16
عاماً هي عمره الفني. حفر اسمه في مكانة مميزة بمشروع تخرجه في قسم
السيناريو
في معهد السينما في القاهرة. حصد عدداً كبيراً من الجوائز العربية
والعالمية. كان
ذلك عندما قدمه المخرج يسري نصر الله سينمائياً عام 1998. الكاتب
والسيناريست ناصر
عبدالرحمن اسم يقترن بالأعمال العميقة المبحرة في جنبات النفس
البشرية. والتي تحمّل
كماً كبيراً من المشاعر والتحليل والتشريح للعلاقات الإنسانية على تعقيدها.
على رغم
موهبته وحساسيته المفرطة في تناول المواضيع الجديدة والمركبة إلا أنه يحمل
في داخله
كماً كبيراً من البساطة والعفوية ميّزه عن غيره وأضفى على
كتاباته المزيد من الصدق.
«الحياة»
التقت المؤلف ناصر عبدالرحمن في حوار تحدث فيه عن أحدث أعماله وشخصيات
أفلامه التي يعيش بها ومعها في الواقع والخيال.
·
ماذا عن فيلمك الجديد «الشارع
لنا» مع المخرج خالد يوسف؟
-
قبل بدء الثورة بدأت كتابة موضوع الفيلم لأعبر من خلاله عما أشعر به ككل
مواطن
مصري. ولاحقاً وجدت الموضوع يسير في طريق له علاقة بالثورة لأنها نتيجة
حتمية. وكأن
لديك إناء مغطى على النار ويغلي! وإلا ما كان القطار ليسير ببخار الاحتراق.
كيف
لإنسان مقهور ومظلوم وليس لديه أبسط حقوقه الإنسانية العيش بعد
أن يفقد كل شيء ويصل
الى الجوع والمرض؟ تغير الوضع الآن وصار العالم يعرف ما يدور في اللحظة
نفسها وأصبح
من يريد أن يقول «لا» يعرف أن العالم سيسمعه. ويعرف أن غيره أيضاً يقول لا
في مناطق
شتى وأصبح لكلمة «لا» صداها. وهذا نتناوله في الفيلم من خلال «حدوتة»
اجتماعية
إنسانية تجمع كمّاً كبيراً من مشاهد الثورة التي اختزنها
واسترجعها من ميدان
التحرير وشوارع السويس وبحر اسكندرية. لقد كان هناك حالة من الصدق غير
الطبيعي الذي
سيطر على شعب بأكمله في تلك اللحظة. كيف نرى ملايين صادقة في نفس واحد ولا
نتأثر؟
·
كيف تنظر الى الفرق بين الكتابة
السينمائية والتلفزيونية؟
-
لا أجد للكتابة السينمائية نظيراً فهي عالمي في المرتبة الأولى وأشعر معها
بقمة السعادة. ويكفيني أن أكتب 10 دقائق أو دقيقة واحدة للسينما لأشعر
بالإشباع
الفني... فعشقي للكتابة السينمائية يماثل تماماً سعادة المحب
بنظرة لمدة ثانية الى
ومن حبيبته في حين نجد من لا يحب يحتاج 60 سنة ليشعر بالأخرى ولا يشعر بها.
الناس والشارع
·
من أين تستقي قصص أفلامك؟
-
من الناس ومن الشارع. فالحياة حافلة بالأفكار والقصص والعلاقات الإنسانية.
إن
هذا نابع من كوني من سوهاج في صعيد مصر. وأبي تاجر في منطقة سيدنا الحسين
وعشت في
منطقة روض الفرج الشعبية. هذه الظروف جعلتني أختلط بالبشر
وأتعرف الى الناس عن قرب.
