ليس هناك تمويل فلسطيني لصنع أفلام جديدة وإن
كان فهي ستجد نفسها حائرة بين سياسات وتوجّهات متناقضة، كما ليس هناك من
حماس
اوروبي لإنتاج أفلام عن فلسطين الا إذا كان مخرجيها الفلسطينيين من نخبة
إيليا
سليمان كون أعماله، التي كان آخرها "الزمن الباقي"، برهنت عن
جدواها المادي.
إذاً البديل هو أن تتحدّث السينما الإسرائيلية عن أمور فلسطينية. ليس أنها
المرّة
الأولى، لكن الساحة الآن خالية لهذه السينما لكي تنفرد بما تود قوله.
فيلمان في
عروض المهرجان آتيان من الدولة العبرية الأول ضمن المسابقة والثاني خارجها،
وكلاهما
يشتركان في جانب آخر غير كونهما إنتاجان إسرائليان وهو أن كل
منهما يتحدّث عن
إمرأتين.
في "أحمر شفاه" لجوناثان سيغال حكاية إمرأتين فلسطينيّتين هما لارا (كلارا خوري) وإنام (تاتالي عطيّة) تعيشان
في لندن بعد سنوات طويلة من مغادرتهما
فلسطين. إنهما من رام الله وما شاهداه من أحداث ووقائع
مأساوية من جراء الإحتلال
والهجمات الإسرائيلية وسوء المعاملة (بإعتراف الفيلم وليس برأي الناقد
وحده) باق
معهما يعودان إليه على شكل ذكريات تؤلمهما، بما في ذلك حادثة اغتصاب يقوم
بها
جنديين إسرائيليين.
لارا مسلمة وإينام مسيحية، لكن ذلك لا يؤثر على
صداقتهما بل يعززها. ويبدأ الفيلم من زيارة إينام للارا المتزوّجة وغير
السعيدة وإذ
يتحادثان يبدآن باستعادة بعض الذكريات (بينها حادثة الإغتصاب المزدوجة)
العاكسة
لمدى الألم العاطفي والنفسي الذي لا يزال يعصف بهما.
النتيجة عمل غالبه محصور
داخل جدران منزل لارا مع توجّهات درامية نفسية داكنة ومثيرة للإهتمام معاً
كون
المخرج اسرائيلي لديه ما يعلّق به على الوضع الفلسطيني-
الإسرائيلي. حادثة الإغتصاب
بحد ذاتها مربوطة في الوعي الباطني للفيلم بإغتصاب الأرض. وفي حين أن
شخصيّة لارا
خارجة عن التقاليد وجديدة من نوعها بالنسبة للشخصيات الفلسطينية (تشرب
وتميل لبنات
جنسها رغم أنها الآن متزوّجة ولديها صبي في السابعة) فإن قيام المخرج
بتصوير
المغتصب الإسرائيلي في زي عسكري يحمل رمزه بوضوح رابطاً الفعل المذكور
بالوضع
الإستيطاني الممارس.
من ناحيته، نرى في فيلم "غير مرئي" قصّة إمرأتين
اسرائيليّتين كانتا تعرّضتا للإغتصاب. هذه المرّة المغتصب مدني واحد (وليس
جنديين)
لكن تبعاً للفيلم فإن هناك محاكاة مماثلة
للفيلم الأول بين الإغتصاب الجنسي واغتصاب
الأرض. فليلي (رونيت إلكابتز) مخرجة وثائقية متزوّجة وكثيرة
الإهتمام بما يحدث
للمزارعين الفلسطينيين على ايدي المستوطنين المتطرّفين المحميين من قبل
الجنود
الإسرائيليين. في مطلع الفيلم هي هناك تصوّر مزارعين فلسطينيين يحصدون غلّة
الموسم
من الزيتون. لقطات حانية لهؤلاء العرب البسطاء وهم يعملون
بجهد، هذا الى أن يندفع
المستوطنون والجنود معا طالبين من العرب الرحيل وترك الغلّة في الأرض. بعض
المزارعين يُقاوم لكنه يُعنّف ويُضرب، وفي مشهد لاحق نرى النيران تحرق شجرة
زيتون
والمخرجة تطلب من الجنود تفسيراً لهذا الإعتداء.
ليلي ستلتقي مع مونتيرة
تلفزيونية أسمها نيرا (إفجينيا دودينا) تراقب الفيلم الذي صوّرته الأولى
وكلاهما
لديها ما تبوح به للأخرى. فليلي تعاني من هجران زوجها الذي
يتركها مغادراً وهو يعلن
من تبرّمه من منوال حياتها وعملها "والفلسطينيين ايضا" والثانية كانت طلّقت
زوجها
ولديها إبنة شابّة تخبرها يوماً أن رجلاً حاول الإعتداء عليها. هذا في
الوقت الذي
أدركت فيه كل من ليلي ونيرا أنهما كانتا تعرضتا لاغتصاب رجل واحد وأنهما لا
يستطيعان نسيان الحادثة. ما يجعلها محط استعادة خبر عن الإفراج
عن المغتصب بعدما
قضى بضع سنوات في السجن.
الفيلم كان يحتاج لنهاية أقوى، لكنه في معظمه عمل لا
يخلو من حس فني بليغ. تمثيل جيّد وموضوع منفتح على تفسيراته من دون
تمييع.
