هناك تظاهرات ومناسبات لا يصح أن يدهش المرء أمامها، بل يدهش لأن إقامتها
تأخرت
طويلاً. ومن هذه التظاهرات ما يخيل للمرء أول الأمر انها أقيمت
منذ زمن بعيد، لأنها
تبدو بالنسبة اليه كالبديهة. وفي هذا السياق تأتي اليوم في بيروت تظاهرة
عروض
الأفلام التركية التي هي، على حد علمنا، أول اهتمام ثقافي جدي بسينما الأمة
الجارة،
علماً أن ثمة أفلاماً تركية كانت تعرض في الصالات البيروتية في الأزمان
الخالية.
ولكن، وكما سنرى، تختلف هذه التظاهرة التي تقام هذه الأيام بالتحديد في
صالة
متروبوليس بهمة الجمعية السينمائية التي تحمل الاسم نفسه، تختلف في عروضها
كثيراً
عن تلك العروض السابقة. إذ، هنا، نحن أمام جملة من أفلام
مميزة، معظمها ينتمي الى
ما اصطلح على تسميته «سينما المؤلف»، من النوع الذي حقق خلال الأعوام
الفائتة، على
الأقل، نجاحات مدهشة في المهرجانات السينما العالمية وباتت أسماء أصحابها
تشكل
جزءاً أساسياً من خريطة السينما الجديدة في العالم، بدءاً من
نوري بلجي جيلان الذي
تعرض له التظاهرة اثنين من أجمل أفلامه («ثلاثة قرود» و «من بعيد»)، وصولاً
الى
سميح كابلان أوغلو، الذي يعرض له فيلمه الأجمل «عسل» في الافتتاح كما في
الختام
(مساء
غد السبت)، مروراً بأسماء بدأت تلمع أخيراً، مثل باريش بيرحسان («آدم
والشيطان») ومراد شكر («عشق في الخريف») ومحمد فاضل («اوزاك احتمال»)
وأوزير
كينرلتان («تقوى»). ولئن كان انتاج هذه الأفلام يعود الى ما
بين ثلاثة أعوام وعامين
مضيا، فإنه انما يكشف عن تلك السينما التركية الجديدة، التي أعطيت جوائز لا
تحصى
حتى الآن (في «كان» - ولا سيما لجيلان - و «برلين» لسميح كابلان أوغلو،
تحديداً عن
«عسل»
الذي هو جزء من ثلاثية باتت تعرف باسم «ثلاثية يوسف»). وهنا إذا كان من
المفيد أن نذكر ان الإبداع السينمائي التركي المميز لم يكن، على أية حال،
غائباً عن
جمهور النخبة السينمائي اللبناني، وتحديداً بفضل جمعية متروبوليس، التي سبق
ان عرضت
أفلاماً لفاتح أكين، وفاضل اوزباك، فإن ما يجب التنبه اليه هو
أن أفلام هذين انما
كانت أفلاماً حققت في المانيا أو ايطاليا أو انطلاقاً منهما. أما الأفلام
المعروضة
في هذه الأيام في بيروت فأفلام «تركية خالصة» لمخرجين مقيمين في تركيا حتى
وإن كان
بعضها يحقق بفضل أموال أوروبية.
الأرقام... الأرقام
والحقيقة ان هذا الواقع الأخير سيبدو لنا، هنا، مدهشاً إن نحن استعنا
بالأرقام
لنؤكد ان واحدة من الظواهر الأكثر اثارة للدهشة، هي ان للسينما
التركية حصة الأسد،
منذ سنوات، في لائحة الأفلام الأكثر اجتذاباً للجمهور في الوطن الأم، بدءاً
من عام 2007
على الأقل حيث كانت الأفلام العشرة الأولى تركية، وصولاً الى عام 2009، حيث
كانت تركية أيضاً، الأفلام الأربعة الأولى. ومع هذا لا ينبغي
لهذا الأمر أن يخدعنا،
حيث يقول لنا الواقع المرير، ان ليس ثمة من بين تلك الأفلام الرائجة أي
فيلم فني أو
جدي... فمثلاًَ، على رغم كل السمعة العالمية التي يتمتع بها نوري بلجي
جيلان، وكانت
من نصيب فيلمه الأجمل - والأكثر «شعبية» - «ثلاثة قرود»، فإنه
كان عليه أن يكتفي بـ 140
ألف متفرج، مقابل - مثلاً - ما لا يقل عن خمسة ملايين متفرج لفيلم ديماغوجي
بائس، مثل «وادي الذئاب» في جزءيه، الأول المتعلق بالعراق والثاني المتعلق
بفلسطين.
وهنا تكمن الحقيقة، حقيقة أن المداخيل الكبيرة التي تحقق نهضة الإنتاج
السينمائي في
تركيا، تذهب الى الأفلام التجارية الضخمة، سواء أكانت ديماغوجية وشعبية أو
ميلودرامية بائسة أم أفلام حركة أم شرائط بوليسية على نمط
هوليوودي بائس، أو
أعمالاً تحاكي السينما التركية والسينما المصرية أحياناًَ.
