ليس فيلماً عن
المفقودين المخطوفين، الذين أخفتهم الحرب الأهلية اللبنانية. ليس فيلماً
سياسياً أو
تحليلياً خاصّاً بهذه المسألة المفتوحة والمعلّقة. إنه، باختصار شديد،
فيلمٌ
إنسانيٌ محض. انطلاقته مرتكزة على المسألة نفسها. لكن الجانب
التخييليّ اتّخذ من
العلاقة الجديدة، التي يُفترض بها أن تنشأ في مرحلة ما بعد الفقدان والخطف،
جوهر
النصّ السينمائي. البداية: إطلاق سراح أحد المفقودين المخطوفين. المسار
الدرامي:
تفاصيل الحياة اليومية الجديدة للرجل
العائد إلى عائلته المفكَّكة. النهاية: رهنٌ
بالمُشاهدة. ليس تشويقاً، بل رغبة في عدم البوح بهذه النهاية.
إنها جزءٌ من
الحكاية، وإن اختلف البعض في قراءتها. المسار الدرامي منبثقٌ من تفاصيل
الحياة
اليومية الجديدة هذه، لكنه مفتوحٌ على حكاية بلد وناسه. مفتوحٌ على البوح
الحميم،
وإن ظلّ خفراً ومتواضعاً، إزاء التحوّلات الحاصلة، والتبدّلات
الضاربة في أعماق هذا
البلد وناسه. تحوّلات وتبدّلات ليست كلّها إيجابية. ليست كلّها سلبية
أيضاً. لكن
السلبيّ أقوى. أكاد أقول إنه احتلّ المشهد اللبناني كلّه تقريباً.
السؤال
المعلّق
استعاد بهيج حجيج، في فيلمه الروائي الطويل الثاني «شتّي يا دني»،
حكاية المفقودين المخطوفين. استعاد روحها العامّة، بالأحرى.
هذه مسألة مسكوتٌ عنها
في لبنان، رسمياً. أمراء الحرب والطوائف اتّفقوا، بعد خمسة عشر عاماً من
الدم
والمجازر والجنون، على تعليق عدد من القضايا الإنسانية. ملفّ المفقودين
المخطوفين
إحدى هذه القضايا. لا أحد من هؤلاء لديه جرأة الاعتراف بحقيقة
ما جرى. سيقت تبريرات
شتّى: تبادل أسرى. رغبة في إشعال فتيل المعارك مجدّداً. رسائل سياسية
وأمنية. بيع
أعضاء بشرية. لا حدود للجنون. لا قيم أخلاقية وإنسانية. هذه منتفية كلّياً
أثناء
الحرب الأهلية، وبعدها. غير أن هذا كلّه لا علاقة لـ«شتّي يا
دني» به. الفيلم خارج
السياسة والأمن والتحليل. خارج أحكام مسبقة متعلّقة بهذا أو ذاك من أقطاب
الحروب
اللبنانية غير المنتهية. بهيج حجيج ذهب إلى ما وراء المشهد الأمامي. بدا
كأنه
يُقدّم مداخلة إنسانية ذاتية حول سؤال جوهري: ماذا يُمكن أن
يجري من أحداث ومواقف
وانفعالات، عندما يعود مفقود أو مخطوف إلى ذويه؟
السؤال البسيط شكلاً، محمول
على كَمّ من التخييل الإبداعي. لم يعد أحدٌ من «هناك» ليروي سيرته.
العائدون أسرى
معروفون. بعضهم قال شيئاً عن التجربة الفردية. لكن المفقودين المخطوفين لا
يزالون
مفقودين مخطوفين. السلطات اللبنانية الرسمية طالبت الأهل بإعلان وفاتهم.
كيف يُمكن
إعلان وفاة شخص لا يزال مصيره مجهولاً؟ لا تزال «جثّته» غائبة؟ السؤال
البسيط
شكلاً، عميقٌ بكَمّ هائل من المشاعر والتفاصيل. أميل إلى القول
إن بهيج حجيج تمرّن،
في «شتّي يا دني»، على التعمّق قليلاً في فحوى هذا السؤال. بمضمونه
الإنساني
وأسئلته الأخلاقية الجمّة. بالعوالم التي تبتكرها عودة مأمولة. بالعلاقات
المنسوجة
مجدّداً بين العائد وذويه وأقاربه وناسه وبلده ومجتمعه. أميل إلى القول إن
إحدى
ميزات «شتّي يا دني» ابتعاده الدرامي عن الندب والبكائيات.