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2011
دعم وتمويل أفلام
عدنان مدانات
شكا لي مخرج عربي صديق ذات يوم من انه اضطر
للانتظار عدة أشهر كي يتمكن من إنجاز عمليات المونتاج لفيلمه الروائي
الطويل الممول
أجنبيا، إذ كانت تنقصه الأموال اللازمة لإنهاء مونتاج الفيلم، علما بأنه
احتاج إلى
ثلاث كي يتمكن من تسويق السيناريو وجمع المال اللازم لإنتاج
الفيلم، وهذا ما أثار
استغرابي لأن أسماء الممولين التي جرى بثها على الشاشة في نهاية الفيلم
كانت تفصح
عن ما يزيد على عشرة جهات إنتاجية أوروبية ساهمت بدعم الإنتاج وتمويل
الفيلم. وردا
على استغرابي، أوضح لي هذا المخرج أن ما ساهمت به كل من هذه الجهات كان،
حسب
تعبيره، من فتات المال.
مع ذلك، فهذا الفتات الذي استغرق تحويله إلى موازنة
كافية للبدء في عملية تصوير الفيلم ومن ثم الانتهاء من التصوير حوالي
الثلاث
سنوات، مع إضافة بضعة أشهر أخرى قضاها المخرج في البحث عن المال المطلوب
لإنجاز
عمليات ما بعد التصوير، ساعد المخرج في نهاية المطاف على جعل
فيلمه جاهزا للمرحلة
الثانية من مبررات وجوده، أي عرضه على الناس.
بعد إنجاز الفيلم الممول بفتات
الأموال ينشأ السؤال التالي: ما هي المجالات المتاحة لعرض الفيلم؟
في غالبية
الأحيان، فإن أفلام الشباب الممولة بهذه الطريقة لا تجد فرصا حقيقية للعرض،
بمعنى
العرض الجماهيري في صالات السينما، خاصة صالات السينما في موطن مخرجي
الأفلام، وإن
حدث وتمكن فيلم ما من احتلال موقع له في صالة سينما محلية، أي في بلد
المخرج،
فغالبا ما لا يستمر العرض أكثر من بضعة أيام، لأن أذواق الناس
السينمائية لا تتقبل،
إلا فيما ندر مثل هذه النوعية من الأفلام. الفرصة الأخرى المتاحة لعرض مثل
هذه
الأفلام هي المشاركة في المهرجانات السينمائية والتي انتشرت في سائر بقاع
الأرض، في
العواصم وفي المدن الكبيرة والمدن الصغيرة، بحيث باتت أكثر من
أن تحصى، والتي صارت
جميعا تتسابق للحصول على الأفلام الجديدة، وتتنافس فيما بينها على الحصول
على فرصة
العرض العالمي الأول في مسابقاتها الرسمية، مقدمة في سبيل تحقيق ذلك
الجوائز
والحوافز المادية والمالية، التي غالبا ما تكون من نصيب
المخرج، وليس الجهات
الداعمة والتي لا تبتغى من وراء الدعم تحقيق الأرباح. وبالطبع، لا تحصل كل
الأفلام
على الجوائز، كما لا تتمكن الكثير من هذه الأفلام من المشاركة في البرنامج
الرسمي
الخاص بالمسابقة، بل تعرض ضمن البرامج الموازية وتضل نتائج
مشاركاتها في المهرجانات
محصورة ضمن بعض مقالات وتعليقات صحفية ومقابلات تجري مع مخرجي الأفلام لا
أكثر ولا
أقل.
يكسر الدعم التمويلي المتعدد الجهات والجنسيات للمخرجين الشباب، وهو تمويل
هدفه الرئيسي المعلن تقديم الدعم للمخرجين الناشئين، الأساس
الذي قامت وتقوم عليه
صناعة السينما في أرجاء العالم وهو ضرورة تحقيق الأرباح بواسطة شبابيك
التذاكر، وهي
الأرباح التي تصب عادة في جيوب مثلث الأشخاص المترابط والمتبادل المنافع
المالية،
أي المنتج والموزع ومالك صالة العرض.
يؤثر الدعم التمويلي المتعدد الجهات
والجنسيات للمخرجين الشباب من جهة ثانية على العلاقة بين المخرجين صانعي
الأفلام
والجمهور العام، فلا يعود الغرض من إخراج الفيلم إرضاء الجمهور وإمتاعه أو
توجيه
رسالة فكرية ما له، بل يصبح الغرض التعبير عن ذات المخرج
الفنية والفكرية، بغض
النظر عن وصولها إلى الناس من عدمه، وربما هذا ما يفسر شيوع استخدام
مصطلحات جديدة
تتضمن ألقابا تطلق على المخرجين الشباب، من نوع المخرج المؤلف أو المخرج
المستقل.
تتسبب الإمكانية المتاحة للتعبير عن الذات في توجه المخرجين نحو إلغاء
دور الطرف الثاني، الشريك التقليدي في عملية كتابة الفيلم، أي
كاتب السيناريو
المحترف، وقيام المخرجين بكتابة السيناريوهات بأنفسهم، وذلك على الرغم من
أنهم قد
لا يكونون من أصحاب الخبرة الكافية في كتابة السيناريو، أو أنهم ربما، لم
يجربوا
الكتابة قبل ذلك مطلقا.
تولي المخرجين عملية كتابة السيناريو بأنفسهم يقود إلى
التخلي عن الاعتماد على الاقتباس من الأدب والاعتماد بدلا من ذلك على كتابة
النصوص
مباشرة للسينما، وهي نصوص تستقي مادتها وموضوعاتها في غالبية الأحيان من
السيرة
الذاتية أو التاريخ الشخصي للمخرج المؤلف، وهو أمر قد يتسبب
أحيانا في نتائج سلبية،
كان يزدحم الفيلم بالأفكار والمواضيع فيتحمل أكثر مما يحتمل ولا يفي أي من
الأفكار
أو المواضيع حقها في الطرح والوضوح أو العمق، أو أن يستنفذ المخرج ما قد
يكون مهما
في سيرته في فيلم أول واحد ويستنفذ ذخيرته من الذاكرة، فلا يجد ما يكفي من
الأفكار
والمواضيع لملء فيلم تال مما قد يضطره لحشو السيناريو بما لا
يضيف له قيمة، بل عل
العكس من ذلك، قد يضعف من قيمته.
