كم بتُّ
أجلّ وأحترمُ أمثالنا الشعبيّة العربية... وكم بتّ أدرك أن لا واحد منها
قيل عبثاً أو خطأً.. أتعرفُ فلاناً؟....نعم أعرفه جيّداً، هل
جرّبته؟.....كلا، لم
أجرّبه....إذن أنت لا تعرفه.
فالمصائب
والمشاكل محك الرجال... وإن الرجل موقف،
كرامة وكرم أخلاق..
ما أجمل
هذا الكلام الذي تعلّمناه صغاراً وحفظناه كلاماً عن
ظهر قلب.
ربما لم
نع حينها أننا سنجرّب هذا الكلام كأفعال، ممن لم نتوقّع أن
يتصرفوا بهذا الشكل البعيد كل البعد عن معاني الرجولة الحقة... خوفاً على
مصالح
ورغبات مقرّبين فارغين لا منطق في تصرفاتهم ولا ضمير في قراراتهم..
قالوا: من
يخطئ فهو إنسان... ومن يصر على الخطأ فهو شيطان.
وماذا
يقال عمن يرى الخطأ
والمخطئ فيقف في صفه والى جانبه، مبرراً ذلك بشتى الحجج
الواهية والأعذار العقيمة
التي تعرّيه وتنزله من برجه، الذي طالما تحصّن به واتخذه سلماً لنجاحات
وفرض هيمنة
على غير المدركين للحقيقة المرة.
لن أطلق
أنا الألقاب ولا التصنيفات....فكل يعرف
كنه نفسه... ويكفيني أن تعلمت الكثير وبتّ أميز بين الغث والسمين.. بين
الحق
والباطل وأيضاً بين الكاذب والصادق.. والأهم بين النظيف والانتهازي..
إنها دروس
لا
نتعلمها في المدارس...فقط في مدرسة الحياة الغنية بالمواد والمعلومات..
منها
الايجابية ومنها السلبية...منها الحلوة ومنها المرة...منها
الموجعة ومنها
الممتعة... والقائمة طويلة.
المهم في
الأمر أن لا نترك هذه الدروس تمر من قربنا
مر
الكرام وكأن شيئاً لم يحدث، بل أن نتعلم ونفهم عسانا لا نلدغ من الجحر
مرتين.
كانت
صدمتي في الزعيم كبيرة.. فانّ أكثر ما يؤلم المرء هو صدمته في من
اعتبره ولسنوات طويلة قدوةً ومثلاً يحتذى.. فإذا به ليس أكثر من إنسان عادي
بل
أقل.
حين تسقط
كل أقنعة المرء أمام التجربة الحقيقية الأولى... ينكشف أن كل ما
كان يصوره لك ولغيرك بأنه ذهب، ما هو بالواقع إلا حديد مطليّ بماء مع صبغة
ذهبية
اللون، ومن شدة احتياجنا لمن ننبهر به وبقدراته صدّقنا أعيننا
التي انخدعت بالبريق
هي
الأخرى.
سرعان ما
تساقطت أوراق التين لتكشف العورات، فيبدو واضحاً للعيان أنّ
المصالح الشخصية ومصالح المقرّبين هي الأهم حتى لو كان ذلك على حساب مشاعر،
حياة
ومصير الآخرين....فان ذلك لا يهم ولا يعني المنتفعين وأصحاب النفوس الهشّة
إطلاقا.
ها هو
'الزعيم' عادل إمام يصدم الجميع...
فقد كان
نعته للثورة في مصر
بأنها أعمال بلطجة وقلة أدب آخِر ما أمكننا تخيّله من فنان
تحول لنجم عربي،
انطلاقاً من أدواره التي تصب في مصلحة الكادحين و'الغلابة' المصريين خصوصاً
والعرب
عموماً.
حين وقف
قبل ذلك ضد حماس وحزب الله أمكننا تفهم الأمر قليلاً... أما أن
يقف ضد أبناء وطنه الذين عملوا منه نجماً وزعيماً فهذا ما لا يحتمل..
لطالما كنت
أختلف مع أبي حول عادل إمام.. لطالما اعتبره أبي منافقاً يعمل لمصلحته فقط
، وانه
إن جد الجد ستنكشف حقيقته التي تدل على كونه أحد رجال
السلطة... لصغر سني من جهة
ولانبهاري بأدواره لم أوافق على ذلك حينها... وبالتالي كانت صدمتي كبيرة
بمن
اعتبرته زعيماً.