وهذا الواقع لا يتعين عليه أن يفاجئنا، أو أن نعتبره جديداً في تاريخ
السينما
التركية. إذ، حتى وإن كان «العالم الخارجي» لم يكتشف هذه
السينما إلا متأخراً -
بصرف النظر عن أسماء راسخة حققت مجداً لهذه السينما رغم أنفها، وسنذكرها
بعد قليل -،
فإن السينما التركية وجدت منذ أيام السينما الصامتة، كما الحال في معظم
بلدان
العالم، وقد وصل وقت، بالتدريج، راحت فيه تركيا تنتج ما يقرب من 300 فيلم
في العام،
وصار لسينماها نجوم كبار، أغلبهم من المغنين، الممثلين من أمثال محترم نور
وتوركان
شوراي ثم غونايات آتكن وفاطمة أوكتان وزكي موران (النسخة التركية من فريد
الأطرش
شكلاً وغناء)... ومن نافل القول هنا ان هذا العدد الضخم من
الأفلام وهذه النوعية
الضخمة من النجوم جعلت السينما التركية صناعة حقيقية، الى درجة ان سنوات
الستينات
شهدت شارعاً كاملاً في اسطنبول، غير بعيد من جادة بيوغلو، مملوءاً بشركات
الإنتاج.
وقد كانت هي الفترة التي شهدت توسع الإنتاجات المشتركة، للأفلام الجماهيرية
التجارية، بين تركيا ومصر وسورية ولبنان.
بعد ذلك وبفعل الكثير من العوامل، راح الإنتاج التركي يتضاءل - حجماً - الى
درجة
ان سنوات التسعينات من القرن الفائت شهدت أعواماً لم ينتج في
الواحد منها أكثر من 15
أو 17 فيلماً. غير ان هذا المنحنى سرعان ما تبدل مع اطلالة العقد الجديد،
حيث
عاد الإنتاج ليرتفع الى نحو 30 - 35 فيلماً في السنة. وهذا أمر نظر اليه
السينمائيون بسرور وأمل، حتى وإن لاحظوا في الوقت نفسه حلول
المسلسلات التلفزيونية
محل الأفلام العائلية والميلودرامية العاطفية، في الحياة اليومية للمتفرجين.
تاريخ ما
نعرف، بالطبع هنا، ان ما نتحدث عنه، يكاد يشبه حرفياً ما يعتمل في التاريخ
السينمائي لكثير من البلدان. بيد ان ما يميز الحالة السينمائية
التركية الآن
-
ويقربها من الحالة الإيرانية أو حتى الحالة المصرية - انما هو ذلك التفاوت
الكبير
في المستوى بين السينما الرائجة وسينما المؤلفين التي تحاول أن تقدم مواضيع
جدية،
وغالباً في لغات سينمائية مبتكرة. فإذا كان ثمة اليوم مجد
سينمائي تركي حقيقي فهو
بالتحديد مرتبط بنوعية الأفلام التي تعرض اليوم في التظاهرة البيروتية، غير
أن ما
يتعين لفت النظر اليه هنا، هو ان هذا النوع من الأفلام يحققه نوع متميز من
المخرجين
كان موجوداً على الدوام - ولو هامشياً في الداخل التركي - في خريطة هذه
السينما.
وإذا كان في وسعنا هنا ان نذكر يلماز غوناي (1937 - 1984)، بوصفه الأشهر
والأكبر
مجداً بين السينمائيين الأتراك، بفضل أفلام مثل «الأمل» و «الطريق» و
«القطيع» و
«العدو»،
حقق بعضها انطلاقاً من سجنه بالتعاون مع مساعديه وتلامذته من أمثال زكي
أوكتين وشريف غورين بين سبعينات القرن العشرين وثمانيناته («الطريق» فاز
بالسعفة
الذهبية في «كان»)، فإن في امكاننا أيضاً أن نطل على أسماء
مجيدة وهامة في تاريخ
هذه السينما التي تعرف دائماً كيف تولد من رمادها. فهناك، مثلاً لطفي عمر
عقاد،
المولود عام 1916، والذي يعتبر الأب المؤسس للسينما التركية الفنية
والجدية، وربما
الأكثر شعبية من بين منتجيها، هو الذي دنا في أفلام مثل «حكاية
الخروف الأسود» (1967) -
عن قصة لناظم حكمت - و «الكنّة» (1973) و «العرس» (1974) و «الدين» (1975)
من مواضيع اجتماعية، ما يجعله النظير التركي لصلاح أبو سيف وعاطف سالم في
مصر.