ينتج عن كتابة المخرجين للسيناريوهات، خاصة
منهم الذين لا يتمتعون بموهبة السرد، توجه نحو التمرد( سواء أكان هذا
التمرد ذو
خلفية مبدأية كما عند جان لوك غودار مثلا، أو تغطية على عجز وفقر في موهبة
الكتابة
والسرد)، على القواعد التقليدية المتبعة في السرد الكلاسيكي(
بداية وعقدة ووسط
وذروة ونهاية)، والتي تولدت منها القواعد الأساسية لكتابة السيناريو، كما
وردت في
كتب تعليم السيناريو السينمائي التي تستمد خبرتها من دراسة وتحليل نماذج
أنجح أفلام
السينما الجماهيرية( وهي في غالبيتها من إنتاج صناعة السينما الأمريكية)،
وكتابة
السيناريو بأسلوب حر قد تكون نتيجته موفقة وقد لا تكون كذلك،
إذ قد يجعل الأسلوب
الحر بنيته الدرامية مهلهلة غير مقنعة.
أخيرا، نضيف إلى هذا كله ما يشاع من تهم
توجه للأفلام التي تتلقى الدعم بأنها تستجيب لإملاءات، معلنة أو غير معلنة،
مباشرة
أو غير مباشرة، بريئة النية أو غير بريئة، مصدرها الطرف أو حتى الأطراف
الداعمة.
يثير هذا الحال الذي بات السمة الشائعة للعديد من أفلام المخرجين العرب
الشباب، وربما أيضا أفلام المخرجين الشباب من دول أخرى في
العالم لا تتوفر فيها
صناعة سينمائية، سؤالا جوهريا يتعلق بكون هذا الأمر يقدم حلولا فردية،
مؤقتة وليست
دائمة، لمخرجين أفراد لكنه لا يساهم أبدا في إنشاء و تطوير صناعة سينمائية
في بلدان
المخرجين الذين ينتجون أفلامهم بواسطة أموال، وحتى خبرات، الجهات التي تقدم
الدعم،
بحيث لا يعود من المجدي الحديث عن سينما وطنية، هذا في حين أن
وجود صناعة سينما
وطنية يتميز عن واقع إنتاج الأفلام بواسطة الدعم الأجنبي، لأن السينما
الوطنية تؤسس
قاعدة لإنتاج متواصل بعكس الدعم الأجنبي الذي يتوجه نحو أفراد ويرتبط
بحالات فردية
قد لا تتكرر.
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2011
بدايات العروض السينمائية في فلسطين
بشار إبراهيم
تؤكد بعض الروايات أن حركة إنشاء دور العرض
والصالات السينمائية في فلسطين ارتبطت بمصر، التي كانت أكبر مركز لعرض
وصناعة
السينما في المنطقة العربية. ويُقال إن أول دار سينما في فلسطين افتتحها
مصريون في
القدس عام 1908، وهي دار «أوراكل»، ثم سينما «عدن»؛ أول سينما في تل أبيب
عام 1914.
وفي هذه الروايات جميعها نجد أن ثمة تأكيداً على الدور الريادي لمصر في
المجال
السينمائي، في فلسطين، على الأقل على مستوى العرض وإقامة دور السينما
وصالاتها. وقد
كان من المعتاد، قبل ذلك، أن تتم العروض في الفنادق أو في
قاعات أو صالات أو ساحات،
قبل أن تنشأ أمكنة خاصة للعرض السينمائي.
وهنا يمكننا أن نستعين بشهادات البعض
ممن عاصروا تلك الفترة، وعايشوا وقائعها، فالسيد ميشيل صيقلي ، يذكر أن أول
دار
للعرض السينمائي في فلسطين أُقيمت في حيفا، وهي دار «عين دور» التي أقامها
يهود
ألمان، ثم دار «أوريون» (لعلها أوديون، أي عدن) في مدينة
القدس، وكانت هذه الدار
السينمائية ليهودي مصري!..
ويقول السيد صيقلي: «أثناء متابعتي لأحداث فلسطين في
أمريكا (أي عبر السينما) لفت انتباهي تلك الآلات السينمائية، وسألت
المسؤولين عنها،
واشتريت أربعة أزواج من الماكينات بسعر 300 دولاراً للماكينة الواحدة، وكان
الدولار
(الأمريكي)
وقتها يعادل عشرين قرشاً فلسطينياً، وشحنتها إلى حيفا».. ويذكر صيقلي
أنه استأجر في العام 1939 مبنى «سينما الأهلي» في مدينة عكا، من مالكها
الحاج محمد
اللبابيدي، وبدأ العروض السينمائية في تلك الدار، بالمشاركة مع السيد محمود
ماميش،
الذي سبق أن كان شريكاً مع (عيتاني أخوان) أشهر أصحاب دور
السينما في لبنان.. وكانت
بداية عروضه السينمائية في 2/9/1939 بفيلم «ميشيل ستروغوف»..