كنت قد
شاهدت له مقابلة قبل فترة تغنّى فيها بالنظام الحاكم في
مصر وبالرئيس حسني مبارك. والآن بعد الثورة سمعته يدافع بشدة عن مبارك
ويستغرب
لماذا يشتمه المواطنون متسائلاً: ما الذي فعله مبارك حتى يشتم؟ لقد سمعتهم
يشتمونه
شتائم نابية جدا عبر الشاشات والرئيس لم يرد على ذلك، بل
سامحهم ووعد بالتحسين لأجل
مصر! هل يعقل أنه استخف بنا وبعقولنا طيلة هذه السنوات؟ وانه لم يكن أكثر
من صفارة
'طنجرة
ضغط ' استعملها النظام للتنفيس عن الشعب المصري الكادح بكل وقاحة
وانتهازية؟
ترى هل
كانت أعماله ليست أكثر من مجرد حبات مسكّن يوزعها النظام من
حين لآخر كي لا ينفجر المواطنون؟
ترى هل
وصل به الحال حد جنون العظمة معتقداً
أنه زعيم
بالفعل من منطلق 'كلب البيه بيه'؟
ها هي
المواقف تثبت وتبيّن أن
النياشين معادن إنسانية وقيمية قبل أن تكون معادن مادية...
النياشين قيم ومعايير
أهمها حب الوطن... وحب الوطن ليس كلمة تباع وتشترى...! بات واضحاً أن عادل
إمام
فنان البلاط الأول وقد حقق من وراء تقرّبه من السلطة مآرب شتى.. وهذه
العلاقة
الثنائية مهما اختلفت مجالاتها فهي وجهان لديكتاتورية واحدة.
وأعود إلى
أمثالنا
الشعبية واصفة ما فعله بـ:'اجا يكحّلها...عماها'.
فقد وضع
جماهيريته وسمعته على
المحك من دون أن يحسب حساباً لهذه الجماهيرية والمحبة من الناس.
وإن عدنا
للمقابلات التي أجريت معه فنرى أنه طالما خلق مساحات لنفسه مستندا إلى نفوذ
النجم
الذي أعمى عيوننا ببريقه... فعادة لا يترك عادل إمام نفسه
مفتوحا للجمهور، بل يفرض
شروطه ليضمن أن لا أحد يمسه أو يحاول النيل من صورته من خلال سؤال أو
استفسار قد
يحرجه على الهواء.. ألا يشير كل ذلك إلى ديكتاتورية 'الزعيم'...؟
قد
تتساءلون
لماذا أصبّ جلّ غضبي على نجم مصري واحد، رغم غياب أصوات الفنانين وحتى
الأدباء
والشعراء المصريين كما العرب...؟ فالسكوت دليل ضعف يمكن تفهمه
إلى حد معيّن.... أما
الدفاع عن الطاغية في مثل هذا الأوان العصيب من قبل نجم الشعب، فانه غير
محتمل...
فكما لو أنه صرحٌ وهوى محدِثاً جلبةً ودماراً نفسياً ومعنوياً...!
ويبقى
سؤال
الأسئلة طبعاً مزلزلاً: أين الفنانون، الشعراء، الأدباء، المخترعون، أين من
يتسابقون على الإنتاج الفني وعلى نسبة مشاهدة المتلقين السذج
كل رمضان؟
وهنا لا
بد
من تحية احترام للروائي المصري البارز بهاء طاهر الفائز بجائزة مبارك
للآداب،
التي تعتبر أرفع الجوائز المصرية ردّه الجائزة التي تحمل اسم
الرئيس الذي هدر دماء
المصريين الطاهرة طوال ثمانية أيام من الاحتجاجات... وعلّق الطاهر على
الأمر
قائلاً: لقد قبلت الجائزة عام 2009 باعتبارها جائزة الدولة، وتعتبر جائزة
من المقام
الأول... وأردها اليوم بكل راحة ضمير.
عاشت مصر
حرة أبيّة.
كاتبة من
فلسطين
randazriek@gmail.com
القدس العربي في
04/02/2011
المهرجان الوطني الثاني عشر للفيلم الوطني المغربي:
سجالات
ومحاورات للأفلام والمخرجين
عبد السلام
دخان
قدمت سينما الروكسي في الفترة الممتدة من 21 كانون
الثاني/يناير2011 إلى 29 يناير منه، 19 شريطا طويلا و19 فيلما قصيرا، اتسمت
بتنوع
في الأشكال والرؤى السينمائية، وبسجالات حادة لأفلام متعددة الاتجاهات، وهي
نقاشات
ركزت بالخصوص على طبيعة اللغة السينمائية وعلاقتها بالمتن السينمائي.