توغّله الخفر في شأن
إنساني بحت: زوجٌ/ أبٌ عاد إلى عائلته بعد عشرين عاماً من الغياب القسري.
ماذا بعد؟
ليس سهلاً على مبدع أن يتخيّل حالة كهذه. المبدع مطالب، أصلاً، بكَمّ كبير
من
الخيال الإبداعي. هذا صحيح. لكن الخيال وحده لا يكفي. «شتّي يا
دني» تمرينٌ على
الابتكار المتخيّل لحالة إنسانية. العائلة التي استقبلت رجلها (حسّان
مراد)، العائد
بعد عشرين عاماً من الغياب القسري، لم تعد العائلة نفسها التي فقدته ذات
يوم من
أيام الجنون غير العاديّ. الولدان (إيلي متري وديامون بو
عبّود) كبرا في مناخ
منقوص. الزوجة/ الأم (جوليا قصّار) احتارت في يومياتها: تربية ولدين. عمل.
رغبات
شخصية. عشرون عاماً فترة طويلة. المنقوص ازداد فراغاً. الضياع سمة. ألم يكن
البلد
برمّته ضائعاً، منذ النهاية المزعومة لتلك الحرب الأهلية
القذرة؟ ألم يكن الناس
جميعهم تائهين بين سلم أهليّ منقوص وحرب أهلية مستمرّة في أشكال مختلفة؟
هذا جزءٌ
من النصّ السينمائي الخاصّ بـ«شتّي يا دني». انطلاقاً من عودة الغائب، غاص
بهيج
حجيج في بعض التفاصيل الحياتية الراهنة: تغيير وجه المدينة.
الشوارع. العلاقات.
الحياة الليلية. التوهان. انسداد الأفق أمام الشباب. الانهيارات الذاتية
الصامتة.
الصدامات اليومية. هذه كلّها (وغيرها
أيضاً) عناوين العيش اليومي في مدينة منهارة،
ومجتمع مصاب بألف خيبة وخراب، وبلد مفكَّك. هذه كلّها جزءٌ
أساسي من النصّ
السينمائي الذي وضعه بهيج حجيج في «شتّي يا دني»، من دون إدانة أو تحليل،
بل
بمحاولة دؤوبة لقول الأشياء كما هي.
علاقات
لم يتوقّف «شتّي يا دني» عند
العودة فقط، متناسياً الغائبين. هناك زوجة (كارمن لبّس) مفقود مخطوف ثان
(علي مطر)،
تلتقي العائد صدفة. تنشأ بينهما علاقة غريبة، لا تقلّ غرابة عن
علاقات العائد
بالمحيطين به، وبمدينته وبيئته. الانتظار قاتل. الفراغ قاس. المرأة
المنتظرة خبراً
ما عن زوجها تعاني الأمرّين. تزداد المعاناة، ضمناً، عند لقائها العائد.
ماذا بعد؟
الأسئلة معلّقة. الأجوبة غائبة. المصير مجهول. الآنيّ مُتعِبٌ. أهو القبول
بالأمر
الواقع؟ مستحيل. أهو التأقلم مع الراهن؟ صعبٌ. الاستمرار
بالعيش؟ هذا أمرٌ واقعي.
زوجة العائد حاولت استكمال حياتها. أحد التفاصيل المصوَّرة بشكل جميل في
الفيلم،
كامنٌ في العلاقة العاطفية الناشئة بين زوجة العائد وأحد زملائها (بول
مطر). لم
يُنظِّر الفيلم ولم يُبرِّر. اكتفى بلقطتين اثنتين بسيطتين ومختصرتين، كي
يقول
الحكاية كلّها. الولدان مرتبكان. عاشا حياة طويلة من دون أب،
بل في ظلّ حكاية
الفقدان، وها هو الأب يعود مثقلاً بجروح الداخل. كأنه لم يعد أساساً. حياة
الليل
تعويضٌ عن فقدان. والفقدان، هنا، لا يرتبط بمسألة المفقودين المخطوفين فقط.
ألم
يُخطَف البلد كلّه أساساً؟ ألم يُخطَف مستقبل أكثر من جيل لبناني «نجا» من
الموت
أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وبعدها، فإذا به يجد نفسه معلّقاً في الفراغ
القاتل؟
بدا الابن غير مبال. يعمل قليلاً في النهار، ويمضي الليل ساهراً في
الخمّارات.
الابنة عاشقة موسيقى وعزف. لكن المنحة الموعودة إلى فرنسا لا تأتي. صدمة
إثر صدمة.