والى جانب عقاد وغوناي، هناك طبعاً متين أركشان (مولود عام 1928) الذي ينظر
اليه، عادة، بصفته «يوسف شاهين» تركيا، لكونه أول من جرّب في
السينما التركيبة في
الأشكال والمضامين بأفلام مثل «انتقام الأفاعي» (1962) و «الآبار»
(1968)... ومن
المعروف عن اركشان انه يعرف، بين الحين والآخر، كيف يقدم تنازلات، على صعيد
الأشكال
الفنية على الأقل، ما مكنه من أن يكون كثيف الإنتاج، ناجحه (35
فيلماً في 25
عاماً)، وعلى العكس منه عمر كافور (1944 - 2005) الذي يعتبر ثالث أشهر مخرج
تركي في
أوروبا، بعد غوناي وجيلان. فكافور لم يحقق سوى عدد قليل من الأفلام، انما
من دون
تنازلات وفي حرص دائم على الدنو من المسألة الاجتماعية (كما في «صبيان
اسطنبول»
- 1979 -
و «فندق الوطن» - 1986 - وبخاصة «الوجه السرّي» - 1991) ما أهل سينماه
لأن
تعرف عالمياً على نطاق واسع في أوروبا، من خلال «كان» و «البندقية».
والأكيد، في ختام هذه الصورة، ان هؤلاء المبدعين اللامعين لا يشكلون سوى
جزء
يسير من الخريطة السينمائية في تركيا، حتى وإن كانوا أصحاب
السمعة الأفضل، فهذه
السينما بغثّها وسمينها، فيها كل شيء. وهي لئن كانت قد استعادت تألقها خلال
الأعوام
الأخيرة، فإنما كان هذا، أولاً بفضل تضاؤل حدة الرقابة في الداخل، وانفتاح
بعض هذه
السينما على الخارج (ولا سيما على أموال الخارج ومهرجاناته).
وبعد هذا كله، لا شك
في ان التظاهرة المميزة التي تقوم الآن في بيروت للتمييز بين أفلام هذه
السينما،
تأتي لتقول للمتفرج اللبناني، والعربي بالتالي: لقد حان الوقت أخيراً
للتعرف على
سينما سبقنا كثر من متفرجي العالم الى الدنو منها، والتعرف من
خلالها على عالم
قريب... بعيد، عالم جدير بأن نعرفه، من خلال الصورة السينمائية الصادقة،
وليس فقط
من خلال الصورة التلفزيونية التي قد لا تكون دقيقة تماماً، حتى وإن كانت
جذابة.
الحياة اللندنية في
18/03/2011
قفزة زمنية فلسطينية في 20 سنة من القهر
والدماء
بشار ابراهيم
عندما حمل المخرج الألماني روبرت كريغ صورة فوتوغرافية قديمة، كان قد
صوَّرها
عام 1989، وعاد بها إلى بيت لحم، عام 2010، باحثاً عن الأطفال
الستة، الذين صوَّرهم
خلال أحداث الانتفاضة الفلسطينية، لم يكن يجترح جديداً تماماً في عالم
الفيلم
الوثائقي، إذ أن هذه التيمة معروفة ومتداولة، وسبق أن شاهدناها في العديد
من
الأفلام الوثائقية، ولكنه بالتأكيد كان على بوابة تحقيق فيلم
وثائقي متميز، يتكامل
مع منجزه الرائع؛ فيلمه «الانتفاضة طريق الحرية»، الذي كان قد حققه قبل
عشرين
عاماً، ولا يبتعد عن هموم فيلمه «جئت إلى فلسطين»، الذي عرضه في مهرجان أبو
ظبي
السينمائي الدولي، قبل عامين.
يحمل روبرت كريغ صورة فوتوغرافية؛ بالأبيض والأسود، ويعود إلى فلسطين. يعلن
وفاءه لمسيرة فكرية وفنية كان قد بدأها قبل عشرين عاماً، ويؤكد
إخلاصه لأولئك البشر
الذين تعامل معهم، خلال واحدة من أهم المراحل الحياتية التي شهدوها،
وأكثرها
تأثيراً على حياتهم الشخصية، كما على مصيرهم الجمعي، كبلد ووطن وقضية.
فوق الغياب
يبدأ فيلم «أطفال الحجارة... أطفال الجدار»، للمخرج الألماني روبرت كريغ،
وهو
فيلم (وثائقي طويل مدته 87 دقيقة من إنتاج 2010)، من لحظة
عثوره على الأطفال، الذين
سبق له أن صوَّرهم، قبل عشرين سنة، وباتوا اليوم، من دون شك، رجالاً على
حافة
الكهولة المبكرة، لقد مرَّ عشرون سنة!.. سيقفز الفيلم فوق
مسيرة البحث عنهم، ريثما
يلتقي بأحدهم، وهو الذي سيكون المفتاح للوصول إليهم جميعاً. يختصر الفيلم
المسافة،
ويجعلها خارج الفيلم على رغم أنها ستبقى حاضرة بقوة طيلة الفيلم. الصورة،
والغياب
لعشرين سنة، ومن ثم العودة للقاء والاجتماع، مرة ثانية،
واكتشاف كيف أصبح هؤلاء
الأطفال، وإلام انتهوا، وأين ذهبت بهم دروب الحياة التي كانوا، إبّان
الانتفاضة،
يؤسسون لها، ويحددون أولى معالمها، ومعرفة لماذا آلوا إلى ما هم فيه الآن،
وما
مقدار التوافق بين ما كانوا يطمحون وما صاروا إليه! ما الذي
تحقق من أحلامهم، وما
الذي توافر من خيباتهم!