وعرفت هذه
الدورة تزايداً ملحوظا في عدد المتابعين للمهرجان، وهو ما جعل قاعة سينما
الروكسي
التي تتوفر على 800 مقعد تعجز عن استيعاب الأعداد الوفيرة
للجمهور، الذي ظل طوال
أيام هذا المهرجان ينتظر دوره في مشاهدة جديد السينما المغربية.
1
جوائز
المهرجان
تميزت الدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بارتفاع قيمة
الجائزة الكبرى للفيلم المتوج من سبعة ملايين إلى عشرة ملايين.
نظرا لارتفاع وتيرة
الإنتاج، سواء بالنسبة للفيلم الطويل أو القصير، كما أن هذه الدورة تتميز
بمشاركة
جيدة للفيلم الأمازيغي لكل من عبد الله فركوس، ومحمد مرنيش، وجمال الدين
بلمجدوب.
وتكونت لجنة تحكيم مسابقة الأشرطة الطويلة، التي ترأسها السيد أحمد غزالي،
رئيس
الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، من ماري بيير ماسيا، منتجة فرنسية
ومديرة
صندوق سند لمهرجان أبو ظبي، ودونيس أوديل، منتجة بريطانية،
وديما الجندي منتجة
ومخرجة لبنانية، وباربيل موش منتجة ألمانية، وماما كايتا مخرج غيني،
والمختار آيت
عمر ناقد سينمائي مغربي.
أما مسابقة الأفلام القصيرة، فأشرفت عليها لجنة تحكيم
ترأسها المخرج المغربي محمد مفتكر، وضمت الممثلة المغربية سليمة بنمومن
والصحافية
اللبنانية هدى إبراهيم والمخرج والناقد السينمائي المصري أحمد عاطف والناقد
السينمائي المغربي محمد بلفقيه. وقررت لجنة تحكيم المسابقة
الرسمية للأفلام الطويلة
منح الجائزة الكبرى لمهرجان الفيلم الوطني للشريط السينمائي 'أشلاء' لمخرجه
حكيم
بلعباس. وأوضح أحمد الغزالي رئيس لجنة التحكيم، خلال حفل اختتام الدورة
الثانية
عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، أنه تقرر تتويج الشريط السينمائي
المذكور نظرا لقوته
وعمقه في معالجة القضية التي يطرحها. كما قررت اللجنة منح جائزتها الخاصة
إلى شريط 'النهاية' لمخرجه هشام العسري، فيما رأت
اللجنة منح جائزة العلم الأول لشريط 'فيلم'
لمخرجه محمد أشاور، الذي أثار جدلا واسعا بعد عرضه الأول في إطار المسابقة
الرسمية
للمهرجان. وقررت لجنة التحكيم كذلك تتويج فيلم 'ماجد' لمخرجه نسيم عباسي
بجائزة
السيناريو، فيما كانت جائزة احسن دور نسائي من نصيب مريم
الراوي ضمن فيلم 'أيام
الوهم' لمخرجه طلال السلهامي، وتم كذلك تتويج فيلم 'جناح الهوى، لعبد الحي
العراقي،
وفازت الممثلة نفيسة بن شهيدة بجائزة ثاني دور نسائي عن دورها في فيلم
'أكادير
بومباي'، للمخرجة مريم بكير. وحصل الممثل فهد بنشمسي على جائزة
ثاني دور رجالي عن
دوره في شريط 'فيلم' لمحمد أشاور، فيما عادت جائزة التصوير لمحمد سلام عن
فيلم 'أيام الوهم' لطلال السلهامي، وجائزة الصوت
لفوزي تابت عن فيلم 'الوتر الخامس'
لسلمى بركاش، وجائزة المونتاج لكل من صفاء بركة وروت لينا وكيرين بنرفائيل
في فيلم 'أرضي' لنبيل عيوش. ومنحت لجنة التحكيم
جائزة أحسن موسيقى لعادل عيسى في فيلم
'أرضي'
لنبيل عيوش، فيما نوهت اللجنة بالطفلين إبراهيم البقالي ولطفي صابر عن
دورهما في فيلم 'ماجد'، كما نوهت بشريط 'الوتر الخامس' لتفرد فكرته وتحكمه
في اللغة
السينمائية. أما في ما يخص مسابقة الأفلام القصيرة، فقد قررت
لجنة تحكيمها، تتويج
فيلم 'حياة قصيرة' للمخرج عادل الفاضلي، الذي سبق له أن حصل على جائزة
للمهرجان
المتوسطي للفيلم القصير بطنجة دورة تشرين الاول/ أكتوبر 2010.