أحبهم ويحبوني. ويلهموني بقصصهم التي تعيش في مخيلتي ويضيف إليها خيالي
لتتجسد في
أفلامي منذ المدينة وحتى كف القمر. ان كثيراً من الناس يدرك صدق هذه
الشخصيات
وتتصور أنهم أناس أعرفهم ويعيشون حولي ولكنهم في الحقيقة
شخصيات واقعية وخيالية
بنسبة 100 في المئة. فمثلاً شخصية حاتم أمين الشرطة في فيلم هي فوضى لا
تمثل شخصاً
بعينه. ولكنها تحمل في جنباتها ملامح حقيقية من شخصيات فئة من أمناء
الشرطة. وكونها
من نسج الخيال لا ينفي أنها تحمل الكثير من الواقع.
·
كيف تخطط لكتابة السيناريو؟
-
لا أخطط لكتابة السيناريو بل أكتب المفروض كتابته من دون تخطيط. عندما
تأتيني
الفكرة أحملها في عقلي حتى تختمر لتصبح حكاية يمكن سردها. وعندها تبدأ
مرحلة بلورة
القصة من خلال السيناريو. عندما أبدأ الكتابة تكون الصفحة
بيضاء أمامي من الألف
للياء من دون تخطيط لشكل السيناريو. ثم أبدأ الكتابة لأجد الشخصيات تتحرك
أمامي على
الورق وتتركب وتتضافر مع بعضها بعضاً. وأعيش معها وأفرح وأبكي لأنني أصدقها
وأكتبها
بكل خلجات نفسي. وأذكر أنني بكيت كثيراً أثناء كتابتي لفيلم
«كف قمر». وذلك لحبي
وتأثري بشخصية قمر. وكنت أتضايق كلما وجدتها حزينة. وهذا من أسباب ملازمتي
للمخرج
خالد يوسف أثناء التصوير. وفي الأقصر طلب مني المخرج خالد يوسف كتابة مشاهد
«عملتها»
على أحسن ما يكون. وكانت رائعة لأن قمر حاضرة في ذهني وتتحرك في خيالي
وأراها حقيقة بإحساسي. فكف قمر حدوتة إنسانية سياسية بديعة وتواكب ما يحدث
الآن على
المستويين السياسي والإنساني وسيعرض في منتصف نيسان (أبريل)
المقبل.
عمق
·
هل تشعر أن لديك قدرة على
التحليل العميق للعلاقات الإنسانية في شخصيات
أفلامك؟
-
أنا أسير في حضن الشخصية على الورق فتعطيني سرها وتعطيني المعنى
وليس العكس.
وكثيراً ما تحدث صديقي المخرج خالد يوسف عن تلك الحساسية العالية التي بها
شخصيات
أفلامي ما ميّزني عن غيري. وأنا أرى دوماً أن الشخصية نفسها تعطيني كل هذا
ولا أعرف
ولا أستطيع الخروج بفكري كناصر عبدالرحمن خارج إطار الحكاية فأنا داخلها مع
شخصيات
أمام عيني وعلى رأسي أعيش معهم وأصدقها وأترجمها بقلمي. ولا
أعرف التعالي على شخصية
مهما كان حجمها في السيناريو وليس باستطاعتي توظيفها في اتجاه ما لتحقق
هدفاً وتعكس
صورة معينة بل أتركها لتقول ما تود بحرية. وفي حياتي العادية لا ألجأ
لتفسير وتحليل
الشخصيات ولا أشغل بالي بأبعاد تصرفاتها بل أعيش بين الناس وأتعامل معهم
وأتقبلهم
كما هم بكل ما فيهم.
·
هل يحتاج السيناريو منك إلى أكثر
من كتابة؟
-
الكتابة الأولى هي الأهم وتمثل 80 في المئة وبعدها يأتي ما تتطلبه ضرورات
التنفيذ وأي شيء آخر. فالشخصية قد تزيد أو تنقص ولكنها لا تتغير وتظل بنفس
روحها في
الكتابة الأولى.
