إلى سنوات طويلة كان اسمها يكتب «أميدو»، وبالتدريج راح يستعيد حرف الحاء
في
أوله، معبَّراً عنه بـ
H
في الفرنسية. الأمر ذاته حدث مع الممثل المغربي المخضرم
آميدو، الذي بدأ حياته وفنه في فرنسا، قبل أن يستعيد بدوره منذ سنوات اسمه
الحقيقي
حميدو، ولا غرابة في الأمر، فسعاد حميدو هي ابنة هذا الفنان
الذي رسَّخ لنفسه اسماً
كبيراً في فرنسا. واليوم تبدو سعاد، على أي حال، أشهر من أبيها أحياناً،
وربما أكثر «سينمائية» منه، ذلك انها منذ سنوات، وبعدما
اختارت، طفلةً، التمثيلَ مهنة لها،
بدأت تمارس الإخراج أيضاً. ومن الواضح أنها بهذا أضافت الى
ازدواجيات حياتها
ازدواجيةً جديدة. غير انها تقول اليوم إن أياً من هذه الازدواجيات لا
يزعجها، بل
يشكل بالنسبة اليها ثروة حقيقية. فأن يكون المرء ممثلاً ومخرجاً في الوقت
ذاته،
شرقياً وغربياً، مسلماً وكاثوليكياً، حظٌّ لا يمكن، في رأي
سعاد حميدو، أن يتاح لكل
إنسان.
اليوم مساء في اختتام «المهرجان الدولي لفيلم الحب» في بلجيكا، قد يسفر هذا
الغنى كله عن تتويج جديد لهذه الفنانة التي تعدّت الأربعين ولا
تزال تُعتبر في اول
صباها، ربما بفضل كونها ابنة لفنان كبير حاضرٍ دوماً. غير أن سعاد لا تتوقف
عند هذا
طويلاً، أو هذا، على الأقل، ما أوحته إلينا حين التقيناها قبل فترة في
مهرجان
أوروبي آخر في إسبانيا، وكانت مناسبة للتعرف عن قرب الى مخرجة
واعدة (من خلال
فيلمها القصير «كاميل وجميلة» الذي عرض في مهرجان «آمال» السينمائي)، والى
ممثلة
تفخر بأنها بدأت التمثيل وهي في السابعة من عمرها في فيلم «رجل وامرأة»
لكلود ليلوش
(1966)، لتمثل بعده تحت إدارة عدد من المخرجين الفرنسيين
وغير الفرنسيين أدواراً
تتفاوت في طولها وأهميتها (ليلوش نفسه مرة أخرى، كذلك جورج
لوتنر وروبرت كريمر
وجيرار اوري، وصولاً الى ستيفن سبيلبرغ الذي أدارها في أحد أدوار فيلم
«ميونيخ»)...
·
تتنافسين على جائزة أفضل ممثلة
في «المهرجان الدولي لفيلم الحب» الذي يختتم
اليوم في بلجيكا، من خلال الفيلم المغربي «ذاكرة الطين» للمخرج
عبدالمجيد ارشيش
الذي تجسدين فيه للمرة الأول دوراً بالعربية. ماذا عن هذه التجربة؟
-
بالفعل هي المرة الأولى التي أتحدث فيها العربية في فيلم مغربي، علماً انني
شاركت من قبل بأربعة أفلام مغربية روائية طويلة وفيلم تلفزيوني. ولا أنكر
أنني
تدربت كثيراً على الشخصية. وحفظت الحوار بطريقة صوتية.
·
هل يمكن القول أنك تصالحت مع
الماضي بعد هذا الدور؟
-
مع تقدمي في السن بتّ أشعر بسلام داخلي كبير، قد يكون أحد أسبابه انتمائي
الى
هذا الخليط من الثقافات الذي أعيشه. فما كان يسبب ألماً كبيراً لي في
الماضي، أضحى
اليوم مصدر ثروة. ولا يمكن ان أُخفي اليوم أنني اشعر براحة
كبيرة في العالم
الإسلامي، وكذا الأمر في العالم المسيحي.
·
بعد مسيرة فنية طويلة في عالم
التمثيل، اتجهت أخيراً الى عالم الإخراج
السينمائي. لماذا؟
-
قصتي والإخراج بدأت على خشبة المسرح. في البداية جذبني مسرح الطفل، وخصوصاً
مسرح الأطفال المهاجرين. بعدها أنشأت فرقتي المسرحية الخاصة، ورحت أكتب
سيناريوات،
لأنني اردت ان أروي قصصاً. «كاميل وجميلة»، فيلمي الروائي
القصير الاول، مرّ بمراحل
كثيرة. في البداية كان عبارة عن رواية، ثم وبعد نصيحة من احد الناشرين
حوّلت
الرواية الى فيلم. كنت أريده ان يكون فيلمي الروائي الطويل الأول، ولكن
لأسباب
إنتاجية ولصعوبة إيجاد التمويل ارتأيت ان أحوّله الى فيلم
قصير. وهكذا كان، بعد ان
اختزلت الأحداث وأخذت لبّ الموضوع للحديث من خلال 17 دقيقة عن فتاة تنشأ في
الغرب،
تعود الى جذورها في الشرق لتتصالح مع ذاتها.
·
لكنّ إنتاج الفيلم القصير لم يكن
سهلاً عليك أيضاً؟
-
بالفعل. في البداية يجب ان تجدي منتجاً. ثم تبدأ عملية إرسال الطلبات الى
شركات التلفزيون والمعنيين، وتبدأ معها مرحلة انتظار الأجوبة، قبل ان تحصلي
على
مبلغ من هنا وآخر من هناك. لذا، استغرقت سنتين من العمل منذ اليوم الأول
الذي وقعت
فيه على منتجة لهذا العمل حتى التصوير. أما المدة الإجمالية للفيلم، اي
الفترة بين
كتابة الرواية حتى النهاية، فيمكن إحصاءها بنحو 10 سنوات.
طريقي نحو الجذور
·
كل هذا الوقت بالنسبة الى فيلم
قصير. فهل تشعرين أمام هذا الواقع بعجز عن
تحقيق فيلمك الروائي الطويل؟
-المشروع
جاهز. وقد بدأت العمل عليه منذ سنتين، لكنني لا يمكن ان أنتظر بقية
حياتي كي أحققه، فأنا ممثلة أيضاً، ولديّ التزامات، وعليّ أن اكسب رزقي،
خصوصاً ان
لا مدخول ثابتاً لي إن قررت التفرغ للإخراج.