2
جائزة
الراحل نور الدين كشطي للنقد:
اختارت الجمعية المغربية لنقاد السينما أن
تقدم نتائجها في هذه الدورة بكلمة جاء فيها 'كان هنا عاشق ومتيم بالسينما.
ذاب حد
التصوف في زهدها. سمته الحب والوفاء لنا ولكم جميعا. لكن وعلى غفلة منا رحل
في لحظة
عابرة من هذا الزمن الغادر. ابتسم قبل الرحيل ومن نعشه ترك
وصيته الأخيرة، لا
مساومة في عشق سينمانا الوطنية. كان هنا جسد نحيل، حالم. ولا زال وسيبقى في
وجداننا
حلما رائعا. أقسمنا أن نبقى أوفياء لبساطته وروعته. وفاء للعهد، والقبر كما
الدموع
لم تجفا بعد، أن نطلق على جائزة النقد لهذه الدورة جائزة
الراحل نور الدين
كشطي.'
وقررت لجنة النقد التابعة للجمعية المغربية لنقاد السينما والمكونة من
النقاد: أحمد فرتات رئيساً وعضوية كل من عز الدين الوافي
وبوبكر الحيحي وسعيد
المزواري وعبد الجليل لبوري أن تمنح وبالإجماع جائزة النقد للفيلم القصير
لشريط
تمكن مخرجه من الأدوات الجمالية وتناسق العناصر السردية علاوة عن غنى
مضامينه.
ويتعلق الأمر بشريط حياة قصيرة لعادل الفاضلي. أما جائزة الفيلم الطويل فقد
قررت
لجنة النقد أن تقدم تنويها خاصا لشريط ركب المغامرة الفيلمية، واجتهد مخرجه
في
إبداع شكل متميز ومجدد من خلال رؤية متفردة وهو شريط 'النهاية'
لمخرجه هشام العسري.
أما بخصوص جائزة النقد فقد قررت لجنة التحكيم منحها لشريط تميز على مستوى
الطرح
الجمالي وتماسك البنية السردية لجنس سينمائي جدير بالاهتمام والتقدير.
والشريط هو
'أشلاء'
للمخرج حكيم بلعباس.
3
السينما المغربية: الحصيلة
والآفاق
أعرب المدير العام للمركز السينمائي نور الدين الصايل في الندوة
النقدية حول الحصيلة السينمائية لسنة 2010، عن أهمية تزايد
وتيرة الإنتاج السينمائي
بالمغرب، وأن المركز السينمائي يمتلك خطة مرتبطة بالعامل الزمني، ورغبة في
النهوض
بالشأن السينمائي المغربي، معتبراً أن قضية السينما بالمغرب هي قضية كيان.
وارتباطا
بسؤال وجهناه للمدير العام للمركز السينمائي نور الدين الصايل حول أهمية
البعد
الفكري والمعرفي في الصناعة السينمائية، الذي تؤشر عليه
افتتاحية كتيب المهرجان من
خلال كلمة الفيلسوف الفرنسي الان باديو، الذي اعتبر أن السينما في العمق
تقدم
للفلسفة درسا في الأمل لاستشراف المستقبل، من خلال معالجتها لما هو وضيع
كالعنف
والخيانة، وأن هيمنة هذا الواقع لا تعني غياب الفكر. وأن هذا
الواقع قد يسمو من
خلال هذا الوضع، مؤكدا أن سيادته لا تتحقق بصفة دائمة ولا تحدث بالضرورة في
كل
مكان، لكن ثمة بالتأكيد انتصارات، وأشار الان باديو إلى أن عمل الفلسفة هو
أن تخرج
بخلاصات مفاهيمية تصورية متى تم إدراك مرحلة القطيعة، وعمل
السينما هو أن تدرك
الخلاص من صراعات العالم الأكثر ابتذالا، ذاك إذن هو وجه الشبه الذي
يتقاسمانه.
إجابة نور الدين الصايل اعتبرت أن هذه
المقولة تؤكد أهمية البعد الفكري للسينما
كخطاب جمالي، وهذا المكون في إمكانه أن يجعل من السينما أداة
لفهم العالم والتفكير
فيه، وهي ضرورة أساسية للسينما المغربية غير أنها لا تمثل إلا معطى من
المعطيات
المتعددة التي تميز منجز السينما المغربية. وتحدث في الوقت نفسه عن ان
ميزانية
الدعم لا تتجاوز عشرة ملايين درهم توزع على خمسة وعشرين
منتجاً، أي بما يعادل السعر
المتوسط لإنتاج فيلم فرنسي. وحول إشكال الكم والكيف قدم المدير العام
للمركز
السينمائي مقاربات متعددة لهذا الإشكال، مثل الحديث عن السينما الفرنسية
التي تنتج
حوالي مئتي فيلم لا يبقى منها إلا خمسة عشر إلى عشرين فيلما جديرا
بالمشاهدة، وفي
نفس السياق فإذا كان المغرب قد أنتج تسعة عشر فيلماً، فإن وجود
ثلاثة أو أربعة
أفلام في النهاية هو مؤشر جيد. والأفلام المغربية يضيف نور الدين الصايل
تتجول في
العالم، وحازت في كل المهرجانات خمس عشرة جائزة في مناطق مختلفة من العالم.