لا يمكن التوهّم لحظة واحدة أن المخرج روبرت كريغ، وهو المُتخصِّص بعلم
الاجتماع، والصحافة، وعلم الأجناس البشرية، سيعتقد أن كل شيء
سيبقى في مكانه، وعلى
ما كان عليه. من المؤكد طبعاً أن التاريخ لا يتوقف، ولا ينتظر أحداً. وأن
كل شيء
إلى تغيّر وتحوّل. لن يكون المكان واقفاً بالانتظار. ولا الزمن متمهلاً،
يقضم
أظافره، ولن يبقى البشر على أحوالهم. الأيام ستفعل فعلها،
وستتغير الأحوال. ولا بد
أن تأتي بما هو ليس من المنتظر، ولا من المتوقع. كل الأشياء ستبدو حبلى
بالمفاجآت.
فماذا لو كان الأمر في بلاد، مثل فلسطين،
تقف على حافة المغامرة، وقلب الانفجار، ما
بين انتفاضة شعبية عارمة، واحتلال إسرائيلي غاشم، لا يتوانى عن
استخدام القبضة
الحديد، وسياسة تكسير العظام، وأحوال ستحطُّ، عمّا قليل، على شواطئ
اتفاقات، تائهة،
بلا مواعيد مقدسة؟
لا ريب في أن هذه الأفكار، أو الأسئلة، رادوت المخرج روبرت كريغ، وهو يعتزم
السير في مشروعه السينمائي، الذي سينتهي إلى فيلم «أطفال
الحجارة... أطفال الجدار».
وعلى هذا سيكون من المفهوم أن الفيلم يقوم على فكرة اكتشاف ما حدث لهؤلاء
الأطفال «أطفال الحجارة»، في غفلة الزمان، وغياب
المخرج وكاميراه عنهم. إنه يعود إليهم
للتواصل مع المشهد الأخير من حياتهم، قبل عشرين سنة، ذاك عندما
جمّدته الصورة
الفوتوغرافية بكل تفاصيلها، يومها، عندما كانوا ملء أنظار وأسماع العالم،
ويوم
أدخلوا عبارة «انتفاضة» إلى متن قواميس لغات العالم كلها.
تنطق الصورة الفوتوغرافية بالكثير، سواء على مستوى تكويناتها، وحركيتها،
ومنطقها، ودلالاتها... حتى تكاد تصلح، هي ذاتها، أن تكون موضوع
فيلم، بذاته،
وحكايته، وليس مجرد منطلق له، وباعثة لغزيرة الفضول، والبحث، والاكتشاف،
فيه، كما
شاء كريغ أن يفعل، وأجاد، وقطف الكثير من الحفاوة في مهرجان أبو ظبي
السينمائي
الدولي، حين عُرض.
في الصورة الفوتوغرافية، كما سنراها، ثمة ستة أطفال فلسطينيين. تشتعل
الحياة في
ملامحهم. الغبطة والسرور عارمة بهم، على رغم سمات الفقر والقهر
البادية عليهم.
يتدافعون بحركة متناغمة، متناسقة، تعبر عنها الأصابع المشهورة، والأقدام
الثابتة،
والانحناءة النشطة نحو الأمام، كأنما ترغب ملامسة عدسة الكاميراً، ربما
للتيقن من
أن الكاميرا ستكون قادرة على رؤيتها. البسمات البادية،
والمنبعثة على إثر صيحات
النصر، أو بسبب بهجة الوقوف أمام كاميرا أجنبية، تعلو على مساحة الصورة،
حتى تكاد
تجعل منها لحظة نشوة، أو انتصار، تضفي عليها العيون البارقة توطيداً
عميقاً، لا شك
فيه.
وفي الفيلم من لقطة بانورامية واسعة لمدينة «بيت لحم»، مع حركة «بان يسار»،
إلى
لقطة «ترافلينغ» في شوارع المدينة، نصل مباشرة إلى المكان الذي
التُقطت فيه الصورة،
بحضور الأطفال أنفسهم، وقد غدوا الآن رجالاً ناضجين. سيعيدون تمثيل اللقطة
التي
ثبتتها الصورة، مع إدراكنا للفارق الكبير، بين تلك اللحظة التي كانت عام
1989، بكل
العفوية والبراءة، واللحظة الراهنة عام 2010، والتي تسعى جاهدة لمحاكاة
الأصل، من
دون أن تتمكن من ذلك!.. صحيح أنه المكان ذاته، والترتيب ذاته، والوقفة
ذاتها،
والحركة ذاتها... ولكن الأشخاص كبروا عشرين سنة، ومرت في أنهر
حياتهم الشخصية مياه
كثيرة، وتقلبت على بلدهم أحوال أكثر تعقيداً. الأطفال الذين كانت «الحجارة»
لعبتهم
الأثيرة، مع جنود الاحتلال، لم يعودوا أطفالاً، ولا بقيت «الحجارة»، مع أن
جنود
الاحتلال، بقوا «جنود احتلال»، وصار بينهم «جدار»، لا يكتفي بسدّ الآفاق،
فقط، بل
إنه قبل ذلك يعتقل الأحلام، تماماً إلى درجة أن أصبح «أطفال
الجدار»، بلا أحلام،
على النقيض الكامل، مما كان عليه «أطفال الحجارة»!