·
في «كاميل وجميلة» يبرز سؤال
الهوية بقوة، فهل كان ذلك استناداً الى تجربة
شخصية؟
-
إنه سؤال أحمله معي منذ زمن بعيد، فحين تولدين من أب مغربي وأم فرنسية قد
يلزمك وقت طويل حتى تدركي الغنى الذي يمكن ان يوفّره لك هذا الخليط. في
مراهقتي
كانت تلحّ عليّ أسئلة من نوع: من أنا؟ وأين أنا في هذا العالم؟
هل أنا عربية أم أنا
فرنسية؟ هل أنا كاثوليكية أم أنا مسلمة؟ كان الأمر صعباً جداً عليّ. وفي
فترة من
الفترات لم أكن أريد أن أتكلم العربية أو ان يكون لي أي ارتباط بجذوري. وفي
المقابل، في فترة أخرى، لم أكن أريد ان أقول لعائلتي المغربية
ان لديّ هذا الجانب
الفرنسي في شخصيتي. عشت صراعاً حقيقياً لسنوات الى ان بدأت مرحلة النضوج،
وفهمت ان
هذا الخليط غنى لي لا مصدر ألم.
·
من يشاهد الفيلم يدرك ان
الشخصيتين الرئيسيتين فيه تمثلان الجانب الشرقي
والغربي من شخصية سعاد حميدو؟
-
بالفعل. الفيلم هو طريقي نحو جذوري، بالتالي نحو مصالحة مع الذات. وهذا ما
يحدث بين الشقيقتين: «كاميل» التي تغادر فرنسا في زيارة الى المغرب تغدو
اكثر
تسامحاً مع جذورها، ان لم نقل تجد نفسها في هذه الجذور، و
«جميلة» الفتاة التي تعيش
بالمغرب تتخلص من أفكارها المسبقة نحو الغرب.
·
هذه التناقضات في المضمون انعكست
على شكل الفيلم. حدثينا عن الأمر؟
-
الفيلم يلعب كثيراً على التناقضات. فمن حيث الشكل، مثلاً، يمكن ملاحظة
التضاد
بين اللون الخارجي الأبيض واللون الداخلي الأحمر الحار. وكلما نقترب من موت
الأب
أكثر فأكثر، كلما تصبح الأجواء سعيدة والموسيقى مبهجة.
·
لماذا هذا الخيار؟
-
في اعتقادي ان الموت يمثل استمراراً للحياة. ولا شك في ان لحظة موت والد
«كاميل»
و «جميلة»، كانت لحظة تحرر من الماضي، وكسر للقيود.
·
ما الذي اكتسبته من أبيك الفنان
المغربي المعروف حميدو؟
-
أخذت منه الحزم في العمل والجدية والالتزام. فهو، على رغم تقدمه بالعمر، لا
يزال يهتم بلياقته البدنية ويخصص وقتاً للرياضة. انه شخص متطلب في عمله ولا
يرضى
بالحلول الوسطى، كما لا يقبل بالمنطقة الرمادية، فإما ابيض
وإما اسود. ربما انا
اكثر ليونة منه، لكنني لا شك أخذت منه الكثير.
شرقية - غربية
·
هل كان صعباً عليك إيجاد موطئ
قدم في عالم السينما الفرنسية؟
-
لم تكن التجربة سيئة، ولكن كان من الممكن ان تكون أفضل.
·
هل شكّلت هويتك المغربية عائقاً
أمام مسيرتك؟
-
ربما كانت مزعجة بالنسبة الى بعض المنتجين. كما ان الحظ يلعب دوره كثيراً.
من
الصعب ان تقوّمي نجاحك، فمسيرة الممثل صعبة جداً. كان من حظي ان أبدأ عملي
في هذه
المهنة منذ نحو 40 سنة، وان أكسب رزقي من التمثيل. انا اليوم
أملك شقة وسيارة وأعيش
الى حد ما حياة مرفهة. وأعتقد ان الحصول على هذا كله من خلال التمثيل فقط
بمثابة
معجزة. اليوم المنتجون والمخرجون باتوا يعرفون اسمي. وهذا في اعتقادي حظ
كبير.
·
ولكن، ماذا عن صعوبة ان تكوني
ممثلة نصف مغربية نصف فرنسية، تشق طريقها في
الغرب؟
-
كان الأمر عملياً، فمن حيث الشكل أُشبِهُ الفرنسيات، خصوصاً أهل الجنوب،
مثل
مارسيليا وكورسيكا، كما انني أتكلم الفرنسية بطلاقة، ولا لكنة عربية
تميزني. لذا
كانوا يختارونني لأدوار أوروبية جنوبية. وإذا أردت ان ألعب دور
عربية، يساعدني شكلي
في ذلك ايضاً، كما انني قادرة على الحديث بالفرنسية بلكنة عربية لأُرضي
المخرجين.
من هنا أرى انني محظوظة من هذه الناحية
مقارنة بممثلات أخريات لا يمكنهن ان يخبِّئن
لكنتَهن العربية أو شكلَهن الشرقي. فمثلاً، آخر دور لعبته كان
في مسلسل «منزل
روشفيل» لجاك أوتميزغين. في هذا العمل ألعب دور مدبرة منزل في القرن التاسع
عشر،
وأتكلم الفرنسية والإيطالية. من هنا أرى ان حظي كبير، لأنه يمكن لي ان أقوم
بهذا
بفعل هذا المزيج.
·
أين أنت بين التمثيل والإخراج؟
-
أنا اولاً ممثلة، لكنّ حياتي اليومية تذهب أكثر نحو الإخراج. من هنا أقول
أنا
ممثلة عندما يرن جرس هاتفي لأشارك في دور معين. وهذا يحصل نحو 4 مرات في
السنة. أما
في الوقت الباقي فأنا مخرجة.
·
ولكن اين تجدين نفسك أكثر؟
-
في الإخراج حتماً. أريد ان أخبر قصصاً. ليست بالضرورة انطلاقاً من سيرتي
الذاتية كما حدث في «كاميل وجميلة»، ومع هذا تبقى حياتنا
اليومية مصدر الوحي، إضافة
الى ما يحدث من حولنا في العالم من تقلبات اقتصادية وسياسية وإرهاب وخوف
عام من
المسلمين. أريد ان أتحدث عن هذا كله، ولكن أيضاً عن أمور أخرى قد تمسّ أياً
كان.
الحياة اللندنية في
25/02/2011
سعيد وبسادة وعبدالله ... مبدعون مصريون
في الخارج
القاهرة - سعيد ياسين
صدر أخيراً في القاهرة، لمناسبة الدورة الأخيرة «34» من مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي، كتاب «من مبدعينا في الخارج» (105 صفحات من
القطع الكبير)،
للدكتور وليد سيف، تناول سيرة ثلاثة من رموز الفن المصري ومبدعيه في الخارج.