وإشكال
القاعات السينمائية طرح بشدة مع تزايد الإنتاج السينمائي وبمساعدة كل
الأطراف، خاصة
القطاع الخاص الذي عليه أن يدرك أن المساهمة في الشأن
السينمائي أصبح اليوم مرحبا
به، لأنه صناعة مدرة للدخل، وقدم نور الدين الصايل مثالا لمركب سينمائي
'بعين
الذياب' بالدار البيضاء الذي يحقق أربعين في المئة من مداخيل السينما
المغربية، وهو
مركب يتوفر على كل شروط الفرجة السينمائية الجيدة. ولهذا السبب
قدم المركز
السينمائي مشروعاً لإعفاء كل المركبات السينمائية من الضرائب. وحول
المهرجان الوطني
أكد الصايل أن تمويله هو الأرخص بين كل المهرجانات، وهو تمويل لم يتغير منذ
عشر
سنوات. واعتبر أن المهرجانات الآن تقوم بنفس الدور الذي كانت
تقوم به الأندية
السينمائية في سبعينيات القرن الماضي. والسينما برأيه تمثل أداة للتفكير
والتأمل،
وهي ليست خطراً على الأطفال على عكس التلفاز الذي يمثل خطرا حقيقيا على
الأطفال.
أما الفيلم الوثائقي فهو الان يحظى بنفس الأهمية التي يحظى بها الفيلم
الروائي
الطويل، وهو الآخر ينغمس في القول السينمائي الحكيم.
4
إشراقات
سينمائية
عنف المتخيل السينمائي في فيلم 'ماجد' لنسيم عباسي:
حملت الدورة
الجديدة للفيلم المغربي أعمالا سينمائية جديرة بالمشاهدة، ومنها فيلم
'ماجد' لنسيم
العباسي الفيلم الممتد في مساحة زمنية تناهز 116 دقيقة، وهو
فيلم يتسم بالسرد الخطي
لقصة الطفل ماجد اليتيم، الذي ومنذ أول لقطة ندرك طبيعة حلمه الناتج عن
رغبة في
رؤية صورة والديه غير المكتملة، الطفل ماجد الذي انتقل للعيش في مدينة
المحمدية
رفقة أخيه إدريس الذي يشتغل في احد المعامل بمدينة المحمدية،
والذي يبدد حزنه
وشعوره بالضجر في معاقرة الخمر واللهو إلى ساعات متأخرة من الليل، في ما
يقضي ماجد
يومه في بيع الكتب أمام باب المسجد، لينتقل إلى بيع السجائر رفقة صديقه
المشاكس،
الذي يتسم بصلابة شديدة نتيجة العنف الذي يتعرض له من أسرته
(الأب)، والمجتمع،
وتتشابك وتتعقد خيوط الفيلم، لكن المخرج نسيم العباسي فضل أن تبقى القصة
المهيمنة
هي محرك الأحداث، حيث تظهر شخصيات وتختفي أخرى تبعا للمتواليات السردية،
وتستمر
مغامرة ماجد الراغبة في تحقيق الحلم والحصول على صورة الوالدين
غير المكتملة، مما
يتوجب معه رحلة شاقة من المحمدية إلى الدار البيضاء ومعها رحلة حياة، حيث
يسعى
المخرج إلى تقديم لقطات مباشرة لحياة الناس البسطاء، وطريقة عيشهم لينتقل
إلى فضاء
آخر مخالف للفضاءات الأولى المهمشة، حيث ماجد رفقة أخيه
بالمحمدية وحيث صديقه بائع
السجائر في أحياء الصفيح، وإذا كان هذا الفيلم قد حقق مزية الحكاية
الفيلمية
المتناسقة في شكلها وفي مضمونها، فإنه حقق في الوقت نفسه مزية تصوير الواقع
المغربي
بكل اختلالاته، ومظاهر العنف والتهميش، والإشارة إلى ظواهر
اجتماعية متعددة مثل
ظاهرة الأصولية المعتدلة، وظاهرة تعذيب الأطفال، والتشرد، والتفاوت الطبقي،
خاصة
بين أحياء الصفيح التي قدمها المخرج بلقطة قدرية وحي كاليفونيا، حيث يقطن
قريب ماجد
المحتفظ بصورة والديه، والمتسم بجشعه وافتقاده للروح
الإنسانية، وهو ما تجلى في
طريقة استقباله لهذا الطفل من دون مراعاة للمسافة التي قطعها ومن دون
مراعاة
لمعاناته النفسية، وثمة خطاب آخر أراد المخرج إيصاله للمتلقي مفاده أن هذه
الطبقة
قد تبدو سعيدة من الخارج بحكم توفرها على كل أساليب الرفاهية،
لكنها غير سعيدة بحكم
مشاكلها الداخلية، التي لخصها لدى هذه العائلة في معاناتها مع الابن طريح