انكسار وخيبة. أفق مسدود. محاولة إنعاش
الجميع للخروج من المآزق الفردية عاجزة عن
توفير حدّ أدنى من حياة هانئة.
هناك أمرٌ أخير: وقف بهيج حجيج عند حكاية نايفة
نجّار (برناديت حديب). عاملة الهاتف في الصحيفة البيروتية اليومية «السفير»
فَقَدت
ابنها في منتصف الثمانينيات، أثناء موجة الخطف اللعينة. كتبت له رسائل
منشورة في
الصحيفة نفسها. ناشدت خاطفيه. سعى كثيرون إلى العثور عليه. النتيجة: لا أثر
له. مضت
تسعة أشهر. أقدمت نايفة نجّار على الانتحار. حملته في بطنها تسعة أشهر.
مرّت حكاية
نايفة في سياق الفيلم كشكل توثيقي، رغبة من بهيج حجيج في تذكير
المُشاهد بأن
المسألة أعمق من أن يتخيّلها العقل. أو أن يشعر بها الوجدان.
كم أن الحرب
قاسية. كم أن السلم أقسى.
كلاكيت
ماذا ستروي
شيريهان
نديم جرجورة
خرجت المرأة من عزلتها
القسرية. المرض أثقل عليها. جعلها خارج المشهد أعواماً عدّة. دفعها إلى
غياب لم تشأ
المثول أمامه وفيه طوعاً. خرجت المرأة إلى العلن. أرادت أن تكون إلى جانب
أولئك
الشباب الذين ملأوا الأرض حراكاً من أجل حقّ ضائع، استعادوا
جزءاً أساسياً منه.
أرادت أن تكون في قلب الحدث. خلعت الحجاب. أبانت وجهها المتأثّر بندب
المرض، من دون
أن تخشى شيئاً. جمالها الخارجي ماثلٌ، أبداً، في قلوب محبّيها. ماثلٌ،
أيضاً، في
عقولهم وانفعالاتهم وأحلامهم الوردية. جمالها الداخلي أقوى. في
خروجها إليهم، أشاحت
عن نفسها جدار الابتعاد، ومشت نحوهم بخطى ثابتة، حاملةً معها قهراً دفيناً
وفرحاً
بانتزاع الحقّ من فم التنين.
لم يكن انتقاماً من التنين فقط. إنه مسعى حقيقي
إلى الاندغام في شأن شعبي عام أيضاً. خروجها إلى الشباب في ذروة مقارعتهم
التنين،
دليلٌ على رغبة دفينة في قول متفلّت من أي قيد. هناك شيء من الثأر؟ لا بأس.
التنين
حاقد ومجنون ودموي. ما فعله بها، يتساوى إلى حدّ ما وأفعاله
الدموية ضد شعب ومجتمع
وبلد. لكن الثأر الفردي يتقوقع في زاوية ضيّقة، لأن الحراك الميدانيّ أبعد
من أن
يُختزل بمثله. الثأر الفردي جزءٌ من مشروع جماعي: الانتفاض ضد الطاغية، من
أجل
الحقّ الشرعي في حياة كريمة.
أقول المرأة، ولا أنسى الممثلة فيها. شيريهان لم
تكن ممثلة مثابرة على الإبداع. أدوار سينمائية قليلة جداً جعلتها في مصاف
الكبار.
استعراضاتها الراقصة أكثر شعبية. حضورها
على خشبة المسرح أيضاً. على الشاشة
الصغيرة. لكن، هناك جانب آخر صنع بعض أسطورتها: حياتها. قبل إصابتها بمرض
سرطانيّ
نادر، عرفت شيريهان مساراً حياتياً بائساً. القهر والظلم لحقا بها منذ
طفولتها
المعذّبة. كلام كثير قيل، منذ طفولتها المعذبة تلك إلى مرضها
والانتصار عليه. وبين
المحطّتين، أخبارٌ لا تنتهي عن مأزق ونزاع وتعذيب ووحشية وعلاقات، وأشياء
خفيّة سرت
كإشاعات، قبل أن تنطق المرأة بشيء يسير منها. قالت إنها مستعدّة للبوح.
البوح خطر.
هذا جزءٌ من مواجهة سياسة نظام تهاوى عند أقدام شباب متحمّسين من أجل خبز
معجون
بالحرية، ومن أجل عيش كريم مبني على الهناء. شيريهان والنظام المصري: عنوان
مفتوح
على تاريخ من العلاقات المتداخلة بين السياسة والمال
والنجومية. عنوان مفتوح على
القهر السياسي، والفساد المالي، والانفتاح النجومي على الاحتمالات
المتناقضة كلّها.