ومن بين الفصول اللافتة في الكتاب، ذاك الذي عَنْوَنَه المؤلف «رجل لا يعرف
المستحيل»، عن حياة فؤاد سعيد وكفاحه، أشار فيه إلى مولده في
منتصف الثلاثينات من
القرن الماضي في القاهرة وانتقاله للعيش عقب وفاة والده في منزل خاله مدير
ستوديو
الأهرام يوسف عزيز الذي كان يصطحبه معه، ليبدأ ولعه بالسينما لدرجة أنه كان
يعرف كل
صغيرة وكبيرة عنها قبل أن ينهي دراسته الابتدائية. وفي عام
1953 عمل مساعدَ مصورٍ
في فيلم «وادي الملوك»، من بطولة روبرت تايلور وإليانور باركر وإخراج روبرت
بيروش.
وهو أثناء التصوير أبدى حماساً هائلاً أثار
انتباه مدير التصوير العالمي روبرت
سرتس، الذي ساعده في الهجرة إلى أميركا لدراسة فن التصوير
السينمائي. وهاجر بالفعل
قبل أن يبلغ سن الثامنة عشرة، حيث راح يدرس في الصباح في قسم التصوير في
جامعة
كاليفورنيا ويعمل في المساء في محطة بنزين ليغطي تكاليف المعيشة والدراسة،
وفي فترة
الصيف كان يعمل في أستديوهات هوليوود التي لم يجد فيها ما يشبع فضوله
ورغبته في
تعلم ما هو جديد عليه، فبدأ يكتب خطابات شخصية لشركات الإنتاج
في أوروبا واليابان.
بعد ذلك سافر إلى عدد من هذه الدول وعمل في العديد من الأفلام الأميركية
التي كانت
تصوَّر هناك، واكتسب خبرات متنوعة وتعرَّف إلى كاميرات تصوير وأجهزة ومعدات
حديثة
ومتطورة. وتخرَّج سعيد في عام 1957، لكنه فوجئ بأن كل أبواب
الأستديوهات موصدة
أمامه لأنه لم يكن عضواً في اتحاد النقابات المهنية الفنية، بل فوجئ بأن
الاتحادات
أصدرت قراراً بمنعه من العمل في مجال التصوير السينمائي ليس في هوليوود
فحسب بل في
جميع أنحاء أميركا، بدعوى خطورة أفكاره المتقدمة الخاصة بتطوير
الأستديوهات الضخمة،
وأنها لو طبقت سينجم عنها إغلاق العديد منها وتسريح الآلاف من العمال
والفنيين.
عند ذلك، سافر سعيد ثانية إلى أوروبا واليابان للعمل، ثم عاد في أوائل
الستينيات
وقابل المسؤولين ليقدم لهم مقترحات وأفكاراً جديدة لتطوير
العمل من طريق إجراء
تغييرات وتحسينات شاملة لتطوير الأستديوهات ستوفر لهم أموالاً طائلة،
ولكنهم سخروا
جميعاً منه. ومع هذا، سرعان ما حصل على وظيفة مدير تصوير سينمائي في القسم
الرياضي
لشبكة «سي بي إس» الإخبارية والتلفزيونية وفي بعض الأفلام
الوثائقية. وفي عام 1964
حصل على وظيفة مدير تصوير في المسلسل الشهير «آي سباي»، واكتشف أنهم يعملون
كغيرهم
من أستديوهات هوليوود، حيث شاهد أكثر من عشر شاحنات كبيرة تأتي إلى
«اللوكيشن» تحمل
معدات التصوير والصوت وكشافات الإضاءة الكبيرة ومولدات كهرباء
ضخمة وحوامل وكرينات
وعمالاً، وتستغرق عملية تفريغ الشاحنات وتركيبها ساعات عدة بينما كبار
النجوم الذين
يتقاضون أجوراً خيالية ينتظرون. وفي صباح أحد الأيام حضر إلى اللوكيشن ومعه
سيارة
فان قديمة في حجم الميكروباص كان قد صممها ومولها بنفسه، فيها
عدد كبير من الأبواب
والنوافذ وتضم معدات التصوير والإضاءة ومولّداً صغيراً للكهرباء ورافعة
وكرين
بدائي، ولكن كلها ذات أحجام صغيرة. كان هذا الفان نسخة أولية، أو تجريبية
لاختراعه
الجديد. ويشاهد الفان منتج المسلسل «شيلدون لينارد»، الذي
تفحصه جيداً واستمع إلى
فكرة سعيد الأساسية، وهي تصميم وبناء أستوديو متحرك على عجلات. وخلال أشهر
قليلة
انتشر خبر الـ «سيني موبايل» Cinemobile
الجديد، وأصبح حديث النجوم والمنتجين
وأصحاب شركات الإنتاج الصغيرة والمتوسطة.
طلبات وتطوير
وقبل مرور ستة أشهر، كان فؤاد سعيد يمتلك 18 Cinemobile، وانهالت عليه طلبات
التأجير، وأصبح مليونيراً، وأسس شركة باسم «فؤاد سعيد برودكشن»
وبسبب اختراعه قرر
شيلدون أن يصور مسلسله التلفزيوني الناجح خارج أميركا، في أوروبا واليابان
وهونغ
كونغ والمغرب. ولكي يلبي احتياجات السوق ومتطلبات شركات الإنتاج التلفزيوني
والسينمائي الصغيرة والمتوسطة الحجم، قام بتطوير الـ «سيني
موبايل» من سيارات
ميكروباص طولها 16 قدماً إلى شاحنات ضخمة طولها 40 قدماً. في ذلك الوقت،
كانت شركات
الإنتاج الكبيرة تعاني من التكاليف الباهظة للإنتاج، ووافق سعيد على عرض
اندماج بين
شركته الخاصة وشركة تافت، حصل بمقتضاه على أكثر من خمسة ملايين
دولار، وأصبح أكبر
مالك للأسهم في الشركة، وتأسست شركة جديدة باسم «سيني موبايل سيستمز»
برئاسته. وفي
عام 1968 التقاه رئيس اتحاد النقابات الفنية والمهنية في هوليوود ليمنحه
العضوية
العاملة في نقابة مديري التصوير السينمائي. وفي عام 1969 منحته
هوليوود جائزة
الأوسكار من الطبقة الثانية في الامتياز الفني بسبب اختراع الـ «سيني
موبايل»،
وانتقل من نجاح إلى آخر، فقدم أجيالاً وموديلات جديدة، مثل الأوتوبيس الفخم
الذي
يتسع لنقل كبار النجوم ونحو40 من العاملين والفنيين، ومزود بدورة مياه
وحمام ومطبخ
كلها سوبر لوكس، وأقبل على شرائه بعض كبار نجوم السينما
والمطربين والمطربات الذين
لا يحبذون السفر بالطائرات. ثم تطور الأوتوبيس الفخم في ما بعد ليصبح من
طابقين. في
السبعينات، بلغت شهرة سعيد ذروتها، بعد أن دخل مجال إنتاج الأفلام وعمل مع
كبار
مخرجي ونجوم هوليوود، ومنهم أنتوني كوين ووودي آلن وجاك ليمون
وريتشارد هاريس ورود
تايلور وغيرهم، واستخدم الـ «سيني موبايل» في تصوير العديد من الأفلام
الضخمة، مثل «الأب الروحي». ثم أسس في ما بعد شركة
لتوزيع أفلام السينما على شرائط فيديو،
وكوَّن منها ثروة طائلة. وفي التسعينات، نقل نشاطه إلى جنوب
شرق آسيا ليستثمر
أمواله فيها، وتضخمت ثروته وانتقلت من خانة الملايين إلى خانة البلايين، ثم
خرج من
السوق كله قبيل انهياره وانتقل إلى سويسرا، التي يعيش فيها الآن ويعدّ
واحداً من
أغنياء العالم، طِبْقاً لقائمة «فوربس»، وتقدَّر ثروته هو
وعائلته بنحو سبعة بلايين
ونصف البليون دولار.