·
هل اختلاف المخرج يؤثر في النص؟
-
أنا تلميذ الكاتب الرائع محسن زايد رحمه الله وقد علمني أن السيناريست جندي
وراء الكاميرا بمجرد استلام المخرج للنص. فالمخرج مسؤول عنه ومن حقه أن
يفعل ما
يريد ولا بد أن أنفذ ما يطلب مني. ولكل مخرج رؤية هو مسؤول
عنها ويجب أن يلبيها من
خلال النص. والحمدلله المخرجون الذين تعاونت معهم يحبون ما أقدم لهم ويحبون
شخصياتي
ويصدقونها لأنهم يصدقونني ويخرج العمل رائعاً بفضل بصمتهم كيوسف شاهين
وخالد يوسف
ويسري نصرالله.
·
16
عاماً هي عمرك الفني والرصيد 8 أفلام لكبار المخرجين. ما الذي يكمن
خلف
هذا النجاح النوعي؟
-
جرى هذا كله من دون تعمد مني. أحياناً أقدم 3 أفلام معاً وأحياناً انتظر
لأقدم
عملاً شعرت بضرورة تقديمه. وبدايتي كانت بفيلم «المدينة» مشروع تخرجي في
قسم
السيناريو بمعهد السينما عام 1995. أخرجه يسري نصرالله في عام
1998 وعرض في عام 1999
ليحصد عدداً كبيراً من الجوائز من مهرجاني قرطاج ولوكارنو. بعدها انتظرت
فترة
لأبدأ الفيلم الذي يليه. ثم قدمت مجموعة أفلام هي الروائي القصير «نظرة
للسماء»
لكاملة أبو ذكري وحاز جائزة أحسن فيلم في مهرجان ميلانو و «هي فوضى»، «حين
ميسرة»، «الغابة»،
«جنينة الأسماك»، «دكان شحاتة» و «كف القمر». وبين فيلم «المدينة» وحتى «هي فوضى» ظللت 7 سنوات بلا عمل وكنت أرفض
عروضاً مادية مغرية لكتابة أعمال لا أشعر
بها. فأنا لا أستطيع أن أكتب إلا ما أحسه. وإلى اليوم أعتبر
نفسي هاوياً للكتابة
ولست محترفاً.
الحياة اللندنية في
25/03/2011
التعليم الأميركي «في انتظار
سوبرمان»
محمد موسى
ينضم فيلم «في انتظار سوبرمان» - الذي يعرض حالياً في صالات منتخبة في عدد
من
الدول الأوروبية - الى مجموعة من الأفلام التسجيلية الأميركية
التي تتعرض لملفات
أميركية داخلية، والتي تجد، ومنذ عشر سنوات تقريباً، طريقها الى الصالات
السينمائية
الأوروبية. وعلى رغم الانشغال المحلي الصرف لبعض من تلك الأفلام، نراها
حققت الكثير
من الانتباه والنجاح خارج الولايات المتحدة الأميركية. كأمثلة، يمكن هنا
ذكر معظم
أفلام المخرج المعروف مايكل مور: «سيكو» عن النظام الصحي
الأميركي، او «بولينغ
لكولومباين» عن ثقافة الاسلحة النارية في أميركيا، وآخر أفلامه «الرأسمالية
قصة
حب»، الذي يوجه فيه انتقاداته الحادة لجشع المصارف الأميركية. وأيضاً أفلام
المخرج
الأميركي مورغان سبورلوك: «سوبرسايز مي» عن تأثير الأطعمة السريعة على
الأميركيين،
و «في أي مكان في العالم أسامة بن لادن؟»، وهو فيلم يسخر من الفوبيا التي
ضربت
الحياة الأميركية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وبدء
البحث عن زعيم منظمة
القاعدة أسامة بن لادن.