الحياة اللندنية في
18/03/2011
«كاوبوي
بيروت» الحلم الأميركي
بيروت - محمد غندور
ماذا تبقّى من العروبة اليوم، وكيف نُعرِّفها؟ وهل ما زالت الهجرة الى
أميركا
بالنسبة الى البعض حلماً، أم إن هذه الدولة الغربية قتلت أحلام
العرب؟ ماذا غيّرت
حروب لبنان الصغيرة والكبيرة في نفسية مواطنيه؟ أسئلة عدّة تحاول داليا فتح
الله في
فيلمها الوثائقي «كاوبوي بيروت» (90 دقيقة) الإجابة عنها، تارة من وجهة نظر
شخصية،
وطوراً في تتبع الأحداث وأخذ وجهات نظر تنتمي الى جيلين.
تغوص داليا في ذاكرة أبيها الذي عاصر الانفتاح العربي على أميركا مطلع
خمسينات
القرن الماضي، عبر سينما الكاوبوي والملابس الأميركية والسجائر
والأفكار التحررية
والافتتان بنجوم هوليوود، ومن ثم ما عانته المنطقة من حروب وأزمات وتدخلات
غربية في
الشرق الأوسط، إضافة الى خطب جمال عبدالناصر وأغنيات أم كلثوم والزمن
الجميل.
ترصد المخرجة اللبنانية ذاك الشوق الى الحلم الأميركي لدى والدها وأبناء
جيله،
ولكنها في المقابل ترصد أيضاً ما يعانيه الجيل الجديد من هذا
الحلم، عبر ما تعرضه
من وجهات نظر ضد السياسات الأميركية في المنطقة، ودورها في احتضان الأنظمة
العربية
تحت جناحيها، وما فعلته في لبنان أيام الثمانينات، والحرية المزيفة التي
قدمتها
للعراقيين عام 2003.
تجول الكاميرا في أزقة بيروت مستعرضة جمال المدينة وتناقضاتها. يتحدث
المتكلمون
عن الحروب التي استنزفت الطوائف، وكيف انتهت الحرب الأهلية في
كبسة زر، والصراعات
النفسية التي عاناها اللبنانيون، وصعوبة تحقيق الوحدة العربية والشعارات
التي نادى
بها جيل الستينات. حاولت فتح الله أن تظهر من خلال مقابلاتها بعض النوايا
الأميركية
في المنطقة، كعرضها مثلاً معلومات أدلى بها أحد المبرمجين
المعلوماتيين في حزب
الله، حول ألعاب إلكترونية تحاكي غزو العراق واغتيال الرئيس رفيق الحريري،
وسوَّق
لها الأميركيون قبل حصول ذلك.
لم يكتفِ الفيلم بذلك، بل حاولت المخرجة أن تناقش مع الجيل الجديد أحداث
أيلول
(سبتمبر)
وتناقض المشاعر حولها، والغزو الأميركي العراق واغتيال الرئيس رفيق
الحريري، وخروج السوريين من لبنان، وحرب تموز. بيد أن كثافة المواضيع
المطروحة،
ونقاش بعض الأفكار مطولاً، أفقدا الفيلم توازنه، وأخرجاه عن
مساره في بعض المشاهد.
كما أن مدة الفيلم (90 دقيقة) طالت أكثر من اللازم، وكان من الأفضل أن
تُكثف
المخرجة أفكارها ما يمنح الفيلم رشاقة أكبر.
لا تقدم فتح الله حلولاً للمشاكل التي مر بها البلد، انما تحاول القول، وإن
في
شكل مبطن، أن كلاً منا عاش حروبه وأزماته، وأن أميركا ليست
العدو الأول، بل نحن
أعداء أنفسنا.
الحياة اللندنية في
18/03/2011
وجهة نظر - بين غوايات الفن ونزوات
العاطفة
هيثم حسين
تفتح الستارة، تظهر راقصة باليه بثياب بيضاء في عتمة المسرح، ترقص على
الخشبة
رقصة منفردة، يشاركها بعد دقائق راقص ينضمّ إليها. تتغيّر
الأشكال، تؤدّي المؤثّرات
السمعيّة والبصريّة المرافقة أدواراً بارزة في جذب المشاهد إلى خشبة المسرح
التي
تكون مسرحاً لأحداث فيلم «البجعة السوداء» إخراج دارين أرنوفسكي، وبطولة
ناتالي
بورتمان، فينسنت كاسل، وميلا كينيس.