عالمية وأحرار
وخصص الدكتور سيف الجزء الثاني من الكتاب «إصرار على العالمية» للحديث عن
المخرج
ميلاد بسادة، الذي يعد من أوائل مخرجي التلفزيون المصري، إذ
أخرج العديد من برامج
المنوعات والتمثيليات في الستينات، قبل أن يهاجر في السبعينات إلى كندا
ليصبح من
أنجح مخرجي الدراما والكوميديا في أكبر شبكات التلفزيون الخاصة «سي تي في»،
قبل أن
ينتقل إلى شبكة تلفزيون «جلوبال» كمدير عام للبرامج والإنتاج، حيث قام
بتطوير جميع
برامج فترة الذروة للشبكة وتدريب المخرجين على إخراجها، ومن
بين هذه البرامج « second city television»، كما قام بإخراج فيلمين سينمائيين لاقا نجاحاً جماهيرياً
واسعاً، هما: «يوم هادئ في بلفاست» (1974)، و «البحث عن ديانا» (1992)،
وحصلا على
العديد من الجوائز في مهرجانات كبرى، منها مهرجان مونتريال السينمائي
الدولي
ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما أمضى ما يقرب من 20
عاماً في تدريب مديري
ومخرجي التلفزيون في كندا وأوروبا والشرق الأوسط.
أما الجزء الثالث، فتناول حياة الممثل خالد عبدالله، تحت عنوان «العالمية
ليست
كل شيء». وعبدالله بريطاني من أصل مصري، ولد في إسكتلندا عام
1980، ودرس في جامعة
كامبردج، وأصبح معروفاً عالمياً وعلامةً بارزة في تجسيد الشخصية العربية في
أفلام
هوليوود، عندما جسد شخصية «زياد جراح» الذي يخطف طائرة أثناء أحداث 11
أيلول في
فيلم «يونايتد 93»، ورُشح الفيلم لجائزة الأوسكار عام 2006،
وفاز بجائزة «البافتا».
كما قام بدور المهاجر الأفغاني في فيلم «الطائرة الورقية»، وبدور المترجم
العراقي
في فيلم «المنطقة الخضراء» من بطولة مات ديمون.
الحياة اللندنية في
25/02/2011
قاسم حَوَل: اليد الفقيرة لا تقوى على حمل
الكاميرا
دبي - محمد غندور
أمضى المخرج العراقي قاسم حَوَل نصف حياته في الترحال بين مدن عربية
وأوروبية،
باحثاً عن وطن وهوية، هارباً كغيره من المبدعين من قيود السلطة
والأنظمة
الاستخباراتية» كما يقول. إقامته في هولندا منذ 17 سنة، واحتكاكه بخبرات
أجنبية،
فتحا له المجال في أن يعيد قراءة أفكاره السينمائية وأن يطورها ويدعمها
بنظريات قد
تكون جديدة على المشاهد العربي، فتحرر ذهنه مثلاً من صيغة
الفيلم العربي، وابتعد عن
الصيغة التقريرية وخفف من الحوارات والإضافات «التي لا معنى لها».
غادر حَوَل حول بلاده عام 1970 مضطراً، بعدما رفض تقديم الطاعة للنظام،
وبعدما
سُلبت منه أيضاً مجلته وشركته السينمائية وفرقته المسرحية. قصد
بيروت وتنقل بعدها
بين اليمن وليبيا وسورية واليونان وهولندا وتونس. عام 1975 عاد إلى العراق
وأخرج
فيلمين، الأول وثائقي عنوانه «الأهوار» والثاني روائي طويل هو «بيوت في ذلك
الزقاق»، لكنه لم يستطع البقاء في العراق فقرر العودة إلى
لبنان ليواصل رحلة المهجر
على رغم ما فيها من عقبات وصعوبات.
خلال تلك الفترة أنجز الكثير من الأفلام الوثائقية وحاز عدداً من الجوائز.
تنوعت
الأفكار في أعماله فقدم وثائقياً عن مجزرة صبرا وشاتيلا وآخر
عن السلام في الشرق
الأوسط للتلفزيون الهولندي وستة أفلام قصيرة في الصحراء الليبية عن عاداتها
وتقاليدها، وفيلماً روائياً قصيراً «اليد» صوّره في سورية.
بعد 30 سنة من الغياب عن العراق، عاد الى العراق ليقدم منه أحدث أعماله.
ويقول
حوَل في حديث لـ «الحياة» إن ابتعاده 30 سنة كان أشبه بعملية
رفض لفكرة الديكتاتور،
«كنت
قادراً على العودة ساعة أشاء عبر تسوية مع النظام، إلا أن فكرة العيش في ظل
ديكتاتور ظالم لم ترق لي، خصوصاً بعدما عانيته من اعتقال وتعذيب».
جرّب حوَل في أحدث أفلامه «المغني» أن يطبق ما اكتسبه من معرفة في أوروبا،
فقدم
فيلماً أنيقاً لا يشبه ما فعله في «بيوت في ذلك الزقاق» أو
«عائد الى حيفا». يقول:
«
تغير وعيي السينمائي كثيراً بعدما دخلت ربوع أوروبا واستقبلت الروح
الديموقراطية،
فتخلصت من فكرة الخوف والكبت وتحررت منهما تماماً، وباتت قراءتي الواقع
قراءة
مختلفة تماماً». ويضيف: «تحرر ذهني من شكل الفيلم العربي وشكل الأداء، صرت
أقرأ لغة
السينما وأفكر فيها. وما بين تحديد قراءتي لغة السينما والمنهج
السينمائي، توصلت
الى نتائج حقيقية جرّبتها في فيلم «المغني». فكرت في أن الفيلم العربي هو
فيلم
تقريري يفتقر الى بنية المشهد، كما أنه مغرق بالحوار الذي لا معنى له،
فالسينما هي
اختصار الزمن والابتعاد من الثرثرة».