مرجعيات خاصة
تشترك الأفلام المذكورة وغيرها، والتي بدأت تجذب الاهتمام الشعبي الواسع
منذ
أكثر من عقد تقريباً، بمجموعة من الملامح والمرجعيات الخاصة،
فالبناء يكاد يكون
نفسه، وهو العودة الى جذور القضية المطروحة، والتي ترجع غالباً الى حوالى
أربعين
عاماً من الزمن، أي بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، والذي يتفق صانعو
تلك
الأفلام بأنه بداية انهيار مجموعة من المُثُل الأخلاقية وبداية
تصدع الحلم
الأميركي. هذه العودة التاريخية وتعقيد المواضيع المطروقة، يتطلبان الكثير
من
الوقت، وهو الأمر الذي أدى الى طول تلك الأفلام الزمني (معدل طول الأفلام
يقترب من
الساعتين). كذلك تتشابه تلك الأفلام في طريقة استعادتها للمواد
التلفزيونية
الارشيفية المستخدَمة، وحتى في استعمالها للرسوم المتحركة الكوميدية، والتي
تَحْضُر
في تلك الأفلام للتخفيف من صرامة المواضيع المتناوَلة. ويحضر مخرجو تلك
الأفلام
بقوة في أعمالهم. هم أبطال الأعمال ومحركو الأحداث أحياناً،
فقوة العديد من أفلام
مايكل مور وعاطفيتها تدين للمخرج البدين بقبعة البايسبول التي يعتمرها،
والتي منحته
الشهرة الكبيرة التي حصل عليها، وهالة خاصة، مستفزة او ملهمة، جعلت أفلامه
أحداثاً
مهمة على صعيد السينما او الحراك السياسي- الاجتماعي الداخلي
الأميركي. مخرج أمريكي
آخر هو مورغان سبورلوك، ذهب أبعد كثيراً، بأن تحول هو نفسه الى جزء من
القصة
المقدمة، فقام في فيلمه «سوبرسايز مي» بأكل الاطعمة الجاهزة فقط لفترة
ثلاثين يوماً
لتبيان أثر الادمان عليها على الصحة العامة. وفي فيلمه اللاحق
«في أي مكان في
العالم أسامة بن لادن؟»، قام بنفسه بتتبع أثر اسامة بن لادن في عدد من
الدول حول
العالم.
يبدأ مخرج فيلم «في انتظار سوبرمان» الأميركي ديفيس غوغينهام، باعتراف خاص
جريء
ومؤثر، مؤداه أن موضوع المدارس الأميركية الحكومية الذي
يتناوله الفيلم هو بعيد عن
اطفال المخرج نفسه، والذين يدرسون في مدارس خاصة. هنا يبدو الاعتراف خاصاً
بالمخرج
نفسه وعلاقته الذاتية بالقضية التي ينوي قضاء اكثر من عام في متابعتها،
لكنه مهد
بشفافية لفيلم طويل عن وضع المدارس الحكومية المتردي، وعلاقة
الفاشلين من أبناء تلك
المدارس بالوضع الاجتماعي العام للأحياء التي يسكنون فيها. وكما وصف احد
الخبراء
الذين تحدثوا في الفيلم، بأن الأحياء الأميركية التي تضربها الجريمة والفقر
ليست هي
التي تنتنج المدارس السيئة، بل ربما ابناء المدارس السيئة هم
الذين يصنعون الأحياء
الصعبة.
يضم الفيلم الكثير من الاحصائيات والمواد الارشيفية عن حال التعليم
الأميركي
الحكومي المتعثر منذ بداية السبعينات من القرن الماضي والى
الزمن الحالي. بعض
الاحصائيات صادم، خاصة تلك التي تخص مستويات القراءة والرياضيات المتدنية
للطلاب في
معظم الولايات الأميركية او ارقام الذين يتركون الدراسة قبل الالتحاق
بالجامعة، وما
يعنيه هذا للاقتصاد الأميركي الذي هو بحاجة ماسة لخريجي
الجامعات. من الذين تحدثوا
في هذا الجزء من الفيلم صاحب شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس، الذي تخرج هو
نفسه من
مدرسة حكومية، وبدأ قبل عامين مبادرة ضخمة لدعم التعليم الحكومي من أميركا.
وذلك
رداً على احتياج قطاعات واسعة من الشركات الأميركية المتقدمة
الى موظفين، صاروا
يأتون من خارج أميركا لملء هذا الفراغ الذي يتسع مع كل عام، يقابله تراجع
في أعداد
خريجي الجامعات الأميركية من أبناء البلد.