الفراش
منذ سنوات. بالدار البيضاء تحقق حلم ماجد في الحصول على صورة أبويه، لكن
الرحلة لم
تنته. وفي الآن نفسه يتضمن الفيلم إمكانية تحقق حلم أخيه في السفر إلى
الخارج (قدم
المخرج هنا حلا طوباويا تجلى في صديق إدريس الذي أبدى استعداده لمساعدته في
الهجرة
إلى أوروبا ). نهاية صديق ماجد كانت مأساوية لأنه سيلقى حتفه
على يد متشرد كان
يستغله في فضاء عام، وكأنه إشارة إلى انتشار الجريمة في الفضاءات العامة
بالمغرب،
والموت الذي يترقب فئة عريضة من الناس تعاني من الحرمان وتعيش في الهامش
بدل أن
ترتاد المدارس وتحظى بالرعاية اللازمة وتعيش طفولتها. ويظل
ماجد مصراً على مرافقة
أخيه خلسة، ولعل لهذه النهاية المفتوحة أثرها في ترك المتلقي يؤول الفيلم
تبعا
لطبيعة الإدراك الجمالي، وينبغي الإشارة هنا إلى تميز أداء الممثلين
المغاربة،
الذين عبروا في لقطات قليلة عن إمكاناتهم الجيدة في الأداء
الفيلمي، خاصة الفنان
عبد الرحيم التونسي المشهور بعبد الرؤوف، وينبغي الإشادة في الوقت نفسه
بمكونات
العمل السينمائي، خاصة على صعيد الرؤية السينمائية الإخراجية والمونتاج
والصورة
والميكساج والكاستينغ، الذي كان مناسبا مما ساهم في إنتاج واقع
فيلمي جديد يرتبط
بحياة ماجد السينمائية. والفيلم يدخل في خانة الأفلام التي تتخذ من الطفولة
موضوعا
لها، وتتناول حياة الأطفال المشردين الذين يعانون من الأزمات الاجتماعية
والنفسية،
وهي أفلام نادرة في تاريخ السينما المغربية التي لا تتوفر إلا على فيلم 'من
الواد
لهيه' لمحمد عبازي، وفيلم 'علي زاوا' لنبيل عيوش، عكس السينما الإيرانية
التي يمكن
اعتبارها رائدة في هذا الاتجاه.
حوار الصور في فيلم 'حياة قصيرة' لعادل
الفاضلي:
في سياق حديثنا عن الإشرافات السينمائية لهذه الدورة، يمكن الحديث عن
فيلم 'حياة قصيرة' لعادل الفاضلي، الذي تميز بلغته السينمائية
القوية لأنه راهن في
كل تفاصيله على التجاوب الجمالي للمتلقي، والفيلم يتسم بهيمنة صوت السارد
وغياب كلي
للحوار المباشر، لأن المخرج عوضه بحوار الصور مما سمح لمخرجه بحرية الذهاب
والإياب
في الزمن الفيلمي، وهيمنة المفارقات الساخرة والاستعارات والإشارات
التاريخية
والرمزية، طالما أن كل الأحداث تقع يوم الخميس. ويحكي الفيلم
قصة ولادة طفل في ظروف
طبيعية صعبة، فقدر له أن يولد في يوم ماطر، لتموت الأم مباشرة نتيجة تماس
كهربائي،
ويتخذ الوالد قراراً مفاده أنه لن يشرب الماء أبدا ليتحول إلى شرب الخمر،
وتستمر
معاناة هذا الأب مع طفله حيث يتركه في أوقات عمله مع الجارة
المومس، أو الجارة
الدجالة، ثم يتزوج الأب من امرأة أخرى يقدمها المخرج بنفس السخرية (المرأة
تحلق
ذقنها بجوار الأب) ويقارن السارد بين فرحة الوالد بالزواج وفرحة المغاربة
بالمسيرة
الخضراء، وقدر لهذا الطفل أن يدخل المدرسة ويفشل في دراسته، ويكبر ويمتهن
مهنا
وضيعة، ويتم تجنيده من قبل الحركات الأصولية ويذهب إلى
أفغانستان، حيث يعود بجسده
في حين أن ساقيه ذهبت إلى الجنة على حد تعبير السارد، ووسط الظلمة ينبثق
ضوء الأمل
فيتزوج من امرأة فاقدة هي الأخرى لساقيها، وتلد له طفلا في ظروف تكاد تكون
مشابهة
لولادته، لكنه يحاول جاهدا أن يكون مستقبل ابنه أحسن. ويمكن
القول ان فيلم 'حياة
قصيرة' الذي اتسم بقوة الحكاية وحوارية الصور السينمائية وتعدد الفضاءات
والألوان
والشخصيات يمثل تنويعا في الفيلم القصير المغربي، الذي أصبح يلقى اهتماما
بارزا مع
تقدم الصناعة السينمائية بالمغرب.