ثمّ تظهر الراقصة نينا (ناتالي بورتمان) في سريرها، تفيق من النوم، تقوم
ببضعة
تمرينات، تخبر والدتها أنّها حلمت حلماً غريباً، حلمت أنّها
تؤدّي رقصة مختلفة عن
تلك التي تتعلّمها، رأت أنّها ترقص كبجعة بيضاء في قصّة روائيّة، ثمّ حين
تذهب إلى
التمرين تفاجأ بالمخرج يخبر الفريق أنّه سيفتتح الموسم بتمثيل بحيرة البجع،
وأنّه
بصدد إنتاج جديد يحتاج إلى ملكة بجع جديدة، حيث يفترَض أنّ
هناك فتاة صغيرة عذراء،
محاصَرة في جسد بجعة، تسعى إلى الحرّيّة، والحبّ الحقيقيّ وحده يستطيع كسر
التعويذة، تتحقّق أمنيتها بواسطة أمير، لكن قبل أن يعترف لها بحبّه، تأتي
أختها
البجعة السوداء وتقوم بإغوائه. تغادر البجعة البيضاء وهي محطّمة، تقوم بقتل
نفسها،
وفي الموت تعثر على الحرّيّة. ينتقي المخرج عدداً من الفتيات،
يقرّر أنّ تكون
الملكة واحدة منهنّ، يبحث عن واحدة تستطيع تجسيد البجعتين معاً. يختار بشكل
مبدئيّ
نينا، الفتاة المتفانية التي يرى أنّها تصلح للدور لكن تنقصها بعض الأمور،
تصرّ
نينا أنّها تسعى إلى أن تكون كاملة، يخبرها المخرج أنّ الكمال
لا يتعلّق بالسيطرة
فقط، بل هناك أمور أخرى مهمّة، منها إمكانيّة قلب الأحداث والمقدرة على
مفاجأة
الجمهور. ثمّ وسط غيرة الراقصات وحسدهنّ ومكائدهنّ لاستجرار المخرج إلى
تغيير رأيه،
يسعى المخرج إلى تحريك البرود الذي يبدو أنّه يتحكّم بمشاعرها
وجسدها، إذ أنّ دور
البجعة السوداء يحتاج إلى المقدرة على الإغواء والتلاعب بالمشاعر عبر
تثويرها
لاستثارة الرغبات، لكنّ نينا تبدو متحفّظة، ترعبها فكرة التحرّر، كاملة من
الناحية
الخارجيّة، لكنّها مأسورة من داخلها، مقيّدة بقيود كثيرة
تمنعها من التحرّر وإطلاق
طاقاتها كلّها.
تلوم نينا نفسها كثيراً على عدم مقدرتها على تجسيد الدور، تجاهد في سبيل
إثبات
ذاتها، تكون منضبطة جدّاً، ملتزمة، منقادة لسلطة والدتها،
تخمّش نفسها بطريقة غير
معقولة، تدأب والدتها على تقليم أظافرها كي لا تؤذي نفسها، تحرقها رغباتها،
لا
تستطيع كسر الطوق الحديديّ المفروض عليها من قبل والدتها، التي تقدَّم على
أنّها
المضحّية في سبيل ابنتها، وتحاول أن ترسم حياتها بما تراه مناسباً لها، لا
بما
يتوجّب عليها أن تمارسه. تقيّدها فتلغي وجودها وحرّيّتها، وما
يصرّ المخرج على
استخراجه من دواخل نينا هو تحريرها من تلك القوى التي تأسرها. يحتاج منها
أن تكون
غاية في البراءة وغاية في الإغراء معاً، يعلم صعوبة الدور، يبحث عن قواها
الخارقة
التي يراها فيها، ينصحها نصائح تخدش حياءها، ترضخ لتلك النصائح
بينها وبين نفسها،
لكنّ صورة أمّها الحديديّة تحاصرها، تحاصرها الوجوه المتعدّدة التي تعكسها
المرايا
أنّى حلّت وارتحلت. تصدَم بصورتها معكوسة أمامها، تؤلمها المواقف التي تظهر
فيها
ضعيفة راضخة مقيّدة. وحين تقرّر البحث عن شخصيّتها بمنأى عن
أمّها وسيطرتها
وحصارها، تقلب القواعد، تخرج مع صديقتها/ منافستها، تنعتق من إسار التربية
والبيت،
تحرّر جسدها من الرغبة القاتلة فيه، فتعثر رويداً رويداً على نفسها
وهويّتها
الحقيقيّة.
بعد سلسلة من الأحداث والمواقف المؤلمة التي تتعرّض لها نينا، يأتي اليوم
الموعود، وهنا يكون مزج مدروس بعناية بين الماضي والحاضر، عبر
الخلط والتشبيك
والتداخل بين صورتي الداخل والخارج، بين الصور الذهنيّة المتخيَّلة وتلك
الصور
المتجسّدة، بين العتمة والنور، بين البياض والسواد، لتكون الأعجوبة
باستخراج البجعة
السوداء من البيضاء، حيث الضدّ يظهر حسنه الضدّ، وحيث الضدّ
يشتمل ويستبطن ضدّه.