نماذج
يتبع الفيلم 4 طلاب أميركيين يحاولون ان يجدوا طريقهم في النظام التعليمي
الأميركي. ينتمي الاطفال، ما عدا واحدة غنية من أصل بريطاني،
الى الطبقة الأميركية
الفقيرة. أحد الطلاب، وهو صبي في السابعة من العمر، فَقَدَ والديه بسبب
الإدمان على
المخدرات، ويعيش مع جدته. البقية يعيشون الحاجة ونتائج الوضع الاقتصادي
الحالي
الصعب وبطالة أحد الوالدين. يحاول الطلاب الأربعة الحصول على
مقاعد في مدارس حكومية
مختلفة بنظام خاص، بدأت قبل اعوام وتحقِّق الكثير النجاح في الولايات
المتحدة
الأميركية. لكن هذه المدراس تطبق نظام «اللوتو» لاختيار المجموعة الصغيرة
القادرة
على استقبالها، بسبب الإقبال الكبير عليها. الفيلم يرافق أبطاله من الطلاب
الى
لقاءات الاختيار، ويبقى معهم الى ما بعد اختيار النتائج.
ويرينا الفيلم كيف أن الإعلام، بشكل عام، تحفَّظ كثيراً في الحديث عن أداء
المعلمين في المدارس في كل العالم تقريباً، حتى أن حضور
الموضوع يرتبط كثيراً
بالأجور القليلة التي يحصل عليها المعلمون مقارنة بوظائف أخرى أقل تطلباً.
يعتبر
فيلم «في انتظار سوبرمان» أن بعضهم يشكل عقبة كبيرة في النظام التعليمي،
فالقانون
الأميركي يتضمن قوانين تجعل فصل المعلم من عمله مهمة شبة مستحيلة، وهو
الامر الذي
يستغله بعض المعلمين والمعلمات في مدارس الحكومة، فيهملون
واجباتهم، او لا يقومون
بها على النحو الامثل. في المقابل، يقدم الفيلم أيضاً نماذج لمعلمين
ملهَمين،
يُعتبَرون اسبابَ النجاح الاولى في التجربة الجديدة للمدراس الحكومية
بالإدارة
الذاتية، والتي بدأت قبل بضع سنوات.
الذين شاهدوا فيلم «الحقيقة غير المريحة»، احد أفلام المخرج ديفيس غوغينهام
السابقة، يتذكرون بالتأكيد الصدمة التي أثارها الفيلم، الذي
ركز على أثر الإنسان
المدمر على المناخ ومستقبل الارض التي نتشارك بها. الفيلم تضمن الكثير من
المشاهد
العاطفية، التي اثرت بالمقدار نفسه على جمهور يتوزع حول العالم، والذي
للحظات قليلة
تشارك الخوف والحب معاً على الارض العليلة. غير أن هذا الشعور الكوني لن
يتكرر مع
فيلم «في انتظار سوبرمان»، ليس فقط بسبب محلية القصة، ولكن
بسبب بنية الفيلم نفسه،
وخللٍ في التوزان بين القصص الانسانية للاطفال الذي رافقهم الفيلم وبين
البحث
التاريخي عن مشكلة التعليم المعقدة، والتي استحوذت الكثير من وقت الفيلم.
الحياة اللندنية في
25/03/2011
استحواذ محفوف بالأخطار
دمشق – فجر يعقوب
«ارتباك»
للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان عمل قصير يحتفي بالسينما على طريقته.
وإن لم يجد سليمان في هذا الاحتفاء ما يشفي
غليل المشاهد الذي يقبع في صالة السينما
بانتظار إكمال مشاهدة فيلم طويل سابق لسليمان هو «يد إلهية»،
على أمل اللقاء
بالمخرج بعد الانتهاء من العرض مباشرة. لكن ما يحدث يدفع إلى متابعة الأداء
الصارم
المحفوف بالمخاطر لسليمان، الذي لا يغيب عن الشاشة وهو يراقب الداخلين إلى
الصالة
حتى حين يبدأ العرض، عبر مشاهد منتقاة بعناية وذكاء من فيلمه الطويل،
مستغلين
الفوضى المستحدثة فيها، فيما يتواجد هو فيزيائياً في غرفة
العارض، يراقب بوجه «باستر
كيتون» المشاهدين من فوق، حتى تتخرب آلة العرض وتبدأ بعرض صور لوجهه بمختلف
الحجوم والأشكال هنا. حتى حين يطلق بطل فيلمه الطويل النار، تصيبه الرصاصة
في غرفة
العرض.