تُرى، ما الذي سترويه شيريهان عن علاقتها بعلاء مبارك؟ عن علاقتها بالنظام
المتكامل الذي بطش بمصر ونكّل بها؟ عن «سقوطها» (اقرأ: رميها)
من الطابق السابع؟ عن
استعادتها حيويتها ونشاطها، قبل أن ينقضّ تنين آخرٌ على جسدها، متمثّلٌ
بمرض
سرطانيّ نادر؟ عن حقائق المسألة؟ عن أوهام وخفايا؟
رواية شيريهان فصلٌ من فصول
بناء المرحلة المصرية الجديدة.
المصرية في
24/02/2011
فرانسوا تريفو ملك الموجة الفرنسية الجديدة
والغصن اليافع للصحافة السينمائية
نجاح الجبيلي
أقام معهد الفيلم البريطاني في 1
شباط 2011 مهرجان فرانسوا تريفو ويستمر إلى 12 آذار، إذ تضمن البرنامج عرض
الأفلام
الطويلة والقصيرة لتريفو مثل "فهرنهايت 451" ، "400 ضربة" ، "جول وجيم"
،"المترو
الأخير" ، "قبلات مسروقة" وغيرها إضافة، إلى
الكثير من الحلقات النقاشية عن تريفو وصنعته
السينمائية، وبهذه المناسبة كتب الناقد السينمائي جفري ماكناب
من صحيفة
الأندبندنت.
إذا كان ثمة مشهد يوجز أعمال المخرج الفرنسي فرانسوا تريفو الذي
يحتفي به معهد الفيلم البريطاني هذا الشهر فإنه المشهد الواقع
في منتصف فيلمه
المصنوع عام 1976 بعنوان "تغيير صغير" حول الأطفال الناشئين في بلدة صغيرة
في
فرنسا. رضيع يدعى غريغوري يترك وحيداً في شقة في الطابق العلوي. يلعب مع
قطة صغيرة
ترفض أن تدخل من النافذة ثم تحشر بها. يحاول غريغوري أن ينقذ القطة وتفلت
يده ويسقط
للأسفل إلى الموت المؤكد.. لكنه لا يموت. "غريغوري صنع بم!"
يخبر الطفل الصغير
المشاهدين المراهقين بينما هو ينفض عن نفسه الغبار على الأرضية التي تبعد
عدة طبقات
للأسفل. تصاب أمه بإغماء. لا يثير غريغوري أي جلبة ولا تريفو أيضاً. ففي
عالمه لا
يسمح للضرر أن يصيب الأطفال. وكما وصفه أحد أصدقائه كان تريفور "روحاً طيبة"
و"كنزاً من الرقة".
يستحق هذا الوصف أن يبقى في الذهن حين نأخذ بنظر الاعتبار
دخول تريفور لأول مرة في ثقافة الفيلم بمقالته في مجلة "كراسات السينما-
كاييه دو
سينما" بعنوان "اتجاه محدد في الفيلم الفرنسي" وكانت هجوماً شديداً على ما
بنذه
كونه "سينما الأب". حفر الناقد الشاب فيما أسماه "عرف النوعية" وشجب
المخرجين
المختصين بإعداد الروايات الأدبية إلى السينما التي فازت بالجوائز في
المهرجانات
والتي احتضنها النقاد الأجانب. وقد سخر كبار المخرجين وكتاب السيناريو
الفرنسيون من
غرور هذا الشاب ونبذوه وخمنوا أن النسيان سوف يلفه. وبالطبع حدث العكس.
أن
ثائرة تريفو كانت بسبب خيبة أمله مما عده الأسلوب الجاف لصناعة
الفيلم التي مثلها "جان
أورنش" و"بيبر بوست" وهما من أشهر كتاب السيناريو في ذلك الوقت، ومخرجون
مثل "كلود
أوتان لارا" و"إيف أليغريه". يقول المخرج مارسيل أوفلس عن مقالة تريفو:"
هناك
عدد كبير من المنتجين في ذلك الوقت تعاونوا مع الألمان خلال الحرب لذا
فهناك أسباب
متعددة لمحاولة القضاء على حصنهم في السينما الفرنسية". وثمة عنصر آخر كان
متعلقاً
بالأجيال إذ كان تريفو ضمن جيل الشباب الشغوفين بالسينما- بما يسمى
"الهيتشكوكيين-
الهوكسيين" (نسبة إلى المخرجين هيتشكوك
وهوكس-م) اللذين فضلا الأفلام من الصنف ب
المصنوعة في هوليوود على الأفلام الفرنسية المعدة عن روايات
أدبية.