ويقول صيقلي إن
ثماني ماكينات تشغيل كانت لديه، وضع اثنتين منها في سينما «الأهلي» في عكا،
بينما
شغَّل الماكينات الست الباقية في قسم الترفيه، المخصص لجيش
الحلفاء، في تجمّع للجيش
الإنجليزي يسمى «سيدني سميث كامب»، وفي ثلاثة مخيمات للجيش البريطاني، في
العفّولة،
والكرمل، وعكا، فقد كانت الحرب العالمية الثانية في 1/9/1939. ويشير إلى أن
تذكرة
حضور العرض السينمائي كانت بقيمة 5 قروش للجندي، و10 قروش
للضابط.
وكان من
الطبيعي أن تتالى عروض الأفلام السينمائية، في مدن فلسطين الرئيسة، حيث كان
عدد من
الموزعين يقومون بجلب الأفلام السينمائية من خارج فلسطين،
ويوزعونها على دور العرض
.
ويذكر صيقلي أنه كان في عكا موزعو أفلام، مثل «أفلام النيل» لأصحابها يوسف
البنا
وتلحمي، وقد استأجروا سينما «ركس» في القدس، من مالكتها، وهي البطريركية
الأرثوذكسية. وكان السيد ميشيل صيقلي يذهب إلى القدس كل يوم
إثنين، وإلى يافا وتل
أبيب، كل يوم خميس، للحصول على أفلام من شركات التوزيع الأمريكية..
أما بصدد
الأفلام العربية، فيقول صيقلي إنها كانت قليلة جداً، رغم أن تكلفتها كانت
رخيصة، إذ
كان يباع الفيلم بسعر يتراوح بين 600 و800 جنيهاً فلسطينياً،
ومع ذلك فإنه استكثر
أن يطلب منه مبلغ 300 جنيهاً فلسطينياً لقاء فيلم «قيس وليلى» من بطولة بدر
لاما،
وذلك بذريعة أن الفيلم لن يدرَّ ربحاً، بسبب انخفاض سعر التذكرة. وفي تحليل
هذا
الموقف نجد أن المزاج الجماهيري كان يتجه بشكل أساسي نحو
الأفلام الأجنبية، تحديداً
الأمريكية، إذ أن صيقلي لا يشير إلى امتعاض مماثل بصدد الأفلام الأجنبية
(الأمريكية
تحديداً)..
وعلى كلّ حال، فلم يكن لصاحب أي دار عرض
سينمائية، في فلسطين، أن يتجاهل وجود السينما المصرية، بل لابدّ منها. وعلى
هذا نجد
أن ميشيل صيقلي سعى للتعرُّف إلى السيد أنطوان خوري، أحد أصحاب «نحاس
فيلم»، الذي
شجَّعه للذهاب إلى مصر، للحصول على أفلام مصرية، وهذا ما كان، إذ ذهب صيقلي
إلى مصر
في العام 1942، من أجل عقد صفقات للحصول على أفلام مصرية،
ويذكر أن فيلم «ابن
الصحراء» من بطولة بدر لاما، كان باكورة الأفلام التي اشتراها، وصار منذ
ذاك الوقت
يشتري نسختين، من كل فيلم مصري يريد عرضه؛ نسخة أولى من أجل عرضها في
فلسطين،
والثانية من أجل عرضها في الأردن.
أما الدكتور أحمد صدقي الدجاني ، فإنه يعود
إلى أوراق مذكراته ليستعيد بعض التفاصيل عن العروض السينمائية التي كانت
تتمّ في
فلسطين قبل العام 1948، وذلك من خلال تجربته الشخصية، فيذكر أن أول فيلم
شاهده كان
فيلم «الوردة البيضاء» الشهير لمحمد عبد الوهاب، في عرضه
الأول، في دار «سينما
الحمراء» في يافا. ويتحدَّث الدجاني عن ضخامة مبنى دار السينما، وأناقته،
وكثافة
الازدحام في السينما، وعلى أبوابها، كما يذكر، من جهة أخرى، مبادرة المدرسة
للذهاب
بطلاب المدرسة لمشاهدة فيلم عن ماري أنطوانيت، والثورة
الفرنسية، في حفلة صباحية،
خاصة بالطلبة.
وتعود ذاكرة الدجاني إلى أيام الأعياد، التي غالباً ما كانت ترتبط
بمشاهدة العروض السينمائية لأفلام الأعياد، هذه الأفلام التي
غالباً ما كانت أفلام
مغامرات وخيالات وإضحاك، وهو طقس استغرق تقريباً طيلة القرن العشرين. ومن
تلك
الأفلام ما كان «أجنبياً»، ومنها ما كان «عربياً» (وينبغي ملاحظة أنه حتى
الآن ما
زال يقصد بعبارة «الأفلام العربية»، غالباً وبشكل كبير «الأفلام
المصرية»).. فكما
يذكر من الأفلام الأجنبية «طرزان» و«شيتا» و«سابو» و«البساط
السحري» وأفلام لورديل
وهاردي، والأخوة جروشو، وسبنسر تراسي، وكاترين هيبورن، وسيدني بواتييه..
كذلك تحضر
في ذاكرته أفلام مصرية، كان أبطالها من أمثال بدر لاما وفؤاد الجزايرلي
وعلي الكسار
وبشارة واكيم وشرفنطح وحسن فايق وشكوكو وإسماعيل ياسين ونجيب
الريحاني ويوسف وهبي
وفاطمة رشدي وروحية خالد وعزيزة أمير وأم كلثوم وأسمهان وليلى مراد وصباح
وفريد
الأطرش وتحية كاريوكا وزكي رستم وصلاح نظمي ويحيى شاهين وزوزو نبيل وفؤاد
شفيق وعبد
الوارث عسر ومحمد عبد الوهاب ورجاء عبده وراقية إبراهيم..