تتحدّى نينا نفسها، تقتل الشخصيّة المتردّدة الجبانة الراضخة في نفسها،
تمتزج
الدماء بالدموع، تبرع في تجسيدها لدور البجعة البيضاء، وحين تقترب من تأدية
دور
البجعة السوداء، تقرّر قتل غريمتها، تقترف جريمة قتل بحقّها،
تغرز في بطنها الزجاج،
تتفرّج على الدماء تسيل منها، كما أنّها تخبّئ الجثّة في مكان غير مرئيّ،
ثمّ تغيّر
لباسها، ترتدي الثياب السوداء، وفي عتمة المسرح، حيث يسلّط عليها الضوء
الباهر،
تمارس الإغواء الأبرز الذي كان ينشده المخرج، تبدع في استخراج
ما تمنّاه المخرج
وأراده، تقتل تردّدها، تتحرّر من الداخل فتحرّر جسدها وتطلق طاقاتها
الكامنة. وحين
تعود إلى غرفتها، تتحضّر لإكمال دورها، تكتشف أنّها لم تقترف جريمة قتل
منافستها،
بل قتلت الوحش الذي كان ينهش روحها من داخلها، استخرجت المخبوء
في داخلها، تدمي
نفسها، تختلط عليها الأمور، فتخلّص نفسها بالرقصة الأخيرة، تؤدّيها بكمال
تُحسَد
عليه، تحقٌّق تنبّؤ كاتب العمل، لأنّ الفتاة الصغيرة المحاصَرة في جسد
بجعة، والتي
تسعى إلى الحرّيّة، تتحرّر بالفعل، تقوم بقتل نفسها، وفي الموت
تعثر على الحرّيّة.
تبتسم وهي تُحتضَر، وسط هتاف وتصفيق الجمهور، تنجح في تجسيد الدور، تحقّق
حلمها
وكينونتها، وتعثر على هويّتها
الحقيقيّة. تسعد أنّها شعرت بالدور وتفانت في عيشه.
تكون المفاجأة أنّ الدماء تنزف من بطنها.
يثْرى الفيلم بالكثير من المرامي والمقاصد والإيحاءات. كأنّه به يشرّح
ويدرس
حالة من الحالات التي يدرسها علم النفس الفرويديّ. البجعة
السوداء تمثّل ذاك الرهاب
الداخليّ المتعاظم، تمثّل الجانب الخفيّ المُعتّم عليه في النفس. في حين
أنّ البجعة
البيضاء تمثّل الجانب الذي يجب أن يظهر للعلن.
يعتمد الفيلم على الخلط بين العوالم الفانتازيّة والواقعيّة، يخلط بين
الأحلام
والكوابيس والوقائع، يُجري تداخلاً بين المسرح والباليه والرقص
والغناء ليبني
عوالمه السينمائيّة اللافتة، كما أنّه يعتمد على التعمّق والتدبّر في
الحالات
النفسيّة للشخصيّات التي يقدّمها، كأنّه يعنى بدراسة حالات
نفسيّة متباينة، يقدّمها
بألوانها الحقيقيّة، يقدّم البياض والسواد والمناطق المتداخلة في ما
بينهما. تتبدّى
كلّ شخصيّة انعكاساً لأخرى، وجهاً من وجوهها العديدة. يُبدي البياض وجهاً
مُمرأى من
وجوه السواد، أو أحد مكوّناته الأساسيّة. يدرس التشظّي الموجود في النفس
البشريّة،
يبحث عن الانقسام والتناقض ليعيد ترميم الرأب الحاصل بعد تقويم المعوجّ
ومعالجته.
وسط الأجواء الصاخبة، في ظلّ التقييد والفرض والمنع، يكون الرقص وسيلة فضلى
للتطهير والاستشفاء، تتداوى نينا بالرقص، تتّخذه درباً للوصول
إلى حقيقتها المحجوبة
عنها بأحجبة كثيرة تبعدها عن نفسها، تستكنه بالرقص أغوار روحها، تستكشف
أسرارها
وطاقاتها الكامنة، تتخلّص به من عذاباتها، تثبت عبره كينونتها المفقودة،
وهويّتها
الضبابيّة التائهة. تحدّد انتماءها، وتختار طريقها. تسدل الستارة بعد أن
تختتم
المسرحيّة بالحرّيّة المنشودة. يكون الرقص أداتها الثوريّة
للتغيير. كما يكون
أداؤها اللافت من العوامل الرئيسة في إنجاح العمل.
الحياة اللندنية في
18/03/2011
السينما في المدرسة العربية
مبارك حسني
بات من المسلَّم به، أن السينما تحولت بالفعل إلى فن سابع بعد أن تخلصت من
طبيعتها المبسطة منذ زمان، بحيث صار حضورها طاغياً وفعالاً
ومؤثراً في العقل
والوجدان والسلوك، وصارت الصورة التي تنتجها معادلاً طبيعياً لإنتاجٍ ذي
قيمة
يستلزم الدراسة والبحث والاهتمام في أقل الأحوال، وذلك لكونها خَلقت لغتها
الخاصة
المنشئة بدورها لخطاب يقع تحت طائلة المساءلة والتحليل والدرس،
وذاك عين ما فعلته
الأوساط الأكاديمية منذ نهاية الستينات في العديد من صروح المعرفة في الغرب
والشرق
المتقدمين، أي تلك الأصقاع المالكة للمعرفة والمبادرة. الولايات المتحدة،
اليابان،
البلدان الأوروبية، وعلى الخصوص فرنسا، الشيء الذي جعل السينما تُدَرس في
مختلف
أسلاك التعليم، سواء كمادة تكميلية مساعدة، أو كمادة رئيسية في
شُعب تعليمية مخصصة
لها تحديداً، لأن أحد مغاليق فهم العالم المعاصر تكمن في فهم الصورة
واستثمارها
ونشرها وإنتاجها.