ويروي الفيلم قصة مغنٍّ شعبي يُدعى لتقديم حفلة عيد ميلاد الرئيس -
الديكتاتور،
وفي الطريق اليها تتعطل سيارته، ويشهد الكثير من المواقف
الدرامية. في انتظار
وصوله، تجري أحداث عدة توضح ما عاناه العراقيون، وكيف أن الذل هو الطريقة
الأفضل
للوصول الى اللذة والاستمرار في السلطة.
فقر السينمائي... خيبة
من خلال تجربته، يرى مخرج «الأهوار» أن اليد الفقيرة لا تقوى على حمل
الكاميرا،
فهذه الآلة «تحتاج الى يد ذهبية قادرة على تحمّل نفقات ومصاريف
باهظة، ومن دون ذلك
لا يوجد سينما». ويضرب مثالاً على ذلك أنه حين انتهى من بلورة فكرة قصة ألف
ليلة
وليلة بتوليفة سينمائية جميلة، وبعدما عثر على مدينة مميزة لها هندسة
معمارية غريبة
هي حضرموت في اليمن، لم يستطع أن يؤمن إنتاجاً للفيلم.
ويروي انه حين دعا والناقد السينمائي إبراهيم العريس وآخرين المخرج
الإيطالي
بازوليني الى بيروت لعرض بعض أفلامه ومحاورته، شاءت الصدف أن
يكون الأخير يعمل على
سيناريو لقصة ألف ليلة وليلة لكنه لم يعثر بعد على مكان مناسب للتصوير، فما
كان من
حوَل الا أن دله على حضرموت وصُوّر الفيلم وعرض في أقل من سنتين.
ويشير صاحب «عائد الى حيفا» الى أن العمل في ظروف صعبة وفقيرة يحد من
إمكانات
الفيلم وانتشاره، ولذلك ظهرت سينما قياسية الشكل في أوروبا
وأميركا، فيما بقي العرب
يقدمون أفلاماً محلية، وربما هذا ما يبرر خلو أفضل 100 فيلم في تاريخ
السينما من أي
عمل عربي، على حد قوله.
ويبقى السؤال لماذا اختار حوَل تقديم فكرة الديكتاتور بعد مماته، في ظل
وجود
مشاكل معاصرة أكثر إلحاحاً، هل العمل تصفية حساب مع النظام؟
يجيب المخرج العراقي أن
«الديكتاتورية
مدرسة لا تنتهي. وهي تُخرّج باستمرار ديكتاتورات إنما بأشكال مختلفة:
ديكتاتور بعمامة، وآخر بربطة عنق أو قبعة،
لذلك علينا عدم التوقف عن تحليل فكرة
الديكتاتورية». وعن الأفكار الجديدة، يوضح حوَل أنه انتهى من
كتابة سيناريو عن سقوط
المثقف وهو في انتظار ترجمته الى اللغة الفرنسية من أجل الإنتاج. وسيأخذ
حوَل
الحالة السيكولوجية لمثقف يدرك أنه سقط في فترة استثنائية. والعمل الجديد
بحث ذهني
وخطوة الى ما بعد «المغني».
لم يلقًَ حوَل أي دعم عربي، أو من قبل وزارة الثقافة العراقية، للفيلم،
ويرى أن
الأخيرة في هذه المرحلة «تريد أن تقتل الثقافة العراقية»،
ويقول: «عندما تسقط
السياسة يسقط النظام، وعندما تسقط الثقافة يسقط الوطن». ويضيف:
«نستطيع أن نقول إن
ثمة أفلاماً عراقية، ولكن ليس هناك سينما عراقية، وإذا أردنا أن نؤسس
لسينما، على
الدولة أن تبني قاعدة مادية للإنتاج وأن تُشيّد مدينة سينمائية، وتؤمن
كاميرات
وأجهزة صوت ومونتاج، إضافة الى توافر حرية التعبير والحركة».
ويعتقد حوَل أن من
الصعب النهوض بالسينما العراقية، في ظل أيديولوجيات التحريم والتكفير. وعن
أعمال
السينمائيين العراقيين الشباب يشير الى أنها نشاطات فردية، ونوع من أنواع
التعويض
عن خسارة الوطن، مؤكداً صعوبة التأسيس لسينما اعتماداً على
الأعمال التي تنتج خارج
العراق.
أما مشروعه السينمائي المعلق عن شخصية الحسين، فيوضح أنه عمل تحت رعاية
العلامة
الراحل محمد مهدي شمس الدين على سيناريو الفيلم، وأبدى الأخير
ملاحظاته الفقهية
ونُفذت التعديلات، وكان سيوصي في إصدار فتوى تقضي بظهور شخصية السيدة زينب
في
الفيلم أيضاً، بيد أن الموت باغته، وتوقف العمل في الفيلم لعدم توافر جهة
ممولة.
ومنذ فترة عرضت جهة حكومية عراقية على حوَل أن تتبنى المشروع، ووافقت على
جميع
شروطه ومنها أن يُقَدم أجره الى عوائل الشهداء، وأن لا يتدخل أحد في
السيناريو وأن
يوقع العقد في مقام الحسين. الا أن تلك الجهة وبعدما وافقت على
جميع البنود، طلبت
من حوَل أن يضاعف موازنة الفيلم، فرفض. ويؤكد المخرج العراقي أن ثمة جهة
خليجية
حالياً مهتمة في إنتاج الفيلم.
وقاسم حول يعتبر أحد مؤسسي تيار السينما العربية البديلة الذي تأسس في دمشق
عام
1970
وأحد مؤسسي اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب وعضو الأمانة العامة
واللجنة
التنفيذية للاتحاد، وله عدد من المؤلفات منها «تأملات سينمائية» و «بستان
السينما».
أخرج أكثر من عشرين فيلماً وثائقياً
وروائياً، ونالت أعماله الكثير من الجوائز
وبينها جائزة ذهبية وجائزتان فضيتان.
الحياة اللندنية في
25/02/2011
جعفر بناهي:
«أصنع
أفلامي في أحلامي»
في لقاء قصير أجري بعد إطلاق سراحه بانتظار صدور الحكم في أيار (مايو)
الماضي،
ظهر جعفر بناهي على الشاشة الصغيرة وهو يتنشق هواء الحرية في
بيته. بدا نحيلاً
ومتعباً. تحدث، عن ظروفه في السجن، قال أنهم استدعوه يوماً من الزنزانة
ليطرحوا
عليه سؤالاً: «ما هو العنوان؟». رد متسائلاً «أي عنوان؟!». «الفيلم»
أجابوا. شرح
بأنه لم ينه الفيلم بعد وحين ينهيه سيضع له عنواناً. كان
مخطئاً في تقديره، فهم
يسألون عن الفيلم الذي تناهى إليهم أنه يصوره خفية في الزنزانة! أدرك في ما
بعد
مصدر الخبر الكاذب الذي وصلهم. «كنت أقول للمساجين عن حياتي في السجن». إنه
فيلم
حياتي، سمع السجانون وظنوا أنني أدخلت كاميرا خفية وتخيلوا
أنني أصنع فيلماً». تابع
بناهي «كل ذلك من خيالهم وناجم عن خشيتهم من السينما (...)، حتى الحديث عن
السينما
قد يكون جريمة وبسبب هذا قد أعود إلى السجن. لكنني لا أستطيع التوقف عن
الحلم، لا
أعيش إلا بتحقيق الأفلام، الآن أصنع أفلامي في أحلامي».