فكان من الأفلام العربية (المصرية) التي ذكر
الدجاني أنه شاهدها في فلسطين، قبل العام 1948: (شمعة تحترق، بنت ذوات،
بنات الريف،
ليلة ممطرة، ممنوع الحب، رصاصة في القلب، الماضي المجهول، غرام وانتقام،
انتصار
الشباب، غني حرب، لعبة الست، سفير جهنم، سيف جلاد، جوهرة،
برلنتي، سلامة، دنانير،
لست ملاكاً، أول نظرة، هذا جناه علي أبي، خاتم سليمان..). والدجاني تعرَّف،
من خلال
هذه الأفلام، إلى نجوم مصر والقامات الإبداعية فيها من طراز أم كلثوم ومحمد
عبد
الوهاب ونور الهدى وأسمهان.. وأدرك مكانة كل منهم لدى
الجمهور.. واستطاع التمييز
بين الأفلام الهامة، والأفلام العادية، أو البسيطة، إن لم نقل التافهة، فقد
أسف
لمشاهدة أفلام من طراز (نجف، ما أقدرش)، بينما احتفظ لنفسه بالتهنئة
لمشاهدة
الأفلام الراقية.
ولا شك أن الحديث عن أفلام هابطة أو ساذجة، من جهة، وأفلام
ممتازة أو راقية، من جهة أخرى، هو تقييم فني ومعرفي، مما يعني
أن السينما كانت
بطبيعة دورها تمثّل إحدى وسائل المعرفة والتواصل بين الناس، إن لم نقل
وسيلة تثاقف
وإطلاع.. فيفصح الدجاني عن إدراكه حقيقة أن السينما «أداة تثقيف تتضمّن
أحياناً
فناً رفيعاً يتألف من عدة فنون».. فعالم السينما زوَّده
بمعلومات ومعارف جديدة،
خاصة وأن العروض السينمائية ساهمت، من جهة أخرى، في انتشار المجلات والصحف
الفنية،
سواء التي كانت تكتب في مجال الفن السينمائي، كعلوم أو معارف، أو تلك التي
تترصَّد
أخبار الفنانين السينمائيين، وأحوالهم..
ومن النقاط البارزة التي يشير إليها
الدجاني في أوراقه، أن السينما كانت الوسيلة الأساسية التي عرَّفت المشاهد
الفلسطيني بمصر، فعبر السينما تعرّف الفلسطينيون، وشاهدوا على الشاشة
الكبيرة مصر
(أمّ
الدنيا)، بمدنها وشواطئها ومنتجعاتها وجبالها ووديانها وصحرائها وآثارها،
وأهراماتها.. وشاهدوا القاهرة، بشوارعها ومناطقها ومبانيها وجسورها،
ومحطاتها..
وشاهدوا النيل العظيم، النهر الخالد، بضفافه ومراكبه والجسور والكباري
الناهضة
عليه، أو بالعوامات السابحة على أطرافه.. كما عرفوا، من خلال السينما
المصرية،
الريف المصري، والفلاح، والعمدة، والعزبة، والباشا وفيلته..
وعاشوا الصراعات وقصص
الميراث والحب والخيانة التي صوَّرتها تلك الأفلام.. وتابعوا المغامرات،
فانتشوا
لانتصار الخير وهزيمة الشر، ورأوا في انتصار الفقير انتصارهم، ولو كان فقط
على
الشاشة.
العروض السينمائية، كانت البوابة التي ولج منها المتلقّي الفلسطيني، بكل
الدهشة والانبهار، إلى عالم مصر، التي طالما سمع عنها عبر
الأغاني الشهيرة، في ذات
الوقت الذي تعرّف فيه على لبنان، من خلال مشاهدة ما صُوِّر فيه من أفلام،
ومنها
فيلم «غرام وانتقام» وسمع وشاهد أسمهان وهي تغني وتمثّل، كما عندما شاهد
فيلم «أول
نظرة» من بطولة المطربة اللبنانية صباح، وبرهان صادق..
وعبر السينما استعاد
المشاهد الفلسطيني صوراً من الماضي العربي والإسلامي، من خلال عدد من
الأفلام
التاريخية، فتكوَّنت لديه صور باهرة، تجسِّد تلك الأيام
الزاهية التي عرفها العرب
والمسلمون، في عصورهم الماضية..
وكانت فلسطين قد عرفت، منذ مطالع القرن العشرين،
زيارات فنية عديدة لفنانين مصريين، يذكر منها زيارة أم كلثوم إلى مدينة
يافا عام 1929،
وزيارة الفنان يوسف وهبي مع فرقته المسرحية إلى مدينة يافا، كما أنه فيما
ما
بين عامي (1920-1930) زارت المدن الفلسطينية فرق مسرحية مصرية مرموقة، منها
فرقة
جورج أبيض وفرقة الريحاني وفرقة رمسيس وفرقة أمين عطا الله وفرقة فاطمة
رشدي وفرقة
علي الكسار.. وهذه الجولات الفنية المسرحية كانت من المؤسِّسات للتواصل
الثقافي،
المباشر والعميق، بين فلسطين ومصر.
ولكن المسرح لم يكن السبيل الوحيد للتواصل
الفني والإبداعي مع مصر، حينذاك، إذ قامت «إذاعة الشرق الأدنى» التي كانت
تبثّ من
مدينة يافا، بدايةً، بدور هام ومميز، فقد كان الاستماع لهذه الإذاعة من أهم
وأبرز
الطقوس التي يمارسها الناس، سواء في بيوتهم، أو في المقاهي..
