشر) لها قدرة كبيرة مادياً كي تدفع
أي مبلغ، لكن مايك الذي يريد الاقتناع بأي قضية وبتفاصيلها حتى يدافع عنها
راح يطلب شروحات أكثر لمعرفة ما إذا كان لوي ضرب فعلاً إحدى الغانيات
وتبيّن أنّه يكذب وعندما علم بوجود التحرّي الخاص فرانك ليفن (ويليام ماسي)
المولج باستكشاف صحة ادعاء لوي، قام الاخير بالسطو على مسدس خاص للمحامي
مايك وقتل بواسطته التحري، وهنا لم يعد لدى مايك اي مبرر لعدم الهجوم، وإذا
به يقوم بواجبه بتبرئة لوي من ضرب الغانية، لكنه يجد في انتظره رجال الـ <اف
بي آي> بتهمة قتل التحري، ما حمل والدته على ان تقصد منزل مايك وتطلق النار
على كتفه فيعاجلها هو برصاصة قاتلة من مسدسه الذي استردّه من لوي، والذي
كان اعترف بأخذه للتخلّص من فرانك·
ويظهر في السياق محامون ينهزمون امامه امثال تيد مينتون (بوش لوكاس)
ويظل مايك قادراً على الصعيد الشخصي ومع مطلقته ماغي (ماريزا توماي) التي
له منها طفلة، وهما على تواصل، رغم الطلاق، ويلتقيان لقاء العشاق الشريط
جيد، جاذب، سريع ولافت·
اللواء اللبنانية في
28/03/2011 |