ويقال أن
تريفو قد شاهد 4000 فيلم ما بين عامي 1940 و1955 فليس من الصعب فهم السبب
في تحوله
إلى السينما بمثل هذا الشغف. عاش المخرج تريفو طفولة بائسة.
وكانت الأفلام طريقه
إلى الهروب. وتكشف السيرة الذاتية لتريفو التي كتبها "أنطوان دي بوكو"
و"سيرج
توباينا" على مدى شبهه بتشارلز دكنز وبالأخص ديفيد كوبرفيلد بطل روايته. إذ
أنه لم
يعرف أباه البايولوجي مثل كوبرفيلد. ربما لم يعمل تريفو في معمل الأصباغ
كما عمل
دكنز في شبابه إلا أنه شعر بحس مشابه بالظلم حول تربيته. ولم
تعر أمه "جانين"
انتباهاً له. أما جدته من أمه الذي كان قريباً منها فقد ماتت حين كان هو في
العاشرة. وزوج أمه رونالد تريفو كان مهتماً بتسلق الجبال أكثر مما بابنه
الجديد.
كان تريفور في عطلات نهاية الأسبوع يترك وحيداً مع وجبات معدة سابقاً فيما
يذهب
أبواه إلى تسلق الجبال. وكما خمن زوج أمه بسرعة كان تريفو
الشاب يفضل "الدراجات
والأفلام" في الخلوات الكبرى. زاده الثقافي يتكون من ثلاث روايات في
الأسبوع وثلاثة
أفلام وظل ملتزماً بذلك بدقة قصوى خلال مراهقته. ومن كتابه المفضلين بلزاك
ودوماس.
بدأ هو وصديقه روبرت لاشيني بتأسيس جمعية الفيلم حين ما زالا مراهقين
واستخدما
أسلوب الحيلة ليحاولا أن يجعلا الجمعية ربحية. وزعموا أن جان كوكتو قد
زارهما مرة
وشاهد أحد العروض. وقد جاء الجمهور ودفع الكثير من أجل رؤيته
إلا أنه لم يظهر لهم.
وقد وضع كاتباً، سيرته وصفاً مروعاً لرونالد تريفو وهو يخبر الشرطة عن ابن
زوجته. كان تريفو الشاب لصاً صغيراً تجمعت عليه ديون كثيرة.
حاول رونالد أن ينتقم
منه حتى لو تطلب الأمر إيداعه في السجن. وفي محاولة مضللة أدرج تريفو في
خدمة الجيش
لكنه ذهب إلى "أوول" بدلاً من مخاطرة إرساله إلى الهند الصينية ما أدى إلى
سجنه.
وحين كان في أوائل العشرين من عمره أصيب
بالسفلس عدة مرات وصادق كاتب الأنفاق جان
جينيه الذي عدت روايته "مذكرات لص" بيان لحياته الخاصة.
حاز تريفو على الشهرة
بفيلمه "400 ضربة" – 1959 ويدور حول مراهق بائس هو "أنطوان دوينيل" (الذي
أدى الدور
جان بيير ليود). وفي ذلك الوقت طور "نظرية المؤلف" وهي مقترب مؤثر جداً في
نقد
الفيلم لكنها تعد نتاج نزواته الخاصة أكثر مما هي مؤسسة على قاعدة نظرية
دقيقة.
استعمل نظرية المؤلف للدفاع عن صناع الفيلم الذين أعجب بهم (من آبل غانس
وحتى
هيتشكوك) ولكي ينبذ أولئك الذين لم يعجبوه. كان تدريب تريفو على صنعة
الفيلم قد
رافق صنعته كصحفي وناقد. صادق المخرجين الذين أعجب بهم مثل
رينوار وروسليني وقابلهم
ولاحقهم وحاول العمل معهم، ولكي يمول فيلمه الأول رأى أن من المفيد له أن
يتزوج
مادلين مورغنشترن ابنة أحد أشهر الموزعين في باريس.
يكون من المفيد مقارنة "دوينل"
بطل فيلم "400 ضربة" مع الشخصية التي ظهرت مرة
أخرى وأدى فيها الدور ليود
أيضاً في أفلامه المتأخرة مثل "قبلات مسروقة" و " حب في
المهرب". كانت شخصية
المراهق الذي يشاهد على الشاشة لأول مرة يشبه المحارب:
عدوانياً شرساً بينما
الشخصية السينمائية البديلة لتريفو مختلفة حين كان شاباً: رجلاً متقلب
الأهواء
ورومانسياً.