فانتشر الاستماع
لأغاني أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وألحان حليم الرومي، واهتم الناس
بالإصغاء إلى
تراتيل من القرآن الكريم، كان يتلوها المقرئ الشيخ فريد السنديوني.
الهوامش :
-
طلعت شناعة: «ميشيل
صيقلي: فلسطين، الأردن»، في «السينما والتاريخ» وهو كتاب غير دوري، يشرف
على
تحريره الناقد سمير فريد، ويصدر في القاهرة.
-
د. أحمد صدقي الدجاني: «الفن
والسينما في فلسطين قبل العام 1948»، نشرها في «السينما والتاريخ»، وهو
كتاب غير
دوري، يشرف على تحريره الناقد سمير فريد، ويصدر في القاهرة.
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2011
«نشيد الحجر»الوثيقة في مواجهة الدراما، أو موازاتها
بشار إبراهيم
في «نشيد الحجر»، عام 1991، يعود المخرج ميشيل
خليفي، إلى سيرته الأولى، من حيث الاعتماد
على منهج بناء فني مزدوج، يمكن أن
يُسمَّى بطراز «دوكيودراما»، حيث سيمازج
فيه بين التسجيلية الوثائقية، من جهة،
والروائية الدرامية، من جهة أخرى، في خطّين
متوازيين ومتفاعلين، في آن، على الأقل
كما كان قد فعل من قبل في فيلمه «الذاكرة الخصبة» الذي كان قد مضى على
إنجازه،
حينذاك، قرابة العشر سنوات.
ويمكننا اعتبار أن استخدام المخرج خليفي لهذه
المنهج، قناعةً منه على أنه قادر بذلك على
تقديم «صورة» الانتفاضة الفلسطينية، فيما
هو تسجيلي وثائقي، والتأسيس لفلسفة مفهوم «التضحية» الذي يشكِّل جوهر
الانتفاضة
ومرتكزها، فيما هو روائي درامي. ففي هذا الفيلم سيرصد خليفي، على المستوى
الروائي
الدرامي، امرأة فلسطينية، أربعينية «تؤدي دورها الفنانة الفلسطينية
القديرة: بشرى
قرمان» ويبحث في علاقتها بحبيبها، الذي كان قد دخل السجن (المعتقل بصيغة
أدقّ)
لأسباب نضالية، وذلك بسبب انخراطه في صفوف الثورة الفلسطينية!.. وهي بطبيعة
الحال
كانت تهمة كافية للزجِّ بالفلسطيني خلف قضبان الاعتقال، بأحكام خرافية تصل
إلى عدد
من المؤبدات، وسنوات تُعدُّ بالمئات!..
يبدأ الفيلم منذ لحظة اللقاء بينهما، الآن،
وبعد انقضاء التجربة وتمامها، ويكشف من
خلال هذين النموذجين، أي المرأة وحبيبها،
جيلاً محدداً من أجيال الشعب الفلسطيني، يمكن القول إنه «جيل الثورة»، أي
الجيل
الذي واكب انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلَّحة عام 1965، وهما سيمثَّلان
الخط
الروائي الدرامي في الفيلم، دلالة على أنهما يعبران عن الحكاية الفلسطينية،
بموازاة
الجيل الجديد الذي سيشكّل وقود الانتفاضة، أي الجيل الذي أُسمي بأطفال
الحجارة، أو «جيل
الانتفاضة»، الذي يبرز في الفيلم، تسجيلياً، فيوضح منطقه المختلف، وطموحاته
الناهضة.. وهو الجيل الذي يمثل الخط التسجيلي الوثائقي، بما يدلّل أنهم
التعبير
الراسخ عن الواقع والحالة الفلسطينية.
عملياً، تبدأ أحداث القصة في فيلم «نشيد
الحجر» عند أوائل السبعينيات من القرن
العشرين، عندما بدأت قصة حب فلسطينية، كان من
المفترض أن تكون عادية، ككل قصص الحب، ولكن قصة الحب هذه لن تدوم إلا
أياماً
معدودات، إذ ستنتهي باعتقال الرجل بسبب «نشاطه المعادي» للاحتلال
الصهيوني!.. وجملة «نشاطه
المعادي» إنما تعني في الواقع ثوريّة هذا الرجل، وهو لن يكون استثناء أو
تميزاً في هذا المجال، إذ أن آلافاً مؤلَّفة من الفلسطينيين، زجَّ الاحتلال
بهم خلف
قضبان الاعتقال، بسبب التهمة ذاتها؛ تهمة النشاط المعادي للاحتلال، التي
كانت ذات
شيوع إبان صعود وانتشار الثورة، نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، من
القرن
العشرين..
يدخل الرجل المعتقل، ويغيب في ظلماته، محكوماً بالمؤبد، فتهاجر المرأة
إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. هكذا دون مبرر درامي قوي، فكم من النساء
الفلسطينيات ممَّن انتظرن سنوات طويلة، متعلِّقات بأمل أن يخرج الرجل
«حبيباً، أو
زوجاً، أو ابناً، أو أباً، أو أخاً..» من خلف القضبان. لكن حدث هجرة
المرأة، كما
نراه في الفيلم، يبدو معبِّراً عن حالة الانكسار الذي أصاب قصة الحب، هذه،
وانكسار
محاولة العيش العادية، بأمن وسلام، التي يريدها الفلسطينيون، ككلِّ البشر.
هذه
الحياة العادية التي تبدو عصيّة على محاولات الفلسطيني، وهو منكوب ومنكود
بالاحتلال.