يبدأ «ارتباك» أساساً بخروج أربعة رهبان وراهبة روس من الصالة وهم
مستفَزّون
تماماً. المُشاهد قد يسيء الفهم هنا، إذ لا يبدو واضحاً سبب
وجودهم في صالة سينما
في مدينة الناصرة الفلسطينية. ولكن الفوضى العارمة في الصالة، وسأم الجمهور
حين
يتلاعب به سليمان لحساب السينما الخالصة التي ينشدها، يدفعان ربما للقول إن
كسراً
ما يعاني منه طقس المشاهدة. لا يتوقف المخرج هنا، بل سرعان ما
نجده في الحمام
العمومي للصالة وقد استنفد أدواته تماماً، حيث لا يبدو أن هناك شيئاً
صالحاً للعمل
فيه، فلا آلة الصابون تنجده لغسيل يديه، ولا آلة تنشيف اليدين جاهزة، ولا
سيما حين
يدخل شخصان آخران يقصدان قضاء حاجتهما، ما يدفع إلى تبادل
النظرات المستفهمة
والمستغربة التي قد لا توضح للمشاهد سبب انتقال الحدث من الصالة إلى الحمام
العمومي، لكن سليمان لا يرغب بالإجابة، بل يواصل « شيطنته» في التدقيق
بمحتوياته،
حتى حين يقع هاتفه النقال في الحوض، يتناوله ليتلقى مكالمة
تفيده بأن الفيلم عرض قد
انتهى ويدعوه للحضور. يستسلم سليمان للنداء ويعود إلى الصالة. الجمهور ما
يزال على
حاله، مستسلماً ومذعناً للطقس كعادته، وبالكاد يميز بين رغباته وبين
السينما
الخالصة التي يبحث عنها سليمان في علاقته مع هذا الجمهور
الكسول.
علاقة
لا أحد يمكنه الجزم بالطبع بخصوص هذه العلاقة الملتبسة بين الطرفين، لكن
سليمان
من جهته يحاول أن يقول أشياء من هذه الكوة التي يتواجد من
خلالها، فما بين الشاشة
العريضة ونافذة آلة العرض يتواجد هذا الجمهور، حيث يتواجد المخرج أيضاً،
وفي هذه
المساحة المعتمة ثمة أفكار وأمنيات وأحداث تتتابع لا يمكن فصلها عن رؤية
صاحب
الارتباك العاطفي الوحيد في الصالة، الذي يمثله هنا سليمان عبر
الاستحواذ على هذا
الجمهور في لعبة ذكية لا يجيدها سوى مخرج مثله.
في العودة الأكيدة للصالة، يصعد المخرج إلى الخشبة بغية مشاركة الجمهور
الحديث
عن الفيلم ويجلس إلى جانب من يفترض بأنه سيدير النقاش، لكن
رسالة مكتوبة على ورقة
صغيرة يسلمها أحدهم للمحاور تغير من هذا الاستسلام العاطفي غير المرغوب فيه
لكلا
الطرفين: الجمهور وسليمان. المحاور يقرأ الرسالة على الجمهور، كأنه يدق
مسماراً
أخيراً في نعش العلاقة الملتبسة.
هناك سيارة بيجو 504 فضية اللون تغلق الطريق على سيارات أناس آخرين. القطع
هنا
لا يستبد بالمشهد، على غير عادة هذا «المتشيطن» المحترف.