بثت محطة «آرت» الفرنسية الألمانية مؤخراً هذا اللقاء ضمن أمسية خصصت
للمخرج
الإيراني، تم ذلك ترافقاً مع حملة تضامن فرنسية وغربية مع جعفر
بناهي ومحمد رسولوف
ضد الحكم الصادر بحقهما بالسجن ست سنوات وبمنع بناهي من العمل السينمائي
لمدة عشرين
عاماً. الحملة هي مبادرة دعي إليها مهرجان «كان» وجمعية المؤلفين
والسينماتيك
الفرنسية وتم التوقيع على بيان بهذا الخصوص من اكثر من عشرين
ألفاً من كبار ومشاهير
الشخصيات الفنية والأدبية من العالم اجمع. وفي إطار الحملة تنظم السينماتك
في باريس
برنامجاً يومياً خلال شهر شباط (فبراير) الجاري لاستعادة أفلام بناهي
ورسولوف. وكان
المخرج الإيراني المقيم في فرنسا رفيع بيتز صاحب «إنه الشتاء»، وجه دعوة
لجميع
السينمائيين للتوقف عن العمل ساعتين في 11 من الشهر الجاري،
لما يمثله هذا التاريخ
من معانٍ، فهو ذكرى الاحتفال بالثورة الإيرانية، ويوم نهاية مهرجان فجر
السينمائي
في طهران وبداية مهرجان برلين. لقد تمت إدانة مخرج بسبب فكرة وليس بسبب
فيلم، و
«هذا
سبق في منتهى العنف» يقول بيتز، الذي وجه أيضاً رسالة مفتوحة إلى الرئيس
أحمدي
نجاد يدعوه فيها لإطلاق سراح بناهي ورسولوف. هذه الاحتجاجات على الحكم
الصادر بحق
بناهي، تقودها المهرجانات الدولية مثل كان والبندقية وبرلين
التي خصصت مقعداً
فارغاً له في لجنة التحكيم.
في بلد كإيران، تثير تحركات كتلك ريبة البعض كما هو معروف، وقد تعتبر
دليلاً ضد
المخرج الشهير، كما تشكل في نظرهم تدخلاً في الشؤون الداخلية
وهم يبدون حساسية
بالغة في كل ما يتعلق بالضغوط الغربية، ففي مهرجان برلين انسحب الوفد
الإيراني من
الحفل كإشارة احتجاج على المقعد الفارغ لبناهي وأصدرت الوزارة بياناً قالت
فيه،
بحسب ما نشرته صحيفة «تهران امروز» (طهران اليوم)، «بالنظر إلى
الموقف السياسي الذي
اتخذه مهرجان برلين، فإن الوفد الإيراني ترك القاعة احتجاجاً. لقد حاول
المهرجان أن
يتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وكان موقفه انتقاصاً تجاه القوانين في
بلدنا»
واعتبر البيان أن التصرف جاء «إهانة
لثقافتنا وفننا وسينمانا». لكن هذا البيان
الحازم لا ينفي الموقف الرسمي للحكومة والوزارة المتضامن مع
قضية بناهي. فقد صرح
اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب الرئيس الإيراني في 18 كانون الثاني (يناير)
بعد
صدور الحكم على بناهي بأنه «لا يقاسم قضاء بلده الرأي في منع بناهي من
العمل لمدة
طويلة» وأكد أن لرئيس الجمهورية الموقف نفسه «السيد بناهي أوقف
من قبل السلطة
القضائية ولم يكن هذا بتعليمات من رئيس الجمهورية ولا الحكومة».
كما أكد مسؤولون حكوميون في إيران أنهم يعارضون الحكم على المخرج ولكنهم
يعتبرون
أن قضيته تتعلق أولاً وأخيراً بالسلطة القضائية. وتصب تصريحات
وزير الثقافة
والإرشاد الإسلامي ومعاونه لشؤون السينما كلها في الخانة ذاتها «الأسف على
الحكم
الصادر على بناهي وعدم موافقتهم عليه».
أيضاً في حفل رسمي، وهو افتتاح مهرجان فجر الأخير في شباط (فبراير)، لم
يتوان
السينمائيون في إيران عن الإعلان عن الدعوة إلى إعادة النظر في
الحكم على بناهي،
وطالب المخرج مسعود كيميائي السلطة القضائية إعادة النظر في ملف بناهي
مذكراً بأن
هذا الأخير جلب الكثير من الجوائز الدولية لإيران، كما طالبت بوران
ديرخشنده
المخرجة الإيرانية والعضوة في لجنة تحكيم المسابقة الدولية،
وزير الثقافة التدخل من
أجل بناهي.
لكن التحركات الغربية لا تعير التفاتاً إلى تصريحات السلطة التنفيذية في
إيران
تلك، ولا تبدي اهتماماً بتباين الرأي بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية في هذه
القضية فالحكم القاسي لا يدع مجالاً للانتباه إلى التفاصيل وإلى حساسية
الوضع
الإيراني.
الحياة اللندنية في
25/02/2011
الصدام في إيران يبدأ من داخل البيت
برلين - محمد موسى
نادرة هي المرات التي قدمت فيها السينما الإيرانية
المعاصرة، العلاقات الإنسانية
بين إيرانيين ينتمون الى ما يعرف بالتيار المحافظ وآخرين من
التيار الليبرالي
بالعمق والتعقيد الذي قدمه فيلم «نادر وسمين: الانفصال» للمخرج أصغر فرهادي،
وهو
الفيلم الذي اكتسح الجوائز الكبرى في دورة مهرجان برلين السينمائي الأخيرة،
التي
اختتمت يوم الأحد الماضي، إذ حصل هذا الفيلم الإيراني على جائزة الدب
الذهبي، فيما
تقاسمت الشخصيات النسوية الرئيسية الثلاث في الفيلم، جائزة أفضل تمثيل
نسائي، وحصل
البطلان الشابان في الفيلم على مثيلتها الرجالية. فالعديد من
الأفلام الإيرانية
الشهيرة، والتي حملت سريعاً توصيفات مثل: ناقدة، واقعية، اجتماعية، محرضة،
كاشفة،
ركزت على علاقة - تصادم الفرد بالسلطات على اختلاف أنواعها، لتقدم قصصاً
غالباً ما
تكون عن الأزمات الاجتماعية، الذاتية والفكرية في إيران ما بعد
الثورة الإسلامية
الإيرانية، وشخصيات تنتهي الى القنوط بسبب واقع يصعب تغييره.