الانكسار والوقوف على حافة اليأس والقنوط، ربما كلّها مما أسَّس
للانتفاضة الشعبية التي اشتعلت في الوطن المحتل، عام 1987، ليستعيد الناس
حيويتهم
وألقهم، ويتعزَّز أملهم في وطنهم المستعاد.. والانتفاضة في الفيلم لم تكن
مجدِّدة
لنضال الفلسطيني وأمله وحلمه، فقط، لكنها أيضاً ستجدِّد قصة الحب المكسورة،
حتى لو
كان ذلك بعد مرور ثمانية عشر عاماً على بدايتها الأولى..
نبدأ مع فيلم «نشيد الحجر» وقد اندلعت
الانتفاضة، وتأجَّج أتونها، والمرأة تعود
من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فلسطين
لتجري بحثاً حول مفهوم التضحية في المجتمع الفلسطيني، فتلتقي حبيبها الذي
خرج من
السجن بعد أن أمضى فيه خمسة عشر عاماً، ليس لأنه أنهى السنوات التي حكم
الاحتلال
عليه بها سجناً، بل إثر عملية تبادل أسرى، نعرف أنها في الواقع حصلت في
العام 1985
باسم «عملية الجليل». وسنعرف أن الرجل بعد إطلاق سراحه لن يعود للانخراط في
«نشاطه
المعادي» للاحتلال، بل سيعمل في إحدى مؤسسات الإغاثة الزراعية. بما يدلّل
على حقيقة
التغيرات التي أصابته بعد العقد والنصف من السنوات التي أمضاها خلف
القضبان.. ربما
كسرت روحه، أو هشَّمت أحلامه، وأطفأت إرادته وعزيمته.. ربما.. لكننا سنرى
طبيعة
الأداء الذي يقدّمه الممثّل «مكرم خوري»، ومدى الهدوء والسكينة التي
تتلبَّسه في
تحركاته وأقواله.. بشكل لا يدلّ على أيّ فعالية ثورية راهنة لديه..
وبمقدار ما
تبدو شخصيتا الشقّ الروائي، في فيلم «نشيد الحجر»، أدبية لغوية، أكثر منها
حيّة
نابضة من لحم ودم، فإن الشخصيات الكثيرة التي يقدمها الشقّ التسجيلي
الوثائقي ستأتي
بكل واقعيتها الحقيقية، إذ أتت من دون أي تشذيب وتأنُّق، بل إنها استطاعت
التعامل
مع الكاميرا بكل عفوية، وأطلقت لذاتها كلّ العنان للتعبير بقوة وجرأة ووضوح
عمّا
يصيبها من عنت قوات الاحتلال، وممارساتهم الهمجية.. وتعبِّر في الوقت ذاته،
وعلى
رغم كلّ ألمها ومصابها ومعاناتها، عن إصرارها وصمودها، وأن لا خيار لها إلا
في
مواجهة الاحتلال، وفي خضمّ الانتفاضة..
هكذا سنجد أنفسنا، في هذا الفيلم، أمام
جيلين فلسطينيين متتالين. الجيل الأول
منهما، ويُفترض بنا أن نسمّيه «جيل الثورة»،
فهو الجيل الذي شهد انطلاقة الثورة الفلسطينية وانخرط في صفوفها ومارس
شيئاً من
فعالياتها ونشاطاتها، وها هو يبدو هنا محبطاً منكسراً، يعبِّر في حالته عن
عموم
الحال الذي آلت إليه الثورة عند نهاية الثمانينيات، بينما الجيل الثاني
منهما هو ما
ينبغي أن نسمّيه «جيل الانتفاضة» الذي بدأ تفتح وعيه وانطلقت فعاليته في
المرحلة
التالية لازدهار الثورة والمنظمة وصعودها، بل بالموازاة مع انحدارها
وتراجعها
ووقوعها في قبضة العجز وقلّة الحيلة والانكفاء، في منافٍ جديدة، على مسافة
آلاف
الكيلومترات.
لقد وجد المخرج ميشيل خليفي نفسه، وهو يريد الولوج في ميدان الحديث
عن الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، أمام وجهين يبدوان متناقضين في الحالة
الفلسطينية، إذ جاءت الانتفاضة كثورة جماهيرية شعبية عارمة، في ذات الوقت
الذي أدار
القادة العرب الرسميون الظهر للقضية الفلسطينية، وانشغلوا عنها!.. فكان
فيلمه ليقول
إن «جيل الانتفاضة» هو من سيعزف «نشيد الحجر».. فهو جيل الأمل، والجيل
المجدد للحلم
الفلسطيني، وسيبدو جيلاً ناهضاً رافضاً للانكسار، يمتلئ بإرادة المقاومة
والمواجهة
والثبات والصمود، إنه يقاوم حتى بالحجر، ويدرك أن معركته على الأرض، وفي
الميدان..
وسيكون من المؤلم تلك المقارنة بين هذين الجيلين، لكن خليفي يذهب إليها
بأفكار
جريئة، وبقوة ووضوح، جعلت من المشاهد التسجيلية وثيقة وشاهداً على
الفعاليات
اليومية للانتفاضة المجيدة.
ينتصر فيلم «نشيد الحجر» لجيل الانتفاضة، إزاء
تهافت جيل الثورة، وانكساره. كان ذاك في
العام 1991. وإذا كنا نعود الآن للتوقف
أمامه، فإنما نفعل ذلك تمهيداً للتوقف أمام
فيلم وثائقي آخر، سيأتي بعد عشرين
عاماً، تماماً في العام 2010. فيلم يضع
لنفسه مهمة تفحص المآلات والمصائر التي ذهب
إليها «جيل الانتفاضة»، بإرادتهم، أو في غفلة منهم، فيكون الحديث عن الجيل
الثالث: «جيل
الجدار»، تحت عنوان صريح: «أطفال الحجارة.. أطفال الجدار».