من الواضح أن لتريفو شبهاً قوياً بلوشيان دي روبمريه البطل الطموح
في رواية بلزاك العظيمة "الأوهام الضائعة" الذي صنع اسمه كصحفي
في باريس لكن خدع
أولئك الذين كانوا قريبين منه وضحى بمثالياته. كما أنه من الواضح أيضاَ
التناقض
الشديد الكامن في هجوم تريفو على الأفلام المعدة عن الروايات الأدبية في
مقالته
المذكورة لأنه يكن حباً جماً للأدب والسينما. في أواخر
الستينات حين اعتنق صديقه
وزميله في الصنعة جان لوك غودار الماوية وبدأ يصنع أفلاماً برختية تمحص
الذات استمر
تريفو في الانتباه إلى الأفلام الطويلة المصنوعة بشكل جيد مع سرديات عرفية
مدهشة في
الغالب. ويعد فيلمه "جيم وجول" – 1962 من أفضل أفلامه وهو معد
عن رواية لهنري بيير
روش وهو كاتب وفنان كبير السن صادقه تريفور بعد ذلك.
هناك فيلم وثائقي بعنوان "
اثنان في الموجة" أخرجه عمانوئيل لوران" ووضع السيناريو "دي بوكو" يحكي قصة
الصداقة
والتنافس بين تريفو وغودار، وهما الشخصيتان الرئيستان في الموجة الفرنسية
الجديدة.
التقيا لأول مرة في أواخر الأربعينات وعلى
الأقل لحين انقطاع العلاقة بينهما عام
1962
تقدمت صنعتهما جنباً إلى جنب. يستذكر لوران قائلاً:" حين أخرج تريفو
فيلم "جول
وجيم" أجابه غودار بصنع فيلم "المرأة هي المرأة" وهي قصة من شخصيات ثلاثة".
أو حين
صنع تريفو فيلم "الجلد الرقيق" صنع غودار فيلم "امرأة متزوجة". إنه نفس
الموضوع.
ظلا يتحدثان ويحكيان الواحد للآخر من خلال أفلامهما".
حتى أن المخرجين استعملا
نفس الممثل وهو جان بيير ليود. " أراد غودار أن يجد بديلاً لتريفو في
أفلامه. قد
نقول أن تريفو أنجب هذا الممثل كصبي لكن غودار حوله إلى مراهق
إذ ارتقى ليود إلى
الوعي السياسي".
الميزة الأخرى التي يشترك بها المخرجان هما النساء. البداية
هزلية في فيلم تريفو عام 1977 "الرجل الذي أحب امرأة" حين
تلتفت المرأة التي تلبس
الحداد في الجنازة إلى الشخصية الرئيسة، إذ يمثل الفيلم نكتة
المخرج عن مغامراته
الرومانسية. وقائمة النساء اللاتي مثلن في أفلامه طويلة وتضم شخصيات مثل
كاثرين
دينوف ولسلي كارون وفاني آردان.
إن الصداقة بين تريفو وغودار انهارت في فجر فيلم
"النهار والليل" – 1973 وهو فيلم تريفو الذي فاز بجائزة الأوسكار حول
صانع فيلم
مهووس. وظن غودار أن تريفو كسدت بضاعته. وظن تريفو أن غودار دجال. ولم تكن
هناك
عودة إلى التقارب حتى مات تريفو أخيراً عام 1984 عن 52 عاماً.
كان تريفو شخصية
متنافصة بافتراض أن معظم أفلامه متجذرة في حياته الخاصة فلا عجب أنها كانت
متناقضة
أيضاً. وفي الخمسينات أصبح ناقداً وعُدّ "الغصن اليانع"
للصحافة السينمائية أو في
الأقل هذا هو رأي المخرجين الكبار الذين كان يهاجمهم بعنف. ظل
على رأس الموجة
الجديدة و كان طموحاً إلى حد القسوة. وفي الوقت نفسه جرت الرقة والحنين
خلال أعماله
أيضاً. إنه الطفل البائس والمراهق الجامح الذي لم يفقد أبداً حس الشفقة أو
تلك
الغريزة المتجذرة دائماً تجاه الغرباء.