وإذا كانت التظاهرات المليونية للمحافظين
الإيرانيين والتي أنهت عملياً ما صار
يعرف الآن بالثورة الخضراء في حزيران (يونيو) 2009، كشفت عن
انقسام حقيقي في الشارع
الإيراني، حيث لم يعد المحافظون يكتفون بإمكانات الأجهزة الأمنية
الإيرانية، بل صار
وجودهم «الفعلي» في الشارع، ضرورة كبيرة لحفظ «المكانة» أو «الهوية» اللتين
يشوب
تعريفاتهما الإبهام قليلاً، يمكن الزعم بأن فيلم أصغر فرهادي
الجديد هو أول أفلام
السينما الإيرانية التي تهتم بدراسة «طبقات» هذا الانقسام. انه حوار
تتبادله شخصيات
الفيلم مثلاً، ويقترب من ذلك الذي يحدث يومياً هناك، وينقله الإعلام
الإلكتروني
ومواقع التواصل الاجتماعي. كذلك يشير التمايز بين الشخصيات
الرئيسية وخاصية
النسائية، بانشغالاتها، أحلامها وكوابيسها، لانعكاس آخر عن الحياة اليومية
الإيرانية. فنحن نتعرف الى «حاتمة» مع زوجها، في المحكمة. هي تحاول أن تحصل
على حق
الحضانة لابنتهما الوحيدة، من أجل الهجرة الى بلد غربي، قبل
نفاذ فترة الفيزا
المقررة، والتي حصلت عليها العائلة في وقت سابق. وعلى رغم أن الدراما هنا
تبدأ في
الحقيقة قبل وقت الفيلم، لم تكن هناك حاجة كبيرة لتفسير رغبة المرأة
بالهجرة.
فالأمر بدا طبيعياً كثيراً لهذه السيدة القادمة من الطبقة الإيرانية
المتوسطة. هناك
مشهد واحد فقط، تهمس فيه «حاتمة» لزوجها بأنها تريد لابنتهما أن تكبر في
مكان آخر.
من جانب آخر، يكون تعرفنا الى الشخصية النسائية الأخرى في الفيلم بظروف
مختلفة
كثيراً، فالمشهد المبكر في الفيلم والذي تقوم فيه «رضية» بالاتصال بأحد
العلماء من
أجل الاستعلام عن مسألة فقهية، تتعلق بمساعدتها لرجل فقد عقله
تقريباً لتبديل
ملابسه، يمنح بعض الضوء على فئات لا تحضر كثيراً في السينما الإيرانية
الناقدة. تلك
التي ما زال التدين بفهمه المبسط أو المعقد يستحوذ لديها على أهمية كبيرة،
فارضاً
اشتراطاته الخاصة. مقرباً إياها تلقائياً من تيار سياسي محافظ .
يتحول الفيلم سريعاً الى مواجهة بين عائلتين، الأب
وابنته، وزوجته التي انتقلت
للإقامة مع والدتها، وأخرى للخادمة مع زوجها وابنتها الصغيرة. لكن المواقف
جميعها
بعيدة كثيراً عن البساطة، والفيلم يتشبث بتفهمه للجميع، فبعد شجار بين الأب
والخادمة بسبب تركها والده وحده، تسقط الأخيرة وتفقد الجنين
الذي كانت تحمله. عندها
نتعرف الى الشخصية الرجالية الأخرى في الفيلم. زوج الخادمة الشاب، والجاهل
بعمل
زوجته كخادمة، المحبط من ظروفه الاقتصادية وغياب العدالة في حياته. يصر
الزوج
الغاضب على الذهاب الى الشرطة وتقديم الزوج الآخر للمحكمة.
يأخذ الصراع القضائي بين
العائلتين معظم وقت الفيلم، كاشفاً للكثير من هشاشة الأبطال، وارتباكهم
ولحظات
ضعفهم في طريقهم للخروج من الأزمة التي سقطت على الجميع.
اللافت في أفلام أصغر فرهادي بحثها المعمق في
الشخصيات والمحيط الاجتماعي
القادمة منه. فأفعال هذه الشخصيات المفاجئة والتي تأتي كردود أفعال أو
استجابة
للدراما مفهومة كثيراً ضمن السياق الاجتماعي الذي قدمت به، والذي يتكرر في
أفلام
المخرج الإيراني. فعندما يطلب خطيب الشابة، والذي سمع للتو نبأ
موت خطيبته في فيلم
المخرج السابق «عن ايلي»، الفرصة لتأدية الصلاة، يبدو الأمر مفهوماً
تماماً، على
رغم أن الشاب بدا بعيداً عن نموذج الشاب المواظب على الفرائض الدينية. وهو
الأمر
الذي يشبه الاختبار الكبير الذي واجهته «رضية» في فيلم «نادر
وسمين: الانفصال»،
عندما كان عليها أن ترفض أداء اليمين الشرعي بسبب شكوكها المتعلقة بحادثة
فقدها
جنينها. وإن كان اتهامها لمخدومها مؤكداً تماماً.
يتجنب الكثير من المخرجين الإيرانيين ربط أفلامهم
بما يجري في بلدهم. أو كشف
الإشارات النقادة للنظام السياسي في تلك الأفلام. ربما ينزعج البعض أيضاً
من بحث
الآخرين عن «الرسائل» السياسية «المخفية» في أفلامهم. لكن يبدو من الصعب
حقاً فصل
أفلام معينة مثل فيلمي أصغر فرهادي الأخيرين عما يجري في
إيران، وتصاعد أو أفول
ظواهر معينة، على رغم أن الفيلمين يقدمان دراما متقنة، عن إيرانيين يواجهون
ما
يواجه غيرهم، من أسئلة الالتزام والمسؤولية الأخلاقية، عما يقترفون وتبعات
ذلك على
مجموعة المقربين لهم.
يؤكد المخرج المتميز حقاً أصغر فرهادي في فيلمه
الجديد الموهبة الخاصة التي
كشفها فيلمه السابق «عن ايلي»، والذي فاز عنه بجائزة أفضل مخرج في مهرجان
برلين
نفسه عام 2009، والذي هو الآخر ينطلق من حادثة ما، ليغوص ذاتياً
وسوسيولوجياً في
حياة أبطاله، من دون أن يفقد الفيلم الاتجاه الاجتماعي
الواقعي. كذلك يستمر المخرج
في فيلمه الجديد في تقديم المشاهد الطويلة المركبة، البعيدة تماماً عن
السكون.