السيارة الفضية المقصودة
تعود له، وهو هنا يسد الطريق على سيارة الرهبان الروس الذين نفهم هنا سبب
نقمتهم في
الثواني الأولى من الفيلم، حين يتكلم أحدهم باللغة الروسية عبر هاتفه
النقال قائلاً
إنهم قد خرجوا للتو من صالة سينمائية في مدينة الناصرة، لأن فيلم المخرج
الفلسطيني
الذي يعرض في الصالة ممل وموحش. يطل سليمان برأسه من السيارة
وهو يعود إلى الوراء.
ربما يقصد عمل انفراج ما في سوء الفهم الحاصل بينه وبين الجمهور، الذي ما
يزال في
الصالة المضاءة ينتظر عودة ثانية غير أكيدة له هذه المرة وقد انطلق بسيارته
«المريبة»
للجميع، نقاداً وجمهوراً ومشاركين في هذا الاستحواذ.
الحياة اللندنية في
25/03/2011
تكريم لعمر أميرالاي وأفلام وثائقية عن
العالم
بيروت - «الحياة»
لا شك في ان المخرج السوري الراحل قبل أسابيع قليلة عمر أميرالاي، كان
واحداً من
أبرز صانعي السينما الوثائقية في العالم العربي، ومنذ ما لا
يقل عن ثلث قرن. ومن
هنا ليس غريباً أن يهتم به، في العاصمة اللبنانية، بيروت، مهرجان سينمائي
متخصص في
هذه السينما الوثائقية نفسها. هذا المهرجان هو «شاشات الواقع» الذي بدأ
عروضه
الاثنين الفائت ويختتمها بعد غد بلقاء - تحية لعمر أميرالاي
نفسه، يعرض خلاله
فيلمان من أبرز أعماله «طوفان في بلاد البعث» (2003) الذي أثار سجالات
كبيرة معظمها
سياسي بالطبع كما حال معظم أفلام هذا المخرج، ومنذ بداياته مع أعمال مثل
«الحياة
اليومية في قرية سورية» و «الدجاج». إضافة الى «هناك أشياء
لتروى» (1997). وسيكون
اللقاء، كما أشار برنامج المهرجان في حضور عدد من السينمائيين، و «أصدقاء
المخرج»
من لبنانيين وسوريين.
أما بالنسبة الى عروض المهرجان نفسه، والتي لا يزال أمام الهواة ثلاثة أيام
لمتابعة ما تبقى منها، فإنها تشمل بعض أبرز الأعمال في هذا
المجال، التي ظهرت خلال
عام 2010، في العالم وفي السينما الوثائقية العربية، بما في ذلك فيلم «حنين
الى
النور» للشيلي باتريسيو غوزمان، الذي سبق له أن لفت الأنظار قبل فترة بعمل
رائع
حققه عن الرئيس الشيلي اللندي. والى هذا الفيلم المميز، عرض
المهرجان واحداً من
أبرز الأفلام التسجيلية التي عرضت في «كان» الفائت، أسوة بفيلم غوزمان، وهو «كليفلاند ضد وال ستريت» للبلجيكي جان
ستيفان برون، وهو فيلم حول سكان مدينة
كليفلاند الأميركية يقيمون دعاوى قضائية ضد المصارف، إذ
يعتبرونها مسؤولة عن
افلاسهم إبان الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
من الناحية العربية، شارك في المهرجان فيلم «ظلال؟ الذي حققته ماريان خوري
مع
الراحل مصطفى الحسناوي وكان عرض في مهرجان البندقية ضمن
مهرجانات أخرى، وتعرض كوثر
بن هاتيا فيلم «الأئمة يذهبون الى المدارس»، فيما تعرض الفرنسية كولين سيرو
عملها
الجديد «حلول محلية لفوضى أممية» (الفيلمان غداً السبت في صالة «هوفيل»
التي تديرها
جمعية متروبوليس منظمة اللقاء مع البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان)...
والى هذا
كله يتضمن البرنامج «كارت بلانش لمهرجان التوثيق في مرسيليا» و
«كارت بلانش أخرى
لسينما الواقع».
الحياة اللندنية في
25/03/2011 |