المدى العراقية في
24/02/2011
هـمـفــــري بــوغــــــارت فـي ذاكــــرة
الـسـيـنـمـــــا
الكتاب: الحياة غير الاعتيادية لهمفري بوغارت
وما بعدها
تأليف: ستيفان كانفير ترجمة: ابتسام عبد
الله
كان الممثل همفري
بوغارت نموذجاً للأمريكي البطل، هادئ، يتحدث ببساطة ودون تعقيد، يجيد إخفاء
مشاعره
العميقة، تحت مظهر خشن، وبقيت صورة بوغارت التقليدية، رجل
يرتدي معطفاً للمطر، أو
بدلة للعشاء، وغالباً ما يمسك بسيكارة في يد
وقدح شراب في الأخرى، وظل بوغارت لعقود من
الزمن صورة للرجل الذي يفي بوعوده ويفعل ما يتوق دون إثارة ضجة ما، أو
ترديد كلمات
برّاقة. وقد وصفه الفرنسيون بـ"الوجودي"، فيما قال عنه آخرون، أنه نموذج
الرجل
الحكيم المتحرر من الانفعالات.
وقد حاول همفري بوغارت جاداًَ أن يمثل دور
الشرير، ولكن بيتر بوغدانوفيج قال عنه،" كان يفشل في إضفاء مظهر الشرّ عليه
لأن
الطيبة كانت في داخله".
أما كاثرين هيبورن فكان رأيها:"سار في وسط الطريق
المستقيمة، دون الرضوخ لاحتمالات الصح أو الخطأ.
لقد مضى اليوم أكثر من نصف قرن
على وفاته، ومع ذلك يبقى همفري بوغارت نجماً ورمزاً، ويتم الاحتفال بذكراه
في
الأسابيع السينية وتعرض أفلامه في دور السينما، وقد خلّد ذكراه عبر وضع
صورته على
طابع بريد أمريكي. كما اختارته الأكاديمية السينمائية
الأمريكية "النجم الأول
للشاشة"، في حين كانت كاثرين هيبورن النجمة الأولى.
وقد صدرت بوغارت كتب عدّة من
أبرزها ذكريات زوجته لورين باكال وابنه ستيفن، إضافة إلى مؤلفات عدة تناولت
سيرته
وأفلامه. فإذن لماذا هذا الكتاب الجديد عنه؟ إن المؤلف وهو ناقد سينمائي
كتب سيرة
حياة العديد من الفنانين ومنهم كروشو ماركس ومارلون براندو،
أراد أن يضيف بوغارت
إلى قائمته، وهو في كتابه لم يأت بجديد يتعلق بتفاصيل حياته وأعماله، ومع
ذلك يبدو
كتابه مفيداً بالنسبة للأجيال الجديدة التي لا تعرف الكثير عن الفنان
الكبير الذي
غدا أحد أساطير هوليوود والسينما العالمية.
ولد بوغارت في نيويورك، كان والده
طبيباً معروفاً، نشأ في وسط ينتمي إلى الطبقة العليا من المجتمع، وكان
متمرداً في
مراهقته، ينتقل من مدرسة خاصة إلى أخرى، ويهمل دراسته، ويثير الشغب بين
الطلاب.
اختار بوغارت أن يكون ممثلاً على مسارح برودواي أولاً، قبل أن يجد طريقه
إلى أفلام العصابات في هوليوود، وفي خلال أفلامه الـ45 الأولى،
تم شنقه ثماني مرّات
وتم الحكم بالسجن مدى الحياة تسع مرات، ولقي حتفه عشرات المرات بالرصاص.
ونقطة
التحول في حياة بوغارت كانت عندما تخلّى جورج رافت عن أدوار البطولة في
فيلم"جبال
سييرا العالية" و"نسر مالتيس"، واستندت إليه. ومن هناك انتقل بوغارت إلى
أفلام ،
كوّنت شخصيته السينمائية المعروفة، ومنها"كازابلانكا"، "أن تملك وان لا
تملك"،"السبات العظيم"، و"كنز سييرا ماديرا".
ويقول المؤلف أن
فيلم،"كازابلانكا"، سيبقى فيلم بوغارت لأنه أضاف إليه بعداً أخلاقيا،ولا
يمكن لأي
ممثل أداء ذلك الدور بإقناع تام كما فعل هو ليغدو بعدها،"بطل هوليوود
الأكثر
رومانسية، في سنين الحرب". وعند مشاهدة بوغارت في ذلك الفيلم،
سيجد المرء شخصيته
غير اعتيادية، يتوق الأمريكيون أن يكونوا مثلها.
عندما بدأ بوغارت تمثيل
فيلم،"كازابلانكا"، في منتصف عام 1942، كان نجماً، بلا مكانه مميزة، وعندما
انتهى
منه في شهر آب، أصبح أفضل ممثل في هوليوود في ذلك الزمان.