الكاميرا السريعة المتنقلة بين الشخصيات
التي تدخل وتخرج من الكادر الواحد، تهدأ
قليلاً في مشاهد أخرى كبيرة التأثير، مثل ذلك الذي ينتحب فيه
الزوج ابن العائلة
الميسورة ، وهو يغسل والده المخرف، والذي يكون التزامه برعايته، السبب برفض
الهجرة
خارج إيران. كذلك مشاهد الأب نفسه مع ابنته الصغيرة، والتي يتصاعد دورها في
النصف
الثاني من الفيلم، إذ تتحول الى جلسات «تطهير» للأب.
جائزة لسينما مختلفة
الى هذا ذهبت جائزة الدب الفضي في الدورة الحادية
والستين من مهرجان برلين
السينمائي لفيلم المخرج المجري بيلا تار «حصان تورينو». والجائزة تبدو
كتكريم وربما
أخير للمخرج المقل والذي يؤكد أن هذا الفيلم سيكون فيلمه الأخير في السينما.
الجائزة أيضاً تكريم لسينما خاصة جداً، بعيدة تماماً عن اتجاهات السينما
الحديثة
وعن التطور الفني والأسلوبي لها. لا يحدث الكثير في الفيلم الذي صور
بالأسود
والأبيض، عدا الانتظار. أب مسن وابنته وحصانهما معزولان في بيت
ريفي في القرن
التاسع عشر. لا يحيد الفيلم عن أسلوب أفلام المخرج السابقة، والذي بدا وعند
عرضه في
مهرجان كبير ببرنامجه مثل مهرجان برلين السينمائي وكأنه ينتمي الى سينما
قديمة.
ليست بعيدة فقط عما يجري في السينما، بل لم تتفاعل مع حركة الفن في شكل
أوسع.
وبخاصة «الفيديو آرت» في الفن الحديث. هناك
الكثير من الأعمال الفنية والتي يعرض
بعضها في المتاحف الفنية، ومنذ عقدين أو أكثر، تقدم ثنائية
السكون والتكرار بتأثير
أكبر مما قدمه الفيلم المذكور، في قاعات خاصة، في المحيط الأكثر ملاءمة لها
من
صالات السينما.
الحياة اللندنية في
25/02/2011
أفلام جديدة (25-02-2011)
} «بعد
بيجار، القلب والشجاعة»
إخراج: آرانتيا أغويري - أداء جيل رومان وآخرين
>
في الوقت الذي يحتفل فيه محبو السينما في العالم
بفن الباليه، من خلال
إقبالهم على فيلم «البجعة السوداء» الذي يدور من حول تقديم معاصر لباليه
«بحيرة
البجع» (وهو فيلم مرشح للأوسكار أكثر من أي فيلم آخر)، يبدو ان الأفلام
المتعلقة
بالباليه الى ازدهار، إذ بعد النجاح الذي لاقاه قبل شهور فيلم
تسجيلي عن الأوبرا
الفرنسية وفن الباليه فيها، ها هو يعرض الآن في باريس وغيرها فيلم تسجيلي
آخر،
يتمحور هذه المرة من حول مصير فرقة الباليه التي أسسها الراحل موريس بيجار
في
سويسرا. ومن المعروف ان بيجار كان واحداً من كبار مصممي الرقص
في النصف الثاني من
القرن العشرين، واشتهر باهتمامه بالإسلام والشرق الى درجة انه قدم،
مستوحِياً
منهما، اثنين من أعماله الرئيسية، واحداً عن أم كلثوم والثاني عن منطق
الطير لفريد
الدين العطار.
} «الماوراء»
إخراج: كلنت إيستوود - تمثيل: مات ديمون، سيسيل دي
فرانس
>
في هذا الفيلم يواصل الكاوبوي السابق مساره الذي
يقوده أكثر وأكثر ليكون
واحداً من أبرز مخرجي هوليوود في زمننا هذا وواحداً من آخر المبدعين
الكلاسيكيين في
الفن السابع، يدور الفيلم حول محاور ثلاثة، وفي قارات ثلاث، ومن حول ثلاث
شخصيات ما
كان في إمكانها أن تلتقي إلا في هذا النوع من السينما المبدعة: صحفية
فرنسية تتعرض
للموت بفعل تسونامي، وراءٍ أميركي قرر التوقف عن مخاطبة
الأرواح، وفتى انكليزي فقد
أخاه التوأم. يجمع الثلاثة تجربة موت ما، ومن هنا يصبح اللقاء ممكناً
بينهم، في عمل
أخاذ يثني عليه النقاد حتى وان قالوا انه لا يصل الى مستوى آخر ثلاثة أو
أربعة
أفلام حققها إيستوود.
} «أنا
أرض لا أحد...»
إخراج: تييري جوس - تمثيل: فيليب كاترين، جوديت
شملا
>
بات واضحاً منذ زمن أن ما من ناقد يدخل الى مجلة
«كراسات السينما» ليكتب
فيها، إلا ويكون في خلفية تفكيره أن يصبح مخرجاً، وذلك أسوة بكبار «الموجة
الجديدة»
الذين انتقلوا في خمسينات القرن العشرين من
النقد (في المجلة ذاتها) الى الإخراج.
بيد أن ما يحصل في السنوات الأخيرة هو أن أي ناقد معاصر لنا، لم يتمكن من
تحقيق
اختراق كبير (على رغم نجاحات مدهشة مثلما حقق أوليفييه السايس في
«كارلوس»). ورئيس
تحرير المجلة السابق، جوس، لم يشذ عن هذه القاعدة، فهل ينجح
نجاحاً مطلقاً في هذا
الفيلم الذي يدور من حول مغن شعبي، يصل يوماً الى القرية مسقط رأسه، فيجد
نفسه
محاصراً فيها من دون قدرة على مواصلة طريقه؟
} «دروب
الحرية»
إخراج: بيتر واير - تمثيل: جيم ستار غس، كولين
فاريل
>
بعد غيبة طويلة، يعود واير الى الإخراج السينمائي،
في موضوعه يبدو انه يليق
تماماً بسينما المغامرات التي اشتهر بها، ولا سيما في فيلمه «السيد
والقائد». وعودة
واير هي هذه المرة عبر هذا الفيلم الذي يكاد يبدو للوهلة الأولى خارج حركة
الزمن
الذي نسي ستالين وزمنه. ومع هذا تبين من الإقبال على الفيلم ان
موضوعه لا يزال
قادراً على اجتذاب ملايين المتفرجين ولا سيما حين يحقق باتقان كلاسيكي.
ويدور
الفيلم، أساساً، من حول سبعة مساجين يهربون من معتقلهم الستاليني، خلال ذلك
الزمن
الصعب، ليقوموا برحلة فرار طولها نحو 10 آلاف كيلومتر تقودهم
الى الهند... أي الى
الحرية، ولكن... مشياً.
الحياة اللندنية في
25/02/2011 |