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2011
دوكس بوكس 2011 يحتفي بالمستقبل
يامن محمد - دمشق
في مؤتمر صحفي اعتاد منظمو المهرجان أن يقيموه
سنوياً أعلن رسمياً في صالة الكندي في دمشق يوم الأربعاء 23/2/2011 عن
البدء
المرتقب والمنتظر لمهرجان أيام سينما الواقع
DOX BOX
في الثاني من شهر مارس الآتي
في صالة الزهراء، حيث يعرض فيلم الافتتاح "القطار الأخير إلى
المنزل" من إخراج
ليكسن فان.
وها هو المؤتمر يمر هذه المرة دون أسئلة إلا
سؤال، توجه به أحد الصحفيين إلى عروة النيربية مدير المهرجان حول إمكانية
أن يحتفي
بالمخرج عمر أميرلاي الذي غيبه الموت عن حضور دوكس بوكس هذا العام، خصوصاً
وأنه عرض
للراحل في إحدى دورات المهرجان سابقاً فيلم مصائب قومٍ. وكان جواب عروة أنه
وبالرغم
من أنهم أولاد مدرسة المخرج التسجيلي الراحل أميرلاي، إلا أن الاحتفاء يه
في فترة
المهرجان، لا يعتبر الاحتفاء المأمول.. بل إنهم عازمون تحقيق
اجراءات كفيلة "بالاحتفاء
به طوال العمر".
في هذه الدورة 45 فيلماً إبداعياً قامت اللجنة
المختصة باختيارها من أكثر من 600فيلم تم ترشيحه، وهو ما يجعلنا نتوقع أن
المهرجان
سيحافظ على السوية العالية التي عود جمهوره عليها في دوراته السابقة...
وهذا العام
وكما هو ملاحظ يتجه منظموا المهرجان إلى استقطاب شرائح أوسع من خلال التوجه
إلى فئة
عمرية قلما تخاطبها فعالية ثقافية أخرى في سورية وهي فئة اليافعين من خلال
تظاهرة "إنه
عالمي". سيكون مقر هذه التظاهرة في صالة دمر بعيداً عن مركز المدينة، ومن
جهة
أخرى تزداد أذرع المهرجان طولاً وتشعباً، لتستحوذ على حلب أيضاً المدينة
الثانية في
سورية، بعد سابقاتها الثلاث المنضويات في تحت راية المهرجان: دمشق، طرطوس،
حمص.
وكما اعتاد المهرجان أن يستضيف مخرجين من أشهر
صانعي الأفلام التسجيلية في العالم، ستحل السينمائية التسجيلية البريطانية
كيم
لونجينوتو ضيفة على مهرجان سينما الواقع في دورته الرابعة في أول زيارة لها
إلى
سورية، صاحبة فيلم (كبرياء المكان) ضيف مهرجان لندن السينمائي،
وفيلم (الساري
الوردي)، و(ضمني أفلتني)
ومن الجدير بالذكر أن هذا المهرجان لم يقتصر فقط في
نشاطه على عرض الأفلام التسجيلية فقط، أو إحضار الضيوف من الخارج للتعرف
على
تجاربهم والاحتكاك بهم، أو إقامة الورشات التدريبية المتنوعة بحضور
اختصاصيين، بل
أيضاً "وهو بيت القصيد" يوفر فرصاً أمام التشبيك واقتراح
الأفكار ليصار في النهاية
إلى صيغة تتيح إنتاج المشاريع التي تثبت نفسها بعد الترشيحات المتتالية،
وهو ما
توفره منصة "تبادل" التي تفسح المجال أمام المشتركين في برامجها التدريبية
للقاء
مدراء وممثلين عن بعض أهم صناديق الدعم والمهرجانات التسجيلية العربية
والدولية
ومنهم: مدراء ومنسقون من الصندوق العربي للثقافة والفنون، معهد
سندانس، صندوق يان
فريمان ومعهد الشاشة من بيروت. وهو ما يهيء توافر فرص ضرورية للإنتاج بشكل
صحي تملأ
الثغرة الإنتاجية في هذا النوع الخاص من الأفلام السينمائية، ضمن ثغرة أوسع
تعاني
منها السينما السورية والعربية بشكل عام... وذكر السينما
العربية هنا ليس في غير
مكانه، أو بعيداً عن الموضوع فالمنصة تقدم فرص التدريب والدعم للمخرجين
والمنتجين
من البلدان العربية، ولمشاريعهم التسجيلية قيد التطوير أو الإنتاج، وذلك
ضمن "مخيم
التدريب" الذي استقبل هذا العام 63 طلب مشاركة من تسعة بلدان عربية، هذا
ولم نتحدث
بعد عن الدعم المادي المباشر (المالي والتقني) الذي يقدم عن طريق المهرجان
وبالتعاون مع مهرجانات أخرى، مثل مهرجان دبي.
ويبقى أهم ما وعد به عروة النيربية
جمهورَ المهرجان، والذي يجدر ذكره في النهاية، أنه وتبعاً لما حصل خلال
الشهرين
الماضيين من أحداث كبيرة في العالم العربي فعلينا أن ننتظر ما سيقدمه
"الواقع
العربي" الجديد لدوكس بوكس العام القادم من توثيقات ثمينة ترصد
الثورات الجديدة،
ولكنه نسي أن هناك –ربما- بالإضافة إلى الشهرين المنصرمين عشرة شهور قادمة
لاتزال
تخبئ كنوزاً لا يستطيع أحد تخمين وهجها بعد!
الجزيرة الوثائقية في
24/02/2011 |