القدس العربي في
04/02/2011
للمخرج المغربي الشاب هشام لعسري:
فيلم 'النهاية' يفوز
بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان الوطني للفيلم
في دورته الـ12
مراكش - من حسن وهبي:
قبل الحديث عن فيلم 'النهاية'، تجدر
الاشارة الى صعوبة تناول الفيلم المعروض في المهرجان والاشتغال عليه كناقد
سينمائي،
لان الامر يتطلب عدة مشاهدات.
او كما قال احد السينمائيين الفرنسيين يجب ان تكون
المشاهدة الاولى للفيلم في القاعة السينمائية وبعد ذلك لا بأس من مشاهدته
على القرص
المندمج (DVD)
مما يساعد على القراءة المتفحصة للفيلم السينمائي حيث امكانية اعادة
اللقطات والمشاهد من أجل الوصول الى المبتغى من قراءة الفيلم
قراءة دقيقة على الاقل
للعمل الابداعي السينمائي. ولهذا فان قراءتنا لفيلم 'النهاية' لن تخرج عن
هذا
السياق، خصوصا ان هناك افلاما بينها وبين المهرجان الوطني للفيلم 12 عدة
ساعات فقط،
بمعنى لا زال ترويج في القاعات السينمائية مستبعدا. اضف الى
ذلك ان ظروف المهرجان
حيث تتم مشاهدة تسعة افلام بين قصير وطويل، بالإضافة الى المناقشة التي تتم
في
الندوات الصحافية والنقدية، وهو الامر الذي يتطلب عناية وتركيزا من طرف
الناقد
السينمائي على الخصوص. من هنا فان الهفوات يمكن مراعاتها. وما
هذه الكتابة الا
تذكار لما يمكن تذكره مع المشاهدة الاولى تحت تأثير تلك الظروف الموضوعية.
كم هو
جميل ان تشاهد فيلما سينمائيا لتتناوله بالنقاش في الغد وفي طراوة الفيلم
متعة اخرى
قد تسودها التلقائية التي يتم اختبارها في ما بعد. كما ان واحدة من
المخرجات
الفرنسيات، وهي تشاهد فيلما مغربيا تمكن من التأثير فيها الى
حد البكاء. وكان
الحضور ينتظر موقفا ايجابيا في تدخلها لكنها قالت 'البارحة بكيت وتأثرت
لكنني اليوم
سأناقش الفيلم بمنطق اخر حيث النظرة الموضوعية'.
حينما شاهدت فيلم 'النهاية'
لهشام العسري تيقنت ان كتابة السيناريو كانت دقيقة، نظرا للبناء الدقيق
للشخصيات
والتحكم في لعب الدور المنوط بها. كانت الحكاية مرنة ركزت على
ثلاثة ابعاد ظاهرية
اساسية: قصة حب وقصة السرقة وقصة رجل امن غارق في تصوره التقليدي لاستتباب
الامن
ومحاربة الجريمة. وفكر في امكانية دمج المحاور الثلاثة في عنصرين اساسيين
هما الحب
والتواصل من جهة، ثم العنف والعنف المضاد من جهة ثانية.
بالنسبة للعنصر الاول هناك
علاقة انسانية يسودها تبادل الاحساس النبيل، وهي علاقة الحب بين الشاب
وغيثة
الممارسة لسرقة السيارات، ضمن مجموعة من اللصوص، في حين ان العنصر الثاني
مبني على
مدى الخروج عن القانون ومحاولة تطبيقه وبالطريقة التي يراها داوود الشرطي.