لذا، فالدرس السينمائي يستدعيه الواقع الفعلي، تماماً مثل أي ظاهرة واقعية،
وبالتالي يفرض شكلَ عرضه ومضامينَه الأساسية وأهدافَه
المؤَطَّرة. فكيف يمكن تصور
الدرس السينمائي عربياً؟
يندرج الدرس السينمائي في حقل الجماليات، التي تشمل الفنون التشكيلية
والمسرح
والتصوير والموسيقى، لأن السينما وسيلة فنية تتوسل التعبير عن
الواقع والإنسان
والعالم عبر وسائط صورية وسمعية وكتابية تتجمع في وحدة روائية أو وثائقية
مصورة
تدعى الفيلم، تتجه في المقام الأول إلى الوجدان والعاطفة الإنسانيين.
برنامج
يتناول الدرس السينمائي الأفلام كمنتوجات إبداعية تندرج ضمن تاريخ فني
سينمائي
وضمن مراحل تطورية متدرجة (من الصامت إلى الصائت ومن الأبيض
والأسود إلى
الملون...). كما أنها تنخرط في حلقات من التيارات السينمائية المختلفة
باختلاف
الانتماءات الجغرافية والأيديولوجية والاجتهادات الفنية، وبحسب الغاية من
إنتاجها،
للفرجة أو التحريض والدعاية أو الإبداع الخالص.
وهكذا يخضع برنامج اختيار الأفلام بالضرورة لتاريخ السينما، مثل أي مادة
دراسية
تخضع في مقاربتها إلى تاريخيتها وتطورها، الشيء الذي يمكِّن من
تحديد الخطوط
الأساسية لبرنامج الدرس السينمائي. ونرى أنه من الأفضل مراعاة المرور من
فترتين،
أولها عامة تتوخى تقديم تعريفي لازم ذي جانب تقني ملموس يؤنسن السينما
كمادة تعبير
رمزي بأدواتها وقاموسها الخاصين، واللذين صارا معروفَين
وشائعَي التداول، كما أن
هذه المرحلة ستُخرج الفيلم من النظرة الدونية السائدة كمجرد تسلية ومعادل
لـ «فترة
الكسل» وتزجية الوقت لا غير، مما سيعطي في ما بعد للجانب المعرفي الأعمق،
في الفترة
الثانية، مكانتَه ويجعله مقبولاً ومحبباً.
الفترة الأولى، وتضم المحاور التالية: 1 ـ تعريف الفن السابع. 2 ـ مكونات
ومراحل
إنتاج الفيلم. 3 ـ اللغة السينمائية.
الفترة الثانية، وتضم المحاور التالية: 1 ـ تاريخ السينما. 2 ـ الأنواع
السينمائية. 3 ـ نظام النجوم. 4 ـ التيارات السينمائية الكبرى.
طريقة
لا يمكن تدريس النظرية وحدها، على الأقل بالنسبة للأسلاك الأولى من التعليم
(الإعدادي
في مرحلة أولى). بل ينطلق التدريس من عرض مختار بدقة لفيلم أو أفلام تكون
سنداً للعرض التوجيهي أو النظري في ما بعد. وليكونَ عرضُ الفيلم أمراً
تربوياً يحقق
أهدافه، يتوجب إعداده وبرمجته قبلاً، عبر درس تعريفي ممهد.
وهكذا يقدَّم الدرس عبر
ثلاث مراحل: 1 ـ درس يعرف بالفيلم ويضعه في إطاره ضمن مكونات إحدى الفترتين
أعلاه. 2
ـ عرض الفيلم. 3 ـ مناقشة الفيلم وتحليله
وتوظيفه للحديث عن المحور المقرر.
ويبدو لنا أن أقرب مكون تربوي يمكن الاستئناس به هو درس المؤلفات الأدبية
الشهيرة التي تدرس أصلاً لقرب تشابه بينهما.
نلاحظ مما سبق أن الدرس السينمائي يتطلب مجموعة من الأفلام مقتناة حسب
تمثيليتها
للمحاور المختارة، وهي لا تتجاوز العشرة. وطبعاً تتطلب قاعة
عرض وجهاز عرض. ويمكن
الاكتفاء بالأقراص المدمجة، لسهولة اقتنائها وتوفرها، وبالتالي لهذا الدرس
جانبان
لا ينفصلان: الأول نظري والثاني تطبيقي، فالقاعدة الأساسية هي دراسة
السينما تمر
عبر مشاهدة الفيلم.
الحياة اللندنية في
18/03/2011 |