وفي كتابه، يولي
المؤلف أهمية للأفلام الأقل أهمية في حياة بوغارت، وكان من الأفضل التحدث
عنها
باختصار والانصراف إلى أعماله المهمة.
وقد توفي همفري بوغارت وهو في الـ 57، عام 1957 ، ووصفه جون هيوسن قائلاً،"كان العنصر الذي يديم ينابيع هوليوود
بموهبته
العظيمة وأدائه البارع موهبة وإبداع اعترف بهما العالم. إنه فنان لا يعوّض.
عن/
النيويورك تايمز
المدى العراقية في
24/02/2011
محطــــات سينمائيــة
"معجزة
عادية"
إعداد: عادل العامل
من السينما
إلى المسرح
معظم الروس يعرفون " معجزة عادية “Obyknovennoye Chudoباعتباره
فيلم عام 1978السحري الذي مثّله أوليغ يانكوفسكي، و ألكسندر أبدولوف، و
أندريه
ميرونوف و آخرون. أما الآن، فإن لدى جمهور المشاهدين فرصة مشاهدة القصة،
مستندةً
على مسرحية ليفجيني شفارتز على المسرح في نسخة موسيقية نُعرض
حالياً في مركز مسرح دَبروفكا. و الفيلم، الذي
أخرجه مارك زاخاروف، فيلم سوفيتي كلاسيكي يدور حول ساحر (يمثله
يانكوفسكي) يبتدع
حكاية خرافية استرجاعية بواسطة تحويل دب إلى إنسان، ويجب على ذلك الدب (أبدولوف)
أن
يجد أميرةً و يقبّلها، و بذلك يمكنه أن يُصبح دباً مرةً أخرى، لكن هناك
حباً و ما
هو أكثر من ذلك يتدخل في الحكاية. " إن موضوعته هي الحب الأبدي
ــ ومثل هؤلاء
الأبطال يوجدون في وقتنا هذا، صدّق أو لا تصدّق؟ ونحن نحتاج لمثل هؤلاء
المثاليين
ليعطونا المثال الذي نتّبعه "، كما قال يفجيني خالتورين، الذي يقوم بدور
صاحب الخان
في الفيلم الموسيقي.
ومن المسرح إلى السينما!
يجري الآن تطوير المسرحية
الفائزة بجائزتي البوليتزر و ستاينبيرغ للكاتب المسرحي نيلو كروز و إعدادها
ليقوم
بإخراجها المخرج القدير لي دانييلز، و تدور قصة (آنا في المنطقة
الاستوائية) حول
معمل للسيجار الكوبي في فلوريدا و عائلة من العاملين في لف
السيجار الذين، وفقاً
للتقاليد في كوبا، يشتغلون بينما يقرأ لهم قارئ صفحاتٍ من الأعمال الأدبية
الكلاسيكية، و كانت المسرحية قد ظهرت أولاً على مسرح برودواي في عام 2004
مع جيمي
سميتس بالدور الرئيس. و قد صرّح الكاتب قائلاً " إنني كنت أنظر إليها على
الدوام
كفيلم ، و لو أنني كتبتها كمسرحية. فهي كما أرى تنطوي على إمكانات لا حصر
لها لتكون
فيلماً، أما بالنسبة لدانييلز، فإني أحببت استخدامه للفنتازيا و الحياة
اليومية في
إخراجه لفيلم (Precious)،
وأرى أن قطعتي هذه تتعامل أيضاً بمستوىً مماثل من
الواقــع".
تدريب السينمائيين الشباب
أطلقت شركة صالون فيلمز (Salon Films)
في هونغ كونغ برنامجَ تدريبٍ، عابراً للحدود خاصاً بسينمائيي هونغ كونغ و
سنغافورة
الشباب، مع مبادرة تمويل مرتبطة بإعانة مالية من حكومة هونغ
كونغ، وفقاً لما قاله
رئيس هذه المؤسسة، فرَيد وانغ، لمراسل هوليود هناك، و قد تم تنظيم برنامج
التدريب
هذا بالتعاون مع " سلطات التنمية الإعلامية السنغافورية " من أجل استحضار
سينمائيي
سنغافورة الشباب للعمل في هونغ كونغ و الصين. و قد بدأ البرنامج في هونغ
كونغ،
بالمشاركة مع أكاديمية السينما في جامعة هونغ كونغ المعمدانية،
و استمر في بيكين، و
شنغهاي، و سوشو، بالتعاون مع مؤسسة سينما الصين، و استغرق ثلاثة أسابيع في
كل مدينة
من هذه المدن.
المدى العراقية في
24/02/2011 |