غيثة
تلك الشابة المليئة بالحماس وهي تعيش حياة خاصة مزدوجة بين القانون
واللاقانون، بين
العاطفة ومغامرة الجريمة، لم تتمكن من اتخاد القرار السليم. وهنا تكمن حبكة
السيناريو ونحن نعلم بخبرة هشام في الكتابة السيناريستية ضمن
اشرطة متعددة ولأفلام
متنوعة، اذ يحاول ميخي بكل ما أوتي من جهد لاستمالة وتطوير العلاقة لتصبح
ناجحة
بينهما، لكنها شخصية كما صورها المخرج تعشق المغامرة والمطاردة والظفر بما
ليس لها.
هي نشوة الحياة بالنسبة لها عكس ما يمارسه ميخي من عمل هادئ قد لا تكون
مداخيله
كافية لسبر اغوار الحياة اليومية.
يرى هشام لعسري ان هذه الحكاية يجب ان تروى
بالكاميرا وبتلك الوتيرة السريعة ما دامت هناك مكابح للسيارات. ومادام هناك
من يسرق
هذه السيارات ومادامت هناك مطاردة للصوص ومطاردة ميخي للحبيبة من اجل الظفر
بها.
لكنه اختار كذلك الفضاء الابيض والاسود كعالم مبهم وغير واضح يملؤه
الاختفاء والسير
بثبات وهدوء لتحقيق الهدف. وكيفما كان هذا الهدف نبيلا، كما هي حال ميخي،
او عكس
ذلك كما هي حال جماعة اللصوص. ولعل هذين اللونين يتناسبان مع
الأحداث التي تتوالى
ليلا. يتبين ان هذه الكتابة السينمائية المعتمدة من طرف المخرج هي اختيار
ليس الا.
نعم اختيار صاغه هشام ليؤثثه الممثل
اسماعيل قناطر بدربة وحنكة وهو يلعب دور داوود
الشرطي الذي يمارس العنف المتطرف في المدينة ويعني ضربا
واعتقالا ودماء وصوتا
مرتفعا وانتقاما بشعا... انه المسدس كذلك مما جعل المشاهد ينبهر امام اداء
الممثل
اسماعيل وعمق تقمصه لشخصية رجل الامن. وبالمقابل هناك تأثيت اخر يقوم به كل
من ميخي
وغيثة ولو في تلك اللحظات القصيرة التي يقضيانها معا. وقد اعتمد المخرج هذه
اللقطات
لتكسير لغة العنف والعنف المضاد .
ولعل غنى التجربة كون المخرج هو الذي كتب
السيناريو واخرجه في نفس الوقت. وله في هذا الباب دربة وخبرة لكونه اشتغل
مع مخرجين
متمرسين نذكر منهم نبيل عيوش، بالإضافة الى اشتغاله مع تقنيين اجانب بدءا
من
التصوير الدقيق على الرغم من صعوباته، ومن طرف ماكسيم الكسندر-ايك
ومستعينا بالصوت
المناسب لاحداث الفيلم المتناقضة، والذي اشتغل عليه باتريس مانديز لتحقيق
اهداف
الفيلم وبخبرة من قام بتوضيبه (المونتاج) جوليان فوري
.
هكذا اجتمع الممثلون
اسماعيل قناطر وصلاح بن صلاح وحنان زهدي ونادية نيازي ومالك اخميس ومراد
الزاوي
وضمن الكتابة السيناريستية المتمرسة لصياغة حبكة الفيلم، التي
تحكمت في المشاهد
وبكل عناية، مما جعله ثابتا على كرسيه الى حدود الجينيريك ليصفق طويلا لهذه
التجربة
السينمائية التي تستحق اكثر من نقاش وكتابة نقدية، خاصة انها من طرف مخرج
مغربي شاب
دخل هذا الورش الابداعي ليضيف اليه نغمة جديدة من الابيض
والاسود الى التيمة
المحبوكة والاخراج المتميز. مما ساعده على اقناع لجنة تحكيم المهرجان
الوطني للفيلم
في دورته الـ12 التي امتدت من 21 الى 29 كانون الثاني/يناير 2011 والحصول
بالتالي
على جائزة لجنة التحكيم. هكذا نجح فيلم 'النهاية' في النهاية
بخطابه السلس والمتقلب
والمتعدد الابعاد وباشتغال عميق على الشخصيات وعلى التيمة المتميزة، كادت
ان توجه
جائزة اول دور رجالي الى الممثل الفنان اسماعيل قناطر. ومن لا يعرفه.
ناقد
سينمائي
القدس العربي في
04/02/2011 |